Ads by Google X

رواية مهمة زواج الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم دعاء فؤاد

الصفحة الرئيسية

  

  رواية مهمة زواج الفصل الثاني و الثلاثون 32 -  بقلم دعاء فؤاد

و ما علاجُ الاشتياقِ اذا كان اللقاءُ مستحيلا؟؟؟؟؟
صدح أذان الفجر في الأجواء حين كان أدهم يقود سيارته عائدا من مركز الولادة الى المنزل و برفقته ندى حيث ترك والدته و أخته ريم مع شقيقته روان بعدما اطمئن عليها و استقرت حالتها الصحية الى حد ما.
حين وصل الى المنزل قام بصف سيارته في مكانها المعتاد ثم..
ـــ انزلي يا ندى يلا..


قالها و هو يغلق محرك السيارة و لكنها لم تتحرك قيد أنملة، فنظر لها ليجدها مستغرقة في النوم.
حانت منه ابتسامة حانية لتمتد يده الى وجنتها يهزها برفق لكي تستيقظ و لكن دون جدوى..
بعد عدة محاولات فاشلة من ايقاظها اضطر لان يترجل من السيارة و فتح الباب من ناحيتها ثم انحنى ليضع يد أسفل ركبتيها و الأخرى أسفل خصرها ليحملها بخفة و يغلق الباب بقدمه ثم دلف مباشرة ليستقل المصعد الى حيث شقته ليفتح الباب بالمفتاح بصعوبة ثم يدلف و يغلق الباب بقدمه ثم يذهب لغرفته و يضعها برفق على الفراش.
زفر أنفاسه على مهل ثم خلع لها نعليها و فك حجابها و عدل من وضعية رأسها على الوسادة و طبع قبلة على جبينها ثم توجه الى الخزانة ليستخرج ملابس للنوم و بدل ملابسه و توضأ و صلى الفجر ثم استلقى بجوارها بارهاق بالغ ليستغرق في النوم في غضون ثوان.
في تمام الثامنة صباحا فتح عينيه ليجدها تنظر له ببسمة واسعة مرتدية كامل حجابها على فستان رقيق من الكتان ليبتسم لها و هو يقول بصوت متحشرج من أثر النوم:
ـــ صباح الجمال.. لابسة كدا و رايحة على فين؟!
قبلته من وجنته برقة ثم قالت بحماس:
ـــ قوم بسرعة يلا عشان تلحق تلبس و توصلني الجامعة عشان مش عارفه الطريق كويس.
قطب جبينه بدهشة ثم قال:
ـــ أخيرا قررتي تروحي؟!
ـــ أيوة.. فات اسبوعين كاملين من الدراسة و مروحتش ولا يوم.. أكيد فاتتني حاجات كتيرة.
نهض من نومته و هو يتثائب ثم قال و هو يمد يده لها:
ـــ طاب شديني بقى قوميني عشان دايخ من قلة النوم.
استجابت له و نهضت من جانبة و وقفت أمامه و ببراءة جذبته من يده إلا أنه كان أقوى منها ليسحبها من يدها لتسقط فوقه فانقلب بها لتكون هي تحته ثم استند بكوعيه الى الفراش محتجزا رأسها بينهما، فأخذت تنظر له بذهول فدائما ما يباغتها بحركاته السريعة.
ابتسم أدهم و هو يتأملها بعشق بالغ بينما هي تبادله النظر بخجل فلأول مرة منذ زواجهما الذي مر عليه أكثر من ثلاثة أشهر يقتربان لتلك الدرجة…
ـــ مش كفاية بُعد بقى..
قالها بنبرة مثيرة أجفلت منها و جعلت قلبها ينبض بعنف بين جنباتها، فابتعلت رمقها ثم قالت بنبرة مهتزة:
ـــ كفاية.
نظر لها قليلا يتأملها بهيام و كأنه يرسم ملامحها في عينيه حتى ترافقه دائما إذا ما أغمضهما، و هي أيضاً أخذت تتأمل تفاصيل وجهه الوسيم ذو الملامح الحادة المريحة، ثم بعد دقيقة أو أكثر نهض عنها و مد يده لها لتتمسك بها حتى نهضت هي الأخرى لترتطم بصدره العريض، و لكنه لم يُفلتها و انما أحاط خصرها بذراع واحدة ليقول بنبرة شجية:
ـــ لو مكانش ورانا أشغال استحالة كنت سيبتك… بس ملحوقة.. هستناكي و هتستنيني بالليل ان شاء الله.. مش كدا؟!
هزت رأسها بايجاب و هي ترمقه ببسمة هائمة سحرته و جعلته يغمض عينيه بانتشاء.. تلك البسمة الصافية ستفقده عقله لا محالة..
تركها على مضص ثم توجه نحو الخزانة و هو يقول:
ـــ اديني عشر دقايق بالظبط و هكون جاهز يا دكتورة ندى.
تمالكت نفسها بعدما بعثر كيانها ثم ضحكت بعدما نعتها بالدكتورة و قالت:
ـــ تمام يا أدهم بيه يا ريت متتأخرش.
ضحك بقهقهة ثم جذبها ليحتضنها و هو يهمس:
ـــ شامم ريحة تريقة في كلامك..
ـــ امممم… لأنك فكرتني بأول مقابلة بينا و انت بتستقبلني في المطار و بتقولي “حمد الله على السلامة يا دكتورة ندى”
كانت تحاول تقليد نبرة صوته و جديته في الحديث الأمر الذي أثار ضحكاته أكثر ليتوقف بصعوبة عن الضحك ثم قرصها من وجنتها و هو يقول بمزاح:
ـــ مكنتش أعرف ان دمك خفيف أوي كدا يا حياتي..
ـــ طاب يلا بقى عشان العشر دقايق كدا خلصوا و هنتأخر احنا الاتنين.
تركها على مضض و اتجه للمرحاض ليأخذ حمامه الصباحي.
بعد حوالي ربع ساعة كانا في طريقهما الى الجامعة الخاصة الذي كان قد قدم أوراقها فيها آنفا فور عودتها من الولايات المتحدة.
ليقوم بتوصيلها الى كلية الصيدلة حيث تستكمل ندى دراستها بعدما أنهت أربعة أعوام دراسية هناك.
قام اولا بمساعدتها في التعرف على مدرج فرقتها و أحضر لها جدول محاضراتها ثم تركها بعدما اطمئن عليها و انصرف الى مقر عمله.
أخذت ندى تتجول بالجامعة تحاول استكشافها لتجلس قليلا في كل مكان تمر به و يعجبها.
و بعد مرور ساعة تقريباً…
شعرت بأنامل تطرق على كتفها لتلتفت للطارق لتجد أمانها بشاب طويل عريض المنكبين يرتدي حلة سوداء و نظارة شمس سوداء يشبه الحراس الشخصيين ليقول لها بنبرة رسمية:
ـــ حضرتك ندى هانم مدام أدهم بيه الكيلاني؟!
ـــ أيوة أنا… حضرتك مين؟!
ـــ أدهم باشا يبقى مديري… هو للأسف عمل حادثة و هو رايح الشغل من شوية و هو حاليا في المستشفى و بعتني لحضرتك عشان عايز يشوفك.
اضطرب كيانها و توعكت معدتها من الخوف لتصيح بقلق بالغ:
ـــ ايه؟!.. ازاي؟!.. طاب.. طاب هو فين و عامل ايه؟!
ـــ الحمد لله جات سليمة…. اتفضلي معايا حضرتك و أنا هوصلك لحد المستشفى.
سارت خلفه و هي تشعر بأن قلبها سيخرج من مخضعه من الرعب على من امتلك قلبها و وجدانها… هي لن تتحمل فقدا جديدا… قلبها لن يتحمل.
بمجرد أن ركبت السيارة مع ذلك الغريب امتدت يد من الخلف نثرت بخاخا في وجهها فغابت عن الوعي في الحال بمجرد أن استنشقت ذلك الرذاذ ليبتسم صاحب تلك اليد بانتصار و هو يقول لصاحبه: “good job”
ظلت تضرب صدره بكلا كفيها لعله يتراجع و لكنه ظل يتابع مقاومتها التي كانت بلا جدوي بتسلية، و فجأة إقترب منها ليقبل عنقها ببطئ مما جعل مقاومتها تزداد عنفًا لتحاول وقتها تحر…
اشد الجروح الما ليست التي تبدو اثارها في ملامح ابطالنا بل التى تترك اثر ا لا يشاهده احدا فى اعماقهم. هي✨ لم تخبره بمخاوفها …ولكن نقطه نور فى اعماقها المظلمه صرخه با…
استيقظ معتصم ليجد أن جذعه العلوي عاري و شعره أشعث و يشعر بآلام متفرقة في كامل عظام جسده..
نهض ليجلس بالفراش و هو يحاول تذكر آخر ما حدث معه و كيف أتي الى شقته و ما حدث بعد ذلك و لكنه أبداً لم يتذكر سوى تلك الرسالة اللعينة التي وصلته من ريم و التي أنهت بها على قلبه و حولته الى قلب أسود يحمل كرها و حقدا على قدر ما حمل لها من حب.
بعد عدة دقائق من التفكير فيما مر به من ذكريات معها تحولت ملامحه الى القسوة ليقرر أن يقيد قلبه بسلاسل من حديد حتى لا ينبض مرة أخرى لا لها و لا لغيرها… فقد ادرك مدى حماقته حين ترك لقلبه العنان و سمح له لأن تمتلكه أنثى تتلاعب به و في النهاية تقتله بخنجرا مسموما.
أخذ يبحث عن هاتفه حتى وجده، فقام بفتحه ليجد عدة مكالمات فائتة من نرمين بالأمس و لكنه لم يهتم كثيراً و كانت أيضاً توجد مكالمات فائتة من شقيقه حمد.
اتصل بحمد ليأتيه صوته بعد ثوان:
ـــ صح النوم يا عصوم… ايه يابني برن عليك من بدري.
رد عليه بصوت متحشرج من أثر النوم:
ـــ معلش يا حمد كنت نمت متأخر و مسمعتش الموبايل.
ـــ ولا يهمك يا عمي.. ايه الأخبار؟!..مش ناوي تنزل البلد بقى… انا زهقت و مش عارف أدير المزارع زيك و مشاكل الفلاحين كتير و كلهم بيسألو عليك.
ـــ أنا جاي النهارده ان شاء الله… هعدي بس ع الشركة الأول هخلص شوية شغل كدا و اعرف هشام اني نازل عشان يعمل حسابه و ياخد مكاني لحد ما انت ترجع.
ـــ يا معلم أنا من بكرة ان شاء الله هكون في القاهرة.
ـــ أوام زهقت في شهر العسل؟!
ضحك حمد بسخرية ثم قال:
ـــ يا عمي كفاية عليا كدا عسل.. حاسس اني هيجيلي السكر من كتر العسل اللي غرقان فيه.
ضحك معتصم رغم بركان الغضب الثائر بداخله ثم قال:
ـــ لا خلاص ان كان كدا يبقى ترجع القاهرة… أنا برضو ميرضنيش يجيلك سكر لا قدر الله.
ـــ تمام يا معلم هستناك.. عشان في كلام كتير عايزين نتكلم فيه.
ـــ تمام يا كبير… سلملي ع الحاجة و عرفها اني هكون عندكم على آخر اليوم باذن الله.
ـــ ماشي يا حبيبي في انتظارك.. توصل بالسلامة ان شاء الله.
ـــ الله يسلمك.. مع السلامة.
وصل أدهم الى مقر عمله متأخرا ليستقبله آسر بسخرية:
ـــ ناموسيتك كحلي يا أدهم باشا… انت مش عارف ان في اجتماع بعد خمس دقايق بالظبط مع سامي باشا و المفروض اننا نحضرله من ساعة فاتت؟!
ارتمى على الكرسي و هو يتثائب من قلة النوم ثم قال بارهاق:
ـــ انا عارف ان انت صاحب جدع و خلصت التحضيرات كلها…. معلش بقى يا أسور حصلت ظروف في البيت خلتني اتأخر غصب عني.
ـــ ان شاء الله يكون خير.
ـــ خير.. روان اختي كانت تعبانة شوية بس الحمدلله عدت على خير و بقت كويسة..
ـــ ألف سلامة عليها… المهم جاتلنا أخبار من الانتربول بمكان العصابة المتورطة في قتل أنور باشا في امريكا.. و في خبر بس مش متأكدين منه انهم على اتصال بناس هنا في القاهرة بتخلصلهم شغلهم و حاليا في حاجة بيدوروا عليها بس مش عارفين ايه هي و في الاجتماع هنناقش التفاصيل و نحاول نوصل للمعلومات اللي بيدوروا عليها و بيحاولو يوصلولها.. و ان شاء الله نقدر نحدد مكانهم هنا في القاهرة و نتعرف عليهم… و لو ان المهمة دي صعبة اوي يا أدهم.
ربت أدهم على كتفه و هو يقول بثقة:
ـــ ان شاء الله هنلاقيهم يا آسر و هنخلص عليهم كلهم.. و ان محصلش يبقى مستاهلش اقعد في مكاني دا يوم واحد بعدها.
ابتسم له آسر قائلا بحماس:
ـــ و انت قدها يا أدهم يا برهام… يلا بينا عشان منتأخرش.
ـــ يلا..
انتصف النهار حين عادت ندى الى المنزل و هي تدخل الشقة بارهاق شديد و تبدو على ملامحها الاعياء و البكاء.
و من سوء حظها اصطدمت بتيسر و هي في طريقها لغرفتها لتستوقفها مذعورة:
ـــ ايه دا مالك يا ندى؟!.. انتي شكلك مبهدل كدا ليه يا بنتي و عنيكي حمرا؟!.. انتي كنتي بتعيطي؟!
ابتلعت رمقها بتوتر ثم حاولت أن تختلق حجة تبرر بها حالتها المذرية لتقول بكذب:
ـــ لا أبداً يا ماما.. أنا بس عديت على قبر بابا الله يرحمه و هناك مقدرتش أمسك نفسي و حالتي النفسية كانت وحشة اوي و انا قعدة معاه و بكلمه و غصب عني عيطت كتير.
تنهدت باشفاق بالغ ثم قالت بحنو:
ـــ ربنا يصبرك يا حبيبتي… بس انتي عرفتي تروحي هناك؟!
ردت بارتباك:
ـــ ا اه.. أخدت تاكسي و قولتله ع العنوان… بعد اذنك يا ماما هدخل ارتاح شوية.
ـــ تمام يا حبيبتي…وفاء بتجهز الغدا لما تخلص تكوني ارتاحتي شوية.
هزت رأسها بايجاب حتى تهرب من أمامها سريعا فقدماها أصبحتا كالهلام و تقف عليهما بصعوبة.
بمجرد أن دلفت ندى غرفتها ارتمت على الفراش تحاول تجاوز تلك الصدمة التي أصابتها اليوم..
فما حدث سيغير مسار حياتها مع أدهم التي ظنت أنها أخيراً ستحياها معه كما حلمت دائما و لكن لم يُكتب لها أن تعيش الحلم معه بعد.
نهضت بتثاقل لتلتقط هاتفها لتقوم بتشغيل مقطع فيديو للمرة التي لا تعرف عددها، فقد أُرسِل لها اليوم في وقت سابق و كان مفاده….
“أدهم يترجل من سيارته بعدما صفها بمكانها المعتاد أمام مبنى العمليات الخاصة و في الجهة المقابلة فوق سطح أحد المباني العالية يقف هناك قناص مُلثم يصوب ناحية أدهم سلاح الكلاشنكوف و تلك النقطة الحمراء تسير خلف رأسه تماما الى أن اختفى بعدما دلف المبنى ”
لم تستطع منع نفسها من البكاء رغم رؤيتها لذلك المقطع عشرات المرات و رغم اتصالها به و تأكدها من أنه بخير.. و لكن تلك العصابة التي أرسلت لها ذلك الفيديو جعلوه تذكيرا لها لتضعه دائما نصب عينيها ان لم تفعل ما أمروها به…
نهضت بصعوبة لتأخذ حماما دافئا لعل جسدها يسترخي قليلا، ثم بعد ذلك توضأت و صلت ما فاتها من فروض ثم صلت ركعتين قضاء حاجة و بكت كثيراً و هي تتضرع الى الله بأن ينجيها من تلك المحنة و يحفظ لها زوجها و لو كان ذلك على حساب روحها… فأن تموت و تفارق الحياة خيراً من أن تفقده و تكون هي السبب و تزهق روحها حسراتٍ عليه.
عادت ريم من مركز الولادة الى المنزل بعدما اطمئنت على شقيقتها لتطمئن أمها على حالة روان ثم استأذنتها لتستريح قليلا فهي لم تستطع النوم في ذلك المكان..
بمجرد أن دلفت غرفتها اتاها اتصال من خالد لترد عليه فأخبرها أنه قد أخذ موعدا مع أدهم الليلة ليتفقا على موعد الزفاف…
مثلت أنها سعيدة حتى لا يشعر بشيئ غريب و أخبرته أنها ستكون في انتظاره هي و عائلتها.
عند المغيب عاد أدهم من عمله متلهفا لرؤية محبوبته، دلف مباشرة الى غرفته ظنا منه أنها تنتظره بها ليفتح الباب و ينصدم حين رأى الغرفة خالية..
ـــ أكيد قاعدة مع ريم بتساعدها عشان خالد جاي.
دخل متجها الى الخزانة و استخرج ملابس منها ثم توجه نحو المرحاض ليأخذ حمامه و يبدل ملابسه.
بعد نصف ساعة كانوا جميعا ملتفين حول طاولة العشاء يأكلون في صمت، فريم هائمة فيما هي مُقدمة عليه من تهور.. ربما تتخطى معتصم و تعيش حياة سعيدة مع خالد و ربما تصبح أكثر تعاسة.
بينما تيسير تفكر في روان و ما أصابها من خطر في حملها بعدما أصيبت بتسمم الحمل و ارتفع ضغطها و أصبح حملها على المحك.
أما ندى كانت تنبش بطبقها بالملعقة شاردة فيما حدث معها اليوم… حادثة لم تكن تتوقعها ولا في أسوء كوابيسها.. الخطر يحوم حولها و حول زوجها بالأخص.. كيف تتصرف؟!.. هل تستسلم لتلك العصابة و تهدم علاقتها به حفاظا على حياته؟!.. أم…..؟!
لا هي لن تعرضه للخطر و لو كلفها ذلك أن تختفي من حياته الى الأبد..
بينما أدهم كان يأكل و هو يراقبهن باستغراب، فما بالهن كلهن شاردات!!.. و قد كان جُل تركيزه مع ندى.
ظن أنها ربما تكون متوترة من لقائهما المرتقب ليلا بعد انتهاء لقائه بخالد كما طلب منها.
نعم انها فقط متوترة لذلك تتهرب من نظراته و غمزاته لها بعينيه كل حين و آخر أثناء تناولها للطعام… هكذا كان يُحدث نفسه.
وصل معتصم للبلدة لتوه ليتجه مباشرة الى مجلس أمه حيث افتقدها للغاية..
ركض اليها لتمد اليه ذراعيها فارتمى بأحضانها الحانية و أخذا يتبادلان الأحضان و يقبل رأسها و كفيها و هو يقول:
ـــ اتوحشتك جوي جوي يا امايا..
ربتت على كتفه و عينيها دامعتين من فرط الاشتياق ثم قالت بعتاب:
ـــ بجى اكده يا مِعتِصِم… شهر بحاله مشوفش خلجتك الزينة دي؟!
انحنى يقبل كفها مجددا ثم قال باعتذار:
ـــ حجك عليا يا ست الحبايب… مهعملهاش تاني واصل.
أخذت تتأمله بوله لتنتبه الى لمحة الحزن التي كست ملامحه لتقول بوجع:
ـــ مالك يا ولدي؟!.. لتكون لسة زعلان عشان محصولش نصيب في چوازك من الضاكتورة.
حاول قدر الامكان أن يبدو طبيعيا رغم نصال الألم التي تمزق بقلبه ثم قال ببسمة مصطنعة:
ـــ هزعل ليه عاد؟.. اديكي جولتي محصولش نصيب.
وضعت كفها على وجهه تحتضن وجنته براحتها و هي تقول بحنو:
ـــ شاور انت بس هتلاجي العرايس بتترمى تحت رچليك… ألف مين يتمنى يناسب معتصم البدري كبير البلد و حاكمها.
غالب الحزن الذي خَيّم عليه رُغما عنه ليتهرب من تلك المشاعر بقوله:
ـــ أومال فين حمد؟!
نادت السيدة آمنة والدته بعلو صوتها على الخادمة لتهرول اليها بعد ثوان فأمرتها بإخبار حمد بوصول شقيقه معتصم.
فعلت ما أمرتها به سيدتها ليخبرها حمد بقدومه بعد دقائق…
كان يرتدى ملابسه حين وقفت خلفه صافية تناظره بضيق بالغ كان متجليا على ملامحها لينظر لها عبر المرآة و هو يمشط شعره و يسألها بتوجس:
ـــ خير؟!… ايه الوش دا؟!
ربعت ذراعيها أمام صدرها و سألته بترقب:
ـــ انت هتسافر مصر ميتى؟!
ـــ بكرة ان شاء الله.
ـــ و هتسافر و تسيبني اكده لا طولت سما ولا أرض؟!
توقف عن تمشيط شعره حين لمح تغير نبرتها في الحديث و تكلمها بطريقة مبهمة، ليسألها بدهشة:
ـــ بمعنى؟!
ـــ يعني اني هحمل ازاي و انت بعيد عني يا حمد؟!
استدار اليها بعدما وضع الفرشاة جانبا ثم سألها:
ـــ و انتي عايزة تحملي يا صافية؟!
ردت بتصميم:
ـــ ايوة… و محملش ليه عاد؟!
ـــ انتي عارفة انتي عندك كام سنة؟!.. دا انتي لسة عيلة مكملتيش ١٥ سنة.
ردت بوقاحة و بصوت مرتفع:
ـــ متجوليش عليا عيلة… أني زينة البنات كلتها.
رد عليها بنبرة أعلى:
ـــ و الله عال… كبرتي و بقيتي تعلي صوتك عليا كمان.
تجاهلت كلامه لتسترسل حديثها بوقاحة:
ـــ أني مش أجل من أي واحدة عشان اتهملني اكده و تروح لبنتة مصر اللي على كيفك… اني خابرة زين انك عتسافر عشان تشوفلك بنتة زينة من بنات بحري المايصين.. بتوع بابي و مامي كيف ما بنشوفهم في التلفزيون.. ماهو اني مش كد المجام.
أخذ ينظر لها بذهول تام، أيعقل أن تكون هذه صافية؟!.. متى اصبحت متمردة هكذا؟!
ـــ انتي جايبة الكلام دا منين؟!.. دا مش كلامك يا صافية… دا كلام الست أمك.
ردت عليه بصوت مرتفع للغاية وصل الى مسامع الموجودين بالدوار:
ـــ ماله كلام أمي… أمي هي اللي عرفتني كل حاچة وفتحت عنيا على حاچات مكنتش اعرفها.. اني عرفت دلوق انت مرايدنيش أتحدت امعاها ليه.
علا صوته أكثر مما جعل معتصم يهرول اليه و من خلفه أمه حيث صاح بعلو صوته:
ـــ أنا كام مرة حذرتك متمشيش ورا كلام امك؟!.. أمك دي هي اللي هتخرب عليكي… انتي امتى بقى هتفكري بدماغك زي البني ادمين يا شيخة؟!
في تلك اللحظة طرق معتصم باب شقته بالحاح ليتركها و يفتح له الباب ليدخل معتصم و هو يصيح:
ـــ ايه في ايه؟!.. صوتكم واصل آخر الدوار.
اندفعت صافية لتقول ببكاء:
ـــ حمد مرايدش مني عيال يا كبير.
نظر لها حمد بصدمة، لترد عليها السيدة آمنة والدته:
ـــ لسة مآنيش الأوان يا بتي.
ردت بعدم وعي:
ـــ و هياچي ميتى يا خالة و اني و هو عايشين مع بعضنا كيف الاخوات.
اتسعت عيني حمد بصدمة بالغة، فقد وضعته في وضع حرِج للغاية، بينما معتصم نظر له بخذي، أما السيدة آمنة شهقت بذهول و هي تضرب بكف يدها على صدرها مرددة:
ـــ يا فضيحتك يا آمنة… يا مرارك الطافح يا آمنة..
حاوطها معتصم من كتفها و هو يقول:
ـــ معلهش يا امايا انزلي دلوق و كل حاچة هتتحل.
استجابت له أمه بعدما القت نظرة حارقة على حمد لتنزل و هي تندب حظها و تخشى من الفضيحة.
في تلك اللحظة انقض حمد على صافية يجذبها من شعرها لتصرخ بألم و هو يصيح بها بغل:
ـــ ايه اللي انتي قولتيه دا يا بنت الـ…، انتي اتهبلتي.. انتي خلاص عيارك فلت.. أنا خلاص مش عايزك ولا عايز أشوف خلقتك.
ثم القاها على الارض بينما معتصم جذبه من ذراعه لينهره بحدة:
ـــ بس بقى.. انت فاكر ان انت كدا بتداري على خيبتك؟!
صاح به بانفعال:
ـــ مسمحلكش تقولي كدا يا معتصم.
ـــ ياخي بقى تسمح ولا ماتسمحش… انت ازاي تعمل فينا كدا؟!.. مفكرتش ان لو حد عرف الكلام دا هيقول عليك ايه؟!
ـــ عارف.. عارف كويس اوى عقلية الناس اللي هنا.. طبعا محدش فيهم هيقدر اني خايف عليها و عملت كدا لمصلحتها.. هي نفسها مقَدَرِتش.
ـــ اسمع يا حمد… هي كلمة و مش هتنيها… دخلتك عليها هتكون الليلادي.
اخذ يلوح بيديه بغضب بالغ و هو يقول بانفعال:
ـــ مش هيحصل….. مش دي كمان هتغصبني عليها.
صاح به بنبرة تحذيرية:
ـــ حمد… انت عايز تجرسنا في البلد؟!
ـــ أنا مش قاعدلكو في البلد دي تاني… أقولك انا هريحكم مني خالص..
ثم نظر لصافية المسجية على الأرض تبكي بحسرة:
ـــ انتي….
لم يكمل كلامه حيث انقض عليه معتصم ليكمم فمه بيده قبل أن ينطق كلمة الطلاق ليقول له بنبرة قاسية:
ـــ و ربي ان نطقتها لا انت اخويا ولا اعرفك.. و متورينيش وشك للأبد.
نزع حمد يد معتصم من على فمه ثم تركه و غادر من أمامه مخلفا وراءه عاصفة من الغضب و الخذلان و بقي الآخر ينظر في أثره و هو يصتك فكيه من الغيظ.
يتبع….
google-playkhamsatmostaqltradent