رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل العشرون 20 - بقلم الهام عبد الرحمن

  

 رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل العشرون 20 - بقلم الهام عبد الرحمن 

صلوا على الحبيب المصطفى 🌺

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

كأن الوحدة أصبحت صديقه الأوفى، لا تسأله عن أوجاعه، ولا تطلب منه تفسيرًا.

لم يكن يزن يومًا من أولئك الذين يُظهرون كسره، لكنه اليوم كان أشبه بظل رجل… يُخبئ الحقيقة خلف ابتسامة واهية، ويتعامل مع الحياة كأنها لا تزال تمنحه فرصة للنسيان، رغم أن كل شيء فيه يصرخ: “أنا موجوع!”

فتح باب شقته بهدوء كعادته، خطواته ثابتة لكن صداها على الأرض الباردة كان يحمل ما لا يُقال. وما إن همّ بإغلاق الباب خلفه حتى سمع صوتًا صغيرًا يركض نحوه، تسبقه ضحكة بريئة:

— “عمو شريف! عمو شريف! فينَك بقالك كتييير؟”

انحنى يزن على ركبتيه، وابتسم لطفلة لم تذنب في شيء، طفلة اعتادت أن تراه… فظنّت أنه لن يغيب.

— “معلش يا شوشو… الشغل واخدني شوية اليومين دول.”

أمسك بيديها الصغيرة بين كفيه، نظر إلى عينيها بشوق حزين.

— “بس أوعدك… أوعدك لما أخلص، هنعوّض كل حاجة، ونلعب زى زمان، ونتخانق مين اللى يكسب في الكوتشينة، فاكرة؟”

ضحكت شهد بطفولية، وهزت رأسها بحماس:

— “آه فاكرة! أنا اللى كنت بكسب دايمًا!”

في تلك اللحظة… كان هناك قلب يتكسر في صمت.

مريم، التي وقفت عند باب شقتها، تتأمل المشهد بصمتٍ مثقلٍ بالذنب. لم تقترب، لكن عينيها قالتا ما لم تستطع شفتاها الإفصاح عنه.

رفع يزن نظره إليها ببطء… نظرة كانت كسكين حادة مغطاة بقماش ناعم.

ابتسم بنفس الابتسامة المكسورة، وقال بنبرة خافتة، لكنها كانت كافية لتوجِع:

— “ساعات بنفتكر إننا بنساعد حد… واحنا أصلاً بنهدّه.”

ثم وقف، مسح على رأس شهد، وأكمل طريقه دون أن ينظر خلفه.

نظرت مريم فى اثره بوجه حزين وانسابت دموعها وهى تردد فى نفسها…..

سامحنى يايزن مكانش قصدى اجرحك والله كان كل همى انك تنسى الوهم اللى انت عايش فيه انك تفوق وتحس بحبى ليك انك تعيش حياتك بدل ماانت موقفها على وهم هيضيعك.

فاقت من شرودها على صوت ابنتها شهد….. ماما ماما مش يلا بينا بقا هنتاخر على النادى عاوزة العب مع تقى ملحقتش اقعد معاها المرة اللى فاتت.


مريم وهى تمسح دموعها: حاضر ياقلب ماما يلا بينا.

جلس يزن في النادي على الطاولة ذاتها التي اعتاد الجلوس إليها معها. النسيم كان عليلًا، وأصوات الضحك حوله تختلط مع ضجيج مشاعره الذي لا يصمت. أمامه كانت أمنية، تبتسم كعادتها، وتحكي… وتحكي.

— “بص، أحمد رغم إن شغله واخد كل وقته، بس أنا مقدّراه جدًا، أصل شغله مش سهل، وعان كدادايما بعذره… يعني مثلًا، أول مرة عرف إني حامل بتقى، كان لسه طالع من مهمة وكان فيها تبادل نار، بس أول ما سمع الخبر مش عاوزة اقولك الدنيا مكانتش سيعاه من الفرحة وكان هاين عليه يجيبلى حتة من السما نسى الخطر اللى كان فيه وكان كل همه انه يسعدنى …”

كانت تحكي وعيناها تلمعان بحبٍ صادق، ويزن يستمع محاولًا أن لا يستمع. يراقبها بنظرات ثابتة، لكن قلبه بداخله يتكسر على مهل.

ضحكت، واستأنفت بنغمة طفولية:

— “أنا عارفة إنك هتقول عليا مجنونة، بس أنا مبسوطة، حتى وهو بعيد عنى بسبب شغله هفضل اعذره وافضل احبه واستحمل ظروفه .”

هزّ رأسه بابتسامة باهتة، وكأنّه يشاركها سعادتها، بينما الحقيقة… أنه كان ينزف بصمت.

في داخله، كان هناك صوت غاضب:

“ليه؟ ليه كل ده؟ هي بتحبه كده ليه؟ طب وأنا؟ أنا اللى كنت بشوف فيها الحياة! هى مش شايفة إني موجود؟”

لكنه لم ينطق.

هو أمامها “الباشمهندس شريف عبدالسلام”، لا أكثر. قناع لبسه بإرادته، لكنه اليوم يشعر بأنه يخنقه.

قطع حبل أفكاره صوت مريم وهي تقترب من الطاولة، خطواتها هادئة، لكن نظراتها متوترة، تخفي أكثر مما تُظهر.

— “مساء الخير، آسفة لو بقطع عليكم حديثكم اومال فين تقى ياأمنية …”

أومأت أمنية بلطف:

— “ولا يهمك يا دكتورة، إحنا مش بنتكلم فى حاجهمهمة دا رغى عادى يلا ياشوشو روحى لتقى هى هناك اهى عند المرجيحة .”

نقلت مريم بصرها إلى يزن، كانت تتمنى لو تستطيع سؤاله: “إنت كويس؟ نفسى تتكلم وترحمنى من عذاب التفكير”


لكنها لم تجرؤ. وهو… لم ينظر إليها مباشرة، فقط قال ببرودٍ مغلفٍ بالتهذيب:

— “إزيك يا دكتورة؟”

جاء ردّها هامسًا، وكأنها تحاول تلطيف الجرح: — “الحمد لله… وإنت؟”

لم يجبها، فقط اكتفى بابتسامة قصيرة، قبل أن ينظر مجددًا لأمنية وكأن مريم غير موجودة.

لكن الحقيقة؟ هي كانت موجودة… أكثر مما يجب.

كان بداخله صراع لا يهدأ.

“أنا مرتاح لمريم، دي أول مرة حد يفهمني من غير ما أتكلم… بس خدعتنى، كانت بتمثل انها اول مرة تشوفنى … كانت عارفة كل حاجة من الأول،كانت متفقة مع كنان. بس الغريب إني لما ببعد عنها… بحس إني تايه،بس ازاى قدروا يخدعونى بالشكل دا ازاى هى كانت بتحبنى زى مابتقول؟انا هتجنن.”

وفي الطرف الآخر من المعركة… أمنية.

“لسه بحبك؟ يمكن، بس مبقتش زي زمان. حبك بيوجعني، يمكن عشان مبقاش ليه أمل… يمكن عشان بقيتي بتحبي حد تاني. بس أنا برضو مش قادر أنسى… مش قادر أنسى اللي كنت بحلم بيه معاكي.”

نظر إلى الاثنتين للحظة… واحدة يحبها منذ زمن، وأخرى اقتحمت قلبه رغمًا عنه.

واحدة اختارت أحداً غيره، وأخرى خانته وهي تحاول إنقاذه.

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

لكنه لم ينطق بكلمة. فقط وقف، ثم قال بهدوء:

— “عن إذنكم.”

وغادر.

وترك وراءه قلبين… أحدهما لا يزال يظن أنه يملكه، والآخر يتمنى لو يخبره أن يظل به، لكنه لا يملك الشجاعة.

تحرك يزن مبتعدًا عن الطاولة، خطوته كانت ثابتة، لكن مريم، بعينها التى تقرا الوجع، كانت ترى الثقل الذى يكمن في ظهره.


ظلت تنظر له لحين اختفى من امام عينها، لكن لم يختفى من بالها.

تركت نظرتها تعود لأمنية، التى كانت تضحك وهي تحكي عن ابنتها، عن أحمد، عن ذكرياتها معهم…

ومريم قلبها يثقل، لا تعرف كيف تحكم على إحساسها… هل هو ندم؟ غيرة؟ ام إحساس بالقهر بسبب حبها لشخص يحب واحدة اخرى، انسانة لا ترى وجعه بالفعل؟

أمسكت كوب الماء واقتربت به من شفاهها،ثم شربت رشفة بسيطة، ونظرت لأمنية بنظرة هادئة، لكن خلفها ألف سؤال.

مريم قربت الكرسي شوية، وابتسمت لأمنية ابتسامة خفيفة، وقالت بنبرة فيها نوع من الحنية:

— “أمنية …هو انتى أول مرة شفتي الباشمهندس شريف، كان إحساسك إيه؟”

أمنية ضحكت ببساطة: — “ولا حاجة. كنت شايفاه راجل محترم، بس يمكن ملامحه سببتلى رعب… عشان شبه حد كنت أعرفه من زمان.”

مريم أومأت وهي بتمثل إنها بتشاركها الشعور: — “الشبه ساعات بيخلق جوا الواحد حالة لخبطة… طب انتي لسة بتحسى بالرعب دا؟ قصدي، مش بيسببلك قلق ولا خلاص بقا عادى بالنسبالك ؟”

أمنية ترددت لحظة، ثم قالت: — “زمان آه… كنت بتوتر منه عشان في حاجة في نظراته كانت بتفكرني بحاجة… حب كان خانق. مش حب حقيقي، أكتر كان… امتلاك.”

رفعت مريم حاجبها بدهشة مصطنعة: — “امتلاك؟ تقصدي إنك عشتي قبل كده تجربة حب من النوع ده؟”

أمنية أخدت نفس طويل: — “كان فاكر إنه بيحبني، بس هو كان خاطفني، مش بيحبني. كان شايفني ملكه، مش إنسانة ليها اختياراتها. وكان شايف إن كل حاجة فيا لازم تبقى ليه… حتى الحزن بتاعي.”

مريم بصّت ليها باهتمام صادق، لكنها كانت بتفكر أعمق من الكلام اللي بتسمعه: “اه لو تعرفى ان شريف هو يزن ”

قالت بهدوء: — “وإنتي مع أحمد… حاسة بالأمان؟”

ابتسمت أمنية، وعيونها بانت فيها الطمأنينة: — “جوزي فيه كل حاجة تخليني أختار أعيش وأكمل معاه. رغم غيابه، بس عمري ما شكيت في حبه. عمره ما حاصرني، ولا خنقني… دايمًا بيخليني أكون أنا.”

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

سكتت لحظة، وبعدين مريم سألتها السؤال اللي كانت بتلف حواليه من البداية:


— “طيب… لو ماكنتيش متجوزة، وكان الشخص دا دخل حياتك… تعتقدي كان ممكن يكون له فرصة؟”

أمنية عضت شفايفها بتفكير، وبعدين ردّت بصدق: — “لأ. مش عشان مش جذاب، أو مش راقي… هو بالعكس، فيه حاجة بتشد. بس… الحب اللي من نوعه يخوّف. الحب اللي تحسّي فيه إنك بتختنقي، مش قادره تتنفسى. وأنا… مستحيل اقبل بحب زى دا .”

مريم أومأت، لكن عقلها كان بيركّب تفاصيل ويفك عقد.

“هي مش شايفة شريف، هي شايفة يزن… بس من غير ما تعرف. ياترى هو فعلًا اتغير؟ ولا لسه بيحاول يلبس قناع جديد؟” وابتسمت بسمة خفيفة، كأنها بتقول لنفسها:

“اللعبة لسه ما خلصتش.”

فى اللحظة دى كان يزن واقف قريب منهم وسمع كل كلمة قالتها امنية ومريم كان حاسس ان قلبه قايد نار من كلامها وانها حتى لو مكانتش متجوزة بردو كانت هترفضه قد كدا هو مالوش قيمة عندها قرب منهم واتفاجأت مريم برجوعه لكن امنية بصتله بابتسامة وقالت….

خير ياباشمهندس رجعت تانى ليه؟

بصلها وكان عيونه بتعاتبها… مفيش نسيت مفاتيح عربيتى. واخدها ومشى من غير مايتكلم وهو ناوى يحط النقط على الحروف.

 

 •تابع الفصل التالي "رواية عاشق بدرجة مجنون" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات