رواية أحفاد المعز الفصل الثاني 2 - بقلم زينب محروس
بعدما اختفت أروى برفقة رمزى داخل العمارة، خرج باسل من سيارته و اتجه ليدخل إلى المبنى و لكن منعه حارس العقار عندما أوقفه قائلًا:
– حضرتك رايح فين؟؟
نظر له باسل بتكشيرة:
– داخل العمارة هكون رايح فين يعنى؟؟
الحارس باحترام:
أنا آسف يافندم بس حضرتك مينفعش تدخل لأن ممنوع حد يدخل هنا غير السكان.
باسل بضيق:
– معلش يعنى بس هو أنا داخل القصر الجمهورى دا أنا داخل عمارة مش موضوع يعنى.
الحارس بتوضيح:
– يا فندم كل ما فى الأمر أن العمارة دى كلها ملك رمزى بيه و محذر عليَّ مدخلش حد و إلا هيستبعدنى من الشغل.
أماء باسل بتفهم و سأله:
– يعنى محدش ساكن هنا غيره؟؟
– لاء يا فندم هو مش ساكن هنا أصلًا بس بيجى كل يوم بالليل يقابل الهانم هنا.
ضيق باسل عينيه و سأله بترقب:
– تقصد البنت إللى طلعت معاه؟؟
– أيوه يا فندم، بتكلم على أروى هانم.
– طب و هيخرجوا امتى؟؟
– أحياناً بعد ساعة و أحيانًا بيقضوا الليل كله هنا.
انسحب باسل بهدوء بعد ما سمعه الحارس، رجع إلى قصر المُعز و الكلام يتردد فى ذهنه، كان غاضبًا بشدة لو كانت أروى أمامه فى هذا الوقت لأفتك بها من شدة سخطه و صدمته بها.
جلس على طرف فراشه محدثًا نفسه:
– اللبس فعلًا مش هو كل حاجة، أهى أروى دى مختمرة و لبسها فضفاض و مع ذلك شخصية زبالة و مش سالكة، و الله لخليها تندم ع اليوم إللى عرفت فيه عيلة المعز و دخلت على حياتنا.
قضى باسل الليل كله و هو يفكر فى طريقة تعامله مع أروى فى الأيام المقبلة، و كيف سينتقم منها على خداعها لجده من أجل المال و الثروة، لم تغفل عينيه للحظة واحدة طوال الليل.
أشرقت الشمس، ارتدى باسل ملابسه الرياضية و توجه ناويًا الركض لبعض الوقت كعادته كى يحافظ على لياقته البدنية، بينما باسل كان يعدو درجات السلم و هو شارد وجد أروى عائدة من الخارج، وقف أمامها و هو يتأملها بغموض و سألها بصوته الأجش:
– كنتى فين؟؟
ابتلعت ريقها و حاولت الثبات رغم ارتباكها من الداخل:
– أنا كنت بتمشى شوية.
أردف باسل بجمود:
– تاخدى الأوسكار بجدارة.
نطق بكلماته و غادر دون أن يوضح لها قصده و تركها واقفة تردد جملته و تحاول أن تفهم ما يعنيه.
********
على صعيدٍ آخر.
فى إحدى الأحياء السكنية الراقية، و تحديداً الطابق العاشر لإحدى المبانى السكنية و فى تلك الغرفة ذات الطابع الحزين لهذه الشقة ذات الأثاث الراقى، كانت تجلس فتاة فى السابع عشر من عمرها على مكتب متوسط الحجم و تسجل بعض الكلمات فى دفترها، أغلقت دفترها و رفعته أمام مستوى نظرها و أردفت:
– هعتبر الدفتر دا صديقى لحد ما يجى يوم و آلاقى حد يسمعنى.
نطقت بالكلمة الأخيرة تزامنًا مع فرار دمعة من عينيها، أزالتها سريعًا و نهضت متجهة إلى دورة المياه لتغتسل و تستعد من أجل الذهاب إلى دروسها.
كانت تسير فى طريقها إلى مقر السنتر و هى ترتدى بنطال ضيق و بلوزة بأكمام لكنها مفتوحة من عند الكتف، و تاركة لشعرها العنان، توقفت عندما سمعت من يناديها ب«دينا» التفت لتجد أنها زميلتها التى تسكن فى العقار المقابل.
نظرت لها دينا بملل:
– فى ايه يا رنا؟
ابتسمت «رنا» بخفة و أردفت:
– أنا كل يوم بستناكي تنزلي عشان نروح السنتر سوا، و أخيرًا النهاردة لحقتك عشان نروح مع بعض.
تلوت شفتيها ببسمة ساخرة، و غمغمت بحاجب مرفوع:
– نروح مع بعض! أنتي عبيطة و لا بتستعبطي؟!!
تلاشت تلك الابتسامة عن وجه«رنا» و قالت:
– هو أنا عملت حاجة تزعلك؟
حركت «دينا» رأسها باستياء و أردفت:
– لاء أنا اللى عملت.
كادت«دينا» أن تغادر و لكن منعتها «رنا» عندما وقفت فى طريقها و قالت:
– طب فهميني طيب، ليه زعلانة مني؟
دفعتها «دينا» فى كتفها و قالت بتذمر قبل أن تغادر:
– أنا ناقصة استهبال.
*********
التفوا جميعًا حول مائدة الطعام لتناول وجبة الإفطار، قبل أن يتحرك كل منهم إلى وجهته، فكان الأحفاد الثلاث قدر ارتدوا زيهم الرسمي من أجل العمل، أما أروى فقد انتقت بلوزة من الستان الفضفاض باللون الأسود و معها تنورة سوداء تغطي حذاءها الرياضي الأبيض.
بدأوا فى تناول الطعام فى وسط من الهدوء التام الذي قطعه صوت الهاتف الخاص ب«فارس» فقام برفض المكالمة ثم أردف قائلاً دون أن ينظر إليهم:
– أنا مش جاي الشركة النهاردة.
لم يعلق أيًا من «حسام» أو «باسل»، فى حين وضعت «أروى» قطعة التوست من يدها و سألته باهتمام:
– ليه؟ رايح فين؟؟
أردف «فارس» بضيق مكتوم:
– معتقدش إني لازم اعطيكي تقرير مفصل عن تحركاتي، أنا بس بعرفك إني مش هكون متواجد هناك.
شعرت «أروى» بالإحراج و لكنها بالرغم من ذلك ابتسمت بخفة و قالت:
– خلاص زى ما تحب، بس اليوم اللى هينقص من الشهر هيتعوض بإسبوع.
انتبه«حسام» لكلماتها فأردف بحنق:
– هنتعاقب يعني و لا ايه!
نهضت «أروى» قائلة:
– و الله اللى عندي قولته، غياب من غير موافقتي هيكون فيه عقاب.
صعدت «أروى» إلى غرفتها و أحضرت حقيبتها الجامعية، ثم خرجت سريعًا لتلحق بالراجل الأربعيني الذي طلبت منه تجهيز السيارة من كي يوصلها إلى وجهتها، و لكنها ما إن خرجت حتى وجدت «باسل» الذي كان على وشك الصعود إلى سيارته المرسيدس السوداء يخبرها قائلًا:
– عم صالح بيوصل «فارس».
شهقت بزعر و أردفت بخوف:
– انا كدا هتأخر على الكلية، هروح ازاي؟
أجابها «باسل» بنبرة ساخرة:
: و الله فى حاجة اسمها عربيات أجرة، اطلبي اوبر أو اخرجي على أول الشارع و اركبي اي تاكس.
عقدت ما بين حاجبيها بحيرة قبل أن تسألها برجاء:
– ممكن انت توصلني!!
رد عليها «باسل» بحزم:
– انا آخر واحد ممكن يساعدك.
تحركت إليه بخطوات سريعة، ثم توقفت أمامه بمسافة مناسبة و أردفت بخوف:
– أنا عندي امتحان و لو مخرجتش دلوقت حالًا هتأخر، انا كنت عاملة حسابي هروح بالعربية بس عم صالح مشي من غير ما يعرفني.
ابتسم «باسل» بخبث:
– لو كنتي قدمتي السبت كنت أنا قدمتلك الأحد، بس عشان خاطر القواعد اللى انتي فرضاها علينا انا مش هساعدك أبدًا.
أدمعت عيني «أروى» حين قالت:
– دا آخر امتحان قبل الفاينل و عليه درجات كتير كفيلة تموت التقدير اللى عايزة اجيبه.
تقدم إليها «باسل» خطوة ثم أردف بكره و هو يطالع عينيها الدامعتين:
– أنا مش مهتم بنجاحك، عشان أخاف من فشلك.
أنهي حديثه و تحرك من أمامها بسيارته، تاركًا إياها تجني ثمرتها الأولى لذلك المخطط الذي جاءت به إليهم.
*****
توقفت«دينا» أمام المدخل الرئيسي لسنتر الدروس، أخرجت هاتفها من جيب سروالها لتجيب على والدتها المتصلة بنبرة ضجر قائلة:
– خير يا ماما؟؟
جاءها صوت والدتها الغاضب:
– ارجعي حالًا غير هدومك، انا مش اخترتلك طقم قبل ما تنامي؟ لبستي غيره ليه؟
زفرت بضيق قبل أن تجيبها بهدوء عكس ما تشعر به:
– هو مش كله لبسي؟ مش فارقة بقى أنا هلبس ايه! يلا سلام.
أنهت ما قالته ثم أغلقت الهاتف فى وجه والدتها، غير عابئة بغضبها و تذمرها لمخالفة رغبتها فى اختيار الملابس.
أعادت «دينا» الهاتف إلى جيبها مرة أخرى، و هي تغمغم من بين أسنانها بحزن:
– بدل ما تقولي فطرتي و لا لاء؟ أو وصلت بسلامة و لا لاء، بتزعق عشان لبست اللى على ذوقي.
لمعت فى عينيها نظرة حزن عندما تقدمت منفردة بنفسها إلى الداخل، على عكس باقي الطلاب، فهذه قد جاءت برفقة صديقتها، و تلك تتأبط ذراعي صدقتيها و هي تتحدث إليهما فى مواضيعهما الخاصة، و هذه تركض إلى الداخل و من خلفها صديقتها التي تتوعد لها بسبب دعابتها السخيفة التي القتها للتو.
انزوت بنفسها فى المقعد الأخير كعادتها بعيدًا عن باقي الطلاب، لتتفاجئ بعدد كبير من الطالبات الأكبر و الأصغر سننًا يملأن قاعة الشرح، طالعتهن باستغراب و لكنها لم تعقب، و قامت بفتح دفترها و بدأت فى حل بعض المسائل و المعادلات الكيميائية دون أن تعطي اهتمامًا لهؤلاء اللائي يتهامسن بجانبها.
و بينما هي منهمكة فى تفكيرها نبهها عقلها إلى ذلك الصمت التام الذي عم أرجاء الصالة، نظرت إلى الفتيات على يمينها و يسارها لتجد كلا منهن ينظرن بابتسامة بلهاء إلى شاشة الشرح الإلكترونية، فنظرت هي الأخرى إلى الأمام بفضول لتجد أن مدرسًا آخر قد جاء إليهم، و لم يكن ذلك الشاب صاحب البشرة البيضاء، و الأعين الصغيرة برموش قصيرة، و الأنف الصغير الذي يتناسب مع ذقنه الحادة و المحددة بلحية حديثة النمو، سوى «فارس المُعز».
غمغمت «دينا» مردفةً بسخرية:
– مش عارفة ايه الحلو فى العروسة الحلاوة ده، دا حتى شبه البنات، دا انتو بنات ملزقة.
رغم صوتها المنخفض إلا أن الفتاة المجاورة لها قد سمعت كلماتها، فحدثتها باعتراض:
– احترمي نفسك، محدش سألك عن رأيك.
طالعتها «دينا» باحتقار ، دون أن تمنحها ردًا، و فى هذه الأثناء بدأ «فارس» يعرف عن نفسه بأنه متواجد معهم ليشرح لهم الفصل الآخير من مادة الكيمياء، لأن المدرس المسؤول عنهم لديه حالة طارئة تمنعه من استكمال عمله حاليًا.
بدأ «فارس» يشرح جزئيته المخصصة فى هدوء تام، و تركيز شديد للطلاب، و حينما انتهي من الشرح طلب منهم حل بعض المسائل كي يعرف إن فهموا أم لا، فشرعوا جميعًا فى الحل كلا منهم فى دفتره الخاص بالمادة، و فى هدوء لا بأس به.
و بغتة وقفت «دينا» و هي تصرخ فى وجه الفتيات المجاورات لها:
– ما تلموا نفسكم بقى، مش عارفة أحل.
التفت الجميع إلى صوتها بما فيهم «فارس» الذي طالعها باستغراب:
– بتزعقي ليه؟ فى حاجة؟ الشرح فيه مشكلة؟
ردت عليه «دينا» باندفاع:
– لاء، أنت المشكلة.
أشار «فارس» إلى نفسه قائلا بتعجب:
– أنا المشكلة؟؟
– ايوه انت، الطالبات دول مش من دفعتنا أصلًا، هما هنا بس عشان انت اللى بتشرح، شاب حليوه و جسم رياضي ف سابوا دروسهم و حضروا معانا و يا ريت كدا و بس، المشكلة إنهم مش مبطلين كلام و عمالين يتغزلوا فيك و أنا مش عارفة أحل و لا أفكر مش كفاية المادة عليّ!!
وضع «فارس» يديه فى جيب سرواله، و أردف بهدوء:
– مش عايز فى القاعة غير طلبة تانية ثانوي، أنا هنا عشان أشرح، مش عامل عرض…. بعض إذنكم اتفضلوا من هنا…. بدل ما هطلع الف عليكم طالب طالب و هتكونوا فى موقف محرج.
*******
عادت «أروى» من الجامعة و هي تجر معها أذيال الخيبة، فقد رفض متخصص المادة السماح لها بحضور الامتحان؛ لعدم التزامها و وصولها بعد نصف ساعة من بدأ الوقت، استندت بظهرها على السور الخارجي للقصر و هي تفكر فى كيفية تعويض كل هذه الدرجات التي خسرتها، ليقطع وصلة تفكيرها ذلك الصوت الأنثوي، فأدارت رأسها سريعًا لتجد فتاة تصغرها بعامين تقف أمام تلك البوابة الحديدية الضخمة و تطلب من الحارس بإلحاح أن يسمح لها بالدخول.
تنهدت «اروى» و اقتربت من الفتاة ثم أردفت ببسمة رقيقة:
– خير يا قمر، جاية تقابلي حد هنا؟؟
التفتت إليها ذات البشرة البيضاء و الملامح التي تشابهت مع أخيها، و قالت باستعجال:
– ايوه، أنا جاية اشوف «فارس» اخويا، بس الحارس ده مش راضي يدخلني.
ضيقت «أروى» عينيها لتخمن هويتها، ثم قالت:
– انتي «فداء» ؟
أماءت الأخرى برأسها و قالت بتعجل:
– ايوه أنا، بس دا مش وقت تعارف، ماما فى المشفى و لازم اشوف «فارس».
– بس هو مش هنا، ما ترني عليه؟
اجابتها «فداء» بقلة حيلة:
– ما هو مش بيرد، رنيت عليه كتير
نظرت «أروى» إلى الحارس و سألته قائلة:
– عم «صالح» رجع؟
رد عليه الحارس و عينيه أرضًا:
– لاء يا هانم، لسه.
قبل أن تتحدث «أروى» مجددًا منعها قدوم باسل الذي يُحدث صوتًا ببوق سيارته، و عندما نظرت إليه «أروى» أشار إليها أن تبتعد عن طريقه، فركضت سريعًا إليه و انحنت قليلًا لتدخل رأسها من نافذة السيارة و قالت:
– اخت «فارس» هنا و عايزة تشوفه، هو فين؟
أجابها «باسل» دون أن ينظر إليها:
– معرفش، و اطلبي منها تبعد من عند البوابة عشان ادخل
سألته «أروى» مجددًا بشك:
– يعني انت مش عارف هو فين!
رد عليها باسل بحنق:
– انا مش مدير أعماله عشان اعرف كل تحركاته.
صمتت «أروى» لوهلة ثم أردفت:
– ايوه صح مش مدير أعماله، بس ابن عمه و تعوض غيابه.
أنهت حديثها و نادت باسم «فداء» تطلب منها الصعود إلى السيارة، فنظر إليها «باسل» مردفًا بتكشيرة:
– هو انا سمحتلك تركبي؟ انزلي فورًا.
قالت «أروى» باستعطاف:
– مرات عمك تعبانة و فى المشفى و لازم نقدم المساعدة.
ابتسم «باسل» بسخرية و قال بتهكم:
– ايوه انتي تيتا بقى و كدا! طب معلش يا تيتا حفيدك عنده شغل و مش فاضي.
كانت هذه الكلمات كفيلة لجرح مشاعرها و لكنها تغاضت عن ذلك و قالت بمرح:
– طب ايه رأيك يا «بيسو» يا صغنن لو نفذت طلب تيتا هجبلك هدية حلوة.
نظر إليها الآخر بحاحب مرفوع و أردف ساخرًا:
– هتجبيلي عجلة و لا ايه؟
هتفت «أروى» باستفزاز:
– لاء عجلة، «بيسو» لسه صغير على ركوب العجل أخاف يتعور، هجبلك مصاصة… مرضي يا بيسو؟!!
ضرب «باسل» على عجلة القيادة بعصبية جعلت ابنة عمه تتراجع عن ركوب السيارة، و صرخ فى وجه «أروى»:
– بت أنتي لمي نفسك عشان و الله هخليكي تندمي على اليوم اللى دخلتي فيه على حياتنا.
زفرت «أروى» بضيق ثم قالت بجدية:
– ساعدنا دلوقت و أنا مستعدة أقدم اي مقابل، أي حاجة عايزني اعملها أنا هنفذ علطول من غير نقاش، بس خلينا نلحق أم «فارس» الأول.
أعاد «باسل» تشغيل سيارته بعدما طلب من ابنة عمه صعود السيارة.
دلفوا جميعًا إلى ذلك المجمع الخيري الذي قد نقلت «فداء» والدتها إليه قبل ذهابها إلى قصر «المُعز»، فكانت والدتها فى إحدي الغرف تنام على جانبها الأيمن و هي تمسك به بشدة لعلها بذلك تخفف من الألم، فركضت «فداء» إليها و من خلفها «باسل» و «أروى»، فسألت والدتها بقلق و صوت يخنقه البكاء:
– مالك يا ماما في ايه؟
أجابتها والدتها بتعب:
– جنبي بيتقطع، مش قادرة من كتر الوجع.
ركض باسل إلى الخارج لينادي طبيبًا يفحصها، و لكنه غاب لعدة دقائق قبل أن يعود إليهم مجددًا و هو يقول:
– طنط ماجدة قومي معايا، هنروح مشفى تاني.
غمغمت «فداء» من بين أسنانها بقلق و قالت:
– مشفى تاني ايه! مش شايف حالتها، مش قادرة تتحرك.
رد عليها «باسل» بامتعاض:
– المجمع اللى احنا فيه دا مش موجود فيه غير دكاترة امتياز فى الاستقبال، و بيقولوا إن كل الأعراض اللى عند والدتك هي التهاب زايدة و عايزة عملية ضروري، فلازم ننقلها مستشفى تانية عشان تعمل عملية لأن مفيش هنا جراح.
كادت «فداء» أن تعترض و لكن منعتها «أروى» قائلة:
– والدتك هتكون بخير، ابن عمك مش هيضر والدتك.
*******
على صعيدٍ آخر
كان «حسام» جالسًا فى مكتبه، يحاول دراسة الملف الذي أمامه و لكنه يفشل فى فهمه كل مرة، ف رفع الملف بيديه و قذفه بعيدًا و هو يغمفم بحنق:
– كان مالي و مال الشغل و الهم ده، مش كان زماني بلف مع بنت خالتي الفاضية!
ما كاد ينهي جملته حتي وجد الباب قد فُتح و طلت هي من خلفه، أردفت بغيظ و هي تتحرك إليه:
– إنت فين يا حيوان، برن عليك بقالي ساعة.
هب واقفًا كمن لدغته حية و اقترب منها متأملًا إياها باندهاش، ثم أردف ببسمة بلهاء:
– الشيخة ميار! لجلب الحبيب و رد المطلقة!!
لكزته بخفة فى ذراعه و تركته واقفًا و جلست هي على كرسيه المكتبي،واضعةً قدم فوق الأخرى، و سألته:
– فونك فين يا حيوان؟ برن عليك بقالي اكتر من ساعة.
جلس على طرف المكتب قائلاً بعبوس:
– باسل اخده مني، عشان يضمن إنك متكلمنيش و نخرج سوا.
ابتسمت «ميار» و سألته بترقب:
– حبيب قلبي فين بقى؟
زفر «حسام» بضيق مُجيبًا عليها:
– معرفش.
ذمت شفتيها بضيق مماثل قبل أن ترخيهما قائلة:
– على ميار بردو يا سام؟! مش هتقول ل بنت خالتك حبيبتك!!
نظر «حسام» بعيدا عنها و قال:
– المفروض إن عندنا اجتماع كمان نص ساعة و هو راح يجيب ملف من البيت و لسه مرجعش.
ابتسمت «ميار» و أخرجت من حقيبتها اليدوية مرآة صغيرة تستعين بها فى تعديل هيئة حجابها الذي ارتدته مؤخرًا، فقال «حسام» بتذكر:
– ايوه صح غيرتي لبسك ليه؟
وقفت الأخرى ثم دارت حول نفسها فى حركة سريعة لعرض ثوبها، ثم نظرت الى «حسام» قائلة:
– ايه رأيك؟ حلو مش كدا؟ حتى لايق عليّ عن أروي؟! صح!
طالعها بضيق ثم غمغم قائلًا:
– متخافيش على باسل من «أروي» هو أكيد عمره ما هيبصلها! و بلاش تغيري من نفسك عشان حد! نصيحة يعني.
جلست «ميار» مرة أخرى و هي تقول:
– مش مهم رأيك، المهم إن باسل مش لازم يشوف حد غيري، حتى لو هكون مضطرة اغير فى شخصيتي ألف مرة عشانه، مش هتردد إني اعمل كدا.
طالعها «حسام» بنظرة حزينة و هو يقول:
– انتي حرة، استنيه هنا بقى و أنا خارج.
– طب ما تخليك معايا سليني على ما باسل يجي و بعدين أمشي.
أجابها باقتضاب و هو يغادر:
– أنا مش بديل!
*******
كان «باسل» واقفًا أمام الغرفة التي انتقلت إليها زوجة عمه، و في هذه الأثناء وصلته رسالة نصية، جعلت قسمات وجهه تتبدل إلى الامتعاض عندما قرأها، لكنه سرعان ما أغلق الهاتف عندما وجد «أروى» تخرج من الغرفة، فتحركت حتي وقفت أمامه مباشرة و منحته بسمتها الرقيقة و هي تقول بامتنان:
– شكرًا.
فأجابها «باسل» بضيق زائف:
– أنا عملت كدا عشان الطلب اللي انت هتنفذيه مش عشان حابب أساعد.
اتسعت ابتسامتها و قالت:
– بردو تستحق الشكر عشان دفعت حساب المشفى و ساعدت مرات عمك، حتى لو كان فى مقابل.
رد عليها «باسل» بنفس النبرة الحازمة:
– انا مدفعتش الفلوس دي جدعنة مني، أنا هحاسبك عليهم لما نرجع البيت يا….. تيتا.
أنهى كلمته الأخيرة و تركها و غادر، لتعتدل هي فى وقفتها ناظرة إليه و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها و تهتف بصوت مرتفع نسبيًا:
– شكرًا يا بيسو.
كانت الشمس قد أوشكت على الغروب عندما توقفت سيارة «باسل» أمام الباب الداخلي لقصر المعز، ترجلت «أروى» أولاً و ما إن أغلقت الباب حتي أطلت برأسها داخل السيارة و هي تطالع باسل «بابتسامة» مشاكسة و قالت:
– شكرًا ليك يا «بيسو» يا حبيب قلب تيتا!
دلفت إلى الداخل و هي تضحك بشدة على قسمات وجهه الغاضبة.
كان «حسام» جالسًا، و بجانبه «ميار» بانتظار «باسل» كي تفاجئه بأسلوبها الجديد في الثياب، دلفت إليهم «أروي» أولًا، التي ما إن رأت «ميار» حتى تلاشت ابتسامتها و قالت بجدية:
– فين «فارس» يا «حسام».
أجابها «حسام» دون أن ينظر إليها:
– في اوضته فوق.
– طب ممكن تناديه؟
شرع برأسه بعيدًا عن هاتفه مجيبًا إياها بضيق:
– مش خدام حضرتك أنا، اطلعي أنتي.
حركت كتفيها بلا مبالاة و قالت:
– خلاص «باسل» يكلمه.
– لحد هنا و أنا دورى خلص مش معرف حد حاجة.
كان هذا ردًا من «باسل» بنبرة حادة علي ما قالته، و ما كادت «أروى» تتحدث ثانية حتي وجدت «ميار» قد اندفعت إلي «باسل» معانقةً إياه بلهفة، فأبعدها عنه بضيق و هو يقول بعصبية مكتومة:
– قولتلك مبحبش كدا، حافظي علي مسافة بينا.
تجاهلت «ميار» كلماته، و عادت بضع خطوات إلي الوراء و هي تمسك ثوبها الفضفاض بيدها و تقول ببسمة واسعة:
– ايه رأيك في استايل لبسي الجديد؟ حلو مش كدا؟
أجابتها «أروى» بدلًا عنه قائلة بجدية:
– اللبس لايق عليكي جدًا يا «ميار» بس يا ريت تخففي المكياچ ده او تبطلي تحطي منه برا البيت، و حافظي علي تعاملك مع الأجانب عنك.
أردفت الآخرى باندفاع:
– أنا بسأل «باسل» مش بسألك، خليكي في حالك.
ابتسمت «أروى» بخفة قائلة:
– انا بنصحك بس و براحتك.
نظر إليها «باسل» قائلًا بغموض، ضاغطًا علي مخارج الأحرف:
– انصحي نفسك الأول.
ألقى بجملته علي «أروي» التى لم تفهم ما يرمي إليه، و تركهم و صعد إلي غرفته.
*******
ها هي الساعة قد تجاوزت الثانية عشر، في منتصف الليل و كان «باسل» في غرفته و تحديدًا بجانب شرفته يراقب الممر الخارجي للقصر، منتظرًا «أروى» التى من المفترض أن تذهب لرؤية «رمزي».
فكان ينظر إلى ساعته اليدوية أكثر مما ينظر إلي الطريق، و أخيرًا انتهى الانتظار و خرجت من القصر و هي تتلفت حولها و كأنها لصٌ يخشى أن يُمسك به أحدهم، سارت في خطوات متعجلة إلى السيارة التي تقف بانتظارها، و سرعان ما كانت قد صعدت إلي السيارة و تحركت قاصدة وجهتها، و علي جهلٍ ب ذلك الذي قد لحق بها دون أن تدري.
استقرت السيارة أمام المبني ذاته التي قد حضرت إليه «أروي» في الليلة الماضية، ترجلت خارج السيارة حاملةً لبعض الكتب، و قبل أن تصل إلي حارس المبنى، كانت قد سقطت أرضًا نتيجة لدعسها الخاطئ علي مقدمة ثوبها.
و بغتةً فُتح باب السيارة المجاور لعجلة القيادة، ليظهر ذلك الشاب الذي صُدم «باسل» بتواجده برفقة «أروى».
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية