رواية سطور عانقها القلب الفصل التاسع عشر 19 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل التاسع عشر 19 - بقلم سهام صادق

الفصل التاسع عشر

******

أيام قضتها تفكر في قرارها، لا تستوعب حتي اليوم ما عرضه عليها "عامر السيوفي" ، وما أخبرها به عن شقيقه ..، تنهدت بأرهاق من كثرة تفكيرها ، فعقلها يرفض هذه الزيجة ولكن قلبها ينسج لها الأحلام مع هذا الرجل ..، الذي خفق له قلبها من لقاء واحد جمعهما دون تخطيط

و قد تحركت مشاعرها نحوه ، حلمت به لليالي ، بل كلما جاء طيفه أمام عينيها ترتبك وكأنها تراه بالفعل ..،فهي مشاعر جديدة وغريبه عليها ، لم تجربها يوماً ، فقد قرأت الكثير عن قصص الحب والمشاعر ولكنها لم تعشها يوماً

عادت تزفر أنفاسها ثانية ، تشعر بالضجر من حالها ، فأما أن توافق ، أو ترفض .. فلما تجلس تُفكر بمشاعر قلبها اللعينه وكأنها تُماطل في قرارها الذي أصبح واضحاً ، وفي لحظه كانت تنتفض من فوق فراشها ، تحك رأسها لتُفكر أين وضعت هاتفها ؟

فلا أحد تستطيع الحديث معه ، إلا "جنه" رغم أن حالها لم يكن يختلف عنها ،بل هي أفضل منها فقد جعل "عامر" القرار لها

- هو أنا حطيت التليفون فين ؟

خاطبت حالها وهي تبحث عن هاتفها ، لتتذكر أخيراً ، أين وضعته ..، اتجهت نحو الفراش ثانية ، تلتقط الوساده ..، فتجده أسفلها ، التقطته وهي تتمني أن تُجيب عليها "جنه" من أول رنين ، ولكن الهاتف خذلها ولم تكن أبنة عمتها في نطاق الخدمه

خرجت زفراتها تلك المرة بحنق ، كما أرتسم الأستياء فوق ملامحها ..، القت الهاتف مجدداً ، واخذت تسير بالغرفه ، تُفكر للمرة الأخيره

والقرار ، ها هي تبلغ به "عامر" الذي ترك جريدته ، والتف برأسه إليها يُحدق بها ،يتأكد من سماع عبارتها ، انتظر سماعها ثانية ..، فاطرقت رأسها تُعطيه الجواب بصوت هامس ، جعله لا يُصدق أن التي تقف أمامه ليست مرافقة والدته المتمرده

- موافقه يا عامر بيه ، بس عمي صابر يكون وكيلي

وبالفعل تم كل شئ ، رغم أعتراض العم صابر والسيده صافية وقد ذهبت هي إليهم أولا تُخبرهم ، ثم أتي بعدها "عامر" للبلده ليأخذ موافقتهم بالأصول التي يعرفها وتربي عليها

والزيجة قد تمت ، والعمه وقفت تحتضن أبنة شقيقها ببكاء، وجنه لم يكن حالها إلا كحال والدتها ، تُطالعها وهي تمسح دموعها .، لا تُصدق إنهم افترقوا.

طالعهم العم صابر ، وقد علقت عيناه بأبنته .. فشعر بالندم من اجلها ، ولكنه لا يستطيع رفض طلب شقيقه ، فقد أنتظر أن يعود شمله بعائلته منذ زمن وليس لديه سبيل معهم إلا أبنته ليزوجها لابن أخيه وكبير العائله .

- متقلقش يا عم صابر ، صفا أمانه عندي قبل ما هتكون أمانة أحمد أخويا

فانتبه العم صابر ، علي يد "عامر" ، وقد ربت فوق كتفه

- كلمتك ، وعد شرف يا عامر بيه

اماء له "عامر" برأسه ، متفهماً خوفه عليها ..، ولكنه أعطاه كلمته

……………..

تأملت السحاب حولها علي متن الطائرة المتجه إلى أمريكا ، تغمض عينيها وهي تُفكر في لقاءهم الأول وكيف ستكون شخصيته ، وكيف ستعيش معه وتجعله يتقرب منها ويحبها

فكرت بكل شئ بحالمية ، فهذه هي عادتها , تري كل شئ باحلام وردية ..، بل واخذت ترسم حياتها القادمه معه ..، ولحماقتها بدأت تتخيل حالها بين ذراعيه يسرد لها الحكايات , وهي تخبره إنها أحبته من كلماته منذ أن ابصر قلبها علي كتاباته ، وهو يُطالعها بسعاده ..سبحت في خيالها وتناست ما تعيشه ما هو إلا مشاهد تضعه بعقلها فيتوق لها القلب.

- لا مش لازم تخليه يعرف انك عارفه هويته المستعاره يا صفا ، عامر بيه قالك إنه يوم ما هتكوني قريبه منه وتعرفي مكانتك عنده ..، هتلاقيه بيحكيلك عن كل حاجة مرت في حياته

وبسعاده كانت تبتسم لحالها ، فبالتأكيد سيأتي هذا اليوم قريباً وسريعاً ..، فازداد حماسها باللقاء المنتظر ، ولطيلة الرحلة كانت تغفو مع أحلامها دون شعور.

…………



اخذت تُقلب بصرها في أركان الغرفة المظلمة، وهي جالسة علي نفس وضيعتها ، بعدما دفع الوسادة إليها وغطاءً، مشيراً للأريكة بفظاظه أن تغفو فوقها ، فقد أصبحت فراشها منذ اليوم ..

طالعته بكره وهو يغطي في ثبات عميق فوق الفراش الواسع ، وقد بدأت جفونها تثقل من شدة النعاس ، فلم تجد إلا ان تتمدد فوق الأريكة تغفو عليها مرغمه

أنتفضت مفزوعة ، بعدما شعرت بسقوطها فوق الأرض ، وقد شبكت ساقيها بالغطاء ، وكلما كانت تُحاول النهوض ، كانت تتعرقل وتسقط ثانية

تنهدت بضجر ، عندما تخلصت من الغطاء أخيراً ، وعادت تتسطح مجدداً فوق الأريكة ، شعرت بتقلبه فوق الفراش وقد كان يغفو براحه ..، عقلاً وجسداً ..وكلما كانت تقع عيناها عليه وهو نائم ، كانت دموعها تنساب فوق خديها ..، فقد اصبحت زوجه لذلك القاسي ، المتعجرف

اغمضت عينيها ، لعلها تعود لغفيانها ، ولكن اخدت تتقلب فوق الاريكه ، وذكريات هذا الأسبوع عادت تقتحم عقلها وقلبها

شردت في يوم عقد قرانها حيث كانت أول مره تراه فيه فكل ما علمته عنه ، كان من احاديث عمتها ، وقد تجنب القاء بها ..، وكما أخبرت والديها .. عمتها إنه طرء له العمل لا يستطيع تأجيله ، وإضطر للسفر خارج البلاد ،

وضعت له "السيده منيرة" الحجج والأعذار ، حتي تجمله أمام والديها ، وبالفعل قد حصل علي تقديرهم الذي أدركت تصنعه فيه ، حتي يظهر لهم في افضل صوره

ارتسمت ابتسامة ساخرة فوق شفتيها وهي وتتذكر لطفه معهم، وقد تجاهلوا حنقهم منه قبل عودته ب ليلة، وقد قرروا الرحيل في الصباح ..، ولكن عمتها تغلبت علي عقل والدها لينتظر قليلاً ، وكأنها كانت تعلم بموعد عودته.

ولم تمر الساعات حتي أتي هو دون أن يهتم لرؤيتها ، وبسهوله كان ينال حب والدها و والدتها التي كانت تدعمها حتي لا تتم تلك الزيجه ، ولكنها اصبحت كحال والدها سعيده بزيجتها

" ما شاء الله عريس يابنتي ولا في الأحلام مال وجمال وهيبه مالي مركزه .. ، ده جابلك فستان الفرح معاه من بلاد بره ، حفظي عليه ياجنه شكل دعوتي ليكي بأبن الحلال ربنا استجابها ليا يابنتي، هو أبن عمك يا بنتي وعمره ما هيأذيكي"

ترددك عبارة والدتها ، داخل عقلها ولولا سكون الليل لكان صوت ضحكاته قد تعالا ، ف اين هو أبن الحلال ، الشهم ذو الطباع الكريمة ، الذي تحلم به جميع الفتيات

فاقت من أفكارها ، وقد بدء صوت أذان الفجر يعلو ، ولدهشتها كانت تجده ينهض من فوق الفراش ، لم يهتم بالنظر نحو مكانها ، وكأنه نسي أمرها ..، وسرعان ما كانت تجده يخرج من المرحاض وهو يتنحنح ، ويتجه نحو الخزانه يلتقط عباءته الصعيديه وينثر عطره ، ولوهلة كانت تستمتع بالنظرإليه اسفل الغطاء ..

