رواية الكتيبة 101 الفصل السادس و العشرون 26 - بقلم يارا محمود شلبي
الفصل السادس والعشرون|خيانة بريئة|
***********************
صل على نبي الرحمة وشافع الأمة 🤍🤍🤍✨️
_________
قراءة ممتعة....
الفصل السادس والعشرون |خيانة بريئة|
في إحدى منازل العزبة...
كانت "منى" تقف بجوار النافذة، تتابع الموقف من بعيد، بينما دار حديث هامس بينها وبين شخص مجهول.
منى:
_"زي ما بقولك كده... عمار جه النهاردة."
الشخص:
_"وإنتِ عرفتي منين؟!"
_ "سمعت..."
الشخص بقلق :
_ "تفتكري راجع ليه؟ دا بقاله سنين مجاش هنا
ولا يمكن... هينتقم مني؟!"
منى بنظرة ازدراء :
_"إنتِ عارفة إن عمار مش كده... وإنتِ اللي غبية يا هيام ."
وقفت "هيام" تنظر إلى النافذة للحظات ثم هتفت :
_"عارفة إني غبية بس عرفت متأخر أوي ."
_"كل الكلام دا إنتهى ومش هيفيد بأي حاجة دلوقتي. "
_"لأ يا منى دا هيفيد انا لازم اتكلم معاه."
اقتربت منها الأخرى تمسك بذراعها قائلة:
_"انتِ مجنونة؟! عايزه تكلميه؟ دا قالك لو شافك بالصدفة هيحبسك."
هيام بصوتٍ مكسور:
_ "وإللي أنا عايشه فيه دا مش سجن؟"
نظرت إليها بعينين مشحونتين بالغضب:
_"إنتِ إللي حطيتِ نفسك في السجن ده
محدش غصبك، دا أنتِ دمرتي حياته وشغله
ابعدي عنه يا بنت عمي."
صرخت بها وهي تبعد ذراعها عنها :
_"إنتِ هتعملي فيها شيخة دلوقتي؟"
أقتربت منها، لكنها نطقت بهدوء حاسم:
_"أنا بس عايزة مصلحتك.
عمار لحد دلوقتي سايبك علشان بينكم قرابة... غير كده كان زمانك في القسم من بدري."
تنهدت "منى"، وأشاحت بنظرها عن وجه "هيام"، ثم همست بنبرة حزينة:
_"ربنا يهديكي يا هيام... أنا ماشية."
وخرجت تاركةً خلفها صمتًا ثقيلًا، وأفكارًا أكثر ثقلًا.
---
كانت الشمس قد تسللت إلى الحديقة، حين خرجت "بيلا" بخطواتٍ خفيفة تنادي بصوتٍ عالٍ:
_ "يلا يا ولاد الفطار جاهز"
نهض مراد بتعب قائلًا:
_ "متتعبيش نفسك، احنا أكلنا في الطريق."
ابتسمت له ثم هتف إلى الجميع :
_"طيب إللي عايز يزود الأكل جاهز جوه."
ثم التفتت ناحية "نور" و"جنات" وأشارت إليهما:
_ "يلا يا بنات تعالوا افطروا."
اقتربت "نور" بخطى متعالية، وضعت يدها على كتف "بيلا" وتحدثت بسخرية:
_"هناكل إيه يا خالتي؟"
بيلا بزعيق مفاجئ:
_"مقوليش خالتي."
نور بابتسامة ساخرة:
_"حاضر يا خالتو."
_"أيوه كده... شوفي خالتو أحلى مش كده؟"
جنات بتردد:
_ "ممم... طيب أنا أقولك خالتو برضو."
بيلا بابتسامة حنونة:
_"أنتِ قولي اللي يريحك... ولو عايزة تقوليلي ماما، قولي."
توقفت "جنات" فجأة، وتغير تعبير وجهها، وتجمدت ملامحها للحظة.
كلمة "ماما" أصابت جرحًا لم يلتئم. امتلأت عيناها بالدموع. لاحظت "بيلا" ذلك فورًا.
_"مالك يا جنات؟ في حاجة؟"
أشاحت "جنات" بوجهها وهزت رأسها:
جنات:
_"مافي شي... هدخل الحمام."
وغادرت سريعًا، بينما "بيلا" تنظر خلفها بقلق.
---
بالقرب من الحمام
خرج "خالد" من المرحاض، وفي طريقه لمح "جنات" ترتجف وتبكي في صمت، فاقترب منها بضع خطوات بسرعة قائلًا بنبرة حنونة:
_"مالك يا جنات؟ في إيه؟"
مسحت دموعها مسرعة:
_"ما فيش والله..."
أحضر لها كرسيًّا وأجلسها،ثم نظر لها بعدما جلس على ركبته أمامها :
_ "اهدي كده... أنتِ بتتنفضي ،في حد زعلك؟"
هزت رأسها نافية :
_"لا..."
_"طيب... وحشتك عيلتك؟"
فجأة، انهارت "جنات" بالبكاء، ولم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة ، صمت 'خالد' للحظة ثم قال بهدوء:
_"خلاص... اهدى. ادخلي اغسلي وشك، وعدلي الطرحة ويلا تعالي تاكلي معانا وكل حاجة هتتحل أوعدك ."
همست قائلة:
_"حاضر..."
دخلت "جنات" إلى الحمام، بينما ابتعد "خالد" قليلاً واتصل هاتفيًا فهتف بصوتٍ منخفض :
_"أيوه يا مازن باشا... كنت عايزك في خدمة... هبعتلك اسم واحدة من سوريا، عايز كل المعلومات عنها وعن أهلها من يوم ما اتولدت... تمام، تسلم يا باشا."
أنهى المكالمة، ووقف في الانتظار.
خرجت "جنات" من المرحاض بعد دقائق، أكثر هدوءًا وإن كانت عيناها لا تزالان حمراوين.
خالد بابتسامة مطمئنة:
_"أيوه كده... أحسن يلا علشان تفطري انا فطرت في الطريق ."
جنات بصوت خافت:
_"ممكن تيجي معايا؟"
شعر بخوفها وارتجاف صوتها، فأومأ برأسه:
_"حاضر... تعالي."
---
في الحديقة
كان الشباب لا يزالون جالسين حين صدح هاتف "عمار".
ابتعد عنهم قليلاً، ورد بنبرة حادة:
_"يعني إيه اللي بتقوله حضرتك؟ هي راجعة تكمل خراب في حياتي وشُغلي؟ لولا القرابة،
كنت حبستها من زمان... أوعدك يا ممدوح بيه، لو لقيت عليها حاجة، أنا اللي هسلمها بإيدي... تسلم، سلام."
أنهى المكالمة، وعاد بخطوات بطيئة وأفكار مزدحمة، فسمع جاسر يقص عليهم ما ينوي فعله:
_ "أنا همشي بعد يومين، عشان ألحق أسافر."
قاسم:
_"ربنا معاك يا صاحبي."
---
عصرًا___
في سيارة جمال بعدم طلبت منه أن تراه في أقرب وقتٍ
كانت "هيام" تنظر إلى نافذة السيارة فقالت بعدما استجمعت كامل قواها :
_"أنا راجعة علشانه، علشان بحبه... وطلع مش
خسيس زيك ولا جبان."
ضربها "جمال" صفعة عنيفة، أطاحت بها إلى جانب الكرسي.
أمسك بخصلات شعرها وجذبها نحوه:
_ " مين دا إللي جبان وخسيس ؟ انا ! دا إنتِ أبليس يخاف منك ... أنا مش خروف يا هانم... هترجعي له علشان شُغله وأنا محتاج حاجات من عنده... ولو عرفتيه بأي حاجة، والله لأزعلك زعل عمرك ما نسيتيه."
نظرت إليه بحقد قائلة:
_"ده كان صاحبك... موجوع منك أكتر مني!"
جمال ببرود قاتل:
_ "أنا قلت اللي عندي ..... النهارده بالليل هتروحيله."
ضحكت "هيام" بسخرية، ونظرت له باحتقار:
_"واضح إنك مش خروف... علشان الفلوس ممكن تبيع أي حد هو لو حبسني، أهون مليون مرة من إني أكون معاك."
جمال بنبرة ساخرة :
_"وانتِ خونتيه قبل كده... يعني مش بعيد تخونيه تاني. خلينا نكلم في المفيد، عايز ملفات معينة... هتتشقلبي علشان تجيبيها ."
هيام بتردد وخوف:
_"حاضر... بس أكيد مش هيرضى يقابلني."
اقترب منها ببطء، ووضع يده على شعرها كأنما يربّت عليه، بينما نبرة صوته تتحول إلى همسة لزجة:
_ " إنتِ هتقدري تخليه يرجع انا عارف ،
شاطرة يا حبيبة قلبي... يلا بقى خلينا نجهز،
مفضلش كتير وتتحركي."
ثم صرخ فجأة:
_"يلا إنزلي ... أمشي"
انتفض جسد "هيام" من الخوف، وركضت خارج السيارة لتذهب إلى البنية التي تسكن بها ظلت تلتفت يمينًا ويسارًا تتأكد بأن لا أحد يراها ،بينما تتصارع في عقلها فكرة واحدة:
كيف ستقابله؟
*********************
في المساء،
كان الجميع مجتمعين ، يجلسون على الأرائك المصنوعة من الخيزران ويشاهدون التلفاز في جو من المرح والدعابة.
ضحكات خفيفة تتعالى، ورائحة الشاي بالنعناع الساخن يملأ الأجواء.
بينهم من يشعر بالقلق والأخر لا يركز في تلك الجلس بل يركز في ما سيحدث بالصباح
وقف العامل أمامهم قائلًا:
_"عمار بيه عايزك في حاجة."
تقدم عمار منه فقال الأخر بصوتٍ حذر :
_ " الست هيام على بوابة البيت من بره يا بيه... ندخلها؟"
أجابه بصوت خافت :
_"آه، دخلها طبعًا."
_"تحت أمرك ، أنا هروح افتح لها ..."
عمار:
_"ماشي وأنا هخرج أقبّلها."
غادر عمار البهو بخطوات مثقلة، بدون أن يتحدث مع أحد تاركهم يجلسون سويًا ، واتجه مباشرة إلى الإسطبل.
رائحة التبن الممزوجة بروائح الخيول كانت مألوفة، كأنها تطمئنه.
جلس على مقعد خشبي قديم، ومدّ يده يتحسس جلد أحد أحصنته المفضلة، جواده العربي "نجد"، الذي رافقته منذ سنوات.
همس وهو يمرر يده على رقبتها :
_"إنتِ أكتر حاجة كانت واحشاني هنا... أنا كرهت كل حاجة في العزبة، بس إنتِ لأ ."
شعر بيد تُوضع على كتفه، فتمنى في تلك اللحظة أن تكون يارا، علّ وجودها يخفف ما به من ضيق، لكنه التفت فوجد هيام تقف خلفه، تبتسم بثقة غريبة.
فقالت بصوتٍ ناعم :
_"كنت متأكدة إني هلقيك هنا... في نفس المكان اللي كنا بنقعد فيه سوا."
همّ عمار بالرد، لكنه لم يجد الكلمات، فقاطعته هيام قبل أن ينطق.
---
في الداخل،
كانت جومانا ويارا واقفتين بالقرب من النافذة فهتفت يارا وهي ترتشف الشاي من كوبها:
_"هتفضلي كده؟ مخنوقة من الواد مش يمكن كان تعبان أو مانمش كويس دا حتى قالك شوماخر هو عرفه منين صحيح دا انا بنطقها بالعافية."
_"يارا انا مش ناقصة هزار قاسم مريض انا معرفتش انام طول الليل بسبب تفكيري ."
_"ويا دكتورة بقى قاسم عنده إيه ؟
حساسية من الحب بتخليه يهرش في فخاده؟"
تأففت شقيقتها وهي تقول:
_"قاسم عنده مرض نفسي أسمه PTSD "
_"والمفروض إني فهمت من الكام الحرف إللي قولتيله دا صح؟"
تنهدت جومانا بقوة فقد خرج هذا النفس من أعماق صدرها يفرغ عن همها فقالت:
_"اضطراب ما بعد الصدمة
يعني هو شاف مراته وهي بتموت قدّامه.
شاف الدم، الصريخ، عجز إنه يعمل حاجة.
ومن ساعتها... وهو مش هو... "
_"طب وإنتِ حاسة بإيه؟"
رجعت ببصرها تجاه النافذة ثم إلى شقيقتها قائلة:
_"أنا بحبه يا يارا
بس هو... هو بيشوفني هي!
بيكلّمني وكأني هي، بيبصلي بنظرة مش ليا...
ولما بيفوق، بيتجنن كأنه كان في حلم !
طب أنا إنتَ تعرفني على أي أساس يحبني وهو اصلًا مش شايفني؟! "
تركت يارا الكوب من يدها قائلة:
_"يا جومانا هو أكيد..."
قطعت جومانا كلامها مكملة :
_"متقوليش إني ظلماه أنا بس مش عارفة أعمل إيه!
أبعد؟ ولا أفضل جنبه؟
أنا مش عايزاه يفتكرني بيها...
أنا عايزاه يفتكرني بيا، أنا...
بس هو لسه عايش معاها في دماغه، في قلبه،
دا حتى في كوابيسه..."
لمست يارا كف شقيقتها بحنان :
_"وإنتِ؟ تقدري تكملي كده؟"
_"مش عارفة حاسة إني تايها والأوحش
إني مش قادرة أسيبه، ومش عارفة أوصله."
مرت جوارهم "نور"شقيقة قاسم التي وضعت يدها على صدرها عندما علمت بكل هذا ، حزنت لسماع هذا الكلام لكنها عادت مسرعة قبل أن يلتفتوا لها رفعت جومانا خصلاتها للأعلى لتغير من الحوار قائلة:
_"سيبك مني أنا إمبارح سمعت كام كلمة كده لما كنتِ قاعدة مع عمار بس إنتِ مردتيش عليه مش ناوية تردي؟"
هزت رأسها نافية :
_"لا وانا أرد ليه يعني ."
_"حتى لو ماقولتيش كده كده باين عليكِ كفاية عينك ،طب روحي رخمي عليه شوية ما إنتِ مش فالحة غير في كده ... أنا شوفته خارج لوحده... روحي، روحي قولي له."
أبعدتها برفق لتذهب فهي تريد الأنفراض بذاتها قليلًا وأيضًا تريد أن تتحدث شقيقتها معه جلست مجددًا تفكر ماذا ستفعل .
أما "يارا" فتوجهت بخطوات مترددة نحو الإسطبل، قلبها يخفق كأنما يدق ناقوس خطر، عيناها تبحثان عنه وسط العتمة الممزوجة برائحة دفئ تشعر به عندما يكون هو في المكان ذاته معاها .
