Ads by Google X

رواية مهمة زواج الفصل الثامن و الثلاثون 38 - بقلم دعاء فؤاد

الصفحة الرئيسية

  

  رواية مهمة زواج الفصل الثامن و الثلاثون 38 -  بقلم دعاء فؤاد

بقلب ممزق وروح تائهة، يقف أدهم في مقدمة صفوف العزاء، يتلقى التعازي بصمتٍ وجمود، وعلى يمينه آسر، ثم محمود، ثم خالد. مشاعر الحزن تكسو ملامحه، ورغم محاولاته لإخفاء الألم، كان واضحًا للجميع أن روحه قد انكسرت بفقدان ندى.
بعد أن تلاشت كل الآمال في حل لغز ذلك الحادث الغامض، وتوقفت التحقيقات دون أدلة كافية لإثبات أن الحادث كان بفعل فاعل، استقرت الاستنتاجات على أنه مجرد انفجار عَرَضي، سببه ارتفاع حرارة “الريداتير” مما أدى إلى سخونة المحرك وانفجاره. حتى هاتفها لم يحمل أي دليل يوصلهم إلى شيء. فندى، بأوامر صارمة من العصابة، كانت تمحو الرسائل وسجلات المكالمات أولاً بأول.


الخيمة كانت مكتظة بالمعزين من مختلف فئات ومراتب الشرطة والجيش، في لحظة مهيبة يجتمع فيها الألم والحزن والمواساة.
وبين الحضور ظهر معتصم الذي ما ان علم بالخبر حتى أصر على أداء الواجب رغم ما بينه و بين ادهم من خلافات.
عند دخوله لم يُبدِ أدهم أي رد فعل، فلا مكان للجدال أو الانفعال وسط هذه الدوامة من الحزن، جلس معتصم عدة دقائق يستمع لآيات القرآن، ثم نهض ليصافح أدهم ويغادر.
خرج معتصم من الخيمة وأخذ يسير بعيداً عن الضوضاء قليلاً، وما إن بدأ يتنفس هواء الليل الهادئ حتى لحق به خالد، يناديه بصوت خافت:
“معتصم بيه، لو تكرمت ممكن تديني رقم تليفونك؟ في موضوع مهم حابب أكلم حضرتك فيه بس الوقت مش مناسب دلوقتي.”
أومأ معتصم دون تردد، مستخرجاً بطاقة مدون عليها اسمه وأرقام هواتفه، وسلمها لخالد الذي نظر إليها بتمعن.
بينما كان خالد يقرأ البطاقة، ركضت وفاء الخادمة نحوهما، وجهها يشي بالقلق، وقالت بنبرة متوترة:
ـــ “دكتور خالد، الدكتورة ريم جاتلها الحالة و مش قادرة تتنفس… تعال الحقها بسرعة.”
تجمدت ملامح معتصم للحظة، قبل أن تتسارع دقات قلبه.
ورغم تحفزه للركض نحوها، حاول تمالك نفسه قدر المستطاع، بينما خالد عقد حاجبيه بدهشة:
ـــ “حالة إيه؟ مش فاهم…
لم يحتمل معتصم تردده، فصاح به بحدة:
ــ “Panic attack… انت لسة هتسأل؟!
نظر له خالد نظرة متفحصة، كمن يحاول فك شفرة الكلمات… من أين يعرف معتصم بهذه النوبات التي تصيب ريم، وهو زوجها ولم يكن على علم بها؟ أدرك معتصم الحيرة التي تعتري خالد، فوضع يده على كتفه بقوة، كأنه يدفعه دفعاً نحو خيمة النساء، وقال بصوت واثق مليء بالإصرار:
ـــ “اتحرك، ما فيش وقت للشرح!”
نفض عن عقله استغرابه و واصل طريقه الى خيمة النساء ركضا، و لم يستطع معتصم منع نفسه من الذهاب خلفه لكي يطمئن عليها، فقلبه لن يهدأ طالما أنه عرف بتدهور حالتها..
دخل خالد الى زوجته مسرعا بينما بقي معتصم بالخارج يراقب المشهد، حيث كانت ريم متشحة بالملابس السوداء و تتنفس بوتيرة عالية و دموعها منحدرة بغزارة من فرط صدمتها مما حدث لندى، كانت تحتضن جسدها بذراعيها لعلها تهدأ و لكن بلا جدوى، و حين وصل لها خالد احتضنها بحب وافر فهو بالطبع طبيب و يعلم أن احتضانها سيجعل شعور الأمان يتسلل إليها مما يرفع من هرمون السيروتونين و تعود لحالتها الطبيعية رويدا رويدا..
حين احتضنها خالد ازداد بكائها أكثر و كأنه قد أثقل حزنها و ذكرها بقرار كم ندمت عليه، الا و هو زواجها به..
الأمر الذي جعل قلب معتصم ينشطر لنصفين، يدرك جيدا أنها تحتاجه هو دون غيره… هو فقط من يستطيع تخليصها من تلك النوبة المزعجة..
تنهد بعدما تسلل إليه شعورا بالعجز، فقد عزَّ عليه أن يراها تتحمل كل هذا الضغط، و لكن لحظة… هناك شخصا آخر يستطيع انقاذها من تلك النوبة..
أسرع بالعودة الى خيمة الرجال ليقترب من أدهم يهمس في أذنه:
ـــ أدهم بيه يا ريت تروح تهدي ريم… نوبة الهلع جاتلها و خالد مش عارف يتصرف معاها…
لم تكن دهشة ادهم بأقل من خالد… يتسائل بداخله من أين يعلم بتلك النوبة التي تأتيها؟!.. هل كانت ريم تحبه لدرجة أنها أفصحت له عما ينتابها من تغيرات نفسية؟!
أدرك معتصم ما يدور في خُلد أدهم من خلال نظرة الشك التي أرسلها له، فقال بجدية بعدما رمش بأهدابه:
ـــ متستغربش… انا كنت عارف بظروفها النفسية.. بس مش وقت شرح و توضيح دلوقتي.. يا ريت تروحلها قبل ما تفقد وعيها.
هز رأسه بتفهم ثم اوصى محمود بتلقي التعازي لحين عودته..
بقي معتصم ينظر في أثره بتأثر، ثم اطمئن قليلا بعدما تأكد أنها ستكون بخير بين أحضان توأم روحها أدهم و استدار مغادرا عائدا الى بيته…
استطاع أدهم بحضنه الدافئ الحاني أن ينتزع شقيقته الصغرى و التي هي بمثابة ابنته من تلك الحالة السيئة حتى هدأت و استكانت بعدما همس لها ببعض الكلمات الحانية، بينما كان خالد يراقبهما بمشاعر مختلطة ما بين الدهشة و الضيق في ذات الوقت، لأنه لم يستطع أن يصل بها الى تلك المرحلة من السكينة على اعتباره زوجها و أقرب الناس إليها..
انتهى العزاء أخيراً و اختفت الأصوات ليعم السكون ليل أدهم الحزين…
تلك الليلة قضاها في غرفة ندى جالسا بمنتصف الفراش متجهم الملامح بعدما أخذ منه الحزن مأخذه..
كانت عيناه تدوران في أركان الغرفة، تتفحص كل قطعة بها، فهنا ضحكت معه.. و هناك عاتبته.. قرأت معه ذلك الكتاب.. و ارتدت أمامه تلك المنامة.. نام بجوارها على هذا الفراش.. و جلسا سويا على تلك الأريكة..
مازالت رائحتها العبقة عالقة بكل ما بالغرفة… لم يعد يتحمل… قلبه يوشك على الانفجار.. يا الله كيف سيتحمل العيش بدونها.. فشعور الفقدان من أصعب ما قد يمر بالمرء..
في صباح اليوم التالي، اقتحمت نرمين مكتب معتصم كعاصفة هائجة… عيناها تقدحان شررًا، والورقة التي تحمل إفادة نقل الملكية إلى معتصم ترتعش بين يديها.
“إيه اللي انت عملته دا يا حرامي يا نصاب؟! بتسرقني؟! بقى دي أخرتها؟! بعد ما عملت منك بيزنس مان وشهّرتك في وسط رجال الأعمال تسرقني يا فلاااااح!”
رفع معتصم بصره إليها بهدوء يشبه السكون الذي يسبق العاصفة، نهض ببطء من كرسيه، يداه تتسللان إلى جيوبه ببرود متعمد، ثم دار حولها كصياد يُطوق فريسته، توقف أمامها وألقى بنبرة باردة كالجليد:
ـــ “امممم… وإيه كمان؟!”
اشتعل غضبها كوقود أُلقيت عليه شرارة.
ضربته بقبضتها في صدره وهي تصيح بصوت مرتفع:
ـــ “أنا هفضحك يا معتصم! انت فاكر إنك ممكن تاخد مني أملاكي بالنصباية اللي عملتها دي؟!”
لكن صوت معتصم ارتفع فجأة، كصفعة صوتية جعلتها تتراجع خطوتين للخلف:
ـــ “قلم قصاد قلم… ولو عايزة تفضحيني زي ما بتقولي، يبقى فضيحة قصاد فضيحة… أقصد فضايح… يا مدام نرمين.”
اهتزت للحظة، وظهرت لمحة من التوتر على ملامحها. لكنها سرعان ما أعادت بناء قناع الثبات، قائلة بسخرية مستترة:
ـــ “انت متقدرش تعمل حاجة… عارف ليه؟! لأنك من غيري ولا حاجة.
ابتسم بسمة ساخرة، ومال قليلاً نحوها قائلاً بصوت أشبه بالهمس:
ـــ “يظهر إنك لسة معرفتنيش بعد السنين دي كلها…”
يتبع….
google-playkhamsatmostaqltradent