شعرت باقترابه نحو الأريكة ، فاغمضت عيناها سريعاً، وحاولت كتم أنفاسها ، ولكن شعرت بالغطاء يطيح من فوقها وهو يرمقها بقوة ، ويهتف بغلظه

- قومي صلي الفجر ، وعايز لما أرجع الاقيكي حضرتي الفطار يا عروسه

.................................... ............................

وقفت تتمايل بين احضانه وهو يراقصها كالاميرة ... ، تغمض عينيها وهي تتذوق العسل من عشقه وكلماته وتذوب بين همساته وقد ارتفعت وتيرة أنفاسها وأخذ قلبها العاشق يدق كالطبول ..، تستمع لصوت همساته بعدما عبثت لمساته بروحها

- بحبك اووي يا صفا

فتترنح "صفا" بين يديه ، فيتابع هو حديثه العاشق الذي حلم به قلبه وظنها حلماً بعيداً:

- انتي هدية الزمن ليا يا صفا ... مراد زين الحقيقي اتولد علي ايدك

فترفع تلك العاشقة المتيمه بحبهعينيها لأعلي، فتري نظراته الصادقه ثم عادت تختبئ بين احضانه أكثر :

- أنت كنت حلم بعيد أوي ..، معقوله أتحقق بالسرعة ديه

فتفيق وتفتح عيناها الحالمة بالأوهام، وتتأمل المكان حولها لتجد ان الطائرة تستعد للهبوط .. ، التقطت أنفاسها ، بعدما أرتفعت وتيرتها من هول هذا الحلم على قلبها ، فارتسمت فوق شفتيها ابتسامه عاشقة وكأنها مازالت في حلمها

...................... ...........................................

أخذ يُقلب في أوراقه كالتائه ، يمسك احد الاقلام وهو يطالع ساعته من حينا لأخر ،

فموعد وصول تلك الزوجه التي قد اختارها له اخيه ، وقد حاول أن يُذكره بها فقد رأها بالمزرعة، ولكنه تظاهر إنه لا يتذكرها ، توقف عن التحديق في الاوراق التي امامه ، والتقط ورقة وأخذ يحرك قلمه بحركات دائريه فوقها ، لعله يهدء من أفكاره حول من ستكون دخيلة علي حياته برغبته ، ولولا ما حدث معه ..، ما كان فكر بالامر

عاد يلتقط هاتفها ، لينظر إليها مجدداً ولا يُنكر أن ملامحها قد أقتحمت مخيلته ذات ليله ، فكرته بزوجته وحبيبته الراحله ، التي أقسم ألا يتزوج بعدها ..، ولكنه سيفي بوعده الأخر ..، فلا أحد سيشاركها قلبه

- سامحيني يا مها ، غصب عني

..............................................................

اغمضت "جنة" عينيها من هول الزعاريط التي اصمت أذنيها ، وعمتها تأخذها بين احضانها تبارك لها ، ولكن بداخلها تعلم تماما بما تعاني ابنة اخيها ، ولكن ما جعلها تطمئن قليلا هي ابتسامتها المرتسمة فوق ملامحها ، وقد أستطاعت رسمها ببراعه من أجل ألا تشمت أحد بوالديها ، أبعدتها

"العمه منيرة" عن أحضانه تنظر إليها ثم عادت تضمها نحوها بقوة وبهمس كانت تُخبرها

- الست الشاطرة ، هي اللي بتحفظ أسرار بيتها ..، وأنا بنت أخويا متربية وبنت أصول

التقطتها ذراعين "صافيه" المشتاقة لأبنتها ، وقد ضمتها إليها بقوة ..

- قمر يا بنت بطني ، أكيد رفعتي راس أبوكي وراسي

تلقفتها أحضان الأهل ، وهي كانت شاردة .. تستمع لأحاديثهم نحو السعاده الأخري التي سوف تدخل بيت المنشاوي ..، إذا جاء الحفيد

ضحكوا ، وحلموا بالقادم ..، وكلما تحدثوا كانت تبتلع غصتها ، فحديثه لها هذا الصباح لا يُغادر عقلها ، ولم تكون لا عبارات يرفقها بقول لا أو ممنوع

خروجها من منزلهم لمنزل والده ، الطعام هناك معهم ..، لا تتدخل في أموره ولا أمور عائلته ، تكون كالصماء بينهم ، لا تنتظر منه أن يكون زوجً ، لا فعلياً ولا بأي صورة أخري ، لا تسأله إلي أين ..، ولا مع من تكون ..، لا يحب الحديث كثيراً ولا يحب المرأة الثرثرة ، وإذا خرج شئ عن علاقتهما ..، سيدفعها ثمن ذله لسانها وستنال منه أشد العقاب ، غرفتهم هي من ستنظفها ، وفي بيت العائلة ستساعد في الطبخ وتنظيف المنزل مع الخدم ولا تعد نفسها عروساً مدلله

سمعته ، وصمتت ..، ليتها كانت شخصيتها قوية كأبنة خالها ، ليتها كانت "صفا" لاستطاعت نيل حقها منه

أتي لحظه رحيل والديها ، ورغم إصرار عمتها وعمها حسن للبقاء معهم ..، إلا أن والدها فضل الرحيل والعوده لمنزله والبلده التي بها أحبابه وجيرانه ، سقطت دموعها بعدما أحتضنتها والدتها تودعها

- يا بنت بطني ، عمتك هنا بدالي ، انا لازم ارجع بلدنا يابنتي ، حالنا وحياتنا هناك انا وابوكي منقدرش نبعد عن البلد ...

والتفت بعينيها تُطالع زوج أبنتها ، الذي ستظل لأشهر تفتخر به لجيرانها وتريهم صورة أبنتها وهي عروس جواره

- وجاسر وعدنا إننا اول ما نشتاقلك وتشتقلنا هيجيبك لينا علطول ، واحنا هنجيلك ديما يابنتي

وأردفت داعية الله ، أن يتم المراد بسرعة

- ربنا يرزقك الذرية الصالحه يا بنتي



تجمدت حواس "جاسر" وهو يستمع لهذه الدعوه ، وتمني داخله أن ينتهي هذا اللقاء السخيف ..، الذي أخذ منه مجهوداً وهو يرسم دوره ببراعه أمام عمه و وزجته

احتضنها "صابر" وقد سقطت دموعه هو الأخر ، فاقتربت منه منيرة تربت فوق كتفه

بنت أمانه عندنا يا صابر متقلقيش، كان نفسي ترجع تعيش وسطينا

والتفت نحو "جاسر" الذي ابتعد عنهم قليلاً حتي يُحادث احد رجاله

- ابن أخوك راجل وهيحافظ عليها يا صابر

اطمئن قلب "صابر" و "صافيه" وقد أخذوا الوعود منهم ..، والدور الذي اتقنه أكمله حتي النهاية ، ولم يرحل عمها وزوجته إلا وهم مطمئنين ..، سعداء بسخاء زوج ابنتهم وفهمهم للأصول

فرغ المنزل منهم أخيراً ، فوقف يزفر أنفاسه ..، وهو يراها تصعد للاعلي

- رايحه فين يا عروسه

هتف عبارته الساخره ، وهو يُحدقها بجمود ، التفت إليه تطالعها ببراءة لا يحبها في أعين النساء

- أنتِ هتفضلي خارسة كده ، مش سامعه بقولك إيه

- افندم

حاولت نطقها بثبات ، ولكن نبرتها خرجت بتعلثم ، فاقترب منها ..مُشيراً نحو المطبخ

- حضرليلي الأكل ، مش عريس أنا برضوه

وبوقاحة كان يهتف عبارته ، فاحتقنت ملامحها

- عمتي جايبه أكل كتير ، في التلاجه ..ممكن تسخنه ..

وقبل أن تُخبره عن كيفية تسخين الطعام ، كانت تصرخ من شده الألم ، بعدما قبض فوق ذراعها

- أسخن إيه يا حلوه ، عشر دقايق والاقي الكل قدامي مفهوم

وبقوة كان يدفعها من أمامه ، فركضت نحو المطبخ تحتمي به ، فوقف ينفض كفيه هاتفا

- حسك لو سمعته تاني ، مش هتعرفي هيحصل ليكي إيه ، مسمعش منك غير حاضر ونعم

وصرخ بعلو صوته

- مفهوم

وبشهقات كانت تكتمها بكفها ، كانت تهتف بخوف

- مفهوم

......................... ..................................