وما إن دخلت حتى رأته واقفًا أمام هيام، كانت تتحدث وهي تضع يدها على كتفه:
_"وحشتني أوي... عارفة إني غبية ومتخلفة، بس إنت بتحبني، واللي بيحب بيسامح، متتكلمش، أنا عارفة إنك جيت العزبة عشاني... أنا سبت جمال، والله العظيم رجعتلك ومستعدة أعيش خدامة تحت رجليك."
كانت نبرته تحمل ندم وحنين قد سيطر عليه فقال :
_"فعلاً اللي بيحب بيسامح... وأنا بحبك يا هيام."
سمعت يارا الجملة الأخيرة، تجمدت في مكانها
سقط قلبها قبل دموعها، لم تكن تتوقع أن تكون صفعة المشاعر بهذا العنف.
مسحت دموعها سريعًا، ثم تقدمت نحوهما بثبات
هتفت بصوتٍ مرتفع لكن ظهر فيه الحزن :
_"سألتك قبل كده، هتجرحني؟ وقلتلي لا... بس إنت عملتلي أكبر جرح في حياتي.
طلعت غبية أوي... لا وكمان كنت جاية أقولك إني بحبك... يا خسارة يا سيادة الرائد، يا خسارة."
استدارت لتنصرف، لكنه أمسك معصمها، صاحت به بعنف:
_"إياك تنسى نفسك وتمسك إيدي تاني كل إللي بينا من الأول كان شغل وبس... وبعدين عايز إيه مني تاني؟! ابعد عني... وروحلها."
عمار:
_"استني بس..."
لكنها أفلتت يدها من يده بحركة حازمة، وذهبت إلى الداخل
هيام بتقزز :
_"إيه الكلام الزبالة إللي البنت دي بتقوله؟! إنت فعلاً بتحبها؟"
كان يستشيط غضبًا فقال:
_"هيام ممكن تسكتي شوية؟"
_"إيه؟ هيام دي؟ أنا بحب 'هيامي' أكتر...
عموماً أنا همشي وهاجي الصبح أسلم على إنكل عمر وطنط بيلا... سلام."
خرجت من الإسطبل، وابتسامة خفيفة ترتسم على وجهها. ما إن ابتعدت حتى أخرجت هاتفها.
فأجابها جمال:
_"ها... خلصتي؟"
هيام:
_"آه... لسه خارجة من هناك."
جمال :
_"بالسرعة دي؟ حاسس إني مش مطمن"
أكملت هيام سيرها قائلة :
_"لأ أطمن وحط في بطنك أكبر بطيخة صيفي ، هو في الأول كان غريب بس مع كلامي صدق
شوف بقى الملفات اللي إنت عايزها."
_"أيوه كده... فكرتيني أزودك فلوس."
---
في الطابق العلوي،
لحظت جميلة وجومانا دخول يارا المفاجئ وذهابها مباشرة إلى الغرفة ،تبادلت النظرات بقلق فهتفت جومانا :
_"في إيه ؟ أكيد حصل حاجة."
قامت جومانا ولحقت بها جميلة ،
طرقت جميلة الباب فلم تأتِ إجابة.
فتحت الباب بهدوء، فوجدت يارا تجلس على الفراش تهز قدمها وتبكي .
وضعت جومانا يدها على كتفها قائلة:
_"هو عمار ضايقك في حاجة؟"
جميلة :
"عمار؟ هو مالو بالموضوع أصلاً؟"
وقفت يارا لتبتعد خطوات عنهم قائلة :
_"أنا عايزة أمشي من هنا... اندهيلي مراد
بعد إذنك يا جومانا."
وقفت جميلة أمامها :
"طب فهمينا بس..."
_"مش عايزة أتكلم ،سيبوني فحالي بقى!"
جميلة:
_"براحة يا يارا... قوليلي مالك، إحنا خوات."
جومانا:
"خلاص يا جميلة... سيبيني معاها شوية."
لكن جميلة اقتربت أكثر وهتفت بحنان :
_"أنا مش عارفة إيه اللي مضايقك... ولا إيه علاقة عمار بالموضوع. بس لو الموضوع ليه علاقة بيه، فإحنا صحاب وأكتر من إخوات... ومليش ذنب
ومش عايزاكي تبعدي عني."
مسحت يارا على عنقها بإرهاق:
_"وأنا مش هبعد... بس سبيني لوحدي شوية."
استجابت لها جميلة فابتعدت عنها :
_"حاضر، أنا نازلة وهندهلك مراد."
---
في الطابق السفلي، نزلت جميلة مسرعة لتقف خلف مراد الذي كان يعبث بهاتفه :
_"مراد يارا عايزاك فوق."
التفت لها تاركًا هاتفه في جايبه:
_"في حاجة؟"
توترت قليلًا:
_"بص انا مش عارفة... بس شكل في حاجة حصلت."
مراد:
_"حاضر طالع لها."
انطلق مراد إلى الأعلى، بينما اتجهت جميلة تبحث عن شقيقها في أرجاء العزبة.
دخلت الإسطبل أخيرًا، فوجدت عمار يفترش الأرض، ينظر إلى السماء بشرود.
كانت نظراته شاردة، كأنما يبحث عن إجابة في النجوم.
نظرت له وهي منزعجة فقالت بغضب:
_"ممكن أفهم حصل إيه؟"
لم يجب عليها أو يتحرك فقط ظل كما هو فأكملت:
_"عمار... إنتَ عملت حاجة ليارا؟"
أجابها بصوت منخفض :
_"جميلة... اطلعي وسيبيني لوحدي."
_"هو أنا كل ما أتكلم مع حد فيكم يقول لي كده؟
فهمني يا عمار شكلها فوق مش طبيعي"
_"جميلة... متصعبيش عليّا الحوار
هو صعب كفاية... أمشي بس."
_"ماشي يا عمار... بس أحب أقولك إنهم أكيد هيمشوا النهارده."
تركته ورحلت وقد تأكدت أن شقيقها هو السبب لكن ما حدث؟ لا تعلم
---
في الخارج، كان عمر يقف بصمت يراقب من بعيد، وقد بدا عليه الأسى.
هو يعرف ابنه جيدًا، ويعلم أن خلف صلابته وجديته، قلبًا هشًّا يتحمل أكثر مما يحتمل البشر.
اقتربت منه بيلا، ووقفت إلى جواره، لمست يده بحنان.
بيلا:
_"في إيه يا حبيبي؟"
عمر بصوتٍ متعب :
_"مفيش حاجة... يلا، تعالي نطلع ننام."
لكن في داخله، كان يعرف... هناك عاصفة قادمة.
__________
مراد:
_"هو أنا مش من حقي أفهم في إيه يعني؟"
يارا، بصوت خافت ووجهها شاحب قليلًا :
_"مفيش حاجة... أنا بس مش مرتاحة وعايزة أروح."
صمت مراد للحظة، كأنه يحاول أن يستوعب ما سمع، ثم قال بصوت هادئ يحمل مزيجًا من الحزن والإصرار:
"ماشي يا يارا... هكلم السواق، هيبعت العربية دلوقتي. همشي أنا وإنتِ وجومانا وسيلين... بس أكيد هياخد وقت عقبال ما ييجي."
حاولت جومانا تهدئة الأجواء، قالت :
_"ماشي يا مراد هجهز حاجتنا."
نزل مراد إلى أسفل منتظرًا وصول السائق. كان الوقت قد اقترب من الفجر، والهدوء يعم المكان، ولم يبقَ مستيقظًا سوى قاسم، الذي خرج من غرفته حين لمح مراد من الشرفة.
مراد، وهو يحك ذقنه بتوتر:
_"أنا همشي."
لاحظ توتره، قال بنبرة حانية:
_"ليه يا بني؟"
مراد، وهو يزفر بقوة:
_"معرفش يارا مالها... فهنروح."
أومأ برأسه قليلًا، ثم قال:
_"طيب خليك للصبح... أحسن."
نظر بعيدًا قليلًا :
_"مش هتفرق بقى."
---
مر وقت طويل، وبدأت أشعة الشمس تتسلل إلى الطرقات، كاشفةً عن ملامح المدينة النائمة.
في السيارة، كان مراد يجلس بجوار السائق، بينما في الخلف جلست يارا، وقد أسندت رأسها المنهكة على كتف شقيقتها. أمسكت جومانا بكف يدها محاولة أن تمنحها بعض الطمأنينة، في حين جلست سيلين بجوارهما، تتأمل وجه يارا بعينين تمتلئان بالشفقة.
رن هاتف جومانا، وبمجرد أن رأت اسم المتصل، تنهدت قبل أن ترد.
باسل:
_"إنتوا روحتوا ليه يا بنتي؟"
جومانا، بصوت مرهق:
_"هروح وهكلمك يا باسل."
قد شعر باسل أنها لا ترغب في الحديث:
_"ماشي يا جومانا."
---
في العزبة، كان عمار ما يزال يفترش الأرض في إحدى الزوايا، غارقًا في أفكاره التي لم تهدأ منذ الأمس. فجأة، دلو ماء وقع على جسده، فانتفض مذعورًا، وعيناه تبحثان عن مصدر البلل.
الخادم، وهو يتلعثم من الخوف:
_"يادي اليوم الملخبط دا... أنا آسف يا بيه والله ماكان قصدي... أنا كنت جاي أشرب الحصنة."
عمار، وهو يمسح وجهه من أثر الماء والتعب:
_"امشي من قدامي... وشوفلي حد يجيبلي هدوم ألبسها."
اسرع الخادم :
_"حاضر ."
في الطريق لجلب الملابس، اعترضه عمر وهو يهم بالخروج.
عمر:
_"إيه دا؟ رايح فين بالهدوم ديه؟"
الخادم:
_"ديه لعمار ."
عمر، وقد بدت عليه الجدية:
_"طيب هاتهم... وشوف إنت كنت بتعمل إيه."
الخادم:
_"حاضر يا فندم."
---
سار عمر بهدوء حتى وصل إلى أبنه طال النظر به لبعض الدقائق وهو يرى ملامحه المنهكة ثم ناوله الملابس:
_"امسك الهدوم... اهي."
عمار، بابتسامة باهتة:
_"شكرًا يا بابا."
وقد بدا عليه الغضب المكتوم:
_"لو فاكر إن اللي عملته امبارح دا صح... تبقى غلطان. أنا باعد عن حياتك... وعارف إنك مش بتحبها، وأكيد في حاجة في دماغك عايز تنفذها. أنا سمعت وشوفت كل حاجة امبارح."
عمار، بعينين ممتلئتين بالحزن:
_"بابا... دا أكتر وقت أنا محتاجك فيه... أنا مش عارف أرجع يارا إزاي. أنا عمري ما حبيت زيها... ولا هحب قدها."
عمر، وهو يجلس على طرف المقعد الخشبي :
_"عارف يا عمار... كلمها وقولها على كل حاجة. قولها إنك بتحبها هي، واحكيلها عن هيام... وقول لها على اللي في دماغك أنا عارف إنك عايز تنتقم من هيام وجمال."
عمار :
_"الموضوع مبقاش انتقام... دول مطلوب القبض عليهم. أنا مكنتش عايز أجي هنا، بس دا شغل... وياريتني ما جيت لازم أقبض عليهم الأول... وبعدين أروح لها."
ربت عمر على كتفه:
_"جرب تكلمها."
اقترب عمار من والده، واحتضنه بقوة. رفع عمر يده وربت على ظهره.
عمار:
_"مش عارف من غيرك كنت عملت إيه... ربنا يخليك لينا."
بيلا، التي دخلت في تلك اللحظة:
_"أخيرًا... طب أنا مليش نصيب من الحضن دا؟"
شدها عمر إليهما وسط ضحكة حنونة.
بيلا، وهي تنظر لعمار باستغراب:
_"إنت إيه اللي بلّك كده؟"
_"مفيش... عم صبحي حب يصحيني بس."
_"طب غير هدومك علشان متاخدش برد... ويلا علشان نفطر. صحابك صحيوا."
عمار:
_"حاضر يا ماما."
كادت أن تهم بالخروج، لكنها تذكرت شيئًا:
_"هي يارا ومراد مشيوا؟"
عمار:
_"آه يا ماما."
بيلا:
_"ليه؟"
عمار، وهو يهز كتفيه:
_"معرفش."
رحلت بيلا في صمت، بينما تبادل عمار ووالده نظرات قصيرة.
عمر:
_"فكر كويس قبل ما تتصرف... أنا واثق فيك."
عمار:
_"حاضر يا بابا."
---
في بيت مراد، استقبلتهم سارة، وقد بدت متفاجئة:
_"إيه دا؟ رجعتوا بدري يعني؟"
مراد، وهو يخلع حذاءه بتأفف:
_"بنتك يا ستي."
نظرت إليهم محاولة معرفة من المقصودة:
_"مين فيكوا النكدية ديه؟"
مراد، وهو يشير إلى يارا بنظرة سريعة:
_"يارا النكدية."
لم تهتم لهم كثيرًا بل تركتهم وصعدت إلى الأعلى حيث غرفتها ، همست سارة إلى جومانا:
_"هي مالها يا جومانا؟"
جومانا:
_"مش عارفة يا ماما... هطلع أشوفها واجي."
سيلين:
_"وأنا كمان."
سارة:
_"ماشي يا حبايبي."
جلست سارة جوار ابنها، الذي بدا مترددًا في الحديث.
فهتف وهو يشبك أصابعه في بعضهم:
_"كنت عايز أفتحك في حوار كده."
لم تكن منتبه له بل كانت تشاهد التلفاز بالأخص تاك المسرحية التي تعرض "العيال كبرت"
_"هممم؟"
مراد، وهو ينظر في الأرض:
_"أنا عايز أتجوز."
التفتت إليه فجأة، وأخذت تنظر إليه وهي تغمز بعينها أكثر من مرة بطريقة مضحكة.
مراد، وهو يضحك ساخرًا:
_"ماما حبيبتي... إنتي بتعملي كده ليه؟ بقيتي شبه حمدي الوزير. أنا كده هخاف منك وهطلع أجري."
ضربته بخفة على كتفه:
_"بقى أنا شبه حمدي الوزير يا زبالة؟"
مراد، وهو يضع لسانه على جانب خده ويمثل:
_"بُصي، فضلك الحركة ديه بس."
سارة، وهي تضحك:
_"والله يا مراد هضربك... أنا ماعرفتش أربي أصلاً."
قبل رأسها بحنان:
_"خلاص والله بهزر معاكِ... أنا آسف."
سارة، وقد تغيرت نبرتها للجدية قليلاً:
_"مين بقى إللي قدرت تحرك قلبك إللي عطلان دا؟"
مراد، بسرحان وكأنه يعيش اللحظة:
_"هو فعلاً عطلان... وهي جت حطت بنزين تسعين."
سارة، وهي تضحك بحرارة:
_"يا واد... طب فرمل بقى من البنزيما إللي اتحشرنا فيها ديه... واحكيلي."
مراد:
_"جميلة."
سارة:
_"أكيد هتبقى جميلة... مش ابني اللي مختارها."
صُدم للحظة:
_"يا ماما... هي اسمها جميلة."
تضحك من المصادفة:
"خلاص يا مراد... جميلة جميلة.
بس جميلة مين؟"
_"جميلة يا ماما... بنت صحبتك بيلا."
سارة، وهي تفكر لوهلة:
_"تصدق... هي جميلة فعلاً. بتحبها؟"
مراد، وهو يومئ رأسه:
_"أوي أوي... وبصراحة كده، مش هقدر أستنى. هكلم بابا بليل، واللي فيه الخير يقدمه ربنا."
سارة، وهي تبتسم برضا:
_"ونِعم بالله يا حبيبي... اطلع ريّح لك شوية."
قبل مراد يد والدته، ثم صعد إلى غرفته بينما ظلت سارة تتأمله وهو يغادر، وفي عينيها فخر وحنان لا يوصف.
______
في غرفة "يارا"، كانت السكينة هي السائدة ، إلا من صوت أنفاسها المتقطعة ودموعها التي لم تجد مأوى سوى وسادتها.
جلست "جومانا" على طرف السرير، تحدّق بأختها بعينين مملوءتين بالقلق، بينما "سيلين" كانت تقف قرب النافذة، تنظر في صمت إلى السماء.
جومانا بقلق شديد:
_"ممكن تقولّي بقى إيه اللي حصل؟! بعد ما روّحتي؟"
أجابتها بصوت مكسور :
_"طلع بيكدب يا جومانا... طلع كداب ومبيحبنيش..."
التفت سيلين بصدمة :
_"عمار؟! هو اللي قالك كده؟!"
مسحت دموعها بعنف :
_"أنا شوفت بعيني يا سيلين... كان واقف مع واحدة تانية وقال لها إنه بيحبها... وقالها كمان إنه مسامحها..."
جومانا :
_"مش يمكن فيه حاجة إنتِ فاهماها غلط؟"
هتفت بغضب :
_"ظلمته إيه بس! بقولك شوفتهم بعيني... وبعدين حتى لو أنا ظلمته زي ما بتقولي، ماجاش ورايا ليه؟ ليه ماحاولش يفهمني؟! لا... سابني وفضل واقف معاها. علشان هما شبه بعض... زبالة... ولايقين على بعض..."
سكتت قليلًا، ثم نظرت إلى شقيقتها نظرة مكسورة.
_"أنا سألته بدل المرة تلاتة إذا كان هيجرحني، وكان بيقولي لأ... بس أنا اتجرحت... ودي مش جرحه عادية يا جومانا... دا جرح كبير أوي..."
بالأمس من كان يواسي من ؟ وفي اليوم من الذي يواسي من؟ ربتت جومانا على كتفها :
_"خلاص إهدي شوية يا حبيبتي، نفسيتك كده هتتعب أكتر..."
سيلين :
_"هما كلهم كده... الرجالة دي عايزة تتحرق..."
عاتبتها جومانا بنبرة صارمة :
_"مش كده يا شُعلة..."
فجأة، صدح هاتف "يارا"، يهتز على الطاولة بجانبها، واسمه محفوظ عندها بـ"العو".
أُلقيت نظرات قلقة من الفتاتين.
سيلين:
_"ما تشوفي يا بنتي مين بيرن؟"
يارا :
_"مش عايزة أشوف حاجة..."
جومانا بإصرار:
_"شوفي دي تالت مرة بيرن..."
أمسكت "يارا" الهاتف بيد مرتجفة، نظرت إلى الاسم ثم ضغطت بضغطة حاسمة على "الحظر".
ثم أعادت الهاتف إلى مكانه دون أن تنطق بكلمة.
سيلين بفضول:
_"مين؟"
سكتت "يارا"، لكن "جومانا" قرأت الصمت جيدًا:
_"هو... صح؟ طب ردي، يمكن فهمتي غلط..."
يارا بغضب :
_"لأ! مش هرد! ومش عايزة أعرفه تاني! وياريت تطلعوا وتسيبوني ف حالي..."
جذبت سيلين ذراع جومانا:
_"تعالي نخرج، نسيبها تهدى لوحدها..."
_"حاضر..."
غادرتا الغرفة، وتركنا "يارا" وحيدة وسط ظلام مشاعرها.
جلست على الأرض، ودفنت وجهها بين ركبتيها، وانطلقت دموعها في صمت، تتذكر ضحكته، كلماته.. لحظات صغيرة، لكنها باتت تؤلمها كطعنة في الظهر.
وبعد مضي بعض الوقت...
فتح "مراد" الباب بهدوء، يدخل خطوات قليلة، يتفحص الغرفة بعينيه القلقتين ... فقال بصوتِ خافت:
_"ممكن أدخل شوية؟"
لم ترد عليه، فاقترب أكثر، جلس بجوارها دون أن ينطق، ثم قال:
_"يارا... مالك؟ قلقتيني عليكي، أول مرة أشوفك بتعيّطي بالطريقة دي... إيه اللي حصل؟"
دون أن تنطق، ارتمت في أحضانه فجأة.
تجمد قليلًا، ثم رفع يده يتحسس خصلات شعرها بحنان.
_"فيه إيه؟ انتي كويسة؟ حصل إيه؟"
بكت بصوتٍ مختنق :
_"أنا غبية... غبية أوي يا مراد..."
_"غبية إيه بس؟ احكيلي..."
_"حبيته... أوي... بس هو طلع غبي..."
أبعدها برفق، نظر في عينيها المبللتين:
_"حبيتي مين؟"
لم ترد، فاستكمل بحنان وغضب دفين:
_"متخفيش، أنا هجبلك حقك، بس قوليلي إيه اللي حصل؟"
_"مش عايزة حاجة... أنا أقدر آخد حقي بنفسي، بس مش عايزة أشوف وشه تاني..."
مراد بصوت جاد :
/"مين؟"
_"عمار..."
صمت لثوانٍ، ثم قال وهو يضغط على أسنانه:
_"كنت حاسس... عمل إيه؟"
بكت مجددًا :
_"فهمني إنه بيحبني... وامبارح شوفته واقف مع واحدة تانية... كان بيضحك عليا... ليه؟ أنا عملتله إيه علشان يجرحني كده؟! أول مرة أحس إني ساذجة وبتصرف زي المراهقين بس انا عمري ما شوفت عينه بتكدب هي العيون طلعت بتكدب يا مراد؟! كل حاجة كانت كدب !"
مراد بحزم رفع ذقنها إليه :
_"ما عاش ولا كان اللي يكسرك وأنا عايش"
سألها وهو يطالع وجهها المرهق:
_" إنتِ حبّيتيه بجد؟"
_"حبيته يا مراد... قلبي اتعلّق بيه... كنت بتخيّل حياتي معاه... بس خلاص، هستحمل الوجع ."
ربّت على كتفها ثم وقف:
_"طب قومي خدي دش وفوقي... وبعدين نتكلم."
أومأت برأسها، ثم دخلت إلى المرحاض بصمت ثقيل، بينما هو غادر غرفتها وعيناه مليئتان بالغضب.
مراد في نفسه:
_"أنا عارف إن عمار مش كده... بس يوجّع أختي؟ لأ... مش هعدّيها."
صدح هاتف مراد فجأة، لينتزعه من شروده، وكان اسم المتصل "قاسم" يسطع على الشاشة. ضغط على زر الإجابة ورفع الهاتف إلى أذنه، وهو يتنهد بتعب واضح.
قاسم:
_"إيه يا مراد... عارف لو كنت استنيت شوية كانوا هيمشوا معاك."
مراد مندهشًا :
_"إيه دا؟ مشيوا بالسرعة دي؟"
تنهيد قاسم تنهيده قصيرة :
_ "آه مشيوا... جاسر هيسافر بكرة، جاله تليفون كده على غفلة، فقالوا يمشوا بالمرة حتى جنات مشيت مع رهف، وخدوا السواق كمان."
ظل مراد صامتًا للحظة، يحاول استيعاب ما قيل، ثم رفع حاجبه بتفكير:
_ "وإنتوا هترجعوا إمتى؟"
_"مش عارف والله... بس أنا مش هطول يعني.
بالمناسبة يارا عاملة إيه دلوقتي؟"
تغير نبرته فورًا، كأن شيئًا انكسر في داخله، وردّ بنبرة خافتة تحمل شيئًا من التهكم:
_ "ابقى اسأل ابن خالتك... خليه يقولك."
_ "في إيه يا مراد؟ إيه اللي حصل؟"
رد عليه الأخر بحزم :
_"اسأل ابن خالتك... خليه يحكيلك
وابقى قوله إن مراد هيقابله لما يرجع لينا كلام كتير مع بعض يلا سلام."
ولم ينتظر ردًا، بل أنهى المكالمة بعصبية واضحة.
على الطرف الآخر، حدّق قاسم في الهاتف لثوانٍ، مصدومًا من الطريقة التي انتهت بها المكالمة، ثم تمتم في غضب مكتوم:
_"دا قفل في وشي؟ لما أنزل أشوفه، هبب إيه مع البت كده؟ مش هتجوز أختها؟"
هبط قاسم إلى الطابق السفلي، وكان وجهه متجهمًا. قطع حديث شقيقته "نور" مع"جميلة" بنبرة قلقة.
قاسم:
_"نور عمار فين؟"
نور بدهشة :
_"مش عارفة يا قاسم... شوفه يمكن في الجنينة ."
_ "ماشي."
خرج إلى الحديقة، وكانت أشعة الشمس الخفيفة تلامس أوراق الشجر برفق. لمح "عمار" جالسًا بجوار فتاة يعرفها جيدًا. توقفت خطواته فجأة، واتسعت عيناه من المفاجأة.
قاسم بصدمة :
_"إيه اللي جاب البت ديه هنا؟!
وإنت إزاي سمحت إنها تدخل؟!"
عمار بهدوء :
_"قاسم... ديه هتبقى مراتي."
قاسم بصوت مرتفع:
_ "مراتك؟! إنت اتجننت ولا إيه؟!"
ابتسمت هيام بسخرية :
_"طيب يا قاسم... شكلك مسمعتش كويس
أنا هبقى مراته... وبعد شهر كمان."
نظر لها باحتقار لكنه تغيرت نظراته وتجهت إلى أبن خالته سائلًا إياه:
_ "وعلى كده... خالتي عارفة؟"
عمار:
_ "لسّه هقولها."
_ "طب أنا همشي بقى يا حبيبي... أسيبك تفهمه.
أصل شكله سمعه تقيل شوية."
رفعت حقيبتها ومشت بخطى واثقة، و"عمار" يتابعها
حتى رحلت فبثق في أثرها
جلس قاسم فهتف :
_"وإيه اللي جابرك يا وحش؟"
تنهد عمار :
_ "إنت صدقت إني ممكن أرجعلها؟"
_"ولا أنا ولا مراد نصدق حاجة زي ديه، إحنا عارفينك كويس. أنا بس حبيت أسايرك في الدور قدامها... عارف إن في حاجة في دماغك."
اقترب عمار منه واحتضنه للحظة، كأنما كان يستمد طاقة من صداقتهما.
عمار بصوت مختنق :
_"أنا لازم أقبض عليهم... علشان أرجع ليارا."
قاسم بتعاطف :
_"مراد شكله ناوي يظبطك يا عمار..."
عمار بحزن عميق :
_ "حقه... شكلها قطع قلبي بجد يا قاسم."
_ "هترجع، متخافش... هتقبض عليهم إمتى؟"
_ "مش عارف... بس قريب أوي."
_"عرفت منين؟"
_ "كانوا هيبعتوا حد غيري، بس لما عرفوا إن في قرابة بعيدة بيني وبينها... كلموني. وأنا وافقت... إني أكون اللي يقبض عليهم."
وضع قاسم يده على كتفه بثقة، وحدّق في عينيه مليًا.
_"كل حاجة هتبقى تمام... يا صاحبي. "
---
في مكان آخر، وقفت "يارا" أمام مرآة الحمام، تحاول السيطرة على مشاعرها المتضاربة، ثم خرجت وهي تمسح وجهها بسرعة، وأمسكت بهاتفها. اتصلت برقم محفوظ في هاتفها .
يارا:
_ "حضرتك... أنا عايزه أقطع الإجازة وأتنقل سينا فترة."
الصوت الآخر مندهشًا :
_"إنتِ لسه واخدة الإجازة من تلت أيام تقريبًا؟!"
_ "مش عايزة أكملها."
ممدوح:
_ "بس دا صعب... هشوف وابقى أكلمك يا سيادة الظابط."
_ "بانتظار حضرتك يا فندم."
أنهى الاتصال، ثم رفع الهاتف مرة أخرى واتصل باللواء "علي"، الذي كان يجلس يحتسي قهوته مع زوجته.
ممدوح: "معلش لو أزعجت سيادتك يا باشا..."
علي برفع حاجبه :
_ "في إيه يا ممدوح؟"
ممدوح:
_ "يارا..."
_ "مالها؟"
_ "لسه قافلة معايا... وعايزة تقطع الإجازة
وتتجه على سينا."
علي بصوت قاطع :
_ "متقبلش واوعي تعمل أي حاجة غير لما أنا أقولك."
ممدوح:
_"حاضر يا فندم... مع السلامة."
بعد أن أغلق الخط، تنهد اللواء علي، وحدق في الفراغ للحظات، ثم تمتم بمرارة:
_ "هتفضل دماغها ناشفة زي أبوها..."
زوجته باهتمام :
_ "هي مين ديه؟"
_"ولا حد يا حبيبتي... ماتشغليش بالك."
---
وفي صباح اليوم التالي، وقف "جاسر" يستعد للسفر. كان المطار يعج بالأصوات، إلا أن وداع "سهر" كان ما يشغل تفكيره بالكامل.
سهر بحزن:
_ "هتوحشني يا جاسر..."
جاسر مبتسمًا :
_"هانت يا حرم ريكاردو مستقبلًا ."
خجلت سهر لكنها تذكرت :
_ "ارجع بدري علشان نجهز حاجات الفرح ،انا مش هعرف أجيب حاجة من غيرك."
ابتسم لها هاتفًا بحنان :
_"مش هتأخر وهنعمل كل حاجة سوا متقلقيش."
سماح:
_"مع السلامة يا حبيبي... خلي بالك من نفسك."
_"حاضر..."
خالد:
_"طب مش؟ يلا يا جاسر علشان أوصلك."
جاسر:
_"يلا..."
سهر:
_"ممكن أجي معاكوا؟"
_ "تعالي..."
بعد مرور بعض الوقت، وصلوا إلى المطار. توقّف جاسر للحظة، وقبل أن يتحرك صوب البوابة، نظر لها بحنان بينما كانت عينيها تبكي:
_ "فوكي كده هو انا رايح ليبيا متخفيش... هرجع والله. خلي بالك منها يا خالد."
_"في عيني يا ابو نسب."
أدار جسده، وبدأ يتحرك في اتجاه الطائرة، لكنه توقف والتفت، فوجد سهر تلوّح له بيدها.
فحدث نفسه بصوت خافت :
_"هرجعلك... وهتجوزك ... شوية أيام صعبة بس هيعدوا."
ثم استقل الطائرة المتجهة إلى البرتغال، وقلبه معلّق بمن تركهم وراءه.
---
في العزبة
هبّت نسمة خفيفة تُحرّك ستائر الشباك المفتوح . والرائحة المميزة للقهوة تُخيّم على الجو.
كان عمار جالسًا على الكنبة يُحدّق في هاتفه بتركيز شديد، ثم وضع هاتفه على أذنه ليهاتف آدم .
عمار:
_"هبعتلك رقم يا آدم... راقبهولي كويس أوي."
اسرع آدم يجلب ورقة وقلم ليدون هذا الرقم :
_"ماشي يا باشا، قول."
عمار:
_"********01"
_"تمام... إديني عشر دقايق وهكلمك."
_"ماشي... سلام."
وقبل أن يُغلق الهاتف، اندفعت بيلا من المطبخ، تمسح يديها في فوطة المطبخ ووجهها مشدود بالغضب ووقفت أمام عمار:
_"الكلام ده صح؟"
رفع حاجبه باستغراب:
_"كلام إيه؟"
_"أنت عايز تتجوز الزِفْتَة اللي اسمها هيام؟!"
_"آه يا ماما، وياريت تجهزوا علشان هنروح نتقدملها النهارده."
تجمّدت بيلا في مكانها، كأن الكلمات صفعتها:
_"وأنا مش هروح يا عمار! ومش قابلة لا البت دي ولا الجوازة أصلًا! ولو عايزها فعلًا روح لوحدك... ولا إيه يا عمر؟"
توجّهت بنظرها الحاد لزوجها، الذي جلس يشرب الشاي في صمت فأجابها بتنهيدة مرهقة:
_"خليه يعمل اللي هو عايزه..."
جميلة باندهاش وهي تنظر لوالدها:
_"أنت يا بابا اللي بتقول كده؟"
عمر بهدوء قاتل :
_"هو مش صغير... يقدر يحدد مصيره بنفسه
وهو اللي هيندم، مش إحنا."
نور بانفعال:
_"بس مش كده! كلكوا عارفين إنها واحدة طماعة مش أكتر انا مش قادرة أصدق هي عاملالك عمل ولا إيه؟!"
رفع قاسم صوته قليلًا:
_"نور، خلّصنا بقى."
نور بحنق:
_"أنت موافق أنت كمان؟!"
جميلة بعينين دامعتين :
_"وأنا اللي كنت بقول إنك نسيتها... وإنك بتحب يارا بجد. دي كانت مصدومة فيك بطريقة ربنا يسمحك يا أخي!"
رمقته نظرة حزينة، ثم استدارت وخرجت من الغرفة مسرعة. لحقت بها ابنة خالتها، بينما لحقت بيلا هي الأخرى بها. ظلّ عمر جالسًا، يتأمل عمار بعينين متعبتين:
_"إنت اللي جبته لنفسك... يا ريت تنهي المهزلة دي بسرعة. أنا عايز أفهم... إنت عايز توصل لإيه؟ ناس مطلوب القبض عليهم، ما تقبض عليهم.
إيه لازمة الجواز أصلاً؟"
عمار ينظر لوالده بنظرة حزينة :
"مش لازم دليل؟ وأنا بقبض عليهم خلاص يا بابا... المهزلة دي قربت تخلص خالص."
عمر وهو ينهض بتثاقل :
_"أتمنى ده فعلاً..."
تركه وخرج، تاركًا وراءه صمتًا ثقيلًا.
رنّ هاتف عمار فجأة، فأجاب بسرعة.
آدم بحماس :
_"أنا هبعتلك لينك... أول لما تدخل عليه، كل حاجة بتاعة الرقم ده هتبقى على تليفونك. ولو احتجت حاجة، كلّمني."
لكنه لم يسمع ردًا، فقط انقطع الاتصال وسمع صفير نظر آدم إلى الهاتف بذهول:
_"هي دي شكرًا؟! طب يا سيدي العفو."
أما قاسم فكان يجلس جوار عمار فنظر له ساخرًا :
_"أنا مش فاهم... إيه حبّكم إنكوا تقفلوا السكة في وش اللي بيكلمكم؟!"
لكن عمار تجاهله تمامًا، وفتح تطبيق واتساب على هاتفه، ثم ضغط على الرابط.
وبعد لحظات، ظهرت له المحادثات المسجلة من الرقم، وكانت إحداها بين هيام وجمال.
هيام:
*قولتلك عايزة فلوس زيادة... يا إما هقوله.*
جمال:
*ماشي، هديكي... بس أنا عايز الملف.*
هيام:
*هحاول أنزل معاه مصر وهجيبهولك
هو الملف ده فيه إيه؟*
جمال:
*ملكِيش دعوة انتِ*
هيام:
*ماشي...*
انتهى عمار من قراءة المحادثة فهتف بصوتٍ مرتفع:
_"يا ولاد الـ..."
نظر قاسم بفضول إلى الهاتف ثم قال:
_"ملف إيه اللي هو عايزه؟"
أسند عمار رأسه إلى ظهر الكنبة، يزفر زفرة طويلة.
_"ده ملف أنا كنت محتفظ بيه من زمان... لما كان جمال في الشرطة. كان ملف صواريخ المفروض تدخل مصر عن طريق سينا... كانوا ناويين يفجّروا بيها أماكن سياحية. أنا حسّيت إنه بدأ يتغيّر، وبقى بيفكر في الفلوس. خدت الملف وخبّيته... لما الداخلية عرفت إنه بيخطط لحاجات ضد شغله، رفضوه."
سكت للحظة ثم أردف:
_"من يومها، وهو بيخرب حياتي... خد مني هيام، ونهي الصحوبية اللي بينّا
دلوقتي أتأكد إن الملف معايا، وبيحاول يوصل له.
وأنا لما خبيته، كنت خايف على بلدي... وعلى جمال كمان، بس هو غبي ويستاهل اللي حصله."
قاسم بتصميم :
_"ربنا ينتقم منهم... المهم دلوقتي إنه ما يوصلش للملف بأي طريقة."
_"هو ده اللي هيحصل... أنا حاطط الملف في حتة مستحيل يوصلها."
قاسم بابتسامة :
_"طب فُك بقى... إنت النهاردة رايح تتقدملها
قوم جهز نفسك."
عمار ساخرًا :
_"أجهز نفسي إيه بس؟! ده أنا لو طولت ألبس جلابية عم صبحي، هلبسها!"
تعالت ضحكات الأخر بقوة:
_"يبقى أبوك صاحب أكبر شركات الأزياء في مصر... وتروح بجلابية؟!"
_"اضحك، اضحك... أنا أصلاً ببقى مش طايق نفسي وأنا بتكلم معاها... بحس إني عايز أرجع!
يا عم دي إنسانة حقيرة."
قاسم مازحًا :
"يعني أروح أجيب الجلابية يعني؟"
تحول صوته عندما خطر بباله شيئًا فقال مسرعًا وهو ينظر إلى هاتف قاسم :
_"لأ هات تليفونك كده."
قاسم بتردد :
_"ليه؟"
_"هات بس."
أخذ الهاتف منه، وكتب رقمًا ما ثم انتظر... على الجهة الأخرى، كانت يارا جالسة في غرفتها تُقلب في كتاب قديم، حين رنّ هاتفها. ظنّت أنه ممدوح، لكنها وجدت رقمًا غريبًا.
يارا بصوتٍ حزين :
_"مين معايا؟"
لم يأتِ رد. فتأففت قائلة :
_"مين؟"
وعندما استمر السكوت سمعت صوت أنفاس فقط قأغلقت الهاتف ،أعطا عمار الهاتف إلى قاسم فقال الأخر:
_"طب ما اتكلمتش يعني؟"
بادله ابتسامة حزينة :
_"كفاية إني سمعت صوتها..
خد التلفون وقوم البس، مفيش غيرك هييجي معايا."
_"اقنع أبوك."
عمار:
_"مش هيرضى... كفاية عليه لغاية كده."
_"ماشي... يلا."
---
في بيت يارا – بنفس التوقيت
دخلت سيلين الغرفة دون أن تطرق الباب، تصرخ بصوتٍ عالٍ:
_"آآآآآه ياااااارا!"
فُزع جسد يارا من تلك المجنونة :
_"في إيه يا بنتي؟ انتي ملبوسة؟!"
سيلين بحماسة :
_"يارا أمك عاملة مسقعة على الأكل
يلا انزلي علشان هناكل."
_"لأ، أنا مش جعانة... انزلي انتِ."
وضعت سيلين يدها على جبهتها تتحسسها:
_"هو انتِ سخنة؟! أول مرة ترفضي المسقعة؟! يلا انزلي بقى."
دخل مراد عليهم فجذب تلك المزعجة بعيدًا عنها قائلًا:
_"بس يا بت... أنا هنزلها."
سيلين:
_"بتمسكني زي الفار المسلوخ كده ليه ابعد يا عم ."
تركها ثم أمسك بيد شقيقته بلطف ،ويذهب بها حتى السلالم:
_"يلا مفيش وقت للتفسير... علشان أنا جعان."
سارت وراءه بدون إرادة فهو يجذبها كمن يجذب جاموسة لتسيؤ بسقية كبيرة :
_"طب بالراحة... أنا كده هقع على السلم!"
نزلوا سويًا، وجلسوا جميعًا على المائدة، حيث كان الطعام قد تم ترتيبه بعناية، وأصوات الملاعق تختلط بضحكات خفيفة... لكن شيئًا ما كان ثقيلًا في قلب ذلك التوأم
________
داخل منزل "باسل"... بعد دقائق من فرحة إعلان ما قاله باسل بأن مصطفى يريد أن يطلب يدها فقالت والدتها بابتسامة:
_"ها قولي موافقة؟"
ارتسمت ابتسامة حقيقية على وجه "شيرى" وهي
تقول :
_"موافقة يا ماما ."
غمز لها باسل بعينه قائلًا:
_"كده نحدد معاد علشان يجي يتقدم بقى"
أحتضنته شقيقته بحماس:
_"ربنا يخليك ليا يا أعظم أخ... عقبالك يا باسل."
ثم غمزت له بخفة، وركضت نحو غرفتها كطفلة صغيرة حصلت على لعبتها المفضلة.
ضحك "باسل" على منظرها، ثم ما لبث أن تلاشت ابتسامته حين التفت إلى والدته... وجدها لا تتحرك، دموعها تنساب في صمت، بينما ملامح وجهها متجمدة كأنها تحاول أن تتماسك لكنها تفشل.
اقترب منها ببطء، ثم انحنى على ركبتيه أمامها، وأسند رأسه إلى قدمها كما كان يفعل وهو طفل صغير يطلب منها أن تحكي له قصةً لينام.
تحدث بصوت منخفض وهو مغمض العينين :
_"ممكن أعرف بتعيّطي ليه يا ماما؟"
هزت رأسها وابتسم ابتسامة باهتة:
_"ولا حاجة يا باسل... ربنا يخليك ليا وليها."
رفع عينيه نحوها :
_"لا، في حاجة... أنا ابنك، وعارفك... قولي."
سحبت "سهام" أنفاسًا مرتجفة، كأنها تحاول طرد شيء ثقيل من صدرها:
_"افتكرت أبوك."
كلماتها سقطت كالسيف على قلبه. شدّ كفّه بقوة حتى ظهرت عروق يده، ثم رفع رأسه ووضع كفّه على يدها بحنان:
_"هو أنا قصرت معاكي في حاجة؟"
هزت رأسها سريعًا:
_"لأ، أبداً... انت كنت سندي، وعمري ما حسيت إني لوحدي طول ما انت جنبي."
باسل بعينين جامدتين:
_"يبقى ما تزعليش... احنا مش محتاجين لحد... وطالما أنا وإنتي وشيرى سوا، محدش يقدر يجي جمبنا"
ابتسمت "سهام" بصعوبة، ورفعت يدها تمسح على شعره بحنان:
_"يا ريت الناس كلها زيك يا ابني... في طيبتك وحنانك.
ربنا يبعتلك بنت الحلال اللي تعوّضك عن اللي شُفته."
قبل كف يدها وهو يهمس لها بفرحة :
_" موجودة يا ماما."
ابتسمت بفرحة وكان قلبها يتراقص :
_"قولّي... فرّحني... مين هي؟ حد أنا أعرفه؟"
_"شُفتيها مرة... رهف، أخت خالد."
نظرت إليه "سهام" بعينين دامعتين، ثم تنهدت.
_"ربنا ينولهالك يا ابني..."
وفجأة..
دوّى صوت صرخة عالية من "سهام"، تلتها طلقة نارية...
صدر جسدها إلى الخلف، ارتج جسدها للحظة، ثم انسكب الدم من ظهرها على الأريكة كأنه نهر أحمر. اتسعت عيناها، وارتجف فمها المرتعش بكلمات لم تكتمل.
ارتعشت يد باسل الذي كان ممسكًا بكفاها وهو جالس وقف مسرعًا يحركها وجسده يهتز من الخوف:
_"مااااااامااااااا!"
أمسك بها قبل أن تسقط، ووضع يديه المرتجفتين على مكان النزيف، وصوته يتقطع كأن حباله الصوتية تبكي معه.
باسل بصراخ :
_"دم؟!! حد يلحقني! ماماااااااااااااااااا!!"
نظرت "سهام" إليه، وعيناها تغيم فيهما الحياة شيئًا فشيئًا، مدّت يدها المرتعشة ولمست خده بحنان، ثم همست بصعوبة:
_"خلي بالك من أختك... وخلي بالك من جومانا...
وقول لسارة تسامحني... وانت كمان سامحني.
أنا كنت أنانية... في حقك وحق أختك... بس غصب عني..."
بكى باسل وهو يتوسل لها :
_"ماما... ما تسيبينيش... والنبي... قومى يا ماما... بالله عليكي..."
لكن يدها انسحبت منه ببطء، سقطت على حجره دون قوة...
والحديقة غرقت في صمتٍ مخيف، سوى من صوت أنفاس باسل المتقطعة، وهو يضغط على الجرح بيده المرتعشة، محاولًا إيقاف النزيف... كأنها حربٌ خاسرة من البداية.
يتبع...
---
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية الكتيبة 101) اسم الرواية