رواية سطور عانقها القلب الفصل الرابع عشر 14 - بقلم سهام صادق
******
والمرأة حينا لا تفهم مشاعرها وماذا تُريد تكون وحدها الخاسرة
استطاعت أن تُحرك غريزته ورغم عدم إستجابته في البدايه إلا إنه رجلاً وبين ذراعيه امرأة جميله وراغبة به..،
تعلقت عيناها به بعدما ابتعد عنها، ينظر إليه يستوعب، متى وكيف أصبحوا فوق الفراش يتبادل معها جنونها.. جنون يأخذهم لطريق يعرف نهايته..، هو و فريدة اقطاب مختلفه.. ، طالعته في صدمه وهي تراه يعتدل بجسده، ويطرق رأسه أرضاً، يزفر أنفاسه لعله يتمالك حاله ويستوعب ما كان سيحدث بينهم
بهتت ملامحها وهي لا تُصدق إنه نفرها بهذه الطريقه، وطعنتان في القلب لامرأة مثلها كان أصعب ما يكون،
والعبارة تتردد داخل عقلها
" هتخرجي خسرانه من معاركك"
وهذه كانت معركتها، أن تنال " عامر السيوفي "، أن تثبت" لأحمد السيوفي " إنها تخطته كما تخطاها من حياته بل واصبحت زوجة فعليه شقيقه..، بل وملكت قلبه وأصبح في بنصرها تديره كما تُريد
والأهم أن تثبت لوالدها، إنها وحدها من تقرر الأمر..، دائرة مغلقة من الأفكار كانت تدور داخلها..
- المفروض ده ميحصلش بينا يا فريدة
تمتم" عامر " عبارته وهو يزفر أنفاسه بثقل، فسلطت عيناها فوق ظهرها وقد اصابتها كلمته
- لكن أنا عايزاه
تجمدت ملامحه، والتف نحوها ينظر إليها متفرساً ملامحه.. ،وبعبارات لم يصدق إنه سيسمعها منها.. ،كانت تُخبرها عن حاجتها للأمر
- ديه غريزة يا فريدة، لو الموضوع تم بينا مش هنكون غير بنشبع غريزتنا
وببساطة كانت تتقبل كلمته، تخبره بحقيقة وضعتها عمتها صوب عينيها
- أنا محستش بالنفور وانت بتلمسني، حسيت إني عايزاك فعلا يا عامر
التمعت عيناه، فقد اختارت الكلمات الصحيحه لتُلقيها علي رجلاً ك " عامر السيوفي "
- جوازنا نهايته الطلاق يا فريده
اماءت له برأسها، واقتربت منه بعدما وجدت الرغبه تعود في عينيه
- مش هنخسر حاجة
جذبتها إليه وهي سعيده بانتصارها، شعرت بالاكتمال وهي بين ذراعيها ولكن تجاهلت هذا الشعور، وابتسمت بزهو ..
غفا قربها وقد توسدت صدره، تنظر إليه.. ،ابتسمت وهي تري هيئتهم هكذا.. ، فقد ملكت الأسد وستنال من "أحمد السيوفي"،
سلطها شيطانها علي نفسها، والتقطت هاتفها تلتقط لها صوره وهي في حضنه
وفي رساله كانت تبعث له الصوره، تُخبره إنها مضت بحياتها مع شقيقه
وبابتسامه واسعه كانت تعود لحضنه مجدداً
..........
