رواية عشقت مسلمة الفصل التاسع عشر 19 - بقلم ندى المطر
عشقتُ مسلمة { بقلم / ندى المطر }
في الصباح الباكر، كانت ندى تمسك بيد جاك، تقوده بهدوء إلى الحديقة الخلفية للقصر. بعيدًا عن الحراس، عن العيون، عن الحرب التي تشتعل في كل زاوية. أرادت أن تمنحه لحظة سلام… لحظة واحدة فقط، تشبه الطفولة التي حُرم منها.
ندى، بابتسامة دافئة: تفتكر لو طيّرنا طيارة ورق، توصل للغيوم؟
جاك، وهو يضحك: ممكن توصل لأبعد من كده كمان، بس لو مسكتِ الخيط كويس!
ضحكت ندى، لأول مرة منذ أيام. كان صوت جاك هو الشيء الوحيد الذي يُعيدها إلى نفسها. كانت ترى فيه جزءًا من مارتن، لكنها كانت تأمل أن لا يرث منه تلك الظلال القاتلة.
جلسا على العشب، وبدأت ندى تراقبه وهو يرسم بسكينة، كأنه لا يعيش في قلب معركة.
ندى: جاك… لو قلتلك إن في ناس حوالينا ممكن يكونوا مش طيبين، تعمل إيه؟
رفع عينيه إليها، ملامحه بريئة لكنها تحمل نضجًا لا يشبه عمره.
جاك: أسكت… وأراقب. وبعدين أقولك.
سكتت ندى، قلبها يرتجف. لم تكن تريد أن يتعلم هذا النوع من الحذر، لكنه تعلمه وحده.
فجأة، اقترب أحد الحراس وركع أمامها.
الحارس، بهدوء: سيدتي… السيد مارتن يريد رؤيتك. الآن.
نظرت إلى جاك، وقبلته في جبينه.
ندى: ابقَ هنا… سأعود سريعًا.
لكنها لم تكن تعلم… أن الأمور على وشك أن تتغيّر بالكامل.
______________________Nada
في مكتب مارتن، كان الجو متوتّرًا. نيكولاس يقف على الجانب، عينيه تتفحّص كل شيء. مارتن ينظر إلى شاشة تُعرض عليها ملفات مخفية تم استرجاعها من أجهزة ستيفن.
أشارت ندى إلى إحدى الصور وقالت: هذه الرسالة… لم تُرسل من إيليوت.
نيكولاس متفاجئًا: كيف عرفتِ؟
ندى بحزم: لأن التوقيع مشفّر بطريقة لا يستخدمها إيليوت إطلاقًا. هذه الرسائل كانت تمر من قناة سرية… وحدة لا يملكها غير شخص داخل النظام نفسه.
مارتن ظل صامتًا. كان يقرأ اسمًا ظهر على الشاشة. لم ينطق، لم يصرخ… فقط تجمّدت ملامحه، وعيناه تحولت لبحر من الغضب والخذلان.
ندى بصوت مرتجف: مارتن؟ من… الشخص اللي أرسل الرسائل؟
استدار ببطء، وجلس دون أن ينطق.
ثم نطق اسمًا بصوت يكاد لا يُسمع: إلين.
ساد صمت ثقيل.
ندى، بدهشة: إلين؟ من هذه؟ …
مارتن عاقدًا حاجبيه: هي من أنقذت حياتي من قبل… رفيقة السلاح، أقرب من أخت. مستحيل… لكن هذا توقيعها. طريقة التشفير لا يعرفها سوانا.
نيكولاس ببطء: إذا كانت هي من رتبت كل شيء… فربما إيليوت كان مجرد واجهة.
نهض مارتن فجأة، قبضته مشدودة كأنه يمنع نفسه من تكسير شيء.
مارتن بصوت متهدج: كانت تعرف كل نقاط ضعفي… كل أسراري… حتى ندى.
أغمض عينيه، ثم ضرب بيده على الطاولة: كيف خانتني إلين؟!
_______________________Nada
لكن في مكان ما بعيد… داخل غرفة مظلمة تحوي خرائط، وأجهزة، ومخططات للقصر…
كانت إلين تجلس على الكرسي، تقلب صورة قديمة تجمعها بمارتن .
ثم تمزقها نصفين.
إلين، بابتسامة باردة: آسفة يا مارتن… من أحبك أكثر من اللازم، يعرف جيدًا من أين يبدأ بتدميرك...
_______________________Nada
السماء كانت ملبدة بالغيوم، كأنها تُنذر بانفجارٍ قادم.
وفي القصر، لم يكن هناك ما هو أسوأ من هذا الصمت الموحش الذي أعقب الصدمة.
ندى دخلت غرفة جاك ولم تجده.
في البداية ظنت أنه في الحديقة… لكن بعد دقائق من البحث، وقلبها يتسارع مع كل ثانية، دخلت إلى غرفة الحراسة تصرخ:
ندى: جااااك! أين ابني؟!
مارتن دخل الغرفة بسرعة، عينيه تطوف على الشاشات.
ندى بصوت مختنق: ابني غير موجود في أي مكان… مارتن، ابني غير موجود!!
أوقف أحد الحراس التسجيلات، وأعاد مشهدًا واحدًا فقط:
جاك… يُسحب إلى سيارة سوداء دون مقاومة، مع امرأة شعرها أسود طويل، وجهها مغطّى.
ندى كادت تسقط على الأرض.
ندى بعينين دامعتين: خطفوه! مارتن!! ابني!
_________________________Nada
دخل نيكولاس بعدها بثوانٍ، ووجهه كمن رأى شبحًا.
نيكولاس: تلقينا رسالة من إيليوت… يطلب لقاء أخير.
مارتن شد قبضته، عينيه كأنها تحترق.
مارتن: كان لازم أنهي دا من زمان.
لكن قبل أن يخرج، أوقفته ندى. وجهها كان غاضبًا، محطمًا، مشتعلًا في آن واحد.
ندى بحدة: أين تذهب؟! ابني اتخطف… وأنا لن أصمت.
مارتن بجفاء: ابني… وأنا هرجعه.
رفعت ندى يدها تدفعه بكتفها بعنف:
ندى بصوت مكسور: لا تقول عليه "ابني" وكأنك تعرف معني الكلمة. أنا من ربيت، أنا التي حضنته وقت خوفه، أنا من كنت أنام على الأرض وهو يأخد سريري عشان يتدفى!
أين كنت أنت؟!
صمت مارتن. لأول مرة، شعر بالهزيمة.
اقترب منها، عينيه تلمع:
مارتن، بصوت خافت: أنا لم أكن بعيد بإرادتي… كنت أحاول حمايتكم. لكن الان، أنا لن اسمح لاحد يأذيه… حتى لو كنتِ لا تثقين بي...
_______________________Nada
في الطرف الآخر من المدينة، وفي فيلا معزولة محاطة بالغابات…
كان جاك يجلس على أريكة صغيرة، يعبث بقطعة خشب، بينما تجلس أمامه امرأة، ترتدي معطفًا أسود طويل، تنظر إليه بعينين هادئتين… لكنها مليئة بالصراع.
إلين.
اقتربت منه، وجلست أمامه.
إلين، بابتسامة حزينة: اسمك جاك، صح؟ بتحب تطير طائرات ورق؟
جاك، بحذر: مين أنتِ؟
تنهدت، وقالت بصوت فيه نبرة دفء:
إلين: صديقة قديمة… لوالدك
________________________Nada
في القصر، تلقى نيكولاس إشارة من جهاز مخفي:
"الطفل بخير. لا تسمح لمارتن بإيذاء إيليوت. - إلين."
أراها لمارتن، وعيناه لمعتا بجنون.
مارتن، يصرخ: إلين؟! هي من اخطفته؟!
ندى، غير مصدقة: لكن… لما؟ لما تفعل ذلك؟
نيكولاس هز رأسه:
نيكولاس: قالت إنه بأمان، وإنها لن تسمح أن يحدث له شيء … لأنه ابنك يا مارتن.
_________________________Nada
الصدمة كانت مضاعفة.
ندى تدرك أنها فقدت السيطرة.
مارتن يشعر بطعنة من أقرب الناس إليه.
وإيليوت؟ ينتظر المواجهة… وقد أعد كل شيء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي ظلمة الغابة، وقفت إلين خلف زجاج الفيلا، تنظر إلى جاك النائم على الأريكة. وضعت يدها على قلبها، ثم همست:
إلين: سامحني يا مارتن… أنا أحميه من القادم، فأنت غير قادر على حمايته...!
_________________________Nada
كانت السماء تمطر بغزارة حين توقّف موكب مارتن أمام المستودع القديم عند أطراف المدينة، ذات الموقع الذي شهد أول مواجهة له مع إيليوت… والآن، سيشهد الأخيرة.
خرج مارتن من السيارة، عيناه لا تعرفان التردد، لكن داخله كان يشتعل. لم يكن يقاتل من أجل نفسه هذه المرة… بل من أجل طفله.
دخل إلى الداخل، ونظره يتجوّل في الظلال.
كان إيليوت واقفًا، تمامًا كما فعل في اللقاء الأول، مبتسمًا كمن يدرك أن اللعبة لم تنتهِ بعد.
إيليوت بنبرة ساخرة: تأخرتَ، مارتن… أم أنك كنت تودّ وداع ندى أولًا؟
تقدم مارتن خطوات ثابتة، عينيه لا تبتعدان عنه: إن كنتَ تظن أنك ستخرج من هنا حيًّا… فأنت أسوأ في الحساب من توقعاتي.
ضحك إيليوت، ثم أشار بيده إلى كرسي خشبي قديم في الزاوية: اجلس… فلن تكون النهاية خاطفة كما تتمنى.
لكن مارتن لم يتحرك.
مارتن: أين هو؟ أين جاك؟
صمت إيليوت لحظة، ثم قال: في مكان آمن… لا تقلق، لم أكن لأؤذيه، حتى لو أردتُ. هناك من سبقتني إلى ذلك.
ارتبك مارتن للحظة، ثم انعقد حاجباه: تقصد… إلين؟
هزّ إيليوت رأسه بابتسامة مريرة: أنت لم ترَ يومًا ما كانت تخفيه خلف صداقتكما. لقد كانت ترى فيك شيئًا أكبر من رفيق السلاح… ولأنك لم ترها، قررت أن تدمّرك.
_________________________Nada
في تلك اللحظة، في الفيلا النائية، كان جاك يجلس أمام المدفأة، يتأمل ألسنة اللهب، بينما كانت إلين تحضّر له مشروبًا ساخنًا.
جاك بصوت منخفض: هل أنتم أصدقاء؟
نظرت إليه مطولًا، ثم جلست بجانبه وقالت: كنا كذلك… بل أكثر من أصدقاء حتى جاءت أمك.
جاك: لماذا أخذتِني من أمي؟
تجمدت ملامحها، ثم همست بصوت يقطر ألمًا: لأنني لم أستطع أن أراك تُستخدم كأداة… لم أرد لهم أن يحوّلوك إلى مارتن جديد.
___________________________Nada
وفي المستودع، اقترب مارتن أكثر من إيليوت.
مارتن: كنت تظن أن موت ابنك سيمنحك الحق في الانتقام، لكنك أصبحت الآن نسخة مشوّهة من نفسك.
ضحك إيليوت ضحكة خافتة، ثم قال: وماذا أصبحتَ أنت؟ أبًا جيدًا؟ محاربًا نبيلًا؟ أنت قاتل، مارتن، وتعرف ذلك.
مارتن، بجمود: نعم… أعرف.
لكني على الأقل… لا أختبئ خلف الألم.
فجأة، دوّى انفجار صغير في الجهة الخلفية للمستودع، ثم دخلت مجموعة من رجال نيكولاس، سلاحهم مرفوع.
نيكولاس: انتهى وقت الحديث.
لكن إيليوت لم يقاوم. بل رفع يديه في الهواء، وكأنه كان ينتظر ذلك.
إيليوت: النهاية ليست هنا… النهاية حيث بدأ كل شيء. مع إلين.
_________________________Nada
في القصر، كانت ندى تجلس على سرير جاك، تحتضن قميصه الصغير، تحاول استنشاق بقايا رائحته.
دخل نيكولاس فجأة.
نيكولاس: وجدنا إلين. جاك بخير… مارتن في طريقه إليه.
وقفت ندى بسرعة، قلبها يخفق بعنف: أريد الذهاب… الآن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد ساعات، وصلت ندى إلى الفيلا.
وقفت أمام الباب، وعيناها تدمعان من دون أن ترفّ، بينما فُتح الباب ببطء… وخرج جاك، راكضًا نحوها.
جاك: أميييي!
ضمّته بشدة، وكأن العالم كله عاد لها فجأة. دموعها لم تتوقف، وقلبها أخيرًا هدأ بعد عاصفة.
لكنها رفعت رأسها… لتنظر إلى إلين، الواقفة في الظلال.
تقدّمت منها، نظراتها لا تعرف الرحمة هذه المرة.
ندى بصوت حاد: كنتِ تعرفين أنه طفلي… ومع ذلك، خطفتِه.
نظرت إليها إلين بعينين حزينتين: لم أكن لأؤذيه، أقسم بذلك. أردت فقط حمايته… بطريقتي.
ندى: لا… أردتِ الانتقام من والده… على حساب قلب طفل.
نظرت إليها إلين طويلاً، ثم همست: أحبيه… بما يكفي، ألا تجعليه يشبه أباه.
ندى بغضب وحدة: لم أكن لأسمح أن يشبه مارتن.
ثم استدارت إلين… ومشت في الظلّ، دون أن تنظر خلفها.
أما مارتن، فقد وقف عند نهاية الطريق المؤدي إلى الفيلا، يراقب من بعيد. لم يتقدّم.
رأى جاك بين يدي ندى… ورأى إلين تختفي في الظلال.
أدرك حينها أن هذه الحرب لم تترك منتصرًا.
فقد خسر الجميع شيئًا في الطريق.
______Nada____Almater_____
عشقتُ مسلمة
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية عشقت مسلمة) اسم الرواية