رواية حتى اقتل بسمة تمردك (2) الفصل الثامن 8 - بقلم مريم غريب
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
*****************************************************************************************
كان"عز الدين"يتحدث في هاتفهه ، عندما دلفت"داليا" إلي الحجرة و أغلقت الباب من خلفها في هدوء ، ثم إتجهت مسرعة إلي"عدنان"الذي إستيقظ لتوه ، و قد بدت علي ملامحه معالم العبس ، و الضجر ، فإبتسمت"داليا"تلقائيا ، و أخذته من فراشه الصغير بين ذراعيها ، ثم راحت تتحدث إليه بخفوت ، و لطف ,,,
بينما كان"عز الدين"يزرع الحجرة ذهابا ، إيابا و هو يخاطب محدثه علي الهاتف ، تارة بصرامة ، و تارة بلطف ، حتي أنهي الإتصال ..
فصوب نظره إلي"داليا"قائلا بصوته القوي:
-انا خارج ، و مش هرجع علي الغدا ، محدش يستناني.
ضيقت"داليا"عينيها ، و عادت تضع"عدنان"في مهده مجددا ، ثم إستدارت متوجهة نحو"عز الدين"و قالت عندما وصلت إليه:
-ازاي مش هترجع علي الغدا . هتتغدا فين طيب ؟؟
-هتصرف.
أجابها في لامبالاه و هو يعبث بهاتفهه ، فتطلعت إليه في فضول ، ثم سألته مترددة:
-هتروح فين ؟؟
رفع"عز الدين"وجهه علي الفور ، فإصطدمت بنظراته الحادة ، و إزدردت ريقها في توتر ، بينما قال بلهجة حادة:
-مشوار شغل ، و عشان ارضي فضولك ، رايح المينا اخلص شوية ورق في الجمرك.
ثم رفع يده ، و أشار لها بسبابته محذرا:
بس بعد كده يا ريت تخفي الاسئلة اللي من النوع ده شوية ، انتي عارفة اني مابحبش كده.
أومأت رأسها في هدوء ، و كاد يرحل من أمامها ، فمدت يديها و قبضت علي ذراعه صائحة في إضطراب:
-استني.
-في ايه ؟؟
سألها مقطبا ، فأجابته في تردد:
-انت لسا زعلان مني ؟؟
تنهد"عز الدين"بنفاذ صبر ، ثم حدجها بنظرة ثاقبة ، و قال بصوته العميق:
-زي ما قلتلك امبارح ، انا عمري ما هنسي اللي عملتيه ، عمري ما هنسي انك كدبتي عليا و استغفلتيني ، كان ممكن اتصرف معاكي بشكل عمرك تخيلتيه ، بس في الف لأ منعتني.
تطلعت إليه"داليا"في تأمل ذاهل ، إمتنت لعباراته الجامدة ، و الرقيقة في آن ، و سرعان ما ساورها شعور الندم علي ما حدث منها ، وعلي ما سوف يحدث لاحقا ، بينما عاد يقول بلهجة منخفضة قليلا:
-بعد كده قبل ما تعملي اي حاجة عارفة اني مش هكون راضي عنها ، ابقي فكري الاول في اللي بينا ، زي ما انا فكرت.
قضمت"داليا"شفتها بقوة و هي تشعر بالندم ، في حين كانت تبحث في وجه"عز الدين"عن تعابير غامضة لسبر غورها ، فإندفعت قائلة:
-ليه انت قاسي كده يا عز الدين علي عكس الطيبة اللي انا متاكدة انها جوا قلبك ؟ ليه امك ماصعبتش عليك ؟؟
تجمدت نظرات"عز الدين"فجأة ، ثم قال بحدة محذرا:
-انا مابحبش اتكلم عنها.
تجاهلت"داليا"تحذيره ، وتابعت:
-انا سمعت القصة ايام ما كنت موظفة عندك ، بس ده في النهاية مجرد كلام و مافيش ادلة تثبته ، انت متأكد من الكلام ده ؟؟
سألته مترقبة ، فأجابها بقوة شاخصا ببصره:
-ايوه متأكد.
-جبت منين التأكيد ده ؟ من ابوك ؟ سمعت بردو ان ابوك كان طاغي و مستبد ، ما فكرتش للحظة ان امك سابته لانها ما كانتش قادرة تتحمل حياتها معاه ؟؟
قال"عز الدين"بنزق و هو يكاد يصعقها بنظراته:
-انتي ممكن تقبلي انك تتخلي عن عدنان ؟؟
لم تستطع الإجابة علي سؤاله ، فتابع:
هي قبلت انها تتخلي عني انا و اخواتي لاسباب معينة ايا كانت ماتهمنيش.
ثم صمت قليلا ، و تابع:
-هي اختارت تسيبنا ، و انا كمان اخترت انساها للابد.
-بس انا سمعت انها حاولت تقرب منكوا تاني بعد موت ابوك.
-اديكي قولتيها بنفسك ، بعد موت ابويا ، هي سابته بإرادتها بعد ما رفعت عليه قضية طلاق ، متخيلة بقي اني كنت هسمحلها تحط رجليها في بيته بعد ما مات ؟؟
نظر لها"عز الدين"بعينين صارمتين ، و قد ضاقت حدقتيهما من الغضب ، فتنهدت"داليا" ثم قالت يائسة:
-انت مش زي ابوك يا عز الدين ، انت قلبك مليان عطف و حنان اكتر .. ماتقدرش تسامح ؟؟
-لأ ماقدرش.
هتف بقوة ، و تابع في حزم:
-و مش عايز اسمع كلمة زيادة في الموضوع ده.
ثم تركها و غادر الغرفة صافقا الباب خلفة بعنف ، إنتفض"عدنان"و بكي علي آثره ، فأسرعت"داليا"إليه ، لتهدأ من روعه ...
******************************************************************************************
أصرت"كامليا"بإلحاح خلال الطريق إلي القصر ، أن تتوقف عند أحد فروع الأسواق التجارية كي تشتري ألعاب لـ"عدنان"بنفسها ,,
فلبي"عمر"طلبها علي مضض خاشيا عليها من أي ضرر قد يصيبها ، و لكنها بدت سعيدة للغاية عندما كانت تمشي إلي جانبه ، متأبطة ذراعه ، كانا رائعين معا ، و قاما بجولة ممتعة ، و إشترت"كاميليا"لعبة عتيقة للغاية جذبت نظرها ، و إستحوذت علي إنتباهها بشدة ، كانت عبارة عن مجسم إسفنجي لحصان يمتطيه خيال ذا قبعة كبيرة ، فسألها"عمر"مستفسرا:
-اشمعنا اللعبة دي اللي عجباكي اوي كده يا كوكو ؟؟
تطلعت"كاميليا"إليه باسمة ، ثم قالت بعاطفة أمومية:
-ابوه كان بيحبها اوي لما كان في سنه.
منحها"عمر"إبتسامة دافئة ، و من ثم راحا يشتريان مزيدا من الألعاب المميزة ، و لم تنسي"كاميليا"أن تشتري الهدايا لجميع أفراد الأسرة ، كنوع من أنواع التذكار بما إنها راحلة ,,
عندما وصلا إلي القصر ، و عبر"عمر"البوابة الحديدية الضخمة بسيارته ، أخذت"كامليا"تتطلع إلي المكان من حولها ، فتداهمت الذكريات بعقلها ، منذ أكثر من سبعة عشر عاما ، لم تشهد عينيها ذلك القصر الفاخر ، المترف ، الذي تكاد أحجاره تنطق بالرغد ، و الثراء ..
توقفت سيارة"عمر"بصورة تدريجية بساحة المنزل الكبير ، فترجل هو أولا برشاقة ، و ذهب ليساعد أمه علي الخروج من السيارة ، ثم توجه نحو صندوقها ، حيث كدس الهدايا و الألعاب ، فيما صعدت أمه الدرجات الثلاث المؤدية إلي باب المنزل ، ثم ضغطت زر الجرس ، و ما هي إلا لحظات حتي جاءت إحدي الخادمات ، و فتحت الباب علي مصراعيه ..
رسمت"كاميليا"إبتسامة خفيفة علي وجهها ، فيما رمقتها الفتاة في تساؤل و هي تتمعن بملامحها المألوفة ، و لكن لم يطل الأمر ، إذ آتي صوت"عمر"من خلف أمه قائلا بلهجة آمرة:
-تعالي يا فاطمة شيلي معايا الحاجات دي.
هرولت إليه الفتاة ، و هي تنقل نظراتها بينه ، و بين السيدة الغريبة ، فلاحظ"عمر"نظراتها ، فقال:
-سلمتي علي الهانم ؟ دي تبقي امي.
أشرق وجه الفتاة ، و أفتر ثغرها عن إبتسامة عريضة ، ثم صاحت بفرح:
-ايوه و الله كنت بشبه عليها ، الست كاميليا فهمي الممثلة.
إبتسمت"كاميليا"في هدوء و هي لا زالت تقف علي أعتاب المنزل ، بينما قال"عمر"ممازحا في لطف حازم:
-طيب خلاص كفاية تعارف بقي و بحذرك ماترغيش كتير مع الست عشان ماطرقكيش منها.
رمقته"فاطمة"بنظرة متذمرة ، ثم إنصاعت لآوامره ، و حملت معه بعض الأغراض إلي الداخل ,,,
بينما كانت"كاميليا"تدور بقاعة البهو الفسيح ، و هي تتفحص المكان بعينيها الزرقاوين الواسعتين ، لم يتغير شيئا في هذا البيت ، تركته لسنوات طويلة ، ثم عادت لتجده كما هو ، فشعرت و كأن الماضي البعيد كما لو كان البارحة !!
آتت"عبير"في تلك اللحظة مهرولة ، و ما أن رآت والدتها أمامها ، حتي تلآلآت الدموع بمآقيها رغما عنها ، فمنحتها أمها إبتسامة دافئة ، وقد كست وجهها غلالة من السقم ، و الحزن ، و أخذت تقترب منها بخطي وئيدة ، حتي وصلت إليها ، ثم مدت ذراعيها نحوها ، و جذبتها إلي صدرها ، لم تحرك"عبير"ساكنا ، و ظلت صامتة ، أخذت دموعها فقط تتساقط في هدوء ، بينما راحت"كاميليا"تنعم بتلك اللحظات الفريدة ...
**********************************************************************************
-ما تشد شوية يابني.
قالها"عز الدين"و هو يجلس بالسيارة إلي جانب"خالد"فصاح"خالد"مقطبا:
-اشد اكتر من كده ازاي يعني ؟ عايزنا نموت ؟ طب كنت قولي انها رحلة انتحاريةمن الاول.
-بطل الظرف ده شوية و اسمع الكلام ، عايزين نرجع بدري ، و بعدين الطريق فاضي قدامك.
-لا يا عم مش سامع كلامك ، المثل بيقول امشي سنة و لا تخطي قنا.
حدجه"عز الدين"بإبتسامة ساخرة ، و قال:
-امثالك بقت بيئة اوي.
ثم صاح متذكرا:
-اه نسيت اقولك ، انا حجزتلك تذكرة السفر ، كمان 3 ايام هتسافر.
-ماشي.
هتف"خالد"متنهدا ، ثم عاد يصوب تركيزه علي الطريق أمامه ...
***********************************************************************************
زحف الليل سريعا علي قصر الـ"نصار" ,,,
في قاعة الجلوس الفسيحة ، إجتمع الجميع ، ساد جوا من المرح ، و الحميمية الأسرية ، بفضل السيد"عدنان"الصغير ، الذي راح يزقزق ، و يطلق صياحه الطفولي بفرح ..
و كم شعرت"كاميليا بالدفء ، و الإمتنان ، كان هذا كل ما كانت تحتاج إليه فعلا ، و لكن لم تدم اللحظات السعيدة طويلا ، إذ دق جرس الباب فجأة ، فساد صمت مطبق ، و ما إزاد من الرعب بقلوب الجميع ، عندما تردد صدي صوت سيد المنزل الكبير بالإرجاء ، فلا شعوريا إنتصبت"كاميليا"واقفة ، تستعد لملاقاة إبنها ..
فإندفع"عمر"نحوها مسرعا ، ثم أمسك بيدها ، و ضغط عليها برفق ليطمئنها ، فشعر بالإضطراب يهز المرآة النحيلة الواقفة إلي جواره لا حول لها و لا قوة ، فيما ترقب الجميع لحظة دخول"عز الدين"بقلب واجف ، فكانت"داليا"أشدهم خوفا ، و قلقا ، فشددت ذراعيها حول إبنها كما لو أنها تلوذ به ، بينما كانت تقف"عبير"إلي جانب"ياسمين"و هي تشعر بالتوتر بيعصف بها ،،
ثم فجأة ظهر"عز الدين"في تلك اللحظة ، فصوبت أمه نظرها تجاهه في لهفة و هي تشاهده يتخطي أعتاب المنزل إلي الداخل ، و كم بدا جذابا ، و واثقا من نفسه ، كان صورة صادقة عن أبيه ، و كانت يدا"كاميليا"تضغطان بشدة علي يدي"عمر"و كأنها تحاول أن تستمد القوة منه ,,
فيما تسمر"عز الدين"بمكانه فجأة ، و كأنه تمثال أصم ، و لكنه سرعان ما رفع رأسه الأدكن الأرستقراطي ، وقد تطاير الغضب من عينيه ، وكاد يصعق كل من بالمكان ، فعلي بعد خطوات منه وقفت أمه مذعورة ، و قد غاص كل لون من وجهها الشاحب الذابل ، كان الجميع يتوسلون منه بعض اللطف بنظراتهم ، و لكن كان اللطف أبعد الأشياء عنه في تلك اللحظة ..
كان وجهه مغمورا بهالة رائعة تتفجر منه القسوة ، فيما إرتسمت علي شفتيه معالم الإزدراء ، والغطرسة ، ثم ....
يتبع ....
- يتبع الفصل التالي اضغط على (حتى اقتل بسمة تمردك) اسم الرواية