في الصباح، كان يفتح عينيه وهو يشعر بثقلها فوق صدره، طالعها وهو لا يُصدق إنه أتم زيجته بها، ابعدها عن برفق.. ،
اتكأ فوق ذراعه يُحدق بها، فتحت عيناها ببطئ لتجده يُطالعها بنظراته الثاقبه، فابتسمت وهي تتماطأ جواره
- صباح الخير
وقد كانت هناك جولة أخرى، جولة اتخذ فيه قراره..، سينسي ما جمعه ي فريدة من قبل ويبدء معها صفحة جديده، فهو بالفعل أصبح يُريد زوجه وطفلاً يحمل اسمه
وعلي ضحكات عاليه، كانت تفر منه هاربه، لا تستوعب هذا الرجل هو "عامر السيوفي"، اتجهت نحو المرحاض تهتف داخله
- عندك اجتماع مهم، بعد ساعه يا عامر باشا
- مش مشكله نلغيه
وابتسم وهو يرتخي بجسده فوق الفراش بإنتشاء، صدح رنين قصير من الهاتف ، ولم تكن إلا رسالة نصيه..، التقطه وهو يظن إنه هاتفه..، ولكن عندما وقعت عيناه علي خلفيته أدرك خطأه.. وضعه مكانه، ولكن إنبعاث رساله أخرى.. ،جعلته يركز في اسم المرسل..، إنه شقيقه
وبفضول كان يفتح الرسائل، وشقيقه يُخبرها بفداحة ما فعلته بشقيقه، وأنها لن يتهوان إذا تكرر الأمر ثانيه..، كان يُحدق بالكلام وبذلك الخط الذي يُخبره أن رسائلها قد محتها..، فما الذي محته وجعل شقيقه يُراسلها ويخبرها بهذه الكلمات
عبث في ملفات هاتفها ومن حسن حظه أنه كان يعلم الرقم السري الخاص بالتطبيقات لديها..، أستمع لصوت المياة تتوقف وصوتها بالداخل تخبره باقتراح
- إيه رأيك نفطر بره سوا
- عامر أنت سامعني
ولو كان "عامر"، هو ذات الشخص الذي استيقظ في الصباح، يري العالم والنساء في صورة أخرى، لكان وافق علي الفور، لكان منحها ما تُريده، بل جعلها تري رجلاً اخر
خرجت من المرحاض، تستعجب صمته.. ،ومن هيئته كانت تشعر بوجود خطب ما، فتسألت بقلق وهي تقترب منه
- في حاجة حصلت
والاجابه كانت تحصل عليها وهي تراه يقبض فوق هاتفها.. ،يريها الصوره التي بعثتها لشقيقه
- عامر
وصفعة قويه كانت تلطم وجنتها، بل الصفعة أصبحت صفعات
- مكنتش فاكرك بالحقارة ديه
- عامر ارجوك اسمعني
وهو كان اشبه بالوحش الذي اوقدت نيرانه
- بقى انا تعملي كده فيا يا بنت محسن
صراخها تعالا، وقد وقفت "صفا" خارج الغرفة، تشعر بالصدمه وهي تستمع إليهم
- أنا الغلطان من الأول، قولت أقف جانبك واسترك من كلام الصحافه، وفي الاخر تعضي ايدي وطلعيني مغفل
وكلما تذكر الصوره، كان الغضب يشتعل داخله
- وجوزك في بيتي كان غلط من الاول، انتِ طالق، طالق، طالق
ألقاها عليها وغادر الغرفه..، وتوقف مكانه وهو يري "صفا" الواقفة... ،تضع بيدها فوق شفتيها من الصدمه
- عارفه لو كلمك طلعت، هندمك علي حياتك.. سامعه
ارتجفت "صفا" في وقفتها، واماءت له برأسها قبل أن تسرع في خطواتها عائدة لغرفتها..، تحاول أن تستوعب ما سمعته
.......
وقف الخدم يتهامسون عن الأمر، غير مصدقين ما حدث، ف ليلة أمس غفت العروس التي كانت تعيش في غرفة منفصله في غرفة سيدهم، و في الصباح كان يتلامزون بين بعضهم بتأخر السيد عن موعد استيقاظه
- مش معقول تكون مطلعتش بنت
هتفت بها "سعاد" وهي تنظر نحو "صباح" رفيقتها و "صفا" التي لم تندمج معهم بحديثهم
- لا بنت يا سعاد، متتهميش البنت في شرفها
- وانتِ عرفتي إزاي
وصباح كانت ترمقها بعينيها، لا تُصدق غباءها.. ،استوعبت "سعاد" الأمر، ف رفيقتها هي من نظفت الغرفة التي انقلبت رأس علي عقب
- كفايه يا جماعه، اللي بنعمله حرام
اماءوا لها برؤسهم، مقتنعين ما تخبرهم به
- بصراحه أنا فرحانه إنها مشيت
ومثلما تمتمت "سعاد "، كانت "صباح " تهتف مثلها ولكن مشفقة عليها.. ،فلم تكمل شهرين علي زواجها ورحلت من المنزل بوجه مكدوم مطلقه
- الايام الجايه هتكون صعبه علي البيه، وهيطلع غضبه علينا
وصفا تجلس مستمعه لا أكثر، فالحقيقه وحدها من تعلمها، ولأول مره كانت تشفق علي هذا الرجل
.........
كانت هذه المقابله هي المقابلة الثالثه لهم ، مقابله قد دعاها هو هذه المرة ..، بعد تلك الليله التي قضاها ساهداً ..، لا يُصدق ما فعلته فريده
- أنا حقيقي محظوظه إنك دعتني النهارده يا بشمهندس
فابتسم احمد بلطف مصطنع
- محتاج حد أتكلم معاه يا أميره ، هتقدري تسمعيني
أتسعت حدقتيها غير مصدقه ما يطلبه منها ، ومن نبرته كانت تشعر بيأسه ، اماءت له برأسها ..، وانتظرت أن يتحدث ..، وقد فاض لها بما يعتليه وهو لا يعرف لما يتحدث معها في أمور هكذا ..، هل لانها أكبر سناً منه أم ماذا ؟
..............................................................
اتكأ برأسه فوق سطح مكتبه، بعدما أطفأ عقب سيجارته العشرون، لقد عاد يُدخن بشراهة، بعد أن اقلع عن الأمر منذ سنوات.. ، اغمض عينيه وهو يري هاتفه يضئ برقم شقيقه
التقطه بصعوبه يفتح الخط وينتظر سماعه
- عامر
- متقولش حاجة يا احمد، ديه كانت غلطتي من البدايه..، فريده هي ناهد هانم
تنهد "احمد" بثقل وهو يُدلك عنقه وقد شعر بالوجع على ما أصاب شقيقه
- عامر، أنا قلقان عليك..، لو كان ينفع انزل مصر حاليا، كنت نزلت
- بالعكس يا احمد، بعدك افضل حاليا ليا
- أنا اسف يا عامر
انتهت المكالمه، وقد انهاها "عامر" بعدما شعر يقدم قدرته علي الحديث مع شقيقه..، تسأل داخلها..، ماذا كان سيحدث إذا ظل كالمغفل معها .. ،هل كان سيخسر شقيقه
طرقت الخادمه الباب وقبل أن تدلف غرفة مكتبه، كان "محسن" يدفعها من امامه بقسوة
- تطلق بنتي وتضربها يا ابن السيوفي
وبجمود كان ينهض عن مقعده، يرمقه بنظرات قويه، وسرعان مت كان ينفجر ضاحكاً
- بنتك اللي كنت مخطط تجوزهالي، وانا بغبائي سعيت اجوزها لاخويا.. ، وبغباء اكبر اتجوزتها
- هفضحك يا عامر، في كل مكان..، هقول عليك مش راجل
احتدت ملامح "عامر" وهو يستمع لعبارته
- ماهو االي بيضرب واحده ست، ميبقاش راجل
وبقوة كان يدفعها نحو الحائط، يزمجر به، وعبارته تتردد داخل أذنيه
- الراجل ده، لو فضح بنتك المحترمه، الناس هتصقف ليه.. ،بنتك المحترمه اللي كنت فاكرها متربيه...، طلعت اسوء ما يمكن
ازدرد "محسن "لعابه، يتذكر أبنته وهي تتوسل إليه، ألا يذهب له..، ويكفيها ما حدث لها من هذه العائله
- عايز تعرف بنتك أطلقت ليه، في يوم صباحيتها
اتسعت عينين "محسن" وهو يخشى سماع تلك الكلمه، وبصعوبة كان يتسأل
- هو انتوا كنتوا لسا...
انفرجت شفتي عامر في ضحكة قويه وهو يبتعد عنه، لا يُصدق ما يسمعه من هذا الرجل
- هسيب السبب، تعرفه من بنتك كويس.. ،ومش عايز اشوف وشكم تاني
وبحده افزعت "محسن" وجعلته يركض هارباً..، كان يصرخ
- بره.. بيتي
...... …..
أبتسمت "ناهد" بسعاده وهي تسير بقدميها إلى حديقة القصر ، بعدما غادرت تلك الفتاه منزلها وقد أصبحت تجلس بغرفتها تُجنبً لها، ورغم حزنها علي حال بكرها ..، الذي عاد لقوقعته وقسوته إلا إنها سعيده بما حدث حتي لو لم تعرف السبب وراء طلاقهم الذي حدث فجأه
حاولت تلاشي أفكارها ، فهي اليوم لا تُريد إلا السير بهدوء برفقة "صفا" ، تلك التي اصبحت كأبنتها
- أحكيلي عن شغلك مع عامر
وعندما أتي الحديث عنه ، تنهدت وهي تتذكر حالة الجمود والغضب الذي أصبح ينال منه الجميع ..، مشفقه علي حالها
- مدير شديد ، لا يرفق بأحد
هتفت بها ضحكه ، فصدحت ضجكه "ناهد" الجميله بعدما استمعت لعبارتها باسلوبها المازح الذي تحبه فيها
- عملت لابني ، خلت الوحش اللي جواه يرجع من تاني ..
هتفت بها "ناهد" بعدما تلاشت سعادتها ، وارتسم الحزن فوق محياها ، اكملت سيرها بها دون حديث ..، فما الذي ستخبرها به
فتبتسم ناهد إليها بطيبة : انتي بسيطه اووي ياصفا ، حتي في تعبيرك .. عارفه لو كنتي عرفتيني من عشر سنين فاتوا ، مكونتيش حبتيني ولا كنت انا حبيتك
وبرفق أجلستها فوق علي المقاعد المريحه وجلست جوارها وهي تمسك أحد يديها تمسد عليهما بحنان
- الشمس حرارتها هاديه ، والجو جميل
فابتسمت "ناهد" تومئ لها برأسها
- أهلك موحشكيش يا صفا ، لو عايزه تاخدي أجازه قوليلي يا بنتي
تنهدت "صفا" بحزن ، فقد أصبحت تشتاق لعمتها وزوجها وجنه ، ولكنها أصبحت مرتبطه بعمل أخر مع السيد عامر ، وهو لا يتهاون في عمله
أنتظرت "ناهد" سماعها ..، ولكن الحديث توقف علي طرفي شفتيها وهي تستمع لصوت "عامر" الذي هتف باسمها للتو
- صفا !
وازدادت ابتسامه ناهد لسماع صوته ، والتفت بجسدها رغم استحاله رؤيتها له، حاولت النهوض عن مقعدها تهتف بها
- خديني ليه ياصفا
شعرت "صفا" بالخوف من ملامحه وهو يتقدم منهم، يُلقي عليها أحد الملفات والتي أخطأت في ترجمه بعض بنودها
- مش قاردة تنتبهي علي شغلك ، يبقي تسيبي الشغل وخليكي في وظفتك الاساسيه
وبتهكم كان يهتف
- مجرد مرافقة
لم يهتم بنظرات والدته الملهوفه ، ووقفت تُحرك له رأسها لعله يفهم ..، ولكنه كان فضل أن يوبخها ، واخيراً كان ينتبه علي حركة رأسها له ..، فزفر أنفاسه متنهداً وهو يقترب من والدته ..، اقتربت منه وهي تدرك خطورة فعلته هامسه
- شايف لهفتها عليك ..، هي ملهاش ذنب في حاجه
تمالك غضبه منه ، ولكنها حينا طلعت بتلك النظرة التي تشبه القطط في وداعتها ..
- ارجوك
فاتجه صوبها ينظر لنظرات عيناها المشتاقه وحسرتها ، وقد اعتصر قلبه الألم والحقد ليس عليها علي تلك التي أعادت الوحش داخله ..، بعدما كان بدء يتقبل حياته
انحني يلثم رأسها ، فدمعت عيناها فرحة ، ومدّت كلتا يديها نحوه تهتف بسعادة
- تعالي في حضني ياعامر
وكأنه كان يحتاج تلك الكلمه منه ، تعالت الدهشة فوق ملامح "صفا" وهي تراه يضمها إليه ويُلبي رغبتها
ولكن سرعان ما كان ينسحب من بين ذراعيه ، ويسير بخطوات جامده متمتماً لتلك الواقفه
- صلحي الغلطه اللي في الملف يا أستاذه
وغلطه واحده في أحدي الأوراق ، كانت تقع عينين "صفا" عليها .. مصدومه من ثورته عليها بسببها.
…………
لقد مر الشهر المنتظر، وها هي تخرج من المشفى الحكومي خاليه الوفاض، بعدما استمعت للطبيب بأن والدها أمامه شهر اخر..، فهناك حالة لاطفال تستحق..، لم تصدق ما سمعته..، صرخت واعترضت ولكن في النهاية عباره واحده تسمعها
" إن حاله والدها علي نفقة الدوله ولا حق لها في الاعتراض..، وتنتظر مثلما ينتظر غيرها..، أو تذهب بوالدها لمشفى خاص وتدفع المال"
عادت للمنزل تجر اذيال الخيبه، وجدت والدتها تخرج من غرفة والدها بعدما اطعمته واعطته علاجه..، تدعو لصفا التي تبعث لهم المال
- ربنا يكرمك يا صفا يا بنتي
واقتربت من ابنتها بحب وتسألت
- مال وشك أصفر كده ليه، يا جنه
ومن ملامح ابنتها كانت تفهم السبب، وضعت صنية الطعام جانباً.. ،وجلست فوق الأريكة المتهالكة بعض الشئ
- قالولك لسا دوره، مش صح يا بنتي
جاورتها "جنه" بملامح حزينه، وبقهر كانت تخبرها
- قالولي، في حالات مينفعش تنتظر..
- هما مش قالولنا، الشهر ده هتتعمل العمليه يا بنتي
وبتهكم، كانت تخبرها بما سمعته
- نستنى الدور لحد ما هما يقرروا
نهضت " صافيه" بثقل واتجهت نحو المطبخ.. ، اتبعتها "جنه" بعينيها فوالدتها ابتعدت حتي لا تريها دموع عجزها
سقطت دمعة سخية فوق وجنتيها، تنظر نحو الجدار المشقوق في منزلهم المتهالك بعض الشئ
- لقيت حل يا بنتي، نبيع البيت
....... ............
وقفت خلفه تحمل مفكرتها التي دونت بها جميع ملاحظته ومقترحات الجالسين حول هذا الاجتماع الذي قد انتهي للتو ، ورفعت بعينيها قليلًا لتري أي ردة فعل منه إلا إنه كان مازال يُعطيها ظهره ووضع بكلتا يديه في جيب بنطاله ولكن اخيراً قد تنحنح بصوته الخشن الجامد
عامر: هنفضل في السكوت التام ده لحد امتي، ولا القطه بلعت لسانك .. ما تقولي ملاحظاتك ياأستاذه
فانصدمت صفا من ردة فعله ، وقد أصبح بالفعل غليظً ..، فهي تنتظر أمره حتي تتحدث
وبمقت أخذت تقص له كل شئ قد دونته في مفكرتها ، فاقترب منها بتمهل شديد ، ولم تشعر به لأندمجها في تسرده إليه
وبأسلوب لم تعتاده منه سألها :
- وانتي ايه رأيك في العروض اللي تم طرحها في الاجتماع
طالعته في صدمه ، واتجه ناحية مكتبه ينتظر سماعها ، وقد جلس مسترخياً فوق مقعده وأغمض عينيه بإرهاق واضح على قسمات ملامحه ، ولكن ظلت تلك المسكينه واقفه تُحاول أن تستوعب سؤاله عن رأيها
ورمقها خلسة فوجدها واقفة كالبلهاء تحتضن مفكرتها وكأنها تحتضن طفلا
- انتي مسمعتيش سؤالي ياصفا
فحركت رأسها نافية ، إلا إنها سرعان ما عدلت عن خطأها وحركت رأسها بالإيجاب ،وفاقت من دهشتها
وهتفت بصوت خافت
- شايفه أنه عرض هايل ، و …
وقبل أن تُكمل عبارتها وتخبره عن رأيها بالتفصيل ، كان يقطع حديثها
- تقدري تتفضلي يا صفا
وبوقاحة كان يصرفها بفظاظته ، وداخلها تهتف حانقه ..، فلما سألها من البدايه
…………
قضت طيلة ليلتها تفكر في قرارها، فما عساها أن تفعل إلا أن تذهب إليهم، تستجدي عاطفتهم.. ،قررت أن تغادر في الصباح بعدما تُخبر والدتها إنها وجدت عملاً في صيدلية بعيدة عنهم وستضطر لقضاء فترتين..، لأنها تحت التدريب
فكرت بكل ما ستفعله، ولكن لم يبقى إلا شيئاًواحداً، ان تبحث عن عنوان عائلة أهلها..، وببساطة كانت تحصل علي العنوان..، ليس المنزل بل مكان إحد المصانع هناك..، ف عائلة والدها منتشرين في معظم أنحاء الجمهوريه بتجارتهم الواسعه
.........
وقفت أمام بوابة المصنع، تنظر نحو المكان برهبة وقد احرقتها حرارة الشمس الساطعة..، حمدت الله إنها غادرت قريته مبكرا قبل طلوع الشمس، اقتربت من البوابه.. فوقف الحارس مستغربً وجودها هنا.. فالمصنع خاص بالرجال ولا نساء هنا
- خير يا استاذه
توترت "جنه" ومو تنظر إليه
- ممكن اقابل صحاب المكان
تجلجلت ضحكات الواقف، يفحصها بعينيه ومن اختلاف لهجتها عنهم..، علم إنها غريبة عن بلدتهم
- صحاب المكان، مره واحده..،اتفضلي يا استاذه شوفي طريقك
اصرفها بذراعه..، فتراجعت للخلف
- أقولهم بس علي اسمي وهما هيعرفوا أنا
- يا استاذه متجبليش الكلام، اتفضلي من هنا
واسرع في نهوضه من فوق مقعده، وقد تجاهل ما تخبره به عن هويتها واسمها كاملاً، التفت خلفها وهي تسمع بوق سيارة..، وقد وقف صاحبها منتظراً البوابه أن تفتح حتى يتمكن من الدلوف للداخل..، فحصت بعينيها الجالس في السيارة..، فلم يكن إلا عمها "عبدالرحمن" الذي يُشبه والدها في الملامح..،وقد عرفته من تلك الصوره التي مازال يحتفظ بها والدها رغم مرور السنين واحتلال الشيب ملامحه
أسرعت نحوه قبل أن يتحرك بسيارته..، تهتف اسمه
- عمي عبدالرحمن، انا جنه بنت صابر اخوك
أستمع إليها، ولكنه تجاهلها وكأنه لم يسمعها..، دلف بسيارته، وهي وقفت مكانها تنظر نحو السيارة وقد علقت الدموع بأهدابها ولكنها أبت الهطول
وها هي ساعة أخرى تمضي، وهي تقف ننتظر علي أمل..، ورغم حنق الحارس منها إلا إنه قرر تجاهلها، ما دام ابتعدت عن مكان عمله
أخرجت زجاجة المياة التي أصبحت ساخنه من حقيبتها، ترتشف منها بضعة قطرات، ثم اخذت تُطالع الوقت.. ،فلم سعد متبقي علي قطارها إلا ساعه ونصف وقد ظنت إنها ستتلقي أحضان عائلتها
ارتسم التهكم فوق ملامحها ولكن سرعان ما كان الأمل يعود لقلبها..، وهي تجد سيارة أخرى تقترب من بوابه المصنع
أسرعت تمر الطريق الخالي.. ، ولكن تلك المرة لم تعرف بهوية هذا الشاب..، ولكنه انتبه إليها وتسأل وهو يزيل عن عينيه نظارته
- بنت جميله هنا في مصنعنا مش معقول
ابتسمت "جنه" بخجل، من مدحه الذي اشعرها بالأمل
- أنتِ مين
- أنا جنه صابر...
لم تكن تكمل اسمها إليه، حتي صدح رنين هاتفه بصوته الصاخب، ثم اتاه صوت والده
- أنت فين يا وليد
وعندما علم بوجود ولده أمام بوابه المصنع، تسأل وهو ينهض من فوق مقعده
- هي لسا البنت ديه موجوده، قدام المصنع
وقبل أن يهتف بشئ
- لو قدامك، خلي محروس يبعدها من هنا
تنهد حانقاً بعدما غلق والده الهاتف بوجه كعادته..، طالع الواقفة.. وظنت إنه سيكمل حديثه معه..، ولكن الصدمه احتلت ملامحها وهي تراه يتحرك بسيارته دون أن يعبأ لامرها هو الأخر
وقفت لثواني تنظر لطيف السيارة، وقد انغلقت البوابه ثانيه وتلك المرة كان الحارس يقترب منها حانقاً
- أنتِ هتفضلي واقفة لكل واحد..،بت أنتِ.. ،أنا بقيت شاكك في وقوفك هنا
- أنت ليه مش مصدق إني بنت اخوهم
طالعها الرجل متهكماً
- أنا معرفش غير أن حسن باشا، وعبدالرحمن بيه ملهوش غير اخت واحده بس..، لكن اخ.. لا جديده ديه
- طيب فين عمي حسن
تجهمت ملامح الواقف، وقبل ان تستوعب ردة فعله.. كان يدفعها بقسوة من امامه..، اسقطتها أرضاً
- لو ممشتيش من هنا، هبلغ الشرطة.. أو
ووضع يده فوق سلاحه
- او هطخك بالنار
...............................................................
تعالت اصوات ضحكاتهم ، في ذلك المطعم الذي اتوا إليه بعدما استمعوا من البعض عنه ، أتوا كرفقاء ..رفقاء كلمه يضعها هو في علاقتهما ولكنها ليست مثله ..، بل أصبحت مشاعرها تتحرك نحوه
حدقت اميره بالطبق الذي قدم إليهم كضيافة لهم من المطعم لقدومهم إليه لأول مرة :
- شُربة ضفادع ، هي ديه هدية المطعم النهارده
فضحك احمد ملئ شدقيه وهو ينظر للطبق وباقيه الأطباق التي قدمت لهم ، يهتف بمرح أصبح في علاقتهما :
هديه جميله يا أميره ،يلا خلصي طبقك وطبقي .. اصل انا ماليش غير في شُربة السمك
فتعالت ضحكاتهم وقد أخذ بعض الجالسين يحدقون بهم متعجبين من ضحكاتهم ، خفق قلب "اميرة" ، وقد لمعت عيناها وهي تتأمله ، غير مصدقة إنها أحبت هذا الرجل ، احبت الرجل الذي أقتربت منه من أجل مهمه طلب منها لتنفيذها ، احبت رجلاً شقيق للرجل الذي احبته يوماً ، وها هو قلبها لا يرحمها بل يُخبرها بحقيقة مشاعرها " إنها أحبت هذا الرجل "
................................................................
جلست شارده ، محبطه علي متن ذلك القطار العائده بها الي بلدتها ، لم تجني شئ من هذه الزياره إلا الحسرة و إهدار الكرامه ، بضعة ساعه علمت فيهم أن والدهم لديه كل الحق ليبتعد عن هؤلاء المتحجرين القلب ، حدقت بكفيها , فلمعت الدموع بعينيها وهي تري جرحهما بعدما دفعها هذا الحارس بكل قسوة
هطلت دموعها بسخاء ، تنظر لظلمه الطريق من خلف زجاج القطار بعينين تائهتين ، تتنهد بحسره وقله حيله:
- طيب اعمل ايه انا دلوقتي ؟
وتذكرت ما فعله بها عمها وتجاهله لها كأنه لم يراه أو استمع إليها، وقد عاد الألم يخترق فؤادها من شده القسوه ..، تقسم داخلها إنها ستنال منهم حقها يوما
***** عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية