رواية عشقت مسلمة الفصل السابع عشر 17 - بقلم ندى المطر
عشقتُ مسلمة { بقلم / ندى المطر }
كان القصر في تلك الليلة مغمورًا بهدوء ثقيل، هدوء لم يكن ينذر إلا بالعاصفة القادمة.
في جناحها، جلست ندى تتأمل الظلام خلف نافذتها، قلبها مثقل بالقلق. كانت تعرف أن مارتن لن يترك الأمور تمر ببساطة بعد ظهور إيليوت في فرنسا. لكنها لم تكن تعلم ما الذي يخطط له.
في مكتب مارتن، كان يجلس أمام خريطة ضخمة لفرنسا، يدرس مواقع محتملة قد يكون إيليوت لجأ إليها. إلى جانبه، وقف نيكولاس واثنان من رجاله المخلصين، يناقشون تحركاتهم القادمة.
مارتن، بنبرة حازمة: نحن بحاجة إلى معلومات دقيقة. لا أريد أي تحرك أعمى.
نيكولاس، بتفكير: إيليوت ليس بالشخص الذي يظهر دون هدف. إذا عاد إلى الساحة، فهذا يعني أنه مستعد للخطوة التالية.
مارتن: ولهذا السبب يجب أن نسبقه بخطوة. أرسل رجالنا إلى باريس، وراقبوا أي حركة غريبة. لا نريد مفاجآت.
أومأ نيكولاس برأسه، وخرج لينفذ الأوامر.
__________________________Nada
في تلك الأثناء، كانت سيلفيا لا تزال تفكر في الرجل الغامض الذي قابلته في المقهى. شعرت بأن هناك شيئًا غير طبيعي بشأنه، لكنه جذبها بطريقة لم تستطع تفسيرها. عندما دخلت إلى جناحها، وجدت على طاولتها مظروفًا صغيرًا. فتحت المظروف بحذر، ووجدت داخله ورقة صغيرة مكتوب عليها:
"انتبهِي لمن تقتربين منه..."
تجمدت ملامحها للحظة، وبدأ قلبها ينبض بسرعة. من الذي أرسل لها هذه الرسالة؟ ولماذا؟
___________________________Nada
في صباح اليوم التالي، اجتمع الجميع على مائدة الإفطار، لكن التوتر كان واضحًا. ندى كانت صامتة، تنظر إلى جاك الذي كان يتناول طعامه بهدوء، بينما مارتن كان شارد الذهن، يفكر في خطوته القادمة.
فجأة، دخل أحد رجال مارتن مسرعًا، ووقف أمامه بوجه متوتر.
الرجل: سيدي... لدينا مشكلة.
رفع مارتن عينيه بحدة: ماذا حدث
الرجل: أحد رجالنا الذين أرسلناهم إلى فرنسا... وجدوه مقتولًا.
ساد صمت ثقيل في الغرفة، قبل أن يقف مارتن ببطء، قبضته مشدودة بغضب.
مارتن، بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا واضحًا: إيليوت بدأ يتحرك... ولن ننتظر حتى يضربنا مجددًا.
ندى، التي كانت تراقب الموقف بصمت، شعرت بالخوف يتسلل إلى قلبها. الحرب التي حاولت الهروب منها لسنوات، قد بدأت من جديد... وهذه المرة، لا أحد يعرف كيف ستنتهي.
________________________Nada
في مساء اليوم ذاته، كانت سيلفيا تمشي في الحديقة الخلفية للقصر، تحاول تهدئة أفكارها بعد الرسالة الغامضة التي تلقتها. كانت تعلم أن عالم والدها ليس بسيطًا، لكنها لم تتخيل أن فضولها سيجلب لها الخطر بهذه السرعة.
فجأة، سمعت صوت خطوات خلفها. استدارت بسرعة لترى الرجل نفسه، يقف بعيدًا قليلًا، يراقبها بصمت.
سليفيا، بحذر: لم أتوقع أن نلتقي مجددًا بهذه السرعة.
الرجل، بابتسامة جانبية: ولا أنا. لكن يبدو أن هناك من لا يريدكِ أن تتحدثي معي.
رفعت حاجبها بفضول، وهي تتقدم نحوه خطوة: ومن قد يكون هذا؟
اقترب منها قليلاً، صوته منخفض لكنه واضح: أعداؤكِ ليسوا فقط أعداء والدكِ... أحيانًا، قد يأتي الخطر من أقرب مما تظنين.
قبل أن تتمكن من سؤاله المزيد، وعن كيفية مجيئه، استدار واختفى في الظلام، تاركًا خلفه مزيدًا من الأسئلة.
_________________________Nada
في تلك الليلة، كان مارتن يقف أمام نافذته، ينظر إلى القصر المضاء تحت السماء المظلمة. كان يعلم أن الحرب قد بدأت، وكان مستعدًا لها.
لكنه لم يكن يعلم أن هناك من يراقبه أيضًا، من بعيد، بعينين تحملان نيران الانتقام.
إيليوت كان هناك، ينتظر اللحظة المناسبة للضربة القاتلة.
________________________Nada
في أحد المستودعات المهجورة على أطراف باريس، وقف مارتن في منتصف المكان، يديه في جيوبه، وعيناه تراقبان الظلام من حوله. لم يكن بحاجة إلى النظر خلفه ليعرف أنه محاط برجال إيليوت، لكنه لم يكن خائفًا. لقد جاء لهذه المواجهة وهو يعلم تمامًا ما ينتظره.
قبل ساعات من هذا اللقاء، كان مارتن في مكتبه، يتلقى تقريرًا من أحد رجاله.
الرجل: لقد حددنا موقع إيليوت. إنه في مستودع قديم على أطراف باريس، المكان مؤمّن جيدًا، لكنه ليس حصنًا لا يمكن اختراقه.
مارتن، وهو يشعل سيجارته ببطء: كم عدد رجاله؟
الرجل: على الأقل عشرة داخل المستودع، وعدد غير معروف في المحيط الخارجي. لكن الأهم... يبدو أن إيليوت نفسه ينتظرك.
ألقى مارتن نظرة سريعة على الخارطة الموضوعة أمامه، ثم ابتسم بسخرية: إيليوت يظن أنه يمكنه استدراجي؟ لا بأس... سنجعلها لعبة مزدوجة.
أدار مارتن رأسه إلى نيكولاس، الذي كان يجلس على الأريكة، يراقب بصمت.
مارتن: أريد فريقًا جاهزًا خلال نصف ساعة. نحن ذاهبون لمقابلة إيليوت، لكننا لن نذهب وحدنا.
نيكولاس، بابتسامة جانبية: كنت أعلم أنك لن تستطيع مقاومة هذا اللقاء.
بعد ساعة، كان مارتن قد استقل سيارة سوداء، يقودها أحد رجاله الموثوقين. خلفه، كانت هناك عدة سيارات أخرى، محمّلة برجاله المدربين. لم يكن ينوي أن يدخل إلى فخ دون أن يملك خطة للخروج منه.
عند وصولهم إلى المستودع، أشار مارتن إلى رجاله بالتوقف.
مارتن، بصوت هادئ لكن حازم: أنا أدخل وحدي. انتظروا الإشارة.
اعترض نيكولاس فورًا: هذا جنون، قد يقتلك قبل أن تنطق بكلمة.
مارتن، بابتسامة باردة: إن كان يريدني ميتًا بهذه السهولة، فهو لم يتعلّم شيئًا عني خلال كل هذه السنوات.
ترجّل من السيارة وسار باتجاه المدخل، لم يُظهر أي تردد، كأنه كان في طريقه إلى لقاء عمل عادي. عندما دخل المستودع، كان الظلام يحيط بالمكان، لكنه استطاع رؤية إيليوت يقف هناك، منتظرًا.
من بين الظلال، ظهر إيليوت أخيرًا. عيناه الباردتان لم تفارقا مارتن وهو يتقدم ببطء، خطواته تحمل ثقل السنوات التي قضاها مختفيًا، يخطط، يراقب، ويستعد لهذه اللحظة.
إيليوت، بصوت هادئ لكنه يحمل نغمة قاتلة: لم أتوقع أنك ستأتي بنفسك، مارتن. ظننتك سترسل أحد كلابك أولًا.
مارتن، بابتسامة ساخرة: أردت أن أرى وجهك عندما تدرك أنك ضيّعت عشر سنوات من حياتك على شيء لن تحصل عليه.
ضحك إيليوت بخفّة، لكن عيناه بقيتا قاسيتين: أوه، مارتن، لم أضيّع لحظة واحدة. كنت أراقب، أتعلم، وأنت كنت تعيش وهم الأمان.
تقدم خطوة أخرى، ثم أضاف بصوت منخفض: أنت قتلت ابني، مارتن. هل تعتقد أنني سأترك ذلك يمر دون ثمن؟
عبست ملامح مارتن للحظة، لكنه أخفى أي أثر للتردد. نظر إلى إيليوت مباشرة وقال ببرود: ابنك كان ضعيفًا. لم يكن ليستحق مكانه في هذا العالم. تمامًا مثلك.
تصلّبت ملامح إيليوت، ومرّت لحظة صمت بينهما، قبل أن يقول ببطء: هل تعرف ماذا يعني أن تفقد ابنك، مارتن؟ أن تراه يُقتل أمام عينيك؟ أن تحمل جثته بين يديك وأنت عاجز؟
مارتن، بصوت بارد: أعرف معنى أن تخسر. الفرق بيني وبينك، إيليوت، أنني لا أدع خسائري تحكمني، كما أنه استحق هذا ليدفع ثمن عدم تربيتك له، وعدم تعليمه ألا يلمس شيء يملكه مارتن جيمس.
أغمض إيليوت عينيه للحظة، ثم فتحهما مجددًا، نظراته مليئة بالحقد الصافي: هذا الفرق الوحيد بيننا؟ لا، مارتن. الفرق الحقيقي هو أنني لم أنتهِ بعد.
لوّح بيده، وفي لحظة، ظهر قناص على السطح المقابل، مصوّبًا سلاحه مباشرة نحو رأس مارتن.
إيليوت، بابتسامة بطيئة: هل أنت مستعد لمواجهة الموت، مارتن؟
لكن مارتن لم يبدُ عليه القلق. بل ابتسم بدوره، وكأنه توقّع هذا تمامًا.
مارتن: لطالما كنت تظن أنك أذكى رجل في الغرفة، إيليوت. لكنك لم تتعلم أبدًا أنني لا أحضر لمثل هذه اللقاءات دون خطة.
في تلك اللحظة، انطفأت كل الأضواء في المستودع، ودوّى صوت إطلاق نار من بعيد.
إيليوت استدار بسرعة، لكن الأوان كان قد فات. رجاله بدأوا بالسقوط واحدًا تلو الآخر، والظلال التي ظن أنها توفر له الحماية أصبحت فخًا قاتلًا.
مارتن، بصوت منخفض وهو يقترب من إيليوت: أنت لم تكن الصياد أبدًا، إيليوت. كنت دائمًا الفريسة... وأنت الآن في لحظاتك الأخيرة.
لكن إيليوت لم يكن من النوع الذي يستسلم بسهولة. ارتسمت على وجهه ابتسامة باردة، قبل أن يهمس: هل تعتقد أنني أتيت إلى هنا دون خطتي الخاصة؟
في تلك اللحظة، دوّى انفجار ضخم في أحد أجزاء المستودع، هزّ الأرض تحت أقدامهم.
إيليوت، وهو يتراجع بخطوات بطيئة: هذه اللعبة لم تنتهِ بعد، مارتن. لكنها بدأت الآن بالفعل.
قبل أن يتمكن مارتن من الرد، كان إيليوت قد اختفى في الدخان والفوضى، تاركًا خلفه وعدًا بأن هذه الحرب لن تنتهي إلا بموت أحدهما.
___________________________Nada
بعد ليلة مليئة بالتوتر والمواجهة، عاد مارتن إلى القصر. كان الإرهاق باديًا عليه، لكن أكثر ما أثقل كاهله لم يكن المواجهة مع إيليوت، بل الفكرة التي بدأت تتسلل إلى عقله: هل يستطيع أن يعيش حياة طبيعية بعيدًا عن دائرة الدم والانتقام؟
دخل إلى جناح ندى بخطوات ثقيلة، ووجدها تجلس على الأريكة، تقرأ كتابًا بصمت. رفعت عينيها فور دخوله، ولاحظت تعابير وجهه المرهقة. وضعت الكتاب جانبًا وانتظرت منه أن يتحدث.
مارتن، بصوت منخفض لكنه يحمل ثقل الليلة: قابلت إيليوت.
رفعت ندى حاجبها ببطء، لكنها لم تُعلّق. فقط نظرت إليه بانتظار أن يُكمل.
مارتن، وهو يجلس أمامها: كان اللقاء مشحونًا... مليئًا بالغضب والتهديدات. لكنني رأيت شيئًا في عينيه، ندى... هذه الحرب لن تنتهي أبدًا. مهما فعلنا، سنظل ندور في هذه الدوامة.
ندى، بهدوء لكن بجفاء واضح: إذن؟
أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بصوت أكثر دفئًا: إذن أريد أن أتوقف. أريد أن أعيش حياة طبيعية... معكِ. ندى، لقد مررنا بالكثير، وربما لم تكن بدايتنا طبيعية، لكن يمكننا صنع نهاية أفضل.
نظرت إليه ندى نظرة طويلة، ثم وقفت ببطء. مشيت باتجاه النافذة، وأدارت ظهرها له.
ندى، بصوت هادئ لكنه يحمل صلابة لا تخطئها الأذن: مارتن، لا يمكنك الهروب من ماضيك، تمامًا كما لا يمكنني أنا الهروب منك. لكن لا تطلب مني أن أعيش وهمًا.
استدار نحوها، عيناه تحملان إصرارًا نادرًا: هذا ليس وهمًا، ندى. نحن هنا، لدينا ابن، لدينا فرصة لترك كل هذا خلفنا.
استدارت لمواجهته، عيناها تحملان مزيجًا من الألم والغضب: لا يمكنك أن تطلب مني أن أنسى. حياتك مبنية على الدماء، وأنت تعرف ذلك جيدًا. حتى لو أردت أن تتوقف، الماضي لن يتركك. وأنا... لن أكون جزءًا من كذبة أخرى.
شعر مارتن وكأن سكينًا غُرز في صدره. كان يعلم أنها محقة، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام. اقترب منها ببطء، محاولًا البحث في عينيها عن أي أثر للأمل.
مارتن، بصوت خافت: ألا يمكننا حتى المحاولة؟
ندى، بحزم لكنها لم تستطع إخفاء الحزن في صوتها: لا، مارتن. لا يمكننا.
وقف مارتن مكانه، شعر ببرودة رفضها تتسلل إلى داخله. لم يكن هذا ما أراده، لكنه كان يعلم أن تغيير رأيها لن يكون سهلاً.
نظر إليها نظرة طويلة، ثم استدار ليغادر الغرفة، لكن قبل أن يخرج، قال بصوت منخفض لكنه يحمل قوة خفية: قد ترفضين الآن، لكنني لن أتوقف عن المحاولة.
خرج من الغرفة، تاركًا ندى وحدها، تتنفس بصعوبة وكأن كلماتها كانت أثقل مما توقعت. أما مارتن، فكان يعلم أن المعركة الحقيقية لم تكن فقط مع إيليوت... بل مع قلب ندى أيضاً.
____Nada_____Almater_____
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية عشقت مسلمة) اسم الرواية