Ads by Google X

رواية أحفاد المعز الفصل الخامس 5 - بقلم زينب محروس

الصفحة الرئيسية

  

رواية أحفاد المعز الفصل الخامس 5 - بقلم زينب محروس

– بتحبيه؟ مرتبطين يعني؟؟
تلوى ثغرها ببسمة ساخرة و أردفت:
– على فكرة دا المستر بتاعي، مش واحد زميلي.
أضافت «أميرة» سريعًا و بحماس لما تألفه «دينا»:
– انا هجوزك له، ايه رايك؟
تحولت نظرتها الساخرة إلى صدمة جعلتها تسأل بترقب:
– انتي بتهزري صح؟
– لاء، و الله بتكلم بجد.
تنهدت «دينا» و أردفت بقلة حيلة:
– ماما ممكن تخرجي عشان عايزة انام؟
– مش تعرفيني رأيك الأول؟
تحدثت «دينا» بضيق:
– رأي في ايه؟ أولاً دا المستر بتاعي و بيشرح لنا في السنتر لفترة مؤقتة و بعدها مش هنشوفه تاني، ثانيًا مفيش بينا حب و لا الكلام الأهبل ده، ثالثًا بقى و الأهم أنا لسه صغيرة على موضوع الجواز ده، رابعًا بقى خدي العصير دا معاكي و انتي خارجة عشان أنا مش بحب العصاير أصلًا.
نطقت بجملتها الأخيرة و هي تناولها كأس العصير، ثم نهضت لتتخلص من ثوبها و تستبدله بملابس البيت الأكثر أريحية.
******
أشرقت الشمس بضوئها الساطع، و أشعتها الحانية التى بددت برودة الليل، و تسللت إلى غرفة «أروى» التى كانت تتحدث في الهاتف، فقالت:
– خلاص انا هحاول اكسبهم لصفي و احببهم فيا، و خصوصًا «باسل» لأن هو اكتر واحد هيصعب علينا نقل الأملاك، لكن لو وثق فيا و حبني ساعتها الموضوع هيكون سهل جدًا و هنوصل لهدفنا.
جاءها صوته مؤيدًا:
– ايوه فعلاً معاكي حق، و عشان كدا الفترة دي لازم كمان نقلل مقابلتنا، و خلي وقتك كله للأحفاد.
سألته سريعًا:
– يعني مش هنتقابل بالليل حتى؟
– و لا حتى بالليل.

أردفت باعتراض:
– طب ما هما بيكونوا نايمين بالليل ايه اللي يمنع إننا نتقابل، أنا مش حابة كدا.
– معلش يا حبيبتي بس احنا مجبرين على كدا، ع الأقل في الفترة الحالية.
نفخت بضيق و أردفت:
– خلاص يا عسل، يارب نخلص بسرعة عشان أنا الوضع دا مش مريحني….. هقفل بقى و هروح اشوف باسل بيه عشان أبدأ الخطة الجديدة..
كان «باسل» في غرفته واقفًا أمام المرآة، و يصفف شعره بذهن شارد، افاقفته «أروى» عندما طرقت على الباب المفتوح، فنظر إلى صورتها التي عكستها المرآة، فبادرت هي بالحديث حينما سألته بلطف:
– ممكن ادخل؟
تأخر في رده عليها، و لكنه ما إن أنهى ما كان يفعله حتى اعتدل في وقفته ناظرًا إليها و هو يقول:
– طبعًا اتفضلي.
دلفت إليه بخطوات ثابتة، و سألته و هي تقف أمامه:
– عامل ايه النهاردة يا بيسو…..؟
كان محدقًا بها بنظرات جامدة، لم تسطع تفسيرها، و لكنها أضافت سريعًا بأسف:
– أنا آسفة قولت بيسو غصب عني..
كانت تنتظر منه أن يحدثها بنبرة ساخطة، و لكن كانت الصدمة من نصيبها عندما منحها للمرة الأولى بسمته الصادقة التي قد زادته وسامة، و أردف بلطف لما تألفه:
– و لا يهمك، تقدري تناديني زي ما انتي عايزة.
اتسعت حدقتيها بدهشة من تغيره المفاجئ، فسألها ببسمة واسعة:
– مالك؟ انتي كويسة؟
تلقائيًا وجدت نفسها تقترب منه و تتفحص درجة حرارته بيدها التى وضعت على جبهته، و لكن سرعان ما ابتعدت عنه و هي تسأل:

– هو تعب امبارح أثر عليك و لا ايه؟!!!
ضحك بصوته الرجولي، الذي تمثل لقلبها و كأنه محفز يعمل على زيادة نبضاته، و شردت هي في تفاصيل وجهه الجذابة، و قد لاحظ هو ذلك فقال غامزًا بعينيه:
– حفيدك قمر مش كدا؟!!!
انتبهت لحركته، فحاولت تغيير الموضوع و هي تسأله بنبرة جاهدت لجعلها طبيعية:
– انت عامل ايه دلوقت؟ بلاش تنزل الشركة النهاردة، و خليك في البيت.
أجابها بامتنان:
– مفيش لزوم للإجازة، أنا الحمدلله بقيت بخير و الفضل يرجعلك.
تحدثت أروي ببسمة رقيقة:
– الفضل لله، ثم ل «فارس» اللي خرج بالليل و جاب علاج عشانك، و فضل سهران جنبك طول الليل.
– هو قالي إن أنتي اللي بعتيه يجيب العلاج، و إنك فضلتي جنبي لحد ما المحلول خلص و الحرارة نزلت، و إن انتي كمان اللى جهزتي الأكل عشاني و خلتيه يصحيني عشان اكل….. و قالي قد ايه كنتي خايفة عليّ
تشدقت مردفة بصدق:
– احنا عيلة واحدة يا «باسل» و أنا فعلاً بخاف عليك…. قصدي عليكم…. حتى لو كان وجودي هنا مش مرغوب فيه.
أردف باسل بندم:
– أنا آسف على أسلوبي معاكي في الأيام اللي فاتت، و أوعدك إن دا مش هيتقرر تاني، و بالنسبة ليا فأنا بتراجع عن الكلام اللى قولته امبارح…. أنا فعلاً بقيت حابب وجودك معانا.
لم تعرف بماذا تنطق، فهذا التغيير المفاجئ جعل لسانها ينعقد، فلم تعد قادرة على إخراج الكلمات التي قد ماتت و تلاشت، بسبب تجاوزه المسافة التي قد حافظت عليها بينهما عندما اقترب منها محتضنًا إياها.
لم يستغرق عناقه لها سوى قلة من الثواني، و لكن ذلك كان كافيًا ليجعلها تتجمد في موضعها، ابتعد عنها قائلًا:

– بجد شكرًا ليكي.
رمشت بعينيها عدة مرات ثم نطقت بتغيب:
– الشكر لله.
تخطاها متجهًا صوب الباب، و هو يقول:
– يلا خلينا نفطر سوا.
لم تتحرك و بقيت كما هي تطالعه فقط دون أن تنطق بحرف واحد، فاستدار ناظرًا إليها و هو يقول:
– علي فكرة… تقدري تناديني بالاسم اللي يعجبك…. بيسو بيسو معنديش مشكلة.
تلفظ بجملته الأخيرة و غادر الغرفة تاركًا عقلها يستوعب شخصيته الجديدة.
*******
كانت تهبط إلى الأسفل ببسمة لم تفارق ثغرها، عندما تناهي إلى سمعها صوت جهوري يتحدث بلهجة غاضبة، فعجلت من خطواتها و اتجهت إلى غرفة الجلوس، لتتفاجئ بثلاثة رجال و برفقتهم امرأة، قد جاءوا للمطالبة بحقهم في الميراث و الأملاك التى تركها «راشد أحمد المُعز».
انضمت «أروى» إلى «باسل» الذي كان معهم بمفرده، و سألته بجدية:
– مين الناس دي؟ و أملاك ايه اللى بيتكلموا عليها؟
نطقت السيدة الأربعينية التي كانت ترتدي خمارًا باللون الأسود:
– عايزين حقنا في أملاك المرحوم عمنا، و لا انتم هتلهفوا كل دا لوحدكم!
طالعتها «أروى» بحاحب مرفوع و أردفت بتهكم:
– نلهف ايه و بتاع ايه؟! هو مين حضرتك أصلًا؟
أردفت الأخري بنبرة ساخرة يشوبها قلة من الغيظ:
– هو انتي مبتسمعيش و لا ايه يا حلوه؟ بقولك المرحوم يبقى عمنا، يعني احنا ولاد اخواته!

سألتها «أروى» مجددًا بترقب:
– و ايه المطلوب مننا؟؟
زفرت السيدة بضيق و هي تضرب بإحدى يديها على كفة اليد الأخرى، و رمقت «أروى» بصبرٍ أوشك على النفاذ، فتدخل ذلك الرجل الذي يرتدي قميصًا أبيض قد خُطط بخطوط ملونة، و كان يرفع بنطاله القماش بمسافة لا بأس بها عن مستوى الخصر.
تشدق مردفًا بهدوء:
– يا آنسة احنا هنا عشان بالصلاة ع النبي كدا عايزين ناخد حقنا.
رددت أروى سريعًا:
– اللهم صل و سلم و بارك علي سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين……..طب حضراتكم يعني بأي وجه حق بتطلبوا ورث؟ على حسب علمي إن راشد المعز ملهوش شركاء…. انتم بقى عايزين ايه؟؟
ابتسم باسل بخفة و أردف بدلًا عنهم:
– لاء دي كلها أملاك جدي و شغل جدي لوحده، محدش كان شريك معاه، هما اصلا مكنش في منهم حد يعرف جدي و هو عايش.
قالت أروى تقائيًا:
– كدا محدش منهم ليه حاجة عندنا.
نظرت إليها السيدة و تحدثت بغضب:
– يعني ايه كلامك ده؟ هتمنعونا عن حقنا؟؟
نقلت أروي نظرها بين هذه الأوجه الأربع، و نظراتهم التي احتُلت من الغضب، ثم أردفت ببشاشة:
– لاء ازاي! حقكم هتاخدوه، بس اتفضلوا اقعدوا.
تهللت أساريريهم، و كانوا على وشك الجلوس و لكن سرعان ما تحطمت آمالهم الوهمية، و تراجعوا عن الجلوس عندما أكملت «أروى» حديثها ببرود:
– تحبوا تطلبوا حقكم حاجة سخنة و لا عصير؟

هتفت السيدة في وجهها:
– تقصدي ايه يا بت انتي؟ هناخد حقنا شاي؟
كان باسل يتابع ما يحدث في صمت، أما أروى فقد أجابت قائلة:
– ايوه حقكم هو شاي، و ممكن نحط فاكهة كمان، انتم ضيوف بردو و لازم نكرمكم.
تحدث ذلك الرجل قصير القامة، صاحب الشعر المجعد و هو يقول بتهكم:
– احنا مش ضيوف، احنا لينا في القصر دا زيكم بالظبط.
تنهدت «أروى» و عقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم أردفت بضيق مخفف:
– كل اللي ليكم عندنا هو واجب الضيافة، لا اكتر و لا أقل.
اقتربت تلك السيدة من أروي راغبة في دفعها،و لكن أوقفها باسل عندما تحرك واقفًا أمام أروى، قائلًا بتحذير:
– اوعي تفكري تقربي منها و إلا هيكون ليا تصرف تاني معاكم، انا بسمع كلامكم الاهبل من ساعتها و أنا ساكت، لكن توصل لانك تمدي ايدك عليها فدا مش هسمح بيه ابدًا، و يلا حتى واجب الضيافة دا كمان مش هتاخدوه.
سألته السيدة بتهكم:
– يعني ايه.
أردف باسل بجمود:
– يعني مع السلامة.
نظرت إليهم السيدة و الشرر يتطاير من عينيها، ثم نطقت بتوعد:
– و الله هتندموا، و افتكروا كلامي…..انتم اللي هتيجوا بنفسكم و تعطونا اكتر من حقنا كمان.
نظرت «أروى» في أثرهم بشرود قطعه «باسل» عندما سألها بترقب:
– هو جدي متكلمش معاكي عنهم أبدًا؟

انتبهت «أروى» إلى سؤاله، فردت عليه بتوتر:
– لاء…. معرفش عنهم حاجة، أنا أول مرة اشوفهم.
أماء لها برأسه قبل أن ينطق باسمًا:
– عمومًا متقلقيش، لو رجعوا تاني انا هتعامل معاهم.
********
في تلك الأثناء كانت دينا في غرفتها تستعد للخروج، فكانت تضع كتبها اللازمة داخل حقيبة الظهر، و ما إن انتهت حتى أغلقت سحاب الحقيبة، و حملتها و توجهت بها إلى الخارج، و بينما كانت تنتعل حذائها الرياضي، جاءت إليها «أميرة» من خلفها و هي تسأل:
– ها يا دينا، فكرتي في الموضوع بتاع امبارح؟؟
سألتها دينا و هي تعقد رباط الحذاء:
– موضوع ايه؟
– جوازك من المستر بتاعك؟
تلوى ثغرها ببسمة ساخرة، و أردفت:
– جوازى!! هو انتي لسه بتفكري في الكلام ده؟
قالت أميرة باعتراض:
– و مش هفكر فيه ليه؟ دا موضوع مهم.
– هو ايه دا اللى مهم! انتي مهتمة بالموضوع و كأنه متقدم و عايزة يتجوزني و أنا اللي مأخرة الرد!
– ايوه طبعًا مهتمة، هو حد يطول إنه يناسب عيلة المُعز!
قالت دينا بحنق:
– بصي يا ماما موضوع مستر فارس ده يتشال من دماغك خالص، اقولك شيلي موضوع الجواز دا نهائي من دماغك لا المستر و لا غيره، انا لسه صغيرة و عايزة اكمل تعليمي، فحليني من دماغك بقى.

ردت عليها أميرة بتهكم:
– صغيرة ايه؟ دا انتي هتقفلي العشرين قريب! و بعدين لازم تستغلي الفرص، جوازك من ابن المُعز هيرفع مستوانا الاجتماعي رفعة جامدة، دا احنا هنبقى في مكانة تانية خالص.
منحتها دينا نظرة حزينة و قالت بسخرية:
– لا مكانة تانية و لا تالتة، كل كلامك ده ع الفاضي فوفريه، أنا مش صفقة عايزة تكسبي منها فلوس.
نطقت بجملتها الأخيرة و هي تفتح الباب و قبل أن تغادر التفتت إلي والدتها و قالت:
– على فكرة…… أنا لسه مكملتش ١٨ سنة عشان اكمل العشرين……يا ماما.
كانت تقف على جانب الطريق و تغمغم بصوت خفيض مع تلك الموسيقى الأجنبية الصاخبة التي تعزلها عن الوسط المحيط، و ما إن وصلت الحافلة التي كانت تنتظرها حتي أنزلت هذه السماعة معلقة إياها حول رقبتها، و تحركت لتصعد إلى الحافلة.
لم يكن هناك سوى كرسي شاغر بين النافذة و بين ذلك الشاب الذي تكسوه بدلة رسمية، و يستند بجبهته على يديه المعقودتين على مسند المقعد الأمامي.
تحدثت «دنيا» بجدية قائلة:
– بعد إذن حضرتك ممكن تعديني ؟
لم تجد منه ردًا فكررت جملتها و هي تربت على كتفه بزاوية هاتفها، و هنا انتبه لها و شرع بوجهه ناظرًا إليها، لتتفاجئ بأنه حسام المُعز ذلك المتغطرس الذى قابلته ليلة أمس، و لكنها لم تحفل بكونها تعرفه وقالت مجددًا:
– ممكن تعديني عشان اقعد؟
أفسح لها الطريق، فتجاوزته و جلست بجواره واضعة حقيبتها فوق قدميها، و أعادت تشغيل السماعة مرة أخرى، فلم يكن هو راضيًا عن ذلك الوضع و تجاهلها له، فالتقط السماعة نازعًا إياها عن أذنيها، و سألها بكبر و عنجهة:
– هو انتي مش عارفة أنا مين؟ مش فاكراني؟
لم تجبه و إنما أخذت ما يخصها و أعادت تشغيلها مرة أخرى، و انشغلت في رؤية الطريق، تحت نظرات الحيرة و الاستغراب اللائي كان حسام يرمقها بهما، فهذه هي المرة الأولي التي تتجاهله فتاة بعدما تحدث إليها.

و لم يسكت عن الأمر، حيث في هذه المرة قد انتزع هاتفها من بين يديها و لمس علي شاشته لاغيًا تشغيل تلك النغمة الموسيقية التي كان تستمع إليها، فنظرت إليه دينا و هذه المرة منحته نظرة ساخطة و غمغمت:
– على فكرة دي اسمها قلة ذوق، هات الفون و اتلم.
تفقد الوسط المحيط، قبل أن ينظر إليها قائلًا بسخرية:
– اتلم! هو حد قالك اني متبعتر؟؟
نفخت بضيق و هي تأخذ هاتفها قائلة:
– سيبني في حالي بدل ما هقوم انا و ابعترك.
سألها بحيرة:
– هو انتي فعلًا مش فاكرة أنا مين؟؟
أردفت باقتضاب:
– لاء.
همس بصوت قد وصل إليها:
– معقول شربت كتير عشان كدا مش فاكرة أنا مين؟!
أجابته ببرود:
– أنا مش بشرب الزفت اللي انت بتشربه ده.
منحها بسمة واسعة و قال:
– طب ما انتي فاكرة اهو، امال ايه بقى؟
أجابت بتهكم:
– ايوه فاكرة، بس مش معنى إني شوفتك مرة يبقى خلاص بقينا أصحاب أو معرفة.

ابتسم بعته قائلًا:
– ايوه صح انتي امبارح بردو مكنتيش طايقة وجودى و عشان كدا متكلمناش فمش بقينا صحاب، ايه رايك نتكلم شوية دلوقت و نبقى صحاب.
سألته بحاحب مرفوع:
– هو أنت أهبل و لا بتستعبط!
تحدث حسام باعتراض:
– كدا غلط، هي بتتقال أنت أهبل و لا بتستهبل، أو… أنت عبيط و لا بتستعبط…… دا الصح، مش كدا يا بنات؟؟
كان سؤاله الأخير موجهًا إلى الفتاتين الجالستين بمحاذاتهما، فحركت «دينا» رأسها بيأس وقالت:
– دا انت مجنون!
أضاف حسام ممازحًا:
– اهي دي بقى بتتقال، أنت مجنون و لا هتتجنن علينا…..
قالت دينا بضجر:
– طب بعد إذنك يا حضرة الفيلسوف ممكن تسيبني في حالي! عشان أنا مش طايقة حد دلوقت؟
تشدق مردفًا باستنكار:
– طب و أنا مالي، لو حد دا زعلك في حاجة بتخرجي عصبيتك عليا ليه!
رمقته بطرف عينيها، و شرعت في وضع الهاتف و السماعة داخل حقيبتها، و أخرجت الكتاب الخاص بمادة الفيزياء، كي تستذكر بعض النقاط الهامة، و لكن ذلك الطائش الجالس بجانبها أحبط ما كانت ستفعله عندما سحب منها الكتاب قائلاً و هو يتفقد صفحاته:
– انتي بتاخدي فيزيا عند مين؟ انتي عارفة…. أنا الفيزيا كانت لعبتي.
نهضت واقفة و هتفت بضيق مكتوم:
– نزلني على أول الشارع يا اسطا.

أغلق الكتاب و نظر إليها قائلاً:
– انتي هتنزلي بسرعة كدا؟ دا احنا لسه متعرفناش و لا حتي قولتي بتاخدي فيزيا عند مين؟!!
التقطت كتابها من بين يديه و هي تصطك على أسنانها بغيظ، ثم قالت:
– ايوه هنزل، مجبورة انزل بسببك.
قالت جملتها الأخيرة تزامنًا مع ذلك الكتاب الذي أُطبق على رأسه، قبل أن تتركه يتألم و تتحرك للهبوط من الحافلة، فوضع «حسام» يده موضع الضربة التي تلقاها للتو و قال بانزعاج:
– منك لله يا مفترية، أنا أصلًا عندي صداع، هلاقيها منك و لا من ستي الشيخة«أروى»!!
و أخيرًا وصل إلى وجهته، و مازال ممسكًا برأسه عند دخوله من البوابة الحديدية الكبيرة و التي هي نهاية لسور دائري، يحيط بمبنى الشركة.
استدار سريعًا و هو يبحث بحدقتيه عن «ميار» التى جاءت من خلفه و هي تناديه بصوت غاضب، وقفت قبالته و صرخت في وجهه:
– ينفع اللي حضرتك عملته امبارح ده؟
ابتسم سائلًا:
– عملت ايه يا بنت خالتي يا مزة؟
تناست غضبها و تراجعت عن نيتها بتلقينه درسًا، و سألته ببسمة واسعة:
– بجد حلوة؟
أماء برأسه مؤيدًا:
– حلوة بس!! دا انتي حلوة اوي، قمراية كدا.
سألته مجددًا و هي تدور حول نفسها:
– طب و ايه رأيك في الطقم الجديد ده؟
ابتسم لها قائلًا بحب:

– جميل عليكي يا «ميار».
سألته سريعًا باهتمام:
– يعني تعتقد هيعجب «باسل»؟ أنا جبته باللون البترولي ده مع اني مش بحبه، بس مش مشكلة اهم حاجة باسل بيحبه و أكيد هيعجبه عليا.
شعر بضيق قد تبين على وجهه العابس، عندما أردف:
– طيب يا ميار يا رب يعجبه….. انا داخل الشركة.
كاد أن يتحرك من أمامها و لكنها منعته عندما، قالت بصوت غاضب:
– مش قبل ما تفسر اللى أنت عملته امبارح يا استاذ، يعني ايه تسيبني برقص امبارح مع أصحابي و ترجع البيت؟
أجابها بنبرة ساخرة:
– و هو يعني الأستاذ ممدوح معرفش يوصلك البيت! ثم إن انا كنت شارب أصلا يعني وجودي معاكي زي عدمه…..و كفاية عليكي كدا بقى انا مش ناقص عقاب تاني من ستي الشيخة.
كان «باسل» كعادته منهمكًا في عمله، عندما جاءت إليه «ميار» التى دفعت الباب و دلفت إليه دون أن تطلب إذن الدخول، زفر بضيق عندما وجدها أمامه بذلك الثوب الذي يظهر من جسدها أكثر مما يخفي، و أردف قائلاً بجمود:
– مش فاضي لكلامك الفاضي اخرجي و اقفلي الباب وراكي.
لم تعر قوله اهتمامًا و إنما اقتربت من مكتبه و هي تقول:
– هقعد معاك شوية بس عشان أنت وحشتني اوي يا حبيبي.
تحدث بصوته الجهوري قائلًا بغضب:
– أنا مش حبيبيك اخرجي و متجيش هنا تاني، بدل ما احرجك قدام الشركة كلها و اطلب الأمن يخرجك.
نظرت إليه بضيق يخالطه الخوف و قالت بتراجع:
– خلاص همشي.

قبل أن تتحرك عن موضعها، لمحت تلك العلبة القطيفة التى قد تركتها «أروى» ل «باسل» يوم أمس، فسألته «ميار» بترقب:
– هي العلبة دي فيها ايه يا باسل؟ انت جايب هدية لمين؟
انتبه «باسل» إلى تلك الهدية، فكان قد نسي أمرها تمامًا، فنظر إلى «ميار» قائلًا:
– حاجة متخصكيش، ياريت تخرجي برا بقى.
لم تتحدث و إنما بقيت موضعها تنقل نظرها بينه و بين تلك العلبة القطيفة، و عندما حاول «باسل» أن يخفيها من أمامها، كانت يد «ميار» هي الأسرع في التقاطها.
هب واقفًا كمن لدغته حية، و بخطوات سريعة كان واقفًا أمامها، فحدقت به بشكٍ قائلة:
– أنت اتفزعت كدا ليه؟
أجاب بتهكم:
– أنا متفزعتش، و بعدين هاتي العلبة و ملكيش دعوة بحاجة مش ليكي.
أردفت بإصرار:
– طالما حاجة ليها علاقة بيك تبقى تخصني أنا يا باسل، أنا هشوف العلبة فيها ايه.
هتف بغضب:
– قولتلك لاء، هاتيها.
نطق بكلمته الأخيرة، محاولًا التقاطها من بين يديها، و لكنها رفعت يدها مانعةً ايه، فحاول تكرارًا و في كل مرة كانت تحرك يدها في جهة معاكسة، و لكنه في نهاية الأمر استطاع أن يقبض على جزء من العلبة و عندما حاول أن يسحبها فعلت هي مثله و لكن في اتجاهين متضادين، فانقسمت العلبة إلى نصفين، و سقط ما بها أرضًا مظهرًا ملامح الصدمة علي وجهيهما.

 

يتبع….. 


google-playkhamsatmostaqltradent