Ads by Google X

رواية حتى اقتل بسمة تمردك (2) الفصل الحادي و العشرون و الاخير - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

   

 رواية حتى اقتل بسمة تمردك (2) الفصل الحادي و العشرون و الاخير - بقلم مريم غريب

 


                          
( نهاية الجزء الثاني ) :




                          
هزت"داليا"رأسها و هي تنظر في توجس إلي"عمر"عليها أن تستفيق و أن تهرب من هذا الحلم المرعب الذي يهدد بضياع عقلها ، فأغمضت عينيها بشدة علي أمل أن تكون نائمة حقا ، و لكنها أكيدة بإنها في كامل وعيها ..
ففتحت عينيها و حدقت بـ"عمر"و هي تود أن تعرف الحقيقة ، فربما كان يمزح معها ، و لكن مستحيل قناع الرعب هذا المرسوم علي تلك القسمات اللطيفة التي تعرفها أن يكون مصطنعا ..
و كادت تنطق لولا دخول"خالد"في تلك اللحظة بوجه مكفهر أيضا ، بينما خطي"خالد"تجاههما قائلا في توتر:
-عرفتوا اللي حصل و لا لسا ؟؟
باغته"عمر"مسرعا:
-انا لسا عارف حالا ، انت عرفت ازاي ؟؟
-كلموني من المطار ، لسا مابلغوش الصحافة و الاعلام.
أجابه متوجسا ، فيما آتت"ياسمين"في تلك اللحظة ، و أقبلت نحوهم ، فعبست مستغربة ، ثم تساءلت:
-في ايه يا جماعة ؟ مالكوا ؟؟
أجابها"عمر"بإيجاز ، فشهقت"ياسمين"في وجل ، بينما نطقت"داليا"أخيرا ، فقالت بصوت محشرج:
-مش ممكن اللي بيحصل ده .. مستحيل ممكن تكون اشاعة او بلاغ كاذب. 
هز"خالد"رأسه مضطربا ، ثم أجابها بثبات:
-لأ يا داليا ده مش بلاغ كاذب و لا حاجة ، اول ما الطيارة طلعت من ميلانو في ناس بلغوا عن قنبلة مربوطة في عجل الطيارة. 
-يعني ايه ؟؟
سأله"عمر"بوجه شاحب ، فأجاب"خالد":
-يعني الطيارة لو حطت علي أرض المطار او في اي حتة تانية هتنفجر. 
ساد صمت مطبق بين الجميع ، قطعه صوت"خالد"الذي أضاف:
-عشان كده الكابتن غير مسار الطيارة و هي داخلة علي القاهرة. 
-قصدك انهم هيفضلوا في الجو لحد ما يلاقوا القنبلة ؟؟
سآلته"ياسمين"فأجاب:
-ايوه ، لازم يفضلوا في الجو لحد ما يلاقوا القنبلة و يبطلوا مفعولها ، بس يا ريت الوقت يسعفهم و الا البنزين ممكن يخلص منهم. 
وقع كلامه علي"داليا"مميتا ، فإرتخت ساقاها ، بينما أسرعت"ياسمين"إليها و أحاطتها بذراعها و حاولت تهدئتها ، فيما قال"عمر":
-طب احنا هنفضل واقفين هنا يعني و لا ايه ! مش المفروض نروح المطار ؟؟
أومأ"خالد"رأسه قائلا:
-اه طبعا ، انا كنت جاي اخدكوا و انا رايح ، يلا بينا.
و بمجرد وصول عائلة الـ"نصار"إلي المطار ، أحسوا بجو التوتر و المآساة ، إذ أقيمت نقاط تفتيش في طرق الوصول ، حيث أخذت الشرطة ترد الفضوليين و الباحثين عن الأثارة لغرض سبق صحفي ..
فقدم"خالد"بطاقته الشخصية ، فسمحوا له و لبقية أفراد العائلة بالمرور 
و في ردهة إنتظار المسافرين ، أقيمت شاشات لإذاعة الأنباء ، و بدأت التقارير تظهر علي الشاشات و كل منها يضيف معلومة 
بينما كان الخبر يذاع بواسطة إحدي المذيعات التي ظهرت علي شاشات العرض قائلة بصوت عميق متزن:
"أيها السيدات و السادة ، جاءنا الأن خبرٍ هام و عاجل ، لقد ورد تقرير توا إلي شركة مصر للطيران عن وجود قنبلة تهدد طائرة نفاثة تطير حاليا حول مدينة القاهرة بلا هدف محدد لحين العثور علي المتفجرات المدسوسة بجهاز الهبوط الخاص بالطائرة ، إذ تلقت الشرطة المصرية خلال الساعة الماضية رسالة جاء فيها أن قنبلة وضعت في الطائرة و إذ تم الهبوط بأي مدرج أرضي ستنفجر في الحال .. الطائرة عائدة من مدينة ( ميلانو ) الإيطالية في رحلة عادية ، و تحمل 140 راكب و طاقمها المكون من 11 فرد ، و لم تذع أي تفاصيل أخري ، لكن السلطات المصرية لا تعتبر الأمر خدعة" ..
أحست"داليا"برجفة و هي تسمع الأخبار ، بينما راح الضجيج يملأ الغرفة المليئة بالأغراب الذين قربتهم معا الرابطة المشتركة من الخوف و التوتر ، و مر الوقت بطيئا ، و إقترب منتصف الليل ، ثم فجأة أعلنت المذيعة باسمة هذه المرة:
"أيها السيدات و السادة ، جاءنا البيان التالي ، لقد باتت الطائرة في مأمن الأن ، و ستهبط إلي مدرج مطار القاهرة الدولي خلال عدة دقائق ، و الأن و أخيرا ، يمكن أن نطمئن الجميع علي المائة و أربعون راكب علي متن الطائرة التي كانت تجوب السماء منذ الساعة التاسعة و النصف مساء هذا اليوم ، و أخيرا نأمل جميعا أن تهبط الطائرة في سلام" ..
عند ذلك بدأ الجميع يتصايحون فرحا، و يتعانقون ، ثم تدافعوا ليشاهدوا لحظة هبوط الطائرة بقلب واجف و هم لا يزالون خائفين ، بينما سارعت عربات الطواريء تتخذ مواقعها تحسبا لأي خطر قد يقع دون سابق إنذار ، فيما أرهفت"داليا"سمعها ، و ركزت بصرها علي السماء ، ثم فجأة صاح"عمر":
-اهيه .. اهيه الطيارة نازلة. 
و تنهد الجميع فرحا ، بينما بدأت الطائرة تقترب ، ثم هبطت رويدا رويدا ، حتي نزلت عجلاتها في يسر علي الأرض ، و بدأت تتقدم إلي المدرج و هي تبطء من سيرها حتي توقفت تماما ..
فيما بدأ رجال الأمن في إخراج أقرباء المسافرين إلي قاعة الإنتظار ، فتذرعت"داليا"بالصبر حتي خرج أخيرا طابور المسافرين أفواجا ، فراحت تبحث بعينيها عن زوجها في جنون حتي وقع بصرها عليه ، كان أخر من ظهر بالطابور ، و لم يتجه نحو عائلته مباشرة ، بل إنضم إلي رجال الأمن و وقف يتحدث إليهم لدقائق ، ثم أخيرا توجه نحو عائلته ، و كانت البسمة الذابلة تعلو وجهه ، فقد بدا مجهد إلي أقصي حد ، فيما إندفع"عمر"مسرعا نحوه و عانقه بقوة متمتما في حرارة:
-حمدلله علي سلامتك يا عز ، الحمدلله انك رجعتلنا بالسلامة.
إبتسم"عز الدين"من قلبه ، و ربت علي ظهر شقيقه في لطف ، ثم توجه إلي"خالد"الذي باغته بعناق قوي أيضا ، ثم أخيرا توجه إلي"داليا"التي فاضت الدموع من عينيها غزيرة و هي تحدق به مليا غير مصدقة أنه عاد سالما ، بينما منحها إبتسامة بسيطة ، و مد يده جاذبا إياها إلي صدره ، ثم عانقها بقوة هامسا بأذنها:
-خلاص يا داليا ، كفاية عياط ، انا رجعت يعني مامتش. 
توقفت"داليا"عن البكاء بصعوبة ، ثم إبتعدت عنه قائلة بصوت مختلج:
-حمدلله علي سلامتك يا عز.
-حمدلله علي السلامة.
قالتها"ياسمين"باسمة ، فمنحها"عز للدين"البسمة عينها ، بينما صاح"خالد":
-طب يلا يا جماعة نلحق نمشي من هنا بسرعة قبل ما بتوع الصحافة يتلموا علينا.
و أسرعوا إلي خارج المطار في الحال قبل تجمهر الصحفيون حولهم ، و لكن حين وصلوا إلي القصر كان هناك قدر لا يستهان به من أفراد الصحافة و وسائل الإعلام ، فترجل"خالد"من السيارة متأففا و تولي أمرهم ، و نجح في إصرافهم ، ثم عاد إلي السيارة من جديد و قاد في إتجاه ساحة المنزل ، و عندما ترجل"عز الدين"من السيارة ، أشرق وجهه بإبتسامة عريضة حين رأي جميع أفراد الخدم و الحرس يقفون في إنتظاره أعلي الدرج المؤدي إلي باب المنزل و بسمة الفرحة تعلو وجوههم ، فشكرهم"عز الدين"علي محبتهم في لطف بالغ ، بينما آتت"عبير"في تلك اللحظة من الداخل مهرولة ، ثم ألقت بنفسها بين ذراعي شقيقها منتحبة ..
فربت"عز الدين"علي شعرها في حنان قائلا:
-بس يا عبير ، خلاص بقي مانا كويس قدامك اهو ، كفاية بقي انا مش قادر اقف علي رجلي.
ربتت"عبير"علي صدر أخيها ، ثم إبتعدت عنه متمتمة و الدموع تنهمر علي وجنتيها:
-يا حبيبي حمدلله علي سلامتك ، ده انا كنت هتجنن عليك ، ماكنتش مصدقة ، حمدلله علي سلامتك يا عز.
مسح"عز الدين"علي شعرها في حنان ، ثم أخذ طريقه إلي الداخل ، ثم إلي غرفة الجلوس ، و ألقي بثقله متعبا فوق أقرب مقعد وثير ، فأغمض عينيه مرهقا ، بينما أخذ الجميع أماكنهم من حوله ، و إلتزموا الصمت تماما حتي إستعاد هو بعضا من قوته ، فيما آتت"فاطمة"في تلك اللحظة حاملة بين يديها كأسا معبأ بالعصير الطازج و قدمته إلي"عز الدين"الذي تناوله من يدها باسما ، ثم شربه كله دفعة واحدة و أعاد لها الكأس فارغا ، فسألته إذا كان يريد شيئا أخر ، فشكرها نافيا ، فإستأذنت هي و إنسحبت في هدوء .. :
-ايه اللي حصل بالظبط بقي احكيلنا ؟؟
قال"خالد"هذه الجملة متسائلا ، فنظر"عز الدين"إليه ، ثم تنهد و أجاب:
-بعد ما الطيارة طلعت من ميلانو ، وصلت مكالمة طواريء للكابتن من مطار القاهرة ، مضمونها كان ان في قنبلة مدسوسة جوا شنطة من شنط حد من الركاب ، فأمر الكابتن مجموعة من طاقم الأمن بتفتيش كل الشنط كويس و بسرعة بس منغير ما يحسسوا الركاب بأي حاجة ، و لما ماليقوش القنبلة اضطروا يفتشوا الركاب نفسهم ، و كان اللي يسأل يجوبوه دي مجرد اجراءات امنية ، لحد ما وصلت المكالمة التانية للكابتن من مطار القاهرة بردو ، و بلغوه المرة دي ان القنبلة مربوطة في عجل الطيارة و ده معناه ان الطيارة اكيد هتنفجر في لحظة الهبوط ، و ساعتها الكابتن اضطر يبلغ الركاب بكل الحقيقة.
ثم صمت للحظات و تابع:
-الناس كلها ماتت فعلا ، بس من الرعب ، و من رعب الانتظار اكتر ، هي كانت تجربة صعبة جدا ، بس بردو كانت مفيدة ، كل واحد في الطيارة اتعلم حاجة من التجربة دي ، احنا رجعنا من الموت و ..
-طب و القنبلة ! محدش قال عنها اي اخبار قبل ما ترجعوا ؟؟
هتف"عمر"متسائلا ، فأجابه"عز الدين":
-البلاغ كان كاذب ، ماكنش في قنبلة و لا حاجة.
نظر الجميع إليه مشدوهين ، بينما تابع"عز الدين":
-كانوا عايزين يوصلوا رسالة لحد معين معانا علي الطيارة. 
-هما مين دول ؟ و مين اللي كانوا يقصدوه ؟؟
قالها"خالد"متسائلا في إهتمام ، فأجابه"عز الدين":
-جماعة ارهابية ، بتدعمها دولة اوروبية ، مكلفة بإغتيال نزيه التوني ، ده اللي اتعرف انهاردة بس.
-نزيه التوني !!
ردد"خالد"مقطبا ، ثم صاح:
-بتاع الحديد و الصلب ؟؟
أومأ"عز الدين"رأسه قائلا:
-هو.
-طب هما الناس دول عايزين يقتلوه ليه ؟ و لو عايزين يقتلوه هو ياخدوا في سكتهم ناس ابريا مالهمش ذنب !!
-المعروف عن الجماعات دول القوة ، و القوة بتشمل الحرب ، و الحرب كل حاجة فيها مشروعة. 
-حرب مع مين ؟؟
-مع البلد طبعا ، نزيه التوني ده درع قوي جدا للبلد ، خادم الاقتصاد بصورة عالية ، مش بس عشان مجموعة شركات الحديد و الصلب اللي جوا مصر ، لأ ، عشان كمان مجموعة شركات التجارة و الصناعة العالمية اللي برا مصر.
-لا حول و لا قوة الا بالله !طب ما هما كده ممكن يحاولوا يغتالوه تاني.
-الداخلية عينتله طقم حراسة اول ما طلع من المطار ، و ربنا يستر. 
لفظ"عز الدين"أخر كلماته في تكاسل ، بينما تنهد"خالد"في آسف ، ثم قال:
-طيب يا عز.. انا هاخد عبير و همشي دلوقتي عشان نسيبك تستريح و ان شاء الله هانيجي الصبح نطمن عليك.
جادله"عز الدين"بنبرة صارمة لا تقبل النقاش:
-لأ انتوا هتقعدوا هنا معانا كام يوم.
-مش عايزين نزعجك بس احنا ممكن نيجي كل يوم نطمن عليك و نمشي تاتي.
-تزعجوني ! لا مش هاتزعجوني بس كتر الجدال ده هو اللي هايزعجني. 
قهقه"خالد" بخفة ، ثم قبل عرضه و قرر الإقامة هو و زوجته بالقصر لعدة أيام ..
        
                
********************
-و الله يا ست ياسمين حاسة ان انهاردة عيد ، مش عارفة اعمل ايه و لا ايه ، الدنيا مش سيعاني برجوع عز الدين بيه بالسلامة ، ربنا يخلي حسه في الدنيا يا رب. 
قالت"فاطمة"ذلك مخاطبة"ياسمين"فيما إبتسمت"ياسمين و راحت تساعدها في طهي الطعام ، ثم سألتها في لطف:
-بقالك اد ايه شغالة هنا يا فاطمة ؟؟
فأجابتها الفتاة بعد تنهيدة طويلة:
-يوووه ، ده انا تقريبا وعيت علي الدنيا و انا هنا ، امي و ابويا كانوا شغالين هنا ايام البيه الكبير ما كان عايش ، و لما ماتوا عز الدين بيه مارضيش يخلي عمي ياخدني اعيش معاه ، اقنعه بالفوس للاسف انه يسبني هنا في القصر و وافق ، و كنت بقي من سن الست عبير ، و الحق يتقال يعني ، عمري ما حسيت اني خدامة ابدا في البيت ده ، اهل البيت كلهم بيعاملوني كويس ، الا بس لما يكون مزاجهم مش رايق ، طبيعي البني ادم بيتعصب يعني.
-ما كفاية ذكريات يا بطوط بقي.
قالها"عمر"في مرحه المعتاد عندما دلف إلي المطبخ خلسة ، ثم تابع في تذمر مصطنع:
-العشا جهز و لا لسا ؟ انا واقع من الجوع.
إبتسمت"فاطمة"في هدوء ، و أجابته:
-خلاص يا عمر بيه ، دقايق بالظبط.
-طب يلا انجزي.
ثم حول نظره إلي"ياسمين"و قال:
-تعالي يا ياسمين عايزك في كلمتين.
-عايز ايه يا عمر ؟؟
-تعالي هقولك.
قال ذلك ، ثم قبض علي رسغها و جذبها خلفه حتي وصلا إلي شرفة المنزل الرئيسية ، فسألته:
-ها ؟ كنت عايز تقولي ايه ؟؟
تنهد في غبطة ، ثم أجابها باسما ، و قد لمعت عيناه حبا:
-وحشتيني. 
-يا راجل ! بذمتك ده وقته ؟؟
-بالظبط يا روحي ، هو ده وقته بالظبط ، قبل ما تحصل كوارث تاني و ماعرفش اقولك كل اللي في نفسي ، انتي مش شايفة ان علاقتنا منظورة ؟ نحس نحس يعني مش عارف ليه ؟؟
ضربته"ياسمين"علي صدره معاتبة ، فإصطنع الآلم قائلا:
آااه بالراحة هتموتيني يا حبيبتي .. انا بقول يعني نتجوز بسرعة بقي قبل ما النحس يمسك فينا اكتر.
-مافيش جواز يا حبيبي قبل ما اخلص دراستي ، و انت كمان لازم تخلص دراستك.
تأفف"عمر"في ضيق ، ثم قال متململا ، ثم قال مداعبا:
-خلاص ، نستني ، عشان خاطر عيونك يا جميل.
قضمت"ياسمين"شفتها ، ثم قالت ضاحكة:
-عمر .. ماتسبلليش.
فشاركها"عمر"الضحك في حب ...




******************




تنفست"عبير"بعمق مسرورة لوجودها بين جميع من تحب ، أخويها ، و زوجها و بقصر العائلة أيضا ، ذاك جو حميمي بعث الغبطة و الدفء إلي قلبها ..
فأغلقت زجاج الشرفة بغرفتها ، ثم إستدارت في تلك اللحظة التي دلف فيها"خالد"إلي الغرفة ، فرمقته بإبتسامة عذبة ، بينما كان تعبير وجهه خاويا ، فعبست مستغربة ، ثم سألته:
-خالد ! في حاجة ؟؟
تطلع إليها في غموض ، ثم قال في هدوء:
-تعالي يا عبير .. تعالي انا عايز اتكلم معاكي في موضوع مهم.
مشت"عبير"إليه مقطبة ، ثم وقفت أمامه مباشرة ، فصمت للحظات قبل أن يقول في ثبات:
-انا بقالي يومين بفكر في موضوع.
-موضوع ايه ؟؟
سألته في إهتمام ، فأجابها:
-انا شايف اني زودتها معاكي فعلا يا عبير زي ما قولتي قبل كده ، غصبتك علي حاجات و عاملتك معاملة سيئة جدا ، و خليتك تحملي مني غصب عنك كمان.
كادت"عبير"تتكلم ، فأسكتها بحركة من يده ، ثم تابع:
-انا قررت احررك مني خالص يا عبير .. انا ماقبلش اعيش معاكي غصب عنك بعد كده ، و كمان مابقتش قادر اعاملك بقسوة من ورا قلبي ، انا اللي بتعذب مش انتي.
-يعني ايه يا خالد ؟؟
سألته بصوت مرتجف ، فأجابها:
-يعني هطلقك يا عبير .. انتي طلبتي الطلاق قبل كده ، و انا هنفذلك طلبك ، بس اوعديني انك تحافظي علي ابني اللي في بطنك لحد ما يتولد ، ماتأذيهوش و انا اوعدك اني هاخده و مش هاخليكي تشوفيه ابدا لو كنتي متضايقة منه للدرجة دي يعني.
تلألأت الدموع بمآقيها ، فهزت رأسها قائلة:
-لأ يا خالد آاا ..
-انتي ماحبيتينيش يا عبير.
قاطعها مسرعا ، ثم تابع في مرارة:
-انتي عمرك ما حبيتيني ، انا كنت حاسس بكده من زمان ، بس كنت بكدب نفسي ، الفراق احسن ليا و ليكي صدقيني.
فكرت بلوعة ، الفراق أفضل ؟ في حين أن كل دقيقة فراق بينهما ستكون عذابا كاويا ، فيما أجبرت نفسها علي الإحتفاظ بهدوئها ، و بدأت تكافح من أجل سعادتها و سلامة عقلها ، فقالت في ثبات:
-انا مش عايزة اتطلق يا خالد ، لو كنت زعلان عشان موضوع المعيد بتاعي اللي جالك ، فأنا هقولك الحقيقة.
ثم راحت تفضي إليه بالحقيقة كاملة ، بينما ضيق عينيه و هو يحدق فيها ، ثم قال بإيجاز و كأنه لا يرغب في إسقاط اللوم عن نفسه:
-عموما حتي لو كان الموضوع كده مش ممكن يغير الحقيقة ، انتي مابتحبنيش ، و انا ماقدرش اجبرك تعيشي معايا غصب عنك تاني .. انا لاول مرة استعملت معاكي اسلوب مش اسلوبي يا عبير.
ثم تنهد بثقل ، و قال بصرامة:
-هطلقك يا عبير .. هطلقك .. انتي طا ...
و قبل أن يكمل عبارته ، وضعت كفها علي فمه صارخة:
-خالد !!
ثم غصت بريقها و ترددت في الكلام ، فأجابها بصوت مرهق جعل خفقات قلبها تتعثر:
-خلاص يا عبير .. انتي مش مضطرة تضغطي علي نفسك و تستحمليني بعد كده .. خلاص هطلقك.
أحست بعقدة كبت متينة تنفجر في صدرها ، فضربت بكرامتها عرض الحائط و ركعت علي ركبتيها تحت قدميه ، ثم طفقت تردد كالمحمومة و هي تحدق في عينيه المذهولتين تناشدهما الرحمة أو الإستجابة:
-انا بحبك .. سامحني ، مش عايزة اتطلق ، و الله بحبك ، و الله بحبك ، و الله بحبك ..
بدا أنها لن تكف عن تكرار الكلمات كما لو أنها إسطوانة عالقة ، فأطلق"خالد"لعنة مبحوحة ، ثم ركع علي ركبتيه أمامها بدوره ، و أخذها بين أحضانه في لهفة حنونة ، و أسكتها بعناق طويل ، فشعرت ببهجة و هو يفتح لها عواطفه الكامنة ، بينما شدد ذراعيه حولها و هو يهمس بأذنها:
-ششش بس ، كفاية يا عبير ، كفاية ، انا كمان بحبك اوي و الله.
-يعني مش هاتسيبني ؟؟
سألته باكية ، فأبتسم و أجابها:
-لأ .. مش هاسيبك يا عبير.
فضحكت بخفة و غرقت بأحضانه أكثر فأكثر ...




        
          
                
*****************
كان الظلام قد أوغل في إنتشاره بعد منتصف الليل في الخارج ..
عندما دلفت"داليا"إلي الغرفة و وجدت زوجها يمضي بعض الوقت مع إبنه ، فإبتسمت ببساطة و هي تراقبهم ، ثم فكرت بالأمر الذي حسمته مع نفسها ، و هو أن عليها مغادرة هذا القصر ، ستعود إلي منزلها القديم و تترك كل شيء هنا ، فهي أدركت بذعر منذ قليل أن قصتها مشابهة لقصة السيدة"كاميليا فهمي"مع بعض الإختلاف البسيط ..
فالسيدة"كاميليا"كانت قوية الشخصية بعكس"داليا"التي أحبت فمحت شخصيتها من أجل الحفاظ علي حبها ، و لكن لا تنازل بعد الأن ، سينتهي كل شيء في بضع دقائق ، إنه أصبح جافا معها و غير مبالي بها منذ أمد طويل ..
لن يعارضها إذا قالت له " هيا لنفترق " ، بل سيرحب ، و هذا أمر آلمها بشدة ، أصابها في الصميم ، الأن الوقت أضيق من أن يتيح المجال لأي تفسير ، و مهما كان الثمن ، يجب أن تتصرف بمنتهي الإختصار ، لأن وضعها العاطفي الحالي الشديد الإنفعال ، قد يجعلها تقول أشياءً تندم عليها فيما بعد .. :
-انتي كنتي فين ؟؟
أفاقت من شرودها علي صوته ، فنظرت إليه لتجده يقف أمامها مباشرة ، فراحت تحدق فيه بقوة دون كلام .. :
-داليا !!
هتافه المختصر أجفلها ثم جمدها ، حين إحتوي ببصره وجهها الشاحب ، ثم عبس مستغربا من الحالة التي بدت عليها ، فمد يديه و قبض علي كتفيها مما جعل كل قرارتها الجديدة تتهاوي ، و لم تشعر بنفسها إلا و دموعها تنسكب علي خديها .. :
-داليا ! مالك ؟؟
عند ذلك ، أطلقت العنان لدموعها ، و راحت تنتحب في مرارة ، فجذبها إلي صدره و أخذ يمسد شعرها بيده قائلا في هدوء:
-انتي لسا بتعيطي ؟ معقول ! ما انا رجعت اهو و بقيت كويس ، كفاية عياط بقي.
بللت قماش قميصه بدموعها ، ثم همست في إنكسار:
-طلقني !!
و في الحال ، تقلصت عضلات جسده ، و توقفت يده عن تمسيد شعرها ، ثم 




أبعدها قليلا ، حيث أدرك أن كلمتها لم تكن لهل عللقة بهمساته التحببية ، فسألها في إقتضاب:
-قولتي ايه ؟؟
عادت تقول بصوت مخنوق:
-قلت طلقني.
ثم تابعت في مرارة:
-عايزة اسيبك منغير مشاكل ، عشان علي الاقل ماتحرمنيش من ابني زي ما ابوك عمل مع امك و حرمها منك انت و اخواتك ، و عشان ماتقولوش كلام وحش عني بردو.
-ايه اللي انتي بتقوليه ده !!
هتف عابسا ، فقضمت شفتها بقوة و أجابته:
-اللي انت ماتعرفوش ، ان امك ماخنتش ابوك و لا حاجة ، هي يس اختارت تبقي حرة مش مسجونة ، حتي لو كان سجنها ده حيطانه من دهب و واسعة ، بس الفرق بيني و بين امك اني حبيتك ، عشان كده ماهتمتش بأي حاجة تانية غير بيك ، فضلتك علي كل حاجة و قررت اعيش جنبك طول العمر ، بس للاسف انت ماحبتنيش اد ما انا حبيتك.
ثم تابعت باكية:
-ارجوك ماتبقاش تشوه صورتي في عيون ابني ، و ابقي اسمحلي اشوفه من وقت للتاني ، انا هاسيبك عشانه ، فخد بالك منه كويس و ماتقولوش عليا حاجة وحشة.
-بس يا داليا.
هدئها في لطف ، ثم تابع:
-اهدي .. انتي مش هتخرجي من البيت ده ابدا ، انا مش هطلقك ، عدنان مايقدرش يستغني عنك ، و لا ابو عدنان كمان يقدر يستغني عنك.
نظرت إليه في تشكك ، فإبتسم في هدوء و أضاف:
-انهاردة لما كنت علي الطيارة و سمعت بخبر القنبلة ، مافكرتش في اي حاجة غير فيكي انتي و عدنان ، قعدت اسأل نفسي ، انا لو مت انتوا هتعملوا ايه من بعدي ؟ انتي هتربي الواد ازاي ؟ و هتكملي ازاي ؟ لو ماكنتوش انتوا الاتنين في حياتي ماكنش هيفرق معايا الموت خالص ، لكن وجودكوا فارق معايا في حاجات كتير اوي يا داليا.
هزت رأسها مضطربة ، ثم قالت:
-بس انت لسا بتحب جومانة.
-جومانة !!
صاح ذاهلا ، ثم تابع:
-تاني ؟ تاني يا داليا ؟ احنا مش سبق و اتكلمنا في الموضوع ده و قفلناه ؟؟
-بس الناس لسا بتقول آا ..
-الناس.
هتف مقاطعا ، و أضاف:
-مش اي حاجة الناس بتقولها بتبقي حقيقة موثقة يا داليا.
-يعني انت مابتحبهاش ؟ و لا عمرك خونتني بعد الجواز ؟؟
-عمري ما حبيتها ، و عمري ما فكرت اخونك بعد الجواز ، ببساطة لاني بحبك ، لو ماكنتش حبيتك ماكنتش اتجوزتك اصلا.
-ممكن تكون اتجوزتني عشان تنول رغباتك مني ، متنساش انك عرضت عليا علاقة غير شرعية ايام ما كنت بشتغل عندك.
قهقه عاليا ، ثم أجابها:
-تفتكري ده سبب ممكن يخليني اتعلق بواحدة لدرجة اني اتجوزها ! انا كنت ممكن بس بإشارة لو عايز اجيب دستة بنات احلي منك كمان تحت رجليا و منغير جواز ، بس انا اختارتك انتي ، و حبيتك انتي.
-طب ليه عاملتني بجفا و قسوة طول الفترة اللي فاتت دي ؟؟
-عشان عارضتيني و كسرتي كلامي.
ثم مرر أصابعه في شعرها و أزاحه في رفق عن جبينها الناعم قائلا بصوت مرتج عميق:
-و كمان انا قلتلك قبل كده ان الحياة صعبة معايا.
فلمعت عينيها حبا ، و أجابته:
-و انا بردو قلتلك أنها مستحيلة منغيرك.
ثم ألقت رأسها علي كتفه متنعمة بدفء حبه ، فصاح"عدنان"مزقزقا بفرح في تلك اللحظة و هو يقف مستندا إلي أسوار فراشه الخشبية ، بينما قالت"داليا"في شيء من الحزن:
-ماعملناش عيد ميلاد لعدنان بردو.
فأحاطها"عز الدين"بذراعيه في حنان قائلا:
-بكره هنعمله.
فأغمضت عينيها في سرور عارم ، متأملة في غد أفضل مما مضي ..




"إذا أردت شيئا بشدة ، إطلق سراحه ، فإن عاد إليك ، فهو ملكا لك ، و إن لم يعد .. فهو لم يكن لك من البداية" (مقولة منقولة) ...




تمت ...





        



google-playkhamsatmostaqltradent