رواية مشاعر موقدة الفصل الرابع 4 - بقلم فاطيما يوسف
في حوارٍ بين قلبي وعقلي كنتُ تائهةً بين آلامي وعشقي وآثامي ، فقلبي حاول أن يخفف آلامي التي انتباتني بسبب عشقي وعقلي نهَرنِي بسببِ آثامي لأنَّ رُوحي تعلقت وما زالت تتعلق بروح تسكنها ليست لي ، ولكن ماذا أنا بفاعلةٍ وقلبِي مُتشبِّسٌ به رغم الألم ؟ وذاك عقلي ينهرني عنه رغم الندم ، لكن لا الألمُ سينتهِي ولا النَّدمُ سيُنجِدُني ورُوحِي فقط هي الخاسرة ، التائهة في قلبٍ أعمى ولو كانت بصيرة .
#أوجاع
#نور_الهدى
#بقلمي_فاطيما_يوسف
ــ طب يا ربي أرد عليه دلوقتي ولا استنى للصبح ولا اعمل ايه انا قلبي هيقف من كتر دقاته ومن المفاجأة دي ،
دبرني يا رب اعمل ايه خايفة ما اردش ويفكر ان ده تجاهل مني ويطفش وخايفه ارد يقول عليا حد مش كويس وبردو يطفش اعمل ايه اعمل ايه ؟؟
وظلت على حالتها تلك حتى قررت أن تجيبه فقلبها الضعيف لا يتحمل الصبر وعقلها الأهوج الذي يرى ذاك الهاشم هو الفارس الأوحد جعلها استكانت وفتحت الرسالة حتى ظهر له استلامها لتجيبه بكلمات تحوى من الذوق ما يحمل معانٍ كثيرة لذاك الهاشم أن يفسرها :
ــ أنا اللي حابة أعتذر ليك يا شيف على طريقتي المتسرعة شوية بس غصب عني والله ماما لما عرفت اللي حصل لي وقتها اتهمتني إن أنا السبب وان محلتش المشكلة وجبت نفس الطلب كانت هتزعل مني جامد ،
ومرة تانية مرسي جداً لذوقك على انك بتشكرني على البوست مفيش داعي للشكر لأن ده حق محلات “سوتيس” .
أنهت رسالتها ثم وضعت قلباً باللون الزهري جانب كلماتها ثم أرسلتها إليه ثم أمسكت شاشة الهاتف تنظر لكلماته لها بحالمية وهي تعيد قرائتها مراراً و تكراراً وعقلها لم يكاد يستوعب الي الآن أنه أرسل رسالة شكر خصيصاً لأجلها وفراشات الغرام تداعب أسفل معدتها من فرط إحساسها وتخيلها باللحظة التي ستتوج بها عروس “هاشم سالم ” ذاك الشاب الوسيم ذو الهيبة والوقار والجسد الرياضي والوسامة المفرطة والرجولة الأسدية التي تنبع من عضلات صدره القوية ، صاحب أشهر محلات الحلوى المشهورة في جمهورية مصر العربية ، والأنثى حالفها الحظ وقابلته إذن فُتِحت لها طاقة القدر ولابد أن تتمسك به بل وتسعى جاهدة بكل مقوماتها أن تجذب انتباهه ولم تتنازل تلك الــ”حنين” عن ذاك الخاتم الأبدي الذي سيزين يديها وذاك العقد الذي ستستحوذ به على قلبه وتصبح أميرة قلب الــ”هاشم” وحينها ستكون حققت أمنيتها التى حلمت بها كثيراً ،
أما عنه ما إن أتته رسالتها حتى رفع حاجبه مندهشاً وهو ينظر إلى أصدقائه مردداً لهم بسخرية:
ــ طب قولوا لي بقي في واحدة محترمة يجي لها رسايل من واحد غريب بعد نص الليل وترد عليه عادي ؟!
اللي زي دي الواحد يثق فيها ازاي وهي قاعدة على الفون ترد على الشباب اللي متعرفهمش الساعة واحدة بالليل ؟
وأكمل سخريته منها وهو ينفخ بضيق كالمعتاد فهو يضيق ذرعاً في ثوانٍ قليلة بامتياز:
ــ بقي دي اللي انتو عايزيني أتجوزها وأسلمها اسمي علشان أستريح من زن أمي ؟!
الله الغني عن صنف الحريم كله أنا راجل صاحب مزاج ومش ناقصة عكننة هي .
تأفف كلاهما من ضيقه المتسرع وأسبابه الواهية التي لا تمت للواقع بصلة ليجيب “يحيى” أولاً:
ــ يا عم هو انت عايش في العصر الحجري أكتر الناس حياتها اتشقلبت وقلبوا الليل نهار وبقو يسهروا لستة الصبح ويناموا للمغرب ، انت مفكر الناس كلها زيك تمانية الصبح بالدقيقة يصحوا وآخرهم في السهر ١.٣٠ الصبح ، أكيد دي بنت وسهرانة على الشات مع صحباتها البنات ،
وبعدين هي لسه منزلة البوست يعني اكيد صاحية مش لازم تكون بتكلم شباب زي ما عقلك الواهي صور لك ،
يا عزيزي تيكت إيزي .
أما “زيد” أكمل على دفاع “يحيى” وهو ينعته بالعقل الحجري كصفة على عدم تطلعه لما يجرى حولنا من تغيرات في كل شئ :
ــ والله يا بني الله يكون في عون اللي هتتجوزك يا سي السيد انت ، الدنيا كلها بتسهر دلوقتي والحياة لذيذة عند الناس والدنيا مش مستاهلة القفشة الكدابة دي ، فك يا عم الشيف خليها تتزهزه وواحد فينا نحسه يتفك ونرقص بقي في فرحه أنا مخنوق وعندي طاقة عايز اخرج بيها حـ.ــرقة قلبي على اللي أنا حاسس بيه .
اعتلت أنفاسه بحيرة وزهق فور أن تذكر الـــ”ليلى” وشأنها وعلاقتهم التي تشبه خيوط العنكبوت لن تُفَك بسهولة ولربما ستظل معقودة دوماً ليسأله “يحيى” :
ــ طب انت لسة في الأول يا “زيد” ما تكبر دماغك منها يا عم طالما البنت مش عايزاك ، وبعدين الحب مش بالعافية هي لو بتحبك هتلاقيها شايفاك وحساك وعمرها ما تكرف لك وانت لسة في الأول يعني ما لحقتش تدوب في دباديبها علشان تقعد مهموم قوي كدة وقاعد تعد نجوم الليل وانت مقهور بالشكل ده .
فرك كلتا يديه في الأخرى وهو يجيبه بلوعة :
ــ انت اللي بتقول كده يا “يحيى” وانت مجرب ازاي تتعلق بحد والحد ده ما يشوفكش أو يستغنى عنك بسهولة !
بس أنا بقى حطيتها في دماغي لدرجة انت ما تتخيلهاش وطول ما هي بتبص لي من مكان تاني وبشكل تاني خالص طول ما انا هفضل قلبي قايد نــار بمشاعر مشــ.ــعللة جوايا مش هتنطفي ولا هتهدى الا بكلمة واحدة منها إنها عايزاني زي ما أنا ما عايزها وعلشان ده يحصل لازم أتغير وعلشان أتغير لازم أشن حــ.ــرب على نفسي شديدة وأنا ضعيف قدام الجنس اللطيف يا جدعان ،
أعمل ايه في عيني اللي عايزة تتخـ.ـزق وفي لساني اللي موديني في داهية كل لما يشوف واحدة حلوة ،
ثم تآكل بشفتيه غيظاً من نفسه وهو يتمنى :
ــ أنا عايز حبوب سيطرة يا شباب ، أو حبوب عمى قصاد الحريم علشان أنا عارفني ديلي عِوج والديل الأعوج أخرته وحشة وأنا مستهالش اللي نفسي بتعمله فيا .
حقاً حينما نجلس مع أنفسنا أو شبيهى أنفسنا يخرج الكلام على شفتينا ليعبر عن الكامن داخلنا من أخطاء نود أن نفتك بها داخلنا ، نود أن نـ.ـكسرها بقبضةٍ من حديد كي نفوق من وهم الغش ، والكذب ، والخداع ، والخيانة ، كي تهدأ مشاعرنا الموقدة وحينها تستقيم أفئدتنا ولكن النفس أمارة بالسوء وهي السبب الأول والأخير في شقاء صاحبها فهنيئاً لك أيها المستقيم حقاً ستحظى براحة بال لم يمتلكها أغنى بني آدم ،
أما “هاشم” تركهم يتحدثون وتنحى جانباً وقد تفهم نصيحتهم ووعاها فهم خبرة عنه في تلك الشؤون وقد قرر الرد عليها :
ــ تمام مفيش اعتذار إنتي خلاص بقيتي صاحبة مكان يا آنسة ،
ثم أكمل حديثه بادئاً بأولى خطوات التقدم في علاقتهم وهو يقوم بعزميتها هي ووالدتها بطريقة دوبلوماسية:
ــ وعلشان زي ما بيقولوا يبقى عيش وملح ممكن تجيبي الست الوالدة وانتي كمان وتشرفوني في المحل نشرب قهوة وكمان تختار كادو من المحل وكمان العمال اللي حضروا التاتش اللي حصل بينا يشوفوكي وانتِ مرضية .
قرأت رسالته بعيون تملؤها الابتسامة الساحرة وكأنها طيرٌ يطير في السماء ويحلق بأجنحته بسعادة ، وحينما قرأت عزيمته توسعت ابتسامتها ورفرف قلبها بانتصار وقلبها يدق بوله كأنه يطير فوق السحاب ويعانق النصر باهتمام فارسها بها دون أدنى تعب أو تخطيط لأن تناله ولكن تراجعت ابتسامتها وهي تتذكر أمر والدتها فكيف ستوافق وكيف ستقنعها فمن المستحيل أن تقبل لتجيبه بخزي وهي تكاد تنهر أصابها التي تبعث رفضها :
ــ أممممم… معلش والله مش هقدر أقبل العزومة دي ولا ماما هترضى وأنا يكفيني ذوق حضرتك معايا وإن شاء الله متعوضة في أي مرة تانية أجي فيها المحل ، مانا باجي هناك علطول لأن مناسبتنا مبتنتهيش بس المرة اللي قابلت حضرتك فيها حصل التاتش الغير مقصود ده .
اطمئن ذاك الــ”هاشم” لعدم قبولها عزيمته بأنها ليست من الذي يرمون بكرامتهم تحت أقدام أي شاب يعرض عليهم ذاك العرض فعزيمته لها ليس بها أي أساس من الصح ولكنه ذو ذكاء سريع فكَّر سريعاً وهو يعرض عليها ذاك الحل وهو يطلب منها رقم هاتف والدتها فهو قد انتوى أن يأتى بوالدته هي الأخرى في ذاك الوقت كي يتعرفا على بعضهم وإذا نالت إعجاب والدته فليتقدم لها وتتم أمور زواجهم في السريع العاجل ويستريح من ثرثرة والدته عن استقراره :
ــ طب انا عندي حل ممكن تديني رقم والدتك وانا هعزمها بنفسي هقول لها ان المحل بيشكركم جدا على المنشور اللي انتِ نزلتيه والشكر في التليفون ما ينفعش ولازم تيجوا المحل تاخدوا هدية بسيطة وهقنعها بس ابعتي لي الرقم .
حينما استمعت إلى حلوله كأنها نسمة باردة تخـ.ـترق نيـ.ــران شعورها الأهوج في مقابلته والجلوس أمامه مرة أخرى ، فقد نزلت كلماته كالبرد والسلام على قلبها المولع والمتيم بمقابلة هاشمها ولكن فكرت قليلاً وهي ترفض إعطائه الرقم كي لا يستشف ولهها به فهي تريد أن تستخدم أسلوب المراوغة كي تستطيع جذبه إليها :
ــ مش هقدر أبعت لك رقم ماما معلش يا افندم أنا هبلغها شكر حضرتك وهديتنا انت بعتها مع الأوردر ودي والله مش قلة ذوق مني بس لا يصح الا الصحيح.
هنا نظر إلى أصدقائه قائلاً لهم بتراجع عن فكره أمامهم :
ــ تصدق ياض منك ليه انتو عندكم حق البنت عزمتها هي وأمها عندي في المحل على قهوة وأديهم هدية صغيرة كدة بحجة المنشور اللي نزلته وكمان اعتذار عن اللي حصل في المحل رفضت رفض تام وحتى قلت لها هاتي رقم والدتك وأنا أعزمها بنفسي علشان أشيل عنها الإحراج رفضت يا ولاد ،
ثم نقل بصره نحو مياه البحر الساكنة وهو يتحمحم بمفاجئته :
ــ أمممم …. شكل أخوكم هيبقي عريس عن قريب والنحس هيتفك علي يدي وأنا اللي هقص الشريط بعون الله .
قام كلاهما بسعادة وهو يلتفون حولها ويصفقون ببهجة وهم يرددون في آن واحد بدعابة :
ــ يا ولاد بلدنا يوم الخميس هاشم هيكتب كتابه وهيبقي عريس ، وهتبقي عامة ، وهنبقي لامة ، وهنرقص للصبح وهيبقي معاه في البيت ونيس ، ياه يا ولاد بلدنا .
وظلت الضحكات تغمرهم وكل منهم يتناسى حزنه و وجعه وهم يحاولون الفكاك عن أنفسهم من تعب قلوبهم ، اما تلك الــ”حنين” احتضنت هاتفها بسعادة وكأنها حصلت اليوم على ملك سليمان بل ويزيد .
##################
أعلنت الشمس الذهبية بزوغها في كبد السماء
فشروق الشمس هي سرّ الحياة على الأرض، وهي مصدر النور والإشراق؛ ففي كلّ يومٍ تُرسل خيوط أشعتها الذهبية، لتعلن بداية يومٍ جديد، وعلى موعدها يضبط الصباح ساعته، وتستيقظ العصافير من نومها، وتنشر على الملأ ذلك النور الإلهي العظيم، الذي يتغلغل في أعماق النفس قبل أن ينتشر في الأرض والسماء، فالشمس لا تُخلف ميعادها أبداً ،
فالشمس رمز البدايات وعنوان الأمل نرى فيها كل يوم حلم جديد ،
في منزل “نور الهدى” و بالتحديد في الساعة الحادية عشر ونصف صباحاً حيث استيقظت على صوت الهاتف يعلن عن وصول مكالمة عبر الهاتف وإذا بعينيها تُبصر نقش اسم معذبها على شاشة الهاتف وهي تحاول الفرك بهم كي تتأكد بصيرتها ، أحست بأنين الوجع ينخر في صدرها مع وخزة شديدة رجفت ذاك القابع بين أضلعها وهو لم يعد يتحمل ولا أن يصد هجومه الضاري عليها ، فمعذب انت قلبها فقد جئت بخيَّالها صاحب وجعها الأعظم وهي تتذكر تلك الأبيات التي تليق بها :
جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي فِي غَيْهَبِ الغَسَقِ
كَأنهَا الكَوْكَبُ الدُرِيُّ فِي الأُفُقِ
فَقُلْتُ نَوَّرْتِنِي يَا خَيْرَ زَائِرَةٍ
أمَا خَشِيتِ مِنَ الحُرَّاسِ فِي الطُّرُقِ
فَجَاوَبَتْنِي وَ دَمْعُ العَيْنِ يَسْبِقُهَا
مَنْ يَرْكَبِ البَحْرَ لا يَخْشَى مِنَ الغَرَقِ
إنّي أحِبُّكَ حباً لا نفادَ لهُ
ما دامَ في مُهجتي شيءٌ منَ الرَّمَقِ
فقمتُ ولْهانَ منْ وجدي أقبّلُها
زِحْتُ اللثامَ رأيتُ البدرَ مُعْتَنَقِ
قبّلتُها قبّلتني وهي قائلةٌ
قبلتَ فايَ فلا تبخلْ على عُنقي
قلتُ العناقُ حَرامٌ في شريعَتِنا
قالتْ أيا سيّدي واجعَلْهُ في عُنقي ،
ثم أجابته بعد أن فاقت من شرودها بصوت ناعم رقيق لم تتصنعه ابداً فهي كائن رقيق للغاية وصوتها كتغريد العصافير من شدة رقتها :
ــ ألو ، صباح الخير يا يحيى .
صدح صوت دقات قلبه داخله وهو يستمع إلى صوتها الرقيق الناعس لأول مرة وتلك هي التغريدة الأولى التى أرسلتها “نور الهدى” في سماء الهوى لــ”يحيى” الذي أغمض عينيه بقوة يمنع تأثيره بصوتها الناعم الممتزج ببحة ناعسة أفقدته توازنه لوهلة ثم أجاب صباحها:
ــ صباح الخير على أجمل بنوتة في اسكندرية ،
وأكمل بمشاغبة كي يدخل على قلبها السرور فصوتها الحزين واضحاً:
ــ لسة كسولة زي مانتِ وبتصحي الضهر مع إن البنت لما بتتجوز بتفوق لنفسها كدة وبتصحصح من بدري ، فوقي يا كسولة بقي .
رمشت بأهدابها وهي ترفع عينيها الحزينة لتقول بصوتٍ حزين فاقد للذة الحياة لما حدث لها :
ــ أه ده المتجوزة طبيعي وجوزها موجود معاها وحياتهم مستقرة زي أي اتنين وعندها التزامات ناحيته فطار وغدا وعشا وشغل بيت والحاجات الطبيعية دي أما انا شبه متجوزة ، جوزي سابني محبوسة بين أربع حيطان بعد جوازنا بشهر وسافر ومجبرة اني مخرجش من الأربع حيطان دول ولا أجي لبابي ومامي ولا أشوف أصحابي علشان دي الأصول والدين من الست ناحية جوزها زي ماهو بيقول.
حينما وجدها فتحت الكلام في ذاك الموضوع وهي تتحدث بوجع تمسَّك به ووجده طرف الخيط ليتحدث معها ويفهم ماذا جرى ؟
ثم سألها بصوت هادئ ونبرة حزينة:
ــ قولي لي يا نور إنتي ازاي قدرتي تتقبلي منه كلامه التقيل ده أو استقبلتيه ازاي وانتِ أول مرة يحصل معاكِ كدة أو انسان يتكلم معاكي بالطريقة الصعبة دي لاا وكمان مش أي إنسان ده زوجك ؟
ردَّت بصوت يخرج بصعوبة من حلقها وهي تحاول كتم شهقاتها من فجأة سؤاله لها فها هو الــ”يحيى” صاحب نبضات القلب الأولِ بل والعشقٌ الأولِ يسأل الــ”نور” الذي انقلب ضياؤه الزاهي إلى عتمة :
ـ
ـ مش هتصدقني إن لحد دلوقتي مش قادره استوعب الكلام اللي قاله لي مش عايزه افكر فيه كتير ولا افتكره لاني لو فضلت افكر فيه حاسه ان هيجرى لي حاجه او ممكن اتجنن صعبان عليا نفسي من موقف بسيط جدا تافه قال لي الكلام ده وبسال نفسي كتير لو حصل خناقه تانية ما بيني وبينه على حاجة فعلا تستاهل هيقول ايه أكتر من اللي قاله ؟!
ثم أكملت وهي تبتلع ريقها بصعوبة شديدة:
ــ ممكن وقتها لو هو موجود مثلا يمد ايده عليا ويسمعني كلام عمري في حياتي ما سمعت زيه؟!
ووقتها “نور الهدى” البنت الرقيقة اللي عاملة زي البسكوتة الهشة ممكن تنهار ومش هترجع زي ما كانت تاني .
انتفض داخله وارتعب كيانه من مجرد أنه تخيل نفس تخيلها ليسألها بدهشة :
ــ هو يقدر ولا يتجرأ يمد ايده عليكي أصلاً هو مش عارف انتِ بنت مين ومتربية ازاي ؟!
تنهدت بثقل وألم نفسي انتابها جراء استفساره لتؤكد له :
ــ أه ممكن جداً يمد ايه ويعمل أكتر من كدة هو من نوع الرجالة اللي لو اتملكوا من الست يشوف نفسه إنه يحق له يعمل أي حاجة بدليل إن موقف تافه جداً قلَبهُ خناقة كبيرة وقال ألفاظ متخيلتش نفسي اني اسمعها في يوم من الأيام وشتمني ببابي يا يحيى.
بعد أن أنهت كلماتها انفـ.ـجرت في بكاء غزير وأذنيها لم تنسى إلى الآن صدى سبابه ولا طريقته الغير آدمية في التحدث معها ولا طريقة التهديد والوعيد لها المفعلة بالغليل وحقاً في ذاك الوقت لو كان أمامها لأهلكها ضـ.ـرباً ولكن شاشة الهاتف هي من منعته ان يطالها ،
أما “يحيى” حينما استمع إلى بكائها اعتدل في نومته وهو يشد على خصلات شعره بأسى على صغيرته التى قضى طفولته وشبابه واعياً انها أختاً له فقط بل وأقنع داخله بذلك ومهما كانت لمحت له مئات المرات بأنها تشعر بكونه سنداً لها وأنها تريد أن تكون بجانبه طيلة العمر إلا أنه جعل بين يديه سداً وعلى عينية سداً وعلى قلبه غشاوة بأنها لن تكون إلا كشقيقته ولكن الآن لم يتحمل ما حدث لها ويريد الفــ.ــتك بذاك المدعي زوجها الذي جعلها تبكي بغزارة وجعله الآن يريد احتضانها والتخفيف عنها ويلوم حاله على أنه المتسبب فيما حدث لها ، هو من تصداها ووضع أمام علاقتهم أشواكاً زينها له عقله الباطن ،
ثم حاول تهدئتها من بكائها الشديد الذي أحزنه كثيراً:
ــ نوري ، متعيطيش بقي مش متحمل بكاكي وحزنك ، بجد أنا نفسي أروح أطبق في زمارة رقبته علشان زعل البونبوناية بتاعتنا ، أرجوكي اهدي بقي ومش من أولها كدة هتعيطي وتدخلي في اكتئاب ولو مش هتقدرى يبقي سكة السلامة يا نوري طالما بدأها بقلة احترام كدة وبالألفاظ والطريقة البشعة دي .
جففت دموعها وهي تحاول كبت عبراتها عافيةً وهي فاقدة الأمل في الخلاص والنجاة من سليط اللسان ذاك :
ــ تفتكر السيبان سهل قوووي كدة يا ابن خالتي ؟!
ده جواز وطلاق وحوار كبير وأنا لسة متجوزة بقالي شهرين ، مامي قالت لي مينفعش نخرب البيت من أول مشكلة ولازم نصبر يانوري وبابي رجع امبارح ومامت “نادر” جاية هي وباباه وأخوه الكبير النهاردة بالليل .
سألها باهتمام :
ــ طب هو محاولش يكلمك خالص من ساعة ما جيتي ؟
أرجعت خصلاتها الشاردة على عينيها خلف أذنها وهي تجيبه بخجل عما فعلته معه :
ــ أمممم.. أصللل هو مش هيعرف يكلمني لأني بلكته من كل الأماكن وااتصل على الأرضي بتاع أوضتي امبارح وأول ما فتحت وسمعت صوته قفلت السكة في وشه .
خلل أصابعه بين خصلات شعره الأسود الفحمي وهو يسألها بفضول :
ــ طب ليه قفلتي السكة في وشه ما كنتي سمعتيه هيقول لك ايه ؟!
يمكن بيتصل يعتذر ؛ أو بيتصل يراضيكي ويطيب خاطرك بعد ما عرف غلطه وبيمهد لمجي باباه ومامته .
ضحكة ساخرة خرجت من فمها لتجيبه بنفي تام لظنونه الطيبة :
ــ مكانش هيعتذر لأن أول ما رفعت السماعة وسمع صوتي قال لي بحدة؛ أهلاً بالهانم اللي إن شاء الله هطين عيشتها وهكـ.ـسر لها دماغها على البلوكات، أول ما سمعته بيتكلم بالطريقة البشعة دي قفلت السكة في وشه ومتحملتش أسمع منه ولا كلمة ،
واسترسلت حديثها بقلب يخفق بألم جارف داخلها وهي تشعر بأن روحها البريئة استنزفت من أول جولة :
ــ شكله كان جاي يكمل فرض سيطرته عليا وبهدلة فيا وكمان عايزني أسمع ، وشكله كمان مش ناوي يتغير يا يحيى وأنا وقعت مع انسان من نوع الرجالة النرجسية اللي لسانهم سابق عقلهم ومش عارفة ازاي هتحمل بعد كدة .
تنفس بضيق وصدره بدأ يعلو ويهبط من أنفاسه المتتالية وكأنه يجرى في سباق أفقده التنفس ولكن سباقٌ بين مشاعره الموقدة الآن لأنه فقدها ولم يستطيع حتى التفكير بها وبين كونها امرأة متزوجة وملكاً لرجلٍ غيره ثم نطق بحدة وهو يجز على أسنانه بغضب :
ــ ابن ال…. ، والله ما هكمل مش مستاهل اني أنزل لمستواه ، وعلى فكرة المفروض تقولي لباباكي وخالتو على كلامه ليكي ومتخبيش عنه حاجة علشان لما أهله يجو كل حاجة تبقي على نور .
وظلت مكالمتهم ما تقرب من الساعتين دون شعور منهم بالوقت ومروره ولم يتركها إلا وهي ضاحكة وقد أخرجها من حالة النكد والكآبة التي أصابتها ثم اغلقت معه الهاتف وهي تحتضنه ويردد داخلها :
ـــ ياه يا بن خالتي مش كان قلبي عنده حق لما عشقك ، وعيني كانت كلها نظر لما شافتك نصي التاني ، وروحي اللي اتعلقت بيك سنين وهي شايفة إن مفيش في طيبة قلبك ولا رقتك وحنيتك وذوقك ،
ثم أفاقت من التفكير به على صوت المذياع يردد قوله تعالى ” ولا تزروا وازرة وزر أخرى”
وأكمل داخلها وهو ينهرها :
ــ فوقي يا نور ده مش من حقك انك تفكري فيه ولا ان قلبك يدق علشانه أبداً ، ده كان ماضي ولازم تنسيه وتبعدي عنه وتسيطري على مشاعرك كمان إنتي ست متجوزة .
ثم قامت من مكانها كي تؤدي فريضة الظهر وهي تلوم مشاعرها بنفس لوامة للغاية لكن ليت القلب يتحكم به صاحبه ! بل القلب ليس عليه سبيل وليس له مفاتيح تُغلق أبوابه بأقفال موصدة كي لا يفكر فيمن ليس له ومن المستحيل أن يكون له ،
###################
في منزل “ليلى المحمدي” تجلس في أحضان والدتها السيدة “شهيرة عبد الحميد”
أستاذ الفلسفة والمنطق بجامعة المنصورة حيث أنها تعمل كمدرس أول لمادة الفلسفة فهي حاصلة على الماجستير والدكتوراة وهي تحكي لها ما حدث معها من “زيد” بالتفصيل الكامل ولم تكذب في حرف واحدٍ ،
لتسألها والدتها بهدوء دون أي ضيق مما حدث من ذاك الــ”زيد” وتهوره مع ابنتها بتلك الدرجة الشنيعة نظراً لأنها تمتاز بالعقلانية الشديدة وورثتها لابنتها وتلك العقلانية أدت ثمارها ببراعة حيث أتت إليها ابنتها وقصت عليها ما حدث بدقة دون أن تخفي حرفاً واحداً وهي تملس على شعرها البني اللامع بحنو :
ــ طب انتِ إحساسك ايه يا ليلى من ناحية المدرس ده ؟
اوصفي لي انتِ حاسة بإيه بعد ما قال لك الكلام ده وخصوصا انك عمرك ما تعرضتي لموقف زي ده وكمان ما عشتيش سن مراهقتك لحد دلوقتي ؟
تحركت في أحضان والدتها بارتباك أحسته والدتها وفهمته بل وبَنَت عليه في عقلها خيوط كثيرة ناحية مشاعر ابنتها ،
حاولت ليلى تنظيم أنفاسها وهي تستدعي الهدوء من تساؤل والدتها وتحاول إجابتها بكل ما تشعر به دون أي تحوير أو تخبئة للكامن داخلها وكم الصراعات التي تعرضت لها منذ تلك اللحظة التي اعترف فيها “زيد” بمشاعره تجاهها:
ــ مش عارفة يا ماما أحدد الإحساس اللي انا حاسة بيه بالظبط ايه ، انا هحكيه لك وانتِ تجمعي خيوط كلامي وتقولي لي انا كده وصلت لمرحلة ايه في التفكير في الموضوع كله ، انا كنت حاسة وانا قدامه ان انا بنت قوية جداً مستعدة أرفضه بدل المرة ألف مرة بس كانت نظرته ليا حاسة فيها الصدق جامد لكن كرامتي مش قادرة تتحمل انه بيعرف بنات كتير وبيكلم بنات كتير بطريقة مش لطيفة خالص زي ما بسمع وكمان برده قلبي بيلومني ازاي أفرط في حد انا شايفة في عيونه الصدق إنه حبني واتعلق بيا وبعد ما مشيت مجرد ما ريحته اللي مالية كتبي وطرف هدومي خلتني مش قادرة أبطل تفكير فيه لدرجة يا ماما ان انا قعدت حاضنة الدريس بتاعي بطريقة متسرعة مني وانا عارفة واشم ريحته وقلبي وعقلي في صراع جامد ما بين ان انا افكر فيه او ما افكرش فيه على،
ثم رفعت رأسها من أحضان والدتها وأكملت حديثها باستفسار حائر لما تشعر به :
ــ قولي لي يا ماما هو انا كده ببقى بظلم قلبي ان هو فكر في واحد خاين وان انا استحق فرصة تانية احسن من ده بكتير ؟
بس برده حاسة اني بقيت بفكر فيه كتير ،
ولا يمكن دي المراهقة اللي ياما حكيتي لي عنها ؟
ابتسمت والدتها ابتسامة متصنعة كي لا تعكس ما بداخلها عن حيرة صغيرتها وتيقنت انها وقعت في عشق ذاك المدرس فحاولت الدفاع أولاً عن ذاك الــ”زيد” رغم خطئه الواضح الا انها طبيبة نفسية وتفهم كثيراً في تلك الشخصيات :
ــ قبل ما اجاوبك عن سؤالك خلينا الأول نفهم شخصية “زيد” ، شوفي حبيبة قلبي الشباب كلها بقت زي “زيد” دلوقتي نادراً ما لما تلاقي شاب عمره ما كان له علاقة بأي بنت ولا إنه قافل على نفسه بنسبة 90% في المجتمع اللي احنا عايشين فيه الشباب معظمها بتعرف بنات علشان عقلك ما يوديكيش انك في يوم من الأيام هترتبطي بإنسان انتِ أول حب في حياته وده طبعا مش معناه ان اللي الشباب بيعملوه صح لكن هي الدنيا دايرة من زمان قوي على كده مفيش إنسان كامل مفيش إنسان ما بيغلطش والا مكانش في جنة ونـ.ـار ولا آخرة ،
بس طبعاً كلام عن كلام يفرق وشاب عن شاب بيفرق “زيد” طبيعة شغله والبنات اللي حواليه خلوا نفسه الضعيفة تخليه يتغري في نفسه وانه ما فيش زيه ، الجان ، الجنتل ، الناجح اللي معظم البنات حواليه بتبص له دايما بنظرة تمني وخصوصاً إنه لسة صغير وإنه نجح في سن صغير وتقريباً أصلاً هو بادئ مستقبله المهني من وهو في أولى جامعة لأنه وصل لمكانة كتير قوي ما قدروش يوصلوا لها فكونه ان هو ناجح في شغله وان هو مطمع لبنات كتير ده مش ذنبه ، لكن الذنب الكبير إنه جري ورا شهواته وعلق بنات كتير بيه وصور لهم ان هو فتى أحلامهم زي برده كتير من الشباب وفي الآخر لما يلاقي واحدة احسن يسيب اللي كان بيكلمها ويروح لغيرها فهنا بقى لازم ربنا سبحانه وتعالى بعد ما خلاه لف وشبع على كل صنف ولون من البنات يحب ولما يحب ويتعلق ويعشق تكون اللي بيحبها طبعاً مختلفة عن كل البنات اللي عينه شافتها قبل كده لأنه مش هيحب أي حد و لأن اللي حبها لو هي زي أي حد عمر قلبه ما هيدق ،
وعلشان كده انا بقول لك من دلوقتي تفكري كتير وتقرري اذا كنتِ هتقدري تصدي قصاد هجومه الضاري عليكِ كملي في الدرس وخصوصاً ان انا هحاسبك على مجموعك في آخر السنة حساب شديد بدون تهاون في العقاب ،
وتابعت نصحها عن مراهقتها :
ــ أما بقى عنكِ انتِ يا لولا طبيعي ان انتِ ما عشتيش سن مراهقتك وكل إحساس هتحسيه معاه هيبقى مراهقة بالتأكيد علشان كده عندي ليكي نصيحة مهمة قوي قوي عشان تعرفي اذا كان قلبك مراهق ولا بيحب بجد لازم تصدي كل هجماته ، لازم تقفي له زي الأسد زي ما عملتِ في أول مرة بالظبط لأنه مش هيفقد محاولاته وهيحاول يخليكِ تحبيه باستماتة لأن اللي زيه لما يحب عمره أبداً ما يسيب اللي قلبه اتعلق بيها وحبها مهما كان لأنها المختلفة الوحيدة اللي قابلها في حياته ومسيرك هتخلصي وهتمشي من عنده وهتروحي على جامعتك هتقابلي من كل لون وشكل من أصناف البشر ، هتشوفي اذا كنتِ
حبيتيه حب مراهقة فعلا ولا حب بجد !
وهو برده هنشوف هيتغير علشان خاطرك ولا لا ؟
ولعلمك زيد كــشاب لأي أب وأم من حيث الواجهة العامة ممتاز جداً وما يترفضش ، لكن في حاجات جوة الإنسان لازم يدور ويدعبس فيها على الشخص اللي هيرتبط بيه اذا كان هينفع معاه ولا لا ،
لأن المظهر مش كل حاجة ولا الواجهة العامة ولا الشغل اللي مفيش زيه ولا الفلوس اللي مفيش اكتر منها هينفعو الست لما تتجوز غير حاجة واحدة بس هتلاقيها مع الراجل اللي هترتبط بيه ،
حركت ليلى راسها بتركيزٍ شديدٍ وهي تستمع إلى حديث والدتها وتفهمته بشدة وهي تترجاها بعينيها أن تكمل فاسترسلت والدتها بما أقنع ابنتها بسلاسة:
ــ هي إنها تحس منه بالأمان في العلاقة ولو الشك دخل في بداية العلاقة من الأول لازم الطرفين يحاولوا يسيطروا على الشك بكل الطرق لأن الشك بيمــ.ــوت أي علاقة والخيانة بتقضي على الطرفين نهائي وبتخليهم يكرهوا بعض جامد وطالما القلب والعقل كره يبقى خلاص مش هيقدر يحب تاني مهما قابلوا اي إنسان وهيبقى جواهم دايما هاجس الخيانة .
ابتسمت “ليلى” لوالدتها وقد استوعبت كل نصائحها بجدية بل وتفهمتها كثيراً وستبني عليها وهي تعيد نفسها إلى أحضان والدتها بل وتتمسك بها بشدة وهي تشكر والدتها:
ــ انا فهمتك جداً يا ماما وبجد مش عارفة أشكرك ازاي على كل نصايحك اللي ما تتقدرش بتمن في الدنيا كلها انا هعمل بنصيحتك وما تقلقيش على لولا ودايماً هوافيكي بأخباري لأني طبعاً ما اقدرش أخبي عنك أي حاجة ومش خوف طبعاً لأن انتِ أحسن من أي صاحبة في الدنيا وان شاء الله هحاول أعمل موف ان على قلبي وهسيطر سيطرة تامة لحد ما اخلص الثانوية بإذن الله وأدخل الجامعة وساعتها هشوف نفسي ومهما كان إحساسي هسيطر يعني هسيطر ولو حسيت إن أنا ضعفت أكيد هرجع لك علشان طبعا انتِ المنقذ الوحيد ليا ضد عواصف القلوب اللي بتطلع مرة واحدة وما نقدرش نسيطر عليها .
شددت والدتها على احتضانها بحنو جارف وهي تحمد ربها داخلها على صراحة ابنتها وصغيرتها معها بكل تلك المصداقية دون اي تحوير وذلك يرجع إلى جهدها الشديد في تربيتها وحرصها دوماً على مصاحبة ابنتها دون أي تعنيف لأي موقف .
################
في تلك السيارة تتحدث عائلة “نادر” زوج “نور” في مشكلتهم ووالدته توجه كلامها لزوجها بسخرية على زوجة ابنها :
ــ انا قلت لابنك من الأول بلاها الجوازة المهببة دي علشان دي بنت وحيدة أمها وأبوها ومتدلعة ،
دي يا اخويا بتقول بابي ومامي هي اللي زي دي تعرف تبقى ام ولا تعرف تعيش في بيوت ناس ؟!
المفروض كانوا يربوها ويعلموها الأدب قبل ما ترفع صوتها على جوزها وتعصي أوامره وهو في الغربة يجروا له حاجة حبيب أمه بسبب نكدها ودلعها .
تأفف زوجها من ثرثرتها الزائدة عن الحد ليقول بدفاعٍ عن “نور” مخالفاً لرأيها بشدة :
ــ بطلي كلام كتير ياأم “نادر” مش لما نسمع من البنت الأول ايه اللي حصل ؟
ما ينفعش نحكم بالغلط من اي حد فيهم الا لما نسمع من الطرفين وادينا سمعنا من ابنك الأول يبقي نسمعها هي كمان ، وعايز لما اروح هناك يا ريت ما تتكلميش بالطريقة العنيفة بتاعتك دي وافتكري كلام ابنك اللي قاله لك بلاش تتعاملي معاها بعنف يا ماما علشان ترجع البيت ولما ارجع من السفر هتصرف انا وهي مع بعض فاهدي بقى مش عايزين شغل الحموات ده من الأول .
مطت شفتيها بامتعاض لحديثه اللاذع معها لترفض ما قاله وما أمره بها :
ــ سكوت ايه اللي انا هسكته ده !
ده ابني ولازم ادافع عنه في غيابه والبت دي لازم يتدبــ.ــح لها القطة من الأول كده ،
ده جايب لها شقة طول بعرض في البتاع اللي اسمه الكونباون ده ، وجايب لها شبكة ما كانتش تحلم بيها وقـ.ـطع نفسه على جوازتها وفي الآخر تسيب له البيت وتمشي وتعلي صوتها عليه لا وكمان تقفل في وشه التليفونات من كل مكان ،
ما اعرفش جيل ايه المزفت ده في البنات اللي ما يعرفش اصول الجواز والبيوت ايه ؟!
عنفها بشدة فهو لم يسمح لها أن تتحدث بتلك الطريقة:
ــ قسماً عظماً لو فتحتِ بقك واحنا عند الناس دي بالكلام ده شوفي هيجرى لك ايه؟
اي واحد بيجيب لعروسته واي واحد بيعمل في بيته وفي شقته اللي على كيفه هو ما عملش لابوها ولا لامها انا اللي هتكلم انت مجرد امه جايه معايا ما اسمعش نفسك هناك يا اما هتروحي على بيت ابوكي بعد ما نخرج من هنا انا مش عايز اخرب على بيت ابني وهو لسه بيبنيه ومراته بنت ناس مش واخدها من تحت بير السلم هي كمان كانت عايشة في بيت ابوها أحسن من العيشة اللي عايشاها عند ابنك اللي اتجوزها وسابها وسافر مع اني قلت له ما تسافرش تاني وتسيب مراتك .
قررت الصمت فهي تخاف من حدته بشدة وهو الآخر يعلم كيف يُخرسها ،
بعد أن وصلوا عند البناية وقبل ان يتحركوا نهاها مرة أخرى:
ــ مش عايزك تنسي التحذير اللي انا حذرته لك وانت عارفه انا قلبتي سودا.
تلك الكلمات القصيرة التي رددها على آذانها بصرامة وواععتها جيداً ثم صعدوا إلى الأعلى في المحرك الكهربائي و وصلوا إلى الشقة فهم يعرفونها ويحفظوها عن ظهر قلب ، استقبلهم والد نور بتادب شديد فهو يحفظ الأصول ويراعيها ومهما حدث لابنته من ابنهم فهم ليسوا لهم ذنب ،
قدمت لهم والدة “نور” واجب الضيافة فهم أهل كرم وبعد أن جلسوا طلب والد “نادر” من “نور” أن تحكي ماذا حدث بينهم ،
كانت متوترة بشدة ولكن ساندتها والدتها بعينيها أن لا تخاف وتقص عليهم ما حدث وعندما وصلت إلى نقطة سب أبيها حتى انفجـ.ـرت في البكاء وتلك النقطة لم يحكيها لهم ابنهم ليردد والده بصدمة :
ــ معقولة “نادر” ابني شتمك كدة ؟!
ده مش من طبعه الكلام ده ولا الطريقة دي خالص انا مش مصدق .
هنا تحدث والدها بعقلانية :
ــ معلش يا حاج في نقطة هختلف معاك فيها ابنك مسافر من بقاله سنين وغايب عنك طبيعي انه يتغير وطباعه تتغير وما تعرفش عنه حاجات كتير و وارد انه يظهر بشخصيته الطبيعية قدام مراته وعمره ما يجمل نفسه لأنهم بقوا واحد وأنا واثق ان بنتي مش بتكذب لاني عارفها كويس جدا ممكن انت تتصل دلوقتي بابنك فيديو كول وتتأكد منه اذا كان قال كده ولا لا واذا كانت بنتي بتكذب انا هوديها لحد البيت بنفسي ومش هيتكرر تاني .
بالفعل قام والد نادر بالاتصال عليه وبعده ان اتاه بالرد واطمئن عن حاله دخل في الحديث مباشرة وسأله عن ذاك السباب واذا به يتهرب بعينيه من أبيه فهو لم يكن يتوقع ان تحكي لأبيها كل شيء بالتفصيل وأن تظهره أمامهم بصورة قبيحة ومن نظرة الخزي الذي رآها والده في عينيه علم أن نور صادقة ليأمره بحزم :
ــ اتفضل اعتذر لها حالا قدام والدها ووالدتها وتوعدهم ان طريقتك دي مش هتتكرر تاني وأي حاجة تحصل ما بينكم تتحل بهدوء من غير اي زعيق ولا صوت عالي منك ليها ،
ولآخر ما تتكررش تاني يا نادر يا اما انت عارف انا هعمل ايه وعارف ان انا ما بحبش الحال المايل ولا انك تيجي على مراتك ولا تعاملها بطريقة مش كويسة .
حقاً أن ذلك الرجل جعلهم مصدومون من طريقته مع ابنه وتأديبه ما لم يخطر على بالهم ابدا فهم كانوا متوقعين نكران ما حدث من ابنهم بشدة ولكن خذلهم ذاك الرجل الشهم اما تلك الحماة تجلس وهي تتآكل نيـ.ـران داخلها من أفعال زوجها والتي في وجهة نظرها جعلهم في موقف مطئطئين الرؤوس ولكن صمتت إجباراً عنها ،
اما “نادر” اعتذر لهم ولزوجته رغماً عنه فهو يكن لأبيه احتراماً ويخاف منه ومن غضبه بشدة ولكن بداخله يتوعد لها بأنه لن يمرر هذا الموقف مرور الكرام أبداً حين رجوعه ولن ينساه مهما حدث ومر من الوقت عليه :
ــ انا آسف يا عمي على كل كلمة طلعت مني غصب عني كانت ساعة غضب ومش عارف قلت كده ازاي !
وبتأسف كمان لنور وبطلب منها ترجع بيتها تاني وما تزعلش مني ويا ريت تفك البلوكات اللي عاملاها لي من كل حتة ببقى حابب أطمن عليها ومش عارف .
لم يستطيع والد “نور” رفض الاعتذار فهو اب ولن يتحمل خراب بيت ابنته وقبل الاعتذار ولكن اشترط عليه قبل ان تسامحه :
ــ قبل ما اقبل اعتذارك يا نادر انت لما جيت اتقدمت لـ”نور ” عرفنا انك مش هتسافر تاني وطبعاً لانك مكنتش هتسافر انا جوزتها لك لان لو كنت عرفت بموضوع رجوعك أمريكا تاني عمري ما كنت هرضى انك تتجوزها وتسيبها وتمشي بعد الجواز بشهر زي ما حصل لكن انت طبعا حطيتنا قدام الأمر الواقع وقلت هسافر سنة واحدة وهرجع في السنة دي تلت مرات وافقنا وطالما انت خالفت كلامك معانا لما جيت تتقدم لها يبقي انا بنتي مش هتروح البيت الا قبل ما ترجع بيومين يدوب تنضف فيهم شقتها لأن المكان اللي هي ساكنة فيه بعيد جداً عننا وما ينفعش تقعد فيه لوحدها انا اخاف على بنتي .
رفض “نادر ” رفضاً قاطعاً ليبرر أسباب رفضه :
ــ معلش يا عمي أنا مش حابب مراتي تبات الشهرين دول برة بيتها ، بحب أكلمها في أي وقت على راحتنا وفي بيتنا ، مش حابب تفاصيلنا تخرج برة حيطان بيتنا .
تمسك والدها هو الآخر ليقول بتصميم :
ــ طالما مصمم يبقي ترجع من سفرك وتكون موجود مع مراتك واظن ده من حقي لان انت اتفقت معايا على كده من الاول مفيش سفر.
هنا تدخل والده ليحل المشكلة :
ــ أوعدك ان دي آخر سنة هيسافر فيها يا ابو “نور” ومفيش هجرة تاني لكن هو خلاص التزم بعقد ولازم يكمله علشان الشروط الجزائية بتبقى صعبة جداً وهتضيع كل تعبه فهنحل حل وسط يرضي جميع الأطراف البنت تقعد عندكم اسبوع وتقعد في شقتها اسبوع ووالدتها تبقي على اتصال بيها طول الاسبوع ده واظن كده عدانا العيب لأن ما ينفعش تهجر بيتها الوقت ده كله وكمان جوزها يكون مستريح.
سأل والد “نور” ابنته عن ذاك الحل ما إذا كانت سترتاح إليه ام لا :
ــ ها ايه رأيك يا “نور” عندك استعداد تقعدي هناك اسبوع ومع مامي هنا اسبوع ولا ايه مش هتبقي مرتاحة ؟
اعتلى صدرها بأنفاس عالية فهي تشعر بالاختناق حينما تكون وحدها في تلك الشقة ولكنها هي من وافقت على تلك الزيجة من البداية ولابد أن تتحمل وهي مجبرة أن توافق فهي تزوجته بكامل إرادتها ولابد أن تبتعد بقدر الإمكان عن تلك الشقة المملؤك بذكرياتها مع “يحيى” كي تنزعه من عقلها وتتأقلم على حياتها الجديدة لتدلي عليهم موافقتها ولكن اشترطت عليهم بتأدب :
ــ انا موافقة يا بابا بس عايزاه يوعدني قدامكم كلكم إن أي مشكلة تحصل ما بيني وما بينه يحلها معايا بدون صوت عالي ولا ألفاظ خارجه انا مش هقبل بكده أبداً مهما حصل .
هنا تحدث والد “نادر” قبل ابنه يطلب منها :
ــ انا بقى اللي عايز أطلب منك طلب ان اي حاجة تحصل ما بينك وما بين جوزك تعتبريني ابوكِ التاني وما تسيبيش بيتك وتغضبي وان ما جبتلكيش حقك تيجي على بيت ابوكِ تستنجدي بيه .
ابتسمت لذاك الخلوق ووعدته وذلك لكرم أخلاقه الشديدة معها فهو منذ أن ارتبطت بهم يعاملها معاملة الكرماء ولن يهينها أبداً بعكس ام زوجها تشعر منها دوماً بالاستياء منها ووعدته بأن تلجأ له بعد ذلك ،
وبعد أن انتهت جلستهم قامت معهم إلى منزلها وعادت إلى شقتها وحيدة تجلس مع حالها ترتب أفكارها كي تقف مع نفسها وقفة نسيان عشقها الملعون فهي ابنة مرباه على الأخلاق ولم تفعل غيرها ابدا وستعاند قلبها مهما ضعفت .
“”*”””””””******”””””
مرت الايام سريعاً وفكر “هاشم” في تلك الــ”حنين” كثيراً ولكن ليس كتفكير اعجاب او عشق مبتدأ منه لها ولكن كتفكير رجل يريد الاستقرار والزواج ،
وقف مع حاله يخطط كيف يقابلها مرة أخرى بمحض الصدفة؟
فكان يتابع صفحتها على فيسبوك دوماً ويتابع حالاتها وعلم مكانها المفضل التي تتنزه به مع صديقاتها وفي تلك العطلة الأسبوعية قررت ان تذهب مع صديقاتها إلى التنزه في مدينة أم كلثوم بالمنصورة وتلك الـ”حنين” دوماً تدون نزهتها مع صديقاتها على صفحتها الخاصة قبل أن تذهب إلى التنزه وعندما علم “هاشم” ذهابها إلى تلك المدينة قرر أن يذهب إليها ويحاول بقدر الإمكان العثور عليها ويختلق أي أسباب كي يظهر أمامها بالصدفة المحض فهو يريد التحدث معها كثيراً بعيداً عن الهاتف وجهاً لوجهٍ قبل أن يخبر والدته عنها وحينما قرر الذهاب إلى ذاك المكان اتفق مع صديقيه “زيد” و”هاشم” أن يأتوا معه لكي تظهر صورتهم أنهم يتنزهون هم الآخرون ،
وبالفعل ذهبوا في اليوم التالي بعد صلاة الجمعة وهو نفس التوقيت الذي ستذهب فيه “حنين” هي وصديقاتها وقاما ثلاثتهم بالمشي في الحديقة ذهاباً وإياباً في كل مكان حتى رآها “هاشم” وحدها وهي تقف في الطابور المنظم لشراء القهوة وعلم أن الفرصة أتتها أخيراً للتحدث معها ،
وفعل المستحيل كي يجعلها تراه دون اي شيء مفتعل يدل على انه يقصدها حتى تقابلت عينيهم وهي تردد بذهول يصحبه الخجل وقلبها يخفق بين ضلوعها بشغب عالٍ ولو اقترب ذاك الـ”هاشم” منها لسمعه وفضحها أمامه :
ــ شيف هاشم !
وهو الآخر اصطنع نفس الذهول بمكرٍ داهي أسفل نظارته :
ــ آنسة “حنين” !
يتبع…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مشاعر موقدة ) اسم الرواية