رواية سطور عانقها القلب الفصل السادس عشر 16 - بقلم سهام صادق

 رواية سطور عانقها القلب الفصل السادس عشر 16  - بقلم سهام صادق

*****

انصدمت ملامح "حسن" من عبارة شقيقته ، وقبل أن يفوق من صدمته ..ويعترض علي ما تفوهت به وكيف فكرت بالأمر ، أخذت تُقنعه ..،

فالسيده منيرة لم تكن تُفكر إلا بجمع شمل العائله ، لم تُفكر إنها ربما تظلم أبنة شقيقها التي لا تعلم عنها شئ ..، وغفلت عن طباع "جاسر" القوية ..، جاسر ذلك الذي يكره النساء ولا يري فيهم إلا مجرد متعة يتمتع بها الرجل من أجل إرضاء غريزته ،

رجلاً خدعته امرأه ، فقرر أن يجعل جميع النساء تدفع الثمن ..، رجل يحمل الكره لهذا العم لما فعله بوالدته منذ سنوات طويله عندما تركها بين ألسنة الناس يتحدثون عن شرفها ..، ولولا القرار الصارم الذي أتخذه "عارف المنشاوي " كبير العائله ، بأن يتزوج "حسن المنشاوي" من سميرة أبنة عمه.

أتخذت "منيرة" بحنكتها جميع الطرق لأقناع شقيقها ، ولكنها لم تجد إلا الطريق الوحيد الذي سيقنعه ويجعله يُفكر بجديه

- محدش هيستحمل جاسر غيرها يا حسن ، مهما عمل فيها هتستحمل وتسكت ، هترضي بأي حاجة وطبعا صابر عمره ما هيتكلم

واتبعت حديثها بمراره علي حال ابن شقيقها وما وصلت إليه حياته

- جاسر كل شويه يتجوز واحده لا ليها أصل ولا فصل ، ابنك مبيعديش الشهرين إلا وهو متجوز واحده في القاهره ، أنا صحيح شعري شاب يا حسن بس عارفه كويس ابني في إيه .. ابني لسا مجروح من اللي حصله زمان

ووضعت بيدها فوق قلبها، وقد دمعت عيناها

- ده أبن قلبي ، وأنا اللي مربياه

تفاجأ "حسن" بمعرفة شقيقته ، عن زيجات "جاسر" ، ورغم عدم رضاه عن الأمر إلا إنه فضل الصمت حتي يعود أبنه لرشده

- بنت صابر من دمنا يا حسن ، سبناه يتجوز الغريبة وأه شايف وصلنا لأيه ،

ظهر الاقتناع علي وجه "حسن" ، فالتمعت عينين "منيرة" براحه

- وافرض البنت رفضت يا منيره ، ده أنتي بتقولي صغيرة وصيدلانية ..

تلاشت الراحه من فوق ملامح "منيرة" ، ولكن سرعان ما كانت تنفض أي شعور يقلقها من رفض شقيقها وابنته ، فاستطردت بعباراتها.. حتي تزيد من أقتناعه ويقف معها أمام "جاسر" الذي لن يخضع لهم بسهولة

- أخوك بقي محتاج لينا يا حسن ، ولو رجع وسطنا ، عمره ما هيقدريرفض لينا طلب…

وصمتت قليلاً وقد علقت عيناها بعينين شقيقها

- لا هو ولا بنته

- سبيني افكر في الموضوع واقولك

والموافقة قد أخذتها من شقيقها ، حتي لو لم يُخبرها بجوابه صراحةُ ، ولكنها تعلم ما يدور الأن في عقل شقيقها الأكبر

……..

زفرت "صفا" أنفاسها براحه ، بعدما استمعت لصوت أبنة عمتها وقد أجابت علي مكالماتها أخيراً ، ولأنها تعلم أن عدم إجابة ابنه عمتها عليها , وراءه سببً ما ، فتسألت وهي تنتظر أن تسمع جوابها دون مراوغة

- مش هسأل كتير ، فيكي إيه يا جنه جاوبيني

دمعت عينين "جنه" وقد جلست علي أحد الارائك الخشبيه في الممشي الخاص بالمارة بالقرب من الصيدليه التي اصبحت تعمل بها

- روحتلهم ، وطردوني يا صفا

ودون أن تخبرها عن هوية من تقصدهم ، كانت "صفا" تُدرك تماماً من فعل هذا بأبنة عمتها ذو القلب الهش الذي لم يعتاد علي قسوة القلوب

- وزعلانه ليه ، ما أنتِ عارفه أنهم نسيوكم من حياتهم

هتفت بها "صفا" بقوة وقد أوجعها قلبها عليها ، ابتلعت "جنه" غصتها وهي تُطالع الطريق الذي بدء يخلو من الناس

- كنت فاكره هيخدوني في حضنهم ، ليه الكره ده وعشان إيه ..، عشان أتجوز واحده فقيرة

تنهدت "صفا" حانقة ، وهي تتذكر ذلك اليوم الذي أخبرها والدها عن السبب ..، وقد أخذها الفضول لتعرف أين هم أعمام "جنه" ، بعدما أتت تلك المرأة التي لا تتذكر اسمها , وقد أتت لزيارة بيت أخيها وكانوا لدي عمتها في زيارة قصيرة

- انسيهم يا جنه ، أنسيهم زي ما عمي صابر نسيهم

- وأنتِ فاكرة إن بابا نسيهم في يوم يا صفا ، هو بيتظاهر بكده عشان عمتك

هتفت بغصه ، قد شعرت بها "صفا" …فالعم صابر يحب عمتها لدرجة جعلته يتخلي عن كل شئ من أجلها

- نفسي الاقي حد يحبني زي حب جوز عمتي لعمتي ، طلعتي محظوظه يا صافيه

واحتضنت وسادتها ، غارقة في حلمها ، وقد نسيت تلك التي تسمع عبارتها وتزفر أنفاسها حانقة منها ومن أحلامها بفارس الاحلام المنتظر

- أنا بكلمك في إيه ، وأنتِ بتكلمي في إيه ..

صرخت "جنه" بقوة ، وهي تُسمعها عبارتها المستاءه .. انتفضت "صفا" عندما أنتبهت علي صراخها الحانق ، والقت بالوساده أرضاً تنفض رأسها

- الحلم كان جميل يا جنه ، ده أنا كنت بدأت أتخيل شكله

ازدادت ملامح "جنه" إحتقاناً ،وقد نهضت عن المقعد الخشبي ، وسارت نحو الطريق حتي تعبره

- شوفي حاولتي الحكاية لأيه ، بدل ما تهوني عليا

وبقهر طفولي كانت تُخبرها هذه المرة ، عن ضرب عمتها لها وكأنها فتاة صغيرة ، أنفرجت شفتي "صفا" في ضحكة قوية ، شعرت وكأن من بالقصر جميعهم قد أستمعوا إليها

- عمتي ضربتك ، لا صافيه ديه ديما شريرة كده

وعادت ضحكاتها تعلو ، تستمع لعبارات "جنه" المتذمرة وقد أرتسم الحنق فوق ملامحها ، لتتسع عينين "صفا" صدمة ، وهي تراها قد أغلقت الخط وأنهت المكالمة

- ديه قفلت التليفون ، ماشي يا جنه

هتفت عبارتها ، و القت بهاتفها جوارها ..، ونهضت من فوق الفراش تتماطأ بجسدها وتفرد ذراعيها ..، ولكن سرعان ما كانت تنتبه علي الوقت ..، فقد حان وقت أخذ" السيده ناهد "لأدويتها

اسرعت في هندمت ثيابها ووضعت حجابها فوق خصلاتها ، وركضت مهرولة نحو غرفتها

تعالت شهقتها وقد أصطدمت بجدار صلب ، ولم يكن إلا هو الذي كان يُغادر غرفة والدته للتو ، رمقها متفحصاً لها ، فابتعدت عنه بعدما تخطته ودلفت نحو الداخل وقد شعرت بالأرتباك بسبب تهورها في السير

زفر "عامر" أنفاسه حانقاً منها ، والتف حتي يصرخ عليها ويسألها عن تأخرها لأعطاء والدته علاجها ..، فلما هي هنا ..، هل من أجل الضحك أم الرقص أم المزاح مع الخدم

كانت كل تلك العبارات تدور بعقله ، ولكنه لم ينطق بها ..، فبمجرد أن التف نحوها ..، تذكر هيئتها البريئة وهي تتراقص بين الخدم ..، هيئتها ما زالت تقتحم عقله ليس بتلك الصورة التي رأي بها فريدة ولكن بصورة أخري تجعل قلبه يبتسم

سار بخطوات سريعه ، فرمقته "صفا" مدهوشة ، من حركته بعدما وقف يُطالعها وهي تُعطي الادوية للسيدة ناهد

- كنتي بتضحكي ليه ياصفا ..بصوت عالي

وبلطف كانت تردف

- مش تحكيلي ، و تضحكيني معاكي

- عامر بيبلغك ، تنتبهي علي صوتك

اتسعت حدقتيها ، و سرعان ما توردت ملامحها والسيده ناهد تردف تلك المرة بعبث ، والضحكة أرتسمت فوق ملامحها

وكما توقعت ، قد استمع من بالقصر صوت ضحكاتها ، ولحظها الذي تعرفه تماماً كان هو من سمعها ..، وقد أخذت اليوم أحد تحذيرته التي لا تنقطع

………….

استرخي بجسده وقد رفع ساقيه فوق الطاولة الصغيره ، ينظر إليها مستمتعاً برقصتها له ..، ابتسمت له وهي تقترب منه وتتمايل نحوه ..، تُظهر له مفاتنها بسخاء ..، وهو كان خير من مرحب لكنه لا يتأثر ولا يضعف ..، ف "جاسر المنشاوي" رغم عبثه مع النساء وعلاقته المتعدده إلا أنه لا يمنح أي أمرأة هذا الشعور ..، أسقطها فوق ساقيه بعدما اعتدل في رقدته ، فتعالت ضحكاتها وهي تتعلق بعنقه

- قولي أني جميله في عيونك يا جاسر

تعالت ضحكات "جاسر" وهو يعبث بجسدها

- ما أنتِ جميله فعلا يا سهر ، هو لازم اقولك يعني..

واردف بمكر وهو ينظر في عينيها ويعلم ما تنتظره منه

- لا مبحبش أشوفك معندكيش ثقة في نفسك

زفرت أنفاسها وقد علمت أن هذه الليلة التي اقسمت أن يُخبرها بحبه ، قد ضاعت ..، فمهما حاولت أن تفعل له ..، "جاسر" لا يراها إلا زوجه بعقد رسمي متفقين علي فسخه إذا أراد هو هذا ..، زوجة برتبة عشيقة , يا له من إنجاز حققته وهي التي تركت زوجها من أجله بعدما ظلت لعام كامل تركض خلفه في كل مكان وقد منحها أخيراً فرصة أن تكون من نساءه

لم يمنحها ما أرادت ، بل منح نفسه ما أراده هو ..، نهض من جوارها بعدما انتهت متعتهم وطالعها وهي مسطحه فوق الفراش فتسألت وهي تعلم الاجابه لكنها منحت نفسها أملاً

- مش هنفضل هنا للصبح

وبنظرة منه كانت تعلم الإجابه ولكنه أعاد الجواب عليها ، حتي تسقط من سقف أمالها

- أنتِ عارفه إحنا بنيجي الشقة ديه ليه يا سهر ، بنقضي وقت لطيف وننبسط

ضغط علي عبارته الأخيرة ، واتجه نحو المرحاض تحت نظراتها اليائسة من هذا الرجل

…………

ابتسمت "صفا" بسعاده وهي تُطالع وجه ذلك الرجل الذي افتقدته بكتبه وحديثه الطيب ، فوقفت تتأمله من بعيد وهو يُرتب كتبه فوق الرصيف ..، وبخطوات بطيئة كانت تقترب منه، تتذكر الايام التي كانت تأتي فيها إليه ، كلما كانت تُرسلها والدتها لجلب بعض الأغراض للمنزل ، كانت تذهب متذمره ..، وفي عودتها كانت تمر علي العم محمود تتساير معه قليلاً وتمازحه

وقفت خلفه ، تنتظر أن تري سعادته بقدومها إليه، وهل نساها أم ما زال يتذكرها

- وحشتني ياراجل ياطيب

استمع العم محمود للصوت الذي لم ينساه ، والتف نحوها مصدوماً غير مُصدقاً إنها هي ..، التمعت عيناه بطيبة ، واتسعت ابتسامته وهي يفحصها بعينيها ، هاتفاً باسمها :

- صفا !

التمعت الدموع بعينيها ، فقد أشتاقت لهذا الرجل بالفعل ..، لقد كان دوما كريما وعطوفاً معها ..، يسمع أحلامها مبتسماً ..، يُخبرها إنها ستجد ما تتمني يوماً لانها فتاة طيبه القلب ، وبعتاب كان يُخبرها

- كده تنسي عمك محمود يا بنتي

وعندما أنسابت دموع فوق خديها ، فهي لم تنساه ولكنها أبتعدت عن هنا ..، ابتعدت لتعيش مع عمتها بعد رحيل والديها

- عرفت يابنتي بكل اللي حصلك .. ، روحت أسال عنك ..، بعد ما غيبتك طولت ..،جيرانك قالولي اللي حصل

تمالك دموعه ، فقد بكي هذا اليوم علي حالها وتمني لو عرف لها طريقاً

- وعرفت انك روحتي تعيشي عند عمتك .. ربنا يرحمهم يابنتي

ارتسم الحزن فوق ملامحها ، فانتبه "العم محمود" عليها ، فاسرع في التقاط الكتب التي تحبها هاتفة بنبرة مرحه لعله يُخفف عنها

- موحشتكيش كُتب عمك محمود القديمه ، وكُتب مراد زين

فابتسمت "صفا" ، وهي تراه يُحاول إخراجها من حزنها ، هاتفه بمشاغبة ومرح قد أفتقدهم منها

- أنت اللي وحشتني ياعم محمود .. ، أنا جيت بس عشان اشوفك وادفعلك تمن الكتاب اللي اخدته منك اخر مره لان للاسف ضاع مني

وعادت تبتلع غصتها ، حتي لا تتذكر ذلك اليوم الذي ضاع منها عند عودتها لمنزلها , لتراه وهو حطاماً ، وقد خرجت من تحته أجساد والديها وقد فارقوا الحياه

عم محمود : طب وحبيبك مراد زين مش عايزه تشوفي اخر كتاب ليه .. نزل السوق من أسبوع ..

واردف وهو يُخبرها بما سمعه من البعض عن إعتزاله

- بيقولوا إنه أعتزل الكتابه

فعبست ملامح "صفا" ، فحتي كاتبها المفضل ترك الكتابه ..، واصبح بائس مثلها

- مدام اخر كتاب ليه يبقي خلاص هاخده

............................................................

لامست يديها وجهه الشارد وكأنه في عالم اخر، فانتبه "احمد" علي حركتها التي أفزعته وبلطف كان يزيح كفها عنه

أطرقت "أميرة" رأسها بعدما شعرت بالحرج من ردة فعله

- أنت مش معايا خالص يا احمد ، حاسه إنك عايزنا نمشي من المكان

وبألم كانت تتسأل

- هو أنت زهقت من علاقتنا

تعجب من نطقها نحو علاقتهم بتلك الطريقه ، وكأنهم أحباء وليسوا رفقاء يتشاركون همومهم وحديثهم معاً

- معلش يا اميرة ، في شوية حاجات شغلاني في الشغل

ورغم أن من مهمتها أن تعرف تفاصيل عمله ، وما يؤرق أفكاره مع شركاءه إلا إنها لم تعد تهتم بشئ إلا هو

ابتسم لها باللطف وقد مسح فوق كفها ، معتذراً

بادلته الأبتسامه ، والتمعت عيناها ..، وقلبها يُخبرها أن تفصح له عن مشاعرها

- احمد انا ..

ولكن الحديث توقف علي طرفي شفتيها ، وقد أخذ هاتفه يصدح بنغمته الهادئة ، فطالعها ثم طالع رقم المتصل بسعاده وهو ينهض عن طاولتهم :

- عن اذنك يا اميره ، هرد علي التليفون

ابتعد عنها ، تحت نظراتها العالقه به .. تزفر أنفاسها متنهدا وقد ابتلعت حديثها ..، فلم يأتي اليوم بعد ..، أو ربما إنها أخطأت في قرارها .. ويجب عليها أن تُفكر بمهمتها التي طالت وأصبح مديرها يتذمر منها

ارتشفت من كأس الماء الذي أمامها وقد عادت لثباتها ، ولكن لحماقة قلبها ..، كانت تعود لتتأمل تفاصيله الرجولية

ضحكت داخلها ساخره ، إنها ضعيفة أمام رجال هذه العائله ، وبمشاعر مضطربه كانت تُدلك عنقها تهتف بلوعة وقلة حيله

- أنا اتورطت في حبك يا احمد ، اعمل ايه انا دلوقتي ، مش قادره أذيك ولا ينفع ابعد عنك غير بعد ما أنفذ مهمتي

..................................................................

أفزعها صوته الجامد ، وقد أتت من الخارج سعيدة بما تحمله ، سقط الكتاب من يدها والتفت نحوه، فعلقت عيناها بنظراته وقد وقف يفحص ما تحمله بنظرات ثاقبة :

- افندم ياعامر بيه

تأملها عامر للحظات ، ثم حدق بالكتاب الذي سقط منها ..، يري أسم شقيقه المستعار فوق غلافه، وعلي ما يبدو إنه أخر أعمال شقيقه ، تحرك نحوها ولكنه لم يكن يقصدها .. إنما كان يقصد الكتاب الذي أنحني والتقطه ..، طالعها عندما التقط الكتاب ليري في عينيها اللهفة نحو الكتاب ، فكيف سيكون حالها إذا اصبحت أمام كاتبه ..، محظوظ هو شقيقه ..، يحبه معجبينه وهم لا يعرفون هويته الحقيقية ..، ويحبه من يعرف "احمد السيوفي" المهندس المنضبط الطموح

باغتها بسؤال لم تكن تنتظره منه ، فقد توقعت أن يستخف بها كعادته

- يعني خرجتي تشتري كتب ، وبتحبي تقري لمين كمان يا صفا

ورغم التهكم الذي ظهر في نبرته ، إلا أنها تجاهلت الأمر ..، تُخبره بالأدباء الذين تحب القراءة لهم

أماء برأسه ، وقد ترك لها فرصة الحديث قليلاً ..، حتي إنها استعجبت إنه وقف يسمعها ، ولكن ها هو "عامر السيوفي" يعود بغلاظته

- بقيتي مصدر ازعاج في القصر ، ومارجريت بتشتكي منك كتير ، ده غير خروجك من القصر من غير ما تبلغيني

تهجم وجهها ، وقد استفزتها عبارتها

- أخدت اذن ناهد هانم

أحتدت ملامحه ، وقد اقترب منها ..، وبعجرفة كان يلتف بجسده هاتفاً

- تعالي ورايا علي المكتب .. مش هفضل واقف اكلمك علي السلم كده

أمتقعت ملامحها فقد ضاعت بهجة هذا اليوم ، سارت خلفه تُفكر ما التوبيخ الأخر الذي ستحصل عليه أيضاً ..

وقفت في منتصف الغرفة ، تعقد ساعديها أمامها وتنتظر سماعه ، رمقها بنظرة لا تعرف تفسيراً لها ، نظرة كانت طويله ..، جعلتها تشعر بالقلق



التقطت منه الورقة التي مدّها إليها في صمت ، انتظر أن يري معالم وجهها وتظهر صدمتها ..، لم تمر سوي دقيقة إلا وهو يري صدمتها وشحوبها

تقدمت منه لا تستوعب ما تراه ، فكيف فعل هذا الأمر بها .، وكيف خدعها بهذه الطريقة المقززه ..، هل جعلها توقع علي هذه الورقة ليستغلها ، ودموعً كانت تغرق وجهها وهي تُطالعه بنظرة تحمل الحقد والكره ، تتسأل بصدمه وعيناها عالقة بالورقة

- انا ممضتش علي الورقة ديه ، أنت بتعمل فيا كده ليه

صرخت وتقدمت منه تدفع كل ما فوق سطح مكتبه

- انت شيطان .. انا كنت فكراك طيب .. طلعت شيطان ، صحيح اللي يكون قلبه جافي علي أقرب الناس ليه ..، أكيد شيطان ..، أنت تستحق اللي عملته فيك مرات

والعبارة تتردد في أذنيه بقسوه ، فاغمض عيناه وقد ظن ما تخيله حقيقه ولكنه لم يكن إلا مشهد تخيله ..

طالعته "صفا" بضجر ، من صمته ونظراته المحدقه بها ..، فلماذا ينظر إليها هكذا

- عامر بيه ، أنا تعبت من الواقفة

فاق من شرده علي عبارتها المتهكمه ، فانفض رأسه واعاد الورقة لدرج مكتبه متمتماً بجمود وهيئة جادة

- تقدري تروحي تشوفي ناهد هانم

التوت شفتيها أمتعاضً من عبارته ، فهل يصرفها بتلك الطريقه ..، اتجهت صوبه تلتقط منه الكتاب الذي وضعه فوق سطح مكتبه هاتفه

- ده ملكيه خاصه

ورغماً عنه كان يبتسم ، هذه الفتاه تجعله ينسي غضبه الذي يتصاعد كلما تذكر امر تلك الخائنة ، خاطبه عقله المذهول من فعلة صاحبه ، وقد أخذ بضعة ليالي يُفكر بالأمر وقد حسم قراره الذي تراجع عنه للتو

- مش معقول يكون قلبك رحيم يا عامر ، وطلعت صفا برة لعبتك

……………..

تنهيدة قوية اخرجها صابر وهو يُطالع وجه شقيقته ، يتأمل ملامحها بشوق ، وقد ظهر فوق ملامحها الجميلة العجز ولكنها ما زالت جميله كما هي بطيبتها ، ورغم ما حدث إلا إنها أحبهم لقلبه ، فحاولت لسنوات طويله التواصل معه ومنحه المال ولكنه كان يرفض اخذ شئ منها

- صافيه ديه منيره اختي ياصافيه ..

فجلست "منيره" علي المقعد الذي كانت جالسة فوقه "صافية" قبل دلوفها إليهم ، حركت "صافيه" رأسها إليها ، كما فعلت منيرة ، والتقطت كفيه تمسح فوقهما برفق ، تهتف بحنان تحت نظرات صافية التي تحولت للأمتعاض

- متتعبش نفسك بالكلام ياصابر ياخويا ، انت لسا تعبان

واردفت بعدما رأت الدموع قد لمعت بعينيه

- زعلت اووي انا وحسن اخوك ، اننا مدفعناش ليك فلوس العمليه يابن ابويا ، سامحيني أننا أتأخرنا عليك يا اخويا

واردفت تُخبره عما سعت زوجته في إخفاءه عنه

- ياريت بنتك كانت جاتلي أنا ، مرحتش ل عبدالرحمن وابنه ..، كنت هاخدها في حضني ديه من ريحتك يا حبيبي

ارتسمت معالم الصدمه فوق ملامح "صابر" المتعبه ، فابتلعت صافيه لعابها وقد علقت عيناه بها ، يتسأل بصدمه

- جنه راحت ليكم الصعيد

هتف عبارته والتقط أنفاسه بصعوبه، فالأول مرة تخبئ عنه صافية شئ ، فاسرعت صافيه نحوه وارتسم القلق فوق ملامحها

- متتعبش نفسك ياصابر

ازاح ذراعها عنه ، فنظرت نحو منيره بغضب :

ده مبقاش ليه يومين خارج من عمليه كان هيروح مني ومن بنتي ، وأنتي جاية تحكيله كلام ملهوش لازمه

طالعتها "منيرة" بصدمه ، فما الذي جعلها تنفعل هكذا ، فعلي ما يبدو أن شقيقها لم يكن يعلم بذهاب أبنته إليهم

- لولا عامر بيه ، راجل ابن أصول تكفل بالعمليه ، كان زمانه ضاع مني ومن بنتي

ضغطت "صافيه" علي عبارتها الأخيره حتي تُشعرهم بسوءهم ، فالغريب الذي يعملون لديه لم يتأخر عن مساعدتهم ، عندما لجأت إليه أبنة شقيقها وهي مجرد فتاة تعمل عنده مرافقة لوالدته

واردفت بباقية حديثها تتهكم على حنانهم العجيب بعد هذه السنوات ، حانقة منهم :

لسا فاكرين اخوكم ياست منيره

فحاولت "منيرة" رسم ابتسامة على شفتيها ، حتي تتجنب حديثها ، وقد اعطتها الحق في غضبها

- أنا همشي دلوقتي ياصابر وهجيلك تاني

فعاتب صابر زوجته بنظراته ، ولولا عدم قدرته علي الحديث لكان اخرسها

صابر : لاء يامنيره ما تمشيش انتي وحشاني اووي ، خليكي معايا يابنت ابويا واحكيلي عنكم

ونظر إلى صافيه بنظرات لائمة

- اخرجي انتي ياصافيه ، هاتي لمنيره حاجه تشربها

امتقعت ملامح "صافيه" ، وكادت ان تتحدث منيره ، ولكن صابر عاد يحدق بها بنظرة جامده , قد فهمتها ...غادرت صافيه الغرفة حانقة وهي تشتعل غضبا :

- ماشي ياصابر، لما تخرج بس من المستشفي 

•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية

تعليقات