رواية مشاعر موقدة الفصل السادس 6 - بقلم فاطيما يوسف
جلست بأحضان والدتها الحنون وهي تبكي بلوعة وتعترف لها عن الحملة الشنيعة التي شنَّها قلبها على كل تفكيرها وسيطر على كيانها :
ــ أنا بقيت بفكر فيه وأنا باكل وأنا بلبس وأنا بذاكر وأنا واقفة قدام مرايتي في كل وقت وفي كل مكان وأنا قاعدة مع أصحابي كل دماغي ما بقتش تفكر غير فيه ،
أنا تعبانة قوي يا ماما ساعديني ان انا ما افكرش فيه ولا قلبي كل لما تيجي صورته وهيئته وهو بيتكلم قدامي في المنصة أو في أي مكان ما يبطلش دقات أنا مش عارفة أعمل ايه ؟!
ثم خرجت من أحضان والدتها وهي تمسح دموع عينيها لتكمل لوعتها :
ــ و مش بس كدة يا ماما انا حتى كمان بقيت بشوفه في أحلامي كل يوم بحلم بيه ،
هو أنا كدة أدمنته يا ماما وبقيت بحبه وهخضع لواحد خاين وكدة مستقبلي راح ومش هقدر أفكر غير فيه ومش هعرف أذاكر ولا أرجع ليلى زي ما كنت أنا أول مرة يحصل لي كدة ؟!
نظرت إليها والدتها بشفقة فعزيزة عينيها ما زالت صغيرة على الحب لا تعرف كيف تصد ؟
لا تفهم كيف تسيطر على مشاعرها أمام ذاك المتصيد المتمرس لمداخل كل أنثى ؟
لااا مدللة قلبي فأنتي ما زلتي في ريعان مراهقتك فلا تضعفي فأنتِ أقوى من أي عاصفة مراهقة ، كانت تلك الأفكار التي عصفت بقلب الدكتورة “شهيرة” وهي تحتضن ابنتها برعاية وتملك وهي تهدهدها كما الطفل في مهد العشق صبيّا لتنطق بابتسامة رسمتها بصعوبة كي لا تصعب الأمر على صغيرتها :
ــ لااا يا حبيبي مين قال إن الحب ضعف بالعكس يا لولا الحب ده عز القوة لكل ست ، يعني مثلاً عندك حب ربنا مخلينا نعيش وسط الدنيا ونتصدى الوحوش البشرية والغل اللي بقي في نفوس الناس ولولا الصلاه والذكر والعبادة اللي بيتمثلوا في قربنا وحبنا لربنا كان زماننا انتـ.ـحرنا ، حب الأب والأم والصديق الحقيقي بيخلونا لما نتعب أو حتى نفرح بنشاركهم كل حاجة ،
وتابعت تخفيف أوجاعها وهي تمسكها من يديها تحتضنهم برعاية بين كفاي يديها وما زالت على نفس ابتسامتها المريحة :
ــ أما بقي الحب اللي بيكمل نصنا التاني بيبقي اوله شغف ولهفة ووجع اشتياق وحاجة كدة مقلقة على ما عقلنا يتعود على وجود حد مهم لازم يبقي موجود وهي دي سنة الحياة وعلشان في البداية نقدر نسيطر على مشاعرنا ونعمل لها استوب يبقي لازم نتحدى الفكر ونتحدى الوقت ونتحدى الزمن ، عارفة في حكمة زمان كنت وأنا في ثانوي زيك كدة لساني ديما بيرددها وكنت بستقوي بيها على حـ.ـرب المراهقة اللي هي ايه بقي
” الحب في ثانوي يأتي من فراغ العقل من الفكر وفراغ القلب من الذكر وفراغ الوقت ”
انت بقى حاولي تشغلي فكرك بمستقبلك ومذاكرتك وحاولي تشغلي قلبك بذكر ربنا سبحانه وتعالى وحاولي كل وقتك يبقى قلم وكراسه ومذاكره يعني بمعنى اصح حصري الفكر اللي بيهاجمك كل ما تفكري فيه .
أعطت كل انتباهها لنصائح والدتها وهي تبتلع غصتها بمرارة فكم صعبة تنفيذ تلك النصائح لتسأل باهتمام:
ــ طب اعمل كدة ازاي يا ماما وأنا أصلاً ببقى قاعدة مش في بالي وفجأة أول ما دماغي تفتكره يسيطر عليا بكل قوة مش عارفة هو ازاي قدر يخليني كدة ؟!
تنفست والدتها بعمق وهي تدلي عليها آخر الحلول :
ــ يبقى مفيش حل غير الهروب يا ليلى طالما هو محاصرك وانتِ مش قادرة ما تفكريش فيه زمان جدتي كانت تقول لي مثل حلو قوي قطمه أحسن من نحته ،
لاحظت اندهاش ابنتها حينما لم تفهم معنى كلامها لتكمل بما جعلها تنصدم والقابع بين أضلعها يدق بعـ.ـنف حينما علمت مقصدها :
ــ انتِ قدامك شهرين دلوقتي تابعي على المنصة بعيد عن عينيه وهجيب لك مدرسة شاطرة في المادة وخبرة برده ما هو اللي خلقه خلق غيره وكملي معاهم الاتنين علشان تقدري تسيطري على مشاعرك ومستقبلك اللي انت راسمة له وكلية الصيدلة اللي انتِ نفسك تدخليها تقدري تحققي امنيتك فيها بمعنى أصح انتِ لازم تفري من حبه يا ليلى .
ـــ أفر من حبه ! هو أنا كدة حبيته ؟!
ازاي قلبي يضعفني كدة ويخوني ويحب خاين ؟! … تلك الجمل الاستفهامية المغلفة بالاستنكار التي نطقها لسان تلك البريئة لتصحح والدتها مفهومها:
ـــ احنا اتفقنا اننا مش هنحكم ان حب الا لما نبعد هنختبر مشاعرنا وهنختبر كل حاجة جوانا اذا كانت هتقدر ولا لا البعد هو اللي هيخلينا نشوف ده كان مراهقة ولا لا ؟
لما ندخل الجامعة ونشوف ناس تانية هنشوف اذا كان ده مراهقة ولا لا بس طبعا انتِ في فترة حرجة وهو زي ما هددك انه مش هيسيبك طالما ما اديتلهوش وعد ولا عهد يبقى انتِ مش هتقدري تقاومي قصاده يبقى مفيش حل غير الهروب لازم تقدري تسيطري على مشاعرك علشان انتِ لسة سنة أولى دقات قلب ، و سنة أولى حيرة ، و سنة أولى انجذاب لشخص ممكن و وارد جداً تنجذبي لغيره لأن عيون قلبك مشافتش غيره .
شعرت بالاختـ.ـناق لمجرد فكرة الابتعاد عنه التي لا يتقبلها عقلها لتصارح والدتها بإحساسها المهلك :
ــ مجرد ما قلتي لي يا ماما أبعد وإني مش هروح الدرس عنده تاني حسيت بالاختنـ.ـاق واني هبقي ناقصني حاجة غريبة وهكون مش مستريحة خالص .
ضمتها أكثر تلك الأم الحنونة وقربتها لصدرها وأرشدتها بما سيجعلها تهدأ:
ـ
ـ كل حاجة في أولها بتبقي صعبة وبتبان انها كبيرة واننا مش هنقدر لكن لولا بنتي قوية وهتقدر وهتعاند اللي هيحاصرها وهتقف حارس على قلبها بقبضة من حديد .
قلبت عينيها بحيرة لتسألها :
ــ طب لو حاول يكلمني أو يشغلني في التليفون أعمل ايه ؟
أجابتها بأريحية:
ــ ما احنا هنحط رقمه في البلاك ليست بحيث لما يرن عليكِ يلاقي رقمك مغلق علطول ، وهنحدد على الواتساب الأرقام اللي ممكن تكلمك و كمان هنقفل التليجرام مش محتاجينه و الماسنجر بردو هنحدد اللي ممكن يكلموكي عليه وبكدة يبقي حاولنا السيطرة من كل مكان .
أكملت “ليلى” تساؤلاتها الحائرة :
ــ طب ماهو ممكن هو كمان يحظرني وميدخلنيش المنصة وقتها ايه الحل كله إلا المنصة بتاعته يا امي ده الامتحان مش بيخرج منها ؟
أجابتها والدتها بثقة :
ــ عمره ما يقدر يحظرك مش هيجي له قلب يضيعك في مادته هو بيستخدم أسلوب ضغط معاكي علشان تلفي تلفي وترجعي له بس هو اكتر حد هيعافر معاكي علشان تتفوقي لو بيحبك بجد وبكرة تقولي ماما قالت ، يعني اعملي اللي بقول لك عليه وثقي في رأي ماما وهتشوفي إني عندي حق .
ضيقت نظرة عينيها ثم رمقت والدتها بنبرة هادئة وهي تناولها الهاتف:
ــ طب اتفضلي يا مامي حددي لي زي ما حضرتك عايزة ؟
رفضت والدتها أخذ الهاتف منها وهي تقوم من مكانها لتردد بثقة :
ــ أنا واثقة فيكي يا بابا وانك هتعملي اللي اتفقنا عليه وهسيبك بقي هقوم أجهز العشا علشان باباكي زمانه مستني .
قبلتها من وجنتها قبلة حنون تبثها فيها بالأمان وخرجت من أمامها ودلفت إلى المطبخ وهي تقف تفكر كثيراً كيف تفعل في تلك المشكلة ولابد عليها أن تلجأ إلى حل ولن يكون غير أنها لابد أن تقابل ذاك الــ”زيد” وتضع له حدوداً مع صغيرتها ولكن بالعقل دون تهور فهي لن تدخل معه طريق العند منذ البداية ،
أما “ليلى” فتحت الواتساب كي تفعل ما اتفقت عليه مع والدتها لتأتي بصورته وهي تتأملها بأصابعها وتحاول تكبيرها وتصغيرها وكأنها تودعه ، ظلت على حالتها تلك حتى نست حالها مدة من الوقت وتفاجئت برسالته لها التي جعلت قلبها يدق بعـ.ـنف داخل صدرها وهو الآخر ذهل من استلامها لرسالته في نفس الثانية التي أرسلها فيها مما جعل عقله يصول ويجول في الفكر حتى وصل إلى تلك النقطة التي جعلت قلبه يدق بسعادة كالطبول وهو يثق أنها الآن بالتأكيد كانت جالسة تفكر به وفتحت المحادثات بينهم لأنه أحست بوحشته له و ود الآن لو أنها أمامه ففكر أن يرسل لها خاطرته الآن كي يستحوذ بالكامل على ليلتها تلك ويصبح فارس أحلامها الوردية وتستيقظ على احتضانه لها فى أحلامها فكانت خاطرته :
عمِّ يا صاحبَ الورودِ انتقِ لي أبهى زهرة كي تليق بجمال حبيبتي ،
نسقها بالألوان الأحمر والجوري والوردي والزهرى فهي لــِلَيلَتِى ،
وزيِّنها بوثاق متينٍ كي يكون دليلاً قوياًّ على تمسكي بحوريَّتي،
عمِّ يا صاحبَ الورودِ اكتب عليها تلك البرقية لأجل عيون ليلى صبيَّتي ،
وعبيرهم ولو أنه لن يكون نسيمه كنسيم جميلتي ولكن اجعل عِطرهم يداعب أنفاسها كي لا تنسى زيدها المغرمِ،
#خاطرة_زيد_الناجي
#فاطيما_يوسف
#ربما_تستقيم_الأفئدة
وصلتها خاطرته في رسالة عبر الشوق في ساعة آهاتٍ من الليل وسهده والليلى وحيرتها لتضع يدها على قلبها وهي تنهره أن ينجرف وراء سحر كلماته فهي عذراء في مشاعرها والآن هي على حافة الهاوية ،
لتقرأ رسالته بعيناي تنطق حيلة وعقل يردد له بل ابتعد ويرد قلبها على خاطرته وهي ما زالت تضع يديها عليها وكأنه تهدهده من خفقانه الشديد لمجرد فقط برقية كلمات ساحرة أذابتها :
ــ الآن أقف أمام مشاعري الموقدة بين قلب يريد وعقل يمنع ، حائرة ، موجوع قلبي ، ولكني لن أتنازل ولن أستكين وكلما تمنعت عليه كلما كان الحب معه كالنهر حينما امتلئ مياهاً ازداد فيضاناً فقبل أن أتذوق من نهره الفياض وأدمنه لابد علي أن أصوم وأجبر قلبي الأهوج أن لا يفطر إلا على أنهار من عسل مصفى لم يتذوق طعمهم عاشق لتنهى سباحة عينيها على كلماته بالبلوكات من كل الأماكن مما جعله صدم وهو يمسك الهاتف وعينيه تسهمت وأصابعه تجمَّدت على رسالته وكان ردها قاسياً أوجعه و تفاقم الوجع بداخله وشعر بنــ.ــار هوجاء تحــ.ٕـرق أحشائه بالكامل وهو لم يصدق أن ذاك ردها على برقيته المهداه من أعماق مشاعره الموقدة لها وهو ينطق بلسانٍ يحـ.ـترق :
ــ ليه يا ليلى لييييييه ؟! أنا عملت ايه معاكِ خلاكِ توجعيني وتعاندي وتبعدي لييييييه حراااااام والله العظيم حراااااام قلبي يجرى له كدة ويكون نصيبه العـــذاب ده كله .
انتهت الليلة عليه وهو يدون منشوره على صفحاته الخاصة بتغريدة مؤلمة عنوانها الحزن ومعناها القسوة من أعز الأحبة ،
“هل كان قلبي قاسياً ليكون هذا الهجر قدري، أم أني مظلوم في بحر الحب وحدي”
أما هي احتضنت وسادتها وقررت أن تهرب منه وتنام وداخلها يتقوي بتلك الكلمات ،
“لو أردت بناء جدران حولك لتمنع الحزن من الوصول إليك فاعلم أن هذه الجدران ستمنع السعادة من الوصول إليك كذلك فليس الحزن إلّا صدأ يغشى النفس، والعمل بنشاط هو الذي ينقي النفس ويصقلها ويخلصها من أحزانها.
##################
دخلت والدتها إلى غرفتها وجدتها تتصفح الهاتف بإهمال ويبدو عليها أنها سارحة في ملكوت لا تفهمه لتجلس بجانبها وهي تخبرها بسعادة :
ــ بت يا حنين جيبالك خبر هيخليكي تتنططي من الفرحة.
التفتت بانتباه إلى والدتها وداخلها متيقن ما ستريد إبلاغها به وهي تشعر بوخزة في قلبها الذي أصبح متعلقاً به ولكن غير مطمئن فقد خذلها ذاك الفارس فقد مكثت تلك الليلتان الماضيتان وهي تنتظر مراسلته أو مكالمته لها وهو يحكي لها أسباب سعادته لظهورها في حياته وهذا ثاني الخذلان لعقلها المتوهم الذي رسم حكاوي المحبين في شغف اللقاء الأول ولكن خسر رهان قلبها لتسألها بفتور :
ــ خير ايه يا حبيبتي اللي هيفرحني قووي كدة ؟
ابتسم سنها وهي تخبرها بما سيجعلها تقفز من السعادة:
ــ فاكرة الشيف اللي انتِ حكيتي له عنه يوم عيد ميلاد بنت أختك وإنه قد إيه كان راجل والحوارات اللي انتِ قلتيها لي عنه الحلوة دي !
جاي النهاردة هو وأمه وأخواته البنات يطلبوا ايدك للجواز أبوكي لما قال لي مصدقتش نفسي والله طلعتِ بنت حلال وطلبتيها ونولتيها يا بت .
ارتسمت ابتسامة جانبية مصطنعة على وجهها لتقول بنبرة هادئة:
ــ تمام يا ماما إن شاء الله ربنا يجعل فيه الخير .
رفعت والدتها شفتيها الأعلى باستنكار لتهتف بدهشة على برودها :
ــ الله هو في ايه ! شيفاكي يعني باردة كدة ولا بتتنططي من الفرحة ؟!
وتابعت دهشتها وهي تذكرها بطريقتها المفتعلة قبل ذاك وهي تتحدث عنه ودعائها الذي خرج من قلبها بأن يكون من نصيبها وكأن أبواب السماء كانت مفتوحة :
ــ ده انتِ وقت ما كنتِ بتتكلمي عنه قبل كدة كان هاين عليكِ تروحي تطلبي منه يتجوزك !
انتِ تعبانة يا حنين ولا فيكي حاجة ؟!
طمئنت والدتها وقد قررت أن تنسى تجاهله معها وأن تعيش فرحتها بذاك اليوم الذي انتظرته كثيراً يوم قراءة فتحتها وهي ترسم الابتسامة :
ــ مين قال كده يا حبيبتي طبعا فرحانة بس انا كنت عارفة لانه بعت لي ياخد رأيي الأول علشان ما يجيبش والدته واخواته على الفاضي وانا قلت له يتفضل واديته كمان رقم بابا بس انا نسيت اقول لك بس ما كنتش اعرف اليوم اللي جاي فيه.
احتضنتها والدتها بسعادة شديدة فهي تنتظر ذاك اليوم بفروغ الصبر وان تفرح بها كما فرحت بأخواتها فهي صغيرتها المدللة لقلبها وهي تدعو لها الله:
ــ الف مبروك يا حبيبة قلبي ربنا يتمم لك على خير يا رب ويجعله من حدك ومن نصيبك يا حنين يا بنت بطني ،
يلا قومي بقى شوفي هتلبسي ايه لو في حاجة عايزة تنكوي اكويها وظبطي حالك كده عايزاكِ النهاردة تلمعي قدام أمه واخواته البنات عايزاهم يشوفوكي ولا بنات السيما وأحسن منهم كمان ،
معلوم ما انتِ الله اكبر عليكِ ربنا يحميكِ من العين والله خايفة عليكِ من الحسد لما امه واخواته يشوفوكي .
ضحكت تلك المرة على خوف والدتها لتصحح مفهومها الخاطئ :
ــ يا ماما الحاجات دي بطلت من زمان واكيد اخواته البنات في الجمال والشياكة حاجة كده مستوردة انتِ ما تعرفيش هما مين ولا معاهم ايه ولا يبقوا ايه ؟!
دول حاجة مستواها عالية قوي .
استنكرت كلماتها :
ــ بلا مستوى بلا مش مستوى ، هو انا مش عارفة بنتي ولا ايه !
مفيش زيها في الدنيا أبداً ولا في جمالها ولا في حلاوتها قومي يلا قومي علشان اليوم قصير .
قررت “حنين” التناسي وأن تتغاضى عن كل شئ وأن تفرح وتعيش تلك اللحظات وهو بالتأكيد سيجلس معها وحدها بعد قراءة الفاتحة اليوم وستتنعم أذناها بتلك اللحظات الأولى والبدايات التى لا تنسى أبداً وستظل محفورة في الذاكرة وقد بدأت أولى اهتمامها بنفسها وهي بشرتها الحليبية الناعمة فقامت بعمل جميع الماسكات التي تجعل وجهها يزداد نوراً وانقضت ساعات يومها في فعل كل شيء يجعلها ملكة جمال كي تظهر أمامهم كأنها حورية خارِجَة من أحد الأساطير ،
مر الوقت سريعاً في سيارة “هاشم” التي يقودها ومعه بداخلها والدته وإحدى شقيقاته وأخيه الأكبر ووالده لاحقين بهم هو وأخيه الأصغر ومعهم من الهدايا والحلوى ما يسر النفوس فتحدثت والدته له بعدم تصديق :
ــ والله ما مصدقة نفسي يا هاشم يا ابني ان انت واخدنا علشان نروح نقرا فتحتك لا وبنفسك من غير ما اتحايل عليك ولا اجيب لك واحدة من الشرق وواحدة من الغرب شكل ما يكون ربنا استجاب لدعواتي وانا قلبي بيتحسر عليك كل يوم وانت سايب نفسك كدة،
بس قول لي بقى مين دي اللي قدرت توقعك على بوزك أكيد جمالها فاق الحدود ومقدرتش انك تقاوم قدامها فدخلت لها من الباب على طول ؟
أجابها بلا مبالاة وهو منشغل في مشاهدة إحدى فيديوهات الحلوى من أحد الشيفات العالميين على الانستجرام من خلال شاشة الأيباد المثبتة أمامه في السيارة :
ــ عادي يعني يا أمي بنت زي كل البنات شفتها في المحل عندي ولقيتها كويسة ومؤدبة ونفسها هادي فقلت اتوكل على الله علشان استقر زي اخواتي واريح قلبك من ناحيتي خالص.
هنا سألته شقيقته باستنكار لإجابته المغلفة باللامبالاة والتي استشفتها بمهارة:
ــ الله يعني انت ما تعرفش اذا كانت حلوة ولا وحشة عشان ترد على سؤال ماما وانت ولا على بالك وكأنك رايح تخليص حق يا هاشم ؟
تأفف غاضباً من تدخل شقيقته بأموره الخاصة وحذرها بشدة :
ــ شوفي بقي يا ست آلاء من أولها كدة علشان نبقي على نور ملكيش دعوة بأي حاجة تخصني ولا تخص حنين اللي هتبقي مراتي في يوم من الأيام ولا هسمح لك تعملي عليها عمة زي ما بتعملي مع حريم أخواتك اللي في البيت لا انتِ ولا أختك من اولها كده يا الاء علشان ما نخسرش بعض حنين وحياتي خط احمر .
انزعجت من طريقته الحادة معها لتستنجد بوالدتها :
ــ جرى ايه يا ماما لما ابنك مش طايقني ولا عايزني آجي معاه وهو بيقرا فتحته كنت بتقولي لي ليه لازم تيجي ؟!
مش شايفاه بيتكلم معايا بالأسلوب والطريقة دي ازاي ؟!
هو أنا حرباية للدرجة دي ولا هو شايفني ايه ولا انا بعمل في نسوان ولادك اللي في البيت ايه ؟!
اقف بقى وانا هرجع ومش رايحة معاك في حتة.
استمع إلى كلماتها ليقف بسيارته مردداً ببرود أدهشها ولكن أزعج والدته منه :
ــ حلو الكلام يلا يا حبيبتي سكة السلامة روحي على بيتك وولادك الموضوع اصلاً قراية فاتحة مش مستاهل اللمة اللي احنا عاملينها دي .
شهقت باندهاش من فعلته تلك لتنطق والدتها بذهول :
ــ الله انت جرى لك ايه يا واد انت مكنتش قليل الذوق كدة !
وبعدين هي الكونتيسة من أولها قايلة لك على اخواتك بلاش يتدخلوا في أي حاجة وتعمل عليهم راجل وتستغنى عنهم قبل ما تدخل بيتنا ولا ايه بالظبط ؟!
أصل إنت أحوالك متغيرة كدة فجأة وطريقة كلامك من أولها كدة مش ولابد واعمل حسابك لو هتزعل اخواتك البنات الاتنين يبقى هتستدعي زعلي قبلهم وبلاش نبتديها من أولها كدة يا هاشم علشان انت عارف زعل امك عامل ازاي.
ابتسمت شقيقته بانتصار لأخذ والدتها صفها وهي تنظر له بتحدي فعاد يتحرك بسيارته وهو يجيبها باختصار فهو ليس له في أمور النساء التافهة تلك من وجهة نظره :
ــ هو انا لسه اتكلمت معاها اصلاً علشان تقولي قالت ولا عادت !
احنا ما حصلش بينا أي كلام الخطوبة صالونات من الآخر يا امي وانتِ عارفة اني مليش في الكلام ده وقفلوا بقى على الحوار ده علشان إحنا قربنا نوصل .
لم تعير لكلامه أدنى انتباه غير أنها نظرت إليه بحدة وهي تردد بصوت أسمعه :
ــ من أولها كدة البدايات ما تبشرش بالخير وشكلها ان شاء الله هتبقى قدم النكد علينا علشان تبقى تتفرعن علينا قوي .
لم يبالي بكلمات والدته فهو يحفظها عن ظهر قلب وتحرك بسيارته سريعا ويليه ابيه بسيارته حتى وصلوا الى البنايه وصعدوا إلى الطابق المطلوب فكان والد “حنين” ينتظره أمام الباب وكذلك أخيها وقاموا بالترحاب بهم بصدرٍ رحب ،
بعد أن تمت جلستهم ما يقرب من نصف ساعة في تعارف بين العائلتين واتفقوا على كل شيء ليقول والد “هاشم” :
ــ شوف بقى يا حاج خير البر عاجله مش عايزين نطول في الخطوبة خليها تلت شهور بس وزي ما انت ما قلت انك جاهز في اي وقت احنا كمان جاهزين وشقته وكل حاجة جاهزة يدوب فاضل ليها عفش العروسة وهب تنقي اللي على كيفها وهنجيب لها كل اللي هي عايزاه فمفيش داعي ان احنا نطول زيادة عن اللزوم خلينا نفرح وانت تستريح انك أديت رسالتك في آخر ولادك وأنا كمان أستريح .
فكر والد “حنين ” قليلاً وهو ينظر إلى والدتها فأشارت إليه بعينيها المبتسمة ان يوافق فهم أغنياء عن التعريف والسؤال ليجيب أبيها بموافقة :
ــ خلاص يا حاج خير البر عاجله قومي يا ام حنين نادي للعروسة وخليها تجيب الساقع والحاجة الحلوة وتيجي تسلم على عريسها وأهله علشان تقرى الفاتحة معانا .
كان تقف على أعتاب الغرفة الماكثين بها مثلها كمثل أي عروس في يوم خطبتها وقلبها يدق بعــ.ــنف داخلها وهي تراه جالساً أوسطهم بتلك الهيبة والوقار والأناقة الشديدة فحقاً أبهرها بطلته وخطاه الواثقة البائنة على ملامحه الجامدة وقلبها استطاع سـ.ـرقته ببراعة بدون أي كلام يخرج من شفتيه مجرد فقط رؤيتها له تأثر أنفاسها وتخـ.ـطف روحها وتريد أن تسكن بين يداي ذاك الفارس دون أدنى مجهود منه وأن يكون أنيسها ومؤنس أيام عمرها القادمة وحينما أتت اللحظة الحاسمة لدخولها أمامهم انقلبت الدقات داخل ضلوعها إلى حـ.ـرب شديدة فقد أصابها الخجل بشدة مثلها كمثل أي فتاة في هذا الموقف ،
خرجت إليها والدتها وأخذتها بين أحضانها وهي تبارك لها بسعادة عارمة :
ــ الف مليون مبروك يا حبيبة قلب ماما والله فرحانة لك قوي من كل قلبي يا حنين يا بنتي ربنا يتمم فرحتك على خير يا رب ،
ابوكِ اتفق إن الخطوبة تلت شهور وهتتجوزوا على طول طالما انتِ مرتاحة له ويلا بقى علشان تقدمي الجاتوه والعصير علشان ما ينفعش نتأخر على الناس وكمان حماتك وبنتها يشوفوكي ويتعرفوا عليكِ يا حبيبتي.
ردد فمها برعشة الخجل :
ــ بس انا مكسوفة قوي يا ماما أخرج وخايفة اتدهول و أقع بالحاجة قدامهم هيقولوا عني ايه ؟
أخذتها والدتها من يدها لتقول بنصحٍ لها وهم يجلبون الحلوى والعصائر :
ــ ما تخافيش يا حبيبتي انا هبقى وراكي وسنديكي مجرد ما تدخلي وتبتسمي في وشهم وتسلمي الكسوف هيمشي لوحده يلا بقى عشان ما نتأخرش عليهم .
عدَّلت من هندامها وهي تسأل والدتها بعدم ثقة لهيئتها :
ــ طب شكلي حلو يا ماما ومكياجي حلو وتحجبتي مظبوطة؟
كبَّرت والدتها وهي تسمي عليها :
ــ الله أكبر بسم الله ما شاء الله عليكِ يا روح قلب ماما ده انتِ تخـ.ـطفي النظر والعين من جمالك كل حاجة حلوة ومظبوطة زي ما قال الكتاب.
خرجت “حنين” وتبعتها والدتها بخطوات راسية أنيقة تدل على رتابتها ورقتها مما جعله والدة “هاشم” وشقيقته ينظرون إليها وإلى جمالها بأعين متسهمة على كل ذاك الجمال فهي فاقت زوجات أبنائها الأخريتان ببراعة بجمالها المبهر،
وقفت “حنين” أمامهم وهي تقدم لهم الحلوى والعصير بابتسامة رقيقة وهي تردد بصوت هادئ وناعم أذهلهم :
ــ اتفضلي يا طنط شرفتينا .
ابتسمت لها ابتسامة صفراء:
ــ الله يشرف مقدارك يا عروسة الغالي لااا ومش الغالي بس ده حبيبي ضي عين أمه أخر العنقود اللي واكل عقلي وواخد حتة زيادة من قلبي عن الكل وبقولها اهو قدام اخواته يعني انتِ عروسة الغالي اللي هتبقي عليها العين والنية يا قمرة انتِ .
بهت وجه والدتها وهي تستمع إلى حديث تلك الشمطاء الغير مريح وقلبها أصبح الآن يخاف على صغيرتها لترد بنفس اللهجة :
ــ محدش سمعك والله يا حاجة حنين بردو أخر العنقود وأغلى الغاليين ومتدلعة على الآخر وتؤمر تطاع طوالي وأبوها لو طال يجيب لها حتة من السما هيجيبها لها.
تحدى نظرات الحماة اشـ.ـتعل من الآن ومن الغرابة أنه اشتعل مبكراً فيا ويلك يا الهاشم والحنين على القادم ،
أخذوا جلستهم الجماعية ما بين النظرات التي تحوي معانٍ كثيرة من السعادة لدي البعض ومن الغيرة لدى البعض ومن الارتياح لدى البعض ثم تحدثت والدة “حنين” بالذي جعل داخلها يدق بعـ.ـنف فستجلس أخيراً مع هاشمها بمفردهم :
ــ ما تقومي يا حنين خدي عريسك واقعدوا قصادنا في البراندا وشوفي قهوته ايه والسبرتاية والقهوة وكل حاجة موجودة جوة ولو بيشربها فرنساوي خير ربنا كتيير يا حبيبتي.
تحمحم “هاشم” وهو يراعي خجلها أن تقوم أولاً لينتصب واقفاً وهو يشير إليها أن يتحركوا فسبقها أولاً ،
لم تعجب تلك الحركة شقيقته لتهمس في أذن والدتها وهي تمط شفتيها بامتعاض :
ــ شوفي يا ماما ابنك اللي كان عامل ولا بنت البنوت مدلوق عليها دلقة مهببة وشكلها هتركبوا وهتدلدل .
رفعت والدتها شفتيها لأعلى باستنكار لترد همسها وتابعتهم والدة “حنين” وداخلها يزداد رعباً على صغيرتها فهي امرأة حساسة للغاية وتفهم الآخرين من نظراتهم :
ــ اه يا بنتي والنبي عندك حق والبت دي شكلها أليطة وطالعة القلعة بنفسها ومش مرتاحة للقنعرة الكدابة بتاعتها دي .
هنا تحدثت والدة “حنين” وهي تتكئ على أسنانها بتلك الكلمات المقصودة :
ــ اسم الله عليهم الله أكبر ربنا يحميهم من العين لايقين على بعض قوووي أصل حنين بنتي جمال ودلال تستاهل أحسن حد في الدنيا .
حركت والدة “هاشم” رأسها بملل وهي تغـ.ـلي من تلميحات تلك المرأة القوية من وجهة نظرها لتنطق بلا مبالاة:
ــ أه ان شاء الله.
أما بداخل تلك الشرفة التي اتخذت من جدران المنزل كأذرع سخية لمضيف، أو ربما أذرع أم تحتضن طفلها الرضيع . كان المعدن مغطى بطبقة من اللون الأخضر والأزرق المحيطي، أو ربما كان أكثر من مجرد ألوان أرضية غابة مغطاة بالطحالب في ضوء مبكر خافت،كانت مرتبة للغاية وتلك الأرائك الأرابيسك المزينة بالوسائد القطنية المريحة والضوء الخافت مع نجوم الليل وتلك المبخرة التي تعبئ المكان برائحتها الذكية جعل ذاك الهاشم يتأمل بها بإعجاب وهو من الأصل لم يعجبه العجب لينطق بإعجاب بتنسيق المكان وترتيبه :
ــ المكان هنا جميل جدا ومنسق قوي تحسي فيه انك منعزل عن العالم بجد رائع فكرة مين انه يبقى بالشكل ده ؟
ابتسمت لأنه أخيراً نطق بإعجاب لشيء ما وهذا في حد ذاته تقدم كبير اخذته في الانطباع الذي بني داخلها عن شخصيته من حيث اللامبالاة في كل شيء حتى في المشاعر فأجابته بعيناي تنطق سعادة وهي تجول في شرفتهم ذاك المكان المحبب الى قلبها :
ــ ماما هي اللي مرتباها وهي اللي بتهتم بيها جدا بتحب تقعد هي وبابا فيها كل يوم وقت الشروق قبل ما يروح شغله يفطروا فيها و وقت الغروب كمان بيحب يشرب قهوته على السبرتاية دي بعيد عن الدوشة اللي بتبقى برة فعلشان كده بتهتم بيها جداً وانا كمان بحب أقعد في المكان ده قوي بحس فيه بالراحة .
حرك رأسه بابتسامة ثقيلة ارتسمت على وجهه وهو ينظر لملامحها الجميلة لأول مرة ولكن لم يفكر إبداء الإعجاب بها ونطق بشئ آخر أذهلها وهو يتسائل :
ــ انا شايف ان الحجاب بتاعك وانتِ جايباه من نص راسك ورقبتك باينة شيء مش عاجبني شوية ، انا بحب أكون صريح جداً في العلاقات وخاصة في البداية وحابب اقول لك ان الشيء ده أزعجني لما شفتك في الحديقة ولما شفتك النهاردة،
ياريت ما يكونش عندك مانع ان انتِ تغطي شعرك كامل وتلفي الحجاب كويس لأني بتضايق من الحركات دي وما احبش اشوفها على اللي مني.
ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة من رأيه بهيئتها ليهتف لسانها بذهول تلقائي :
ــ هو ده اللي انت خدت بالك منه في شكلي طب جمل الكلام شوية قبل ما تعترض في أول قعدة ما بينا وأول حوار خاص وقول لي أي كلمتين من اللي لازم البنت تسمعهم من خطيبها في أول لقا ما بينهم .
سألها بعدم اهتمام وهو لم يبالي لاعتراضها :
ــ كلام زي ايه بالظبط اللي حابة تسمعيه ؟
بهتت ملامحها من استفساره ولم يعجبها إجابته عن طلبها بذاك السؤال لتجيبه :
ــ انت مش شايف انك عملي زيادة عن اللزوم ولازم تفرق ما بين الشغل والكلام مع عمالك وما بين الكلام مع الناس القريبين منك ؟!
يعني مش فاهمة برده ازاي مش عارف الكلام اللي الخطيب بيقوله لخطيبته في اول قعدة ما بينهم دي حاجات بديهية اللسان بينطقها تلقائي كدة ؟!
دلك جبينه بملل ونطق متحمحماً والكلام يخرج من على شفتيه بثقل :
ــ عموماً مبروك يا حنين .
ردت بنفس ثقله :
ــ الله يبارك فيك ،
وأكملت بوجه متصلب كي يفهم ضيقها :
ـ قهوتك ايه سادة ولا مظبوط ؟
أجابها :
ــ مظبوطة .
بدأت في صنع القهوة وما كان منه إلا أنه أمسك الهاتف وبدأ يتصفحه وفمه صمت عن الكلام مما أزعجها بتلك الفعلة ثم أنهت صنع القهوة وناولته الكوب :
ــ اتفضل القهوة يارب تعجبك .
تناول منها الكوب وبدأ بارتشافه فماّّ وراء الآخر دون أن يشكر صنيعها وما زال يتصفح هاتفه حتى شعرت بالضيق الشديد فأخذت كوبها ووقفت أمام الشرفة وداخلها ينكوي بنـ.ـيران تجاهله ومضت أكثر من عشر دقائق من الصمت حتى تحدث هو بعد أن ألقى الهاتف على المنضدة :
ــ معلش اني انشغلت عنك في الفون شوية برد على شغل مهم المفروض هيجي بكرة من بره ولازم كنت اخلصه .
نفس الابتسامة الباهتة التي رسمتها على وجهها وعادت من جديد تجلس أمامه وقررت أن تبدأ هي في الحديث عله يكون مستكبراً في الكلام لتسأله عن رأيه في الزواج :
ــ ما قلتليش ايه رأيك في الجواز بمناسبة ان احنا داخلين على مشروع جواز انت شايفه عامل ازاي ؟
خلل أصابعه بين خصلات شعره الأسود وهو يجيبها بصدق عن داخله في ذاك الموضوع:
ــ شايفه مشروع في مسؤولية كبيرة اتجاه الراجل والست والمفروض قبل ما يدخلوا المشروع ده يكونوا عارفين ان هم قدوا علشان يكمل صح .
ــ تمام ، طب يكونوا عارفين ايه بقى وايه الخطوات اللي لازم يتبعوها علشان يكمل صح من وجهة نظرك ؟
ــ أهم حاجة الطرفين يفهموا شخصية بعض كويس قوي ويحترموها وكمان كل واحد فيهم يكون عرف اللي ليه واللي عليه كويس قوي وميقصرش تجاه التاني في أي حاجة .
ــ معاك بس ساعات بيكون التقصير غصب عن حد فيهم هنا بقى اللي بيحكم المشاعر ايه رايك في المشاعر ؟
أجابها بوضوح :
ــ انا شايف ان المشاعر بتضعف الإنسان مش بتقويه بتخليه يتنازل عن حاجات كتير بتخليه يحس دايما إنه قلقان وانه مش في موقف قوة علشان كده انا شايف ان مشاعر الإنسان لازم تكون جامدة شوية لأن الضعف بيهد اي علاقة مش بيقويها وطالما في قوانين بيمشي عليها البيت بعيدا عن حكاية المشاعر يبقى أكيد فكرة النجاح مضمونة جدا .
حقا انصدمت من طريقته في التفكير لتوالي استفسارتها بآخر كي تفهم شخصيته :
ــ طب ايه رايك في الحب ؟
رفع إحدى حاجبيه وهو يجيبها بحيرة:
ــ ما اقدرش اجاوب على السؤال لاني ما جربتهوش لسة وطالما حاجه ما اعرفهاش يبقى ما فيش اجابه جاهزة عندي لسؤالك ده .
ــ طب أنا بالنسبة لك كشكل وكشريك هبدأ معاك حياة جديدة ايه ؟
شبك كلتا أصابعه في الأخرى ليجيبها صريحاً :
ــ بالنسبة لي شكل جميل وهادى وأظن مفيش حاجة أحسن من كدة لشراكتنا في الجواز .
أغلب الصدمات سببها انبهار البدايات، فلا تنبهر حتى تثق، ولا تثق حتى تجرب ، والتجربة أساس المعرفة ومن خلال تلك الإجابات الفاترة التي تلقتها تلك الحنين وعلمت من خلالها أنها دلفت بقدميها بوابة المشاعر الموقدة وأول من سينكوي بلهيبها هي فقط وظلت تلك الجلسة الباردة التي تحوى داخلها صقيع لقلبها كصقيع البرد على الجسد الهزيل بل ويزيد حتى انتهت وابتدئ معها آلام الحنين فهي قد أجبرت قلبها على عشقه منذ الوهلة الأولى للقاهم وانكوت بنيـ.ـران هواه الغريب العجيب الذي سيـ.ـحرق روحها الحساسة .
##############
ــ يلا يا يحيى بسرعه يا ابني علشان منتأخرش على نور طالبة مني الطلبات دي من بقى لها يومين ومبتعرفش تخرج تجيب حاجة من ساعة ما جوزها ما رجع ده انت جت لي نجدة من السما .
فتح باب سيارته وهو يضع الأشياء بها متسائلاً إياها:
ــ طب هي عارفة يا خالتو اننا رايحين لها ؟
حركت راسها بموافقة:
ــ أه يا حبيبي انا معرفاها هي مستنيانا دلوقتي .
صعدت السيارة وبدأ “يحيى” في التحرك بها إلى منزل “نور الهدى” وزوجها وكأن القدر من أرسلهم في ذاك الوقت ،
أما في منزل “نور الهدى” كانت تشتـ.ـعل بينهم مناقشة حادة وهي تلومه بصوتٍ عالٍ على ظنونه السيئة :
ــ انت عمرك ما تكون راجل ، واللي يمد ايده على مراته يبقي عربجي وأنا هدفعك تمن القلم ده غالي .
جز على أسنانه غاضباً ثم اقترب منها وجذبها من شعرها ولوى خصلاته الناعمة بين أصابعه الغليظة وهو يحركها بعنــ.ــف ليصيح بها بشرٍ :
ــ بقى انا عربجي يا لمامة أنا اللي غلطت إني اتجوزت واحدة زيك بتاعت بابي ومامي ، تافهة متعرفش مسؤلية بيت ولا راجل ، هو أنا مش قايل لك جروب العيلة تطلعي منه علشان الزفت النحنوح بن خالتك ده موجود فيه ولا أنتِ أصلا أنا بسافر من هنا وانتِ مدوراها من هنا وبتلفي على حل شعرك ،
وأكمل وهو ما زال متمسكاً بخصلاتها يشدها أكثر حتى كادت أن تنقطع بين يديه :
ــ انطقي يا هانم يا بتاعة بابي ومامي هم ما علموكيش انك تسمعي كلام جوزك في أي حاجة يقولها لك ؟!
ازاي الواد ده يقول لك يا نوري في وسط ابوكِ وامك وخالتك وعمتك ووسط العيلة كلها على الجروب المهبب ده .
لم تكن تتوقع أن يسبها بتلك الدرجة وأن يشك بأخلاقها وهي بعيدة كل البعد عن ذاك الشك المهين المميت لتنطق من بين شهقاتها وهي تشعر بالوجع الشديد من لوي خصلاتها دون رحمة ولم يراعي جسدها الضئيل بين يديه :
ــ انت مش محترم علشان تطعني في أخلاقي ودماغك السافلة دي تروح لبعيد بالشكل ده انا عمري ما كنت خاينة أنا متربية وبنت ناس وده ابن خالتي ومتربيين مع بعض من واحنا أطفال لدرجة ان احنا كنا بننام جنب بعض على السرير في بيت جدي وتيته لما بنتجمع زمان وكلمة نوري اللي بيقولها لي دي من وأنا طفلة صغيرة ،
ازاي تشك فيا بالطريقة البشعة دي ؟!
سيب شعري حرام عليك يا مفتري آااه .
لم يتحمل تعنيــ.ــفها له ولا وصفه بقلة الاحترام ليثور عليها كالثور الهائج وهو ينال من جســ.ــدها بيديه تارة وبقدميه تارة ضــ.ـرباً مبرحاً وهي بين يديه كالعصفور مكســ.ــور الجناح لن يستطيع الهروب من قناصه ولن تستطيع الدفاع عن حالها حتى ارتمت أرضاً والدــ.ــماء تنهمر بين فخذيها بغزارة حتى غابت عن الوعي وهو ما زال يكمل عليها وكأن عقله غاب أو أصابه الجنون ليفعل بها هكذا ..
يتبع…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مشاعر موقدة ) اسم الرواية