رواية أحفاد المعز الفصل السادس 6 - بقلم زينب محروس
– طالما حاجة ليها علاقة بيك تبقى تخصني أنا يا باسل، أنا هشوف العلبة فيها ايه.
هتف بغضب:
– قولتلك لاء، هاتيها.
نطق بكلمته الأخيرة، محاولًا التقاطها من بين يديها، و لكنها رفعت يدها مانعةً ايه، فحاول تكرارًا و في كل مرة كانت تحرك يدها في جهة معاكسة، و لكنه في نهاية الأمر استطاع أن يقبض على جزء من العلبة و عندما حاول أن يسحبها فعلت هي مثله و لكن في اتجاهين متضادين، فانقسمت العلبة إلى نصفين، و سقط ما بها أرضًا مظهرًا ملامح الصدمة علي وجهيهما.
ألقت ميار النصف الذي بيدها، و سألته بغضب خفيف يغلبه الحزن:
– خبيت الخاتم فين يا باسل؟
أردف باسل بصرامة:
– اسمعي انا مش خايف منك عشان اخبي حاجة و بعدين هجيب خاتم اعمل بيه ايه؟؟
– عايز تقنعني إن العلبة دي جاية مخصوص عشان المصاصات اللي وقعت ع الأرض دي؟
زفر بضيق قبل أن يقول:
– صوتك يبقى واطي و انتي بتكلميني، و بعدين أنا مش هاممني اقتناعك من عدمه و يلا اتفضلي امشي.
أخذت نفسًا عميقًا، ثم اقتربت إليه و قالت بحب:
– أنا بحبك يا باسل انت ليه مش عايز تفهم ده؟ اتخليت عني ليه و أنا حب الطفولة اللي كنت متمسك بيه؟
خطا خطوتين بتراجع و تحدث بنبرة هادئة، و هو يبعد نظره بعيدًا عنها:
– من فضلك اخرجي من هنا يا «ميار».
مرت عليهما بضع ثواني و هي تتفرس وجهه العابس، ثم أردفت بإصرار:
– أنا مش هتنازل عنك يا باسل.
أنهت جملتها و تحركت بخطوات سريعة حتى غادرت المبني و أصبحت بجانب سيارتها، و ما إن صعدت إليها حتي اخرجت هاتفها و لمست على شاشته عدة مرات قبل أن يأتيها صوت صديقتها الناعس:
– ايوه يا ميار، في ايه؟
ردت عليها بجدية قائلة:
– قومي فورًا، اجهزي و قابليني.
سألتها الأخرى باستفسار:
– هنروح فين ع الصبح كدا ؟ احنا راجعين بعد الفجر و عايزة انام، خلينا بالليل.
– لاء هنتقابل دلوقت يا سلمى، لازم هروح عند الدجال اللى كنتي بتقولي عليه دا، انا مش هسكت على باسل اكتر من كدا.
عاد باسل ليكمل ما كان يفعله،و لكن في هذه المرة منعه دخول حسام و من بعده فارس، ف أردف باسل بضيق:
– هو محدش قالكم إن المفروض نخبط ع الباب؟
ابتسم فارس و هو يجلس قائلًا:
– معلش بقى، احنا قرايب.
قال حسام معترضًا:
– أنا مش قريب حد! انتم اللي حبايب و اخوات إنما أنا لاء.
أردف باسل ببرود:
– معلش، متعوضة في ولاد عم غيرنا.
رد عليه حسام بغيظ مكتوم:
– خليكم مع ستي الشيخة أروى، مش عارف سحرتكم دي و لا ايه!
ضحك فارس قائلاً:
– و الله أنا ممتن ل أروي ع اللى هي عملته معاك، أنت اكيد بعد المرمطة اللي شوفتها النهاردة في المواصلات هتحرم تروح المخروبة اللى كنت فيها امبارح..
أضاف باسل قائلاً:
– و اهو حتي تبطل شرب الزفت اللي انت مضيع عليه فلوسك دي.
نقل حسام نظره بينهما و هو ينطق باستنكار:
– أنا حر في حياتي، مش فاهم انتوا مالكم باللي أنا بعمله، يعني مش مكفيها إنها سرقت حقوقنا، لاء دي كمان بتعاقبني على تصرفاتي، على أساس إنها شخصية كويسة يعني.
تحدث فارس مدافعًا عنها:
– و بناءًا على إيه حكمت إنها شخصية مش كويسة؟ و بعدين حتى لو مش كويسة دي حاجة متخصناش.
قال حسام ساخرًا:
– و انت هتشوفها مش كويسة ازاي بعد ما ساعدت أمك، و طبعًا الاستاذ باسل اكيد غير رأيه فيها بعد مساعدتها ليه امبارح.
نظر إليه باسل قائلاً بغموض:
– و أنت مين قالك إن رأي اتغير فيها؟
أجابه حسام قائلًا:
– ايوه رأيك اتغير، بدليل إنها لما طلبت منك متاخدنيش معاك الشركة بالعربية نفذت كلامها.
انتبه فارس إلى ذلك المستند الذي أغلقه باسل فور دخولهما، فكان ذو غلاف اسود بدائرة صفراء تتمركز في المنتصف، فسأل باهتمام:
– هو الملف اللي قدامك دا بتاع ايه يا باسل؟
أجابه باسل و هو ينظر إلي المستند قائلاً:
– دا ملف صفقة، بتسأل ليه؟
ضيق فارس عينيه قائلاً:
– حاسس إني شوفته قبل كدا.
سأله باسل باهتمام:
– شوفته فين؟ دا ملف الصفقة الجديدة و المفروض إن محدش يعرف عنها حاجة لأنها مناقصة، و المعلومات اللي في الملف دا لازم تفضل سرية.
رد عليه فارس بتذكر:
– كان مع أروى، يوم ما كانت أمي محجوزة كانت فداء بترن عليّ بس كان ساعتها فوني مقفول فاتصلت على أروى و هي جت يومها اوضتي بالليل كانت الساعة ١١ كدا و قالتلي على عملية أمي و إن فداء بتحاول توصلي و ساعتها قالتلي أروح معاها توصل كتب لصاحبتها و بعدين نروح المشفى، و قدام المبني اللي صاحبتها ساكنة فيها الكتب وقعت منها ع الأرض و الملف دا كان بين الكتب.
قال باسل محذرًا:
– طب الكلام ده، اوعى تقوله قدام أروى،و لا اكننا نعرف إن الملف كان معاها، خلوها تتصرف على طبيعتها، أما نشوفها بتخطط لايه.
فارس:
– بس انا حاسس إنها شخصية كويسة، ممكن يكون الملف معاها بتشوفه بس بما إنها بقت صاحبة الأملاك..
شارك حسام في الحوار قائلاً:
– طب لو مش بتخطط لحاجة بعتته ليه لصاحبتها؟ و أصلًا ليه أخدت الملف من ورا باسل؟ و الملف يخص صاحبتها في ايه أساسًا؟
أجابه فارس قائلًا:
– مش عارف!
أضاف باسل قائلًا بغموض:
– أنا ههتم بالموضوع ده، مهما يكن هتفضل دخيلة و أخدت مننا أملاكنا، لازم ننهي الموضوع دا و كل واحد ياخد حقه و نفض الليلة و كل واحد فينا يشوف حياته.
نطق كلا من فارس و حسام في وقت واحد:
– تمام.
أكمل باسل قائلًا:
– المهم بقى المفروض تنزلوا المصنع اللي في اسكندرية و تقفلوا الحسابات اللي هناك، واحد منكم كفاية و لو عايزين تنزلوا انتم الاتنين يبقى افضل عشان تخلصوا بسرعة.
*******
بعد انتهاء المحاضرات و يومها الدراسي كطالبة، كانت تقف أمام خارج المبني الجامعي و برفقتها سلوى صديقتها الوحيدة، و التى بادرت بالحديث قائلة:
– طب ما تركبي اي تاكس و خلاص يا «أروى»، مش لازم عم صالح ده ممكن يكون مش جاي او عنده شغل.
قالت أروى باعتراض:
– طب ما شغله دا معايا..
ضحكت سلوى بخفة و هي تقول:
– يا بنتي أنتي قاعدة عند الناس دول ضيفة و ذوقيًا منهم بيخلوا السواق بتاعهم يوصلك، بس هو اكيد مش السواق بتاعك لوحدك يعني أكيد بيوصل حد تاني أو في مشوار تبع أفراد العيلة.
سكتت «أروى» لوهلة و هي تفكر بماذا تجيب، فصديقتها لا تعلم شيء عن الصلة التى تربطها بعائلة المُعز، و بالأصل هي لا تعلم بهوية العائلة التي تستقبلها في بيتها، فهي تسعى جاهدة للحفاظ على هذا الأمر سرًا.
قطعت سلوى وصلة تفكيرها عندما سألتها مجددًا:
– ها يا بنتي هتعملي ايه؟
ردت عليها الأخرى بجدية:
– مضطرة استناه يا سلوى، إحنا في آخر الشهر و المصروف اللي معايا يادوب يكفيني، و انتي عارفة التاكسي بياخد فلوس كتير.
اقترحت سلوى قائلة:
– خلاص يا ستي أنا معايا فلوس، خدي مني و…..
منعتها أروي من إكمال حديثها، حينما قالت بحزم:
– لاء طبعًا مستحيل أخد منك فلوس، لو عم صالح مجاش هروح في ميكروباص بقى و خلاص.
– طب ما احنا واقفين بقالنا ساعة اهو لا عمك صالح جه، و لا في عربيات أصلا، شايفة الطلبة اللي واقفين عددهم قد ايه!
أردفت أروى بإصرار و هي تضع يدها على جبهتها لتحجب جزءًا من أشعة الشمس عن وجهها:
– اصبري بس يا سلوى، إن شاء الله ربنا هيحلها.
إن حُسب الوقت، فلم يتعدى الخمس دقائق حتي توقفت أمامهما تلك السيارة المرسيدس، التى تعرف أروى صاحبها حق المعرفة، فطالعته باستغراب و هي تراه يخرج من سيارته و يطل عليها بهيئته التى تأسر القلوب، فنظر إليها و قد ارتسمت على ثغره بسمة لطيفة لم تألفها بعد، ثم نطق قائلًا:
– يارب مكنش اتأخرت عليكي.
نقلت أروى حدقتيها، بين صديقتها التى اخفضت بصرها أرضًا في استحياء، و بين هؤلاء الطلاب الذين يرمون «باسل» و سيارته بنظرات قد انقسمت بين الحسد و الإعجاب، و هم يتهامسون متسائلين عن العلاقة التي تربط بين «باسل» الحفيد الأكبر لعائلة المُعز و بين هذه الفتاة البسيطة التي لا يعرفها سوى قلة منهم، و لم يلحظ وجودها بينهم إلا من هم في نفس فرقتها الدراسية.
تحدثت بصوت خفيض متوتر:
– انت هنا ليه؟
أجابها و هو يأخذ عنها ما تحمله من كتب و دفاتر:
– عم صالح، مرات ابنه راحت تولد و هو طلب يبقى موجود جنب حفيده، عشان كدا أنا جيت بداله.
أردفت بحرج:
– مكنش ليه لزوم، كنت هركب أي حاجة و ارجع ع البيت.
– طب و تتبهدلي في المواصلات ليه و أنا موجود! أنا ههتم بيكي طول ما العم صالح مش موجود، و لو تحبي كمان أنا اوصلك علطول….. مش هيبقى عندي اعتراض.
ها هي مجددًا تندهش بشخصيته الجديدة، و رغبته في الاهتمام بها، ران عليهم صمت لطيف قطعته سلوي قائلة:
– طيب يا أروى أنا هرجع السكن بقى، و نبقى نتكلم بكره.
ابتسمت لها أروى وقالت:
– ماشي يا سوسو، متنسيش تبعتي الأسئلة اللي الدكتور قال عليهم.
غادرت سلوى إلي سكنها الجامعي، الذي تبقى فيه طوال فترة الدراسة، أما أروى فقد صعدت إلى السيارة برفقة «باسل» الذي يجعلها تفكر كثيرًا و تعيد النظر في سبب وجودها بينهم..
كانت شاردة في الطريق، و لكنها انتبهت إلي سؤاله حين قال:
– تحبي ناكل فين؟
قالت سريعاً باعتراض:
– لاء ناكل ايه، أنا المفروض أروح الشركة.
سألها بهدوء:
– ليه هتعملي ايه في الشركة؟
– أنت ناسي إني بشتغل بدوام جزئي و لا ايه؟
– بس أنتي صاحبة الشركة و تروحي و تيجي براحتك يعني عادي لو اتأخرتي شوية….. أو مروحتيش خالص النهاردة.
تغيرت قسمات وجهها بسبب ما تخفيه عنه، فهي مؤخرًا باتت تشعر و كأن ثقلًا يعتلي قلبها، فتحدثت بنبرة جاهدت لتبدو طبيعية:
– محدش يعرف بالكلام ده في الشركة، عشان كدا لازم أروح.
– طب فاكرة وعدك ليا؟
– وعد ايه؟
أجابها و هو يقف بسيارته على جانب الطريق:
– مش أول امبارح و احنا مع طنط وفاء، قولتيلي إنك هتنفذي طلب عشاني.
ردت سريعًا:
– ايوه فاكرة و عند كلامي، طلبك ايه؟
– نتغدى النهاردة سوا.
سألته بترقب:
– مينفعش يوم تاني؟
حرك رأسه سريعًا بالرفض، فمنحته بسمة رقيقة و قالت:
– خلاص نتغدى سوا…… و أهو كدا اكون نفذت الطلب و جبت الهدية.
أعاد تشغيل سيارته و هو يضحك قائلًا:
– اه هدية حفيد فعلًا، بس انا كان عندي عشم في عجلة.
شاركته في الضحك و قالت:
– طول عمري ذوقي حلو في اختيار الهدايا.
كانا جالسان في ذلك المطعم الراقي، الذي اختارته «أروى» بناء على رغبة «باسل» الذي امتثل لطلبها بالرغم من كونه شخصية لا تحبذ تناول الطعام الغربي و تحديدًا ما يمسى «بيتزا» و التي هي الأكثر شيوعًا.
وضعت أروى قائمة الطعام من يدها و هي تسأله بحماس:
– هتختار ايه؟ أنا اخترت.
أجابها و عينيه مثبتتين على وجهها:
– مش عارف، اختاري بدلًا عني.
أزاحت القائمة جانبًا و هي تنادي النادل ببسمة واسعة، فسألها باسل قائلاً:
– مالك مبسوطة كدا ليه؟
أجابته و السعادة تندفع من عينيها دفعًا:
– البيتزا دي الأكلة المفضلة عندي، قولي بقى معاك فلوس تدفع؟
قال مشاكسًا:
– لاء طبعًا، دا أنا عازمك عشان تدفعي الحساب و اتغدى ببلاش.
ضحكت و قالت بلامبالة:
– حيث كدا بقى اخلع جاكت البدلة.
سألها باستغراب:
– ليه.
أجابته بتلقائية:
– عشان ميتبلش و احنا بنغسل الأطباق بتاع المطعم.
سألها مجددًا:
– و احنا نغسلهم ليه؟
ردت عليه بسخرية:
– عشان احنا اتنين شحاتين و قاعدين في مطعم غالي و كل واحد فينا متكل على قبض التاني و احنا اصلا في آخر الشهر و معناش فلوس.
– لاء أنا بهزر معاكي و أنا اللي هدفع.
قالت بمرح:
– دا انت حالتك المادية حلوة بقى.
منعه من الرد عليها قدوم تلك الفتاة التي تعمل كنادلة، و التي ما إن رأت أروى حتي رحبت بهما بحفاوة و قالت:
– تحبي اجيبلك طلب كل مرة يا مدام أروى؟
قالت أروى سريعًا:
– لاء كل مرة اي! النهاردة في واحد غني هيدفع سجلي اللي هقولك عليه.
بدأت الفتاة في تدوين أنواع مختلفة من البيتزا كما طلبت منها أروى و ما إن انتهت حتي أردفت قائلة:
– عشر دقايق بالكتير و البيتزا تبقى جاهزة.
بعد مرور وقت لا بأس به، كانا قد انتهيا من تناول الطعام في وسط من السعادة، و عندما كان باسل يدفع مقابل الطعام، ترك مبلغ من النقود لتلك النادلة، فاعادت إليه المال قائلة بامتنان:
– شكرًا يا فندم، مدام أروى و رمزي بيه خيرهم سابق.
انتهز باسل انشغال أروى و تحدثها في الهاتف، فأردف قائلًا:
– أروى و المتر رمزي بيحبوكي.
ابتسمت الفتاة و قالت بامتنان:
– و أنا و الله بحبهم اوي، و ممتنة لوجودهم و إن ربنا بعتهم في الوقت المناسب، و في كل مرة بيجوا فيها هنا رمزي بيه بيسأل عن والدتي و مازال بيبعت لها علاجها الشهري.
همس باسل لنفسه ساخرًا:
– هما اللي زي دول يعرفوا يعملوا خير!
قالت الفتاة باستغراب:
– حضرتك بتقول حاجة.
ابتسم لها بتكلف قائلًا:
– لا أبدًا، بعد إذنك.
في المساء، كان حسام حبيس غرفته، فقد فرضت أروى عليه الحظر، كي لا يذهب إلى تلك الأماكن الفاسدة، بغرض منعه عن تناول المُسكرات و تضيع نقوده هباءًا، نظر إلى هاتفه بتأفف و قال:
– يا دي النيلة، حتى ممدوح قال خمس دقايق و يوصل و لحد دلوقت مجاش.
في تلك الأثناء تناهي إلى سمعه صوت أنثوي يقول:
– حاضر هقوله ينزل.
على الفور كان خارجًا من غرفته، معتقدًا أن صديقه قد جاء ليُحضر إليه ذلك الشراب المُحرم، ليتناوله سرًا، و لكنه تفاجئ بوجود ابنة عمه التى يراها للمرة الأولى، فسألها بجبهة معقودة:
– أنتي مين؟
ابتسمت قائلة:
– أنا فداء، بنت عمك و جيت اندهلك عشان الأكل جاهز.
تشدق مردفًا بتذكر:
– أنتي أخت فارس.
– ايوه
أكمل بنبرة ساخرة:
– طب و ايه اللي جابك هنا؟ مش علي أساس إن ست الكل مامتك حالفة ع الورث و حالفة مش هتدخل البيت دا تاني!
اغتاظت من أسلوبه الساخر، فرمقته بنظرة غاضبة و تركته و هبطت إلى الأسفل بعدما قالت:
– شكلك قليل ذوق و تافه.
نظر في أثرها بحاجب مرفوع، ثم نطق قائلًا:
– هو أنا بقيت ملطشة كدا ليه، فداء دي تشتمني دلوقت و الصبح دنيا تضربني و من قبلهم ستي الشيخة، هو في ايه!! أنا هيبتي بتروح لازم اتصرف.
ما كاد ينهي كلمته الأخيرة حتى، صدح هاتفه معلنًا عن مكالمة من ممدوح، استقبلها سريعًا و هو يقول بحنق:
– أنت فين يا زفت؟ مش على أساس خمس دقايق و تكون عندي؟
– طب و أنا أعمل ايه يعني، الأمن منعوني من الدخول.
سأله حسام باستغراب:
– منعوك ليه؟ قولتلهم إنك تبعي؟
– ايوه قولت و عشان كدا رفضوا يدخلوني، لأني أول ما قولت إني جاي عشانك فتشوني و اخدوا مني الأمانة.
ضرب حسام على جبهته و غمغم بنبرة من الغيظ:
– الله يخربيتك يا أروى ، و يخربيت اليوم اللي جدي شافك فيه.
سأله ممدوح قائلًا:
– مين بقى اللي هيدفع حقهم؟
زفر حسام قائلًا بضيق:
– هدفعلك يا ممدوح هدفعلك، بس اتصرف و ابعتلي بقى لو ازازة صغيرة حتى، اقولك ابعتها مع ميار.
ضحك ممدوح و قال:
– طب ما هي كانت معايا و رفضوا إنها تدخل هي كمان، و هي اتصلت على ابن عمك اللي هو باسل ده و هو و لا اهتم و لا عبرها.
سأل حسام بحيرة:
– طب و العمل، أنا مش قادر و عايز أشرب.
نطق ممدوح قائلًا باقتراح:
– ايه رأيك في مصاصات؟.
– أنت هتهزر يا ممدوح هو أنا عيل صغير معاك.
أكمل ممدوح موضحًا:
– افهم بس يا معلم، دي حاجة نازلة جديد مصاصة آه بس كحولية ليها تأثير الخ”مرة بالظبط، و في منها أنواع أصلًا يعني في حاجات عالية بس أنت أخرك خ”مرة بس، تحب تجرب؟
تنهد حسام قائلًا:
– ماشي يا سيدي اشتري منهم و ابعتلي، و أنا هبقى احاسبك.
*******
طرقت علي الباب و تأخرت في فتحه حتي سمعت إذنه بالدخول، فدفعت الباب و دلفت إليه و هي تسأله ببسمة لطيفة:
– أخدت العلاج يا بيسو؟
ابتسم لها قائلاً:
– أيوه اخدته.
اماءت برأسها و قالت:
– طب كويس، هرجع اوضتي انا بقى.
أوقفها قائلًا بنبرة مشاكسة:
– لاء استني عشان اشكرك على ذوقك في اختيار الهدية.
ضحكت بشدة فور تذكرها لتلك الهدية التي يقصدها، و هنا كان دوره ليتوه في ملامح وجهها البريئة و ضحكتها الآسرة للقلوب، فكان يتفرس في وجهها و كأنه يرغب في نسخه داخل ذاكرته، لا يعلم أن ذلك قد حدث بالفعل منذ المرة الأولى التي سقطت عيناه عليها.
توقفت عن الضحك، لتتدفق تلك الحمرة إلى وجنتيها خجلًا عندما وجدته محدقًا بها بإعجاب جام، فأشاحت بنظرها بعيدًا عنه، فانتبه هو لفعلتها، و لذلك فقد حاول تخطي الأمر قائلاً:
– مكنتش أعرف إنك فعلاً هتنفذي كلامك و تجيبي مصاصات هدية.
ابتسمت بمرح قائلة:
– حفيدي بقى و كدا فلازم أكون قد كلمتي معاك، و وعد لما تكبر شوية هجيبلك عجلة.
قهقه بشدة على جملتها، ثم أردف قائلًا:
– حيث كدا بقى يا تيتا يبقى تشاركي حفيدك فيهم.
أنهى جملته و اتجه مخرجًا السكاكر من وحدة الأدراج المجاورة للفراش، و تحرك إليها قائلاً:
– اتفضلي يا تيتا.
ضحكت على لقبها الجديد، التي قد مُنحت إياه بزواجها من جدهم، و قالت بحماس:
– حيث كدا بقى يا حفيدي…خلينا ندخل في البلكون و احنا بناكل المصاصات.
بعد عدة دقائق، كانا كلاهما جالس في الشرفة و قد أوشك على الانتهاء من تناول السكاكر، نظرت إليه أروى و أردفت ببسمة حزينة:
– اقولك على سر؟
كانت نبرتها توضح أنها ليست بطبيعتها، و كذلك باسل الذي اقترب منها قائلًا بأعين تشبه الأعين الناعسة:
– قولي، بس بصوت واطي عشان محدش يسمعك.
اماءت برأسها، ثم أشارت إلى السماء وقالت:
– أنا عاملة زي القمر وسط النجوم، القمر مميز عنهم بس هو من غير الشمس و لا حاجة، إنما النجوم ليها قيمتها و نورها الخاص، مش بتستني الشمس عشان تنورها، إنما القمر لاء بيستني نور الشمس، يعني القمر بيضحك علينا و شايف نفسه بنور الشمس……انا بقى زي القمر واخدة اللقطة بسبب حد تاني و مجبورة ع اللى بعمله، و اللقطة دي انا مش عايزاها…..فاهمني؟
حرك رأسه بالرفض، فضحكت قائلة:
– مش مشكلة، أنا اصلا محدش بيفهمني غير العسل، بس حتي العسل مش بقدر احكيله عن كل حاجة.
سألها بصوت منخفض وهو محدقًا بالسماء:
– اشرحي و أنا هحاول افهمك.
أخرجت تلك العصا الخاصة بالحلوى من فمها بعدما انتهت من تناولها، و ألقت بتلك العصا البلاستيكية بعيدًا و هي تقول:
– عايزة أعيش حياة بسيطة زي باقي البنات، مش عايزة أكمل في الدور ده لأنه مش دوري، انا قلبي شبيه القمر و معتم زيه….. و أنا نفسي قلبي ينور زي النجمة، يعني نوره يكون حقيقي مش مزيف.
ضحك بصوت متقطع و هو يقول:
– بردو مش فاهم، بس أنا عايز اقولك سر.
اعتدلت في وقفتها و هي تنظر إليه:
– قول، بس متزعلش لو مفهمتش سرك.
اعتدل هو الآخر في وقفته و اقترب منها ماحيًا المسافة التي كانت تفصل بينهما، و أشار إلي أحد النجوم الساطعة في السماء و قال و هو ينظر في عينيها:
– أول مرة شوفتك لفتي انتباهي و حسيت إني مشدود ناحيتك و شوفتك مميزة عن كل البنات، زي ما النجمة دي مميزة عن غيرها.
سألته بأعين دامعة:
– بجد؟
أماء برأسه مرات متتالية بقسمات وجهٍ عفوية تشبه الأطفال، و لكنه استرسل فى حديثه قائلًا بحزن:
– بس أنا زعلت منك.
– ليه؟
– عشان انتي اتجوزتي جدي.
ضحكت بقلة وعي، و لفت يديها حول رقبته و قالت بهمس:
– لاء دي كذبة يا بيسو.
هز رأسه بعبوس:
– ما أنا عارف، و عارف إنك متجوزة من رمزي.
عقدت ما بين حاجبيها و قالت بنفي:
– لاء بردو، أنا مش هتجوز حد غيرك.
أشار إلي نفسه و هو يسأل:
– أنا؟!!
– ايوه
أضاف باسل بعدما أشاح بنظره بعيدًا:
– لاء بتكذبي.
وضعت يدها على جانب وجهه الأيسر لتجعله ينظر إليها مرة آخري، وقالت بصدق:
– لاء مش كذب، أنا مش هتجوز غيرك….عشان بحبك أنت يا باسل.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية