رواية أحفاد المعز الفصل الثامن 8 - بقلم زينب محروس
حاولت فداء جاهدة لتفتح تلك النافذة، و لكنها فشلت في ذلك فلم تجد أمامها مفرًا من ذلك الوضع سوى الاتصال بأحد ليأتى و يخرجها قبل أن تتضرر رئتيها، كانت تسعل بشدة، بينما اصابعها تلمس شاشة هاتفها بتوتر، و بناءًا على علمها بأن أخيها ذاهب إلى الإسكندرية من أجل العمل، فقررت الاتصال ب باسل الذي ما إن رأى اسمها على شاشة هاتفه، حتى استقبل المكالمة سريعًا و هو يقول بجمود:
– ايوه يا فداء خير؟
كانت تلطقت أنفاسها بصعوبة، جعلتها تتحدث بتقطع:
– الحقني يا باسل…… الحقني الله يخليك.
انتبه باسل لنبرتها الخائفة و المتقطعة، فسألها بقلق و اهتمام:
– مالك يا فداء؟ والدتك حصلها حاجة؟؟
حركت رأسها برفض و كأنه يراها، ثم مالت برأسها قليلًا للوراء و قالت:
– ماما كويسة….. بس أنا لاء…. مش قادرة اتنفس، حسام…..حسام.
سألها باستغراب:
– ماله حسام؟ عملك حاجة؟
كانت الكلمات تخرج من فمها بصعوبة بالغة، فهي تجاهد من أجل التنفس و من أجل أن تتحدث إليه، فقالت:
– حسام حابسني في اوضته و فيها دخان و أنا عندي ربو…. الحقني بسرعة مش قادرة اتنفس.
حاول باسل أن يطمئنها في حين أنه قد اعتراه الخوف و القلق عليها، فقال و هو يتحرك راكضًا إلى سيارته:
– أنا جاي اهو يا فداء، اهدي و حاولي تتنفسي، أنا جاي مش هيحصلك حاجة إن شاء الله.
كان يقود سيارته بسرعة جنونية، مما جعله يصل إلى القصر في وقت قياسي، ترجل سريعًا من سيارته، و اتجه إلى حسام الذي يجلس مع رفيقي الفساد، و يدخنون لفائف التبغ بشراهة و يتناولون ذلك الشراب الذي يؤدي إلى الثمالة.
ما لبث باسل يصل إلي حسام، حتى أمسكه من تلابيب قميصه جاذبًا إياه لينهض عن ذلك المقعد الذي يعتليه، ثم لكمه لكمة قد بث فيها غضبه و خوفه على ابنة عمه، و هو يسأله قائلًا:
– فين مفتاح الأوضة؟
وضع حسام يده موضع تلك الضربة التى تلقاها لتوه، و نظر إلى باسل بأعين كتلك التي يداهمها النعاس، و قال بنبرة خاملة:
– أوضة ايه؟
صرخ باسل في وجهه قائلًا بغضب:
– الأوضة بتاعتك اللي حابس فيها فداء.
حرك حسام حدقتيه ناظرًا إلى الأعلى بعقل ضائع، و قال:
– باين فوق.
دفعه باسل بقوة جعلته يجلس مرة أخرى، و تحرك سريعًا صاعدًا إلى غرفة ذلك الأحمق الذي يفسد نفسه بيده، كان المفتاح مازال في موضعه في ثقب الباب، ف بحركة سريعة فتح باسل الباب و دلف إلى فداء التى وجدها في حالة يرثي لها.
فكانت تجلس أرضًا في الزاوية التي تجاور النافذة، بعدما فقدت القدرة على التحكم في عضلات جسدها التى ارتخت لقلة الأكسجين، و قد احتقنت الدماء في وجهها، و تلطقت أنفاسها بصعوبة بالغة، ف ركض إليها حاملًا إياها بين ذراعيه ليخرجها من تلك الغرفة اللعينة الملوثة ببقايا احتراق التبغ.
كان يخطو بتوسع حتى وصل لباب القصر، حيث كان ينوي أخذها إلى الطبيب، و لكن أوقفته حركة يدها التى تربت على كتفه بضعف و صوتها المنخفض حينما سمعها تقول:
– عايزة البخاخة.
قال باسل بنبرة من القلق:
– هوديكي للدكتور.
حركت رأسها برفض و نطقت بكلمات متقطعة:
– عايزة البخاخة…. و هكون …….. كويسة.
اجلسها باسل على أولى درجات السلم، جاعلًا من درابزين السلم مسندًا لظهرها، و دلف مجددًا إلى القصر قاصدًا غرفتها لإحضار ما طلبته، غاب لعدة دقائق قبل أن يعود إليها و معه ذلك الجهاز الصغير الذي يساعدها في ضبط التنفس.
بقي باسل جالسًا بجانبها في الهواء الطلق، و ها هي بدأت تأخذ أنفاسها بصورة طبيعية بعدما تناولت الدواء، فسألها باسل بترقب:
– متأكدة مش عايزة تروحى لدكتور؟
ابتسمت له و قالت:
– لاء مفيش لزوم، الحمدلله بقيت كويسة.
سألها مجددًا:
– متأكدة؟؟
اماءت برأسها و قالت بامتنان:
– ايوه متأكدة، شكرًا ليك من غيرك كان زماني بودع.
قال باسل سريعًا:
– بعد الشر عليكي يا فداء.
اتسعت ابتسامتها و لم تعقب، بينما أكمل باسل سائلًا:
– ايه اللى خلي حسام يحبسك كدا؟
بدأت تقص عليه ما صدر من ابن عمه، و الحوار الذي دار بينها و بينه في حضور ممدوح و ميار، و كان باسل يستمع لكلماتها بغضب مكتوم، و ذلك متابعا بحدقتي حسام الذي بدأ في مراقبتهما منذ اللحظة التى شاهد فيها باسل يحمل فداء و هي في تلك الحالة.
********
بمرور ساعتين على إنطلاق فارس متجهًا إلى الإسكندرية، تناهى إلي سمعه صوت و كأن هناك من يتثاءب، في المرة الأولى لم يهتم بالأمر و لكن عندما تكرر الصوت مرة أخرى، قام فارس بإيقاف سيارته على جانب الطريق ليتفحص المقعد الخلفي، و لكنه ما كاد يلتفت برقبته حتى تفاجئ بتلك التي نهضت بغتة لتصدمه بتواجدها.
قال فارس مستغربًا:
– أنتي بتعملي ايه هنا يا دينا؟؟
صمتت لثواني معدودة قبل أن تضرب على جبهتها و تقول:
– أنا آسفة و الله يا مستر، بس لما الجو بدأ يمطر مكنش قدامي غير اني اركب عربيتك، و مش عارفة نمت ازاي، أنا آسفة و الله، هنزل حالًا.
أوشكت على فتح الباب و لكنه أوقفها قائلاً:
– استني هنا هتنزلي تروحي فين؟ احنا مش في القاهرة يا دينا.
ضيقت ما بين حاجبيها و هي تسأل:
– مش في القاهرة ازاي؟ امال احنا فين؟
أجابها بجدية قائلاً:
– إحنا كمان نص ساعة نبقى في إسكندرية.
شهقت بصدمة و قالت:
– اسكندرية! ازاي؟ و امتى؟
قال فارس:
– بقالي ساعتين سايق، و مأخدتش بالي إنك نايمة ورا، الكراسي عالية زي ما انتي شايفة و انتي مكنتيش باينة.
اعتذرت إليه مجددًا و قالت:
– أنا آسفة و الله يا مستر.
تنهد فارس قائلاً:
– و لا يهمك يا دينا، حصل خير.
سألته مجددًا:
– طب و هو حضرتك رايح تعمل ايه في إسكندرية يا مستر؟
رد عليها بنبرة هادئة:
– عندي شغل في المصانع بتاعتنا اللى في إسكندرية، بس مش مشكلة هنرجع القاهرة بقى و بكره أرجع اسكندرية تاني.
قالت دينا سريعًا:
– لا، لاء يا مستر حضرتك كمل طريقك لإسكندرية و أنا هنزل و أركب أنا و أرجع القاهرة.
فارس باعتراض:
– لاء طبعًا مينفعش اسيبك لوحدك.
قالت دينا باقتراح:
– طب ايه رأي حضرتك لو تسيبني معاك؟ و أنا أصلا كنت عايزة اتكلم معاك في موضوع.
قال فارس بعدم اقتناع:
– لاء طبعًا، اهلك هيقلقوا عليكي، و لو اخدتك معايا دا ممكن يسبب لك مشاكل، و لو ع الموضوع نبقى نتكلم فيه الحصة الجاية في السنتر.
تلوى ثغرها ببسمة ساخرة و قالت:
– و لا حد هيلاحظ غيابي أصلًا و لا حد هيعبرني، متشغلش بالك بأهلي.
انتبه فارس إلى نبرتها الحزينة الساخرة، و لكنه لم يعقب و قال بإصرار:
– لاء بردو، لازم ترجعي البيت النهاردة.
كانت ستحاول إقناعه، و لكن ماتت الكلمات على شفتيها عندما صدح الهاتف معلنًا عن اتصال من باسل، الذي تحدث إلى فارس و طلب منه الإسراع في إنهاء العمل الذي كُلف به، و ليعود غدًا إلى القاهرة من أجل مرافقة باسل في تلك المناقصة.
نظرت دينا إلى فارس بترقب و سألت:
– ها هتاخدني معاك؟؟
سحب نفسًا عميقًا و أجابها مستسلمًا:
– مفيش حل غير كدا…. هاخدك.
ابتسمت بسعادة، و في طرفة عين كانت تحتل الكرسي المجاور له، و قالت بحماس:
– كدا بقى نعرف نتكلم.
أعاد فارس تشغيل السيارة، و شرع في الوصول إلى وجهته، بينما تحدثت دينا و قالت بنبرة جادة:
– بص يا مستر، من غير لف و لا دوران أنا عايزاك تساعدني…… ممكن؟
سألها باهتمام دون أن ينظر لها:
– طبعًا لو فى مقدرتي هساعدك.
ابتسمت و استرسلت بتوضيح:
– طيب أنا حابة اتحجب و حابة حضرتك تساعدني يعني تقولي اعمل ايه و ايه لاء، و حابة كمان إنك تساعدني أعرف أكتر عن ديني.
ابتسم فارس بسعادة و قال:
– طب حلو ده، أنتي بتصلي؟
أجابته دينا سريعًا:
– ايوه الحمدلله، مش معنى إني بلبس مكشوف يبقى مش بصلى!
قال فارس بجدية:
– أنا عارف إن اللبس ملهوش علاقة بالصلاة و إن ممكن يكون في محجبات و مش بيصلوا، أنا بس بسألك….. المهم دلوقت متغيريش اسلوب لبسك مرة واحدة عشان متحسيش بملل و ترجعي في رأيك.
سألته دينا باستغراب:
– ازاي؟
– يعني مثلاً أول حاجة تلبسي في الأول بناطيل واسعة على بلوزات طويلة و عليهم الطرحة، و بعد كام يوم البسي چيبات، و بعدين تلبسي دريسات و لبس فضفاض و عليهم بقى خمار لو حابة……و طبعًا بلاش مكياچ و انتي خارجة من البيت.
– لاء أنا هلغى خطوة البناطيل دي و هلبس جيبات علطول.
– خلاص مفيش مشكلة، براحتك.
*******
بقي حسام حبيسًا في غرفته إلى المساء، فكان يفكر في سلوكه و أفعاله التي كادت تضع نهاية لحياة ابنة عمه، و التي لم ترتكب ذنبًا و إنما كان خطأها الوحيد، أنها رفضت ما يفعله من مخالفة للأخلاق و فساد و تدمير لصحته.
أصدرت معدته صوتًا فى احتجاج لرفضه الطعام، فنهض كي يحضر شيء يتناوله، و لكنه زفر بضيق عندما وجد الساعة في هاتفه قد تجاوزت الثانية عشر في منتصف الليل، و غمغم قائلًا:
– أروى لو شافتني رايح للمطبخ دلوقت هتعملي حوار!
ما لبث أن يتراجع عن قراره حتى احتجت معدته مرة آخرى، فنهض ضاربًا بقواعدها عرض الحائط، و اتجه سريعًا إلى المطبخ، فلم يجد أمامه سوى ذلك القدر الذي أحضرته «ميار» في صباح اليوم من أجل «باسل»، فقد نسيت ولاء وضعه على مائدة الطعام.
و بينما هو يتناول لفائف ورق العنب باستمتاع و بنهم شديد، انتبه إلى صوتٍ يصدر إثر خطوات بطيئة و ضعيفة، فالتقط منديلًا ورقيًا و أسرع متفقدًا الوسط، فوقعت عيناه على أروى التي تتسلل لخارج القصر، ف لحق بها دون أن تشعر بوجوده.
فكان رمزى منتظرًا إياها، بعد إلحاح شديد منها على مجيئه الآن، اختبأ حسام خلف تلك الشجرة منصتًا إلى حديثهما، حيث بادر رمزي قائلًا بجدية:
– في ايه يا حبيبتي؟ الموضوع اللي عندك ده مكنش ينفع يستنى لبكره؟
حركت رأسها برفض و قالت بضيق:
– لاء ميستناش، أنا مش عارفة انام؟
أردف رمزي سريعًا بقلق:
– ليه مالك؟ انتي تعبانة و لا ايه؟ تحبي تروحي المستشفى؟
قالت بنفي:
– لاء مش تعبانة، بس أنا مش مبسوطة باللي أنت عايز تعمله، أنا مش عايزة شركات المعز تخسر المناقصة، مش عايزة نبيعهم و نخذلهم بالشكل ده.
– يا حبيبتي لازم نعمل كدا، دا لمصلحتنا و هيساعدنا كتير في اللي احنا عايزين نعمله.
أروى بعدم اقتناع:
– بس إحنا ممكن نحل الموضوع دا بشكل تاني، إنما احنا كدا بنضيع تعبهم و شغلهم ع الأرض، أنت مش عارف باسل مهتم بالمناقصة دي ازاي! دا هو اللي شغال عليها لوحده و محافظ ع الموضوع سري، نقوم احنا نبوظ شغله!
رمزي بجدية:
– لو انتي عايزة تنفذي اللي أنتي هنا عشانه، يبقى لازم نعمل كدا مفيش حل تاني….. و ياريت تحطي مشاعرك دلوقت على جنب.
غادر رمزي إلى بيته، و دلفت أروى إلى القصر و من خلفها حسام الذي توجه إلى باسل و أخبره بما حدث و برغبة رمزى في سلب المناقصة من شركة المعز، فشدد باسل على ابن عمه و طلب منه إبقاء الأمر سرًا بينهما إلى أن يعثر على الوصية الحقيقية و تصبح بيدهم، و في ذلك الوقت سينتقم من أروى و يلقنها درسًا على محاولة سرقتهم و تدمير حياتهم.
في اليوم التالي، كانت أروى تحتسي القهوة برفقة صديقتها قبل أن يحين وقت المحاضرة التالية، فأشارت سلوى بيدها و قالت:
– مش دا نفس الشاب اللي اخدك بعد الكلية المرة اللي فاتت؟؟
التفتت أروى ناظرة إلى حيث تشير صديقتها، ثم أجابت بتفاجؤ:
– ايوه….. بس بيعمل ايه هنا؟
حركت سلوى كتفيها و قالت باسمة:
– انتي بتسأليني؟ هو أنا اللي اعرفه و لا انتي!
أجابتها أروى باستغراب:
– بس أنا معرفش؟
قالت سلوى بتخمين:
– شكله بيدور على حد….. ممكن يكون بيدور عليكي.
– طب ثواني، هشوفه و اجي.
خطت أروى سريعًا إلى باسل الذي يتلفت حوله بحثًا عنها، و ما إن رآها تقف أمامه حتى أردف بنبرة من القلق الزائف:
– ايه يا أروى، برن عليكي مش بتردي ليه؟
عقدت ما بين حاجبيها قبل أن تنظر إلي هاتفها و تقول بتذكر:
– عملت الفون صامت بالليل و نسيت ألغيه، و مأخدتش بالي من رناتك.
نطق باسل باهتمام أجاد تصنعه:
– طب بلاش تعمليه صامت تاني، عشان قلقت عليكي.
تفرست في وجهه لوهلة بعقل شارد، ثم قالت بجدية:
– طب أنت هنا ليه؟
أجابها ببسمة هادئة:
– أنا هنا يا ستي عشان أعوض عن الغلطة اللي عملتها.
– غلطة ايه؟
– عشان بسبب عنادي أنتي ضيعتي الامتحان، فجيت عشان اتكلم مع الدكتور يعطيكي فرصة و يمتحنك.
ضحكت أروى و قالت بيأس:
– لاء متحاولش مع الدكتور ده، دا صعب حد يقنعه، و أنا أصلا زهقت فيه و كل مرة بيزعق.
تشدق باسل مردف بتعال:
– و هو أنا أي حد و لا ايه؟ دا أنا باسل المُعز.
ضحكت أروي بحاجب مرفوع و قالت:
– صدقني لو مين هو مش هيهتم.
قال باسل بترقب:
– طب و لو قولتلك إنه وافق، و انتي عندك امتحان بكره؟؟
اتسعت عينيها و سألته بشك:
– بتهزر؟ الدكتور وافق؟ ازاي!!!
ابتسم قائلًا بتوضيح:
– الدكتور بتاعك كان صاحب بابا الله يرحمه، و ليا غلاوة عنده شوية عشان كدا أول ما اتكلمت معاه وافق علطول.
ابتسمت بارتياح و قالت:
– الحمدلله، أنا كنت زعلانة أوي عشان درجات الامتحان ده.
– يلا اهو معاكي فرصة، و أنا واثق إنك مش هتضيعيها.
أروى بتحفز:
– إن شاء الله هبذل جهدي عشان أقفل الامتحان….. بجد شكرًا…. مش عارفة كنت من غيرك هعمل ايه!
باسل باعتذار:
– أنا اللي آسف و الله، مكنتش أعرف إن الامتحان دا مهم كدا.
أروى بود:
– و لا يهمك، حصل خير.
ابتسم باسل و قال:
– ايوه صح، هنعمل حفلة في البيت بعد بكره إن شاء الله، لو عايزة تعزمي حد من صحابك مفيش مشكلة.
سألته باستغراب:
– حفلة ايه؟
ابتسم باسل بغموض و قال:
– احتفال بالمناقصة إن شاء الله، أنا واثق إننا اللي هناخدها بإذن الله.
شعرت أروى بالقلق و أصاب الحزن قلبها لأجل باسل، ف حاولت تغيير قسمات وجهها و قالت بجدية:
– طب مش تستنى الأول لما نشوف هناخدها و لا لاء؟
أجابها بثقة:
– أنا ضامن عرضنا كويس، متقلقيش.
حركت رأسها بقلة حيلة و قالت:
– خلاص براحتك.
أضاف باسل بمكر:
– شكلك كدا مش هتعزمي أصحابك و محروجة، خلاص أنا هعزمهم بنفسي.
لم يمنحها فرصة للرفض و سبقها إلى سلوى التى قد انضمت إليها فتاة آخرى، و قال ببسمة لطيفة:
– مساء الخير.
أجابت الفتاتان:
– مساء النور.
نظر باسل إلى أروى التى تتابع في صمت و توجس، ثم قال:
– يا ريت حضراتكم تشرفونا بعد بكره، عاملين حفلة بسيطة كدا في البيت، و ياريت تعرفوا باقي أصحابكم.
سألته الفتاة التى تجاور سلوى بشك:
– هو مش حضرتك بردو باسل المُعز؟
أماء برأسه و قال:
– ايوه أنا.
سألته الفتاة مجددًا:
– يعني الحفلة هتبقى في قصر المُعز.
باسل بلطف:
– ايوه إن شاء الله.
قالت الفتاة بحماس:
– خلاص تمام، هعزم أنا الباقي بدلًا عن حضرتك و عن أروى.
تركهم باسل و غادر عائدًا إلى عمله بعدما حقق هدفه من المجيء، بينما تحدثت تلك الفتاة إلى أروى سائلة:
– يخرب عقلك يا أروى! انتي عارفة باسل المُعز دا منين؟
نقلت أروى نظرها بين الفتاة و بين سلوى التي تنتظر الإجابة، فهي إلى الآن لم تسأل عن الرابط بينها و بين عائلة المُعز، ثم قالت أروى بتوتر و ببسمة مهزوزة:
– باسل يبقى قريبي.
قالت الفتاة بمرح:
– قريبك بس! طب ما أنا عندي قرايب ولاد كتير محدش بيجيلي الكلية و مليش كلام معاهم أصلا….. ف التفسير اللي قدامي و خصوصًا بعد عزومتنا على حفلة بكرة، احساسي بيقول إنه خطيبك.
تنهدت أروى بحزن و قالت:
– لاء مش خطيبي…بعد إذنكم همشي عشان تعبانة شوية.
*******
انتهى فارس من العمل الذي كُلف به، و عاد إلى الفندق حيث قد اختص غرفتين، واحدة لأجله و الأخري لأجل دينا التي قد تركها صباحًا بعدما تناول معها وجبة الإفطار.
و بعدما أبدل ثيابه، اتجه إلى غرفتها المجاورة لغرفته، حاملًا معه كيسًا ورقيًا، و ما إن طرق على الباب مرة واحدة حتى وجدها تطل من خلف الباب و كأنها كانت بانتظاره.
ابتسمت بارتياح و قالت:
– اخيرًا جيت يا مستر، أنا زهقت من القعاد لوحدى.
ابتسم فارس بخفة قائلًا:
– أنا يا دوب خلصت شغلي و جيت علطول، كلمتي والدتك تطمنيها؟
حركت رأسها و قالت باستخفاف:
– لاء، هي كدا كدا مش مهتمة، عندنا كل واحد في البيت قاعد في اوضته و محدش بيسأل عن حد، مخاصمين بعض يعني.
سألها فارس باهتمام:
– ليه كدا؟ طب والدك بالنسبة ليه دا عادي؟
تنهدت دينا و أجابت بحزن:
– بابا متوفى من سبع سنين، و من ساعتها و احنا وضعنا اتغير تمامًا، محدش بيكلم حد في البيت غير للضرورة، المهم بقى يا مستر، هو إحنا هنرجع القاهرة دلوقت؟
تسائلت في جملتها الأخيرة بترقب، فأردف فارس قائلًا:
– ايوه إن شاء الله.
ذمت شفتيها بحزن طفولي، فابتسم فارس قائلًا:
– مش عايزة ترجعي و لا ايه!
حركت كتفيها بيأس و قالت:
– يعني….كنت عايزة أتجول في إسكندرية بما إن دي أول زيارة ليا، و كنت بفكر انزل و حضرتك في شغلك بس كنت خايفة.
ضيق عينيه مفكرًا قبل أن يقول موافقًا:
– مفيش مشكلة، بس هنروح الأماكن القريبة مننا و اللي أنا عارفها بس.
تزين وجهها ببسمة واسعة و قالت:
– يعني حضرتك موافق؟
أماء برأسه مؤكدًا، فقالت بحماس:
– قول و الله.
ضحك بصوت رجولي، فاتسعت ابتسامتها عن السابق و طالعته بإعجاب و هو يقول مؤكدًا:
– و الله يا دينا هفسحك في إسكندرية، بس ايه رأيك تلبسي دول الأول؟
تناولت من يده ذلك الكيس الورقي و هي تسأله باستغراب:
– دا ايه؟
– بما إنك قررتي تغيري طريقة لبسك، فإيه رأيك نبدأ من هنا؟؟
قالت دينا بوجهٍ عابس:
– بس أنا حاليًا مش معايا حق اللبس ده.
فهم فارس ما تعنيه، فقال:
– أصلا انتي مش هتدفعي حقهم، عشان الطقم دا هدية مني كتشجيع ليكي.
كادت أن تعترض و لكنه سبقها قائلًا:
– مش مسموح بالرفض و إلا هنرجع القاهرة علطول من غير فسحة.
سرعان ما كانت تغلق الباب و تحركت لتبدل ثيابها، و بمرور الوقت خرجت إليه مرة أخرى و هي ترتدي ما أحضره فارس لأجلها، و لكنه فور ما رآها حتى قهقه عاليًا، فعقدت حاجبيها و هي تطالعه بتعجب فقال موضحًا:
– أنتي لافة الطرحتين كدا ليه؟
طالعته بغيظ و قالت:
– مش حضرتك اللي جايبهم! و بعدين دي اول مرة البس طرحة لو تاخد بالك يعني! و أصلا عندى إسدال بخمار بصلي فيه و دي حرفيًا أول مرة البس طرحة.
فقال فارس مشاكسًا:
– أنا جايب طرحتين علشان مكنتش عارف انهي هتليق على الطقم، مش عشان تلبسي الاتنين، و حتى لو لبستي الاتنين معنديش مشكلة، لكن مش تلفيها بالشكل دا، زي ايام ستي و ستك.
قالت دينا بحنق:
– و الله بقى دا اللي طلع معايا، مش عارفة اعملها غير كدا.
– خلاص مش مشكلة، يلا ابقى اتعلمي بعدين، المهم دلوقت يلا عشان منتأخرش.
رفضت دينا و قالت:
– و الله مش هخرج من هنا بالشكل ده، اذا كان حضرتك اتنمرت على شكل الطرحة، الناس اللي برا يقولوا عليا ايه!
بعد دقائق معدودة، كان فارس واقفًا بجوارها أمام المرآة مع احتفاظه بمسافة مناسبة بينه و بين دينا، و بعد تركه لباب الغرفة مفتوح، حيث أخذ منها إحدي أغطية الرأس و بدأ يريها كيفية ارتداء الحجاب كما كانت تفعل «فداء»، فكانت ضحكاتهما تملأ الغرفة.
و ما إن انتهت من ارتداء الحجاب، حتى انطلقا سويًا ليتجولان في الإسكندرية في وسط من السعادة و البهجة..
و أخيرًا جاء ذلك اليوم الذي انتظره الجميع، ف اليوم سيقام الإجتماع من أجل المناقصة، فكانت أروى بصحبة رمزى في مكتبه و كلاهما بانتظار عودة الأحفاد.
فكانت أروى تجوب الوسط ذهابًا و إيابًا في قلقٍ قد سيطر عليها، فهتف رمزي قائلًا:
– ما تهدي و تقعدي يا أروى، خايلتيني.
توقفت أروى و طالعته باقتضاب قائلة:
– اقعد ازاي؟ اهدى إزاي؟ اهدى ازاي يا خالي و الأحفاد اللى المفروض إننا هنا عشانهم، بنعمل العكس و بندمرهم و بنضيع شغلهم علي الأرض.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية