رواية الطبيب العاشق (2) الفصل الثالث 3 - بقلم منة جبريل
البارت الثالث
التناسُب الذي بين الأرواح مِن أقوى أسباب المحبَّة، فكلُّ امرىء يصبُو إلى مَن يُناسبُه.
_ ابن القيم
والصلاة والسلام على نبينا المجاهد الشهيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صوت احتكاك إطارات السيارة بالأرض هو كل ما سيطر على المكان للحظات قبل أن يندفع منها ريان يتحرك بخطوات ثقيلة وواسعة إلى داخل القصر والذي لم تتواجد به حوراء أو كيان كونهما في فيلا إياد برفقة آية.
اندفع ريان وهو ينظر إلى تلك التي تجلس في البهو تخفي وجهها بين كفيها تبكي بشدة، هتف بصوت قوي ظهر به قلقه :
_ ليان …
رفعت وجهها له ما إن سمعت صوته، ليفزع عندما رأى وجهها المتورم وتلك الدماء التي على جبينها وجانب فمها وشعرها المشعث وملابسها الممزقة، يا الله، ما الذي أصابها؟؟
تملكه الرعب من هيأتها وأسوأ الأفكار بدأت تراود عقله، نهضت ليان مسرعة نحوه تعانقه محتمية به مما مرت به، لحظات صامتة مرت عليهما لم يقطعه سوى صوت شهقاتها قبل أن يقطعها وهو يبعدها عنه قائلًا بغضب :
_ مين عمل فيكِ كدا؟
وهي التي ما زالت في حال الرعب لم تفعل سوى أنها أجهشت في بكاء قوي جعله يمسك بذراعها في قوة من شدة قلقه يسألها بانفعال :
_ انطقي، قولي الاسم بس، مين اللي اتجرأ وقرب منك؟ اتكلمي يا ليان متسيبنيش لناري
حاولت التحدث ولكن كل ما خرج منها هو تمتمات غير مفهومة جعلته يشفق عليها، جذبها إلى صدره يحاول تهدأتها، مسح بكفه على خصلاتها برفق هامسًا :
_ اهدي، أنا هنا، متخافيش
أجلسها على المقعد وأمر العاملة بأن تأتِ له بكوب ماء وعلبة الاسعافات الأولية، كل همه الآن أن يداوي جراحها ثم سيتركها لتبدل ثيابها وترتاح قليلًا وبعدها... سيعلم منها كل شيء.
في ذلك الوقت دلف بيجاد برفقة حوراء وكيان وحتى آية بعد أن هاتفه ريان وهو بمنتصف طريقه آلى هنا يخبره أن يحضرهن معه، وحمد الله أن إياد كان معه منذ البداية فهو لم يكن ليصبر طويلًا حتى يأتِ بإياد.
توقف قدميه بصدمة شلّت أطراف جسده، شعر وكأن دلو ماء بارد انسكب عليه، حرك قدمه بصعوبة كلسانه الذي همس بصدمة وحالها لم يوصل له سوى فكرة سوداوية :
_ ليان!
وحال هشام لم يختلف عنه، يا الله، مدللتهم الثانية والتي تحوز على مكانة كبيرة لديه، ماذا حل بها؟؟
بينما شهقت كيان برعب وهي تهتفت باسمها مقتربة منها بسرعة وقد انهمرت دموعها على ابنة عمها وصديقتها، أما حوراء وآية فنظرا لها بصدمة وخوف، أشاح إياد بنظره بعيدًا، أما آسر فوقف متحفزًا، كل ما يعلمه أن هذه الفتاة تقرب صديقه، وبالتأكيد الذي يتملكه الآن وهو يداوي جراحها لن يعقبه سوى عاصفة غضب قوية.
_ ليان، حصل إيه؟
نظرت له ليان بأعين منتفخة حمراء أثر بكائها، وفجأة وبينما هي تنظر إلى بيجاد، انغلقت عيناها وسقطت رأسها على ريان الذي كان يمسك ذراعها يسعف جرحها، أمسك بها بسرعة بينما انحنى بيجاد ناحيتها وحملها وتحرك بها إلى الأعلى في صمت شديد، تبعه ريان وهشام الذي قتمت عيناه بشكل مخيف.
اقتربت حوراء من كيان تربت على كتفها تحاول تهدأتها، الجميع بداخل رؤوسهم أسئلة كثيرة، ولكن الضجة داخلهم فقط!.
قاطعهم صوت هشام الذي نادى على كيان والتي صعدت له في لهفة ليمسح دموعها قائلًا بصوت ظهرت به مشاعره السلبية :
_ خليكِ معاها، ومتقلقيش، كل حاجة هتكون بخير
_ هي حصلها إي يا هشام؟
سألته ببكاء وحزن، تنهد هشام ولم يفعل سوى أن يربت على رأسها، لا زال لا يعلم ماذا حدث معها ولكن بالتأكيد سيعلم، وحينها... حينها فقط سيتوقف عن كبت مشاعره التي تحرق جوفه.
بعد دقائق، اجتمع الخمس رجال معًا في البهو بينما صعدت آية وحوراء لمجاورة كيان، تحدث بيجاد بنبرة باردة :
_ احنا الازم نعرف حصل إيه، وازاي جات لوحدها وهما هناك عارفين ولا لا
تحدث هشام بجدية :
_ هتصل على أيان
وما إن انهى حديثه حتى تعالى رنين هاتف ريان الذي ما إن رأى المتصل على أدار الهاتف إلى هشام ليظهر أنه أيان، قام ريان بالرد عليه وما إن فعل حتى وصله صوت أيان والذي شعر أنه على حافة الجنون، وقد كان كذلك بالفعل وهو يبحث عن شقيقته المختفية :
_ يارن.. ليان مش موجودة، ليان مختفية أكتر من خمس ساعات ومش لاقيها!!
نظر ريان حوله آلى الرجال ثم تنهد وتحدث بصوت ثابت قوي :
_ أيان، اهدى وركز معايا ونفذ اللي هقولك عليه بالحرف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد وقت كان لا زال الخمسة باقين في بهو القصر، وانضمت لهم الفتيات بعد أن أخبرهن ريان بذلك ولا يعلمن السبب.
ولكن ها هو السبب يندفع لهم من الخارج يهتف بصوت منفعل مرتفع وأنفاسه الثائرة تظهر حالته السيئة :
_ فينها؟
تبعه دخول أقوى وصوت جهوري مع أعين ذهبية تلمع بنيران الغضب والقلق :
_ فين ليان؟
_ فوق، في أول أوضة على اليمين
جملة بسيطة من ريان ما إن انتهى منها حتى اختفى أثرهما من شدة سرعتهما إلى الأعلى، كانت هيأتهما المندفعة يتفزع الفتيات إن بقين معها بالغرفة، خاصتًا في حال الأخوين السيئة.
ثبتت قدم أبهم عند باب الغرفة بينما صرخ أيان باسم توأمه في لوعة وهو يرَ وجهها الشاحب، ومن الجيد أن الفتيات أبدلن لها ثيابها وإلّا كان الأمر ليصبح أسوأ على كليهما.
نظر أيهم إلى جسدها الذي يضمه إليه أيان وهو يهتف باسمها، وكأنها فاقدة للحياة، تحرك بأقدام شعر بأنها ثقيلة، وقف على مقربة منهما وراقبها وهي تفتح جفنيها بتعب
_ أيان!
همست وصوت أخيها يعانق سمعها، ضمها أيان إليه في لهفة مرددًا :
_ حياته، حياة أيان أنتِ
حركت مقلتيها إلى أيهم الءي مسح على شعرها ثم سألها :
_ إيه اللي حصل؟
وكأنه أعطى الإشارة الخضراء إلى عقلها ليتذكر ما حدث، لتنتحب في بكاء شديد جعل أيان يضم رأسها إلى صدره وهو بهدهدها بينما النيران اندلعت في جوفه وقد اختلطت الشعيرات الحمراء بزرقاويه بشكل مخيف..
أما أيهم فلم يشعر بقبضته التي ابيضت من شدة ضغطه عليه، يقسم أن يذيق ذلك الذي تجرأ وفعل معها هذا أسوأ وأبشع العذاب.
بينما هي فتركت العنان لدموعها تبكي على صدر أخيها وتوأمها وهي تتذكر مشاعر الذعر والألم التي تعرضت لها حتى شعرت أنها لن ترى عائلتها مجددًا.
بعد وقت هدأت فيه، سألها أيان بحنان :
_ هتقدري تتكلمي؟
أماءت له في صمت ليقبل جبينها ثم حملها برفق ونزل بها إلى الأسفل وتبعه أيهم في صمت يترقب تلك اللحظة التي سيعرف فيها الميت الذي يمشي على قدمين... إلى الآن فقط.
ما إن وضعها على المقعد دارت بعيناها حولها ووجدت الجميع، أخويها وأبناء عميها وحتى زوجة ابن عمها وشقيقيها وشخص آخر لم تتعرف عليه، والذي كان آسر.
ومن بين الجميع سعرت بالحزن والفراغ فجأة، أين هو؟ لمَ وجهه ليس بينهم؟ أين يكون حينما تكون في أمَس الحاجة إليه، وهو الءي يتغنى بحبه الأبدي لها!
ونظراتها التي لم تخفى على ربان ولكنه قرر تجاهلها، يسألها بهدوء :
_ تقدري تحكيلنا اللي حصل؟
أماءت له في صمت، ليجلس أيهم على جانبها الآخر لتكون بين شقيقها، أمسك كفها ينظر لها باهتمام ولكن عميقًا هناك داخل عينيه، شيء مرعب.
كانت تسير بهدوء وشعرها يتطاير حولها بسبب نسمات الهواء تبتسم في حماس وقد خرجت للتسوق، ولكن فجأة قطع طريقها سيارة سوداء كبيرة خرجت منها أءرع لم تستطع تفاديها وهي تكمم فمها وتحيط بجسدها تسحبها إلى داخل السيارة.
كل ذلك حدث في لمح البصر حتى أنها لم تستوعب ما أصابها، ولم تشعر سوى بالذعر وهي تحاول مقاومتهم والصراخ ولكن كل ذلك ذهب هباء بعد استنشاقها لمادة مخدرة أفقدتها وعيها...
بعد مدة لا تعلمها فتحت عينيها وهي تشعر ببرودة ورطوبة جعلت جسدها يرتجف، ارتجافة برد وذعر ما إن فتحت عينيها على مكان مظلم لتراودها ءكربات آخر شيء أصابها، نظرت إلى جسدها المكبل في مقعد خشبي وسط فراغ كبير من حولها، لتحاول التحرك بعنف ولكن لا فائدة، كان الرباط محكمًا عليها حتى أنه أصاب جسدها وذراعيها بالألم.
وحتى الصراخ سلبوه منها عندما كمموا فمها بلاصق قوي، ظلت تتحرك في عنف حتى توقفت على صوت خطوات تقترب منها، رفعت رأسها تنظر إلى الذي وقف أمامها بنظرات شرسة قوية، وأعين محمرة بغضب، وإن كانت ترتجف بداخلها رعبًا فهي لن تظهر ذلك أبدًا.
وكونها شقيقة أيهم، وابنة عم ريان وبيجاد الكيلاني وتهُم هشام العامري، الذين لديهم الكثير من الأعداء، فقد تعرضت لمثل هذه المواقف كثيرًا، وفي كل مرة كانت تشعر بالرعب ولكن بءات الوقت تكتسب مناعة حول هذا الأمر، فها هي تنحي خوفها إلى أبعد نقطة تواجه من اختطفها بنظرات قاتلة لا تظهر ولو قليلًا من الضعف.
تغضن وجهها وهي تسمع صوت الرجل المستفز :
_ آسف على معاملة رجالي الغشيمة، أصلهم مش متعودين يتعاملوا مع الجميلات، خاصةً اللي جمالها جمال روسي
أنهى حديثه يمرر أنامله على وجنتها، لتشيح بوجهها للناحية الأخرى وهي تهمهم بغضب، ابتسم ببرود مرددًا بينما يزيل اللاصق عن فمها :
_ قولي اللي عندك يا حلوة، ليلتنا طويلة وشكلنا هنتسلى
وفجأة لم يجد منها سوى بصقة على وجهه ثم صوتها الذي خرج بأنفاس متسارعة وغضب :
_ لو حاولت تقرب مني، ليلتك أنت اللي هتكون طويلة وأنت بتتحاسب في قبرك
رمقها بغضب وهوى على وجنتها بصفعه قوية أدت إلى التفاف وجهها إلى الناحية الأخرى بقوة ثم أنّت بألم عندما اقبض على خصلات شعرها بقوة رافعًا رأسها إلى الأعلى، انحنى نحوها حتى أصبح وجهه قريبًا من وجهها يهمس لها بينما انكمش وطهها بتقزز وألم :
_ خلينا ننشوف القوة دي هتفضل قاعدة بعد اللي هعمله فيكِ ولا هتبقي قطه مطيعة
ورغم رعبها منه إلّا أنها لم تظهر ذلك، في كل المرات السابقة لم يتعرض لها أحد وكانوا يستعملونها كتهديد لأحد الرجال إما أخيها وإما ريان دون الاقتراب منها، ولكن هءا الغريب والذي لم تعلم مع من عداوته بعد، بدأ في تمزيق ثيابها لتبدأ في سبّه وعضه كلما أتيحت لها الفرصة، ومن شدة معاندتها معه زاد غضبه ليبدأ في صفعها وتسديد ضربات قوية لها، كونها امرأة يختلف تكوين جسدها عن جسد الرجل، جعل الأمر أكثر صعوبة عليها.
أصبحت الرؤية أمامها ضبابية ولم تعد تسمع شيء بسبب صفعاته القوية والتي كانت كثيرًا تسقط على أذنيها، نزف انفها وفمها، وسقط المقعد بها ليصطدم رأسها في الأرض حتى نزفت رأسها، وهو لم بتوقف وبدأ يسدد لها الركلات حتى شعرت باقتراب أجلها وبدأت عيناها تفقد رؤيتها تدريجيًا.
وقبل أن تفقد وعيها تمامًا، وقد أصبحت بحال يرثى لها، أتتها النجدة على هيأة صوت رجل يقول باحترام دون أن يعبأ بحال تلك المسكينة، رُبما هي نجدة رغم سوداويتها :
_ كله تمام يا باشا مستنيين بس أوامرك بعد ما تتأكد منهم
أشار له الرجل بالخروج ليخرج الآخر بصمت، نظر لها من علياه وهو يمرر نظره عليها :
_ أخلص اللي ورايا وآجي نكمل نقاشنا
قاومت شعور الإغماء ورمقته بنظرة رغم ضعفها إلّا أنها غاضبة، ضحك هو بقوة وخرج من المكان، وما إن فعل حتى تنفست بألم، تحاملت على نفسها ونظرت حولها تبحث عن أي شيء يساعدها للتحرر من هذا القيد
ولكن وقبل أن تفعل دب الرعب في قلبها وهي تراه قد عاد لها سريعًا حيث سمعته يردد :
_ رجعتلك يا حلوة، وجه الوقت اللي أندم فيه أخوكِ وأخليه يعرف هو بيتعامل مع مين، أخوكِ دا شخص غشيم مش بيفهم، فحتى بعد اللي عملته في مراته قدام عينه لسه زي ما هو، متكسرش، ازاي يتكسر وهو أيهم الكيلاني، بس وماله هخليه يعيد زكريات مراته بس مع اخته المرة دي، بس برضه بعد ما استمتع شوية، ما أنا مش هتنازل عن الجمال دا
نظرت له بصدمة وعدم فهم لحديثه، ماذا يقصد بحديثه عن زوجة أخيه المتوفية، وهو الذي قرأ نظراتها ضحك بقوة مرددًا :
_ لا متقوليش أنك هتتصدمي، لا ركزي معايا
وحينما بدأ يقترب منها ولا تعلم كيف سقط بصرها على نصل حاد على مقربة منها، ولكن ذلك مستحيل طالما هو ينظر لها بهذا الشكل، وللمرة الثانية تأتيها النجدة على هيأة صوت ذات الرجل
_ العميل عايزك يا باشا
ها قد أتتها الفرصة ما إن استدار الرجل منتبهًا لحديث الآخر، لتستغل الفرصة وتحركت بحذر وبطء قليلًا ناحية النصل، ثبت جسدها بفزع ما إن سقط نظر ذلك الرجل الذي كان نجدتها للمرة الثانية عليها
ورأى ما تزحف له، ظل ينظر لها للحظات قليلة ثم أشاح بصره عنها وكأنه لم يرَ شيئًا يطلب من الرجل مرافقته للخارج لمقابلة العميل.
لم تفهم سبب تصرفه ولكن لم تشغل عقلها كثيرًا واستغلت رحيله للمرة الثانية وهي تمسك النصل لتئم بألم ما إن جرحت كفها، تحاملت على ألم يحتل جسدها ورأسها وبدأت في استعمال النصل لتحرير يديها ثم بدأت في قدميها، وما إن انتهت حتى نهضت بسرعة تترنح بسبب الضربات التي تلقتها.
تحركت بصعوبة ناحية الباب الذي خرجا منه كونه المكان الوحيد للخروج، مدت بصرها لتتفاجأ بالكثير من الرجال وقبل أن تقوم بأي فعل شعرت بمن يدفع جسدها للداخل وقبل أن تصرخ كمم فمها
تحركت بعنف ولكن همس الرجل لها وهو يكبل حركتها :
_ لو عايزة تخرجي من هنا اسكتي، مش قدامك غير سبع دقايق بالظبط لو ضيعتيهم مش هتقدري تخرجي.
هدأت حركتها ليقوم بتركها بروية، نظرت له لرتاه ذات الرجل للمرة الثالثة، طالعته بريبة وتراجعت للخلف وما زالت تحكم بيدها على النصل :
_ وأنا أصدقك لي؟
رمقها بنظرات جامدة قبل أن يشيح ببصره عنها وتحرك ناحية صخرة في زاوية، وبدأ في تحريكها بصعوبة، اقتربت منه بحذر وهي تسأله :
_ بتعمل كدا ليه؟؟
أجابها دون النظر لها بجمود :
_ بطلي أسئلة كتير
وما كادت تُصر على سؤالها حتى رأت الضوء يدخل من خلف الصخرة، خرج بجسده ثم مد يده لها من الخارج، لتنحني مثلما فعل وخرحت دون الامساك بيده، لا زالت لا تثق به، تصنم جسدها ما إن رأت رجل يوليهما ظهره، أشار لها الرجل بالصمت واقترب من الآخر بحذر وفجأة ضربة بقوة على رأسه أفقده وعيه
التفت لها بينما هي تطالعه بريبة وعدم فهم، لمَ يفعل ذلك معها؟.
التفت لها وقال بسرعة وهو ينظر إلى ساعة يده :
_ ثلاث دقايق حاولي تبعدي فيهم عن المكان على قد ما تقدري، من الطريق دا بعد نص ساعة هتلاقي نفسك على الطريق العمومي، أنا آخري لحد هنا
تحرك تحت نظراتها إلى داخل المكان من ذات المدخل وبدأ يعيد الصخرة إلى مكانها، وقبل أن يفعلها تمامًا سألته بسرعة :
_ ليه؟؟
كان أكثر سؤال يشغل عقلها الآن، لماذا يفعل هذا؟ نظر لها لثانية ثم أعاد الصخرة إلى مكانها دون الرد عليها، وقف للحظة ببلاهة قبل أن تتدارك الوضع لتمسك أطراف ثوبها وبدأت في الركض بأقصى ما يمكنها متحاملة على أوجاع وضعف جسدها.
وما إن وصلت بعد وقت طويل من الركض إلى الطريق الذي تحدث عنه ذلك الغريب، وجدت سيارة تمر به، أشارت بيدها ولكنها مرت تتخطاها دون التوقف لها، انتظرت قليلًا ثم رأت سيارة أهرى وحمدًا لله توقفت لها، طلبت من السائق أن يعلمها أين هي تحديدًا، لتجد أنها أقرب إلى بيت ابن عمها لتطلب منه مساعدته في إيصالها، وقد كان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل شعرت سابقًا وكأنك تحتجز أحجارًا من الجمر داخل صدرك؟
كان ذلك هو شعور كل من الرجال وهم يستمعون لها، أصبحت هيأتهم مخيفة وأجسادهم بدت وكأنها تضخمت مع غضبهم، إن رآهم أحد وهم على هيأتهم هذه لأقسم أن هناك عاصفه قادمة ولن تهدأ إلًا بعد أن تدمر كل شيء ولن تترك شيء خلفها سوى فتات صغير جدًا.
_ مين اللي ساعدها دا؟
تساءلت كيان وشعرت أن ذلك الرجل لديه صلة بأخيها، وقد كان عندما رأت تلك اللمعة في عينيه، إنه أحد رجاله!.
هتف أيهم بصوت آتى من الجحيم :
_ تقدري توصفي شكله؟
أومأت له قائلة :
_ ايوا أناا ركزت فشكله كويس
هتف آسر وبيجاد معًا بغموض :
_ كويس قوي
نظروا لهم ليهتف بيجاد ببرود :
_ مع وصفها هنقدر نرسم ملامحه، آسر.. كلّم طه خليه ياجي
وقبل أن يفعل آسر ذلك، قالت آية بسرعة :
_ لحظة.. حوراء ممكن ترسمه!
التفتوا لها بتعجب وكذلك ريان، ليقول إياد بنبرة هادئة :
_ حوراء بتعرف ترسم، بس مفيش أدوات
لتقول كيان بلهفة :
_ لحظة...
أسرعت تحت أنظارهم إلى الأعلى وعادت بعد وقت تحمل بيدها ورقة وأدوات الرسم وقدمتها إلى حوراء التي أخذتهم منها بتوتر بسبب تركيز الجميع معها، اقترب بيجاد منها قائلًا :
_ عايزك ترسمي كل تفصيلة تقولها ليان
أماءت له في صمت وتوتر، بينما الرجال ومن بين انشغالهم بما يحدث، إلّا أن صمت ريان وهدوئه بذلك الشكل أثار حفيظتهم، بالتأكيد هو لا ينوي على الخير أبدًا، حسنًا... لا أحد ينوي على ذلك بالأساس.
بدأت ليان في وصفه بدقة شديدة وقد علمها أيهم ذلك، أن تركز في وجه وملامح كل من يقترب منها بأذى حتى يستكيع هو الوصول له بعدها بسهولة، وكانت حوراء تستمع لها ويدها تمر على الورقة ترسم ما تسمعه وكان الجميع يتابعها بصمت شديد.
انتهت أخيرًا من وصفه لتعطيها حوراء الورقة وهي تردد بتوتر :
_ دي ملامحه؟
هتفت ليان سريعا بأعين متسعة :
_ هو.. هو نفسه، أيهم أيان.. هو نفسه وكأنها صورة ليه مش رسمة
التقطها منها أيهم بسرعة وما إن وقعت مقلتيه على تلك الملامح حتى عادت له ذكريات سوداوية، قتمت ملامحه وبرقت عيناه بغضب عاصف، جذب أيان منه الورقة ونظر إلى ذلك الذي سيجعله يتمنى قدوم الموت إليه ليخلصه منه.
أخذها منه بيجاد وهتف بغموض وهو ينظر إلى تلك الملامح التي تعرف عليها :
_ كدا تمام قوي
هتف آسر بحذر وصمت ريان لا يروقه :
_ مش هتقول حاجة يا ذئب؟
نظر له ريان بعينيه التي أصبح لونها رمادي قاتم بشدة، وقد اختفت تلك اللمعة الزمردية منهما، كان مخيفًا وطاقة سلبية تحيط به.
حرك ريان مُقلتيه إلى أيهم لتتلاقى أعينهما التي ترعب كل من ينظر إليها، ابتسامة مخيفة ارتسمت على جانب شفتي كل منهما، لينظر لهم بيجاد وهشام وآسر بريبة من ابسامتهما تلك، وعلنوا أن وقت الحساب قد حان، فقد فتح ذلك الأحمق باب الجحيم على نفسه عندما عبث مع أحفاد الكيلاني.
هتفت ليان بتساؤل :
_ بس يا أبيه هو ليه قال أنه قتل بسمة؟
نظر لها أيهم بسرعة شديدة وظهر وهج متألم داخل مقلتيه القاتمة، ليجيبها بصوت قوي ينافي ارتجافة قلبه :
_ متهتميش بكلامه واحنا هنتصرف، أنتِ دلوقتي ارتاحي ومتشغليش عقلك بحاجة
بينما حوراء فقد ثبتت عينيها عليه بصدمة وعلمت أن ذلك الرجل هو من فرق هذا الأيهم عن زوجته بطريقة شنيعة، وأيهم الذي حرك عينيه فجأة اصطدم بعينيها ونظراتها المليئة بالحزن، نظر لها للحظات قبل أن يشيح بوجهه في جمود.
تشعر بالحزن الكبير لأجله، تريد أن تنفجر في البكاء الآن ولكنها لا تستطيع، كيف يتحمل كل هذا الألم والعذاب؟ كيف يستطيع اظهار قوته وصموده وهو من الداخل محطم، مكسور القلب وجريح الروح!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي ذلك المكان كان الرجال يقفون في صف أمام ذلك الغاضب الذي يهدر بهم بانفعال وقد احمر وجهه غضبًا :
_ ازاي قدرت تهرب!! أنا مشغل معايا بهايم، مشغل عيال ملهمش لازمة
تحدث أحد الرجال مطأطأ الرأس خائفًا :
_ يا باشا والله ما طلعت من الباب دا، هي أكيد لقيت مخرج تاني من جوا
هتف به بغضب شديد :
_ والحيواان اللي كان واقف من ورا دا كان بيعمل آيـــــه؟؟
ابتلع الرجل ريقه برعب وهو يجيبه :
_ لقيناه مغمى عليه يا باشا
صرخ بغضب شديد وهو يدمر كل شئ تقع عيناه عليه ثم همس بفحيح :
_ هي كدا هتخليني اجتمع بيهم تاني، أنا كدا لازم استعد ليهم كويس، جه الوقت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد رحيل الجميع من قصر ريان، كلٌ عاد لمنزله وغرفته، وبقيَ منهم فقط أيان وليان وأيهم حتى انتهائهم من مصاب أختهما.
كانت تنام بعمق شديد بعد شعورها بالإرهاق، تنام بين ذراعيه في سلام بينما هو قد جافى النوم حفنيه، ليسهر الليل متأملًا ملامحها وحياته قبلها وبعدها، وبالكبع كان الجزء الثاني من حياته هو الأجل ويتمنى عدم انتهائه إلى الأبد.
هذه الحميلة تذهله يومًا بعد يوم، فلم يكُن يعلم أنها ماهرة في الرسم أو انها تهوى ذلك، لم يخطئ عندما لقبّها بملكة الذئب، فهي ملكة في كل شيء.
ظل شاردًا بها لوقت طويل حتى قطع ذلك صوت هاتفه ليلتقكه بسرعة حتى لا يزعج نومها محيبًا المتصل بهدوء :
_ جاي...
كلمة واحدة أنهى بها المكالمة ثم نهض من جوارها برفق بعد أن أراح رأسها على الوسادة، تحرك إلى غرفة الثياب مبدلًا ثيابه إلى بنطال وتيشيرت أسودا اللون.
خرج من القصر ليراهما يقفان ينتظرانه، ليقول بجدية شديدة ولمعت عيناه بوميض غريب إلى ذلك ذو الأعين الذهبية :
_ أنت متأكد من اللي هتعمله دا؟ أنا قادر أخليك تاخد حقك منه بعد ما أجيبه تحت رجلها ورجلك، بس عايزك أنت اللي تعمل كدا.
تحدث الآخر بنبرة قاتمة عيناه :
_ صدقني يا ريان هخليه يتمنى الموت وما يشوفه
ربت الذئب على كتفه فهو الآن ليس ريان أبدًا، فريان رغم قوته ألَا إن به جانبًا لطيفًا هادئًا يتعامل به مع عائلته، أما الذئب فتجرد من كل المشاعر إلّا القوة والشراسة، مع كبريائه وغروره الشديدان، ذلك غير ذكائه الدّاهي ومكره الخبيث، وشجاعته الشديدة.
صعدوا جميعًا إلى سيارتهم وانطلقوا إلى وجهتهم والتي كانت فيلا بيجاد الذي يوجد بها أيضًا هشام وغيث الذي كان ثائرًا غاضبّا بشكل مخيف، وناقمًا على الحنيع كذلك.
وما إن جلسوا معًا حتى تحدث غيث منفعلًا، يشعر بالغضب كونه ليس جوارها، ولأجل ما أصابها :
_ أنا مش فاهم مانعيني عنها ليه، مش كفاية محدش عرفني غير دلوقتي،أنتوا بتستهبلوا؟؟
تحدث آسر بنبرة هادئة لا تناسب انفعال الآخر :
_ اهدى يا غيث، كلها ساعات وهتشوفها، احنا مش مانعينك عنها بس كل الحكاية أنها نايمة دلوقتي.
مسح غيث على وجهه مستغفرًا ربه، فهو لم يعلم بما حدث إلّا من ساعات بعدما هاتفه هشام، كان في الإسكندرية منشغلًا بعمله وفجأة أتاه اتصال يخبره بما أصاب حبيبته، ليهرع إليها ولكن يتفاجأ بمنعهم له عنها.
يشعر بنيران تأكل جوفه، ليتحدث أيان :
_ أنا عايز أعرف كل حاجة عن المرحوم
نظر ريان إلى أيهم والذي التفت له هو الآخر، تشابهت نظراتهما وترابطت أفكارهما، ليتحدثا معًا بنبرة وكأنها خرجت من الجحيم :
_ شاذلي الرفاعي
نظر لهما الجميع بتوجس عدا بيجاد وهشام المحيطان علمًا به سابقًا، وبدأ أيهم فى سرد ما سيفعله هو به، ظن أنه قد قتله بعد ما فعله به انتقامًا لزوجته وابنه، ولا ينكر أنه تفاجأ أنه على قيد الحياة ولكن يبدو أنه أتته الفرصه لكي يقتله مجددًا، سوف يعذبه كثيرًا بدون رحمة، أو شفقة، سيذيقه من العذاب ما سيخرج عينيه من محجريهما، سيريه صورة الموت دون الحصول عليه.
أقسم بداخله على الويلات لذلك الحقير الذي سلب منه حياته ببساطة، سيأخذ حق حبيبة قلبه، وحق ابنه الذي لم يرَ الضوء، وحق كل شعور قتله في بعده عنهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت ليلة ثقيلة على ليان التي لم يتوقف عقلها عن وضعها داخل أحلام مزعجة تصنف بالكابوس، وكيان التي خزنت لأجلها قررت أن تبقى مستيقظة لأجلها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي، تجلس ليان بمفردها في بهو القصر وقد أشفقت على كيان الاي بالكاد نامت منذ شاعات قليلة بسببها، تجلس شاردة حزينة وعيناعا معلقة على باب القصر، بداخلها.. هناك داخل قلبها جزء يتضرع لحضوره، وعقلها يرفض ذلك بقسوة، ولكن
من بين أفكارها خرج متجسدًا أمامها في صورة حيّة تتحرك، يدخل من الباب بطلته الخاكفة لأنفاسها، اتسعت عينيها قليلًا تظن بأنها تتهيأ، ولكن اقترابه الشديد منها بتلك النظرات التي يحملها في عينيه أكدت لها أنه هنا.
شعرت بكفيه الدافئين يعانقان كفيها المرتجفان، إذًا هو ليس خيالًا!
همس غيث بنبرة حملت حبه وألمه لها :
_ لياني …
ترقرق الدمع بمقلتيها الزرقاء، تنظر إلى عيناه بحزن شديد وقد انهمرت دموعها تشق طريقًا على وجنتيها، ليزيل غيث دموعها بأنامله برفق وكأنه يخشى أن تجرح كفه الرجولية وجنتها الرقيقة، لينعقد حاجباه بألم وغضب شديدان وهو ينظر إلى ذلك الجرس الذي بجانب رأسها، ويده تستشعر ذلك التورم في خدها المحمر، ذلك غير جروح كفيها الصغيرة.
يقسم أنه ما كان ليفعلها الآن ولكن، كل ذلك تجمع عليه بقسوة ةفاضت مشاعره بحماية وحزن وغضب لأجلها، ليقوم بجذبها بقوة بين ذراعيه، يضمها إلى قلبه يعتذر لها عن كل ألم مرّت به ولم يكن بجانبها.
تمسكت به ليان وانفجرت في بكاء شديد بدموع ألهبت عينيها من حرارتها، ارتفع صوت بكائها مع شهقاتها المتألمة، مرر كفه على خصلاتها بينما يسمع صوتها المعاتب :
_ أنت ليه مجيتش معاهم، كنت بدور عليك بينهم، كلهم كانوا موجودين بس كنت عايزاك ومستنياك أنت، لي مجيتش يا غيث
ماذا يخبرها؟؟ أنه لم يعلم بمصابها إلّا ليلًا! زفر بقوة وتحدث بنبرة محبة :
_ ورب عيونك الحلوة ما منعني عنك غير الجهل، أنا آسف ليكِ لإني مكنتش هنا، آسف لإني كنت بعيد ولما جيت كنتِ نايمة ومقدرتش أزعج نومك
ابتعدت عنه ونظرت له بحزن :
_ تزعج نومي! غيث انا كنت مستنياك!
_ عارف، وحقك عليا، أنا هنا وهفضل جنبك على طول.
مسح على وجنتها متحدثًا بنبرة أخافتها رغمًا عنه :
_ وأوعدك إن اللي عمل كدا هيندم على اللحظة اللي اتولد فيها، وربي هوريه الجحيم على الدنيا
مرحى يا شاذلي..
أحفاد الكيلاني يتوعدون لك بالعذاب الشديد.
انتبها إلى صوت خطوات ليبتسم غيث بهدوء إلى كيان قائلًا :
_ الجميلة أخبارها إيه؟
_ الحمدلله يا غيث، جيت امتى؟
_ بالليل
أماءت له بهدوء ثم تحركتإلى ليان مقبلة وجنتها قائلة :
_ الشمس طلعت من الغرب ولا إيه؟ ليان صحيت بدري!!
ابتسمت ليان على حديثها ببهوت، ثم جلسوا معًا يتحدثون وأمرت كيان بتجهيز وجبه الفطور، وأثناء ذلك أتى ريان وبكفه حوراء التي رحبت بغيث بوجه بشوش
وخلال وقت كان القصر ممتلئ بالجميع عدا أريب التي توجهت إلى كليتها، تحدث آسر بجدسة :
_ بعد ما المدام رسمته واتأكدنا منه فتح قضيته بقي أسهل
تحدثت ليان بتساؤل :
_ يعني هو ليه قضية ومقفولة؟؟
اومأ لها آسر مجيبًا :
_ أيوا، قضايا مش قضية واحدة، قتل وتجارة بالبشر، وأعضاء دا غير تجارة السلاح والمخدرات ومع تهريب أثار، يعني عمل كل ما يخطر وما لا يخطر على بالك بس وبسبب قوته بين رجال كتير وللأسف في منهم شرطة باعوا ضميرهم كان دايمًا يقدر يقفل القضية لمجهول وينتهي الموضوع، بس دا بعينه، دا قبل ما الموضوع يوصل للمخابرات السرية وملفه وقع في إيدي، ورب الكعبة لو في بطن أمه هجيبه.
وحوراء التي شُدهت من فظاعة ما قد تصل إليه النفس البشرية من شر، تمسكت بكف ريان في خوف شديد من تلك النفوس، كيف تملك الحقد والسواد قلوبهم إلى تلك الدرجة! وفجأة أتى بعقلها قول الله تعالى..
﷽ " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (سورة البقرة: الآية 74)
وريان الذي شعر بها، مسح على ظهر كفها، ومال ناحيتها يهمس لها بحنان :
_ اهدي، متخافيش من حاجة، أنا هنا
نظرت له مبتسمة، تحمد الله على تواجده برفقتها.
وفجأة على رنين هاتف بيجاد لتقتم أعين الرجال، وتحدث ريان بهدوء وهو يترك كفها :
_ معايا شغل دلوقتي وممكن أتأخر، لو احتاجتي حاجة قولي لكيان أو حد من الخدم، بس متكلعيش برا القصر، تمام؟
وهي التي انقبض قلبها فجأة سألته :
_ هتروح فين؟
قبل رأسها ثم همس لها :
_ قولتلك شغل يا روحي، وأنا معايا إيه غير الشغل المسالم!
هل من المفترض أن تطمئن هكذا؟ حسنًا... ذلك لم يحدث.
وجه ريان حديثه فجأة إلى إياد :
_ زي ما قولتلك، افضل هنا واهتم بشؤون الشغل من هنا
_ متقلقش، كله تمام.
أجابه إياد بنبرة هادئة وكلاهما يفهم الآخر، أماء له ريان ثم نظر إلى بقية الرجال ليبدأوا بالتحرك إلى الخارج في هدوء مخيف وكل منهم داخل عينيه الكثير والكثير من الوعيد، عدا آسر الذي أخذ الأمر مهمة تخص عمله وهو من لم يفشل في مهمة أبدًا.
توقف بيجاد على نداء حوراء له، ليلتفت لها بتساؤل لتقترب منه تسأله بريبة :
_ أنتوا رايحين فين كلكم كدا؟ ولي ريان بيتكلم بالشكل دا؟
هز كتفيه يجيبها في ثبات شديد :
_ كل واحد رايح لشغله، أما ريان فهو دايمًا كدا كريقة كلامه مبهمة ومحدش بيفهمها، وأنا مش هعرفك الكلام دا أكيد يا أختي العزيزة!
أنهى خديثه بنبرة مرحة يزيل بها من داخل أي شك وريبة، وقد كان، حيث أماءت له مبتسمة بهدوء، يبدو ان احساسها خاطئ وإلّا ما كان بيجاد ليبتسم بذلك الشكل المبهج كعادته!.
خرج بيجاد ليجد ريان يطالعه بتهكم، ليبتسم له مرددًا ببرود :
_ كان بيتم استجوابي من قبل المدام، بس متقلقش، كله إلّا إفشاء سر الوطن
ضحك ساخرًا في آخر حديثه، ليقول ريان بنبرة غاضبة، ليست منه بل بسبب ما يفكر بفعله في ذلك الذي تجرأ على أحد نسائه.
تحرك الجميع بسيارتهم وخلفهم سليمان مع فريق الحرس الخاص به.
بعد وقت طويل ترجل الجميع من السيارات وكل منهم يمتلك هالة مخيفة تحيط به، كان أكثرهم أيهم الذي يشعر كل من يقترب به بالخطر ووكأن الموت يحيط به من كل اتجاه!
نظروا إلى ذلك المبنى البعيد عنهم والذي تحيط به حراسة شديدة، نظر ريان إلى غيث من أسفل نظراته السوداء مرددًا بغموض :
_ أكيد فهمت اللي قولتلك عليه.
أماء له غيث ثم صعد سيارته مجددًا وتحرك بها مبتعدًا عنهم وتبعه سيارتان من الحرس الأشداء.
ابتسم أيهم ابتسامة سوداوية مرددًا :
_ أي حد تقابلوه اقتلوه، أما أنت يا أيان افضل هنا مع كام واحد من الحرس ولو حد فكر يهرب منهم يلاقيك بالمرصاد.
كاد أيان أن يعترض، فهو لا يريد أن يبقى بعيدًا بينما يحصل غيره على متعة تعذيب ذلك الشاذلي، ولكن نظرة أيهم السوداوية له أعلمته أنه لا تراجع، كان البقية يعلمون لما فعل أيهم ذلك، فهذا هو شقيقه الصغير، وما هم مقدمين عايه ليس بالهين، وهو لن يخاطر بحيات أخاه أبدًا، أجل أيان قوي ويستطيع التخلص من الكثير ولكن لا يزال أنه يفقد خبره في تلك الأمور، خاصتًا أن من ييتعاملون منعهم رجال مدربين بشدة لن يمانعوا تفجير رأسه إن كلفهم الأمر، أو الغدر به من ظهره.
تحرك ريان والبقية معه إلى ذاك المبنى في خطًا مدروسة وخطة موضوعة مسبقًا بينهم، توجهت أيدي كل منهم إلى سلاحه، عدا ريان الذي يتحرك بكل ثقة وكفيه داخل جيبيْ بنطاله، يتجهون بأقدامهم إلى تلك المعركة الدامية التي تنتظرهم.
للمبنى أربع جهات، تولى أيهم وهشام الجهة اليمنى، وآسر بيجاد الجهة اليسرى، وغيث مع الحرس من الخلف، أما ريان فتولى الجهة الأمامية، ما تلك الثقة التي يسير بها هذا الريان!
وما إن تهادى طيفه إلى الرجال حتى أشهروا أسلختهم ناحيته، فلم يأتِهم خبر أن هناك زائر، إذًا هذا الكيف غير مرحب به، ولبعد المسافة بينهم لا زالت ملاح الكيف غير واضحة لهم.
وما إن اقترب منهم أكثر واتضحت معالم وجهه لهم وعرفوا هويته، رأيه الذي يرتفع كالطاووس، ابتسامته السوداوية المخيفة، وكريقة سيره التي تدل على ثقته اللا متناهية، أرسلت الرعب إلى قلوبهم
هم أكثر من عشرين رجل، وهو بمفرده!
هم مدجيين بالأسلحة، أما هو فكفيه داخل جيبيْ بنطاله بكل بساطة!
اهتزت نفوسهم برعب، فهم رغم عملهم الذي لا يمت للخير بصلة، كان اسم الذئب يتردد بين كبار تلك الأعمال الغير قانونية كثيرًا، يتحدثون عن قوته ودهائه، والأسوأ انتقامه، رغم أنه رجل أعمال نزيه، ليس له علاقة بتلك الأعمال الشنيعة، إلّا أن محاولة الكثير في التعاقد معه حول ذلك واستغلال نظافة سجله في أعمالهم، وطريقته المخيفة التي يتصدى بها لهم، جعلت اسمه يتداول بين الألسنة وفي أخطر المناقشات.
هم على علم بالذئب، وببطشه أشد علمًا.
وقف الذئب أمام أحدهم وخلع سترته وبقي بتيشيرته فقط، ناوله للرجل الذي التقطه منه بعدم فهم، ليأتيه حديث ريان بنبرة محذرة :
_ حياتك قصاد نظافته
ونظر للمجاور له وخلع نظارته قائلًا :
_ نفس الشيء، حافظ عليها تحافظ على حياتك.
ثم التفت إلى الرجال الذين رغم رهبتهم منه إلّا أنهم حاصره، لقد وصلهم أمر بأن يتخلصوا منه، وغرتهم كثرتهم وأسلحتهم بالغلبة عايه وهو بمفرده دون سلاح، ما فرصة فوزه عليهم؟ صفر.
ابتسامة ساخرة مخيفة ارتسمت على شفتيه، لمعت عيناه بوميض مخيف وفجأة تحول هذا البشري إلى آلة قتل مخيفة، استعمل منهم دروعًا بشرية يصد بها عنه تلك الرصاصات، وما إن تنتهي صلاحية الجسد يأخذ الآخر بكل برود، ويتحرك به يقتلهم بسلاحهم، هتزت أعينهم وهم يشاهدون تغلبه على أغلبهم في لمح البصر، منهم من يسقط صريعًا ومنهم من يتلقى ضربة في مكان هو أعلم به تسقطه في حالة شلل بأعين شاخصة، تقهقروا إلى الخلف بذعر
لم يتبقى منهم سوى الرجلان الممسكان بسترته ونظارته، ولكن الأخير ملأه الغضب على زملائه ليقول بكسر النظارة أسفل نظرات ريان التي تحهمت ملامحه وكأنه مس أحد ابنائه، ركض الرجل ناحيته يوجه له لكمة قوية أمسكها ريان ببساطة، نظر إلى أعين الرجل بغضب مرددًا :
_ الغباء دايمًا بيقتل صحابه
وما إن انتهى من حديثه حتى هشم عظام ذراع الرجل الذي أطلق صرخة مدوية، وما كاد يستوعب ألم ذراعه حتى شعر بعظام قدمه تكسر وحسده يسقط أرضًا، وصراخه الذي أصاب ريان بالإزعاج جعله يقوم بكسر رقبته ينهي كل ذلك.
الغبي، إن بقيَ محافظًا عليها بين يديه لكان تركه حيًا!
توجه إلى ذلك الرجل الذي كان ما يزال ممسكًا بسترته بين يديه، عيناه شاخصة ووجه شاحب كالموتى وهو يراقب سقوط زملائه زاحدًا ظون الآخر بوحشية، ارتحف بدنه ما إن وقف أمامه وظن أنه ميت لا محالة، ولكن كل ما وحده من ريان هو ابتسامة باردة وهو يأخذ سترته منه،ثم ربت على كتفه قائلًا :
_ شكلك بتفهم
ثم تركه في صدمته التي تكاد تقتله وتحرك داخل المبنى ولكن ما لبث حتى عاد وجهه الذي بات يمثل للرجل كابوسًا يظهر له وهو يسأله بنبرة مخيفة :
_ هو غلط لما كسر النظارة صح؟
طالعه الرجل بذعر وأيقن بداخله أن هذا ليس سوى مختل عقلي، بينما أماء ريان مرددًا ببساطة :
_ عارف، علشان كدا قتلته
ثم دلف إلى المبنى ببرود شديد، ليسقك الرجل أرضًا وشعر بخدر في جسده من هول ما رآه، كيف.. كيف لرجل واحد أن يفعل ذلك، يقسم أنه لو قص الأمر على أخدهم لضحك عليه ملئ شدقيه ناعتًا له بالجنون، فبىغم كثرتهم عليه لم يستطع أحد توجيه لكمه واحدة له وهذا سيصيبه بالجنون حتمًا.
كان أيهم وهشام قد انتهوا من الرجال الذين فى الجهة اليمنى وكذلك آسر وبيجاد، وكانوا قد انتهوا من الرجال بدون أن يصابوا بضربة واحدة، جميعهم لا يُستهان بهم أبدًا، دلفوا هم أيضًا إلى داخل المبنى كلٌ من حهته وتقابلوا في المنتصف.
وقد وصلهم صوت آسر المغتاظ من بيجاد :
_ علشان نبقى على نور، لو هنتفرق لفرق تاني فأنا مش عايز البارد دا معايا
سأله هشام بهدوء وهو يحرك ذراعه زكأنها تشنجت من ذلك المجهود، فقد كانوا كثر وعنيدين بشكل أثار غضبه :
_ عمل إيه؟
ليصيح آسر بغيظ :
_ دا كان بدل ما يخلص عليهم بسرعة علشان نخلص، فضل يقف مع كل واحد شوية يتكلم معته عن حياة البرزخ وازاي هيبعته ليها، ويشرحله السبب اللي هيموت علشانه
نظرا إلى بيجاد الذي أجابه بنبرة شديدة البرودة يتميز به :
_ الله، مش أفهمه أنا هقتله ليه! ولا يموت من غير ما يعرف السبب، إيه القسوة دي!
_ قسوة فعلًا، ازاي تطلب منه كدا يا آسر!
تحدث غيث ساخرًا، ليأتيهم صوت أيهم بنبرة مخيفة زكأن أكثرهم ملامح سوداوية :
_ كلمة كمان وهخلص عليكم
صمت ثلاثتهم ليقول بيجاد بسرعة :
_ فين ريان؟؟
نظرا إلى بعضهم قبل أن يركضوا جميعًا وبيجاد يصرخ بصوت مرتفع ليصل إلى ريان الذي سبقهم للداخل :
_ والله لو قتلته لوحدك هزعلك يا ريان
توقفوا في ممر مظلم بين حثث رجال تخلص منهم ريان والذي كان يطالع بيجاد بسخرية وقد وصله حديثه، هيأته في الظلام وتلك الدماء تغطي ذراعيه وبعضًا من وجهه تجعله كوحش مرعب.
ابتسم له بيجاد ببلاهة مرددًا :
_ بهزر، اقتله براحتك يا ذئب
تجاهله ريان وتقدمهم إلى داخل تلك الغرفة الواسعة والفارغة من كل شيء عدا مبتغاهم ولكن...
كان يجلس على مقعد بكل أريحية وبجانبه يقف شخص لم يتوقع أحد وجوده أبدًا، حتى الذئب وقد شلت الصدمة أجسادهم للحظات.
تحدث شاذلي بنبرة ساخرة :
_ كنت مستنيك بس مش هخبي وهقولك إني متوقعتش توصل بالسرعة دي، مكدبش اللي لقبك بالذئب، بس عارف دا على مين؟؟
_ على أمك
قالها هشام بنبرة بجمود رغم انشغال عقله بكيف أتى بها وماذا سيفعلون الآن؟
رمقه شاذلي بغضب، لطالما هشام كان الأكثر ثقلًا في حضوره على من يُعادي من يُخصه، خاصتًا صديقيه، لعود شاذلي بنظره إلى ريان يسأله ببسمة مستفزة :
_ بس قولي، إيه رأيك في مفاجأتي؟ حلوة مش كدا؟
كان ريان يقف أمامه وعيناه مثبته على تلك التى تفف بجانبه ولمع الخوف بعينبه لأول مرة لأجلها، هو ليس مستعدًا لخسارتها، بالكاد أمس كان يقارن بين حياته قبلها وبعدها ووجد أن ليس له حياة قبلها بالأساس، ورعم ذلك تحكم به غضب جحيمي أثارته هيأتها فبالتأكيد هو من فعل بها هذا!.
خرجت همسة من بيجاد حملت صدمته التي أوقفت عقله للحظات :
_ حـوراء!!!
تعالت ضحكات شاذلي بقوة وهو يشهدهم بتلك الحالة، وريان اظداد لهيب صدره وهو ينظر إلى زوجته التي تقف جوار شاذلي الذي نهض ووجه فوه سلاحه إلى رأسها، يضع شريط لاصق قوي على فمها ويكبلها بقسوة بحبل قاسٍ على جسدها والأسوأ... خصلاتها، كنزه مكشوف أمام الجميع، بنسدل بسواده الليلي على طول ظهرها حتى لامس أطرافه الأرض.
أما عينيها، كانت تطالعانه بخوف وءعر شديدان، يشعر أن عقله توقف عن العمل.
وأيهم كان يمُر بذكريات سيئة، ليس بذات الطريقة ولكن بالتأكيد هو ذات الشعور الذي يتملك ريان الآن، شعوره بأبن روحه تخرج بعذاب من جسده دون استطاعته أن يفعل شيء.
تحدث شاذلي ضاحكًـا :
_ للحق، مكنتش أتوقع انها حلوة كدا، كله حكاية وشعرها حكاية تانية، أنوثة أنوثة يعني ومفيش كلام
الحقير، هل يخوض حديثًا بذيئًا في زوجته وأمامه؟ قتمت عيناه بشر كبير، إن كان سيتركه لأيهم حتى يأخذ قصاص زوجته، تغير ذلك الآن ولن ينحر رقبة هذا الخنزير سواه.
بينما اندفع آسر يوجه سلاحهه ناحبة ذلك الشاذلي يتحدث بقوة :
_ أنت كدا كدا ميت، فيستحسن تسيبها وإلّا هتشوف الأسوأ من الموت
ألصق شاذلي فوه السلاح بجانب رأيها قائلًا :
_ طالما كدا كدا ميت، أخليه يعيش في سواد زي ابن عمه
خرج صوت أبهم هادرًا مزلزلًا جدران المكان وبداخله شعور مُر حارق :
_ والله لو أذيتها لهحرقك حي
الجمبع يوجه أسلحتهم ناحيته، ولكن لا يستطيعون فعل شبء بسبب ذلك السلاح الموجه إلى رأسها.
بينما ريان كان بنظر لها بدقة، وجهها شعرها و... عيناها المترقرقة بالدموع!
وفجأة تحدث شاذلي ببسمة قاسية وكأنه يستمتع بحرق أفئدة أحفاد الكيلاني على أحبتهم :
_ ادعيلها بالرحمة يا ذئب
ها هو يكرر نفس فعلته الشنيعة مع الحفيد الأكبر، ويعيد ذكريات ذلك اليوم في ذاكرته الحفيد الثامي بشكل قاسٍ، وضع اصبعه على الزناد وبدون تردد كان يطلقق الرصاصة لتفجر رأسها أمام أعينهم التي شخصت وشحبت وجوههم بشدة.
خرجت صرخة قوية من بيجاد جزعًا :
_ حــــوراء
ومع سقوط جثتها أرضًا المضجرة بدماء حياتها، انطلق رصاصة من سلاح أيهم تخترق قدم شاذلي تسقطه أرضًا، لن يقتله... ليس الآن.
وبعدها انطلقت رصاصتين من سلاح هشام يتقران في كتفيه، وتولى آسر التصويب على قدمه الأخرى، لقد شلّوا أطرافه وهو يصرخ متلوًا من الألم الحارق.
حل الصمت عليهم سوى من صرخاته، كانت أنفاس بيجاد ثقيلة وأعين غيث متسعة وآسر وهشام يقفان على رأس شاذلي يشعرون بالقهر، لقد تمكن من أذية صديقهم بشكل شنيع، حتى لو قتلوه، سيبقوا هم الخاسرين!
أما أيهم فكان قد غرق في سواد ذكرياته وعيناه تلمع بانعكاس تلك الدماء، وليس ليس دماء زوجة ابن عمه، بل دماء بسمته.
أما هو.. يقف بكل ثبات يطالعها فقط!
لم يكُن من المفترض أن ينتهي الأمر بهذه الطريقة أبدًا!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عذرًا على التأخير.
والسَّلام.
مِـنَّــــة جِبريـل.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية الطبيب العاشق) اسم الرواية