Ads by Google X

رواية أحفاد المعز الفصل الرابع 4 - بقلم زينب محروس

الصفحة الرئيسية

  

رواية أحفاد المعز الفصل الرابع 4 - بقلم زينب محروس

– المفروض دلوقت هعمل ايه؟ لما هو «رمزى» عايز ياخد الأملاك، ليه يكتبها بإسم مراته مش بإسمه؟ ما هو كدا كدا في الأول و الآخر بينصب علينا؟!! و بعدين هو هيكتبها ازاي و دي أصلا املاك جدي و باسم جدي؟؟…. معقول يكون جدي هو اللي تنازل عن أملاكه؟… بس ايه اللي يخليه يعمل كدا ما هو عنده ورثة أصلًا و مكنش بيكرهنا يعني عشان يحرمنا من الورث!… و لو جدي اللي تنازل بمزاجه ليه تنازل ل «أروي» مش «رمزي»؟!
زفر بضيق و حيرة و هو يتحرك ليجلس علي طرف الفراش مغمغمًا:
– أنا هتجنن و مش فاهم حاجة و لا عارف هعمل ايه؟؟
قُطعت وصلة تفكيره عندما تناهى إلي سمعه صوت «أروى» تناديه، ف سحب نفسًا عميقًا و هو يغلق عينيه و يفتحهما في محاولة لكبح غضبه، ثم تشدق مردفًا بهدوء:
– ادخلي.
أدارت المقبض سريعًا و دفعت الباب قليلًا، قبل أن تطل بجزئها العلوي و مازالت تقبض بكفة يدها علي المقبض، ثم سألته ببسمة لطيفة:
– مش هتاكل؟؟
أجاب «باسل» بخفوت:
– لاء.
أهذا باسل الذي تعرفه؟؟! ما الذي جعله يتحدث إليها بصوت هادئ و منخفض هكذا؟…. بطريقة تتناقض مع أسلوبه الحاد و نبرته الصارمة و صراخه الذي قد اعتادت عليه، حاولت هي إثارة سخطه قائلة:
– متأكد يا بيسو مش هتاكل؟؟
– لاء مش هاكل، بعد إذنك اقفلي الباب معاكي.
رددت بدهشة:
– بعد إذني؟!!…… لاء كدا فيك حاجة.
رفعت يدها عن المقبض، و دلفت إليه في خطوات ثابتة حتى وقفت أمامه و هي تتفرس قسمات وجهه العابس ببنيتيها، ثم سألته باهتمام و بأعين ضائقة:
– أنت تعبان؟؟
نظر إليها بعينيه فتلاقت بحدقتيها في لحظة عابرة جعلت نبضاتها تتزايد، فأشاحت بنظرها بعيدًا بتوتر قد فُضح أمره ل«باسل» الذي أردف قائلًا:
– أنا زي الفل، بتسألي ليه؟
تحدثت و هي تتحرك بعشوائية:
– أصل يعني قولتلك يا «بيسو» و أنت مزعقتش!
– بحاول اقلل كلام معاكي، كدا كدا مش هتعملي غير الحاجة اللي هتضايقني.

التفتت إليه و هي تسأله بحزن لم تقدر علي إخفائه:
– هو كلامي معاك بيضايقك؟
– مش بس كلامك، وجودك كله علي بعضه بيضايقني، أنا اكتر حاجة بقيت بتمناها هي إنك تختفي من حياتنا.
شعرت بغصة في قلبها لسماع تلك الكلمات القاسية، التى ألقى بها دون أي مراعاة لشعورها، و تأثرٌ بذلك فقد أوشكت علي الاستسلام و لكن سرعان ما تداركت الموقف، و أظهرت لثام الجفاء و البرود و قالت:
– و الله يا بيسو دي مشكلتك مش مشكلتي، لو مش حابب وجودي تقدر تسافر و ترجع الكويت، انا مش ماسكة فيك.
تلوى ثغره ببسمة ساخرة، و استوى علي قدميه قائلاً:
– توقعت منك الرد ده، بس عموماً مش واحدة زيك هتعرفني اعمل ايه!
أظهرت بسمة مماثلة أجادت تصنعها و قالت:
– أنت فعلاً مش محتاج حد يقولك هتعمل ايه، ماشاء الله عليك شحط اهو تقدر تقرر لوحدك.
لم يعد قادرًا علي كبح غضبه أكثر من ذلك، فكور يده بعصبية جعلته يشد علي قبضته كي لا يفتك بها الآن، فكانت عيناه يتطاير منهما الشرر عندما أردف بصوت كالفحيح:
– اتقي شري يا «أروي»، أنا لحد دلوقت ساكت و سايب اللعب ماشي علي مزاجك.
كان قلبها يرتعش خوفًا، فيبدو أن أمرها قد كُشف و أصبح «باسل» علي دراية بكل شيء، و مع ذلك ادعت عدم الفهم و سألته بجهلٍ زائف:
– لعبة ايه و كلام فاضي ايه؟ ما توضح كلامك!
أحس بألم شديد في معدته قد داهمه بغتةً، فصرخ في وجهها قائلاً بغضب:
– اخرجي بره، غوري من قدامي مش ناقص تمثيلك الممل ده.
أردفت بتحدٍ:
– أنا مش هخرج من هنا غير لما أعرف قصدك ايه؟

اصطك بأسنانه مغمغمًا من بينهم:
– قولتلك اخرجي بره.
صرخت في وجهه بإصرار:
– و أنا قولتلك مش هخرج غير لما أعرف انت بتعاملني كدا ليه؟ و تقصد ايه ب اللعبة؟
تأخر رده عليها، حيث وجدته يقبض علي معصمها بشدة ساحبًا إياها إلي خارج غرفته، دفعها بعيدًا عنه بغضب حتى أنها كادت تسقط عن الدرج، و لكن لحسن الحظ كانت يد «فارس» هي الأقرب إليها، و الذي تحدث إلى «باسل» قائلاً بلوم:
– ايه يا «باسل» بتزقها كدا ليه؟!! دا مش أسلوب محترم أبدًا .
وزع «باسل» نظره بينهما و أردف بلهجته الغاضبة:
– سبتلك الاحترام، و أنتي لو قربتي مني تاني هخليكي تندمي…… و افتكري كلامي ده، و اه انبسطي باليومين اللي باقيين.
انهي كلامه و تراجع في خطواته إلي غرفته صافعًا الباب في وجهيهما، و اعتدلت «أروى» في وقفتها قائلة بحرج:
– شكرًا يا فارس.
سألها «فارس» باهتمام:
– هو متعصب كدا ليه؟ ايه اللي حصل؟
تحدثت بجدية:
– متشغلش بالك… المهم قولي متعرفش حسام فين؟
– هو لسه مرجعش؟
– لاء لسه.
– ممكن يكون سهران في ملهى ليلي..
سألته «أروى» بترقب:

– طب هو أنا ممكن اطلب منك طلب؟
– اتفضلي.
– ممكن تروح و تجيبه.
صمت «فارس» لوهلة يفكر في الأمر، فهو يكره بشدة دخول مثل تلك الأماكن، و هذا السكوت قد فسرته «أروى» على أنه يريد الرفض لكنه محرج، فقالت بتراجع:
– خلاص مفيش مشكلة، أنا هتصرف.
أردف «فارس» سريعًا:
– هتتصرفي ازاي؟ أنا هروح اجيبه متقلقيش.
********
بمرور الوقت كان «فارس» واقفًا أمام ذلك الملهى الليلي، الذى أُجبر على المجيئ إليه بسبب ذلك الطائش «حسام» ، زفر بضيق و هو يستغفر بداخله، فكان عقله يأبى أن يدعمه على التقدم إلى ذلك المكان اللعين أكثر من ذلك، و أخيرًا توصل عقله إلى الاستعانة بالهاتف و الاتصال ب«حسام» ليطلب منه «فارس» الخروج إليه في الحال.
و بالفعل أخرج هاتفه من جيب بنطاله و لمس على شاشته عدة مرات في مهمة للاتصال، و لكن في كل مرة كان ينتهي الاتصال دون إجابة من الطرف الآخر، فأعاد الهاتف إلى جيبه مرة أخرى بخيبة أمل و هو يغمغم من بين أسنانه:
– شكلي كدا مضطر ادخل.
سار بخطوات مترددة إلى مقر الملهي، حيث كان يخطو خطوة و يؤخر التى تليها و كأنه ينتظر شيء يمنعه من الدخول، و حدث ذلك بالفعل حيث أنه قبل أن يدفع تلك البوابة الخشبية الكبيرة، أوقفه رنين الهاتف فرجع خطوتين للوراء و هو يخرج هاتفه مرة أخرى، و ما إن رأى هوية المتصل حتى خرجت الكلمات من فمه قائلًا:
– أنت فين يا حسام؟؟ و مش بترد ليه؟
جاءه الرد بصوت أنثوي:
– أنا مش حسام، هو مش قادر يتكلم.

لم تكن كلماتها واضحة بالنسبة إليه، بسبب تلك الضوضاء و صوت الموسيقى الصاخب، فتحدث «فارس» بصوت مرتفع نسبيًا:
– أنا واقف بره اطلبي من حسام يخرج فورًا.
تحدثت مرة أخرى بصوت قد ارتفع عن سابقه:
– طيب أقف عند الباب.
هذه الجملة قد استطاع «فارس» تفسيرها، فأغلق الهاتف و وقف بقرب الباب كما طلبت منه الفتاة، كانت تلك الدقائق تزعجه و كأنها تضع ثقلًا فوق كتفيه، فكان يتفقد ساعته اليدوية تارة و يتعلق نظره بالباب تارة أخرى.
و ها هو الوقت يخلق نهاية لانتظاره، حيث فُتح الباب و خرج «حسام» الفاقد للوعي بشكل جزئي، و الذي تفتقر وقفته للاتزان لذلك كانت تساعده تلك الفتاة علي الوقوف و السير إلى «فارس»، فكانت تضع ذراعه حول رقبتها و تحاوط هي خصره بذراعها الضعيف و الضئيل مقارنة بجسده ، و كانت هذه مفاجأة و صدمة كبرى أُعطيت إلى «فارس».
فلم تكن تلك الفتاة سوى «دينا» طالبته في مركز الدروس الخصوصية، أصابته رؤيتها حقًا بدهشة كبيرة، فماذا تفعل فتاة مثلها لم يتجاوز عمرها الثامنة عشر في مثل هذه الأماكن المُلمة بالشباب الفاسد؟؟.
كان الصمت مخيمًا عليهم إلى أن قطعته هي قائلة ببرود:
– على فكرة الكابتن دا تقيل على ايدي، ياريت تشيله عني بقى.
تدارك «فارس» الموقف، فاقترب هو و أسند «حسام» بدلًا عنها، و أشاح بنظره بعيدًا و هو يقول:
– شكرًا على مساعدتك.
ها هو مرة أخرى يتحدث إليها و نظره بعيدًا عنها، و هذه المرة لم تتجاهل الأمر و إنما سألته بضيق مكتوم:
– هو حضرتك ليه بتكلمني و انت عيونك بعيد؟؟
سألها و مازال محافظًا على وضعه:
– و هو المفروض اكلمك ازاي؟ و لا أبصلك ليه يعني؟

