Ads by Google X

رواية مهمة زواج الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم دعاء فؤاد

الصفحة الرئيسية
الحجم

  

  رواية مهمة زواج الفصل التاسع و العشرون 29 -  بقلم دعاء فؤاد

حين كانت ريم تخطو بغضب الى داخل الحفل اصطدم كتفها بكتف نرمين التي كانت في طريقها الى الخارج بحثا عن معتصم، لتصرخ الأخيرة بألم:
ـــ أي.. ايه ماشية تخبطي في الناس كدا ليه؟!
نظرت لها ريم نظرة شمولية و بالطبع قد عرفتها فقالت بأسف مصطنع:
ـــ اه سوري مأخدتش بالي.
أيضا لم تخفى على نرمين و قد عرفتها أيضاً فابتسمت بانتصار أن وصلت لبغيتها و سألتها بميوعة كي تستفزها:


ـــ بقولك مشوفتيش شاب چان كدا لابس بدلة رصاصي كاچوال و شعره بني و ناعم و عينه عسلية و اسمه معتصم؟!
رفعت احدى حاجبيها باستنكار و لكن بالطبع لم يخفى عليها كيدها فردت باستفزاز:
ـــ اه اللي كل البنات كانت بتعاكسه؟!.. اممم كان برا من شوية.. تعرفيه منين؟!
اتسعت بسمتها بافتخار:
ـــ الچان دا يبقى جوزي.
فتحت فمها بتفاجؤ مصطنع و هي تضع أطراف أصابعها عليه:
ـــ ايه دا بجد؟!.. مع ان اللي يشوفك و يشوفه يقول انك أكبر منه بعشر سنين… لا بجد مش لايقة عليه خالص.
انتفخت اوداجها بغضب بالغ، فاسترسلت بمزيد من الاستفزاز:
ـــ من شوية شوفته واقف مع بنت جميلة و صغيرة افتكرتها مراته… كانت لايقة عليه أكتر.
جذبتها من كتفها لتنحني برأسها الى رأس ريم و هي تجز على أسنانها بغيظ تريد سحقها و لكن في تلك اللحظة قطع تواصلهما البصري نداء معتصم لنرمين التي كانت على وشك ضربها لريم، فخطى نحو الغريمتين بسرعة قبل أن تضرب احداهما الأخرى الى أن أصبح قبالتهما لينظر لنرمين بغضب بالغ و يقوم بانزال يدها عن كتف ريم و هو يقول بغضب مكتوم:
ـــ ايه اللي انتي بتعمليه دا؟!.. مش ملاحظة ان شكلك ملفت للنظر؟!
نظرت له بعينين تنطقان بالشر، فتجاوزها و نظر لريم قائلا باعتذار دون أن يلفظ اسمها:
ـــ أنا آسف… اتفضلي.
رمقته ريم بازدراء ثم تركتهما و ذهبت باتجاه الدرج المتحرك لتبحث عن خالد بالأعلى.
بينما هو بقي مع نرمين ليسألها بحدة:
ـــ ممكن افهم انتي قولتيلها ايه؟! و انتي تعرفيها منين اصلا؟!
أصابها بعض الارتباك لتقول بنبرة مهتزة:
ـــ مـمعرفهاش…
ثم استرسلت بوافر من الغل:
ـــ هي اللي واحدة حيوانة ماشية زي الطور و خبطتني في كتفي و هي ماشية.
علت نبرته بنبرة تحذيرية:
ـــ نرميين…الزمي حدودك.
ـــ ايه مالك اتحمقت كدا ليه؟!.. انت تعرفها؟!
رمقها بنظرة غاضبة ثم تركها دون أن ينبس ببنت شفه و غادر الى الخارج و استقل سيارته الى حيث لا يدري لعله ينفس عما يكتظ بصدره من دوامة من المشاعر المتضاربة ما بين الغضب و الحنين.
بينما نرمين أخذ صدرها يعلو و يهبط من فرط الغضب و الغيظ، فسحبت هاتفها من حقيبة يدها لتتصل براغب و حين رد عليها قالت بغل:
ـــ راغب نفذ اللي اتفقنا عليه بكرة… بكرة يا راغب.. أنا مش عايزاها تعرف نفسها من كتر الضرب اللي هتاكله يا راغب… مفهوم؟!….. هحولك الفلوس بكرة الصبح قبل التنفيذ… عرفني بالميعاد عشان اتفرج بنفسي و هي بتاخد علقة عمرها.. تمام… سلام..
تنفست براحة و هي تتخيل غريمتها تتلقى ضربا مبرحا نظير سرقتها لقلب و عقل زوجها.ألحت ريم على خالد لمغادرة الحفل بعدما تعكر مزاجها بعدما حدث مع غريمتها، فاضطر لأن يرضخ لرغبتها و من ثم غادرا الحفل و استقلا سيارة أجرة أقلتهما اولا الى منزل ريم ثم أوصلت خالد الى منزله.
دلفت ريم المنزل و هي شاردة حزينة، تشعر و كأن قطعة غالية من قلبها قد فارقتها خاصة بعدما رأت معتصم “الحبيب الخائن”، لقد انقلب حالها و انهار كيانها بعد تلك الدقائق القليلة التي تحدثت اليه فيها، لا تستطيع أن تنسى نظرته الهائمة بها و نبرته الحنونة و قربه المهلك… ويحك معتصم ماذا فعلت بقلبي الصغير؟!
ألقت بحقيبتها على أقرب كرسي لها ثم خرجت منها تنهيدة عميقة تحمل الكثير من المشاعر و التي لا تستطيع كتمانها أكثر من ذلك.
حسمت أمرها أن تذهب الى ندى تشاركها ما يجول بصدرها لعلها ترشدها لرأي صائب و تخفف عنها حمل تلك المشاعر.
طرقت باب غرفتها فسمعتها تأذن لها بالدخول فدخلت و أغلقت الباب خلفها ثم سارت الى حيث تجلس بالفراش، ثم دون أن تنبس ببنت شفه اعتلت الفراش و قامت باسناد رأسها الى فخذ ندى و تمددت بجسدها ثم عادت لشرودها مرة أخرى ففهمت ندى أن هناك خطبا ما يحدث مع ريم هو ما جعلها ضائعة هكذا و دفعها اليها لعلها تساعدها.
مسدت ندى على حجابها الذي لم تخلعه بعد ثم قالت بنبرة لينة:
ـــ الجميل ماله سرحان في ايه؟!.. يا ترى ايه اللي حصل في الحفلة خلاكي سرحانة كدا.
ردت بشرود و هي تنظر في اللاشيئ:
ـــ شوفته يا ندى.
قطبت ما بين حاجبيها تسألها بترقب:
ـــ هو مين؟!
زفرت أنفاسها ببطئ ثم قالت:
ـــ معتصم.
شهقت ندى و هي تكمم فمها بيدها ثم قالت:
ـــ مش دا الصعيدي اللي كان متقدملك؟!
هزت رأسها بايجاب ثم قالت بنبرة تائهة:
ـــ اااه… لما شوفته مقدرتش أشيل عيني من عليه… كان حلو بشكل يخطف القلب.. في لحظة مقدرتش افتكرله اي حاجة وحشة.. محستش غير انه واحشني و بس.. قلبي كان هيخرج من مكانه.. قلبي بيدق بسرعة اوي يا ندى.
هزت ندى رأسها بعدم رضا ثم قالت بعتاب:
ـــ و خالد فين من دا كله يا ريم؟!
تنهدت بحيرة ثم قالت:
ـــ خالد مكانش معايا ساعة ما شوفته.. أنا اصلا نسيت حاجة اسمها خالد… مفتكرتهوش غير لما أخدني من ايدي و كان عايز يركبني عربيته عشان يشرحلي هو ليه اتجوز الست دي.. بس انا زعقتله و قولتله اني مخطوبة لواحد تاني و سيبته و مشيت.
حانت من ندى بسمة ساخرة لتقول:
ـــ و طبعاً الكلام دا كان من ورا قلبك!
ـــ مكدبش عليكي يا ندى.. انا فعلاً كنت بزعق من ورا قلبي..يعني كان نفسي اسمعه و الاقيله عذر او مبرر.. بس كرامتي مسمحتليش.. حسيت اني ههين كرامتي لو كنت وافقته.
هزت رأسها لتقول بوجوم:
ـــ انتي لسة بتحبيه يا ريم.
سكتت ريم كناية عن اقرارها بذلك، فاسترسلت ندى بجدية تامة:
ـــ طالما لسة بتحبيه يبقى مينفعش تكملي مع خالد..انتي كدا هتظلميه و هتظلمي نفسك معاه.
أومأت بتأييد لتقول بجدية:
ـــ أنا محستش ان علاقتي بخالد هشة اوي غير لما لقيت كياني اتلغبط لما شوفت معتصم.
سكتت ندى تفكر بحيرة و تردد الى أن قالت:
ـــ طاب…طاب اديله فرصة تانية و اسمعيه…يمكن يكون فعلا معذور..و جايز أدهم فهمه غلط و بالتالي حكمه عليه كان غلط من وجهة نظره…يعني انتي أكيد هتفهميه أكتر من أدهم.
سكتت ريم لبرهة ثم قالت بشرود:
ـــ أنا بفكر في كدا… نفسي اشوفه تاني.. حاسة اني ناقصني حاجة كبيرة أوي من غيره.
عادت لتمسد على حجابها و تقول بنبرة حالمة:
ـــ يا حبيبتي لو كان فيه خير ليكي ربنا يجعلك نصيب فيه.. بس عشان متوقعيش نفسك في غلط كبير انهي خطوبتك بخالد طالما قلبك متعلق بغيره.
هزت رأسها بايجاب ثم نهضت لتقبل ندى من وجنتيها و شكرتها كثيراً و من ثم عادت الى غرفتها و بدلت ملابسها ثم استلقت على الفراش تستعيد لقائها بحبيبها الوسيم.
في ذات التوقيت بمشفى الدكتور رؤف..
استعار آسر سيارة أدهم ليقل مودة الى شقة أبيها الذي استأجرها فور عودته من ألمانيا بعدما باع ما يقرب من ثلاثة أرباع أملاكه لكي يتمكن من اجراء عملية زراعة القلب لابنته الغالية..
فقد قرر الدكتور رؤف بامكانية خروجها الى المنزل مع اتباع أقصى وسائل التعقيم و النظافة لكي تحافظ على جهازها المناعي بعدما تعاطت ما يكفي من مثبطات المناعة لكي لا يرفض جسدها القلب المزروع.
ـــ حمد الله على سلامتك يا مودة…هتنوري الشقة الجديدة..
ابتسمت بسعادة:
ـــ الله يسلمك يا آسر…معلش بقى تعبينك معانا..مرة تجيبني من المطار و مرة توصلني البيت..و الله بجد بقيت محرجة منك..
اقترب منها ثم مال بجسده اليها ليقول بنبرة لينة:
ـــ عيب يا مودة متقوليش كدا…انتي أختي.
نظرت له بوجوم حين نعتها بتلك الصفة و كأنها لم تعجبها الكلمة، و في تلك اللحظة اقتحمت عليهما الغرقة والدتها التي وصلت لتوها من المطار لكي ترى ابنتها بعدما تماثلت للشفاء..
ركضت أم مودة اليها ثم احتضنتها بلهفة و هي تردد:
ـــ حمد الله على سلامتك يا حبيبتي…الحمدلله انك بقيتي كويسة…أنا مش مصدقة نفسي انك أخيرا هترجعي البيت و تعيشي حياتك اللي اتحرمتي منها يا قلب امك.
بمشاعر باردة بادلتها مودة العناق، و كأنها فقط تعانقها من باب الواجب ليس من باب المحبة و قد كانت في حالة من التعجب من نفسها…
أين ذهبت لهفتها على أمها؟!..أين تلك البسمة المحبة التي عادة ما كانت تستقبلها بها؟!..حقا لم تستطع رسمها على شفتيها و لو بالكذب..
بينما آسر يراقبهما بدهشة بالغة..هل يعقل أن تكون هذه مودة التي يحفظها عن ظهر قلب؟!..حقا و كأنه يرى أمامه ميريهان للمرة الثالثة..يرى عنادها و قسوة قلبها مع أمها متمثلا في عناقها البارد لوالدتها.
ابتعدت أمها عنها قليلا لتحاوط وجهها بين كفيها و هي تذرف دموع الفرح و تقول بسعادة بالغة:
ـــ الحمد لله يا قلبي…الحمد لله ان ربنا حفظك ليا و رجعك لينا بالسلامة و ف أحسن حال.
أومأت برأسها ايماءة بسيطة دون أن تنطق، فتجعدت ملامح أمها بدهشة بالغة:
ـــ مالك يا مودة؟!..انتي زعلانه مني يا بنتي؟!
سكتت و لم ترد فاسترسلت أمها بتوضيح:
ـــ حقك عليا يا حبيبتي…أنا عارفة اني مقصرة معاكي بس و الله غصب عني…كان نفسي اكون معاكي في المانيا بس الظروف مسمحتش..و كنت كل يوم بكلم باباكي أسأله عليكي و كنت بدعيلك في صلاتي ان ربنا يتم شفاكي على خير…عمري ما نسيتك لحظة.. لا انتي ولا أختك الله يرحمها..
أدمعت عينيها على ذكر شقيقتها المتوفاة، فتدخل آسر في الحديث:
ـــ و من امتى مودة بتزعل منك يا طنط!!..هي عارفة ظروفك كويس و مقدراها…مش كدا يا مودة؟!
نظرت له مودة بحيرة ثم أومأت في الأخير و لم تستطع أن توافقه الرأي بلسانها حتى لا تكسر خاطر أمها.
في تلك اللحظة دلف اليهم محمد و بيديه عدة أوراق تشمل تقارير و أشعة و تحاليل معملية خاصة بمودة بالإضافة الى خطة العلاج الذي ستتلقاه في المنزل، فقام بتحية زوجته السابقة ثم وجه حديثه الى مودة:
ـــ يلا يا قمري عشان نرجع على الشقة الجديدة…باذن الله هتعجبك لأني مشطبها على ذوقك..
ابتسمت له بحب:
ـــ أكيد هتعجبني طالما حضرتك اللي مختارها يا بابا..
أحست أمها ببعض الغيرة حين ابتسمت لأبيها و لم تنل منها تلك البسمة الصافية المحبة و أدركت أن هناك شيئا ما يجري بغرابة في ابنتها الحبيبة…فلم يكن ذلك موقفها منها مسبقاً.
قام والدها باسنادها حتى جلست على الكرسي المتحرك ثم خرجوا جميعا من الغرفة باتجاه المصعد حتى خرجوا من المشفى متجهين الى سيارة أدهم.
فتح آسر الباب الخلفي لمودة و لكنها لم تستطع الركوب نظرا لقلة لياقتها من طول فترة مكوثها بالفراش، فهز رأسه و هو يقول لها بلطف:
ـــ خلاص متضغطيش على نفسك…انا هساعدك.
قاطعه محمد قائلا:
ـــ طاب على ما تركبها هروح الاستقبال اتأكد ان الحساب خلصان..
ـــ تمام يا عمو اتفضل انت.
تدخلت أم مودة:
ـــ طاب افتحلي شنطة العربية عشان أشيل الشنط دي فيها..
ـــ حاضر يا طنط.
فتح لها حقيية السيارة ثم تركها تضب اغراص مودة و عاد اليها، فقام باسنادها من خصرها لتدخل السيارة و لكن قربه منها بهذه الطريقة قضى على ما تبقى لديها من ثبات و أصبحت قدماها كالهلام فلم تستطع رفعهما، فتنهد بحيرة و لم يجد بدا من حملها فهي في كل الأحوال خفيفة الوزن و لن تجهده.
باغتها بانحناؤه عليها و حملها حتى أسندها الى صدره ثم دلف بها الى السيارة، و حين وضعها على المقعد اصطدمت رأسه برأسها لينظر لها معتذرا، فرآها تبادله بنظرة هائمة و كأنها مغيبة…و كأنهما انفصلا عن العالم في لحظة من التواصل البصري تسارعت خلالها نبضات قلبيهما، فبدون وعي من مودة أمسكت بكفه و وضعته على موضع قلبها ثم قالت له بنبرة تائهة و هي تبتلع رمقها:
ـــ حاسس بقلبي.
كان قلبها حقا يقرع بصدرها كالطبول، ينبض بعنف تحت كفه، و لم يكن حال قلبه أقل منها.
تزلزل كيانه و تبعثرت روحه خلال تلك اللحظات التي قطعتها مجيئ والدتها تقول بصوت مرتفع:
ـــ خلاص يا آسر مودة قعدت؟!
عاد لرشده بعدما ابتعد عنها بتوتر خارجا برأسه من السيارة ثم هز رأسه بموافقة و هو يبتلع رمقه بارتباك:
ـــ اه اه تمام… انا هدور العربية على ما عمو محمد ييجي.
بعد عدة دقائق كان آسر قد انطلق الى منزل حماه و قد كان يقود و هو شاردا فيما حدث بينه و بين مودة قبل قليل حتى أنه من فرط شروده ضل الطريق..
و لم يكن حال مودة بأقل منه، فتارة تهيم به و بعينيه عبر مرآة السيارة الامامية و تارة أخرى تنهر نفسها و تشعر بالذنب تجاه أختها أن دق قلبها لقلب يخصها.
يوم جديد اتى بأحداث جديدة…
حيث أرسل راغب سيدتان غليظتان تبدو عليهما أمارات العنف و الاجرام قامتا بمراقبة المشفى ينتظران خروج ريم حتى تنفذان المهمة المسندة اليهما…
كانت ريم قد نوت التحدث مع خالد لانهاء الخطبة حين وُضع قلبها في ذلك الاختبار الذي بيَّن لها مدى تعلقها بمعتصم و عدم قدرتها على العيش مع غيره و ان لم يكن لها فيه نصيب، على الأقل في الوقت الحالي الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا.
لسوء حظها أن خالد طرأ له طارئ و لم يأتى الى المشفى فقررت تأجيل قرارها لحين عودتها الى المنزل و الاتصال به.
في تمام الثانية بعد الظهيرة خرجت ريم من المشفى و عبرت الى الجانب الآخر من الطريق لتأخذ تاكسي الى منزلها و لكن السيدتان رأتنها و أقبلتا عليها لتسألها احداهما:
ـــ لو سمحتي يا ابلة اروح مستشفى الاطفال منين؟!
ردت ريم بعفوية:
ـــ هتمشي من الشارع الجاي دا لآخره و بعدين…
قاطعتها بقولها و هي تنظر بعيدا لكي تستدرجها الى مكان أبعد بعيدا عن المارة:
ـــ فين كدا؟!.. من هنا؟!
ـــ لأ… بصي تعالي ورايا كدا..
ابتسمت السيدة بمكر لتأخذهما ريم الى ناصية الشارع و قد بعدت قليلا عن المشفى، و في تلك اللحظات كانت نرمين تركب سيارة راغب و تتخفي بنظارة شمس و ترتدي كمامة و تنتظر على جانب الطريق حتى ترى ما سوف يحدث لريم لتشفي غليلها منها..
و في ذات الوقت لم تغفل عيني عمر عن مراقبة ريم و قد شك في أمر تلك السيدتان و تعقبهما أثناء سيرهما معها..
و في لحظة كانت السيدة الأخرى تجذب ريم من ملابسها لتوقفها خلف شجرة ضخمة ثم صفعتها صفعة قوية جعلت الدم يسيل من أنفها، ليصعق عمر حين رأى ذلك من بعيد و قام فورا بالاتصال بمعتصم ليرد عليه بعد ثوان قليلة:
ـــ الحق يا معتصم بيه…في اتنين ستات بلطجية بيضربوا الدكتورة ريم و انا مش عارف اتصرف ازاي عشان مااتكشفش..
نهض معتصم بسرعة و خرج من مكتبه باتجاه سيارته و هو يتحدث مع عمر:
ـــ روح عليهم بسرعة و حجز بينهم كأنك واحد ماشي في الشارع و شوفتوهم…حاول تعطلهم لحد ما اجيلك يا عمر… ان شاء الله عشر دقايق بالكتير و اكون عندك..سلام..
ركب سيارته و انطلق بها بسرعة هائلة لدرجة أن اطارتها احتكت بشدة بالارض مصدرة صريرا عاليا مخلفة غيمة كبيرة من الغبار.
فعل عمر كما أمره معتصم ليصل الى السيدتان فوجد ريم تنظر لهما بصدمة و لسان حالها يقول ماذا فعلت لتصفعاني و قد احمر وجهها بشدة و زادت وتيرة تنفسها و ارتعش جسدها، فحال عمر بينها و بينهما ليقول بغلظة:
ـــ في ايه يا ست انتي… انتو مستفردين بالدكتورة ليه؟!
ثم نظر لريم:
ـــ لا مؤاخذة يا دكتورة انا عارفك..اصلك كنتي كاشفة على مراتي في الاستقبال من يومين و لسة فاكرك.
لم تعقب ريم فلم تزل في صدمتها، فازاحته السيدة من كتفه و هي تصيح بنبرة غليظة:
ـــ و انت مالك انت… دا حساب بينا و بينها متدخلش أحسنلك.
أخذت ريم تتلفت حولها تريد الهرب من ذلك الكابوس، فكادت أن تركض و لكن لحقتها الأخرى لتجذبها من ذراعها بقوة آلمتها:
ـــ انتي رايحة فين يا حلوة تعالي هنا لسة مخلصناش.
لتصرخ ريم من شدة الألم، بينما عمر انشغل بشجاره مع الأولى و حين همت الأخرى برفع كفها لتصفعها مرة ثانية تعلق كفها في الهواء بغتة لتنظر اليه لتجد شابا طويلا وسيم الخلقة يقيد كفها و ينظر لها بشر، فارتعدت أوصالها و ظنته ضابط شرطة، فسألها و هو يجز على أسنانه:
ـــ ايدك لو اتمدت عليها هقطعهالك..
قام بسحب ريم ليوقفها خلفه متخذا من نفسه درعا واقيا لها، فاسترسل حديثه مع السيدة:
ـــ مين اللي باعتك يا بت؟!
ارتعش جسدها و خافت أن ترد ليصرخ فيها بقسوة:
ـــ انطقي يا بنت الـ…. قولي مين اللي باعتك يا اما و ربي لكون ملبسك قضية و واخدك حالا ع المركز… و مش بس كدا… دا انا هوصي عليكي كمان عشان يظبطوكي انتي و الزبالة اللي معاكي..
حين استمعت الاولى لحديثه خافت و ركضت بعيدا تاركة زميلتها تتلقى مصيرها المجهول، فأخذت الأخرى تسبها ثم قالت من فرط خوفها و هي تتلعثم في الكلام:
ـــ هقولك.. هقولك يا باشا.. اللي.. اللي متفق معانا واحد اسمه راغب.. معرفهوش.. مش عارفه غير اسمه.. حتى كان قايلنا انه اسمه اشرف و بعدين غلط في الكلام و قالنا اسمه الحقيقي و هو مش واخد باله.. و عطانا المبلغ اللي اتفقنا عليه و العنوان و احنا جينا نعمل اللي اطلب مننا.. بس يا باشا هو دا اللي حصل..
في تلك اللحظة قبضت ريم على قميصه من الخلف و كأنها تتمسك به حتى لا تسقط على الأرض من فرط انفلات أعصابها، فاضطر لأن يُرجئ ذلك التحقيق لحين الاطمئنان عليها، فترك السيدة و هو يتوعد لها و لمن أرسلها ثم استدار الى ريم التي ساءت حالتها للغاية و قام باسنادها من كتفها حتى أوصلها الى سيارته بعدما أماء برأسه الى عمر لينصرف ثم أجلسها في المقعد الأمامي بجواره و قد كانت مستسلمة له تماما… فقد كانت في حالة لا تسمح لها بالمقاومة.
استقل مقعد السائق ثم أدار السيارة و انطلق بها، و قبض على كفها الأيسر و هو يقود فوجده باردا للغاية، فأخذ يردد عليها بنبرة حنونة:
ـــ ريم… اهدي يا حبيبتي و متخافيش من حاجة… خلاص انتي دلوقتي بقيتي في أمان… اهدي و خودي نفسك براحة..أنا معاكي و مش هسيبك.
استجابت له و أخذت تتنفس ببطئ حتى هدأت أنفاسها قليلا و ظل قابضا على كفها لم يتركه و كأنه يبثها بالأمان من خلال لمسته لها حتى استكانت و نامت كعادتها حين تأتيها تلك النوبة.
تنهد معتصم بارتياح قليلا… فعلى الأقل هي بجواره الآن و تشعر بالأمان بوجوده معها..
و لكنه ظل غاضبا متوعدا في نفسه بالويلات لمن فعل بها هذا….
يتبع….
google-playkhamsatmostaqltradent