اخذت صفا تفرك يديها بقوة وذلك السائق يطالعها بإبتسامته البارده .. شعرت بالصدمه وقد تجهمت ملامحه ، تتسأل داخلها .. كيف لا يأتي هو ويستقبلها بباقة الأزهار التي حلمت بها كثيراً , فهي عروس وتستحق بعض التدليل

خدعتها أحلامها كالعاده ، وقد ضاع حلمها الاخري، ولم تري السعادة التي تخيلت أن تراها في عينين شريك حياتها ، كلما كانت تحلم بهذا اليوم مع أبنه عمتها

سارت السيارة بها ، فتركت لعينيها حرية النظر لجمال البلد التي أنتقلت إليها ، وقد تناست أمره ، رمقها السائق عبر المرآة وهو يراها ملتصقة بنافذه السيارة ، تبتسم وتلوح لكل شئ يُقابلها

توقفت السياره أخيراً عند إحدى البنايات الفاخمه ، فقد كان المنزل عباره عن فيلا صغيره ترفقها حديقة رائعه بحمام سباحة بالخلف ، أسرع السائق بالترجل من السيارة واتجه إليها يفتح لها الباب مرحباً بقدومها ، ولكنها تعجب من تشبثها بالمقعد ، تنظر إليه بقلق وقد أختفت أبتسامته ، وبعربية وقد تناست عدم فهم السائق لها

- هو مش هيجي يستقبلني ، مش كفايه مجاش المطار

هزء الرجل رأسه ، نافياً عدم فهمه لحديثها ، وقبل أن تنتبه علي حماقتها ، كانت الخادمة تخرج إليها ، وعلي وجهها ابتسامة واسعة ، مرحبة بقدومها

والسؤال الذي كانت تُخبربه السائق للتو، اخبرته للخادمة ..، التي طالعت السائق "نيمار" وهي لا تفهم ما تتحدث عنه

تنهدت "صفا" ضجراً من غبائهم ..، ولكن سرعان ما كانت تُدرك أن الغباء به هي وحدها ..، ترجلت من السيارة ولكن من الباب الأخر تهتف مازحه ، بعبارة أنجليزيه قد حفظتها من الأفلام

ولم يكن هو إلا واقف خلف ستار شرفته ، يُطالعها ويرتب أفكاره

.............................................................

وقف يطالعها بسكون تام ، فاطرقت رأسها أرضاً وقد توردت وجنتيها خجلاً ، أنتظرت أن يُخبرها بكلمه لطيفه عن فستانها ، وجمالها ,يخبرها إنه يتذكرها ، ومع غوصها في أخلامها ، كان يقترب منها بخطوات هادئه ، وقد سلب عطره أنفاسها، اصبحت المسافة بينهم منعدمه ، رفعت عيناها إليه ، وعندما تلاقت عيناهم ..، كانت تهرب من نظراته خجلاً، طالت وقفته وشعرت بنظراته تتفرس ملامحها ، وهي صامته ..مرحبة

ظنت إنها سيطبع قبلة فوق جبينها ، وقد أرادت هذا الأمر بشده ، فهذا كان من أحلامها فليحققه لها فهي عروس ، و أغمضت عيناها وهي تغوص في أحلام نسجتها معه ،

ولكن سرعان ما كانت تفيق من غفوتها وقد تجمدت ملامحها وهي تسمعه يهتف ببرود ويمدّ لها كفه حتي يُصافحها :

- اهلا ياصفا

طالعت كفه الممدود في ذهول ، وسرعان ما أنتبهت علي تجمد عيناها نحو كفه ، فصافحته وهي تبتلع مشاعر السلب داخلها ، فلم يتحقق لها حلماً حتي هذه اللحظه

- اتقابلنا قبل كده يا صفا

هتف عبارته ، وقد عاد قلبها يخفق ..، فهو يتذكرها ، وما دام قد تذكرها بالتأكيد قد علقت في عقله ، وبهمس كانت تتمتم

- أتقابلنا في المزرعه ، في مكتب الأستاذ فتحي

اماء برأسه ، وقد الجمود يرتسم فوق ملامحه ، ارتبكت قليلاً وهي لا تعرف إلي متي ستستمر هذه الوقفه

- قبل طبعا ما تطلعي لأاوضتك ، محتاجين نتكلم شويه

طالعته في صمت ، وقد شعرت أن حديثه به شئ ، توترت قليلاً مبتسمه

- أنا فعلا محتاجه السرير

ابتسم علي عبارته ، فكما أخبره شقيقه .. إنها ظريفة الطبع وخفيفة الظل

- كلامنا مش هياخد ، غير عشر دقايق يا صفا

وبابتسامه واسعه ، كانت تنظر إليه .. تنتظر سماعه

- أنتِ طبعا عارفه سبب جوازي منك يا صفا ، أكيد عامر بلغك بالأسباب

تلاشت ابتسامتها ، وقد شحبت ملامحها ..، فعن أي أسباب يتحدث ..، أخبارها أن شقيقه يُريد عروساً تؤنس وحدته في غربته ، ورغم إنها لم تكن يوماً تتمني الزواج هكذا ..، إلا إنها قبلت بالأمر ، فهذا الرجل كان حلماً لها ذات يوم ، وهي تظنه عجوزاً من شخصيته المستعارة

لم يتلقي منها أي عباره ، وقد فهم أن شقيقه لم يخبرها عن أمر الزيجه و دورها ، وكيف ستعيش معه ، وألي متي ؟

- إظاهر إن عامر مالكيش كل حاجة عن جوازنا

وبتعلثم كانت تُجيبه ، عما أخبرها به عامر

- قالي إنك عايز عروسه ، تكون معاك في غربتك

تعالت ضحكاته رغما عنها ، بعدما استمع لعبارتها ..، فحقاً شقيقه متلاعب بالكلمات ، رمقته وهي تنهض من فوق الاريكه ..، وقد أوجعها استخففه ، عاد يُطالعها بعدما ألتقط شئ ما من فوق سطح مكتبه ، ولم يكن إلا عقداً يرفقه صكً

- جوازنا هيكون لمدة سنه ، لحد ما أخلص مشروعي هنا ، ويستقر وضعي في المؤسسه ، بعدها هننفصل ، وتشوفي حياتك ، ومتخافيش مش هتطلعي من الجوازه خسرانه حاجه

ازدادت ملامحها شحوبً ، وقد أستمر في إلقاء عباراته ، يُخبرها ببنود العقد ، وها هو أخر حلم يضيع منها ويسقط بالوحل



- عايزاني احط في حسابك كام ياصفا ، عايزه كام لموافقتك على عرض الجواز

……………..

أخذت عبارات تلك الجالسه ، تسقط علي قلبها كنصل السكين ، فحتي لو لم تُحب هذا الرجل ، لكنها لا تتحمل سماع شئ عن حياته القديمه ، وما كان يُقدمه لزوجته ، التي كان يعشقها ويطير بها جنوناً ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ..، بل جلبت إليها صورة لتريها ملامحها الجميلة الفاتنه ، وانوثتها الطاغية

- اكيد خلقتك هي اللي طفشته ، في عريس يروح شغله بعد يومين جواز ، فين ايامك يامرام ..، مكنش بيقدر يبعد عنك ولا يوم واحد

تذكروا حكايات الزوجه الاولي والغرام الذي لم يكن ينطفئ لليلة ، بل كانت ترافقه بكل مكان يذهب إليه ، تعالت ضحكاتهم ، وهم يرون معالم وجهها كيف أصبحت ، بل أخذت تتهرب من نظراتهم عليها ، تقبض فوق قماش ثوبها في صمت ، تتذكر وعيده لها ، فإذا نطقت بشئ سيريها كيف تكون معاملتها له ، حبست دموعها العالقة تتمني إنتهاء هذه الزيارة حتي تهرول إلي غرفتها وترثي حالها

- قوليلي يا جنه ، هو أنتِ بتجيبي فساتينك منين ، اصلهم عجبيني أوي

هتفت "نيرة" عبارتها ساخره ، فتعالت ضحكات "أروي" و "هدي" مجدداً ، يرمقونها بنظرات فاحصه

- انتِ ازاي وفقتي تتجوزي واحد متعرفيش عنه حاجه ؟

ونهضت "نيرة" عن مقعدها واقتربت منها ، تستطرد عبارتها ، وتنظر نحو أبنة خالتها وشقيقتها

- اكيد عشان الفلوس ، فعلا الفقر وحش



لم تتحمل "جنه" سماع مزيد ، وفي لحظه لم تتوقعها نيرة ، كانت تسكب كأس العصير فوق وجهها ، تحت نظرات أروي و هدي المصدومتين بعدما نهضوا عن مقاعدهم

وبعويل وصراخ كانت تصيح "نيرة" بعبارات حانقه ، متوعدة لها



******

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات