رواية مشاعر موقدة الفصل السابع 7 - بقلم فاطيما يوسف
ازاي تشك فيا بالطريقة البشعة دي ؟!
سيب شعري حرام عليك يا مفتري آااه .
لم يتحمل تعنيــ.ــفها له ولا وصفه بقلة الاحترام ليثور عليها كالثور الهائج وهو ينال من جســ.ــدها بيديه تارة وبقدميه تارة ضــ.ـرباً مبرحاً وهي بين يديه كالعصفور مكســ.ــور الجناح لن يستطيع الهروب من قناصه ولن تستطيع الدفاع عن حالها حتى ارتمت أرضاً والدــ.ــماء تنهمر بين فخذيها بغزارة حتى غابت عن الوعي وهو ما زال يكمل عليها وكأن عقله غاب أو أصابه الجنون ليفعل بها هكذا وهو يظن بذلك أنه يقوم بتأديبها :
ــ ده أنا مش هخلي فيكي حتة سليمة علشان انتِ لازم تتعلمي الأدب من أولها كدة وبعدين بقي أنا رجعت من السفر وقعدت لك علشان أشوف البرنسيسة ماشية ازاي ؟
وظل يسدد لها اللكمات حتى وقعت أرضاً مغشياًّ عليها والدماء تنهمر من بين فخذيها بغزارة وشفتيها انقلبت لونهما الوردي إلى الأزرق الغامق وعينيها المتورمتان من أثر لكماته ذهبت في غياهب الوجع الأليم وتنهمر دمعاتها الغالية من بينهم وكأنها علمت ما أصيب صاحبتها من عـ.ـذابٍ أليم ،
لكزها بقدمه في بطنها وهي ملقاه أرضاً غائبة عن الوعي وهو لم يقتنع بذلك ونعتها باصطناع اللاوعي هادراً بها بحدة :
ــ فوقي يا برنسيسة زمانك بطلي تمثيل بقي وشغل البنات اللي أنا عارفه كويس .
لم تستجيب للكماته كما ظن هو فهبط بنصف جسده لمستواها وأدار جسدها حتى جعلها مستوية على ظهرها وانصدم من رؤية وجهها المتورم والدـ.ـماء تسيل من جانب وجهها وعينيها المنتفختين من أثر قبضة يديه الغليظتين عليها وجالت عينيه لما بين قدميها وإذا به يفتح فمه على وسعه حينما رأى الدـ.ـماء الغزيرة تنهمر من بينهما ،
حاول إفاقتها بشتى الطرق لكنه لم يستطيع فجلس بجانبها يناديها بندم :
ــ نور ، فوقي يا نور ، حقك عليا والله كنت غضبان زيادة عن اللزوم ، أنا آسف مكنتش أعرف انك ضعيفة كدة .
أما بأسفل البناية الماكثين بها حيث وصل “يحيى” ووالدتها وهبطا من السيارة وحمل الأشياء ثم وقف قائلاً لخالته:
ــ أنا هطلعك وهنزل علطول مش هينفع أطلع معاكي يا خالتو علشان جوزها ميبرطمش كعادته وانا مش بستحمل وهفضل مستنيكي تحت في العربية عندي حصة هخلصها على اللابتوب على ما تنزلي .
تضايقت خالته لحساسيته الزائدة عن الحد لتطلب منه :
ــ مش هيجرى حاجة يابني دي أختك ومش جاي لوحدك جاي معايا وجوزها فوق وهو عارف انكم متربيين سوا ، تعالى اطلع معايا متبقاش حنبلي كدة .
حرك رأسه رافضاً :
ــ معلش يا خالتو كدة أحسن مش عايز أعمل لها مشاكل مع جوزها ولا عايزه يتخانق معاها بسببي زي اول الجواز دب معاها خناقة علشان جيت باركت لهم لما رجعت من الجيش بلاش طلوعي .
استجابت لرفضه وتفهمت أسبابه ثم صعدا كلتاهما حتى وصلا إلى الطابق المنشود وانصدما من رؤية ابنته بين يداي زوجها والدماء تملئ يديه ووجهها مغطى بحجاب فوقعت الحقائب التي بيدها وهي تقترب منهم وقد وقع قلبها بين قدميها من أثر صدمتها ،
و “يحيى ” هو الآخر انصدم من ذاك المشهد وبرقت عيناه على نوره الغالية ، طفلته المدللة ، صديقة الطفولة والشباب ، قريرة القلب والعين وأصبحت الآن قريرة الروح ،
هتفت والدتها بذعر وهي تكشف الحجاب عن وجه ابنتها لتشهق برعب على منظرها الدامي ووجهها المتورم :
ــ يا حبيبتي يا بنتي ، يانور عيني يا بنتي ،
ثم أمسكت بتلابيب ذاك النـادر وهي تهدر به بعيناي تنطقان شرار لو أطاله لهيبهم لاحـ.ـترق في التو والحال :
ــ عملت في بنتي ايه ، بنتي مالها ، انت موتها دي قاطعة النفس وبتجيب دـ.ـم من كل حتة ؟
أما “يحيى ” أقدم بخطواته راكضاً وهو يتفحص النظر على كل إنش بها وهو يفتح فاهه بذهول مما جرى لها ومن هيئتها المتورمة وعلى حين غرة لكمه في عينيه عدة لكمات قوية لم يستطيع الآخر سدادها نظرا لأنه يحمل زوجته الغائبة عن الوعي :
ــ اه يا مجرم يا بلطجي عملت فيها ايه ؟
ده أنا هدخلك قبرك النهاردة بإيدي ، يا وس….خ يا زبـ….الة .
لم يتحمل الآخر لكمات ذاك الدخيل عليهم من وجهة نظره فألقى المغماه أرضاً من بين ذراعيه فاحتضنتها والدتها ببكاء تنشق له القلوب وهي تنعيها على ما حدث لها :
ــ أه يا بنت عمري يا ريتني ما كنت رجعتك ليه ، يارتني سيبتك جمبي ولا همني كلام الناس لما شتمك وبهدلك ،
أما ذاك الــ”نادر ” و “يحيى” اشعلت بينهم المبارزة والموقف أصبح لا يحتمل و”يحيى”
يلكمه بكل غل وما أوتى من قوة :
ــ وحياة امك لا هخليك تقضي بقية عمرك في السجن يا واطي يا للي محدش رباك .
بارزه الآخر بمهارة وهو يردد له الكلمة بكلمتها:
ــ انت مالك ايه اللي يدخلك بين واحد ومراته يا صايع ، اطلع برة بيتي وأنا حر في مراتي أعمل فيها اللي على كيفي يابن الج…..م انت ، أنا عايز رجلك تخطي هنا تاني .
أما والدة “نور الهدى” لاحظت شحوب وجه ابنتها والدماء ما زالت تسيل حتى توسلت الى “يحيى” وهي تترجاه وتشده من كتفه:
ــ سيبه يا “يحيى” الحقير ده دوره بعدين بسرعه الحق نور بتنزف جامد وحالتها ما يعلم بها الا ربنا ابعد عنه المجنون المتخلف ده يلا بسرعه عشان نوديها على المستشفى ونكلم باباها يجي لنا على هناك .
لكمه “يحيى” لكمة أخيرة بكل غل تجمع بقلبه ليسقط أرضاً ثم انحنى ناحية “نور” وكاد أن يحملها حتى قام زوجها من مكانه وهو يسدد له نفس اللكمة ناهراً إياه وهو يحاول جذبها من بين يديه :
ــ شيل ايدك الوســ.ــخة دي عنها ما تلمسش مراتي يا اما هقطع لك ايدك دي خالص ، شيل ايدك ياض.
قامت تلك المرة والدة “نور” وهي تضـ.ـربه في صدره ضـ.ـربات متتالية عنيـ.ـفة وهي تنهاه بكل قوتها أن يبتعد عن صغيرتها وكادت ان تغـ.ـرز أسنانها بيديه المتمسكة بابنتها :
ــ انت اللي تشيل ايدك بعيد عنها يا مجـ.ـرم يا حقير انا هوديك في ستين داهية ،
انا هدخلك السجن على اللي انت عملته في بنتي ولولا ان انا جاية لها بالصدفة كان زماني خدتها قتـ.ـيلة ،
عملت فيها كده ليه يا ضلالي ؟!
انا هوديك في داهية ،
انزل يا “يحيى” بسرعة ، انزل بسرعة .
حملها يحيى وهو غير عابئ بكلمات ذاك الأحمق الذي فعل بها تلك الفعلة الشنعاء وهبط الأدراج سريعاً وخرج بها من المكان وتبعته والدتها وزوجها الأحمق الذي لا يهمه الآن تلك الغائبة والتي بين الحياة والمـ.ـوت سوى “يحيى” الذي اعتـ.ـدى عليه ،
وضعها “يحيى” في سيارته على وجه السرعة واستقلت والدتها السيارة بقلب يرجف هلعاً و رعباً وتحرك طيلة الطريق بسرعة كبيرة وكأنه يسابق الزمان والمكان ثم تلاهم ذاك الأهوج وقد هاتف والدته كي تأتي بأبيه إلى المشفى الذين وصلوا إليها للتو دون أن يحكي لهم أي تفاصيل،
حملها “يحيى” من داخل السيارة وهو ينظر إليها بقلبٍ نادمٍ وهو يهرول في طرقات المشفى وعينيه تنطق لها بحسرة على ما آلت إليه بسبب أنه عاند القدر وعاند عشقها وتوسلات عينيها كل مرة تراه فيها ويفهم من توسلات عينيها أن يرأف بقلبها المسكين :
ــ آااه صغيرتي على ما جرى لكِ آااه وألف آااه ، كنتِ النور المضئ في حياتنا جميعاً ، بسمة تنير دروبنا وأصبحتِ الآن مثالاً للحزن الشنيع نوري !
منك لله قلبي ، منك لله عقلي على تركك لملاكك ، نصفك الثاني منذ صغرك ينهار بين أيادي ذاك الوغد وأصبحتِ الآن جسد بلا روح نوري الهادئة البريئة ،
اقبل إليهم الأطباء والممرضات واستلموها منه على التخت المتحرك على وجه السرعة ،
ووالدتها تشهق شهقات مرتفعة وتتوسل إلى الأطباء:
ــ الحقوا بنتي بتـ.ـموت ابوس ايديكم الحقها يا دكتور مليش غيرها ، آه يا بنتي يا حبيبتي.
أخذها الأطباء على وجه السرعة كي ينقذوا حالتها اما والدتها ظلت تبكي بشدة حتى شعرت بالإرهاق من شدة التعب وحالتها يرثى لها وكل من “يحيى” و “نادر” نظرات تتبادل بينهم كالحـ.ـريق المشـ.ـتعل بلهيب مـ.ـولع بينهم ،
بعد مرور ساعتين قد أتى والد “نور” و أهل “نادر” والجميع يلتزم الصمت بقلوب موقدة منتظرين خروج الطبيب كي يطمئنهم ،
حتى خرج أخيراً وعلي وجهه علامات التهجم الشديد ، هرولوا إليه جميعاً وهم يتسائلون في فم واحد عن حالتها حتى أجابهم بتفصيل:
ــ للأسف المدام اتعرضت لاعتـ.ـداء بالضـ.ـرب شديد أفقدها الجنين اللي في بطنها ومش قادرين نسيطر على النزيف بقى لنا ساعتين بالظبط بنحاول نسيطر والنزيف بيزيد ولو استمر على كده كمان ساعتين كمان مضطر أبلغكم إن الرحم لازم يتشال للأسف لانها اتعرضت لضـ.ـرب شديد في بطنها وفي كل جسمها لأن العمود الفقري بتاعها كمان شكله متأثر وتقريباً في شرخ في رجليها وحالتها متدمرة ،
انا مضطر أبلغ عن الحالة اللي حصلت لأن دي حالة شروع في قـ.ـتل ولازم النيابة تيجي تحقق فيها .
تسهمت نظرات الجميع وأذناهم لم تكاد تصدق ما استمعوا إليه من ما حدث لتلك المسكينة وكأن الطير أكـ.ـل رؤوسهم لينطق والدها بصعوبة بالغة وهو لم يكاد يصدق أن ابنته البريئة الخجولة الرقيقة والذي لم يمد يده عليها يوماً من الأيام مرة قد حدث لها ذلك ومن مَنْ ؟!
ولم يكن غير ذلك الحقير الذي وضع يده في يده وآمنه على ابنته ولولا ستر الله في قدوم والدتها في ذاك التوقيت لكانت الآن بين عداد الموتى :
ــ انت بتتكلم جد يا دكتور بنتي انا نور الهدى اتعرضت للاعـ.ـتداء واحتمال تشيل الرحم ولا حالة تانية ؟!
لقد أصيب عقل ذاك الرجل بالجنون حقاًّ وحدسه لم يكاد يصدق ما حدث لابنته وذاك الطبيب أكد بأسف :
ــ للأسف يافندم بنحاول نوصل لها نقل دم علشان نقدر نسيطر على النزيف ومنلجاش أنها تشيل الرحم ،
ثم نظر إليهم جميعاً متسائل عن الذي أجرم في حقها تلك الجريمة الشنعاء:
ــ ممكن اعرف فين جوزها هنا ؟!
نظر ذاك المتهجم ذو المشاعر الجامدة والقلب المتحجر أرضاً حتى أجاب والده بدلاً عنه وهو ينظر إليهم بخزي من فعلة ابنه التي لا تغتفر وهو يشير إليه :
ــ ده جوزها يا دكتور ابني .
هتف إليه الطبيب دون خجل فهو يكره بشدة ذلك العـ.ـنف الأسري ودوماً في ندواته يحذر منه :
ــ للأسف يعني يا حاج معلش في الكلمة انت معرفتش تربي إنسان علشان يعمل كدة فى مراته وكمان لسه عروسة وحامل في اقل من شهر .
تكظم ذاك النادر غيظاً من وصف الطبيب له بهذا الوصف الشنيع ليصيح به دون خشية مما فعله :
ــ وانت مالك انت متربي ولا مش متربي انت ليك ان انت تشخص الحاله وتعالجها وما تتدخلش بيني وما بين مراتي كل البيوت بيحصل فيها مشاكل وياما بيحصل بين الراجل وامراته وما اسمحلكش ان انت تغلط فيا عشان ما اغلطش فيك انا كمان احترم مهنتك .
اهتز فك الطبيب ساخراً من كلمات ذاك الأحمق لينطق بتوعد :
ــ تمام يا محترم وعلشان أنا بحترم مهنتي ان شاء الله النيابة لازم تيجي تحقق في الموضوع وهبلغ عن اللي حصل وهعمل تقرير طبي للحالة واظن ده في حدود مهنتي بدون أي غلط عن اذنكم .
قذفه أبيه بعصاه التي يتحرك بها دوماً على ظهره بحدة بالغة وهو ينهره :
ــ اخرس يا كلب مش عايز أسمع صوتك ده خالص تقف شكلك شكل الحيطة بالظبط .
ثم نادى على الطبيب متوسلاً إياه :
ــ معلش يا دكتور بلاش تبلغ دلوقتي احنا هنحلها ودي ما بينا مش عايزين المحاكم والنيابه تدخل من اولها واللي هم عايزينوا ويرضيهم احنا هنعمله .
هنا هتف أبيها بتصميم وهو يأمر الطبيب بحزم :
ــ معلش يا حاج الود ده كان زمان لما شتم بنتي وانا كنت زي العبيط وقتها خفت من كلام الناس وقلت ارجعها لكن ابنك بإذن الله هدخله السجن وهعلمه الأدب وهخليه يتربى على اللي عمله في بنتي ألف مرة وهي مرمية بين الحياة والموت جوة ، واعمل حسابك مهما تحاول ان انت تحلها ود مش هيحصل،
ثم نظر إلى الطبيب آمرا إياه بحزم :
ــ شوف يا دكتور إجراءاتك الرسمية علشان هي خلصت على كدة خلاص وانا مش هتنازل عن حق بنتي مهما حصل .
انقلبت الأجواء الصامتة إلى أخرى مشتـ.ـعلة بينهم و والد “نادر ” و والدته يحاولون الاعتذار بشتى الطرق حتى أبيه أجبره على الاعتذار ظناً منهم أن ذاك الاعتذار يكفي ولكن تاهت عقولكم أيها الناس إنها لجريـ.ـمة شنعاء في حق تلك المسكينة ،
ظلوا على حالتهم تلك بلا جدوى ولا فائدة فوالد “نور ” قد صدر قراره ولن يتراجع عنه مهما حدث ،
أما داخل غرفة العناية المركزة كان “يحيى” ممددا على التخت وهم ينقلون الدم منه فهو نفس فصيلتها وهم منذ البلوغ يعلمون ذلك لتلك الملقاة بين ايادي الله وموصلة بالأسلاك والخراطيم الطبية وهو ينظر إليها بحسرة وحزنٍ شديد وكأنه يلوم حاله ويسبب لنفسه أذاها ويود الآن أن يسحبها لأحضانه كي تشعر بأنفاسه جارها فتطمئن لوجوده وتعود للحياة من جديد ،
ظلت على وضعها هكذا حتى استطاع الأطباء أخيراً وقف النزيف والسيطرة عليه بعد كل هذا العناء الشديد مما جعل والدتها تسجد شكراً لله على أنها لم تتعرض لحادث استئصال رحمها وإلا كانت انقلبت تلك المشكلة إلى اهدار دماء لن تستكين أبداً ،
وانقسم العائلتين في المشفى الى قسمين فكان والد “نادر” يعـ.ـنفه بشدة :
ــ انت من امتى وانت بتتعامل بالبلطجة دي ؟!
ازاي تعمل في مراتك كده انت اتجننت !
اديك هتلبس محضر شروع في قـ.ـتل وهتتسجن وأبوها مش راضي ان احنا نحل الدنيا من غير حوارات ، حرام عليك عملت فينا كده ليه وفي نفسك كده ليه حرام ؟
كنت اتحكم في أعصابك وأنا منبه عليك تاخد بالك منها وتسيبك شوية من العصبية اللي فيك دي ،
ثم لكزه في كتفه بحدة وهو يسأله :
ــ عملت ايه هي لده كله علشان تعـ.ـتدي عليها بالضـ.ـرب كده ؟
كنت دخلت لقيتها في حضـ.ـن راجل غيرك ولا كانت بتخونك ؟!
ما ده السبب الوحيد والمبرر اللي يخلي اي راجل يعمل في مراته كده أي سبب تاني يبقى حيوان ومش متربي ، انطق عملت كدة ليه ؟
مرر الآخر لسانه على شفتيه وقد هرب الكلام من على لسانه ولم يعرف بما يجيب ولكن تهته بلسان ثقيل :
ــ اتخانقنا انا وهي يا بابا زي اي راجل ما بيتخانق مع مراته وهي استفزتني في الكلام وشتـ.ـمتني وخلتني خرجت عن شعوري ومديت ايدي عليها وأهو اللي حصل حصل فيها ايه يعني ما أي راجل بيضـ.ـرب مراته عادي اهلها اللي مأفورين شوية .
صوت مميت ملأ المكان ونظرات الدهشة حلَّت على ملامحه مستفسراً عما ما ردده فم ذاك الأحمق :
ــ خناقة عادية تكـ.ـسر لها رجليها وتسبب لها مشكلة في العمود الفقري وتسـ.ـقط ابنك اللي في بطنها وكانت هتـ.ـشيل الرحم لولا ستر ربنا وتقول مأفورين ؟!
أنا بجد مصدوم فيك ان انت ابني وتستاهل كل اللي يجرى فيك طالما انت بالبرود ده .
وعلى صعيد آخر وبعد مرور عدة ساعات قام الطبيب بإبلاغ الشرطة وأتت على وجه السرعة وقد فاقت “نور” أخيراً وسمح لهم الطبيب بأخذ أقوالها فكانت في حالة يرثى لها من التعب الشديد والصدمة ،
كانت لا تريد التحدث في أي شيء ولكن صمم أبيها أن تحكي للظابط كل ما حدث وبعد ان انتهت من حكواها ودوَّن الظابط أقوالها دخلت في نوبة بكاء غزيرة فقد صعبت عليها نفسها بشدة ،
ذهب المحقق إلى زوجها ولكنه أنكر ما فعله بها وأنها وقعت من أعلى السلالم وحدث لها ما حدث بكذب شديد ووالده التزم الصمت للأسف ولكن النيابة ستحقق في الموضوع بذاتها وستنتظر تقرير الطبيب الشرعي لحالتها ما إذا كان اعـ.ـتداء باليد ام سقوط من مكان مرتفع ؟!
#################
تجلس الدكتورة “شهيرة” في النادي تنتظر قدوم “زيد” فهي قد أخذت معه موعداً كي تنهي معه تلك المهزلة وهي تنظر في ساعتها فقد تأخر عشر دقائق عن الموعد المحدد بينهم ولكن لم تمر ثلاثة أخرى حتى أتى إليها وهو يردد السلام برتابة لم يعتاد عليها كثيراً في معاملاته :
ــ السلام عليكم ، ازيك يا دكتورة ،
وأكمل بذوق معتاد عليه مع جنس حواء :
ــ ولو انك صغيرة قووي واللي يشوفك ميقلش انك عندك ولاد في الكلية والثانوية خالص يعني .
ومن غير الدكتورة “شهيرة” سيفهم طريقة ذاك اللعوب باللسان وحلو الكلام لتجيب سلامه دون أن تعطى آخر كلماته أدنى إهتمام:
ــ وعليكم السلام ورحمة الله ، ازيك يا زيد ؟
حك ذقنه لتلك المرأة الداهية ، نعم فنظراتها حادة كالصقر وفهمت تلاعبه في الحديث المعسول ثم حول طريقته العابثة إلى أخرى جادة فهو علم طريقتها من أول كلمة ونظرة ومن غيره أدرى بتقلبات حواء :
ــ الحمدلله تمام ، خير حضرتك طلبتي تقابليني ؟
أجابته بعبارة صريحة دون أي تحوير باستفسار قلب لون وجهه إلي الأحمر المخجل :
ــ عايز ايه من ليلى يا زيد ؟
لم يكن يتوقع أن “ليلى” صريحة مع والدتها لتلك الدرجة وانها قصت عليها كل ما حدث بينهم وذاك ظاهر في نظرات عينيها التى تحوي معانٍ لا يحصى لها ،
تحمحم قليلاً وقد قرر الإجابة بنفس صراحتها فهي امرأة ذكية وطبيبة نفسية وهو يعلم ذلك ومن الممكن إقناعها به في تلك الجلسة وأنها ستكون في مصلحته :
ــ أممم.. بصراحة نفس صراحتك وبدون تحوير بحبها ، ومش بس كدة لاااا أنا بعشقها ونفسي تكون ليا ومن نصيبي بجد يا دكتورة وهي ممانعة بشدة واكيد حضرتك عارفة فأنا صارحتك بمشاعري واللى قلبي حاسس بيه ناحيتها بكل صدق والله العظيم.
سحبت نفساً عميقاً ثم زفرته على مهل وهي تنسج في عقلها كيف تبدأ معه الكلام :
ــ بدون حلفان عايزة أسألك سؤال وتجاوب عليا بصراحة زي ما بدأنا الكلام صريح ،
انت شايف إنك مناسب لــليلى وانك تنفع تكون جوزها؟
عقد حاجبيه لذاك الاستفسار الذي يدعي إلى الاندهاش من وجهة نظره ليجيبها بتأكيد:
ــ وايه اللي ما يخلينيش أنفع !
حضرتك شايفة إني شاب مناسب لسنها وناجح في شغلي ما بعملش مشاكل مع حد بمعنى أصح مش إنسان غير سوي علشان ما انفعش لــليلى ؟
استوعبت كلماته وأدراتها بعقلها بمهارة لتجيبه بقلب أم تخاف على وحيدتها:
ــ ده من وجهة نظرك انت انك ما فيش زيك علشان انت ناجح في شغلك لكن العلاقة ما بين اتنين هيبدأوا حياتهم مش بتتبني على النجاح في الشغل بس ، لاا في اعتبارات تانية مهمة جداً ليا كأم مع بنتي ومهمة ليها هي كمان انا ربيتها عليها بدليل انها حكيت لي على كل حاجة من غير ما تخبي عليا ،
ليلى لسة صغيرة جداً ولسة ما عاشتش سن المراهقة بتاعها ما تعرفش يعني ايه حب ولا ارتباط ولا تعرف أي حاجة عن علاقة راجل بست اما انت لفيت كتير وعرفت بنات كتير واديت لقلبك فرصة إنه يرفض دي ودي ويختار براحته اللي تناسب له وتكمل معاه أما هي قالت لك وصدتك كتير لأنها شايفة نفسها تستاهل تجربة أحسن منك ،
شايفة نفسها ما تستاهلش إنها تكون الست اللي ما تعرفش عددها في حياتك ، ما تزعلش من صراحتي معاك بس دي بنتي وبنتي يعني خط أحمر ،
وكمان بعتب عليك في الوقت اللي انت محاصرها فيه بطريقتك دي وانت خبرة وعارف ازاي تكون مداخل البنت وتقدر تسيطر عليها و يعني فاضل شهرين على الامتحانات ينفع كدة !
طب اصبر لما تخلص امتحانات وبعدين خد فرصتك في إنك تدافع عن حبك فيها ما تضيعش مستقبلها يا زيد أرجوك وتشغلها ،
ثم تنهدت واسترسلت إرشادها باستجواد :
ــ وعايزة أنبهك لحاجة لو ليلى انشغلت بيك ومستقبلها اللي هي رسماه في دماغها ما وصلتلهوش هتشيلك الذنب وعمرك ما هتقدر تاخد الفرصة معاها ولا تقدر تدافع عن حبك ليها في إنها تكون ليك ، اسمع كلامي وصدقه علشان انا مش جاية أهاجمك أنا جاية أصلح لك مفهوم جواك لأني انا مش شايفاك وحش ولا شايفاك ما تنفعش ليلى بس أنا برده شايفة ان بنتي من حقها تختار براحتها وعلى مهلها علشان لما ترتبط صح تعرف تعيش بعد كده وما تتعرضش لانتكاسات تدمـ.ـر بيتها وحياتها .
تنهد وبعيناي نادمة أومأ لها بأهدابه وتحدث بتلبية:
ــ حاضر يا دكتورة أوعدك إني مش هكلمها ولا هبعت لها تاني بس عايز منك وعد انك تقفي جنبي في إنها متشوفنيش خاين ولا واحد بتاع بنات كل شاب ليه تجارب وأكيد يعرف بنات لحد ما يقابل اللي قلبه يتعلق بيها وهي معلقة لي المشنـ.ـقة ورفضاني عقلانياً بكل قوة مع اني حسيت في عينيها اللهفة وانها نفسها تقرب بس عقلها مصمم يهاجمني بكل قوته .
شبكت يدها و ابتسمت براحة توغلت أعماقها حينما تيقنت من وعده :
ــ الحصار الزايد عن اللازم ليها ممكن يخليها تكرهك وتعند والعند في بداية أي علاقة مش لطيف خالص،
بس تخلص السنة وسيب ربنا يقرب البعيد ولو ليكم نصيب في بعض عمرنا ما هنقدر نعاند النصيب وتكون انت غيرت من طريقة حياتك اللي عاملة لها ازعاج وبعدت عن كل المحيط السيء اللي انت رسمته لنفسك في علاقاتك وانتظمت اكتر وهيئت نفسك لحياه نضيفة سواء كانت مع ليلى او غيرها .
تنهد بضيق لما سيجبر حاله عليه وتحدث برجاء أخافها :
ــ خلاص طالما انا وعدتك انا هنفذ وعدي بس لازم ليلى ترجع الدرس تاني صدقيني ما حدش هيقدر ينفعها في المادة غيري ،
والله ده ما غرور لكن رحم الله امرئ عرف قدر نفسه وعلشان خاطر انا خايف عليها ما ينفعش تسيب الدرس وهتبقى بالنسبة لي طالبة زيها زي زميلتها وهي زي ما حكيت لك على كل حاجة هتحكي لك برده انا هتعامل ازاي معاها .
نظرت في ساعتها ثم هتفت باقتناع خوفاً منها على مستقبل ابنتها ثم وافقت على اقتراحه :
ــ تمام ليلى هترجع الدرس وهثق فيك وفي وعدك ليا وأرجوك ما تغخذلنيش لأنك لو عملت عكس وعدك ليا ده هيبقى ضرر ليك جداً في علاقتك اللي انت نفسك تبنيها مع ليلى وده مش تهديد والله لكن اعتبرني بساعدك.
تفهم نصحها له ثم أكد عليها :
ــ اطمني يا دكتورة ، بس هي عملت لي حظر وطبعا أقلمت نفسها انها مش هتيجي تاني هتعرفي تقنعيها ولا ايه المفروض يحصل؟
ابتسمت ببشاشة وهي تقوم من مكانها وطمئنته :
ــ البلوكات مش هتتفك معلش ما ينفعش أنصحها نصيحة وأرجع أنصحها عكسها لكن هي هترجع الدرس وهتكمل الحصص اللي باقية ما تقلقش دي مهمتي انا .
حرك رأسه بابتسامة هادئة وقد استوعب جميع نصائحها ثم غادرت المكان وودعته بهدوء كما دلفت وهي تشعر بالرضا لتلك الجلسة ولديها يقين أنه سيفي بوعده معها ،
أما هو جلس مكانه موجوع قلبه فحبيبته ستكون أمامه ولا يحق له أن يتحدث معها أو ينظر إليها ، لا يحق له أن يطفئ نيـ.ـران اشتياقه لها ولا لحديثها ومجبر على الابتعاد ، فكم مؤلم ذاك الحب وكم مؤلمة تلك المشاعر لصاحبها ،
ترك المكان وعاد لعمله وهو مجبر على إستكمال يومه فحقاً تعب كلها الحياة وما عجب إلا في ازدياد.
################
مر على تلك الأحداث شهرين كاملين حيث التزم “زيد ” بوعده مع والدة “ليلى” بجدية تامة مما أذهلها وجعلها تفكر دوماً ما إذا كان نسيها وعقلها أصبح مشغولاً به طيلة الوقت ولكن لم تهمل مذاكرتها لحظة فلديها حلم وتسعى لتحقيقه ولن تتراجع ،
أما هو أقحم حاله في العمل و وافق على عرض كلية الصيدلة وسيبدأ مع العام الدراسي الجديد وبدأ يتغير كلياً لأجل ليلته ،
أما “نور الهدى” خرجت من المشفى وعادت إلى منزل أبيها مكسورة الخاطر بآلام يستحيل على قلبها المسكين نسيانها و والدتها تحاوطها وترعاها دوماً ولن تتركها لحظة واحدة وكذلك والدها وقضيتها أثر والدها على تكملتها مهما أتى أبي زوجها لها معتذراً ونادماً على تصرفات ابنه إلا أنه متشبس برأيه ولن يرجعها له أبداً ورفع قضية طلاق أيضاً ومصمم على الإتيان بحق ابنته ،
أما “حنين” و “هاشم” لم تتطور علاقتهم كثيراً فهو منشغل دوماً بعمله وقليل ما يهاتفها يطمئن عليها حتى حفل خطوبتهم كان ضيقاً للغاية ولم يحضر معها اي تحضيرات كعريس وعروسه ،
كانت نائمة على الفراش تشعر بتـ.ـكسير في جسدها وعظمها ينخر عليها وجعاً فقد أصيبت منذ يومين بنزلة برد شديدة أدت إلى تعليق المحلول في يديها وكما أنها ترتفع درجة حرارتها وصوتها مختـ.ـنق للغاية وكل ذلك لم يعلم “هاشم” عنه شئ فهو لم يحادثها منذ أربعة أيام وهي الأخرى اعتادت على ذلك منه والأدهى أنها مصممة على تكملة تلك الزيجة فقد عشقته وعشقت أنفاسه حتى وملامحه توغلت كالإدمان في جميع حواسها وكأن القدر أقسم على أن يكون هذا الــ”هاشم” نصيبها من الوجع والألم وعـ.ـذاب الحب وحيرته ،
كانت والدتها في الخارج تصنع لها حساءاً ساخناً يساعدها على الشفاء حتى يُستَرَد صوتها مرة أخرى ،
كانت غافية بعينيها فقط ثم استمعت إلى رنات هاتفها وإذا بها تجده معـ.ـذبها وساكن روحها ،
أجابته بوهن شديد أذهله :
ــ الــو .
لم تزيد أو تنقص على تلك الكلمة ، أما هو كان يحادثها وهو منشغل كالمعتاد ولكن أدهشه نبرة صوتها ليسألها بقلق حقيقي :
ــ مالك يا حنين ، صوتك عامل كدة ليه ؟
أجابته باختصار:
ــ تعبانة شوية.
ضم حاجبيه باندهاش :
ــ شوية ! انتِ صوتك متحاش خالص وواضح انك تعبانة خالص ، طب ليه معرفتنيش ؟
صعب عليها حالها منه لتنطق بتعب شديد:
ــ وهتفرق معاك في ايه انت علطول مشغول ومش فاضي لي ومن ساعة ما اتخطبنا مجتش زرتني اربع مرات على بعض.
تحمحم قليلاً وهو يشعر بالخجل لعتابها المحقة به :
ــ أمممم.. معلش حقك عليا ، غصب عني دايماً مشغول ومسؤوليات المحل و المشاكل مبتنتهيش ،
ثم حوَّل مكالمته إلى فيديو كي يراها فحالتها من الظاهر انها إرهاق شديد اعتدلت بنومتها قليلاً وجذبت حجاباً وضعته على رأسها ورفعت الغطاء علي جسدها ثم أجابته ووجهها منتفخ من أثر التعب ويزداد احمرار من السخونة ، حينما رآها ابتلع ريقه بخجل من حاله وهي بتلك الإعياء الشديد ليهتف بنبرة حنونة أثرتها رغم جموده وتصلبه معها :
ــ ألف سلامة عليكي يا حنين ، شكلك تعبان خالص .
وضعت يدها الموضوع بها الكانيولا على فمها تكتم حكّة حلقها فرآها ولام حاله بشدة الهذا الحد لم يعتريها باهتمامه كأي خطيب مع خطيبته وبالخصوص أنه لم يتبقى سوى شهر على زواجهم ليعرض عليها :
ــ باين انه دور مش سهل لدرجة إنك معلقة محاليل ، ايه رايك آجي أخدك ووالدتك تيجي معانا ونكشف عند دكتور كويس وتعملي تحاليل ونطمن عليكِ .
حركت رأسها برفض معللة سبب رفضها :
ــ مفيش داعي تتعب نفسك بابا كشف عليا وعملت التحاليل وكل حاجة وباخد الأدوية البرد له حدية وبيمشي ولازم يكون في تعب.
على الفور حمل مفاتيحه وأبلغها بقدومه إليها الآن :
ــ تمام بلغي مامتك ان انا جاي اطمن عليكِ دلوقتي .
نهته عن ذلك :
ــ بلاش تتعب نفسك وخليك في شغلك مش فارقة ؟
هز رأسه رافضاً:
ــ ازاي يعني مش فارقة وازاي تبقي تعبانة وما اجيش اشوفك ؟! أنا جاي حالاً ولما أوصل عندك نبقى نتكلم سلام .
أغلقت معه الهاتف وكانت والدتها قد دلفت بالمشروب الساخن وهي تسألها :
ــ عاملة ايه يا حبيبتي دلوقتي ، كنت بتكلمي مين؟
وضعت الهاتف جانباً وهي تعود إلى الاستلقاء على ظهرها مرة أخرى وتجيب والدتها بإهمال:
ــ ده هاشم يا ماما بيقول إنه جاي دلوقتي يطمن عليا .
مطت والدتها شفتيها بامتعاض ولم تستطيع كتم ما بداخلها إلى الآن لتصارح ابنتها :
ــ هو لسه فاكر !
ده انتِ مرمية تعبانة بقالك أربع أيام وهو ما سألش عنك ومن بقاله تلت أسابيع مجاش عشان يزورك ،
انا مش فاهمة هو فيه واحد خاطب واحدة يعمل اللي بيعمله ده وكمان بيكلمك كل فين وفين !
انا شايفه يا بنتي إنه مهمل معاكي على الآخر ومش بيهتم بيكي وطالما بيعمل كده وأنتم مخطوبين هيعمل كده وانتم متجوزين وشايفاكِ متقبلة كده عادي وراضية بالقليل اللي بيرميه لك من مشاعره ودي مش حنين بنتي اللي انا متعوده عليها ،
واسترسلت صراحتها مع ابنتها برأيها عن أهله :
ــ وكمان شايفة إن أمه وإخواته البنات مش مريحين في التعامل معاكي وهيتعبوكي ومش هتستريحي ،
أنا لازم اقول لك كل حاجة حاسة بيها علشان بعد كدة ما ترجعيش تقولي يا ماما ليه ما نصحتنيش ،
لو هو هيكمل بالطريقة دي يا بنتي يبقى بلاها الجوازة دي وبكرة يجي لك اللي يقدرك وأحسن منه.
تركت “حنين” كل كلمات والدتها ودق قلبها بعـ.ـنف شديد على آخر حديثها وهي لم تتحمل ترك ذاك الـ”هاشم” فقد اصاب قلبها بالعشق الشديد والقلب المصاب بالعشق كالمرض اللعين لن يفارق الجسد إلا بطلوع الروح لتبرر تمسكها به :
ــ أنا مرتاحة معاه جداً ما تقلقيش عليا هو مش بيزعلني خالص وطالما مفيش مشاكل ما بيني وما بينه يبقى حرام عليا افكر في اني اسيبه ، معلش يا ماما مش عايزين نتكلم في الموضوع ده دلوقتي عشان زمانه على وصول .
لم يعجبها رد ابنتها وتيقنت الآن أنها ستعاني الويلات بسبب تمسكها به لتقوم من مكانها وهب تفتح شباك الغرفة كي تدلف شمس العصرية إليها وأشعلت البخور في الغرفة كي يسحب رائحة الدواء وقامت بتشغيل المدفئة بجانبها ثم رتبت المكان بعناية ، أما حنين قد قامت من تختها ودلفت إلى الحمام غسلت وجهها وأبدلت الترينج الذي كانت ترتديه إلى إسدال بيتي من القماش الثقيل وعادت إلى التخت مرة أخرى تستند عليه لشعورها بالدوار الشديد ،
كان قد وصل إليهم ومعه بعض الحلوى والعصائر وبعض من الفاكهة ،
استقبلته والدة “حنين” بفتور لم يلقي له بال ثم أدخلته إلى غرفة ابنتها كي يراها ويطمئن عليها فور أن رأته أمامها كالمعتاد دق قلبها المسكين بشدة فقد شعرت بالوحشة الشديدة له وهو الآخر مثلها لعن حاله على غبائه وإهماله لها ،
تركتهم والدتها والباب مفتوح على مصراعيه وخرجت تقوم بضيافته ليقترب منها وهو يمد يده كي يسلم عليها فمدت يدها الصغيرة داخل كفه لأول مرة بينهم مما جعل جسدها يثور داخلها كمن أصيب بماس كهربي من أثر احتضان يده ليدها فقط ،
أما هو شعر بنفس شعورها وذلك لكونه رجل وتلك المشاعر طبيعية جداً ولابد أن تزور جسده هو الآخر إلا إذا كان غير سليم ولكن هو كأي رجل ،
سحبت يدها برفق من بين يديه وجلس هو على الكرسي الموضوع بجانب التخت لينطق لسانه باطمئنان عليها :
ــ يارب تكوني أحسن ، مكنتش متخيل انك هتبقي تعبانة قووي كدة ؟
ابتلعت غصتها بمرارة في حلقها وهي تجيبه بحمد مغلف بنظرات اللوم التي فهمها:
ــ الحمد لله على كل حال .
قطب جبينه وهز رأسه بعدم فهم وتسائل متعجباً من طريقتها وعدم النظر إليه:
ــ هو انا مزعلك في حاجة او صدى مني حاجة ضايقتك حاسس انك بتبصي لي بلوم وعتاب شديد قوي ؟
ضيقت عيناها ووجهت له سؤالها باستفسار وهي لم تستطيع كتم نيـ.ـرانها الملتـ.ـهبة في صدرها من تجاهله لها بتلك الدرجة :
ــ الأوحش من اني اجاوبك انك مش عارف ولا حاسس بيا ولا بوجودي يا هاشم ، وأنا هنا اللي بسألك ، انت خطبتني ليه يا هاشم ؟
أجابها بوضوح وبما يشعر به :
ــ ايه السؤال الغريب ده!
خطبتك لأني شفت فيكِ الزوجة المناسبة ليا وأظن أنا جاوبت على السؤال ده قبل كده ايه لازمته يا حنين ؟
تفاقم الوجع بداخلها وشعرت بنــ.ــار هوجاء تحــ.ٕـرق أحشائها بالكامل وهي لم تستطع صبراً إخراج ما في قلبه وبات يؤرق صدرها:
ــ لازمته إن أنا حاسة إن في مشاعر خاوية ما بيني وما بينك ، مش بتهتم بيا ، مش بتكلمني زي اي واحد خاطب بيكلم خطيبته ودايماً بيبقى ملهوف عليها وعايز يبقى معاها وما يفارقهاش ،
حاسة اني مليش وجود في حياتك غير دبلة في صباعي وخلاص حتى زياراتك ليا قليلة جدا من ساعة ما خطبتني وطول الشهرين اللي فاتوا ما شفتكش فيهم تلت أربع مرات على بعض حتى تجهيزات خطوبتنا وانك تخرج معايا وتنقي معايا فستان خطوبتنا وكل التفاصيل الخاصة بالموضوع ده سبتني فيها لوحدي اعتمد فيها على نفسي ،
أنا حاسة إن أنا فرحتي بيك مكسورة في كل حاجة ونفسيتي متدمرة وتعبت بسبب الموضوع ده تقريباً ،
انت عمرك ما قلت لي كلمة إعجاب زي اي واحد ما بيقول لخطيبته لحد دلوقتي مش بتناديني غير بحنين عمري ما سمعت كلمة بحبك أو حبيبتي أو قلبي ،
هو أنا وحشة يا هاشم علشان ما تحبش وعلشان ما تشبعنيش مشاعر حلوة زي اي واحدة وخطيبها ؟!
صوته خرج متحشرجاً وهو يحاول التبرير لكنه لا يملك شيئاً يقوله غير ما يشعر به حقاً :
ــ مين قال انك وحشة ! انتِ جميلة قووي يا حنين ، وروحك حلوة ، وملامحك تتحب ، بس أنا شايف إن الحب أفعال مش أقوال .
أغمضت عينيها بحيرة من أمره وهي كانت تتمنى سماعها الآن لتعبر عما بداخلها :
ــ طيب والاهتمام بيا وبمشاعري ده حواره ايه معاك ؟
طب لما احب إنك تشبعني كلام جميل زيي زي اي بنت وترسم لي احلام وجنة جميلة هنعيش فيها مع بعض ده فين ؟
أنا محتاجة احس منك ان انا مرغوب فيا يا هاشم مش مجرد لوحة جميلة عجبتك وواقف تتفرج عليها من بعيد لبعيد من غير ما تقرب منها ولا تتغزل في معالمها اللي بهرتك ،
وأكملت عتابها له بخجل فهي من المفترض أن لا تطلب منه هكذا ولا أن تبوح بتقصيره معها وإهماله لمشاعرها بتلك الدرجة اللامبالية بها :
ــ أنا مش المفروض اني اتكلم كدة ولا اطلب منك انك تهتم بمشاعري ولا انك تشاركني كل تفاصيل حياتي وتشاركني تفاصيل يومي ، بس انت حسستني بالنقص بجد واني في حاجة غريبة عن اي حد .
تفهم حديثها ولكن هو لم يقصد الإهمال معها ومن بدئ علاقتهم كان مقدماً عليها بأنها شئ عادي ، لم يجرب قبل ذاك أن يعرف انثى ولا أن يتحدث مع إحداهن إلا في حدود العمل رغم أنه كان يقابل الكثيرات إلا أنه كان يتعامل معهم بلباقة و ذوق وهذا ما كان عقله يظنه مع من سيرتبط بها ، حينما استشف حزنها ووعاه اقترب منها وهو يقصد النظر في عينيها ليبوح لها عن مكنون قلبه لها بكل صدق :
ــ الغرابة مش منك انتِ يا حنين علشان متظلميش نفسك ، إنما مني انا طبيعة شغلي من وانا صغير في الابتدائي تقريباً حياتي ويومي كانو دايرين في الشغل بين العمال وبعدين لما بدأنا نكبر وشغلنا يكبر بقيت بنغمس أكتر جوة دوامة الشغل ومكانش قدامي هدف غير اني انجح واوصل لحلم معين ، معرفتش بنات قبل كدة ولا اتكلمت مع بنت بطريقة راجل وست وكنت شايف ان كل حاجة وليها وقتها .
رفعت حاجبها بذهول لتسأله :
ــ انت عايز تقنعني انك متكلمتش مع ولا بنت طول عمرك ! طب ازاي ؟
طب لو انت محاولتش اكيد في نوعية بنات حاولت كنت قديس معاهم للدرجة دي يا هاشم ؟
أخذ نفساً عميقاً ثم زفره بهدوء وأجابها صريحاً:
ــ هكدب لو قلت اني خام أو اني ولي ومليش اي تجارب بس كلها حاجات عابرة متعمقتش في علاقة قبل كدة مكانش عندي وقت إني افكر في حاجة زي دي ووقت فراغي بقضيه كل يوم مع أصحابي ساعتين والباقي بقضيه نوم وراحة لجسمي من التعب .
ارتكزت بمقلتيها داخل مقلتيه وسألته:
ــ يعني انت مقلتش لأي بنت بحبك قبل كدة .
اهتزت مشاعره لأول مرة من نظراتها وهمسها وحالتها الضعيفة ونبرتها المشتاقة لحديثه المعسول ورغبتها الشديدة في أن ينظر إليها كما تريد فهذا رجل ، شاب صغير في مقتبل العمر وأمامه أنثى حورية بل وجميلة حد الفتنة فمن الطبيعي أن تتحرك مشاعره كرجل أمامها ثم بادل نظراتها بمثلها وهو ينظر إلى يديها يريد الاقتراب منها ولمسها ولكن احترم المنزل واحترم وجوده في غرفتها وأمانة والدتها له فوضع يده بجوار يدها الممدة على التخت والمحاوطة بخرطوم المحلول وهو يحرك أصبعه على اللاصقة ليدها بحنو أذهلها :
ــ هتصدقيني لو قلت لك إن عمري ما قلتها ولا هقولها غير لحلالي بس أنا شايف إنها مينفعش تخرج إلا للي تخصني وتبقي مني يا حنين .
أغمضت عينيها وهي مستمتعة للغاية بحركته تلك بل وتصريحاته ثم أغلقت أصابعها الذي يحرك يده عليها كي تشعره بأنها احست به لمجرد حركة بسيطة ، بأنها تريد منه أن يحنو عليها ثم همست برجاء عاشقة :
ــ طب هو انا مش منك يا هاشم وبقيت بخصك وبتاعتك ؟!
لاحظ قدوم والدتها فقام من مكانه وقد هاجت ضربات قلبه من همسها بتلك الرقة فاقترب سريعاً منها ليهمس بأذنيها قبل أن تدلف والدتها :
ــ بقيتي بتاعتي وملكي يا حنيني بس سحر اللحظة يبقي احسن لما يطلع من القلب متستعجليش رزقك واوعدك هتنبسطي قووي .
اعتلت دقات قلبها هي الأخرى فهي مثله لم تعرف شاباً في يوم من الأيام وكانت حريصة كل الحرص على مشاعرها أن تعطيها لحبيبها الأول وكانت من نصيب هاشم ، فور أن اقترب منها واستمعت أذنيها الى كلماته المخفاة تحت كنايته بأنها ستسعد كثيراً حين لقاهم القريب ،
كان جسـ.ـدها كالمفكك كأنه تخدر فقط من ذاك الهمس البسيط فحقاً حرمان العاطفة لديها قد وصل منتهاه وهي تستند برأسها وعينيها مغمضتان وكأنها لا تريد أن تغادر ذلك العالم المحبب إلى قلبها المراهق الذي قرأ عن أساطير المحبين كثيراً ،
قابل والدتها وهو يمد يده يحمل عنها ما تحمله بذوق وهو يشكرها على صنيع يدها :
ــ متشكر جداً يا طنط ، تسلم ايدك.
كانت تنظر إلى ملامح ابنتها السارحة في ملكوتها وظنت انها مجهدة من التعب ،
ردت على شكره لها :
ــ ولا شكر ولا حاجة يابني انت صاحب مكان مش ضيف يا حبيبي وبلاش طنط قول لي يا ماما زي اجواز بناتي التانيين أنا اعتبرتكم كلكم ولادي واخوات ابني الوحداني .
تبسم في وجهها ببشاشة وهو يضع يده على صدره يتحسسه بامتنان:
ــ تمام يا امي وانا يزيدني الشرف .
حاولت التحدث معه وجذبه في الكلام كثيراً كي يأخذ عليهم ويحب الجلوس معهم ثم قررت عزيمته :
ــ اعمل حسابك انت معزوم على العشا معانا يوم الخميس علشان يبقي عيش وملح وتدوق عمايل حنين وأكلها الجميل.
نظر إلى حنين بابتسامة ثقيلة ارتسمت على ملامحه جعلت ذاك القابع بين أضلعها يخفق بشدة فهي تعشق الرجل الثقيل بشدة ليعتذر عن تلك العزيمة بذوق :
ــ معلش يا امي خليها مرة تانية حنين تعبانة خالص وانا مش عايز أتعبها تقف قدام النـ.ـار وتتعب نفسها لما تخف بإذن الله .
هنا هتفت حنين وهي تتمسك بعزيمة والدتها مرددة برجاء عينيها قبل لسانها :
ــ لاا ما احنا النهاردة الاحد وعلى يوم الخميس هكون فقت إن شاء الله وهستناك وهتيجي ، تمام ؟
اتكئت على كلمتها الأخيرة وقبل أن يجيب تركتهم والدتها مرة أخرى وحدهم قليلاً والباب مفتوح أمامها ،
لم يريد كسـ.ـر خاطرها ليجيبها بموافقة تصحبها نفس البسمة الثقيلة وهو يغمز لها بإحدى عينيه بحركة عفوية منه أذابتها فوقعت أسيرة ابتسامة ذاك الهاشم :
ــ من عنينا يا باشا مقدرش على زعلك ابدا.
حينما استمعت إلى كلماته كأنها نسمة باردة تخترق نيران شعورها الأهوج فنزلت كالبرد والسلام على قلبها الملهوف وتوسعت بسمتها ورفرف قلبها بانتصار لحصولها على أول تغير في طريقة هاشمها معها وكأنه عانقها عناق الأحبة الأول وهي تقول بوله كأنها تطير فوق السحاب وتعانق النصر وخرجت الكلمة تلقائياً من فمها :
ــ حبيبي منحرمش منك أبداً.
فور أن نطقتها بلعت ريقها بصعوبة بالغة من خجلها ولكنها خرجت من فمها وهو استمع اليها وظلت النظرات الهائمة تتبادل بينهم حتى أنهى مشروبه وقرر المغادرة ليقوم من مكانه فارداً طوله امامه وجعلها وقعت صريعة حلمها الذي حلمت به كثيرا شاباً ذو هيئة طويلة وجسد عريض ليعتذر منها مما جعل قلبها رجف بحزن :
ــ معلش بقي مضطر امشي عندي شغل كتير على الخميس بقي إن شاء الله نتقابل .
ترجته بعينيها قبل أن ينطقها لسانها :
ــ خليك شوية انت مش بقالك كتير ملحقتش اشبع من وجودك جنبي يا هاشم .
بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره مكملاً اعتذاره وهو يمد يده يلقي سلامه عليها وهي لم تمانع :
ــ معلش غصب عني والله لو مرحتش الدنيا هتبوظ وانتِ عارفة ومجربة قبل كدة .
أنهى كلامه وهو يتكئ بسلامه على يديها الرقيقتين مما جعلها ضمت يدها هي الأخرى على يده ثم قالت بنبرة خافتة:
ــ تمام ربنا يعينك.
هبط بنصف جسده أمام عينيها وما زالت يداه متمسكة بيدها قائلاً بوله من سحر اللحظة:
ــ خلي بالك من نفسك يا حنيني ، هتوحشيني .
لم يصدق حدسها ما استمعت إليه فقد عبر عن وحشته لها مما جعلها تغمض عينيها بحالمية لم يتحملها قلبها ونسيت أنه أمامها ليحرك إصبعه على وجنتها الساخنة من اثر إعيائها مودعاً إياها:
ــ في رعاية الله يا حنيني .
ثم تركها وغادر المكان تحدث حالها بغرام
علِقت عيناي بجماله فلم أستطع النظر إلا لعينيه، لقد حدثت المعجزة وغادر القمر سماءه ليجالسني، شعور لم أعرفه من قبل، إعجاب مع رغبة في اقتحام عقله وقلبه، لهفة لفهم ما يفكر به، أسئلة تدور في رأسي؛ ترى هل انا سعيدة الحظ الذي أهداها اسمه؟ كيف يحبني؟ هل هو لم يعرف نساء كما سمعت منه؟ هل انا نفس مواصفات المرأة التي تعجبه؟و ما الذي يشده إلي وهو الذي لا يعرف إلا الجميلات! هل سيحبني يومًا؟ متى سيحدث ذلك؟
ولكن فضحتني برودة يدي التي صدمت دفء يده، فأدركت ما أراد إخفاءه، أما أنا فتنبأت بقصة حب بطلها فارس أسطوري يقف أمامي ويمسك بيدي وعند ذكر يديها إذا بها تضعها تلقائياً على فمها تشم رائحته بهما ولسانها نطق :
ــ انت كمان هتوحشني قوووي ، يخربيت تقلك ورسيانك جننتني يا شيف جننتني قووي مش قادرة أخد نفسي حتى .
وظلت تشم رائحته بيدها وهي ما زالت تضعها قرابة أنفها وتخاف أن يمسها شئ يفسد رائحته بهما لتنام في سبات عميق وهي تتوق أن يزورها في منامها ليكون فارس أحلامها الوردية.
يتبع…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مشاعر موقدة ) اسم الرواية