Ads by Google X

رواية مهمة زواج الفصل التاسع و الثلاثون 39 - بقلم دعاء فؤاد

الصفحة الرئيسية

  

  رواية مهمة زواج الفصل التاسع و الثلاثون 39 -  بقلم دعاء فؤاد

بعدما تركته ريم و ركضت للخارج رأته احدى الممرضات ليلفت انتباهها مظهرهه الأنيق رغم حالته الرثة و رأسه المطأطأة، فتقدمت منه تسأله بحذر:
ـــ حضرتك محتاج حاجة؟!
رفع رأسه لينظر لها بتيه و كأنه قد نسي يده المجروحة ليستدرك حاله سريعا ثم سألها باحترام:
ـــ ممكن بس تغطي الجرح دا بشاش؟!
تفححصت الجرح لتقول:


ـــ دا محتاج اقل حاجة ٣ غرز.. لحظة هقول لدكتور خالد ييجي يخيطهولك..
أسرع يستوقفها هاتفا برفض قاطع:
ـــ لا لا لا.. انا مش هخيطه.. لفيه بس بشاش عشان مستعجل..
ـــ بس كدا هياخد وقت طويل لحد ما يلتئم و ممكن يلتهب..
رد بنفاذ صبر:
ـــ تمام مش مشكله انا هتصرف… بس بسرعة بس عشان ورايا شغل..
أومأت الممرضة بقلة حيلة ثم بدأت تلف الشاش المعقم حول يده المجروحة و ما إن انتهت حتى شكرها معتصم و التقط سترته و غادر المشفى بخطى سريعة حتى استقل سيارته و عاد الى شركته يستكمل أعماله رغم شرود روحه و انشطار قلبه…
دلف مكتبه بارهاق ظاهر على ملامحه ثم جلس بكرسيه يستطلع حاسوبه مستأنفا آخر ملف كان بحوذته بالأمس..
تسلّل صوت رنين الهاتف ليقطع السكون المحيط. أخرج هاتفه من جيبه بتثاقل، ليرى الرقم الذي كان مألوفًا للغاية، رقم خفير البلدة… أجاب بصوت خافت:
ـ إيوة يا سمعان… مالك؟
جاء صوت الخفير حزينًا، متوترًا كأنه يحاول اختيار الكلمات بعناية:
ـــ يا كبير… لازم تاچي البلد النهارده… الحچة عيانة جوي..
شعر معتصم بتوقف أنفاسه للحظة، وكأن كل المشاعر التي حاول دفنها عادت دفعة واحدة، فتمتم بصوت متحشرج:
ـــ عيانة كيف يا سمعان؟! عنديها ايه؟
أكمل الخفير بحزن:
ـــ الدكاترة بيجولوا چاتلها چلطة ع المخ …
توسعت عيناه بصدمة و خوف في آنٍ واحد، ثم أغلق معتصم المكالمة بسرعة، و أسند رأسه إلى الحائط. داخل قلبه، كانت المعركة دائرة: هل هو بالفعل قادر على ترك كل شيء والعودة إلى بلدته؟ وهل سيمنحه هذا العزاء الذي يبحث عنه؟
بعد دقائق من الصمت، اتخذ قراره… عليه أن يكون بجوار والدته مهما كانت الظروف…..
في مكتبه الواسع، جلس هشام، زوج عائشة، يراجع الأوراق والملفات، اقتحم معتصم المكان بخطوات واسعة وحازمة، لكن تعابيره حملت مزيجًا من الإرهاق والعزم
هشام، لازم أسافر للبلد النهارده… أمي تعبانة جدًا، وأنا مش عارف هرجع إمتى.
نظر إليه هشام بدهشة:
ـــ سلامتها يا كبير… بس متتأخرش..الشركة هنا محتاجة وجودك…. وإحنا في نص موسم الشغل.
رد معتصم بنبرة قاطعة:
ـــ عارف، بس مضطر… الشغل كله هسيبه في إيدك. عايزك تتابع كل حاجة وتبعتلي تقارير أسبوعية.
أومأ بتأكيد:
ـــ حاضر يا معتصم متقلقش… متشيلش هم حاجة.. و انا من ناحيتي هخلي عيشة تبقى تسافرلها بكرة تخلي بالها منها..
رفع يده بإشارة رفض:
ـــ لأ… خلي عيشة دلوقتي تهتم بنفسها و بالجنين… احنا ماصدقنا ربنا كرمكوا بعد السنين دي كلها… انا هتكفل بأمي لو هقعد تحت رجليها العمر كله..
حانت من هشام بسمة اعجاب ليقول بصدق:
ـــ ربنا يجعله في ميزان حسناتك يا كبير..
ربت على كتفه و هو يقول بجدية تامة:
ـــ هشام انا هعتمد على الله ثم عليك في ادارة أملاكنا اللي هنا… لو في أي مشكلة تبلغني بيها فورا و نحاول نحلها سوا..
ـــ تمام يا معتصم…مش عايزك تقلق..
نظر له بابتسامة محبة:
ـــ انا مش قلقان طول ما انت معانا… انت أخويا التاني يا اتش..
احتضنه بحب وافر ثم ودعه معتصم و خرج من الشركة ليستقل سيارته متجها الى شقته ليأخذ بعض الأشياء المهمة ثم استقل سيارته مرة أخرى مودعا القاهرة تاركا قلبه فيها مع حبيب قد فقد أمله في رجوعه.
في الطريق إلى بلدته، حاول معتصم الهروب من أفكاره المتشابكة.
كان الطريق طويلاً، مليئًا بالذكريات المتناثرة، حيث بدا كل شيء يذكره بريم، تلك المرأة التي تخللت حياته وصارت جزءًا من روحه.
حاول إقناع نفسه بأنها أصبحت من الماضي، لكنها كانت حاضرة في كل نفس يتنفسه.
عندما وصل، وجد البلدة في حالة من السكون المريب، وكأن الأرض نفسها تتنفس بصعوبة.
دخل الدوار حيث استقبلته والدته المسجاة بفراش المرض بابتسامة باهتة تخفي خلفها أوجاعًا لا تعد. جلس بجانبها، أمسك يدها وكأنها حبل النجاة الوحيد الذي يبقيه ثابتًا.
قال بهدوء:
ـــ أني هانا عشانك يا أمايا… مش هسيبك مهما حوصل.
نزلت دمعة على وجنتها الباهتة من اثر المرض ثم تحدثت بصعوبة:
ـــ ربنا… يخليك.. ليا.. يا ولدي… اتو.. حشتك.. جوي..
احتصنها باشتياق بالغ مع حزن ملأ قلبه على ما وصلت اليه حالتها الصحية ثم التزم الفراش بجانبها ليرعاها و يُمرضها و يؤازرها في مرضها..
تدريجيًا، انغمس معتصم في حياة البلدة.
كان يحرص على رعاية أمه بنفسه مع متابعة المزرعة و حلّ مشاكل الفلاحين بجدية، لكن شيئًا داخله كان لا يزال معلقًا بين الرحيل والبقاء.
حاول ألا يفكر في ريم، في الجنين، في كل شيء تركه خلفه، لكنه كان يعلم أن النسيان ليس سوى وهم يطاردنا بلا هوادة.
في مكتب مظلم داخل منزله القديم في البلدة، كان معتصم جالسًا، يراقب الورق الذي أمامه دون تركيز. هاتفه بجواره يهتز بخفة، ليظهر اسم حمد على الشاشة. اعتدل في جلسته والتقط الهاتف بصوت خافت يحمل مزيجًا من الدفء والتعب.
ـ أيوة يا حمد… وحشتني ياخويا.
جاء صوت حمد من الطرف الآخر واثقًا لكنه يحمل مسحة من البُعد:
ـــ وأنت كمان يا كبير… أخبارك إيه؟ كله تمام؟
ـــ الحمد لله، أنا في البلد اليومين دول و براعي المزرعة و اهي ماشية زي ما هي… أنت كيفك؟ الدراسة في لندن شكلها واكلة وقتك كله؟
ـــ آه، مش بطّال… أهو بنحاول نوصل للّي عايزينه.
ابتسم معتصم بخفة، لكنه عاد إلى نبرة الجدية سريعًا:
ـــ حمد، كنت عايز أتكلم معاك في موضوع
تغيرت نبرة حمد إلى التحفظ:
ـــ عن صافية؟
أومأ معتصم وكأنه أمامه، رغم أن المكالمة لا تحمل رؤى، وقال:
ـــ أيوة عنها.
سكت للحظات وكأنه يفكر في طريقة مناسبة لفتح الموضوع، ثم قال:
ـــ يا حمد البنت صغيرة… اللي حصل منها كان غلطة… لكن والله العظيم اتغيّرت…
قاطعه حمد بصوت حازم:
ـــ معتصم لو سمحت… أنا مش عايز اتكلم عن الموضوع ده… لما بفتكر بتعصب و انا عايز أفضل هادي عشان أركز في دراستي..
ـــ يا حمد استنى… لو تسمعني بس هتعرف…
ـــ مفيش حاجة أسمعها… معتصم القرار انا أخدته من زمان ومش هرجع فيه.
كان صوته قاطعًا، لكن معتصم لم يستسلم… استند إلى الطاولة وقال بنبرة أكثر هدوءًا:
ـــ طيب، مش عشانها… عشان أمك…أمي عايزة تشوفكم مع بعض…
هنا، ارتفعت نبرة حمد، لكنها لم تفقد السيطرة:
ـــ أمي هتفهمني زي ما فهمتني قبل كده… أنا مش طفل يا معتصم… الموضوع ده منتهي بالنسبالي.
يتبع….
google-playkhamsatmostaqltradent