رواية العسقلة الماكرة الفصل التاسع 9 - بقلم ايمان كمال
الفصل التاسع
فجأه وبسرعة البرق شدها بدون اي مقدمات وضمها لصدره، حضنها بكل شوق وحرمان السنين اللي فاتت، ضمها ومعملش حساب لا للمكان ولا للتقاليد ولا إلاصول، ولا اي حاجه؛ غير بس انه يحس انها رجعتله.. يحس انه في اللحظة دي فعلا ردتله روحه من تاني، شعور غريب اتملك شادية، حاولت تخرج من قبضة تملك ايده، معرفتش، كان متملك كأنه وجد اخيرا ملاذه، جسمها اتخشب للحظات، لكن مع شدة ضمه ليها، مقدرتش تقاوم وخارت كل قواها وبادلته ضمته وحاوطت اديها حوالين ظهره، بمجرد بس ما استنشقت عبير عطره؛ اللي كان بمثابة المخدر لكل حواسها وفقدها وعيها، سكت الكلام وصوت انفاسهم ودقات قلوبهم هي اللي كان أعلى، مرت دقايق مسروقة من الزمن، اخيرا عرف فيها سليم يخرجها من حضنه وهمس قالها باعتذار: آسف.. بجد متأسف مش عارف عملت كده ازاي؟ مقدرتش اقاوم شوق السنين اللي فاتت ومقربش ياشادية... انتي متعرفيش انا اتعذبت اد اية؟ ولسه لحد دلوقتي مستمره في عذابي.
شادية وهي بتعدل في هدومها، اتحركت وقعدت على الكرسي وقالت بوجع: مش لوحدك اللي اتعذبت ياسليم، انا عذابي كان اضعافك بكتير، تفتكر كان سهل عليا طول السنين دي تبقى عارف اني اتخليت عنك، واني خونت عهدي معاك واتجوزت غيرك؟
سليم قعد قصادها وقال وهو ماسك اديها: احكيلي كل حاجة، ومتخبيش عني اي حاجة؟ ليه عملتي كده؟ ومين اللي كان معاكي وبيقولك ماما؟ احكي ياشادية وبردي نار جهنم اللي جوايا ومش عايزة تنطفي من سنين؟!
شادية بابتسامه قالت: هحكيلك كل حاجة، بس اديني الحقنه وتعالى نروح في اي مكان نتكلم.
سليم: حاضر، ثواني هنادي على المساعده تجهزها.
طلب ليلى المساعده وجهزتها بعد دقايق وجبتها وهو ادهالها بنفسه، وقالها تلغي كل الحجوزات لانه خارج، واخد شادية وخرج، ركب العربيه وكان عايز يخطفها لابعد مكان مفهوش حد غيرهم، لانه بالفعل مش عايز مخلوق على الارض غير حببته اللي اترجاها من الدنيا، ومع كل اسف القدر حرمه منها سنين كتير، بعد طول طريق وصل لكافيه هادي، دخلوا وقعدها على تربيزة بعيده عن الأنظار، واستنى انها تتكلم، جه الجرسون وطلب منه اتنين قهوة، وراح يجبهم، كل ده وعيون شادية باصه لسليم بتشبع منه، محتسش غير لما الجرسون جاب القهوة وحطهم قدامهم، واول ما مشي سليم قال: هتفضلي ساكته كتير؟
شادية وهي لسه عينيها في عينه بتحاول تشبع منهم ردت: اوقات السكوت بيكون افضل من الكلام.
سليم وهو حاطط ايده على اديها يطمنها عشان تخرج كل اللي جواها: بس ده ميمنعش اننا لما نتكلم ونخرج كل اللي جوانا مهما كان ايه هو بنرتاح والهم اللي شايلينه بيقل ولا اية؟
شادية بحيرة: تفتكر؟!
سليم بتأكيد شاور بعينه، انتهدت وسألتة: تحب ابدأ منين؟!
سليم بلهفه لمعرفة كل الحكاية قال: من اخر مرة كنا مع بعض واتفقنا انك هتيجي ونسافر سوا.
اخدت شادية نفس عميق وخرجته بهدوء وخرجت معاه كل وجع الماضي، ورجعت بذاكرتها لليوم المشئوم، بلعت ريقها لقته ناشف اوي، شربت شوية ميه وقالت: يومها جهزت شنطتي ولسه هفتح الباب عشان اهرب من سجني اللي كنت محبوسه فيه؛ لقيت ابويا بيفتح الباب واول ما شافني، عينك ما تشوف الا النور وفين يوجعك، كل ضربه منه وكانت بتنزل على قلبي مش جسمي، حسيت ان خلاص نهايتي في اللحظة دي، واللي كان وجعني اني مش هقدر اودعك ولا اشوفك، فضل يضرب فيا لحد ما تعب، ولا حد قدر يقرب ينجدني منه، مكنتش سامعه شتمته ولا سبه ليا، كنت في دنيا تانيه، صورتك هي اللي قصاد عيني بتديني القوة اني اتحمل كل الضرب اللي بينهال على جسمي، مفقتش غير لما قالي انه هيحسرني عليك وينتقم منك ويوجع قلبي عليك، هنا دبت فيا الروح ورجعت ارض الواقع، وسحفت تحت رجله ابوسها واترجاه انه يرحمك، واني هنفذ كل اللي هو عايزاه، وهنا لمعت عينه بشر وقال انه هيجوزني لطارق العياط، ووافقت عشان انجدك من بطشه.
سكتت واخدت انفاسها، ومسحت دموع الألم اللي عاشتها، كان سليم بيسمعها وقلبه وروحه بتبكي على كل كلامها، ومش عارف يبقى فرحان على حبها ولا يحزن على كل العذاب اللي بتحكيه، فضل ساكت وهي كملت وقالت: حاولت اقوم من مكاني مقدرتش، اخدت منه ضربه بقوة من رجله وسابني ومشي، وفضلت مكاني فتره طويلة ابكي بحرقة على ضياعك مني، خصوصا لما سمعت صوت صفارة القطر وساعتها اتقطعت كل خيوط الامل اللي بينا، قومت اخيرا ودخلت اوضتي وفضلت ابكي بحرقة وادعي ربنا ان تحصل معجزة تنجيني من الجوازة.
سليم وهو بيتفتكر اليوم الفجيع ده قالها: في الوقت ده بقى جت الدادا وقالتلي انك هتتجوزية وبتنهي كل ما بينا.
شادية بوجع: دلوقتي عرفت ترجمة نظرات الدادا ليا طول السنين دي سببها اية، وليه قبل ما تموت طلبت مني اسامحها، عمري ما تخيلت ابدا تعمل فيا كده، وتشوفني بتعذب ولا قالتلي على السر ده.
سليم بتبرير: اكيد ابوكي غصب عليها تعمل كده، بس اية المعجزة اللي حصلت؟
شادية وهي بتاخد نفسها بألم، وتأنيب ضمير بيلاحقها دايما قالت: فضلت كام يوم في اوضتي لحد ما خفيت، وكل يوم طوال ليلي ادعي ربنا لحد يوم الحنة، وانا ثقتي في ربنا وإيماني بيه مقلش، اخويا سافر يجيب مراته من بيت اهلها وهو راجع عمل حادثه كبيرة اوي وماتوا الاثنين، اول ما الخبر نزل على بابا متحملش، جاتله سكته ومات، واتقلب الفرح لميتم، واترحمت من الجوازه، اللي طبعا بعدها صممت اني مش هتجوز ابدا، ومفضلش ليا في الدنيا كلها غير ياسر ابن اخويا، اللي من حسن حظة مكنش معاهم في العربيه، وكان بايت معايا، ومن يومها واحنا ملناش غير بعض، انا كل دنيته، وهو مالي حياتي، ولحد النهارده بلوم نفسي اني دعيت ربنا، عمري ما اتمنيت تكون دي نهايتهم ابدا، مهما شوفت منهم قسوة وعنف، لكن ربنا كتب ليهم المصير ده وكنت السبب في اللي حصلهم.
سليم بنفي: استغفر الله العظيم، متقوليش كده ياشادية، انتي طلبتي من ربنا معجزة، وهو ده عمرهم انتي مدعتيش عليهم، ربنا يرحمهم ويسامح ابوكي على العذاب اللي عيشنا فيه طول السنين دي.
شادية وهي بتشرب قهوتها اللي بردت: يارب، وانت عملت ايه اتجوزت ؟!
سليم ابتسم لسخرية القدر: يعني انتي ربنا نجاكي بمعجزة ومتجوزتيش، برغم اني كنت فاكر انك اتجوزتي طارق، وعقلي كل يوم يرسم الف سيناريو ليكي، ويتخيل حياتك معاه شكلها اية... بيعاملك ازاي؟ واسأل نفسي في كل لحظة، هل بيحبك زي؟ طب هل بيقولك كلمه حلوه خارجة من جوة قلبه زي؟ ولا بيعاملك بقسوة وبيمد ايده عليكي؟ ولا اوقات عقلي بيتجنن ويتخيل لحظاتك معاه، ببقى زي المجنون ساعتها، بحس اني مجروح، مطعون في قلبي وبنزف ومش قادر اقول اه، ياما مرت عليا ايام اسود من الليل وانا بتخيلك معاه كنت في الليل انزل زي المجنون الف في الشوارع عشان اتعب واروح انام محسش. عقلي ياشادية عمره ما بطل يوم يفكر ويقف عن ملايين من الاسئلة، يوم بيوم، وشهر بشهر، وسنه تعدي وراها سنين وهو كل اللي اعمله اسأل واكتب في جوابات وابعتها، وعمري ما جالي رد، ومع كل ده ميأستش ابدا، كنت بشتغل طول النهار مش بضيع وقت عشان اول ما اروح اترمي زي الطوبه انام محسش، لكن اول ما احط راسي على المخدة تهجم عليا الذكريات كأنهم وحوش مفترسه وتنهش فيا وتقلب عليا كل المواجع، عشت كل السنين دي احاول الاقي بديل لروحي، ملقتش ست زيك تردلي روحي، مفيش غيرك انتي ياروح الروح.. انتي بس اللي رديتي فيا روحي لحظة ما دخلتي عليا.. وقتها كأن الزمان رجع من تاني، وانا واقف مستنيكي ورجعتي ليا ياحب عمري كله.
شادية قلبها بيتعصر من الوجع عليه، كان كل اللي في خيالها انها هي بس اللي عاشت وداقت طعم العذاب، وتخيلت انه في غربته هيلاقي اللي تنسيه حبه، لكن فاق تصورها انه مر وحس اضعاف ما شعرت بيه، دموعها سالت على الخدين وبكل بحب قالت: انت يا سليم اللي رديت فيا عمري، انا جواباتك اللي كنت بتكتبها ليا قبل ما نفترق هي اللي صبرتني، كل يوم أقرأها عشان اخد منها العزم والقوة، لكن الجوابات التانية دي عمري ما استلمت منها جواب واحد، ده انا كان نفسي بس في جواب واحد اعرف عنوانك واراسلك عشان اجيلك ونعيش سوا، حتى الامل ده حرموني منه، بس انا لازم اعرف اية الحكاية؟
سليم بقلة حيلة: وهيفيد بأية لما تعرفي؟! هيرجع سنين عمرنا اللي راحت؟! ولا هتعرفي تحاسبي اللي عمل كده؟ ده قدرنا وشربنا كاس العذاب كله، ومحدش دفع فاتورة الألم غيرنا إحنا وبس.
شادية بتأكيد: عندك حق، القدر حكم وحبك حبكته بأيد اقرب ما لينا، ربنا يسامحهم.
سليم بنبرة تفاءل: طب الباقي من عمرنا هنضيعه هو كمان؟ ولا هنلحق الباقي ونعيشه ونتهنى؟
تنحت شادية من سؤاله، ومعرفتش تجاوب تقول اية؟ ولا تشرحله مدى تعلق ياسر بيها ازاي؟ شافت في عيونه نظرات ترجي، حب، شوق ولهفة انهم يعوضوا اللي ضاع منهم، لسه هتجاوب، لمحت الجرسون اللي نجدها بيشيل فناجين القهوة، وطلب سليم عصير مانجو، واستنى انها ترد.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في الاثناء دي كان ياسر قاعد مع مجدي وهو بيدرب مرزوقة، جسد بس لكن فكره وذهنه مع شادية، كل شوية يبص في الساعة وقلقان عليها، لفت انتباه مجدي اللي سأله وقالة: مالك يا ياسر انت مش معانا خالص ولا بتقول رأيك في اداء مرزوقة ؟
انتبه ياسر لكلامه ورد: معلش يا مجدي مش مركز اصل ماما اتاخرت أوي وانا قلقان عليها.
كشر بين حاجبه بستغراب وقال: هي مدام شادية صغيرة عشان تقلق عليها يابني؟
ياسر بقلق زايد: انا ماما مش متعوده تخرج لوحدها وانا اللي بوصلها في اي مكان، مكنش مفروض اسبها ابدا تروح لوحدها، عن اذنك يا مجدي هروح اتصل عليها اشوف اتأخرت ليه؟
شاور مجدي له بعينه، وقام ياسر يتصل بيها كتير وهي مردتش عليه، وده زود قلقه وخوفة عليها.
راح للمطبخ يقول لهنية تعملهم قهوة وتجيبها المكتب، ولع سيجارة وفضل ينفخ دخانها بعصبيه وراح للمكتب واول ما دخل لاحظ نظرات مجدي لمرزوقة مش بريئة، كلها مكر وهو كراجل فهمها كويس، حاول يسيطر على اعصابه ويركز معاه لعله يحس بوجوده ويغض بصره شوية.
دقايق وجابت هنية القهوة وحطتها ومشيت من سكات، مد الكل وشربها، وبعدين كملت مرزوقة تمثيل المشهد.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
استنى سليم انها ترد، ولما طال صمتها سألها تاني وردت عليه بكل آسى: ياريت يا سليم... انا نفسي نتجمع في اللحظة حالا ومنفوتش دقيقة واحده تانيه.
قاطعها بستفهام: واية اللي يمنع يا روح قلبي، احنا قدرنا بقى بأدينا دلوقتي ومحدش مسئول عن اختيارنا ولا يبعدنا عن بعض تاني؟
شادية بنبره ألم باينة في عيونها قالت: ده اللي انت شايفه من منظورك يا سليم، لكن واقعي مش كده، ياسر مستحيل هيتقبل شريك يشاركه في قلبي، ولا يتخلى عني بسهوله.
سكتت ومقدرتش تكمل لمجرد الفكره انه بس يعرف، وهنا لاقت رد عنيف وقوي من سليم لاول مره تشوفه منه، بس عشان هي عارفاه عذرته والتمست له الف عذر وعذر لما قال: والله ده ظلم، وربنا ميقبلش بالظلم يا شادية، زمان ابوكي فرقنا عن بعض وكل واحد فينا عاش سنين في عذاب، ولما القدر جمعنا تاني تقولي ياسر مش هيقبل؟ هو مين عشان يتحكم فينا؟ انا مستحيل هقبل مهما يكون مين يبعدني عنك، انتي فاهمه؟
شادية بتحاول تبرر قالت: ياسر برغم انه كبير، لكن انت مش قادر تفهم انا ايه بالنسباله؛ انا دنيته كلها، ده مش عايز يتجوز ويعيش حياته عشان ميسبنيش، انا مهما اوصفلك تعلقه بيا ازاي، مش هتقدر تستوعب، حبه بيزيد كل ما يكبر، مش بيقل بيزيد وتملكه بيزيد معاه، احنا صبرنا كتير، سبني اجبهاله تدريجيا وانا حاسه اني هعرف اقنعه، ويمكن قلبه يرق ويلاقي بنت الحلال اللي تستهله.
سليم بغضب: لو انتي كل دنيته، فأنتي عمري كله يا شادية، اللي راح زمان واللي جاي، هنعمل ايه لو ملقهاش افضل انا تحت الأنتظار، حرام عليكي ياشادية، هو انا مش في حسبانك، مش بتفكري غير في ياسر وبس؟ مش كفاية عليه اخد سنين عمرك اللي كانت من حقي انا؛ يسيب بقى السنين اللي جاية الحق اعشها معاكي واعوض اللي فاتنا.
شادية وهي ماسكه ايديه ونظره عينها بتترجاه قالت: معلش ياعمري، وحياتي عندك استحملني، وادعي ربنا يقرب البعيد.
سليم وهو بيضم اديها ويقبلها بحب: حاضر يا شادية عشان خاطرك هستحمل، وربنا يصبرني.
ابتسمت له بحب وشربت العصير، ومره واحده قالتلة: انا عايزة اسافر البلد ياسليم؟
سليم بتعجب: ليه ياحبيبتي؟
شادية وهي ماسكه شنطتها وبتستعد عشان تقوم: عشان استرد الضايع مني.
نظرات سليم بتدل انه مش فاهم حاجة، فوضحت قصدها في استرداد جواباته، وتعرف اية الحكاية، برغم اعتراضه في الاول، لكن تحت ضغطها وافق، دفع الحساب وركبوا العربيه وسافر للبلد، اتصلت بياسر لاقته متصل بيها كتير اوي، اول ما رنت عليه رد بسرعه وقال بلهفه: انتي فين ياماما، معقول كل ده تأخير، مردتيش عليا ليه؟ انا هموت من القلق عليكي.
شادية باعتذار: معلش ياحبيبي مسمعتش الفون، وبتصل بيك عشان بس اقولك اني هروح مشوار مهم جدا وبطمنك انا كويسه ومتقلقش عليا، اول ما اخلص هجي على طول.
ياسر: يا ماما فهميني بس، قوليلي انتي فين واجيلك؟
شادية بتوتر: لا يا حبيبي مش هينفع، لازم المشوار ده اعمله انا لوحدي، يالا سلام دلوقتي.
قفلت معاه وهي حاسة بقلقه وخوفه اللي باين في صوته، سرحت ازاي هتواجه اسئلته لما ترجع، كل ده وسليم مراقبها وساكت ومقدر حيرتها وخوفها من المواجهه، طول الطريق ساكتين، كل ما المسافة بتقرب ذكرياتها اللي سابتها وهربت منها بتطاردها كأن كل السنين اللي فاتت يوم او يومين بالكتير، كل الاوجاع حستها، وصلت اخيرا واول رجليها ما خطت باب السرايا بتاعتهم اتردد في ودنها اغنيه كانت بتحبها اوي سمعت صداها من بعيد وعيشتها من تاني..
دار يا دار يا دار
يا دار قوليلي يا دار
دار يا دار يا دار
يا دار قوليلي يا دار
راحوا فين حبايب الدار؟
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟ قولي يا دار
دخلت وفتحت الباب وعيونها بتلف كل ركن، وبتفتكر كل ذكرى حلوه مرت عليها..
لياليك كانت نور
يسبح في ضيه بحور
صرخة صدى مهجور
مرسوم في كل جدار
راحوا فين حبايب الدار؟
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟ قولي يا دار
افتكرت والدتها وقعدتها دايما على الكرسي اللي مركون في ركن بعيد، وتخيلت شكلها وهي ماسكة في اديها ابرة التريكو بتشتغله عشان تعملها فستان يفرحها من صنع اديها، وفرحتها لما تخلصه، دمعه نزلت من عيونها مقدرتش تحوشها..
داري الدمع يا عين
داري داري داري
داري الدمع يا عين
ما تزّوديش الغيم
داري الدمع يا عين
داري داري داري
داري الدمع يا عين
ما تزّوديش الغيم
حاولت تداري الدمع اللي نازل من غير ما قادرة تسيطر عليه، خصوصا لما افتكرت ظلم والدها وقسوته عليها، وكل اللي عمله فيها.
فيه رب اسمه كريم
ساعة المحن ستّار
فيه رب اسمه كريم
ساعة المحن ستّار
راحوا فين حبايب الدار؟
فين؟ فين؟
فين؟ فين؟ قولي يا دار
اتنهدت ودعت ربنا يصلح حالها، نادت على عم سيد الطباخ، وسعيد الجنايني، جه من جوة عم سيد اللي فرك بيده عينه عشان يتأكد من اللي واقفه قدامه، وهي ابتسمت وقالتلة: اية يا راجل ياطيب مش فاكرني ولا اية؟ انا شادية.
عم سيد وهو بيحاول يمد في خطوته اللي ضعفت من اثر الكبر وانحناء ظهره، لما وصل ليها وبص يتأكد قال بفرحه: يااه ياست شادية فينك يابنتي، اية كل الغيبه دي؟ بقالك سنين غايبه ومش بتيجي يابنتي؟
شادية غمضت عينها وردت: اجي لمين ياعم سيد، كل الحبايب راحوا والدار بقى خالية من اي ناس وحب.
عم سيد بآسف: ربنا يرحمهم ويغفر لهم والبركة فيكي وفي سي ياسر، هو فينه مش باين من ساعة ماجه اخد ايراد الأرض.
شادية: مشغول في شغله، المهم تعالي اقعد عشان عايزاك في حاجة مهمه ومحدش هيريحني غيرك انت.
عم سيد وهو بيقعد وعلامه الاستفهام على وشه سأل: خير ياست شادية انا تحت امرك... ؟!
شادية بترجي: خير ياعم سيد، هو انا كان بيجيلي جوابات هنا زمان، ومحدش بيورهاني؟
عم سيد حط عينة في الارض بيهرب منها، وده خلاها تتأكد من كلام سليم، فقالتلة: قول ياعم سيد ارجوك ايه اللي حصل زمان؟
عم سيد قال: بصي يابنتي انا هحكيلك اللي شوفته زمان، لما كنتي تعبانه وقبل اللي يحصل لاخوكي، جه عامل البريد ومعاه جواب ليكي ونادى على اسمك، ولسوء الحظ كان والدك ربنا يرحمه كان في الجنينة واخد منه الجواب، وقاله لو في جوابات تانيه جبها على عنوان شركتي، واداله العنوان، وفلوس كمان.
شادية قاطعته: وبعدين ياعم سيد، بعد بابا ما توفى الامر اتغير؟
عم سيد وهو بيفتكر: فضل الوضع ده كتير كده، لكن بعد فترة اتغير العامل وبقى يجي كل شوية، ويحط الجواب في الصندوق اللي بره، هو اه كان بيغيب شوية لكن لحد فترة بسيطة بيجيب جوابات، بس انقطعت خالص.
شادية بلوم وعتاب: ليه مقلتليش ياعم سيد؟ ليه سكت، يمكن لو كنت قولت كانت حاجات كتير اوي اتغيرت في حياتي؟
عم سيد بحزن: والدك حظرني وهددني اني ابلغك حاجة، وانا يابنتي راجل غلبان وخوفت على اكل عيشي، ولما والدك اتوفى كانت الجوابات انقطعت، ونسيت الموضوع خالص، وبعد ما السنين عدت ورجعت تاني كنتي سبتي هنا، والدنيا خدتني وقولت الموضوع مات من زمان مفيش داعي اقول واعيد.
شادية بصتله بألم على سوء قراره وتفكيره، لكنه صعب عليها، طلعت فلوس وادتهاله، وهو شكرها اوي، وقامت عشان تشوف صندوق البريد اللي مليان من حبها وعذابها كتير، فتحته بإدين مرتعشه واتفاجئت بكم هائل من الجوابات، اللي من كترهم وقعوا على الأرض، بصت ليهم ومصدقتش نفسها ان حبيب عمرها عمره مانساها ولا يأس من عدم ردها، وقالت لنفسها إذا كان دي كل الكم ده هنا، امال في الشركة بتاعت والدها في اد اية؟
لمت الجوابات في شنطة ومشيت راحت عند سليم اللي كان منتظرها في العربية لحد ما ترجع، واول ما عينه جت عليها وشاف دموعها اللي نازله اتخض عليها وقالها: مالك في اية اللي حصل مخليكي تبكي بالشكل ده؟
شادية قعدت جنبه على الكرسي، ومدت اديها بالجوابات وقالته: معقول يا سليم كل دي رسايل بعتهالي، واتحرمت منهم، حرموني منك ومن اي تواصل بينا، يمكن لو كنت اخدت جواب واحد بس في ايدي كنت سافرتلك وعشت معاك وحياتي كلها اتغيرت... ليه ظلومونا كده؟ ليه هونا عليهم بالشكل ده؟ وهان عليهم نزيف قلوبنا؟
قالت كل كلامها بين شهقتها، اخدها سليم وضمها لكتفه بحنان وطبطب على كتفها يواسيها، وقال: اهدي ياحبيبتي، ده كله مقدر ومكتوب، وربنا لو كان رايد اننا نتجمع زمان مكنش حد عرف يقف قصادنا، لكن كل شيء مكتوب، والوقت دلوقتي بقى في ادينا اوعدني نتحدى اي صعب ونتجمع مع تاني ياشادية، اوعديني !!
خرجت شادية من حضنه وبصتله بكل حب وثقه قالت: اوعدك ياحب عمري ما هسمح للظروف تاني تفرقنا، اوعدك الف وعد وعد اننا هنتجمع من تاني، بس اهيأ الظروف واقنع ياسو.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ياسر جاله مكالمه فخرج يرد عليها بره عشان ميشدش انتباهم ويخرجهم من المود، اداء مرزوقة للمشهد معجبش مجدي، قام ووقف قصادها مسكها يظبط زاوية وقوفها بطريقة معينه، وكرر الكلام اللي هتقوله، مرزوقة اتوترت وهو بيقرب منها بطريقة معجبتهاش، حاولت تبعد وترجع لورا هو مسكها من وسطها بطريقة وقحه كان بيمر بيده حوالين ظهرها ويحسس عليها، محستش مرزوقة بنفسها غير وهي بتزقه وكفها نزل على وشه كف ثلاثي الأبعاد، كل ده على دخلة ياسر اللي اتصدم هو ومجدي من رد فعلها...
وإلى هنا تنتهي احداثها عند هذا الحد لنتعرف اية اللي عملته مرزوقة في مجدي؟ واية رد فعله بعد ما اخد الصفعه منها بالشكل ده؟ وموقف ياسر منها هيكون اية؟
والاقوى هيعمل اية مع اللي هيعرفة من شادية، هل هيتقبله بسهوله ولا هيكون رده اية؟
كل ده واكتر في احداث شيقه مليانه غموض وتشويق من روايتي الجديدة المتواضعة
العسقلة_الماكرة
بقلمـ إيمان كمال ✍️
إيمووو
•تابع الفصل التالي "رواية العسقلة الماكرة" اضغط على اسم الرواية