رواية الكتيبة 101 الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم يارا محمود شلبي
الفصل الثامن والعشرون|ربنا يجمع غسيلنا في غسالة واحدة|
_____________
صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 🤍✨️
_________
قراءة ممتعة......
الفصل الثامن والعشرون
|ربنا يجمع غسيلنا في غسالة واحدة |
في السيارة - بعد خروجه من المطعم مع يارا...
كانا يجلسان في السيارة، يضحكان ويتبادلان النظرات، حتى صدح هاتفه فجأة.
عمار، وهو ينظر إلى الشاشة:
_"جميلة؟"
صوتها من الطرف الآخر متوتر فقد شك هو بأن هناك شيئًا قد حدث حينما قالت :
_" عمار انا في المستشفى. "
ملامحه تغيرت فجأة فقال :
_"مستشفى ليه ! "
_"نور وقعت من على السلم إحنا في مستشفى**
هيام ."
قاطعها بقوله:
_"بلا هيام بلا بتاع أنا جاي حالًا."
استدار نحو يارا بقلق:
_ "لازم أرجع دلوقتي."
يارا :
_ "خير مالها الحرباية ؟ "
وضع يده على المفتاح ليحرك السيارة ويسير بها قائلًا لها:
_"معرفش مالها بس نور وقعت من على السلم وجميلة أخدتها على المستشفى."
اتسعت عيناها من الصدمة:
_ "طب أطلع على هناك ."
ضغط على البنزين بقدمه فانطلقت السيارة بسرعة ،
لم يكن أحدهما يتحدث؛ فقط الصمت، تتخلله نظرات القلق التي كانت يارا ترمقه بها من حين لآخر، لكنه كان
يركز في الطريق أكثر ، توقفت السيارة أمام ذلك
المستشفى.
أسرع عمار بالدخول، ويارا خلفه،
دخل إلى غرفة الانتظار، متوجهًا إلى جميلة:
_ "إيه إللي حصل لها؟"
بدا على جميلة الإرهاق، وبشرتها شاحبة:
_ "معرفش حاجة... كنت فوق، سمعت صوت خبطة جامدة جريت لقيتها نور تحت عند السلم ودمها سايل من راسها، واغمى عليها... الحرس ساعدوني نطلّعها على العربية وجيت بيها على هنا."
عمار، بصوت يرتجف من الغضب:
_"قاسم فين؟"
جميلة، وهي تنظر بعيدًا:
_"خرج... لما عرف إن باسل قدّم استقالته وناوي يرجع أمريكا."
يارا، بذهول:
_"قدّم استقالته؟!"
هزّت جميلة رأسها بإيماءة ثقيلة. في تلك اللحظة، لمح عمار الطبيب يخرج من غرفة الكشف، فاندفع نحوه.
فهتف بنبرة قلقة:
_"خير يا دكتور؟ هي كويسة؟"
الطبيب، بنبرة هادئة:
_ "آه الحمد لله
فاقت. ..... إحنا جبسنا إيديها اليمين ورجليها اليمين... الوقعة كانت صعبة بس الحمد لله ملهاش تأثير على الدماغ، النزيف اللي حصل كان بسيط، بس خلاها تفقد الوعي مؤقتًا."
جميلة، وهي تنهض بسرعة:
_ "يعني فاقت دلوقتي؟ نقدر نشوفها؟"
الطبيب:
_"آه، بس ياريت محدش يحركها علشان الكسور."
تركهم الطبيب، فاندفع الجميع إلى الغرفة حيث كانت نور مستلقية، وجهها شاحب، وعيناها تلمعان من أثر الدموع.
جميلة، وهي تجلس إلى جوارها وتضع يدها على جبينها بحنان:
_ "كده تخضّيني عليكِ؟ أضربك أنا دلوقتي."
نور، بابتسامة باهتة:
_"وتكسّريلي إيدي التانية؟ ما أنا عارفاكِ...
إيدك تقيلة زي دمك."
ابتسمت جميلة رغم قلقها:
_"هنغلط بقى؟"
اقتربت يارا منها وربتت على يدها:
_ "ألف سلامة عليكِ يا نور."
نور، وقد بدا عليها الاستغراب حين رأت يارا:
_ "الله يسلمك."
ثم نظرت إلى الباب، حيث كان عمار يقف مترددًا، يتأملها بعينين يملؤهما الحزن.
نور، والدموع تتجمع في عينيها:
_"اخرج بره... لو سمحت."
عمار، وقد تجمّدت ملامحه:
_"مالك يا نور؟ في إيه؟"
نور، بصوت مرتجف وهي تبكي:
_ "مش عايزة أشوفك... اخرج، اللي حصل ده بسببك إنت."
اقترب عمار منها، يشير إلى نفسه، غير مصدق:
_ "بسببي أنا؟"
نور، بغضب وانكسار:
_ "آه... بسببك. الزفتة اللي انتَ جايبها في البيت، هي اللي وقعتني من على السلم."
عمار، بصوت مصدوم:
_"هيام؟!"
نور، بنبرة قهر:
_"آه هيام إيه؟ اتخدعت فيها تاني؟ أنا سمعت صوت جاي من أوضتك، دخلت لقيتها الأوضة مقلوبة ورق في الأرض والسرير متبهدل بتدوّر على حاجة، زعقت معاها، ولما نزلت علشان أدور عليك زقّتني من على السلم."
لم يكن يستغرب فهو ينتظر منها ما هو أقذر من ذلك خرج من الغرفة بدون أن ينطق بكلمة و غضبه لا يوصف
لحقت به يارا مسرعة لكن خطواته كانت أسرع فقالت له:
_ "يا عمار، استنى... هاجي معاك."
عمار، دون أن يلتفت:
_"لا."
يارا، وهي تفتح باب السيارة وتجلس جواره بعناد:
_"هو إيه ده اللي لا؟ أنا جاية يعني جاية."
---
في فيلا عمار، كانت هيام تدور في الغرفة بعصبية واضحة، تُحدث جمال عبر الهاتف وهي تلهث من فرط المجهود :
_"بقولك راحت المستشفى، أكيد هتقول إني أنا اللي زقّيتها."
جمال بسخرية:
_ "علشان متخلّفة، مش مهم تروح في داهية... المهم دلوقتي، لقيتي الملف؟"
هيام بخوف:
_ "لا... لسه... مش لاقياه."
رفع صوته بشكل أفزعها:
_"نعم؟ لسه ملقتيهوش؟ قومي أقلبي البيت كلها... أنا مش فاضي لكِ."
هيام، بصوت باكٍ:
_"دورت والله في كل الأوض ، حتى أوضة عمار، بس أكيد هو مش سايبه هنا يا جمال."
جمال ببرود قاتل:
_"مليش فيه... يومين. الملف لو ما اتلاقاش
هقتلك... فاهمة؟"
أغلق جمال المكالمة. واستمرت هي في البحث مجددًا أخذت الحاسوب المحمول وجلست على الفراش تحاول فتحه لتبحث بداخله عن أي شيء لربما تجد شيئًا
لم تمر لحظة، حتى فُتح باب الغرفة بعنف
ودخل عمار، وأغلق الباب بالمفتاح، في وجه يارا
بينما بقيت هي بالخارج، تحاول أن تفهم ما يحدث.
ارتجفت هيام من ملامحه:
_"في إيه يا عمار؟ داخل كده ليه؟"
أمسكها عمار من خصلاتها قائلًا بعنف :
_"في إنّي تعبت منك ومن قرفك، يا هيام."
صرخت به قائلة وهي تتألم:
"آه شعري! سيبني!"
ثم تراجع عمار، وسيطر على أعصابه، وأفلت خصلة شعرها وهو يزفر بضيق.... فقال بنبرة غاضبة:
_"أنا متعوّدتش أمد إيدي على ست... بس إنتِ؟
لا إنتِ تجاوزتِ كل حاجة."
تراجعت للخلف حتى بقى ظهرها موازيًا للحائط :
_"أنا عملت إيه؟"
ضحك بسخرية :
_"عملتي إيه؟ إوعي تكوني فاكرة إني صدقتك لما قلتي إنك بتحبيني... أنا عمار يا هيام فوقي .
آه حبيتك في يوم... قبل ما أكتشف حقيقتك القذرة. دلوقتي؟ مفيش حاجة تملى عيني غير يارا... وبس."
تقدّم نحوها أكثر، وصوته يزداد قسوة:
_"أنا وعدتك... لو شوفتك تاني، هحبسك... وأنا دلوقتي جايلك أوفي بوعدي. عارفة إن القضايا اللي عليكِ تخرّجي منها بسنتين أو بتلاتة ... بس أنا... لأ ..... أنا هحبسك طول عمرك يا هيام... علشان نور، وعلشان يارا، وعلشان كل حاجة خسرتها بسببك.... وأظن أبوكِ أو أمك لو عرفوا مش هتهميهم في حاجة أصلًا. "
انهارت هيام وهي ترجاه :
_"لا... السجن؟ لأ! أنا همشي... مش هتشوف
وشي تاني أرجوك."
_"بس... اخرسي."
أخذ هاتفها من أعلى السرير وألقاه أمامها :
_ "خدي الزفت دا، كلميه... وقولي له إنك لقيتي الملف وعايزة تقابليه. افتحي السبيكر... ولو عملتي أي حركة هتندمي أوي."
بيد مرتعشة، أخذت هيام الهاتف واتصلت برقم جمال، ثم فتحت مكبر الصوت.
جمال، وهو يرد بعصبية:
_"خير؟ قوليلي إنك اتكشفتِ وخلصيني... أنا مش فاهم، عمار لسه ما شكّش فيكِ إزاي؟ ظباط أخر زمن والله."
همس بارتباك عبر الهاتف وهي تنظر حولها بخوف:
_"اسمعني يا جمال... أنا لقيت الملف، بس مش هينفع يفضل معايا. عايزاك تقابلني علشان تاخده مني... أنا خايفة عمار يشك فيا."
جمال بنبرة مطمئنة:
_"لا، متخافيش... أنا هاجي القاهرة على طول وهكلمك أول ما أوصل."
هيام بقلق:
_"طب اقفل بسرعة... شكل في حد جاي."
_"ماشي."
أغلفت الهاتف فأنتشله عمار من بين يدها
فجأة، دوى صوت طرقات على الباب.
يارا من الخارج، بصوت منزعج:
_"يا عمار... افتح الباب بقى."
استدارت هيام إليه وقد تملكها الخوف فقالت بتوسل:
_"علشان خاطرها... سيبني أمشي."
عمار بجمود :
_"بتحلمي يا هيام."
وبعدما انتزع منها الهاتف وضعه في جيب سرواله، ثم اتجه نحو الباب وفتحه بعنف. جذبها من يدها وسحبها خلفه إلى الحديقة الخلفية، حيث كان هناك باب صغير يؤدي إلى غرفة التخزين الملحقة بالحديقة.
عمار وهو يوجه لها الكلام دون أن ينظر إليها:
_"هتفضلي هنا... ولما سبع البرومبة يرن عليكِ، هبقى أخليكِ تكلميه علشان أخلص منكم أنتوا الجوز."
ثم أغلق الباب عليها بإحكام، وتأكد أنه مغلق جيدًا، قبل أن يعود إلى داخل الفيلا.
دخل ووجد يارا تجلس على الأريكة تنتظره. كانت ملامحها القلقة تراقبه بصمت، فجلس على المقعد المقابل لها.
قالت بهدوء واهتمام:
_"إنت كويس؟"
أطلق عمار تنهيدة طويلة، كأنها تحمل ثقل أيام مضت.
عمار بصدق:
_"مش عارف... حاسس إني مخنوق.
مش هرتاح غير لما أخلص منهم."
يارا بلين:
_"طب يا عمار، قوم اتوضى وصلي العصر... وهترتاح، قوم وأنا هستناك هنا."
عمار بعد لحظة صمت:
_"عندك حق... هقوم تيجي تصلي معايا؟"
يارا بابتسامة خفيفة:
_"لأ، أنا هصلي لما أروح... بس مش هينفع أفضل هنا كتير، مفيش حد، وكده غلط... هطلع أستناك بره."
أومأ برأسه احترامًا لرأيها فقال بنبرة دافئة:
_"على راحتك... شوفي اللي إنتِ عايزاه."
ثم صعد إلى غرفته. توضأ وهو يشعر بانقباض في قلبه، وقف يصلي العصر، ورفع يديه بالدعاء، يشكو إلى ربه ما ضاق به صدره وما خفي عن الناس.
_"يا رب... انتَ أحن علينا من أي مخلوق، أقرب من كل قريب. بدعيلك تفك كربي، وتهديني، وتبعد عني اللي بيأذيني... ثبتني، وريح قلبي."
صوته اختلط بالدموع، لكنه شعر بعدها براحة لم يشعر بها منذ أيام. انتهى من صلاته ورفع سجادة الصلاة يضعها بمكانها بعناية . ثم نزل بعدها فوجد يارا تستند على سيارته، تنتظر بصبر ووجهها مائل نحو الشمس.
اقترب منها فقالت :
_"بقيت أحسن؟"
_"أحسن بكتير"
يارا بابتسامة:
_"دَعَتلي؟"
نظر لها بشوق:
_"طبعًا."
مازحته قائلة بلطف :
_"بإيه بقى؟"
استند بظهره على السيارة كمان تفعل هي وهتف وهو ينظر لها :
_"إنك تبقي على اسمي... مش عايز حاجة غيرك، عايزك جنبي وبس."
يارا بحرج:
_"هتزهق مني على فكرة."
_"طول ما أنا جمب العيون دي مش هزهق."
صمتت للحظة وهي تحنى رأسها قليلًا للأسفل لتحمي عينيها من أشعة الشمس ومن نظراته لها
تنحنحت بعد صمت قد طال :
_"طيب... مش هتروحني ولا إيه؟"
عمار بابتسامة مشاكسة:
_"هروحك؟... هتروحي مني فين يعني؟
هانت يا زبادي بالتوت."
فتح لها باب السيارة فركبت السيارة بغرور مصطنع.
تعالت ضحكاته وهو يغلق بابها ويسير ليركب جوارها
فقال وهو يدير المحرك:
_"ربنا يجمع غسيلنا في غسالة واحدة يا شيخة شرباتك كلها تبقى مع شرباتي"
يارا بنظرة دهشة وضحكة مفاجئة:
_"شربات إيه وتشيرتات إيه !؟ مين قالك إني هقبل إن هدومي تتحط معاك أصلًا؟ "
عمار بسخرية محببة:
_"والله هتغسلي هدومك عند الجيران ؟ "
_"لا مش هتجوزك أساسًا ."
_"اها أحلمي الأحلام حلوة برضو بس أبقي اتغطي علشان تحلمي كويس."
تعالت ضحكاتها وهي تنظر له :
_"قماص .... هبقى أغسلك شرباتك تعرف ؟
أنا مستغربة كل حاجة... أول مرة شوفتك، ولا أول تمرين ليا... كنت مستحيل أتخيل إننا نوصل لكده."
عمار بنظرة مليئة بالثقة:
_"المهم إننا اتقابلنا... وأنا واثق في ربنا إنه مش هيبعدك عني... فردة الشراب إللي فضلت أدور عليها في كل دولاب ."
___________
في المستشفى...
كانت جميلة تجلس بجوار نور، تتبادل معها الحديث لتسلية الوقت فهتفت نور :
_"جميلة... أنا جعانة."
_"حاضر، هروح أجيب حاجة ناكلها من الكافتيريا "
نور:
_"متتأخريش"
غادرت جميلة الغرفة، تبحث عن طريق الكافتيريا وهي تمسك هاتفها، وفجأة رن الهاتف. كان اسم مراد يظهر على الشاشة... فأجابت عليه ليبدأ هو بسؤالها:
_"إيه يا جميلة؟ أبوكي راجع إمتى من العزبة؟"
جميلة باستغراب:
_"مش عارفة، بس بتسأل ليه؟"
_"عشان هاجي أتقدملك يا جميلة."
جميلة وهي تتوقف عن المشي:
_"احلف كده!"
مراد بابتسامة وهو يحك يده بذقنه الخفيفة :
_"والله... فتحت الموضوع مع الحج امبارح على فكرة، إنتِ فين؟ فيه صوت دوشة."
_"أنا في المستشفى... نور وقعت من على السلم، واتجبست، وأنا معاها."
مراد:
_"طيب أنا فاضي هاجي أطمن عليها."
_"ماشي، هبعتلك اللوكيشن."
بعد أن أرسلت الموقع، توجهت إلى الكافتيريا، اشترت بعض الطعام، ثم أثناء خروجها، تفاجأت بشخص يجذبها فجأة إلى أعلى السلم، باتجاه سطح المستشفى.
جميلة بدهشة وخوف:
_"زين! إنتَ بتعمل إيه؟!"
لم تتجرأ على الصراخ، فكانت الصدمة قد شلتها. بمجرد أن وصلا إلى السطح، أفلت يدها.
زين بحزن ظاهر:
_"ليه بتعملي فيا كده؟ قولتلك لسه بحبك... لا، ومبسوطة أوي إنه جاي يتقدملك؟ تبقي بتحلمي يا جميلة... أنا مش هسمحلك."
جميلة بعينين دامعتين:
_"إنتَ عمرك ما حبيت غير نفسك... إنتَ كنت عايز تأذيني، ومش هسمحلك تاني."
زين بصدق مباغت:
_"كنت... قبل ما أحبك."
جميلة بقوة:
_"بس خلاص... أذيتني كفاية، وأنا لقيت اللي عوضني... وهنتجوز قريب."
استدارت لتغادر، لكن صوت ارتطام عنيف جعل قلبها يتوقف.
التفتت فزعة... فوجدته ممددًا على الأرض بلا حراك. ركضت نحوه، ركعت على ركبتيها، أمسكت يده، تتحسس نبضه... لا شيء.
في نفس اللحظة رن هاتفها... كان مراد.
مراد بقلق:
_"إنتِ في أوضة رقم كام؟"
جميلة بصوت يرتعش وبكاء:
_"مراد... أنا على السطح... تعالى بسرعة."
أغلق وركض إليها، وعندما وصل، وجدها تجلس على الأرض، تمسك يد زين وهي تبكي.
مراد بخوف:
_"في إيه؟ مين دا؟! ماسكه إيده كده ليه ما تبعدي ! مين دا؟؟؟؟؟"
جميلة:
_"ساعدني... لو بتحبني بجد، ساعدني ننزله لتحت."
أومأ دون كلمة حينما وجدها تقف أمامه ويدها ترتعش بخوف، حاول جاهدًا أن يسند يده على كتفه وينزل به كان الأمر صعب ولكنه فعلها.
عند الباب، صاحت جميلة:
_"دكتور في دكتور هنا؟!"
اقترب أحد الأطباء وهو يركض.
الطبيب بحدة:
_"في إيه؟! ده ماله؟! دخلوه هنا بسرعة."
دلف الطبيب إلى الغرفة بخطوات متسارعة بينما كان مراد يغادرها غاضبًا، وملامحه مشحونة بانفعال واضح. وقف في الردهة ليلتقط أنفاسه، ثم التفت إلى جميلة التي بدت متوترة ومرتبكة :
_"جميلة... مين دا؟!"
أجابته بصوت خافت مرتبك :
_"زين..."
ارتفعت حاجبا مراد في دهشة مشوبة بالغيرة، ثم اقترب منها بخطوات ثقيلة ونظرة تمتلئ باللوم :
_"بسهولة كده؟! زين؟! وإنتِ كنتِ لسه من شوية خايفة وقلقانة عليه ... على الشخص إللي كان هيأذيكي؟! الشخص إللي إنتِ نسيتيه، ومبقتيش بتحبي حد غيري؟!
انتهى؟! لا دا إنتِ كان ناقص تحضنيه من الخضة! ولا إنتِ... حنيتي له؟"
جميلة وقد ارتفعت نبرتها، محاولة كبح دموعها :
_"كفاية بقى يا مراد، إنتَ بتقول إيه؟! أنا فعلًا نسيته، وهو اللي جالي، وأنا قلتله بصراحة إني بحبك إنتَ!
كل الحكاية إني خفت يكون مات بسببي، مش أكتر... إنسانيًا خفت عليه."
في تلك اللحظة، خرج الطبيب من الغرفة مجددًا، وعلى وجهه علامات قلق واضحة فقال بتنهيدة ثقيلة :
_"هو شكله مأخدش دوا القلب بقاله فترة... ولازم يبقى فيه اهتمام أكتر بحالته النفسية. فيه عملية لازم تتعمل له."
أجابته بدهشة وهي مصدومة :
_"حضرتك تقصد إيه؟... زين عنده القلب؟!"
الطبيب بتردد :
_"هو حضرتك مش المدام بتاعته؟"
جميلة منفعلة :
_"لا طبعًا! مدام إيه؟!"
تدخل مراد سريعًا لإنهاء الحديث :
_"شكرًا يا دكتور لمجهود حضرتك .. هو يقدر يخرج؟"
الطبيب مشيرًا إلى الغرفة :
_"لا مش هينفع يخرج و ياريت لو حضرتك... جميلة... تدخليه لي شوية."
انصرف الطبيب، فالتفت مراد إلى جميلة، وأمسك يدها قبل أن تتحرك فقال بنرفزة وهو يمسح على عنقه:
_"هو إنتِ مجنونة؟! هتدخلي بجد؟!"
جميلة بإصرار هادئ :
_"ادخل معايا... وياريت يبقى فيه ثقة بينا يا مراد."
مراد وهو يشير إلى قلبه بانفعال :
_"ثقة؟! إنتِ مش شايفة شكلك كان عامل إزاي؟! مش شايفة قد إيه كنتي خايفة عليه؟!
أنا على آخري يا جميلة!"
جميلة بتوسُّل :
_"علشان خاطري... دا مريض نطمن عليه سوا ونخرج على طول ."
ضرب يده في الحائط الذي خلفها وقف دون أن يتحدث معها لبضع دقائق وبعد صمت قد طال وقف أمامها قائلًا بنبرة مختصرة :
_"اتفضلي قدامي..."
دخلت جميلة الغرفة ببطء، تتبعها خطوات مراد المترددة. كانت الأجهزة الطبية تحيط بـ زين من كل جانب، تضخ الهواء وتراقب نبضات قلبه. بدا شاحبًا، مجهَدًا، لكن حين رأى جميلة، ارتسم على وجهه شبه ابتسامة باهتة.
مراد بصوت منخفض، وهو ينظر له :
_"لو معاك تلفونك... اتصل على حد من عيلتك، علشان احنا عايزين نمشي."
زين بصوت مبحوح، متعب :
_"يبقى إنتَ... مراد؟
عمري ما كنت متخيل إن فيه حد هيحب جميلة قدّي،
بس انتَ... كسبت.
كسبت قلبها، وحبها... لأنها بتحبك انتَ."
ثم نظر إلى جميلة، وعيناه تغرورقان قال بصوت متهدج :
_"أنا مكنتش هأذيكي زي ما انتِ فاهمة...
أبويا، أو الراجل إللي رباني، هو إللي كان عايز يأذيكي علشان أخوكي...
وأنا رفضت.....سيبت كل حاجة الشغل، والحياة الزبالة اللي كنت عايشها ...... ولما بعدت عنك وسافرت، كنت بتعالج بره علشان عندي القلب...يا جميلة."
ثم التفت نحو مراد مجددًا، وصوته يضعف شيئًا فشيئًا.
_"أنا هسيبهالك في الدنيا... بس لو اتقابلنا في الآخرة...
هتبقى ليا أنا .... مش هسيبهالك مرتين."
قد بدا على مراد التأثر، رغم مشاعره المتضاربة :
_"إن شاء الله تبقى كويس... وتلاقي اللي يسعدك.
أنا آه... مش طايقك ... بس هاعتبرك زي أخويا."
نظرت إليه جميلة نظرة امتلأت بالامتنان والاحترام، لم تقل شيئًا، لكن ملامحها قالت الكثير.
زين بصوت ضعيف :
_"أنا عايز أخرج من هنا... أرجع."
جميلة مندهشة :
_"هتروح فين وانت تعبان كده؟!:
زين:
_"أمريكا... هرجع أمريكا.:
ثم نظر إلى مراد مجددًا.
_"خلي بالك منها...
ولو حصلي حاجة... افتكروني."
جميلة بتلقائية :
_"بعد الشر عنك... إن شاء الله خير."
مد يده إلى الهاتف، واتصل بشخص. جاءه الصوت سريعًا.
المساعد بلهفة :
_"خير يا زين بيه؟"
زين بصعوبة :
_"جهّز كل حاجة... هنرجع أمريكا."
المساعد:
>"تحت أمرك... كل شيء جاهز."
رن هاتف جميلة، وكان قاسم هو المتصل
أجابت مسرعة عليه
قاسم بقلق:
_"إنتم فين؟!"
جميلة:
_"نور تعبت شوية وإحنا في المستشفى."
_"تعبانة إزاي يعني؟! مستشفى إيه؟!"
جميلة:
_"مستشفى ****"
قاسم بقلق:
_"سلام يا جميلة... أنا جاي."
بعد لحظات، وصل مساعد زين لتسهيل إجراءات خروجه. تحركت المجموعة متجهة إلى المطار، وكل خطوة تحمل ثقل وداع.
في الخارج، وقفت جميلة بجوار مراد، ثم التفتت إليه بنظرة طويلة.
مراد بصوت ساخر يخفي مشاعره :
>"إيه؟! هتفضلي باصة كده كتير؟"
جميلة بابتسامة خجولة :
_"شكرًا يا مراد...
أنا كنت مدايقة في الأول علشان زعقتلي وشكيت فيا وفي مشاعري ليك بس لما دخلنا ليه... حسيت إنك
فعلًا إنسان."
اجابها مستهزئًا :
_"ليه؟! حد قالك إني جموسة؟
بصي يا جميلة...
اللي حصل جوه خلاص... عديته، علشان واثق فيكِ.
بس... أنا لسه مدايق منك."
جميلة متعجبة :
_"مدايق مني ليه؟"
مراد بحدة :
_"مشوفتيش شكلك جوه؟! كنتي عاملة إزاي؟ انا مش عارف مسكت نفسي إزاي !؟"
جميلة مازحة :
_"بتغير يا بطة..."
_"جميلة انا مبهزرش على فكرة.... يلا أكيد نور مستنياكي. "
وضعت يدها بصدمة على جبينها :
_"نور!! دا أنا نسيتها... يلا بسرعة!"
_________________
في أمريكا — داخل فيلا "حسن العلايلي"
في ظلال الليل، دلف "باسل" بهدوء عبر النافذة الخلفية للفيلا. لم يختر تلك النافذة عبثًا، بل كانت نافذة غرفة شقيقته "شيري"، الأقرب إلى غرفة والده. تسلل بخفة، كما لو كان شبحًا يعرف طريقه جيدًا.
وقف للحظات يلتقط أنفاسه، ثم اتجه مباشرة نحو الخزانة الصغيرة بجوار سرير شيري، وأخرج زجاجة صغيرة تحوي سائلًا أحمر اللون. تأمله لبرهة، قبل أن يخفيه داخل جيبه بهدوء.
فتح باب الغرفة بخفة، وتسلل في صمت قاتل نحو غرفة والده.
كان يمشي كمن يسير فوق الجمر... كل خطوة محسوبة، كل نفس موزون.
دخل الغرفة بخفة الصياد، وتناول ورقة بيضاء وقلمًا كانا على المكتب. جلس على طرف السرير، وبدأ يكتب. كان خطه واضحًا، لكنه يرتجف مع كل كلمة.
كتب باللغة العربية كلمات مشحونة بالغضب والوجع، ثم وضع الورقة بعناية على الوسادة، كأنها رسالة موت.
توجه بعدها إلى المرحاض. لم يمكث داخله طويلًا، لكنه ترك خلفه مشهدًا لا يُنسى. أفرغ السائل الأحمر في حوض الاستحمام، وعلى المرآة، وحتى على الأرض، بحيث بدا كما لو أن المكان شهد جريمة مروعة.
ثم، وقبل أن يغادر، علّق صورة لوالدته الراحلة "سهام" على باب الغرفة، وكأنها تشهد على ما سيحدث.
وأخيرًا، قفز من نفس النافذة التي دخل منها، ليعود إلى حيث جاء... دون أن يترك أثرًا يُدين حضوره.
باسل، وهو يمشي بعيدًا، همس لنفسه:
_"وربنا لهندمك على كل حاجه عملتهالها وهي عايشة... وهجيب حقها."
---
لاحقًا، في نفس الليلة...
وصل "حسن" من عمله متعبًا. لم يكن يتوقع أن تلك الليلة ستكون مختلفة عن باقي الليالي.
صعد إلى غرفته كعادته، لكنه تجمد حين رأى صورة "سهام" معلقة على باب الغرفة.
_"إيه اللي جاب صورة الزفتة ديه هنا؟!"
قالها بغيظ وهو ينتزع الصورة ويمزقها بيد غاضبة.
رمى بقايا الصورة على الأرض دون اكتراث، لكن عينيه وقعتا على ورقة موضوعة على الوسادة.
التقطها، قرأ ما كُتب عليها بخط أحمر:
"كان نفسي أشوف وشّك دلوقتي، بس تتعوض مره تانية... الجايات كتير.
أنا رجعت، وهقتلك زي ما قتلتها.
هندمك على كل لحظة حبستني فيها، وزعقت لحد من إخواتي... أو لأمي."
توقفت أنفاسه لثوانٍ. تسارعت دقاته، وعلت قطرات العرق جبينه رغم برودة الجو. ضغط على الورقة بيده، ثم رماها أرضًا بعصبية.
أخذ يتجول في الغرفة مضطربًا، لا يدري ماذا يفعل. وأخيرًا دخل الحمام ليغسل وجهه.
لكن ما إن خطى خطوة واحدة داخله، حتى جمد في مكانه.
كانت هناك بقعة كبيرة من السائل الأحمر على الأرض، تمتد حتى المرآة، والحوض يمتلئ بماء أحمر كالدم.
ارتعب. تراجع بسرعة، وخرج من الحمام كمن طارده شبح، وجلس على حافة السرير محاولًا التقاط أنفاسه.
نعم... "باسل" لعب على أوتار النفس بمهارة، وهذا المشهد كفيل أن يهز ثبات أي رجل... فما بالك بـ"حسن".
_________
في منزل "خالد"
كانت سهرة هادئة نسبيًا. تجلس "سهر" على الأريكة، تُمسك بهاتفها وتتحدث مع "جاسر" بابتسامة مرحة.
سهر:
"يعني هترجع بعد أربع أيام؟"
جاسر بصوت دافئ :
_"إن شاء الله يا حرم ريكاردو."
ابتسمت بهدوء على كلماته وقالت :
_"أنا مبسوطة أوي... صحيح هتجيب أهلك معاك صح؟"
جاسر:
_"هجيبهم طبعًا، ده أنتِ مش هتسيبيني لوحدي أكيد."
دلفت "جنات" إلى الغرفة فجأة، ووجهها يحمل ملامح ندم حينما شعرت بأنها قد ازعجت سهر فقالت بلهجتها السورية:
_"لَكِ أنا كتير آسفة."
سهر رفعت عينيها عنها بحنان:
_"آسفة على إيه يا بنتي؟ تعالي بس... معلش يا جاسر، هقفل دلوقتي."
أنهت المكالمة، ثم ضمت "جنات" بيدها وقالت:
_"تعالي بقى اقعدي معايا... شكلك زهقانة، تيجي نلعب كوتشينة؟"
جنات براءة في نبرة صوتها :
_"إيه كوتشينة ديه؟"
سهر ضحكت بخفة:
_"لعبة كده حلوة، تعالي نلعب برّه كلنا."
خرجوا جميعًا إلى صالة الجلوس، حيث كان "خالد" و"رهف" يجلسان.
سهر بابتسامة عريضة:
_"بصوا بقى، إنتَ واخد أجازة، وإنتِ كمان، يبقى نقعد كده مع بعض وننسى الشغل شوية... ممكن؟"
خالد رفع حاجبه، ثم قال وهو ينظر إلى جنات:
_"أنا موافق... بس تعالي إنتِ اقعدي، وسيبك من البِت ديه، والله هتبوظك، وانتِ أخلاقك حلوة، مش ناقصين الله يخليكي."
سهر نظرت له بتساؤل ساخر:
_"نعم نعم، إنتَ بتهزقني ولا بتعاكسها ولا إيه يعني؟"
رهف تدخلت لإنهاء الموقف بابتسامة:
_"خلاص يا سهر، اقعدي، شوفي عايزانا نعمل إيه."
سهر وهي تجلس وتلتفت إليهم بحماسة:
>"قعدنا... عايزاكوا بقى نلعب كوتشينة."
خالد تنهد باستسلام:
_"شوفي حاجة تانية، أنا بخسر فيها على طول."
سارت سهر خطوات بسيطة حتى أمسكت بزجاجة المعطر فامتلأت رائحة المكان بالعطر الزهري في أركان الصالة. جلست الفتيات على الأرض حول طاولة صغيرة، تتوسطهم أوراق الكوتشينة، بينما جلس "خالد" مستندًا إلى الأريكة، يراقبهن بعين مرحة.
سهر بابتسامة واسعة:
_"هنلعبها، جنات متعرفهاش وعايزة تتعلمها."
خالد وهو يعدل جلسته:
_"طب تمام، علشان جنات بس."
بدأت سهر تشرح لجِنّات قواعد لعبة "الشايب"، كانت تُحاول تبسيطها قدر الإمكان، وجنات تُصغي بانتباه شديد.
سهر وهي تشرح بحماسة:
_"بُصي، الفكرة إننا نسحب ورقة من اللي جنبنا، ونحاول نخلّص من كل الورق اللي فإيدنا، والشايب لازم نخلّيه لحد تاني، فاهمة كده؟"
جنات وهي تضحك:
_"إيه، سهلة كتير... خلينا نجرب."
رهف تمد يدها بتشجيع:
_"وزعي بقى يلا، نبدأ."
بدأت سهر تقسم الورق عليهم، بحركة رشيقة من يديها، ثم بدأوا اللعب. سارت الجولة الأولى بسلاسة، حتى سحبت جنّات ورقة من يد سهر، فتسمرت نظراتها على الورقة وبدت الصدمة على ملامحها.
رهف وهي تلاحظ تعبير وجه جنات:
_"افضحي نفسك بقى! إيه البَصّة دي؟ دا شايب مش عفريت يا بنتي!"
خالد وهو يضحك ويهز رأسه:
_"لا كده أنا أخاف... البت دي وشها بيقول مصايب."
ابتسمت سهر، ثم أشارت بخفية لشقيقها على إحدى أوراق جنات ، دون أن تلاحظ
التقط خالد الورقة بسرعة، ثم ضرب كفه بكف أخته بفرحة.
خالد وهو يضحك:
_"تسلمي يا غالية! أردهالك في وقت تاني إن شاء الله."
سهر تضحك بفخر:
_"حبيبي يا خالد."
جنات وهي تضحك:
_"من وين عرفت انتَ؟"
خالد وهو يغمز لها:
_"دا كرم ربنا... كملي، كملي."
استمرت اللعبة بروح مرحة، الكل يضحك ويمازح الآخر. سحبت رهف ورقة جديدة، ثم صرخت:
_"يا رب! أنا عايزة 6 بقى، البت دي بتديني ورق من المريخ."
سهر وهي تضحك:
_"هظبطك، استني بس."
مدت قدمها بلطف نحو جنات ونغزتها تحت الطاولة، ثم التقطت ورقة عن الورقة الموضوع على الأرض تُظهر الرقم 6 وناولتها لرَهف.
رهف بفرحة مصطنعة:
_"أخيرًااااا!"
جنات وهي تمط شفتيها وتتظاهر بالغضب:
_"لكوا إنتم بتستغفلوني ولا إيه؟!"
خالد متظاهرا بالبراءة:
_"استغفر الله العظيم، يا بنتي ربنا يسمحك... إحنا ناس طيبين والله."
بعد عدّة جولات...
أنهى خالد أوراقه أخيرًا، فرفع يده ملوّحًا بها بفخر.
خالد وهو يقف:
_"يلا كملوا، أنا أول مرة أكسب في اللعبة دي... ربنا بيحبني."
جلس يُشاهدهم بابتسامة، بينما كانت جنات تهم بسحب ورقة.
خالد يمازحها:
_"أنا ممكن أساعدك، على فكرة العيال دي خَمّامة، اسأليني أنا."
جنات وهي تضحك:
_"ساعدني."
خالد وهو يقترب:
_"طب قربي الورق كده... لخّبطيهم، أيوه كده، هو دا الكلام."
بعد دقائق...
خرجت رهف من اللعبة، وبقيت سهر وجنات. سحبت سهر ورقة ليست الشايب، ثم ابتسمت بخبث:
_"لبستي... إنتي اللي هيتحكم عليكي."
جنات بتذمّر طفولي:
_"لااا!"
رهف:
_"لا إيه يا شيخة؟ هاتي، خليني أعملها القطر، نختار الحكم."
جنات تنظر لخالد:
_"أنا خسرت بسببك إنتَ."
خالد وهو يضع يده على قلبه:
_"أنا؟ دا أنا ساعدتك يا غدّارة!"
رهف بعد أن سحبت ورقة رقم 6:
"_نفسي أفهم إيه علاقة رقم 6 بيا!"
سهر تمزح:
_"يبقى هتتجوزي واحد عيد ميلاده في شهر 6."
رهف تصرخ ضاحكة:
_"اسكتي يا رخمة، إيه العلاقة؟!"
خالد وهو يضحك بشدة:
_"يلا دوري."
سحب ورقة برقم 9، ثم رفعها عاليًا بفخر:
_"ياه... دا أنا محظوظ النهاردة."
سهر:
_"واحد؟ لا دا ظلم!"
جنات وهي تشير إلى سهر:
_"ظلم لكِ إنتِ... بتغشي من تحت لتحت، وأنا شايفتك بعيني الاتنين يا غشاشة!"
رهف وهي تفكر في الحكم:
_"أنا حكمي إنكِ تعملي لنا أكلة سورية حلوة."
جنات بابتسامة مترددة:
_"أكلة؟ انتِ بدّيانا أطبخ؟ أنا موافقة... بس الحكم بالستة أحكام والله."
رهف تضحك:
_"لا، هحكم عليكي بواحد كمان."
جنات وهي تنظر بترقّب:
_"إيه؟"
نهضت رهف من مكانها :
_"ثانية وجاية."
عادت بعد لحظات وهي تحمل نصف ليمونة رشّت عليها ملحًا أبيض مدت يدها بها:
_"كلي دي... بقشرها."
جنات وهي تتراجع:
_"حرام عليكي!"
خالد يمد يده ويساعدها في وضعها في فمها:
_"يلا يا شاطرة... هتعدي."
أغمضت عينيها، وأخذت قضمة كبيرة، لذع الطعم الحامض فمها ووجنتيها، فسارعت لابتلاعها وشربت كوبًا من الماء دفعة واحدة.
صفقت رهف لها :
"شطووورة!"
جنات وهي تضحك وتدمع في آن:
_"حسبي الله ونعم الوكيل!"
سهر :
_"أنا حكمي بقى... شوفي، في مواعين قد كده في الحوض، هتغسليهم."
خالد وهو يضحك ساخرًا:
_"لاااا، إنتوا هتستقرضوا البنت ولا إيه؟"
نظرت له قائلة بتوسل :
_"بيستغلوا إني طيبة ."
حرك حاجبيه لها وهو يشير تجاه غرفته قائلًا:
_"عندي قمصين وبنطلون أكويهم ليا بعد المواعين ماشي؟"
جنات وهي ترمي الوسادة عليه:
_"حتى إنتَ؟!"
خالد وهو يضحك:
_"لا والله بهزر، حكمي سهل... في جارتنا في الدور اللي فوق، هتطلعي تخبطي عليها وتقولي لها إنك جعانة وعايزة تاكلي... وتشوفي رد فعلها."
جنات مندهشة:
_"ليه هيك؟ أنا إيش سويت في حياتي؟!"
سهر وهي تمسك بيدها وتضحك:
_"بقولك إيه، اتعلمي مصري بسرعة... أنا تعبت."
جنات تقلدها:
_"نعم يا اختي!"
رهف تقهقه:
_"يالهوي! دي من حواري الدقي! يلا يا أختي اطلعي بقى."
خالد:
_"أنا مستني يلا اطلعي ."
---
في الطابق العلوي
صعدت جنات بتردد شديد، خطواتها بطيئة وصوت دقات قلبها يعلو أكثر من صوت أنفاسها. وصلت إلى الباب، ورفعت إصبعها لتضغط على الجرس مرة واحدة... لم يرد أحد.
استدارت لتهمّ بالنزول، لكن صوت قفل الباب جعلها تلتفت، كانت تتخيل شكل سيدة عجوز ستفتح لها لكنها تفاجأت بشابًا يقاربها في السن يفتح الباب.
جنات وهي تعدّل من حجابها بحذر:
_"مسا الخير، أنا آسفة... كنت جاية لوالدتك."
الشاب وقد رسم ابتسامة متطفلة:
_"إيه دا؟ القمر دا مش مصري... تعالي، إنتِ مين؟"
جنات بسرعة وخوف وهي تتراجع:
_"لا، تكرملي... أنا هفل."
مدّ يده فجأة وجذبها إلى الداخل بعنف.
جنات وهي تصرخ وتحاول التخلص من قبضته:
_"اتركني! انزل!"
الشاب بتهديد:
_"لا، مش هسيبك... تعالي بس!"
بدأت تصرخ بأعلى صوتها، تستنجد بالاسم الوحيد الذي شعرت معه بالأمان.
جنات:
_"خاااالد! يا خااااالد!! أااااه!!"
---
في الطابق السفلي
همست سهر وهي تنظر نحو السلم بقلق ظاهر في عينيها:
_ "أنا حاسة إنها اتأخرت يا خالد."
أجابها خالد وهو يعتدل واقفًا سريعًا:
_"طب أنا هطلع أشوفها."
وقبل أن يخطو خطوته الأولى، سمع الجميع صراخ "جنّات" يعلو من الأعلى، تنادي باسمه بفزع.
لم يتردّد خالد، ركض هو وأختاه سهر ورهف إلى الأعلى، وقلبه يكاد يخرج من بين ضلوعه من شدّة الخوف عليها.
راح يطرق الباب عدة مرات، طرقات عنيفة متتابعة، لكن دون أي استجابة، في حين كانت صرخات جنّات تتزايد.
دون تفكير، اندفع خالد بجسده نحو الباب، هشّمه بعنف، وانطلق يتحرك داخل الغرفة كالمجنون باحثًا عنها، يتتبع الصوت.
وحين وقعت عيناه عليها، كانت تتراجع مذعورة عن شابٍ ممسك بها. لم يفكر لحظة، أمسك بذلك الشخص — مازن — وأبرحه ضربًا، ضربةً وراء الأخرى.
وفي تلك الأثناء، أسرعت سهر إلى جنّات، أخذت حجابها الذي كان على الأرض وألبسته لها بسرعة، ثم جذبتها من يدها وهى تحتضنها بقوة، تهدئها وتمشي بها نحو السلم.
وفي طريقهما للخروج، قابلا سماح ومحمد، اللذين كانا عائدين من الخارج.
سماح بخضة وهي تضع يدها على صدرها :
_ "مالك يا بنتي؟! إيه اللي حصل؟ إنتوا كنتم فين؟"
_"سيبيها دلوقتي يا ماما."
سماح بقلق :
_ "أسيبها إزاي؟!"
محمد :
_ "خلاص يا سماح، افتحي الباب، خلي البِت
تدخل ترتاح."
سماح:
_ "حاضر... حاضر."
فتحت سماح الباب، ودخل الجميع.
محمد بصوتٍ منخفض وهو يلتفت لسهر :
_"إيه الصوت دا؟ فين إخواتك يا سهر؟"
سهر بغضب :
_"خالد ورهف فوق، بيضربوا الحيوان اللي ما عندهوش لا كرامة ولا أخلاق."
سماح مصدومة :
_ "إيه اللي حصل؟!"
سادت لحظة صمت ثقيلة، قبل أن يدخل خالد من باب الشقة، ممسكًا بمازن، والدماء تسيل من وجه الأخير، وخلفه رهف.
الوحيد الذي كان يُسمع صوته... هو بكاء جنّات، المختبئة في حضن سهر.
خالد بغضبٍ مكتوم وهو يُلقي بمازن على الأرض : _"النطع دا حاول يعتدي على جنّات... ولولا إن خالتك ست طيبة، وأخوكي صاحبي... كنت موّتّك، يا عِرة الرجالة."
تنفس مازن بصعوبة وهو يحاول النهوض :
_"هي اللي طلعت برجليها... أنا مغصبتهاش على حاجة... وهي اللي فكت شعرها..."
صمت فجأة، حين تلقى لكمة قوية من خالد أسقطته أرضًا مجددًا ...وصاح به :
_ "انتَ تخرس خالص، ومتجبش سيرتها على
لسانك يا خسيس!"
مازن التفت لمحمد :
_"أنا ساكت علشانك... "
محمد :
_"هو إنتَ فيك نفس تتكلم ! دا تسلم إيد إللي عمل فيك كده. "
مازن :
_" أنا مستعد اتجوزها."
استشاط خالد غضبًا من تلك الكلمة فانفجر به :
_"تتجوز مين يالا؟! امشي ياض، اطلع برّه! وأنا ليا كلام مع أهلك، مش هقولك أخوك، أصلًا متبري منك من زمان."
مازن بخبث وهو ينظر إلى خالد :
_ "إنتَ محموق كده ليه؟ ولا عينيك عليها؟ أصلها غريبة... وحتى مش أختك... تكونش عاجباك؟! بصراحة هي تعجب..."
وقبل أن يكمل، كانت رأس خالد تصطدم بفمه في حركة مفاجئة، ليُخرسه للأبد وأكمل بحدة:
_"وحيات أمك... مش هوديك سجن
لأ دا انا هرميك في المستشفى... الدكتور مايعرفش يخيط فيك حتة .... وعشان تهدى... آه، عاجباني، وهتجوزها... بس بالحلال... يا عِرة."
كان يكمل ما بدأه من ضرب، حتى تدخلت رهف:
_ "خلاص يا خالد... إنت شايف فيه حتة سليمة تضربه فيها؟!"
خالد:
_"آه، في بقه... علشان يعرف هو بيقول إيه."
ثم أمسكه من قميصه، وجرّه حتى باب المنزل، وألقاه كجثة هامدة أمامه، ثم رجع بهدوء.
سهر وهي تحاول تهدئة جنّات :
_ "خلاص بقى، مش شايفة الواد ماشي متكسح إزاي؟! بطّلي عياط... دا كلب... والله ما يستاهل دموعك."
رهف:
_"امسكي، اشربي العصير ده، وروّقي كده."
سماح:
_"خلاص يا حبيبتي... ربنا ينتقم منه."
قطع خالد هذا الحديث فجأة، قائلاً:
_ "بابا..."
محمد بابتسامة عريضة :
_ "دا إنتَ اللي بابا!"
_ "يا بابا... هتعصب أكتر."
محمد:
_"لا... تعالَ اضربني يالا."
_ "أنا... هتجوز جنّات."
كانت الصدمة التي عمّت المكان أكبر من أن توصف. صدمة... لا، بل صدمات متتالية.
---
في فيلا صالح الألفي،
كانت جومانا تجلس أمام "شيري" تحاول إقناعها بالأكل، والدموع لا تفارق عينيها.
جومانا بتوسل :
_"شيري، حبيبتي... علشاني، كلي حتة
صغيرة بس... ممكن؟"
شيري وهي تنظر لها بحزن :
_ "لا يا جومانا... إنتِ نفسك ما بتاكليش... عايزاني أنا آكل؟"
_ "طب ناكل سوا... ها إيه رأيك؟"
شيري بأنفاس متقطعة :
_"تعبانة أوي يا جومانا... إزاي دي ماتت وهي زعلانة مني؟ أنا أكيد وحشة... صح؟ عارفة إنها كانت بتحبك إنتِ وباسل أكتر مني... بس والله بحبها... أنا كنت بضايقها كتير علشان تحس بيا... لما حَسِّت بيا... راحت! ليه؟! ليه ملحقتش أقعد معاها؟!"
جومانا بصوت متهدج :
_"والله كانت بتحبك أوي... وأكيد مسامحاكِ... بس أكيد زعلانة علينا عشان شايفانا بالحالة دي... ممكن ناكل شوية؟"
نظرت شيري إلى عيني جومانا المملوءتين بالدموع:
_"تفتكري اللي قتلها... بابا؟ زي ما باسل بيقول؟"
سيلين بهدوء :
_ "خلاص يا شيري يا حبيبتي..."
شيري وهي تنتفض :
_"هو قال كده... ليه يعمل كده؟ علشان الفلوس؟! يعني ممكن يقتلني... ويقتلك إنتِ كمان، ويقتل باسل؟! أنا كرهته... كرهته! عايزاني آكل؟ رجعيلي باسل... أنا خايفة عليه يا جومانا... هو بيسمع كلامك... وهيرجع."
جومانا بصوت خافت :
_ "هيرجع... باسل هيرجع... بس هو بيعمل اللي في دماغه، حتى لو الدنيا كلها كلمته."
سيلين:
_"طيب ممكن تاكلوا بقى؟ أنا هنزل أشوف يارا ومراد ونقعد كلنا سوا."
نزلت سيلين للأسفل، فوجدت مراد وآدم يجلسان سويًا.
تجاهلت وجود آدم ونظرت إلى مراد :
_"مراد، هي فين يارا؟"
_ "مش عارف... شوفيها يمكن عند سيمبا .. في حاجة؟"
سيلين:
_"كنت عايزاها تقعد مع جومانا وشيري وتهديهم شوية. بفكر أكلم البنات يجوا ونفكّهم من اللي هما فيه."
مراد:
_"فكرة حلوة... بس مش هينفع."
_"ليه؟"
مراد:
_"جميلة قاعدة مع نور... علشان اتكسرت."
آدم بقلق :
_ "نور اتكسرت؟!"
سيلين بسخرية :
_ "لا ألف سلامة عليها..."
ثم أكملت بحدة:
_ "طب وباقي البنات؟"
وضع مراد يده في خصلات شعره متذكرًا ما قصه عليه خالد :
_"في حوار كبير حصل عند خالد."
تعجبت سيلين بشدة فقالت :
_"إيه اللي حصل؟"
مراد بحسم :
_ "ملكِيش دعوة... شوفي يارا، وأنا هتصل على باسل."
هزت رأسها متقبلة كلامه :
_"ماشي... عايز تشرب حاجة؟"
_"لأ... تسلمي."
ثم أكمل وهو ينظر لها بعينين الإعجاب من هذا التغير الذي يلاحظه :
_"إيه التغير المفاجئ ده يا سيلين؟"
ابتسمت بهدوء وهي تبادله النظرات :
_"حسّيت إني بزودها شوية في الهزار... فقولت أخف منه."
تعالت ضحكات مراد عليها وقال عكس ما هي تخيلت في قد اعتقدت أنه سوف يسخر منها لكنه قال :
_"حبيبتي إنتِ كده حلو وكده حلوة من غير أي حاجة طبيعتك أصلًا وروحك حلوة ... معلش بس لو هتعبك شوفي آدم لو يشرب حاجة."
هزت رأسها بهدوء وهي توجه نظراها نحوه قائلة:
_"عايز تشرب حاجة مُعينة؟"
لم يتوقع منها هذا لم يتوقع بأنها ستلقي عليه السلام في يومٍ ! فقال لها :
_"لأ شكرًا مش عايز."
أعطتهم ظهرها وهي ترحل لترى أين يارا
في الحديقة من الخلف جلست يارا على المقعد الخشبي القديم، تضع "سيمبا" على ساقيها وتربّت على ظهره برفق. اقتربت منها سيلين بخفة وقالت بلوم :
_"يارا... سايبة أختك فوق وقاعدة هنا مع سي سيمبا؟"
_"خضيتيني يا سيلين!"
_"معلش... يلا بينا نطلع فوق، هي محتاجاك."
نهضت بسرعة قائلة:
"ماشي... يلا."
صعدتا الدرج بخفة، ودخلتا الغرفة حيث كانت شيري مستلقية في صمت، بينما تجلس جومانا بجانبها، تنظر إلى الفراغ بعينين مطفأتين. لم تمضِ سوى لحظات، حتى طرق الباب بلطف.
سارة من الخارج بصوت خافت :
_"ممكن أدخل؟"
سيلين بفرحة حقيقية :
_"اتفضلي يا سوسو يا قمر انتِ"
دخلت سارة بخطى هادئة، وجلست قرب شيري ثم مدت يدها لتلمس كف جومانا وهتفت بصوت دافئ:
_"أنا عارفة كويس قد إيه سهام كانت حنينة... أنا وهي اتربينا سوا بس أنا مش بس أم جومانا... أنا أمكم كلكم، حتى لو مش اللي ولدتكم. سهام اهتمت بيكم بكل حب... ودلوقتي جه دوري."
نظرت إلى شيري مباشرة، وقلبها يتكلم قبل لسانها:
_"يلا، ممكن نقلع الأسود وننزل نقعد شوية في الجنينة؟ من غير اعتراض، يا شيري... يلا يا حبيبتي."
لم تتمالك شيري نفسها، فاندفعت إلى حضنها تبكي، ولحقتها جومانا، ثم سيلين ويارا... التفّوا حولها كعناقٍ جماعيّ من الزمن الجميل.
وبعد قليل، اجتمع الجميع في الحديقة، حيث الهواء العليل يخفف شيئًا من ثقل قلوبهم. جلس صالح في طرف الجلسة، مراقبًا بناته بعين مليئة بالحب والحكمة.
كانت يارا ترسل رسالة على واتساب، بينما جومانا تسند رأسها على كتفها.
محادثة واتساب – بين يارا وعمار:
يارا:
*نور عامله إيه دلوقتي؟*
عمار:
*كويسة الحمد لله.*
يارا:
*الحمد لله*
عمار:
*هتنامي؟*
يارا:
*لأ، قاعدين نفك شيري شوية... حتى مصطفى جه وقاعد معاها وآدم كمان هنا.*
ثم أرسلت رسالة أخرى:
*إنتَ بقى هتنام؟*
عمار:
*لأ... خارج. موضوع جمال هيخلص النهاردة يا يارا.*
كتبت بلهفة:
*أجي معاك؟*
عمار:
*لأ.*
يارا:
*هتخلي بالك من نفسك؟*
عمار:
*هخلي بالي من نفسي... علشانك.*
ابتسمت يارا بخجل، وهي تخفي وجهها خلف شاشة الهاتف.
جلس صالح بجوارها، وألقى نظرة حانية عليه
فقال بصوتٍ منخفض :
_"بتكلمي مين يا يارا؟"
تنحنحت بحرج لكنها أخبرته بما تفعل :
_"عمار... كنت بسأله على نور عاملة إيه دلوقتي. "
وضع قدم فوق الأخرى قائلًا:
_"ومكلمتيش نور نفسها ليه ؟ .... آه لأ دا إحنا لازم نتكلم بقى "
ثم التفت ناحية جومانا :
_"جومانا تحبي نتمشى شوية ونتكلم؟ حاسس إنك مخنوقة."
جومانا بصوت واهن :
_"ممكن نتمشى... بس من غير كلام؟"
ابتسم لها أبيها وهو يقف منتظرها أن تقوم ليسيروا سويًا :
_"ماشي... تعالي."
شعرت يارا بأنها ترغب في الحديث مع أبيها
فقامت وأمسكت بذراعه وقالت بمشاكسة
_"أنا مستنياك تقولّي أجي معاكم."
ضحك صالح وهو يقول :
_"تعالي."
_"بهزر... اتمشوا انتو."
لكنه جذبها برفق من يدها لتسير بجوارهم وبعد بضع وقت من الهدوء والسكينة خرج صالح الذي كان يشعر بأن هاتان القطعتين منه ليسوا بخير :
_"أنا عارف إنكم مش عايزين تتكلموا... بس أنا عايز اسمعكم .... من غير نرفزة، من غير ضغط مش عايز أعمل فرق أو ابني حيطة بينا
اتكلمي يا جومانا... لو في حاجة مضايقاكي أو مشاعرك ملخبطة، طلّعي اللي جواكي."
لم تستطع أن تتمالك أعصابها هل جاء اليوم الذي تشعر به بتلك اللحظة الحانية ! أبًا حنونًا ! أم هذا حلم جميل في عتمة كوابيس كثيرة ؟! تنفست والدموع تنساب من عينيها وهي تنظر له كلمة أبي التي تقولها خرجت من قلبها قبل فمها :
_"بابا ... أنا تعبت ... من كل حاجة الست إللي ربتني ماتت، والإحساس ده مُر... صعب أوي دي كانت معايا في أصعب أيام حياتي ... والشخص اللي اتربيت معاه، ممكن يضيع نفسه في لحظة وأنا مش عايزة أخسره.
نفسي أحقق حلمي... بس كل ما أقرب، بحس إن حاجة غالية لازم تضيع قدامه ...... حلمي هو شركة العربيات، لكن شغلي الحالي داخل قلبي ومش سهل أسيبه... أما مشاعري؟ فهي تايهة... تايهة جدًا..."
نظرت إلى السماء، وعيناها تدمع، تحبس تنهيدة ثقيلة
شجعها هو بصوت أبويّ دافئ :
_"اتكلمي يا حبيبتي... مفيش حاجة تخوّف، أنا واثق فيكم. المشاعر مش حرام... والقلب مش زرار بنقفله
لو بتحبي حد، ده مش ضعف دي قوة بس نستغلها صح بالحلال مش بالحرام ."
جومانا:
_"أنا حبيت شخص كان متجوز... مراته ماتت
هو إنسان محترم، بيحبها وبيفتكرها، وده شيء أنا مقدراه... بس خايفة لأن جسمه بيكون معانا بس عقله معاها هي خايفة أندم... بس هو قال إنه بيحبني وإنه هييجي يتقدم لحضرتك وأنا انا مرعوبة يمكن أه بحبه بس خايفة ."
صالح:
_" بنسبة لحلمك فإنتِ المفروض تحققيه شركة العربيات؟ حلم كبير ، وانا فخور بيكِ عارفة ليه انا بحثت على شركة حسن وعرفت إنك وباسل كنتم شايلين الشركة على كتافكم ....هتبقى حاجة صعبة إنك تسيبي شغلك بس هتكون أصعب و إنتِ مش محققه حلمك مش هضغط عليكِ أعملي إللي ترتاحي فيه....أما باسل فأيًا كان القرار إللي هياخده هيبقي صح هو شاف كتير وانا مش عايز ادخل في قراره ..... أما بقى الشخص إللي حكيتي عنه فكنت عايزه أقولك إن قاسم كويس يا جومانا ومش هيأذيكِ ولا هيجرح مشاعرك وإنتِ لو بتحبيه فعلًا هتنسيه أي حاجة ....وفي مفاجأة كده بس عايز أسمع يارا "
هل يعلم ؟ كيف علم إنه قاسم !؟ تجاهل نظراتها وتنهد وهو يلتفت لإبنته الأخرى:
صالح:
_"يارا... قوليلي."
يارا (تتمالك دموعها):
"بابا... إنتَ أعظم راجل في الدنيا أيًا كان مين إللي مشاعري اتحركت ليه بس إنتَ هتفضل أكتر راجل انا حبيته في حياتي شكرًا على كل حاجة بتعملها علشانا شكرًا على الواقفة إللي إحنا واقفينها معاك دلوقتي
انا هقولك حاجة بس من غير عصبية ... أنا ناوية أسافر سينا، أشتغل هناك بس مراد مش موافق... وخالي علي موقف النقل بتاعي... بس ده حلمي. و... و..."
سكتت لحظة، وكأنها تحاول لملمة شتات نفسها حينما وجدت أن تعابير وجهه لم تعطي رد فعل مبالغ بها فقد كان يستمع ويستمع إلى نهاية المطاف ثم يتحدث فأكملت هي :
_"انا نفسب أجيب حق إللي راحوا بس أكيد مش هتوافق زيهم ... دا غير إن برضو في حد كمان مش هيوافق ... من كام يوم سألتني مدايقة ليه؟... أنا كنت مجروحة الشخص إللي حبيته... شوفته واقف مع واحدة تانية وبيقول قد إيه بيحبها... ساعتها قلبي اتكسر. بس بعدها، جه وحكالي كل حاجة... وقال إنه بيحبني أنا. وإنه رايح يسلم البنت دي وإنها قضية ....وأنا... بحبه."
كرر السؤال مجددًا:
_"إنتِ بتحبيه؟"
ابتسمت والدمعة في عينيها :
_"بحبه أوي... بحس معاه بالأمان ..... وأنا معاه بحس إني طايرة."
ضحك صالح بحنان، ثم قال:
_"هو يتحب فعلًا... وعايز أقولك حاجة. أمك وأمه... قروا الفاتحة من أول عزومة لينا."
يارا بصدمة مسحت دموعها :
_"إزاي؟! ومين؟!"
صالح:
_"أمهات بقى! بصي، يا حبيبتي... عمار بيحبك، وده باين في كل حاجة بس لازم يكون في حدود لحد ما اسلمك ليه بإيدي دا لو ليكم نصيب انا مش عايزكم تتعلقوا بحد ويكون مشاعركم راحة للشخص الغلط .... انا مش دوري إني أجلدكم بس دوري إن انصحكم ... أما الشغل... أنا هكلم علي يوافق على النقل بس دي فترة مؤقتة سيناء... جمالها يخطف القلب اسأليني انا ."
ثم أضاف بابتسامة:
_"وعلى فكرة... أنا كنت عارف بموضوع النقل من الأول، مستني بس تيجي تحكيلي."
ضحكت يارا، واقتربت منه أكثر:
_"أنا محظوظة إنك أبويا"
جومانا:
_"وأنا كمان."
وسط هذا الجو الدافئ، تساقطت دموع خفيفة من عيون البنات... لكن للمرة الأولى، لم تكن دموع حزن... بل كانت دموع راحة.
ثم التفت صالح إلى "جومانا" وقال بنبرة جدّية تخفي وراءها الكثير من المفاجآت:
–" المفاجأة إن قاسم النهارده كان قاعد معايا في المكتب… وقال لي إنه عايز يتجوزك.
أيوه زي ما بقولك ... والدته راجعة من السفر قريب، وهييجي يطلبك رسمي.
هو مشي أول ما عرف إن أخته اتكسرت ."
ثم تنهد بعمق، وكأنه يحاول أن يلقي عن كاهله ثقل الأيام الماضية.
– "أنا قلت اللي عندي… نصحت واتكلمت.
بس أنتو الاتنين لازم تقعدوا تفكروا… تفكروا بقلبكم وعقلكم كمان....
آه، كبرتوني يا كلاب! حتى مراد ناوي يتقدّم لجميلة لما يرجعوا."
صرخت "يارا" بفرحة عفوية:
–" إيه الأخبار الحلوة دي؟! نعملكم فرح واحد ونخلص!"
ضحك صالح وهو يشير بيده مشيرًا إلى نهاية النقاش:
– "يلا… روحوا ناموا. فكروا براحتكم، وأنا موجود.
ولو واحدة فيكم مش موافقة على أي حاجة، فاستحالة أوافق وأنا عارف إنها رافضة."
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في منزل خالد
لم تمر كلماته مرور الكرام. تسمرت "جنّات" في مكانها كأن الأرض سحبت قدميها، واتسعت عيناها وهي تسترجع ما حدث معها قبل قليل
انحدرت دموعها مجددًا كأنها لم تكن بحاجة إلى إذن، وانسابت تهرب من ثقل ما يختنق في صدرها وكان ملجأها هي غرفة سهر فدخلت واغلقت الباب .
في الخارج، كان الحديث لا يزال مشتعلًا:
–" أنا موافق، بس هي توافق الأول"
قالها"محمد" ثم أكمل
_"هي دلوقتي في مقام بناتي ولو مش موافقة… أنا هرفضك."
"سماح" نظرت إلى ابنها بتوتر خفيف، ثم قالت:
–" أنت فعلًا عايزها؟ ولا علشان اللي حصل؟
الجواز مش لعبة عيال… فوق، يا حبيبي."
"خالد" رمقها باستنكار ممزوج بالحب:
– "إيه الكلام ده يا ماما؟ أنا مش صغير… ولا إحنا تفكيرنا كده."
تدخلت "رهف" بإلحاح:
– "خالد، قوم اتكلم معاها شوف رأيها."
"خالد" استدار نحو والده، ونطق بثقة:
– "أنا هدخل لها يا بابا.'
"محمد" أومأ برأسه:
– "ادخل لها."
توجه خالد نحو الغرفة، وتردد لحظة أمام الباب، ثم طرقه برفق:
–" جنّات، أنا عايز أتكلم معاكي شوية… ممكن تفتحي؟"
جاءه صوتها مختنقًا خلف الباب:
– "ما بدي افتح.'
– "معلش… بس كلمتين وهخرج."
فتحت الباب بعد تردد، وظهر وجهها الغارق في الدموع.
نظر إلى عينيها الحزينتين، فارتج قلبه للحظة.
قال بهدوء:
– "أنا فعلًا عايز أتجوزك."
نظرت إليه بعين دامعة وردّت:
– "وأنا… ما بدي.
أنت مش مجبور عليّ عشان يلي حصل."
تنهد "خالد" وشدّ على أسنانه:
– "إيه اللي بتقوليه ده؟
إنتِ أشرف واحدة عرفتها في حياتي.
أنا عرفت كل حاجة عنك، من يوم ما كنتِ في سوريا…
أهلك؟ متفكريش فيهم تاني… دول ناس معندهمش دم.
أنا عايزك… علشان بحبك.
وعايزك بالحلال.
أنا مش مجبور عليكي… زي ما بتقولي.
اللي حصل… بس قدّم الكلام ده، وكان في صالحي بإنه عَجِل بالجواز .... أنا كنت ناوي أتجوزك من الأول"
أكمل كلماته بصوتٍ خافت وهو يدير ظهره:
–" أنا مش هجبِرك على حاجة."
وهمّ بالخروج، لكنه توقّف فجأة عندما سمعها تقول، بصوت مختنق بالكاد يُسمع:
–" أنا… موافقة."
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في فيلا عمر العمري
أمسكت "هيام" بالهاتف من يد "عمار" بارتجاف شديد، ويدها ترتعش كأنها لا تصدّق ما تسمعه.
–" حاضر… هجيلك.
كلهم نايمين ....هاخد أوبر… وهاجي.
إنت معاك حد؟"
جمال :
_" آه، معايا الناس اللي عايزين الملف…
أنجزي يلا، أنا هستناكي هناك."
أغلقت معه الهاتف، ثم التفت إليها عمار وقال:
– "يلا، قومي… لبسي. خلينا نخلص".
نهضت بفزع، فتحدث هو إلى وليد وأخبره بتحضير قوات محدودة لا تزيد عن الحاجة.
بعد قليل، كانت السيارة تشق الطريق نحو الموقع المحدد.
عند الوصول، قال عمار وهو يشير إلى الخارج:
–" انزلي… اديله الملف ده.
بس لو أي حركة غدر… هتشوفي اللي هيحصلك."
كان "جمال" مستندًا بظهره إلى سيارته، في انتظارها.
اقتربت منه "هيام"، وقدمت له الملف بصمت.
فتح الملف، وأخذ يتصفّحه بسرعة، ثم عقد حاجبيه:
– "مش دا الملف."
في تلك اللحظة، خرج "عمار" من السيارة.
وقف بكل هيبته، رافعًا سلاحه في وجه جمال، الذي ما إن لمح المشهد، حتى أشارت رجاله بأسلحتهم تجاه عمار.
قال "جمال" بغضب:
– "بتبعيني يا هيام؟
أنا الغبي… إزاي أأمن لوحده زيك؟
خاينة!"
عمار بصوت مملوء بالخذلان:
– "يا خسارة يا صاحبي…
ماكنتش عايز نبقى في الموقف ال**** ده.
بس إنتو ولاد حلال… وتستاهلوا."
ثم أكمل، وهو يقترب منه:
–" نفسك في حاجة؟ أجيبهالك وأنا جاي أحضر التحقيق."
ضحك جمال باستهزاء:
–" مش هتلحق يا عمار.
أنا، حتى لو دخلت السجن، في مية واحد غيري برّه…
هيقتلك علشان ياخد الملف."
ابتسم عمار بسخرية:
– "هتفضل غبي… ومتخلف يا جمال.
أنا ممكن أضحي بنفسي… فدى التراب اللي أنا وإنت واقفين عليه دلوقتي.
ولو أنا موت، فيه ظباط غيري… مش خاينين زيك.
في قدام مية منك مليون مني ."
في هذه اللحظة، وصلت قوات "وليد" وأحاطت بالمكان.
"وليد" قال بحزم:
– "مفيش داعي للمقاومة."
استسلم الجميع، واقتيدوا دون أي مقاومة تُذكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في مبنى المخابرات
لم يتمكن عمار من انتظار الصباح.
أمسك بهاتفه، واتصل باللواء علي، وأخبره بأنه أنهى المهمة.
استجاب اللواء سريعًا.
عند وصوله، طرق باب المكتب، ثم دخل وأدى التحية العسكرية.
"علي" أشار إليه بالجلوس.
جلس عمار أمامه، ثم وضع الملف الأصلي فوق المكتب وقال:
–" الملف… أهو يا فندم.
ماكنش ينفع يفضل معايا أكتر من كده.
وأنا مستعد أقوم بالمهمة ديه."
أخذ "علي" الملف، وتمعّن فيه، ثم نظر إلى عمار بثقة:
– "وأنا واثق فيك.
بس المهمة ديه… محتاجة تخطيط.
وهتقوم بيها إنت… و يارا"
تفاجأ عمار، وكرر الاسم:
– "يارا؟!"
–" أيوه… يارا يا عمار.
هي أصلًا كانت مقدمة طلب نقل لسينا،
وأنا أوقفته مؤقتًا لما استشرت صالح،
ولما عرفت إنه موافق، أنا كمان وافقت.
والمهمة ديه… هتبقى أول حاجة ليها بعد النقل.
التفاصيل مش دلوقتي،
بس بلغها… إنها هتشتغل معاك."
أومأ عمار:
–" اللي تشوفه يا فندم."
ثم وقف، وأدى التحية، وغادر المكتب.
لكن خطواته في الردهة كانت تحمل تفكيرًا ثقيلاً…
عن المهمة… وعن يارا…
وعن الغد الذي قد يحمل له كل شيء… أو يسلبه كل شيء.
يتبع .........
_____________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية الكتيبة 101) اسم الرواية