أجابته بتهكم:
– تبصلي و أنت بتكلمني زي ما انا ببصلك و زي ما كل الناس بتبص لبعضها و هي بتتكلم!
أردف بهدوء:
– عشانك.
– مش فاهمة!
– مش ببصلك و أنا بكلمك عشان كفاية عليكي ذنوبك اللي بتشيليها و بردو عشان بالنسبة لي أنتي فتنة.
أردفت ساخرة:
– على كدا بقى يا مستر الناس هتكلم بعضها و هي مغمضة.
كان محافظًا على هدوءه و نظره الذي يقع على اي شيء اخر سواها، حين قال:
– بصي يا دينا انا آخر واحد ممكن يتكلم في أمور الدين، لقلة علمي و لكن اللى متأكد منه إني مينفعش أنظر لوجه سيدة أجنبية عني إلا إذا كنت متأكد انها مش فتنة بالنسبة لي، و بمعني تاني تكون نظرتي إليها خالية من أي شهوة، و هنا بتكلم عن الوجه بس فما بالك بقى بواحدة زيك لابسة فستان كب و يا دوب واصل لركبتك بالعافية و كمان معلش يعني….. لازق على جسمك خالص و لا اكنك لابسة حاجة و دي حاجة ممكن تفتني او ممكن تخليني ابصلك بصة مش كويسة ما هو معلش يعني أنا إنسان و الإنسان بيخطأ و الله أعلى و أعلم….. فعشان كدا بتجنب النظر للسيدات على قد ما بقدر…..حفاظًا على نفسي و على أي سيدة مازالت مش لابسة حجاب كامل.
هنا نظرت «دينا» إلى ثوبها، بعدما فهمت ما شُرح إليها توًا، ثم نظرت إلى «فارس» و قالت:
– تمام يا مستر فهمت حضرتك، هدخل بقى عشان أصحابي جوا.
تلقائيًا كان سينظر إليها، و لكنه التف برقبته بعيدًا عنها و هو يقول:
– تدخلي فين؟ أنتي لازم ترجعي بيتك حالًا.
– ما أنا هرجع مع صحابي.

سألها مستفسرًا:
– هو في طلبة غيرك جوه؟؟
أجابته بصدق:
– لاء دول بنات اكبر مني مخلصين دراسة.
تشدق مردفًا باستغراب:
– و أنتي ايه اللي لمك عليهم.
– الظروف.
تحدث باستنكار:
– ظروف ايه اللي تخليكي تصاحبي شلة فاسدة؟ و بعدين اوعي تكوني شربتي حاجة؟!
أجابت سريعًا:
– لاء و الله مشربتش حاجة.
– طب يلا هتروحي معانا مفيش دخول.
– طب شنطتي معاهم طيب، هدخل اجيبها.
كانت ستتحرك و لكنه أوقفها قائلًا بحزم:
– لاء… مش هتدخلي المخروبة دي تاني.
سألته باستغراب و بحيرة من إصراره على العودة إلى البيت، فأصحاب البيت ذاتهم لم يمنعوها من الذهاب إلى هذا المكان، و لم يعقبوا على ثوبها ف علي النقيد شجعتها والدتها على إرتدائه:
– طيب و حاجتي.
– فين فونك؟

– معاهم.
مد يده بالهاتف إليها و قال:
– رني على صحبتك و خليها تجيبلك الحاجة لحد هنا.
أخذت منه الهاتف و اتصلت على هاتفها و لكن لم تُجبها أي من الفتيات التي قد حضرت إلي هنا برفقتهن، فنظرت إلي فارس الناظر بعيداً و قالت:
– محدش بيرد.
سحب نفسًا عميقًا و تحرك ب«حسام» الذي يتأفف بملل، و يلقى عليهما باللوم لإخراجه، و قطع وصلة استمتاعه بأجواء الملهى، فتح باب السيارة الخلفي و ساعده في الصعود، ثم رجع إلى حيث تقف «دينا» و تتابعه في صمت.
أخذ منها الهاتف بعدما تجرد من معطفه الصوف و أعطاه لها قائلاً:
– البسي دا عشان الجو برد.
فعلت كما طلب منها و هي تتحرك خلفه، فاستدار مرة واحدة عندما أحس بحركتها، و سألها:
– انتي راحة فين؟
– داخلة معاك، انت اكيد مش عارف صحابي دول.
أردف بنبرة حازمة:
– لاء مفيش دخول، استني هنا و أنا هتصرف.
تركها واقفة و رافعة لحاجبيها باستغراب، و اختفى هو داخل ذلك المقر الذي لم يفكر في الأمر مرتين قبل دخوله إليه بدلًا عنها، استغرق الأمر خمس دقائق حتى عاد إليها حاملًا لحقيبتها اليدوية، ليجدها واقفة كما تركها.
تجاوزها ذاهبًا إلى السيارة، و فتح الباب الأمامي و رفع عينيه ناظرًا إليها فكانت قد ارتدت غطاء الرأس الخاص بالمعطف و أخفت به شعرها، أشار إلي المقعد المجاور لعجلة القيادة، فركضت إليه و صعدت إلى السيارة بعدما أخذت منه حقيبتها، بينما تحرك محتلًا الكرسي الواقع أمام عجلة القيادة ليبدأ دوره في إعادة كلا منهما إلى بيته.

*******
كانت مغمضة العينين، تقف فى تلك الشرفة الخاصة بغرفتها، فكانت ترتدي ثوبًا من القطيفة قد حصلت عليه سابقًا من أجل الصلاة، لم تكن تبالي بتلك النسمات الباردة التي تلفح وجهها الدافئ، و إنما كانت شاردة الذهن تسترجع فى عقلها ما قد حدث قبل قليل.
و بغتةً فتحت عينيها و غمغمت:
– أنا حاسة إن «باسل» مش طبيعي النهاردة، فيها حاجة متغيرة.
تلفظت بجملتها و هي تغادر غرفتها، راغبةً في الإطمئنان عليه، و ما إن أصبحت أمام غرفته حتى تناهي إلى سمعها صوت سعال، فتنازلت عن دق الباب فاتحة إياه سريعًا، و عندما دلفت إليه وجدته في حالة يرثى لها.
كان جالسًا على حافة الفراش بوجه قد استملكته حمرة شديدة تسبب بها ذلك السعال الشديد، و عندما انتبه إلى دلوفها إليه شرع برأسه ناظرًا إليها بعينين فى حالة من الإرهاق و الإحمرار، و إضافة إلى ذلك جسده الذي يرتجف من برودة الجو.
ركضت صوبه بقلق لم تستطع إخفاءه و سألته بلهفة:
– مالك يا باسل؟ أنت تعبان؟
غرب بحدقتيه بعيدًا عنها و هو يقول بصوت خفيض مضطرب:
– اخرجي بره، قولتلك مش عايز اشوفك.
لم تعطي لكلماته أهمية، بل اقتربت منه أكثر واضعة يدها على جبهته لتتفحص حرارته، ف أبعد يدها عنه سريعًا بغضب و هو يقول:
– خليكي بعيدة عني.
أردفت بقلق:
– أنت سخن نار لازم تاخد علاج، و أصلًا جسمك بيتنفض ازاي أنت مش حاسس بنفسك؟
قبل أن يصرخ في وجهها مرة أخرى، منعته تلك السُعلة التى تتابعت بأخرى، فتحركت أروى إلي خزانة الملابس و أزاحت الباب الجرار، و انتقت من أجله بعض الملابس الثقيلة.

بالرغم من كونه يشعر بألم قوى قد اعتراه، و تمكن من عظام جسده بالكامل لدرجة تُعسر من حركته، إلا أنه قد تحامل على نفسه و على قدميه التي تحملانه بصعوبة، و نهض مقتربًا إليها.
التقط سريعًا ما تحمله بين يديها من ثيابه، و ألقى بهم بعيدًا و هو يقول بتهكم:
– مسمعتيش عن حاجة اسمها فهم! بقولك مش عايزك هنا!
لم تعقب على حديثه و تركته و ذهبت لترفع تلك الثياب المبعثرة أرضًا، و لكنه لحق بها و في هذه المرة دفعها بعيدًا و صرخ في وجهها بصوت جهوري غاضب:
– قولتلك اخرجي! ايه قلة الذوق دي!
اصطدمت بوحدة الإدراج الملحقة بالمرآة، إثر دفعته القوية، و بسبب ذلك سقطت زجاجة عطره التي تهشمت إلى قطع صغيرة و من بعدها «أروى» التى جُرحت كفة يديها.
لم تنتبه لجرحها الصغير النازف، و إنما استوت على قدميها و هي تتفرس ملامح وجهه المخالفة لصوته الغاضب، و وقفته التى تفتقر للصلابة، ران عليهم الصمت للحظات، و هي تفكر كيف ستعتنى به و هو يعترض على وجودها برفقته؟؟؟؟
قطع هو ذلك الصمت قائلًا بصبر أوشك على النفاذ:
– هتفضلي تبصيلي كدا كتير؟؟ مش ناوية تخرجي!!
خرجت عن صمتها و قالت بجدية:
– هخرج بس لما أتأكد إنك بخير، هفضل معاك بس لحد ما ولاد عمك يرجعوا و بعدين هخرج و اسيبك.
– لاء، لا عايزك و لا عايزهم.
– طيب استحملني النهاردة و وعد مني من بكره مش هتشوف وشي و الله.
لم يعد قادرًا على الوقوف أكثر من ذلك فعاد إلى الفراش، فقد اشتد عليه المرض، و ازدادت الحرارة في عينيه لدرجة تجبره على إغلاقهما.
أخذت «أروى» الملابس إليه و هي تقول:
– البس دول الأول عشان التي شيرت اللي أنت لابسه خفيف.

أراد أن ينزع ما يرتديه اولًا، فشهقت بخجل و منعته قائلة:
– بلاش تخلع اللي عليك، البس فوقهم.
زفر بضيق قبل أن يفعل ما قالته، و ساعدته هي في الاسترخاء على فراشه، و دثرته جيدًا بالغطاء، و تركته و خرجت لتبحث عن علبة الإسعافات لتعطيه دواءًا لمرضه.
عدة دقائق قد مرت عليها و هي تبحث بلهفة و خوف عليه، و لكنها لم تجد أثرًا لأي شيء يتعلق بالدواء، لم تعرف ممن ستطلب المساعدة في هذا الوقت المتأخر، ف «ولاء» قد عادت إلى منزلها و«فداء» خلدت إلى النوم و سبقتها «وفاء»، و «فارس» منذ أن خرج لإحضار ابن عمه لم يرجع حتى الآن و قد تجاوزت الساعة الآن الثانية عشر .
وقفت في بهو القصر و يدها اليسري تتوسط خصرها، و اليمني فوق راسها المنشغل في البحث عما يجب فعله الآن؟….. فقد بحثت في غرف القصر بأكمله و لكن دون فائدة.
تذكرت حارسي القصر، فلابد و أن أحدهما مستيقظ الآن فأسرعت بالخروج إليهما، و بينما هي تعدو درجات السلم الخارجية، انتبهت إلى ذلك الصوت الناتج عن إطارات السيارة المُحتكة بالطريق.
أسرعت إلى «فارس» الذي ما لبث أن يترجل من السيارة حتى وجدها تخبره بقلق بالغ:
– الحقني يا فارس، باسل تعبان خالص.
اقلقه ما قالته، فسألها باهتمام:
– تعب أمتي؟ مش كان حلو قبل ما اخرج؟؟
وضحت له قائلة:
– لاء كان ساعتها تعبان برضو بس مكنش الدور تقل عليه، المهم دلوقت لازم نشوف دكتور او نجيب علاج لأن البيت هنا مفهوش علاج.
– طب و هنجيب علاج ازاي و احنا مش عارفين هو ماله؟ لازم نوديه لدكتور.
– مش هينفع دا نايم مش قادر يتحرك، لو ينفع نجيب دكتور يكشف عليه هنا.
رد عليها بقلة حيلة:

– أنا معرفش دكاترة.
قالت باقتراح:
– طب بص هو شكله كدا واخد الدور، عنده كحة و سخن و نشران و كان ماسك معدته فممكن يكون عنده مغص، فبص انت وصل «حسام» لاوضته و خليك جنب «باسل» و أنا هروح الصيدلية أوصف حالته للدكتور اللى هناك و اجيب علاج و هاجي.
قال «فارس» باعتراض:
– لاء طبعًا الوقت متأخر خليكي هنا، و أنا هسيب النعسان على نفسه دا فى العربية و هاخده معايا و أجيب أنا العلاج.
و بالفعل غادر «فارس» سريعًا لإحضار الدواء، و عادت «أروى» إلى «باسل» و هي تحمل وعاء به خليط من الماء و قطع الثلج و بيدها منديلًا من القطن، و بللت المنديل بالماء البارد و طوته عدة مرات لتقلل من حجمه، و بدأت تضعه على جبهة «باسل» لتخفف من حرارته المرتفعة فى حركة تكرارية، و أحضرت منديلًا آخر قد بللته أيضًا و استخدمته لتمسح به على وجه «باسل» نزولاً إلى رقبته.
و استمرت على ذلك الوضع حتى وجدت «فارس» قد وصل إليها، و معه الدواء و برفقته طبيب من مركز بيع الدواء، فقد جاء ليساعدهم في تركيب تلك المحاليل الطبية.
تابعت أروى ما كانت تقوم به، حينما توجه الطبيب للطرف الآخر للفراش و شرع في إتمام ما جاء لأجله، و ما إن انتهى حتى اخبرهم بما يجب فعله عندما ينتهي محتوى زجاجة المحلول.
خرج «فارس» مع الطبيب، و بقيت هي تتأمل وجهه النائم، و تمسح على رأسه بحنان و هي تتمتم بكلمات غير مفهومة.
*******
علي صعيدٍ آخر.
تقف أمام المرآة و هي تتأمل فستانها الذي يلتصق بجسدها، و أطرافها العارية و شعرها المنسدل بأريحية، فكانت كلماته تتردد في أذنها، و عقلها فى حيرة من أمره، فهناك جزء بداخلها يتخذ جانب «فارس» و جزء آخر يري بأنه لا بأس بأن تستمتع بحياتها و تظهر جمالها قليلًا.
التفتت ورائها سريعًا عندما انتبهت إلى صوت الباب، الذي قد أقفلته والدتها «أميرة» دفعًا بقدمها، حيث كانت تحمل في إحدى يديها كوبًا من العصير و باليد الأخرى فنجان من القهوة.

حدقت بها «دينا» بنظرة ملأها الاستغراب، فمنذ متى و «أميرة» تحضر إليها بشيئًا لها علاقة بالطعام أو الشراب؟… فهي لا تدخل إلى غرفة ابنتيها إلا لتنتقى لهما الثياب على ذوقها الخاص.
جلست على طرف الفراش بعدما وضعت ما بيدها على خزانة الأدراج المجاورة له، ثم أشارت إلى ابنتها بأن تذهب و تجلس بجانبها، فتحركت «دينا» إليها و جلست بجوارها دون أن تتحدث.
بادرت أميرة بالحديث عندما سألتها باهتمام بالغ:
– مين الشاب اللى وصلك ده يا «دينا»؟ تعرفيه من امتى؟؟
أجابتها بجدية:
– أعرفه من يومين.
حملت «أميرة» كأس العصير و أردفت و هي تعطيه إلى «دينا»:
– اشربي العصير دا جبته عشانك.
أمسكت دينا الكأس بيدها و سألت والدتها بجدية لتنهى ذلك الحوار:
– من الآخر يا ماما انتي عايزة تعرفي ايه؟؟
ابتسمت لها و هي تسأل بحماس:
– بتحبيه؟ مرتبطين يعني؟؟
تلوى ثغرها ببسمة ساخرة و أردفت:
– على فكرة دا المستر بتاعي، مش واحد زميلي.
أضافت «أميرة» سريعًا و بحماس لما تألفه «دينا»:
– انا هجوزك ليه..!.


 


google-playkhamsatmostaqltradent