Ads by Google X

رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الثاني 2 - بقلم هبة نبيل

الصفحة الرئيسية

 رواية وقعت في دائرة الشر الفصل الثاني 2 - بقلم هبة نبيل 

وقعت في دائرة الشر

الفصل الثاني: دخيلة أم ضحية؟

دلفت السيارة إلى حيّ هادئ في أطراف المدينة، حيث تتراصّ البيوت الصغيرة بجوار بعضها كأنها تتكئ على أكتاف بعضها البعض.
أوقف حسام سيارته أمام منزل متوسط الحجم، بابه الحديدي مطليّ بلون أخضر باهت، وقد تراكمت بعض آثار الزمن على حوافه.

ترجّل من السيارة، فتح الباب لفرح وهو يقول بلطف:
"يلا، تعالي... البيت أمان، متقلقيش."

ترددت للحظة، ثم نزلت وهي تضم الحقيبة إلى صدرها كما لو كانت درعًا يحميها من المجهول.

فتح حسام الباب، نادى بصوتٍ عالٍ: "ماما! أنا جيت."

خرجت امرأة في الخمسينات من العمر، بملامح دافئة، وعينين مشعتين بالحنان، لكنها ما لبثت أن رفعت حاجبيها في دهشة حين رأت الفتاة الغريبة تقف بجوار ابنها.

الأم: "مين دي يا حسام؟"

حسام: "هفهمك كل حاجة، بس الأول هدخلها تقعد شوية،زي مانتي شايفه شكلها مش في حالة تسمح لها بالشرح."

لم يمضِ وقت طويل حتى خرج الأب من غرفتة رجل مبسيط ولكنه حازم، يبدو أن السنوات لم تمر عليه بل نحتت فيه.
يتبعه شاب في أواخر منتصف الثلاثينات، طويل القامة، وجه بارد لم يحمل اي مشاعر يحمل بين يديه فنجانًا من القهوة.

قال الأب بنبرة صارمة:
"فيه إيه يا حسام؟ دي مين؟"

تقدّم حسام خطوة، وتكلم بهدوء لكن بنبره حازمه:
"دي كانت ف خطر... دخلت عربيتي وهي بتهرب من واحد بيطاردها، وطلع إنها خارجة من المستشفى وملهاش حد."

تدخّل الأخ الأكبر بنبرة مشككة:

"جاسر: طب وإحنا مالنا؟ تجيبها بيتنا ليه؟ هو احنا ناقصين مشاكل؟" احنا منعرفش اي اللي وراها

حسام: 
"أنا مجبتهاش تعيش معانا للأبد دي فترة مؤقته لحد بس مانفهم اكيد يعني مش هرميها في الشارع وفي وقت زي ده وهي كده، اي مفيش دم، وبتقول إنها فاقدة الذاكرة. هتقعد يومين تلاتة لحد ما نشوف حل، بعدين نشوف هتمشي إزاي."وهتروح فين؟ 

رد الأب بحزم:
"لأ، ماينفعش. البيت له حُرمته. إحنا مش فاتحينها فندق!"

قبل أن يرد حسام، جاءت الأم، ووضعت يدها على كتفه بلين:
"إنت قلت إنها مريضة ومش عارفة تروح فين؟ 

حسام: ايوه 

الأم بنبره حكيمه: وإحنا طول عمرنا بنشيل الناس مش بنرميهم." تقولها وهي تنظر للأب وأبنها الاكبر

ثم نظرت إلى فرح التي كانت تقف بصمت تام، كأنها قطعة من الظل:
"إنتِ اسمك إيه يا بنتي؟"

فرح بحرج : اسمي فرح 

الأم: طيب يا فرح، تعالي اقعدي... شكلك فعلاً محتاجة ترتاحي شوية وبالمناسبه اسمك حلو اوي 

فرح ببتسامه مريحه: شكرا

تدخل الأخ الأصغر، يوسف، صبي في السادسة عشرة، وقال مبتسمًا:
"دي عاملة زي الأفلام... بنت بتدخل فجأة جوه عربية البطل، ووراها عصابة ويبدأ الأكشن؟!"

صفعه حسام برفق على رأسه وقال بنبره مرحه:
"اسكت يا يوسف... كفاية فيلم الأكشن اللي حصل بجد."

ضحك الجميع ثم دخلوا جميعًا، وبقي الأب واقفًا عند الباب ويتبعه ابنه الاكبر جاسر وهو يهزّ رأسه بضيق، ثم دخل أخيرًا وهو يتمتم: "ماشي يا حسام برضو بتعرف تغلبني وتقنعني كل مره

جلست فرح في غرفة الضيوف، تشرب كوبًا من النعناع الساخن، بينما كانت عينها لا تفارق الحقيبة الموضوعة على الطاولة أمامها.

لاحظ حسام نظراتها، فقال:
"فيه إيه في الشنطة دي؟ شكلها مهمة أوي بالنسبالك."

أجابت ببطء:
"معرفش... بس حسّيت إني لازم أحتفظ بيها... فيها حاجة... يمكن سر... أو دليل او اي حاجه تعرفني انا مين...؟

حسام: "طب نفتحها؟ يمكن نلاقي ورقة، بطاقه شخصيه كارنيه أي حاجة تفكرّك..."

ترددت، ثم هزت رأسها:
"طيب... افتحها انت ممكن"

اقترب منها حسام على استحياء وجلس بجوارها، فتح السحّاب الأول بحذر، ثم الثاني.
كان في داخلها دفتر صغير، مهترئ الأطراف، وعدة أوراق مطويّة بعناية داخل ظرف بلا اسم ومعهم ملف كبير ومعه فلاشه

اعطاها الدفتر، فتحته ببطء، وبين الصفحات... صورة... 
صورة لرجل يبدو مهمًا، يجلس في مكتب فخم، وحوله عدد من الأشخاص، وجميعهم ينظرون إلى الكاميرا كأنهم واثقون من أن أحدًا لن يجرؤ على لمسهم.

نظرت إلى حسام، وعيناها تتسعان:
"أنا شفت الراجل اللي كان بيجري ورايا... موجود في الصورة دي."

تجمّد حسام لثوانٍ، ثم قال:
"وانا حاسس اني شوفت الراجل اللي في النص ده قبل كده بس مش فاكر فين مش عارف اجمع بس اللي اقدر اقوله دلوقتي ان واضح إنك فعلاً في خطر، والخطر ده أعمق من مجرد حادثة." 

وبينما يدور كل هذا، كان في الظل عين تراقب من بعيد المبني وعقل يخطط للخطوة التالية.... 

حلّ الصباح بهدوئه المعتاد في ذلك الحي النائم، لكن داخل البيت، كانت القلوب ما تزال في يقظة مشوبة بالحذر.
فرح استيقظت مبكرًا، رأسها يئن من أثر الأحلام المتداخلة والذكريات المتقطعة، كأن عقلها يحاول أن يرمم ما تمزق ولكن دون جدوى.

خرجت من الغرفة بخطواتٍ مترددة، تبحث عن المطبخ، علّها تجد شيئًا دافئًا يسكّن اضطرابها الداخلي.

كانت يارا، أخت حسام الصغرى التي تدرس في صفها الأول في الثانويه العامه وهي ايضا الأخت التؤام ليوسف تجلس على الطاولة، تمسك بهاتفها وتضع سماعتين صغيرتين في أذنيها.
رفعت عينيها عندما لمحت فرح واقفة عند الباب.

يارا: "عاوزة حاجة؟"
نبرة سريعة، أقرب للبرود منها للترحيب.

فرح ترددت، ثم ابتسمت برقة:
"كنت بدوّر على المطبخ... مش ناوية أعطلك يعني."

"المطبخ أهو، وراكي عاليمين."
قالتها يارا وهي تعود لهاتفها.

دخلت فرح، وبدأت تُحضّر كوبًا من الشاي بصمت، تحاول ألا تزعج أحدًا.
لكن نظرات يارا كانت تراقبها من طرف عين، تختبرها في صمت ثم تقول.... 

يارا: "هو إنتي إيه حكايتك بظبط؟"
قالتها يارا فجأة.

فرح توقفت، نظرت إليها، ثم قالت بنبرة خافتة:
"أنا مش عارفة كل الحكاية... بس واضح إنها حاجة كبيرة."

يارا: "مش غريبة يعني إنك فجأة تدخلي بيتنا وتنامي هنا، وإحنا ما نعرفش عنك حاجة؟"

تنهدت فرح، وجلست على المقعد المقابل لها:
"أنا نفسي مش عارفة أشرحلك... بس والله، لو عندي مكان آمن أروحه، ما كنتش فضلت هنا دقيقة." انا عارفه اني ازعجتكم وعملت مشاكل من اول ما دخلت

لحظة صمت.

ثم نظرت إليها يارا وقالت: لا عادي مفيش حاجه 
"إنتي بس خوفتيني على أخويا... اصل هو طيب، وبيثق في الناس بسرعة."

ابتسمت فرح لأول مرة منذ دخولها ذلك المنزل:
"بس هو عنده عيلة تخليه يقدر يفرق بين اللي يستحق الثقة واللي لأ."

بدا أن الجملة لمست شيئًا في نفس يارا، لكنها تظاهرت باللامبالاة، وأكملت:
"هو حر بقى... بس ما تتوقعيش إني هرحب بيكي من أول يوم."

فرح: "عادي... كفاية إنك مطردتنيش."

ضحكت يارا رغمًا عنها عندما تذكرت سخافة اخيها الأكبر ليلة أمس ورفعت حاجبيها:
"اللي يخليني أضحك على الصبح يبقى مش خطر أوي كده 

منذ تلك اللحظة، خفّت التوترات الخفية، وبدأ خيط رفيع من التفاهم ينسج بين الفتاتين.
ساعدت يارا فرح في ترتيب الطاولة، ثم جلستا معًا تتحدثان عن أمور خفيفة، عن دراستها، وأحلامها 

لاحقًا، عاد حسام من عمله مبكرًا، وعندما دخل، وجد الاثنتين تضحكان على مقطعٍ في الهاتف.

حسام: "واضح إن العلاقة تطورت!"
قالها وهو يخلع سترته.

يارا"إنت السبب، جبت واحدة دمها خفيف."
قالتها يارا بخفة.... 

لكن رغم كل هذه اللحظات اللطيفة، ظلّ بريق الحذر في عيني فرح لا يخبو.

في المساء، جلست وحدها في الغرفة، تتأمل تلك الصورة التي وُجدت في حقيبتها.
الوجوه فيها باتت مألوفة أكثر، كأنها رأتهم في حياتها السابقة، في كابوس ما...
أو ربما... في الحقيقة.

فجأة، دوى صوت رنين هاتف حسام في الغرفة المجاورة.
اقتربت دون أن تقصد التجسس، لكنها سمعت صوته يعلو:

حسام بتساؤل: "مين حضرتك؟
أيوه كانت معايا...
إزاي؟! طب إنت عرفت منين إنها عندي؟!"

سكت للحظة.

ثم قال بصوتٍ غليظ:
"لو قربت منها... أنا اللي هقتلك، ومش هتكون نهاية حلوة وانا مبتهددش."

شهقت فرح بصوت خافت، وابتعدت بسرعة، وعادت إلى سريرها.
وضعت رأسها على الوسادة، لكنها عرفت... أن من كان يطاردها، ما زال يبحث عنها

والسؤال الآن لم يعد: من هي؟
بل صار: من هم؟

يتبع.....

 •تابع الفصل التالي "رواية وقعت في دائرة الشر" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent