رواية العسقلة الماكرة الفصل السابع و الثلاثون 37 - بقلم ايمان كمال
الفصل السابع والثلاثون
ياسر مش قادر يتحكم في مشاعره، ومش قادر يصدق كل الحب اللي بتقوله ضمها اوي بقوه راجل عاشق بجد.. حبيب مشتاق واخيرا حبيبته بين دراعه مشتاقه زيه واكتر قال بصعوبه همس: انا عمري ما هقدر اخرجك منه ابدا ابدا، ده انا ماصدقت تيجي وتدخلي جواه، انا معرفتش طعم الحياة الا دلوقتي وانتي بين ايديا، بحبك اوي يا مرزوقة، وقلبي عمره ما داق الحب الا على ايديك انتي.
سكت لحظة وافتكر حاجة وسألها: بس تعالي هنا انتي عرفتي مكاني ازاي؟
ردت مرزوقة عليه بثقة وقالت: انت فاكر انك ممكن تقدر تبعد عني، مهما تبعد وتغيب قلبي هيكون دليلي وهيوصلك لو كنت في اخر الدنيا هجيبك، يا ياسو افهم بقى انت قدري زي ما انا قدرك، ومحدش بيهرب من اقدره مهما عاند.
ايده كانت ماسكه ومتشبثه اوي في اديها، مكنش عايز يسبها تاني ولا تبعد عنه، لكن فجأة ابتدت تسحب اديها وتبعد عنه.. المسافة ابتدت تبعد بينهم اميال، فضل ينادي عليها بصوته كله، لكن صوته كان مخنوق مش راضي يطلع، وصورتها بتختفي رويدا دويدا..
قام ياسر من نومه وهو بينادي بأسمها ويدور عليها في الاوضة، وبعد لحظات من التفكير استوعب ان كل اللي فات ده كان حلم جميل عاش فيه اسعد لحظات، اتنهد بوجع وحاول يسيطر على انفايه واعصابه، وقعد يسترجع اسعد لحظة وهي في حضنه واتردد في ودنه اعترافها بحبه وعاش الاحساس من تاني، وكلم نفسه واتمنى ان الحلم ده هيكون حقيقة في يوم، لكن عقله رد بسرعة وبلغة باستحالة تحقيق الاحلام.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت جهاد لفيلا شادية وكان الوقت متأخر، وكانت شادية في اوضتها لسه على حالتها، قربت منها جهاد وحضنتها واول ما ضمتها فضلت تبكي بحرقة، انسحب سليم بهدوء عشان يقعدوا مع بعض، سبتها تخرج كل اللي جواها ولما هديت اتكلمت معاها بمنتهى العقلانية وقالت: ممكن تبطلي عياط ونتكلم سوا بالعقل، ونبعد العاطفة ونركتها على جنب، دلوقتي اللي فهمته منك بعد كل اللي حكتيه بيقول ان في خطورة عليكي من استمرار الحمل في السن ده، وسليم وياسر خايفين عليكي.
لاحظت انها عايزة تدافع عن نفسها، فكملت: انا مستوعبه كل اللي عايزه تقوليه، احساسك بالامومه ونفسك في طفل منك، بس مش على حساب حياتك يا شادية، انتي مش ملك نفسك، لا حياتك دي ملك كل الناس اللي متعلقه بيكي وسعادتها في وجودك، انا مش هقولك ياسر صعبان عليا، وحاسه بيه، انا هسألك سؤال قعدي مع نفسك وجاوبي بكل صراحة، هل تمسكك بالجنين ده تستاهل انك تضحي بياسر وسليم؟
شادية هترد عليها، وقفتها جهاد باشاره منها وقالت: بلاش تستعجلي وتجاوبي، خدي وقتك.
المهم انا فكرت في مكان ممكن ياسر يكون راحله.
لسه شادية هترد وتسألها، انتبهت لصوت الفون ردت عليه ومجدي قال بسرعة : ياسر في البلد يا مدام شادية.
شادية بفرحة: انت متأكد يا مجدي؟
مجدي بتأكيد: ايوة والله، سألت صديق في المرور وهو بلغني بخط سير العربيه.
شادية الفرحة خلتها مش عارفة تجمع الكلام فقالت بلجلجه: ششكرا اووي يامجدي، تعبتك معايا.
مجدي: العفو ياسر ده صاحبي واخويا، وربنا يهدي الحال.
قفلت معاه وقامت مسكت جهاد وقالت: لاقيناه اخيرا يا جوجو.
جهاد سألتها: في البلد صح ؟!
شادية بتعجب قالت: عرفتي ازاي؟
جهاد بابتسامه: لا معرفش بس حسيت وكنت لسه هقولك تلفونك رن.
شادية بالامبالاه ردت: مش مهم، المهم دلوقتي لازم اروحله عشان ارجعه لحضني.
جهاد مسكت كتفها وقالت بنبره جاده: هتروحي ازاي بس، انتي نسيتي كلامك ليا لما قولتلك اروحله عشان افهمه، ردك ساعتها كان إيه ؟
قعدت شادية ورجعت بذاكرها وافتكرت كلامها، فردت جهاد وقالت : ايوة بالظبط كده استهدي بالله وسيبيه ياخد وقته في زعله، ياسر زي ما هو مش هيتقبل مني اي كلام، فهو برضو مش هيقبل منك اي حوار، لانه ببساطة مش عايز غير انه يسمع انك تخلصتي من الحمل.
شادية تبدلت الفرحة لحزن تاني وقالت بوجع: بس يا جهاد انا امه مستحيل افضل هنا وهو هناك بعيد عن عيني، ازاي بس اعيش من غيره، ده هو كل حياتي ودنيتي، ياسر حطتني في اصعب اختيار يا جهاد لتاني مره.
جهاد بآسى ردت: كان الله في عونك، بس وجود ياسر في حياتك يستاهل انك تختارية، هو اللي عيشتي معاه وربتيه طوال السنين اللي فاتت، ياسر اول من سمعك كلمه ماما وحستيها برغم ان فرق السنين بينكوا مش كبير اوي، انتي طول عمرك راضيه بنصيبك يا حبيبتي، بلاش تضيعي سعادتك من بين ايديكي.
فضلت شادية تفكر في كلامها وتقلبه في راسها، بس عقلها وقلبها مش قادرين يجتمعوا على قرار واحد، كانت متمزعه ما بينهم، زي ما هي متمزعة بين ابنها اللي مخلفتهوش وكبرته، وبين جنينها اللي هتجيبه من احشاءها، ونفسها تشوفه وتلمسه بين اديها وتحضنه، شردت في احزانها، قامت جهاد عشان تروح فقالت شادية ليها: هتروحي ازاي في الوقت المتأخر ده بس، خليكي بايته معايا النهارده.
جهاد باحراج ردت: هتحرج من دكتور سليم بلاش انا هتصرف.
شادية وهي بتقدم ليها هدوم تنام فيها قالت: انتي اصلا مش هتمشي من هنا، خليكي معايا الفترة دي انا محتجالك تكوني جنبي اوي.
جهاد ضمتها بحب وقالت: وانا مقدرش اتخلى عنك، حاضر ياشوشو هبات معاكي، واوعدك انظم مواعيد شغلي عشان اكون معاكي اطول وقت ممكن.
شادية بتفكير قالت: انا عيني مش هتعرف تغمض دقيقة لحد ما اطمن عليه واسمع صوته، النهارده هيكون اطول ليل هيمر عليا.
خرجت تنهيده قوية مصحوبه بكل الوجع اللي حاسه بيه وردت جهاد بألم: انا كل ايامي اللي عدت كل لياليها طويلة ياشوشو، بشتغل طول النهار والليل عشان اليوم يعدي، عشان مفكرش فيه، واحاول انسى شوقي ولهفتي عليه، بس في اخر ساعات الليل ببقى زيك كده بتتجدد كل الآلام والأشواق في قلبي، وبفضل ادعي ان الليل يخلص بسرعة عشان ابدا يوم جديد وبعذاب اجدد.
شادية ردت بوجع مماثل: الغريبة ان احنا الاثنين بنتعذب نفس العذاب، وحاسين بنفس الألم، واللي يوجع اكتر ان اللي واجعنا هو نفس الشخص، عشان كده لازم نكون مع بعض، على الأقل نقدر نخفف وجعنا، ونواسي بعض.
جهاد في محاوله بتصبرها بيها قالت: كله هيعدي ياشوشو، وكل حاجة هتتصلح بينكوا مع الوقت، انتي امه وهو مش هيقدر يستغنى عنك، لكن انا كل مدى الأمور بتصعب بينا وبتتعقد اوي.
شادية سألتها: هو في حاجة حصلت وانتي مخبياها عني؟
جهاد بتأثر وحزن حكت لها على رد فعله وقسوته معاها، اضايقت جدا شادية على سوء تصرفه ولعنت غباءة، لكن هي عارفاه وحفظاه كويس لو متصرفش كده ميبقاش ياسر ابنها، طبطبت عليها وسابتها عشان ترتاح، وهي راحت اوضتها تحاول عينها تغفل من تعب اليوم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
الامور هادية جدا والسعادة مرفرفه واتبدل حال عماد وطول الوقت بيستغفر ربنا ويطلب منه العفو والغفران، اما شروق رجعت ابتسامتها واشراق وشها نور من تاني، بعد ليالي كتير داقت فيها مرار البعاد وقهرة الفراق، عماد طول الوقت بيتصل بيها، وعلى طول يا معزوم عندها، يا اما هي عندهم في بيتها وخالتها انهار بتعاملها احسن معامله، ونسيت شروق الماضي بكل احزانه، وقررت تبص للحاضر وتتفاءل ومتتكلمش ولا تلمح بعد ما عاتبوا بعض وصفوا كل حاجة في قلوبهم.
صحي عماد الصبح بيدور على امه مش لاقيها في البيت كله، استغرب تكرن راحت فين من غير ما تقوله، اتصل بيها مردتش، زاد قلقه وحيرته، جرب كذا مره برضو مش بترد.
في الوقت ده كانت انهار خلصت المشوار اللي راحتله من الفجر، وفي طريق عودتها للبيت، ومن الزحمه وصوت العربيات مسمعتش التليفون، وقبل ما توصل اتصلت على اختها سعاد وقالتلها: انا جيالك يا ختي كمان ساعة، هي شروق عندك؟
ردت سعاد بتعجب: تنوري وتأنسي يا اختي، هو انتي محتاجة تستأذني عشان تيجي بيت اختك، شروق عقبال ما توصلي تكون جت من الشغل.
انهار براحه قالت: طب كويس هتصل بعماد يسبقني، وهجيب الغدا معايا وناكل كلنا سوا.
سعاد بزعل: عيب والله اللي بتقوليه ده يا انهار، انتي بتشتميني، الجُوده بالموجوده، ولقمه هنيه تكفي ميه.
انهار بتبرير: وربنا ما اقصد، انا بس عايزة احتفل ومحضره مفجأة حلوة ليكوا وعزماكوا على الغدا، وبدل ما اتعبك وانا اصلا في الطريق، قولت البيت واحد، عندي ولا عندك مش فارقة.
سعاد بتأكيد: طبعا امال إيه، واحد ياحبيبتي، خلاص انا في انتظارك، واقوم اعملك كيكة شكولاته بأيدي، وصنية كنافه تستاهل بقك.
خلصت معاها المكالمه وهي نفسها مرتاحة وراضية عن اللي عملته، وكلمت عماد عشان يسبقها، ومردتش تقوله على اي حاجة.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
اول مجدي ما صحي من نومه اخد عربيته وسافر فورا لصديقة عشان يطمن عليه، وطول الطريق بيحاول يتخيل إيه السبب اللي يخليه يبعد بالطريقة العجيبه دي، وبعد مده وصل وكان لسه ياسر صاحي، طلب مقابلته ونزل واول ما شافه مجدي سلم عليه بحراره وسأله: في إيه ياسر ؟ إيه اللي حصل يخليك مختفي بالشكل المريب ده يا شيخ؟
قعدوا على الكنبه واتنهد ياسر تنهيده قوية من جوه قلبه وبدأ يحكي ليه كل حاجة حصلت، ومجدي مستمع له من غير ما قاطعه، سابه يخرج كل اللي حاسه من وجع وألم، ولما انتهى قاله بصوت العقل: حرام عليك تحط امك في اختيار صعب كده يا ياسر، مهما يكن دي ست ومشاعر الامومه عندها بتكون قوية، سبها تجرب وتعيش التجربه بحلوها ومرها، وانت خد زعلك منها شوية بس اياك تحرمها وتحرم نفسك من حضنها، انت اكتر واحد عارف هي بتحبك اد ايه، وزمانها هتتجنن عليك.
ياسر بغضب وعنف وهجوم: هو ده اللي ربنا قدرك عليه يامجدي، طبعا ما انت لازم تقول كده وتاخد الموضوع بالبساطة دي؛ ما هي لو كانت امك مكنش ده هيكون رد فعلك ابدا ؟!
ياسر قال كلامه باندفاع من غير ما يفكر فيه، هو عارف حكايته، بس زاد على وجعه من غير ما يقصد، ولما استنتج من شكل ملامحه اللي اتغيرت، ادرك انه غلطت انه اتكلم وذكر اسمها فقال: آسف يا مجدي مقصدش والله، بس انا فعلا مضغوط وتعبان، ومش عارف انا بقول ايه؟!
مجدي بتفهم وبضيق حاول يداريه قال: حصل خير، المهم انت استغل فرصة وجودك بين الزرع والجو الجميل ده وكمل روايتك وانجزها، عشان اول ما اخلص الفيلم اللي بصوره ندخل فورا ونرتب لروايتك.
ياسر هز راسه وافتكر ان بقاله كتير مكتبش حرف واحد فيها، حتى قلمه حزين زيه، فرد عليه بتأثر: والله نفسي اخلصها، بس ظروفي وحالتي النفسيه مخليه مزاجي وحش اوي.
مجدي وهو بطبطب على رجله: لا والنبي روق كده ونفض اي سلبيات جواك وارجع اكتب، ده اكل عيشنا يا حبيبي، وفي ناس من ورانا فاتحه بيوت، حرام عليك توقف حالهم، انا كده اطمنت عليك، هقوم ارجع اشوف شغلي اللي متعطل بسببك.
ياسر بيمسك فيه عشان ميقومش اول ما لمح السفره اترصت، ونادتهم مرات عم عثمان، رد ياسر وقال لمجدي: مش هتمشي غير لما تاكل معايا، ونشرب القهوة مع بعض.
قام معاه مجدي ولسه هيبدأوا اكل، جاله اتصال على التليفون الارضي، وردت سنية واول ما فهم ياسر ان اللي على التليفون امه، شاور ليها انه نايم، فتلجلجت سنيه وقالت: سيدي ياسر اظاهر نايم يا ست شادية.
ردت شادية بحزن: طب بلغيه ياسنيه اني بطمن عليه، وقوليله انت وحشت امك اوي.
قالت شادية كلامها وصوت دموعها وشهقاتها كان أعلى من صوتها، قفلت معاها وبلغته بكلامها وسابتهم عشان تجهز القهوة، فبصله مجدي بحزن: ليه دايما بتحب تعذب نفسك وكل اللي حواليك؟
هون عليك يا ياسر، وطمنها عليك لو برساله.
حط ياسر كفه على وشه يداري دموعه اللي عايزة تنزل وهو مانعها وقال بصوت ضعيف: مش هقدر اكلمها، خايف لو كلمتها الموضوع يكبر اكتر، واحتد عليها في الكلام، افضل حل اني ابعد لحد ما اهدى، وهي تاخد قرارها، انا مش اناني يا مجدي، انا خايف عليها اوي، وبحبها لدرجة هي متتخيلهاش، ازاي عايزاني اقبل ولو باحتمال واحد في الميه اني افقدها واوافق ازاي بس؟
مجدي زعلان على حالته ومش عارف يعمل ايه عشان يهديه: يعني هو حل انك تبعد عنها، طب لو لا قدر الله حصل ليها حاجة وحشة، ساعتها هيكون إيه موقفك؟ اكيد هتندم لانك كنت بعيد، و وقتها الندم مش هيفيد، بلاش تضيع من ايديك كل اللي بتحبهم، وانت فاهم قصدي كويس.
قال كلامه مجدي وسابه يفكر، واعتذر انه يقعد معاه اكتر من كده، عشان يلحق يكمل شغله، وميعرفش بكلامه ده عمل فيه إيه، كأنه قال تعويذته اللي شقلبت كيانه، وخلت دماغة متبطلش تفكير فيهم، وفضل يسأل نفسه سؤال واحد بيتكرر كل شوية؛ ليه اكتر اتنين حبهم في حياتهم ضيعهم من ايده بسبب عناده ودماغه الناشفه؟
قام طلع اوضته وحاسس ان قلبه وروحه بعاد عنه، فاتت ساعات وحاسس انها سنين على بعاد امه عنه، بيقاوح وهو مش عارف هيفضل لحد امتى صامد على بعدها عنه، دي كانت هي اللي بتصبره على فراق مرزوقة .. كانت هي البلسم لكل وجع او ألم يحس بيه... كانت امه وابوه، وكل عيلته، ميعرفش حد في دنيته غيرها هي.. ملوش حد ولا بيحب يقعد من حد غيرها... كانت هي كل حاجة حلوه في حياته.. النور اللي كل يوم بيشرق مع ضحكتها الصبح... الضياء اللي بينور طريقة، لكن دلوقتي حياته كلها حاسس انها بقت عتمه وظلام مميت، طريقة بقى مليان اشواك وظلام، فضل على حالته كل ركن بيفكره بذكرى حلوة مرت معاها، طب يهرب منها يروح على فين؟ كان فاكر انه لما يبعد عن الفيلا هيرتاح، لكنه ميعرفش انه لما جه هنا ذكرياتهم طاردته بكل وحشيه، وميعرفش يبعدها عن ذاكرته، بس في ظل كل الهجوم ده فجأة طارده الحلم وسرح في جمال وروعة اللحظات وعاشها بكل كيانه.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت انهار بيت اختها، واول ما دخلت لمحت ابنها قاعد مع شروق، رحبت بيها اختها واخدت منها شنط الاكل، لكن استوقفها سؤال عماد: إيه ياماما كل الشنط دي، وكنتي فين من الصبح؟
قعدت انهار تاخد نفسها، وحطت شنطة جلد على التربيزة قدامهم، والكل وقف مستغرب خصوصا لما فتحتها، وهي شافت علامات الاندهاش على وشهم ضحكت وقالت: هتفضلوا متنحين كده كتير؟!
رد عماد باندفاع: فلوس مين دي؟ وجبتيها منين؟
انهار وهي بتقدمها ليه بحب: دي فلوسك يا بني، انا بعت حته الارض اللي حيلتي، والحمدلله جابت سعر حلو اوي، حطيت مبلغ صغير في البنك اعيش على الفوايد اللي هتطلع منه كل شهر، والباقي اهو عشان تخلص شقتك بسرعة تشطبها وتفرشها، انا عايزة افرح بيك واشيل عيالك.
شروق قفلت الشنطة وقالتلها بزعل: ليه تعملي كده يا خالتو، الارض دي كانت غالية عليكي، وشيلاها للزمن، ازاي هان عليكي تبعيها؟
ابتسمت انهار وردت وعيونها مرغرغه بالدموع: هانت عليا من وقت ما فوقت واتخليت عن انانيتي، في الاول كنت رافضة عشان اعجز عماد ويفضل جنبي وفي حضني، لكن بعد اللي حصل خلاص اتعلمت الدرس، وقولت لنفسي هتفيد بأيه الارض وابني اللي طلعت بيه من الدنيا بيتعذب و وحيد، لقيت الرد؛ تغور الارض ولا يعيش لحظة حزين، قمت كلمت سمسار معرفة واول ما شاف مشتري بعتها والحمدلله كسبت فيها كويس، بس المكسب الحقيقي هو الفرحة اللي شيفاها في عيونكم واللي هتكبر لما تقربكوا من بعض.
الكل كان بيسمعها وفخورين بيها واولهم عماد اللي ركع تحت رجليها وباس اديها بكل حب وقال: ربنا يباركلي فيكي ياست الكل، وميحرمنيش منك يا ماما.
ضمته لقلبها وباست جبينه وادتله الفلوس، وقالت بهزار: بلاش بقى نكد النهارده عايزين نحتفل، يالا ياسعاد نحضر السفرة انا بطني بتصوصو من الجوع.
حضروا الأكل والكل سعيد بتغير طباع انهار للأحسن، والسعادة اخيرا عرفت طريقها وفرشت ازهارها العطرة وملئت البيت سعادة ومحبه، من بعد ليالي الفراق والهجران...
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ودارت الايام ومرت سريعة على شروق وعماد، اللي انجز توضيب شقته وخلصها، ومش فاضل غير تنقية العفش، اللي بتشاركة فيه شروق في كل حاجة وبياخد رأيها وينفذه احيانا غصب عنه عشان ميزعلهاش، وهي بتقدر ده وبتشيله فوق راسها وبتسمع كلامه، ومش فاضل غير حاجات بسيطة ويحددوا معاد جوازهم.
وبمرور الوقت والايام السابقة؛ ياسر، شادية، سليم، جهاد، الوضع بينهم كل مدى يسوء، ياسر في حالة هجر وعذاب، ولسه على موقفه، شكله اتبدل، ساب دقنة تطول بدون تهذيب، فقد كتير من وزنه، حابس نفسه في اوضته واطلق العنان لقلمه واجبره انه يكتب وينجز، طلع كل احزانه على الورق عشان يخلص روايته ويختمها..
جهاد لسه بتجاهد معاه ومفقدتش الأمل لحظة، اشترت خط جديد عشان تعرف تتابع حالات الواتس بتاعه، وعملت اميل فيك عشان تدخل صفحته وتشوف اي حاجة نزلها يمكن تطمن عليه من خلالها، لكنه حرمها حتى من الاحساس ده، وبطل ينزل حاجة، بتابعه في صمت برغم مشاغلها وتصوير اكتر من عمل، لكنها مقدرتش لا تنساه ولا تبطل تحبه لحظة برغم قسوته وقلبه الحجر عليها..
اما شادية عايشة حالة حرمان حقيقي، وبتدفع ثمن تمسكها بالجنين غالي اوي، اتحرمت من ابنها اللي بعد وهاجرها، وكمان سليم اللي واخد جنب منها وزعلان، هو بيهتم بيها وبأكلها وعلاجها، ومتابعة الحمل، لكن سبها تعاني الوحده والحرمان لوحدها، ودخل ينام من ساعتها في اوضة تانية، والكلام بينهم على الاد، فقدت حنانه وضمة حضنه واحتواءه، الكل بعد عنها وبيعاقبها ومحدش منهم حاسس بيها، ولا سأل نفسه هي حاسه بأيه؟
وكل ما تحس بالوجع تكلم ابنها وتشتكيله من ظلم احبابها، هو الوحيد اللي بيحس بحزنها، ويشاركها وجعها بعد كل محاولتها انها تكلم ياسر فشلت، مكنش قدامها غير انها تتصل بيه من رقم ميعرفوش، كل يوم تتصل تسمع صوته من غير ما تتكلم، كل واحد يسمع انفاس التاني من سكات، ولا هي قادرة تنطق، ولا هو قادر يسأل مين معاه؟!
لكن جواه صوت بيأكد له انها امه، بيكتفي يسمع صوت انفاسها العالي، وأحيانا صوت شهقاتها اللي كانت بتدبحه وبتمزق قلبه، ولما ميقدرش يستحمل بيقفل الخط ويفضل يلومها على اللي عملته فيه وفي نفسه.
مسك تليفونه تاني وحمل فيديو لمقطع اغنيه ونشره لحاله واتس تعبر عن حالة الاشتياق واللوعة اللي هو عايش فيها..
وحشتيني، وحشتيني بكثر ما خانني هذا الزمن وأكثر وحشتيني
أحبك حب أكبر حيل من كلمة أحبك واسألي عيني، إسألي عيني
يا أقرب من نظر عيني لعيني
يا أبعد من حنانك عن حنيني
أمانة كيف تنسيني، تنسيني
مشتاق، مشتاق، مشتاق
فضل يسمع المقطع ده عشرات المرات يكرره، ويسأل نفسه ويتكرر السؤال في كل مره، هل الكلمات دي يقصد بيها مين؟ امه ولا حبيبته الماكرة؟
وياترى العلاقة هتفضل كده بين شادية وياسر لحد امتى؟
وهل هيستمر الفراق بينهم ولا ممكن يحصل حاجة تقربهم من بعض تاني؟
للإجابة على تلگ الأسئلة تابعوني في باقي احداثنا اللي مازالت مستمره في روايتي الجديدة المتواضعة
العسقلة_الماكرة
بقلمـ إيمان كمال ✍️
إيمووو
•تابع الفصل التالي "رواية العسقلة الماكرة" اضغط على اسم الرواية