رواية سطور عانقها القلب الفصل الثالث عشر 13 - بقلم سهام صادق
******
ابتلعت اهانته التي القاها عليها ، ارادت أن ترد له الأمر وليحدث ما يحدث ..، فلم تعيش حياتها إلا عزيزة النفس ، ولولا ما مرت به ما جاءت إلا هنا ولا عملت لدي هذا الفظ وتلك الزوجة التي لا تراها إلا , امرأة أعتادت علي نيل كل ما أرادته ، والشكوي التي ابلغتها الزوجة لزوجها , لم تكن إلا ما لم تتوقعه
- مش معني إن ناهد هانم اتعلقت بيكي بسرعة وبتحبك ..، تستغلي ده وتظهريها ديما , في صورة وحشه قدامها
تلاشي امتقاع وجهها ، وتحولت ملامحها إلي ابتسامة واسعة ساخرة ..، جعلته يُحدق بها وكل يوم لا يستوعب كيف تقف أمامه هكذا , وللأسف هو لا يتأخذ قرار طردها
: حاضرهعرف حدودي كويس، بس يا ريت تفهم زوجة حضرتك إنها بدل ما بتشتكي بعدم تقبل ناهد هانم ليها ، تسمح من وقتها وتقعد معاها شويه
هتفت عبارتها الأخيرة ساخره ، فمتقع وجه "عامر" من حديثها، واقترب منها بخطوات جامده
- مش ملاحظه إنك بتكلمي وكأنك صاحبة المكان
طالعته "صفا" في صمت بعد عبارته ، فامتعضت ملامحه ورمقها بجمود:
- اتفضلي علي شغلك
أماءت له برأسها وعلي وجهها أبتسامة سمجة ، والشكر كان للسيد "فتحي" الذي علمها لها , فليس كل وقت عليها أن تتحدث ..، وما دام تثير غيظه ..فبالتأكيد تستفزه بحديثها , ولكنها لا تُريد الطرد من اجل زوج عمتها ومصاريف علاجه ..
طالعها بحنق يقسم داخله إنها أكثر النساء برودة وسماجة..، ومن نظرته إليها ، كانت تضحك داخلها بسعاده
التفت بجسدها مغادرة , بعدما أشار إليها بأن تنصرف من أمامه ..، وقبل أن تتقدم بخطوات اخري ..، عادت تلتف بجسدها متجاهله صفاقته وأسلوبه
- ناهد هانم بتسأل ديما علي حضرتك ، ياريت توفر من وقتك القيم ، دقايق وتعالا شوفها مش هتخسر حاجه
- تعرفي إنك بتثيري غضبي يا صفا
خرجت عبارته من بين شفتيه ، بعدما أثارت غضبه من حديثها وكأنها تُحادث صديقًا لها , وليس رب عملها الذي يدفع لها المال من أجل وظيفتها لديه
تجاهلت عبارته ، والتمعت عيناها بالدموع بطريقة أدهشته ، فبعدما كانت تقف تتحداه وتثير مقته ..، أصبحت أمامه فتاة بائسة
- هيجي يوم وتتمني وجودها ، هتتمني تسمع بس صوتها .. تسمع دعوه حلوه منها ... مبنحسش بقيمة الحاجات الغاليه علي قلوبنا غير لما تروح ، وبيكون الاوان فات
فتعلقت عيناه بها وقد خلت منها المشاعر ، فحركت رأسها ساخره ..، فقد تناست إنها تُحادث "عامر السيوفي" ذو القلب المتحجر
تعالا رنين الهاتف ، ولم تكن إلا مكالمة طارئه من سكرتيرة مكتبه ، تمالك مشاعره التي استطاع إخفاءها ولكنه بالفعل قد تأثر بها ..
اتجه نحو سطح مكتبه ، والتقط هاتفه وقد ضاقت عيناه وهو يضع الهاتف فوق اذنه يستمع لسكرتيرته بترقب
- يعني إيه لسا ملقتيش حد بيتقن اللغه الالمانيه ياهاله ، الاجتماع بكره يا هانم ..، بكره الاقي المترجم موجود قدامي مفهوم
والطرف الأخر كان يستمع ، دون أن يعرف كيف يحل هذا الامر في بضعة ساعات ، استمعت "صفا" لحديثه ، وابتسمت داخلها بسعاده ..، فهل ستجني بضعة أموال أخري تستطيع شراء ثياب أنيقة لها ول جنه وتشتري ما تُريده وترفه عن نفسها
- أنا بعرف أتكلم ، ألماني كويس
انتبه علي حديثها ، بعدما أنهي مكالمته مع سكرتيرته ، وبنظرة فاحصة كان يُطالعها
- أنا متفوقة في اللغه ، رغم إني مش متفوقة في اللغه الأنجليزيه
ارادت أن تثبت له صدقها ، فهذه النظرة لا تدل إلا علي شئ واحداً ..، إنه لا يُصدق إنها تمتلك مهارات عدة
- أنتِ طلعتي متعددة المواهب ، يا أستاذه صفا
تمتم بها ساخراً ، وهو يتقدم منها ..، ووقف بهيمنته قربها ,يضع بيديه في جيب سرواله
- الأنسان الناجح لازم يكون عنده مواهب كتير ..، يا عامر بيه
وبقصد كانت تضغط باسنانها فوق عبارتها الأخيرة ، امتقع وجهه من ردها
وبحده كان يهتف
- صبري ليه حدود يا أستاذه صفا
والتف بجسده عنها ، وعاد لمكتبه يلتقط أحد الملفات ..، وأتجه إليها مجدداً تحت نظراتها المترقبة
- ده الملف اللي هنتناقش فيه بكره ، ياريت تدرسيه كويس
وبسعاده كانت تلتقط منه الملف ، تنظر لصفحاته القليله هاتفه بحماس
- حاضر
ابتسم رغماً عنه ، فهذه الفتاه مزيجً غريبً لم يلتقي به من قبل
- للاسف مضطر أثق فيكي يا استاذه صفا ..
وبنبرة حازمه كان يردف ، وقد تلاشي حماسها وتحول لعبوس
- وأنا مبديش ثقتي في الناس غير مره واحده
انتابها القلق من حديثه ، ولكنها عادت لثباتها فهتفت علي الفور
- هحتاجك بكره في الشركة
استمعت لعبارته الأخيرة، وهي تدلف للغرفة.. ،فتسألت وهي تتجاوز "صفا"، بعدما رمقتها بنظرة أصبحت تفهمها
- هتحتاجها الشركه ليه ؟ ، مش هي مرافقة برضوه ولا أنا بيتهيألي
- اتفضلي أنتِ يا استاذه صفا
تجاهل سؤال فريدة، فقد أصبح يضجر من تداخلها في الكثير من الأشياء..، اقتربت منه فتنهد وقد عاد لمطالعة أوراقه
- اكيد شغل يا فريده، وممكن تتفضلي عشان ورايا شغل
اتسعت عيناها من عبارته، تنظر إليه متعجبه من تغيره معاها..، انسحبت من أمامه، تتسأل داخلها لماذا تغير عامر معها هكذا ؟
رفع عيناه عن الأوراق يحدق بطيفها، يخبر حاله.. ان ما يفعله هو الأصح..،فإذا أرادت أن يكون لها بصمه في منزله..، ستكون زوجة فعليه..، ولكن زيجتهم.. تمت لأنقاذ الموقف
.......
كانت "صفا" سعيدة وهي تخبر "جنه" عما حصلت عليه اليوم
- أول ما هاخد مرتبي، هبعتهولك علطول يا جنه..، متخليش عمتي ولا عمي صابر يحتاجوا حاجه
وجنه كانت لا تقوى علي الحديث، و لا تُريد إفساد فرحتها
- لا وكمان ناويه انزل اشتري ليا وليكي طقمين حلوين.. ،
وبأمر كانت تُخبرها، حتي تري سعادتها بتخرجها
- واحضري حفله التخرج..، هبعتلك فلوسهم والفستان كمان
دمعت عينين "جنه" وهي تستمع إليها، ف صفا تُريد إسعادهم بكافة الطرق، "صفا " , ابنه خالها الفتاة المدلله التي لم تتحمل عبأ أي شئ في حياة والديها..، أصبحت الأن تسعي من أجل أن توفر لهم حاجتهم
- جنه، انتِ مبترديش عليا ليه، سيباني اكلم نفسي
وبدعابه كانت تُمازحها، ولكن توقفت عن دعابتها عندما بدء الشك يراودها
- جنه هو في حاجة حصلت لعمي صابر أو عمتي
لم تتحمل "جنه" الصمود أكثر، وإخفاء عنها الأمر.. ،وانفجرت في بكاء مرير
- بابا تعب تاني يا صفا
فانتفصت "صفا" من فوق فراشها مذعورة، تتسأل بقلق
- جنه، براحه كده وفهميني إيه اللي حصل تاني
وبدأت تقص عليها، ما حدث صباح أمس ..، من تعب والدها مجدداً، وإخبار الطبيب لهم انه لا بد أن يتم إجراء عمليه.. فالقلب أصبح لا يتحمل الجهد
- الدكتور قالي، هيحط اسمه في قائمه الناس المنتظرة علي نفقة الدولة
وحاولت أن ترى الموضوع بأمل
- قالي دوره ممكن بعد شهر، والحاله تقدر تستنى..، بس أنا خايفه اوي يا صفا
لم يكن حال "صفا" يختلف عنها، فاغمضت عيناها بأسي وقله حيله
- العمليه هتكلف كام يا جنه
استمعت لرقم المبلغ، فعادت تهوي فوق فراشها
- مش قدامنا حاجه غير إننا نستني الدور ..، يمكن يطلعوا صادقين
تمتمت بها "جنه" وهي تعلم أن الأمر لن يحدث، فهناك حالات أخرى تنتظر مثل والدها ، ومن يُحالفه الحظ سيكون دوره
- أنا بفكر أروح لاعمامي يا صفا، مش حرام ده يحصل لينا وهما عايشين في عز، ده مهما كان أخوهم
- اوعي يا جنه، عمي صابر هيزعل منك.. ،دول مقاطعينكم من زمان ولا عمرهم سألوا عليكم
فهتفت بقلة حيله
- يمكن الدم ميبقاش ميه يا صفا، وقلبهم يحن
ارتسم الحزن فوق ملامح "صفا" وهي تستمع لنبرة أبنة عمتها، وقد أصبحت تحمل الهموم كحالها
- اصبري شويه يا جنه، ولما ملقيناش حل..، يبقى مقدمناش غير إنك تروحي ليهم
……………….
أرتجفت قدميها وهي تخطو بأول خطوه داخل هذا الصرح الضخم ، فلمعت عيناها من رؤية ضخامة وفخامة البناء الذي يدل علي مكانته العالية في عالم المال والمعمار
وتعلقت عيناها بالفناء الواسع ، تتأمل كل من حولها من موظفين يعملون كخلية النحل
وقف امامها موظف الأمن يسألها عن وجهتها:
- افندم ياأنسه
فتنحنحت صفا بحرج وقد تمالكت إنبهارها اللعين:
- انا عندي ميعاد مع عامر ..
وتذكرت رغبته الديكتاتورية في وضع الألقاب على حسب ما يهوي
فاردفت بجديه :
- عامر بيه
فتجه موظف الأمن بها ، نحو إحدي موظفات يسألها إذا كان لديها علم ، ابتسمت وهي تري الموظفه تُخبرها إنه ينتظرها بل وبعالجة فالأجتماع سيبدء بعد خمسه عشر دقيقه ..، رافقها موظف الأمن نحو المصعد , متمنياً له يوماً جيداً ..، وبنظة خاطفة قبل أن يصعد المصعد كانت تلقي بنظرة أخري نحو المكان
- بقيتي تتعملي باحترام يا صفا ، لا وبيتقالي بنتمنالك يوم سعيد ..، شكل عامر بيه قايم بدور عظيم في شركته ..، عقبال يا يقوم به في القصر ويرحمنا من عجرفة مراته ..، الليدي فريدة
.................................................................
حدق بأخر ورقة من أوراق الملف القابع بين يديه ، وقد درسه مجدداً بنظرات سريعة متقنة
أغلقه أخيراً بهدوء تام ، وأسترخي بجسده بارتياح , ينظر نحو القابع أمامه
ابتسم له صديقه ، وقد عاد اخيراً من رحلة غربته في ألمانيا ، ومعه تلك الصفقة التي ستجمع بين شركته وشركة المانيه في مجال محركات السيارات ، وهذا بعيداً عن نمط شركات السيوفي
اكرم : ها ياعامر .. فاضل ربع ساعه علي الاجتماع مع الناس , وانت لسا بتفكر
فمال "عامر" نحو سطح مكتبه ، وبثبات كان يستند بساعده فوقه ، يرفع احد الاقلام .. وقد بدء بالطرق به علي سطح مكتبه ، تلاشي حديثه عن الصفقة التي بالفعل قرر السير بها ، وتسأل وهو يري تغير صديقه
- بس الغربه غيرتك يا أكرم ، بقيت بيزنس مان شاطر
طالعه "أكرم" بسعادة ،وقد إستنتج من حديثه ، بوافقته فكهذا هو دوماً "عامر السيوفي .."
- وأنت لسا زي ما أنت يا ابن السيوفي ..، بتعرف تراوغ اللي قدامك صح
هتف بها "أكرم" ، فصدحت ضحكات "عامر" وهو يستمع لرأي صديقه
- انا موافق علي الصفقه يا أكرم
وفضول كان يقتحم "عامر" ، كان يتسأل عن حياة صديقه ..، ومن ملامحه ونجاحه يبدو إنها استقر بحياته وقد تلاشي أمر زيجته الأولي
- سمعت انك اتجوزت !
فنهض "أكرم" عن مقعده ، واشعل سيجارته ثم دسها بين شفتيه متمتماً ، بعدما زفر أنفاسه المعبئة برائحتها:
- لقيت الشغل والغربه هيسرقوا من عمري فقولت الحق اتجوز وأخلف ،... اومال كل النجاح ده هسيبه لمين ..، وبصراحه حبيتها
ضحك "عامر" علي عبارته الأخيره ..، فكذا هم يراوغون في مشاعر الحب ولا يعترفون به
- عايز تفهمني إن بنات الطبقات العالية والأصول العريقة .. يهمها تخلف وتربي ...
وتابع بنفس لهجته الساخرة وقد تذكر "فريدة " التي هي بعيده تماماً عن صورة النساء اللاتي يراهم تصلح لهذه المهمه :
- ده اهم حاجه عندهم الموضه والحفلات والسفر وتجمعات النوادي الهيفه
- شكلك بتعاني يا صديقي
تجهمت ملامح "عامر" ، عندما قذف له "أكرم" الكره ..، ولكنه كان يعلم نهاية زيجته من فريده ولم يخطط لأستمرارها ولن يفعل هذا بنفسه
لاحظ "اكرم" نظرته ، فتفادي الحديث عن حياة صديقه وتلك الزيجة السريعه التي سمعه عنها من الصحافة ، ف "عامر" لا يُحب الحديث عن حياته الخاصه
وبخطوات معدوده ، كان يتحرك "اكرم" نحو بعض الصور المعلقة علي الجدار ..، يخبره عن شريكة حياته التي أختارها
- أنا اتجوزت موظفه عندي .. عجبتني فاتجوزتها ... ، من عيله مصريه مستواها المادي متوسط بتشتغل هي واخوها في المانيا .. يعني ولا وسط استقراطي ولا من طبقتي الاجتماعيه ، ولا من أختيار العائله زي الزيجة الأولي اللي فشلت .. ، بصراحه ابهرني تفكيرها وتدينها وحسيت إن هي ديه الزوجه اللي هكون مطمن وانا بديها اسمي .. وتكون ام ولادي
وضحك متهكماً علي حال الانسان
- شوفت أكرم حمدان ، اللي كان بيكره مظاهر التدين في الستات ، بقي بيشجع لأي راجل إنه يظفر فعلا بذات الدين
أقتطب "عامر" حاجبيه ، وقد أذهله حديث صديقه ، الذي كان أكثر الناس معرفة بخصاله
- عالم الفلوس والشغل بيسرقوا من عمرك ، ياعامر
فاقترب عامر هو الاخر من تلك الصوره المعلقه ولم تكن إلا لوالده ، يهتف بمشاعر مضطربه :
- جوازي من فريدة كان لأنقاذ الموقف،كنت فاكر ممكن تحصل مشاعر بينا وقدر أتجاوز فكرة إني كنت مرشحها لأحمد وإنها كانت بتحبه .. ، حتي زمان فشلت مع أميرة ، مقدرتش تستحملني .. ، ومنكرش إني ظلمتها بجوازنا السري
تفهم "أكرم" زيجة صديقه
- الجواز ، اكتر خطوه بتحسسنا بمشاعرنا ..، يمكن عشان بنتعري قدام بعض في كل حاجة ..
ساد الصمت بينهم ، وقد شعر بمشاعر صديقه
- انا بقي عندي أيهم دلوقتي يا عامر وقريب هيجلي فرد جديد
اراد أن يبتعد بحديثه قليلاً عما يورق صديقه ، فابتسم "عامر" بسعاده
اطرقت سكرتيرته الباب وعلي مايبدو قد أتي وقت الأجتماع ، دلفت مكتبه بخطي منضبطة وخلفها تلك المرتبكة قليلاً ، صاحبة العيون الخضراء والحجاب البسيط المنمق ، وفستانها الفضفاض ذو الحزام الفضي اللامع الذي يتوسط خصرها
فوقعت نظرات "عامر" عليها ، قد طال تأمله لها رغماً عنها ، تفرك كفيها بتوتر ، وتطرق رأسها خجلاً ..، وكالعاده لا يفهم هذه الفتاه .. هل هي جريئة الطبع أم خجولة ولكنها كانت تكتسب إحترامه يوماً عن يوم بطريقة يتعجبها من حاله
وتحت نظرات "أكرم" المتسائله عن هويتها ، وإنتظار السكرتيره لأوامره ..، كان يهتف بجديه :
- خدي انسه صفا ، وفهميها الاجتماع هيكون ازاي وديها العقود .. ، مافيش وقت ياهاله !
أشار إليهم بالخروج بفظاظه أعتادت عليها منه ، فتحركت خلف سكرتيرته ، تهتف بحنق وملامح ممتعضه ، وقد سمعها كعادته رغم همسها , وهكذا كان يتأكد أن التي كانت واقفه أمامه "صفا" وليست شبيهتها
- مافيش حتي كلمة اهلا .. نورتي الشركه ، شخص غريب الطبع
وبعدما اصبحوا الصديقين بمفردهما مجدداً ، أنفجر "أكرم ضاحكاً "، مُقتربًا منه:
- جميلة اووي البنت ديه ، بس لسانها طويل شوية
……………….
جلست "فريدة" برفقة عمتها في حديقة القصر، بعدما أتت لرؤيتها..، طالعت أبنة شقيقها وهي تتخذ دور السيدة أمام الخادمه تُلقي عليها الأوامر بحده
انصرفت الخادمه، تنفذ لها اوامرها، فابتسمت "كريمه" وهي تفحصها بنظراتها
- ما دام بقيتي متقمسه الدور في القصر، يبقى فعلي جوازك يا فريده
سعلت بقوة، بعدما وقفت بضعة قطرات من عصيرها في حلقها، رمقتها "السيدة كريمه" بترقب حتي مسحت قطرات العصير من حول شفتيها
- جواز إيه اللي أفعله يا عمتو، أنا و عامر متفقين علي مدة جوازنا وهننفصل..، ما انتِ عارفه
اماءت لها "كريمه" برأسها، فهي تعرف بهذا القرار بل ورحبت به.. لأنها لم تراها إلا زيجة فاشله.. ،مصيرها سيكون الانفصال
- عارفه يا فريدة، لكن محسن مش عارف ده..، ده بقى بيسألني بقيتي حامل ولا لاء
عاد سعالها بقوة تلك المرة، لا تستوعب ما تخبرها به عمتها، فانفرجت شفتيها في ضحكة قوية وقد المتها معدتها
- يبقى محسن بيه هينتظر علي الفاضي
- وليه ينتظر علي الفاضي يا فريدة، ما ممكن يتحقق عادي
باغتتها عمتها بعبارتها، فاتسعت حدقتيها لا تُصدق ما تتحدث به عمتها معها بل وبتلك الجدية
- أنا شايفه إن محسن اختار ليكي حياة تليق بيكي، وعامر السيوفي من كلامك عليه مش راجل صعب، يمكن جاد وصارم لكن مش صعب..، والنقطه ديه ممكن تتغير لما يكون في علاقة بينكم
فهمت ما ترمي إليه عمتها، فضيقت عيناها.. ،فما الذي جعل قرار عمتها يتغير وتصبح داعمه لاستمرار زيجتها من عامر
- في الفترة البسيطه ديه عرفتي تشوفي طباع عامر يا عمتي
وبتعقل كانت تخبرها "كريمه"
- حكمت عليه من كلامك عنه يا فريده
- بس هو مبيحبنيش
التمعت عينين "كريمه"، فعلي ما يبدو أن الأمر بدء يتسرب لداخل عقل صغيرتها، و فريدة بدأت تقتنع
- وهتحبوا بعض إزاي وانتم متفقين علي الطلاق
وبضياع أصبح يُلازمها، هتفت
- أنا لسا بحب احمد يا عمتو
كانت تشعر "كريمه" بضياعها بل تراه أيضا في عينيها ولكنها كانت تُريد لها السعاده، التي أصبحت تراها لها في هذا البيت
- انتِ واحمد علاقتكم بقت مستحيله يا فريدة، ولو كان في أمل زمان..، دلوقتي الأمل ضاع بجوازك من عامر، خليكي ذكيه ومتخرجيش خسرانه من كل معاركك
وكأنها بدأت للتو تستوعب حديث عمتها، صمتت عن الحديث واخذت تحدق بمساحة القصر الواسعه
- مين البنت ديه يا فريدة
انتبهت علي نظرات عمتها المصوبة نحو "صفا" التي اخذت تسير في الحديقه تتحدث في هاتفها وكأنها في منزلها
نهضت علي الفور من جلستها، تخبر عمتها بهويتها
- ديه مرافقة ناهد هانم، تقدري تقولي خدامه بس شايفه نفسها شويه
واسرعت في خطواتها، تحت نظرات عمتها وضحكتها..، فعلي ما يبدو أن ابنة شقيقها لا تحب هذه الفتاه
- والهانم مش عارفه إن عندي ضيوف، ولا بقيتي فاكره القصر بيتك
تجمدت ملامح "صفا" وهي ترفع هاتفها عن اذنها..، التفت نحوها تُطالعها، ف اقتربت منها " فريدة"
- مش معنى إن ناهد هانم بتحبك مقدرش اطردك
التمعت عينين "صفا" بكره، فمن هي لتُحادثها هكذا، إنها أصبحت علي درايه بعلاقتها بالسيد عامر، ومن حديث الخدم والسيدة ناهد عن تلك الزيجة، فأنها ليست إلا ضيفة هنا
- هي حديقة القصر من الممتلكات ، اللي بيتمنع المشي فيها
احتدت ملامح "فريدة"، وقبل أن تهتف بشئ يزيد الأمر..، كانت " صفا" ترحل من أمامها.. غير عابئة بشئ.. ،فقد أصبح لديها وظيفه أخرى في شركة "السيد عامر" من أجل ترجمه العقود الخاصه بالصفقة الجديده للشركة وعلي ما يبدو أن الصفقة مستمره لاشهر
اقتربت منها عمتها، بعدما شاهدت الوضع من بعيد
- البنت حلوه يا فريدة
وكأنها كان ينقصها تلك العبارة التي تعلمها تماماً، وتجعلها تحقد عليها
- وكمان باين عليها ليها حضور
وعمتها تزيد الأمر عليها، بكلماتها التي تعرف هدفها
..........
ضحك "عامر" بملئ شدقيه وهو يستمع لشقيقه عن إحدى الطرائف التي حدثت معه، سارت نحو الدرج ولكنها انتبهت علي صوت ضحكاته ولأول مرة تسمعه يضحك هكذا..، اقتربت من غرفة مكتبه ولم يكن بابها موصداً..، فاستطاعت الدلوف بهدوء ولم يشعر بها.. ،ووقفت تنظر نحو ظهره المقابل لها..، وحديث عمتها منذ تلك الليلة يقتحم عقلها..، عامر يتمتع بالحضور والجسد الرجولي القوي، جسداً يجعلك تشعر بالرهبة من صاحبه، فالتمعت عيناها وهي تفحصه، وقد جاءت تلك الذكرى التي كانت سبب جمعهم.
" لو كنت ِ بتنفري منه يا فريدة، مكنتيش ليلتها قربتي منه، حتى لو كان عقلك مغيب ومش حاسه بحاجة.."
وحديث عمتها، ها هو يطرق رأسها، ولكن كل شئ ضاع في لحظة وهي تستمع لحديثه
- طبعاً عايز تنهي المكالمه عشان متتأخرش عليها.. ،مش هتقولي اسمها إيه
وعادت ضحكاته تعلو، عندما أستمع لضجر شقيقه، فالرفيقة ليست إلا سيدة يجمعه بها الصداقه لا أكثر ولم تكن إلا أميره ..، ولأنه في مزاج يسمح له بالدعابات فلم يهتم بتذمر شقيقه
- مش هتقولي اسمها إيه، يا احمد
تجمدت عينين "فريدة" وهي تلتقط عباراته المازحه، فهل يرافق "احمد" امرأه وتركها تعيش بؤس رحيله..، هل صدق والدها عندما اخبرها، أن الحب إذا وضع في طريق المرء..، جعل صاحبه هو الخاسر "
مشاعر متضاربه كانت تخترق عقلها وقلبها..، وبهدوء كما دلفت الغرفة كانت تخرج منها..، ولكنها توقفت مكانها وهي تستمع لصوته بعدما أنهى مكالمته معه شقيقه
- كنتِ محتاجه حاجه يا فريده
التفت صوبه، ومن نظرة واحده نحوها.. ،كان يعلم إنها استمعت لمكالمته مع شقيقه..، أرادت أن تخبره عن "صفا" ولكن تراجعت في آخر لحظه..، فما تفعله من شكوي أصبح يعود عليها.. ،ف صفا قد نالت تقديره وخاصه السيدة ناهد، وما عليها إلا الصبر حتي تستيطع طردها بسهوله
- ممكن نتفرج علي فيلم سوا
ولم يكن عرضها ، إلا إخفاء للموقف..، ولم يكن هو إلا بارع في التقاط النقاط الصغيرة..
- مافيش مشكله يا فريدة، شوفي هتختاري فيلم إيه لأني مش من هواه الأفلام
التمعت عيناها في ابتسامة سريعه، حاولت رسمها..
- اوك، هختار انا
القت عبارتها، وغادرت تحت نظراته.. ،إنه بات يفهمها للأسف..، وبات يخشى عليها من نفسها
وشئ داخله كان يهتف
" ليست هي المرأة المطلوبه في حياتك يا عامر"
......
تفاجأ باختيارها لغرفته، وقد اعدت المكان بلمسات بسيطة..، طالعها بذهول وهو يتسأل
- ليه في اوضتي يا فريدة ؟
والجواب لم يكن يحتاج لتفكيرها
- شاشة التلفزيون هنا أكبر
اقتنع بعض الشئ وتقدم منها يجلس علي طرف الأريكه
- شغلي طيب الفيلم..
ونظر نحو ساعته، فالوقت قد اقترب من العاشرة مساء ..، جلس باستقراطية، فرمقته مبتسمه..، وقد راقتها وضيعة جلوسه.. ،ف عامر هو الأسد في هذا القصر وكل شئ في قبضه يده.. ، بدأت خصال والدها التي ورثتها منه تسيطر عليها بالتملك خاصة كلما تذكرت المكالمه التي استمعت لها بين عامر واحمد
طرقات خفيفة كانت تدق فوق باب الغرفه، وبلطف وثقة كانت تدلف "صفا" الغرفه، تضع أمامهم مشروب تتقن صنيعه بشدة، وقد اخبرتها الواقفة بنظراتها الماكرة، أنها احبت هذا المشروب منها، والحقيقة كانت تفهمها "صفا" ف فريدة لم تفعل ذلك إلا لتخبرها بمكانتها
- مدام فريدة قالتلي إن المشروب الخاص بيا، عجبها..، اتمنى المرادي يعجبها ويعجبك يا عامر بيه
ابتسم "عامر" وهو يرمق الكوب..، وقد اعتدل في جلوسه..، مما جعل فريدة تزداد حنقاً منها، فلما تنال هذه الفتاه تقديره هكذا
- شكرا يا صفا
وبتكلف كانت تهتف فريدة هي الأخرى رغما عنها
- شكرا يا صفا
غادرت "صفا" الغرفة وقد شقت ابتسامتها ملامحها، فلم تنتصر عليها "فريدة" كما أرادت ولم تشعرها بدنو مكانتها..
تجاهل "عامر" الأمر، وانتظرها تتوقف عن زفر أنفاسها بحنق، رمقته وهو يلتقط الكوب ويرتشف رشفة منه
- فعلا عندها مواهب كتير
امتدحها، ف تجهمت ملامح "فريدة" وضغطت علي زر التحكم لتبدء اول لقطات الفيلم..، ولم يكن إلا فيلم رومانسي.. بارد المشاعر ولكنه تجاوز الأمر وجلس يشاهده معها..، يستمع إلى عباراتها الحماسيه..
علقت عيناها به، وقد ظهر عليه الضجر.. ،وقد اشاح عيناه عن المشهد الجرئ الذي يُعرض
انتبهت "فريدة " عليه وابتسمت داخلها وهي تنهض من جلستها، وبقرار قد اتخذته وحسمته مع عقلها..، كانت تطبق المشهد معه..، وهو لم يكن إلا في صدمه لا يبادلها شئ
*** عرض أقل
•تابع الفصل التالي "رواية سطور عانقها القلب" اضغط على اسم الرواية