Ads by Google X

رواية الطبيب العاشق (2) الفصل الاول 1 - بقلم منة جبريل

الصفحة الرئيسية

  رواية الطبيب العاشق (2) كاملة بقلم منة جبريل عبر مدونة دليل الروايات 

رواية الطبيب العاشق (2) الفصل الاول 1

 البـارت الأول
                                    
                                          
وقد تنطقُ الأشياءُ وهي صوامتٌ..



والصلاة والسلام على نبينا المجاهد الشديد



استمتعوا^_^



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



جلس على الفراش يجذبها لتتوسد صدره مرددًا بحنان ‌: 



_ ابكي ياحوراء



وما إن نطق بهذه الكلمات حتى انفجرت في البكاء وهي تقبض على قميصه بقوة، زاد من احتضانه لها مع ازدياد بكائها لتمتلئ هو عينيه بالدموع وهو يحاول التماسك بكل قوته



ظلت تنتحب بشدة وأمور كثيرة تمر أمام عينيها لتفطر قلبها أكثر... 



أمها..ابتسامتها.. صوتها.. حنانها.. دفئها.. خوفها عليهم..اشتاقت لها وبشده تتمنى فقط رؤيتها أز عناق واحد فقط يجمعها بأمها



أبيها.. قسوته.. جفاءه.. كرهه.. بغضه.. من كان من المفترض أن يكون سندها ويحميها من أي شر وأذى هو من أخذها للأذى بنفسه، باعها لرجل سيطر عليه شيطانه وأصبح وليّ للشيطان.. تتذكر كيف كانت تناديه حتى لا يتركها ولكنه لم ينظر لها من الأساس كان كل ما يشغله تلك الاموال التي جناها من ورائها. 



أخيها.. حنانه.. طيبته.. قوته.. مرحه.. كان وسيكون ونعم الأخ لها دفئ حضنه الذي يشعرها بأنه ما زال هناك أمان في هذه الحياة.. ابتسامته التي تنير درب حياتها.. هو أخيها وأبيها وصديقها وابنها وحبيبها.. هو الأول فى كل شئ.. 



أختها الكبرى.. ابتسامتها.. حكمتها.. سعادتها.. حزنها.. هي من شاركتها كل شئ حتى مرضها كانتا دائمًا تجلسان معًا لا يبتعدان عن بعضهما إلّا وقت النوم أو وقت الصلاة وكانت وستكون نِعم الأخت لها. 



أختها الصغرى.. شقاوتها.. حدتها.. جرأتها.. كل شيء بها يختلف عنهم.. هي مميزة من بينهم.. من قوة شخصيتها وصلابتها وحدتها.. نظرة عينيها الكفيلة بإسكات أي شخص يفكر بالتفوه معها بكلمة واحدة قد لا تنال إعجابها. 



وأخيرا وختامه مسكٌ، منقذها.. معالجها.. مساندها.. قوتها.. شجاعتها.. زوجها.. حبيبها.. ريانها.. صفات كثيرة تذكر أقلّها يمتلكها ذلك الذي أصبحت تعشقه من صميم قلبها، تنفر من اليوم الذي لا يجمعها به، تشعر وكأن روحها وعقلها وقلبها معه هو، هي تحضر معهم بجسدها أما بروحها معه، فهو من امتلكها بمهارته وعشقه لها وحنانه معها 



اشتاقت له، فهذا الأسبوع الثالث بدونه، بدون أن ترى نظرته التي تنبعث منها العشق لها، ابتسامته الحنونة.. لمساته الرقيقة.. صوته.. وآهٍ من صوته الذي لم ولن تسمع بحه رجوليه رائعة وجذابة مثله.



ظلت تبكي وتبكي حتى اختفى صوتها واحمرت وجنتيها وأنفها وعينيها أيضًا... 



ابعدها إياد وهتف بقلق وصوت متحشرج ‌: 



_ بس ياحوراء اهدي كفاية يا أميرتي 



نظرت له حوراء وهتفت بصوت مبحوح يكاد يسمع ‌: 

 
                
_ مش قادرة اتخطى يا إياد، حاسة إن روحي خسرتها في اليوم اللي خسرتها فيه، ماما وحشتني أوي



شعر بغصة في قلبه، مهما فعل وحاول بالتأكيد لن يعوض شقيقاته أو نفسه حتى عن غياب والدتهم، التي أتى يوم يحمل تاريخ رحيلها عنهم، كان تاريخًا بريئًا من الحزن الذي يحدث فيه ولكن كانت مشيئة الله أن يجعله تاربخًا بحمل فيه ذكربات سوداء على هذه العائلة، مرة في فقدان والدتهم والمرة الثانية ابتعاد حوراء عن عائلتها بسبب والدها وقد صادف ذات التاريخ. 



رُبما الشيء الوحيد الذي يواسي هذا التاريخ بأنه ليس له ذنب وأنه مجرد يوم تتصادف فيه الأقدار بحُلوها ومرها، أنه وكما اجتمع به الكثير من الألم، اجتمع به أيضًا بداية لسعادة وحب كبيران مع اجتماعها بريان. 



لم تكن التواريخ والأرقام جالبة للحظ أو سالبة إياه، تلك ليست سوى أيام، وما بها هو مصير الشخص، فليس من الشجاعة والإيمان أن تعلق مصيرك على أرقام وليالي ونهار، إنهم مجرد وقت مُسَخرين ومُطيعين أكثر منك أيها البشري. 



مسح إياد على رأسها يقول بصوت خرج مختنقًا رغمًا عنه ‌: 



_ حقك عليا من كل حاجة، أنا آسف ليكِ عن الدنيا دي كلها، وآسف لآية وأريب وعن كل اللي شوفتوه وأنتم متستحقوش غير كل سلام وخير، ممكن وقتها خسرنا أمي بس هي هتفضل حيّة جوانا ليوم وفاتنا، حيّة بذكرى طيبة وروح بتمدنا بالأمل، في كل ذكرى ليها بيكون يوم بجدد فيه عهد الحفاظ عليكم وإني أهتم بيكم زي ما كانت هتهتم بيكم لو كانت هنا



تحدثت بنبرة مبحزحة خرجت مع دموعها ‌: 



_ لو ربنا كتب لينا النجاة في الدنيا فهو كتبها فيك يا إياد، شخص الدنيا أبدًا ما هتكرره، وأبدًا ما هيكون فيه زيه، لأنك إياد واحد بس أخو خوراء وآية وأريب وبس، أنا بحبك أوي وربي اللي يعلم بدرجة حبي وتمسكي بيك لإني أنا نفسي معرفش هي وصلت لأي مرحلة لأنها فاقت كل المراحل اللي عرفها البشر، ربي يديمك لينا ويحفظك لأجلنا. 



_ ويديمكم ليا يا أميرتي، ارتاحي، أنا هنا علشانك، علشان أميراتي. 



أراحت رأسها على صدره، لقد تزاحمت كل المشاعر عليها، فقد الحزن والخذلان والحُب والشوق، كانت مشاعر لا بمكن أن تجتمع معًا ولكن هي حنلت تلك المشاعر بسبب عدة أشخاص في حياتها وللأسف، لم يكونوا أشخاصًا ثانويين. 



ذلك الزوج الذي اشتاقته كثيرًا للأسف هو ليس هنا خاصتًا في هذا اليوم، لقد سافر منذ ما يقارب الشهر لأجل عمل ولا تستطيع التواصل معه سوى عن طريق بعض الرسائل التي تحمل حبه وشوقه لها ولكن من دون صوته! 



لتبيت الليلة صاحبة بداية يوم ذو تاريخ بائس عليهم، برفقة اخوتها، نامت آية وأريب، وبقيَت هي مع أخيها تشاركه ألمها وفجعتها. 



احتضنها إياد وظل يهدئها حتى وجد اهتزاز جسدها يتوقف لينظر لها ليراها قد نامت، ليبتسم بحزن فهي هكذا دائمًا، تبكي بشدة ثم تنام، ظلت وستظل طفلة تهرب من حزنها بالنوم




        
          
                
عدل من وضعيتها على الفراش بحذر ثم دثرها بالغطاء جيدًا وقبل رأسها بحنان ومسح هو تلك الدمعة التي فرت من عينيه وخرج متوجها إلى غرفته.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



بعد رحيله وبعد انتصاف ساعة الليل، انزعج من تكرار رنين هاتفه والذي الذي لم يكد يكمل ساعتين نائمًا، نظر لهاتفه وأجاب بصوت خامل قبل أن يستمع لصوت الآخر ليتنهد ونهض عن فراشه خارجًا من الغرفة، تحرك ناحية باب الفيلا يفتحه ليقابله جسده، زوج شقيقته. 



" أنت نا صدقت سفري ورجعتها لعندك، انسى يا خبيبي مراتي في وجودي أو غيابي هي مراتي وهتفضل في بيتها، زمنك خلص



تنهد إياد ولم تكن لديه القدرة على المشاغبة مع الآخر الذي كان رغم حديثه ينتظر بفارغ الصبر رؤيتها، عاد لقصره ليجده خاليًا إلّا من شقيقته والتي أخبرته أنها الليلة فقط ذهبت للبقاء مع اخوتها، هل اختارت الليلة التي سيعود بها صدفة أم ماذا؟ 



_ اهدى على نفسك هي في أوضتها، وبعدين زمن إياد في حياة أميراته أبدًا ما يخلص



همهم ريان وتحرك بلهفة ناحية الدرج ليوقفه صوت إياد الجاد ‌: 



_ ريان …



التفت له برأيه بفراغ صبر، يود الذهاب لها ورؤيتها، ليقول إياد ما جعل قلبه يتألم ويسب عمله وكل شيء أبعده عنها في مثل هكذا يوم ‌: 



_ الليلة ذكرى وفاة والدتي، وللأسف نفس اليوم اللي عبد القادر أخدها فيه مني، يعني مش أحسن حاجة، فاهم؟ 



صمت ريان قليلًا قبل أن يعود إلى إياد وبدون حديث كان يعانقه بطريقة فاجأت إياد وأذهلته حتى أخذ وقتًا ليستوعب ما فعله، هو ودود معه ولكن لم يصل الأمر إلى عناق كهذا! 



لم يأخذ وقتًا طويلًا حتى بادله العناق كان في حاجته، يمد شقيقاته بالطاقة وينسى نفسه، الآن فقط شعر بغصة في حلقه وحرقة في عينيه وضعف يغزو جسده، هل ينهار الآن؟ أيفعلها بين ذراعي زوج شقيقته؟ 



لم يكن بيده الاختيار أو الثبات أمام عناقق ريان القوي له، يؤازره ويواسيه بدون كلمات بعلم أن لا فائدة لها في هكذا فاجعة، فقد الأم كان ولا زال الكارثة التي حلّت على رأيه ولم يستطع تخطيها إلى الآن، ولكن ها هو يجد الفرصة ليواسي بها شخص مثله، فقد والدته... وللأسف زوجته منهم. 



ظل محتضنًا له لمدة طويلة أفرغ فيها إياد شحناته السلبية وبعضًا من دموع عينيه، والكثير والكثير من التنهيدات الحارة التي كانت تملأ صدره. 



ابتعد إياد عنه وقال بصوت مختنق مبتسمًا بحزن ولم تخرج منه سوى كلمة حمل في نبرته بها الكثير ‌: 



_ شكرًا



ربّت ريان على كتفه قائلًا ‌: 



_ متتعودش على كدا، كتفي لمراتي بس




        
          
                
ضحك إياد بيأس عليه وهز رأسه موافقًا ثم اصطحبه إلى الأعلى وتركه أمام غرفتها وتوجه هو إلى غرفته ويبدو أن النوم الذي حصل عليه بصعوبة قبل ساعات سيحصل عليه سريعًا هذه المرة كون الثقل شاركه مع شخص آخر، دائمًا ما تهون الأمور الثقال وقت مشاركتها. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



نظر لها حيث تتوسط الفراش غافية والحزن بادٍ على ملامحها النائمة، اقترب منها وتسطح خلفها يجذبها إلى صدره في عناق دافئ يتمنى أن يصل لها داخل عقلها، يهمس لها جوار أذنها وكفه تمسح على خصلاتها الحبيبة على قلبه ‌: 



_ أول مرة أحس إني جيت في الوقت الصح تمامًا، مكنتش هسامح نفسي لو عدى اليوم دا عليكِ وأنا مش جنبك، بس أنا هنا، وهفضل دايمًا علشانك هنا، وأوعدك إن كل شيء هيكون بخير. 



ويبدو أن صوته الحنون ودفئ جسده وصلا إلى عقلها بالفعل، لتتململ ثم تستدير في نومتها تضع رأسها على صدره هامسة من بين نومها ‌: 



_ ريان …



_ قلبه وروحه، ريان هنا دايمًا علشانك يا فاتنة ريان



لم تجيبه، كانت تمتمة لاسمه وقت نومها وهو لم يكن بحاجة لأن تتحدث بل اكتفى بضمها له يقبل رأسها كل لحظة وأخرى يعبر عن اشتياقه لها، وهي في غفوتها وجدت راحتها لتنعم بنوم هانئ. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



في صباح هذه الليلة، تشارك الأخوة تجهيز الفطور ولم تذهب إحداهما لأختهما بعدما أعلمهما إياد أن زوجها برفقتها وقد عاد ليلًا. 



تحدثت أريب ببسمة مشرقة تزيح بها غمام الخزن التي تحيط بهم ‌: 



_ كويس أنه جه، كانت زعلانة وقرفانا أنه طول في سفره



_ اتلمي طيب وخلي كبايات العصير قدام كل كرسي، يلا



قالها إياد مبتسمًا لتفعل ما قاله بسؤعة بينما آية تضحك عليها، لتقول أريب بغيظ منها وهي تترك ما بيدها ‌: 



_ على فكرة مش مجبرة، أنا مش هعمل حاجة والاستاذة دي بتضحك عليا



ضحك إياد على غيظها واقترب منها مقبلًا جبهتها يقول بحنان ‌: 



_ حقك يا أميرتي، اقعدي جنبها وأنا هجهز كل حاجة، حقك عليا



زمت شفتيها تطالعه بعدم رضا، ليعقد حاجبيه قائلًا ‌‌: 



_ حقك عليا والله خلاص متعمليش حاجة



احتضنته فجأة وهي تقول بصوت مختنق تجاهد رغبتها في البكاء أو الاستسلام لحزنها منذ الليلة الماضية ‌:



_ وأنت كمان مش مجبر يا إياد ورغم كدا بتعمل كل حاجة علشانّا، مش عارفة من غيرك حياتي كانت هتبقى ازاي، افضل دايمًا معايا بالله عليك، والله ما هقدر من غيرك




        
          
                
وتلك الجالسة نهضت وقد زرفت عيناها عبراتها تضمه هي الأخرى قائلة ‌: 



_ رغم أنها بتقول كلام كتير ملهوش لازمة بس هي المرة دي معاها حق، احنا ولا حاجة ولا هنقدر نكون حاجة من غيرك يا إياد، كنت ليا الأب الحامي والأم المراعية والأخ المساند والصديق المغيث، عملت لنا حاجات لو فضلنا عمرنا كله بنحاول نسدد منها مش هنقدر، شكرًا ليك ولكل لحظة ابتسمت فيها في وشنا في وقت غلطنا وعرفتنا الصح وعلمتنا من غير ما تجرحنا، شكرًا لأنك بتراعي كل حرف وخطوة بتعملها حفاظًا علينا، ربنا يديمك لينا يا أحن وأجمل أخ في الدنيا



وذلك الأخ الذي شعر بتصخم قلبه حبًا وامتنانًا لتواجدهن حوله، حمد الله كثيرًا لأنهن يحببنه، ضمهما لصدره يقول بنبرة دافئة حنونة اعتادت قلوبهن على امتصاصها منه ليشعرن بالسعادة ‌: 



_ لو حد قالي إني هصحى على الدلال والجمال دا كله كنت نمت بدري أوي علشان الليل يعدي، وبعدين أنا بعمل كل حاجة علشاني يا أميرة منك ليها، يعني أنا اللي عايز أشوف ضحكتكم وفرحكم وأنا اللي عايزكم تحبوني وأنا اللي عايز وجودكم معايا، والراجل لما يعوز حاجة بيعمل علشانها أي حاجة، يعني أنا لا بتجمل ولا أي حاجة عليكم بالعكس أنا شخص استغلالي جدًا ليكم، هو حد ربنا يكرمه بالإناث المدللات ويتجبر عليهم؟ دا يبقى جاحد والله



ضحكتا عليه بينما هو سارع في إعطاء كل منهما قبلة على جبينها ليأتيهما صوت الثالثة التي قالت بانزعاج مزيف ‌:



_ إيه دا؟ لا يلا بينا يا ريان دا إياد نسيني خلاص



نظر لها ليجدها تقف جوار زوجها تطالعهم ببسمة واسعة ووجه مشرق، يبدو أن أثر ريان ذو مفعول سريع وقوي، أشار لها وكانت أسرع ملبيّة يعرفها التاريخ وهي تضع نفسها وسط هذا العناق الأخوي الدافئ، بينما عقد ريان ذراعيه يراقبها بأعين مبتسمة. 



ضمها له إياد قائلًا ‌:



_ أنسى روحي ازاي، نفَسي أريب وعمري آية وروحي حوراء، قوليلي أقدر أنسى واحدة منكم ازاي؟؟



قبل رأسها ثم أكمل بأكثر جدية وحنانًا، يراعي عواطفهن في هكذا يوم فقدن فيه المصدر الأول للحنان ‌: 



_ صدقوني يا أميراتي لو في حد لازم يكون ممتن فهو أنا، والله أنا بحمد ربي على رزقي بيكم، وكل اللي بعمله دا حقكم واللي أنا وللأسف مقصر فيه



قاطعه ثلاثتهن بقولهن السريع والمعترض على نا بتهم به نفسه باطلًا، فإن كان هناك من أدى الامانة حقها فهو إياد، فتحدث أولهن آية باعتراض : 



_ لا مش مقصر، وعمرك ما كنت، متقولش كدا تاني



_ أيوا لو سمحت متقولش كدا تاني علشان هزعل



_ وأنا كأريب هزعل وزعلي وحش وبيكلف كتير ها



ضحك عليهن وضحكن فور رؤية ابتسامته، ليقاطعهم ريان بقوله ‌: 




        
          
                
_ وبعد استئذان العواطف الجياشة، أنا عايز مراتي



دفعتها له أريب بخفة قائلة ‌: 



_ عرفنا أنها مراتك، خدها أهي



ضحكت حوراء بينما سارعت أريب في العودة لها وعناقها، ثم جلسوا حول مائدة الطعام ومعهم ريان مجبرًا بسبب زوجته، لم يتأخر حيث نهض مرددًا ‌: 



_ مضطر أمشي علشان كيان لوحدها، يلا يا روحي



ودّعت حوراء أشقائها ورحلت برفقته وأخذت برفقتها آية كون إياد سيذهب لعمله وأريب لدراستها، كان سيلغي أمر ذهابه للعمل ولكن ما إن وجدهن سيكملن يومهن بشكل طبيعي لم يعترض، بل كان أكثر من مرحب وهو يتمنى أن يتخطو هذا الحزن، وقد كان سابقًا يبقى برفقتهم اليوم بأكمله يغدقهن بحنان أكثر وأكثر ويمصي اليوم عليهم ويكون قد صنع فيه الكثير لسماع ضحكاتهن ورؤية سعادتهن فيَسعد. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



دلف للقصر تاركًا كف زوجته رغمًا عنه كونها تجاور شقيقتها، ابتسم وهو يستمع لصوتها العالي والسعيد ثم جسدها الذي يركض صوبه، فتح ذراعيه يضمها في عناق قوي يهمس لها ‌: 



_ كياني وروحي كله، وحشتيني



_ وأنت وحشتني أوي يا أبيه



قالتها بصوت باكٍ كونها لم تعتاد على الابتعاد عنه مدة طويلة، وإن فعل وغاب عنها يكون دومًا على تواصل معها عبر مكالمة تحمل صوته وصورته لها، وإن شعر بأن بعده سيطول كان يرسل لها طائرته الخاصة تأتِ بها له تقضي معه أيام سفره وكان يراعيها رغم انشغاله في العمل. 



ولكن هذه المرة كانت غريبة وتتمتى عدم تكرارها، أن ينشغل لدرجة أنه يرسل رسائلًا فقط بين الحين والآخر لهو أمر مخزن لقلبها الذي اعتاد قربه، وكان هو أكثر من يشعر بها. 



ضمها كثيرًا ودللها بكلماته أكثر، ثم غمزها بعينه قائلًا ‌: 



_ ليكِ هدايا عندي ترضيكِ



رمقته لنظرات فضولية منتظرة، ليضحك عليها ورفع هاتفه يقول بيننا عيناه الرمادية المختلكة بخطوط خضراء تطالع زرقاويها بحب ‌: 



_ ابعت الحاجات يا سليمان



أنهى المكالمة ولحظات حتى دخل سبع رجال يحملن الكثير والكثير من الحقائب والصناديق المغلفة، تركوها أيضًا وقد فصلوا بعضها عن بعض، أتى بالعاملات وأشار لهن على الموضوعات على الجانب الأيمن ‌: 



_ طلعوهم للجناح، ومفيش داعي أقول إن آخركم الجناح



أمأن له بصمت وتحركن يفعلن ما قال، بينما أشار للبقية قائلًا ‌: 



_ طلعوهم لأوضة الهانم كيان



نظرت للعاملات وهن يحملن الحقائب والهدايا لأعلى ليضحك ريان على فضولها قائلًا ‌: 




        
          
                
_ روحي شوفيهم وتعالي قوليلي، لو مش عجبتك حاجة اختاري أعوضك عنها ازاي



صرخت كيان بحماس وقبلته على وجنته ثم ركضت إلى الأعلى لترَ ما أحضره لها أخاها من هدايا، أما تلك التي حملتها العاملات للجناح الهاص به كانت لزوجته. 



نظر ريان إلى زوجته التي اندمجت في الحديث مع بيجاد وبسمة واسعة على شفتيها جعلته يقلب عينيه ثم جدح بيجاد بنظرات قاتمة جعلت الآخر يضحك ببلاهة قائلًا ‌: 



_ مش يلا ولا وإيه يا أتش، أنا جيت معاك علشان كوكو كانت لوحدها غير كدا فأنا مكنتش هتأخر عن شغلي وأنت دلوقتي معطلني، يلا اتحرك يا كسول



رمقه هشام بسخرية قبل أن ينظر إلى حوراء وآية وحياهما برأسه بصمت ثم غادر رفقة بيجاد وتبعهم ريان بأن أن قال لزوجته ‌: 



_ هخلص شوية شغل وهرجع، لو عوزتي حاجة قوليلي



أماءت له بطاعة رغم نظراتها التي كانت تصرخ باشتياقها له وأنها اكتفت من انشغاله بالعمل، ولكن صمتت كونه حتى إن بقيَ ستنشغل هي عنه بالبقاء رفقة أختها. 



وما إن خرج ريان وجد هشام بنتظره أمام سيارته وبقي معه بيجاد، نظر له متعجبًا من عدم تحركهما ليحرك بيجاد كتفيه بعدم معرفة للسبب وأنه بقيَ ليعلم خوفًا من أن يكون هناك مشكلة مع أحدهما، ولكن مع تعجب ريان علم أن المشكلة مع هشام. 



_ خير؟ فيه إيه؟ 



نظرا ناحية هشام الذي سأله بهدوء ‌: 



_ كنت عايز أعرف لو في حاجة مع أخت المدام، يعني كان باين انها تعبانة وعيونها كـ... 



توقف عن الحديث وهو يدرك ما بتفوه به بل وما انشغل به، وجد نظراتهما الخبيثة تعلقت عليه وهذه المرة لا يلومهما، هو الغبي الأحمق هنا.



مال بيجاد على السيارة يتابع بتسلية بينما عقد ريان ذراعيه مرددًا ‌: 



_ ها كمل، وعيونها مالها؟ مشتاقة؟؟ 



سأله ساخرًا ليضحك بيجاد بينما رمقهما هشام بغيظ قبل أن يقول بغضب من نفسه قبلهما يتحرك لسيارته بينما يرَ نفسه تنجرف خلف هذا الطريق ‌: 



_ ظريف أوي، اتحركوا ورانا شغل، أنا اللي غلطان أساسًا



أوقفه ريان بقوله الهادئ وهو يتصنع اللامبالاة بينما يتجه لسيارته : 



_ براحتك، فكرت أنه ممكن تكون عايز تعرف فيه إيه النهاردة يخليها زعلانة بالشكل دا



توقف هشام ونظر ناحيته بدون حديث، ليغمزه ريان قائلًا ‌: 



_ لو ما اعترفش لسانك كل حاجة تانية فيك بتعترف يا ابن العامري، ومش ريان الذئب اللي تخفى عنه حالتك أنت أو البغل التاني دا، عمومًا النهاردة ذكرى وفاة والدتها، معلومة يعني مش أكتر لا سمح الله بما انك بعني والعياذ بالله مش مهتم والحاجات دي




        
          
                
تعالت ضحكات بيجاد مع وصول سبة من هشام لهما ثم تحركه بالسيارة مغادرًا تبعه كلاهمت ناحية العمل، وريان بعقد في نفسه أنه لن يأخذ وقتًا كثيرًا حتى يعود ويبقى جوارها. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



كان يومًا رغم ما له من ذكريات ألَا إنه جميلًا، ها هو يحمل ذكريات جميلة تزاحم على تلك الحزينة، لم يمكث ريان طويلًا في عمله وعاد للبقاء رفقتها وقد فاجأها بإعداد نزهة للعائلة جميعها معًا، هي اخوتها وهو وشقيقته ومعهما بيجاد وهشام، كانت نزهة جعلتهم يستطيعون التنفس من بين حزن قلوبهم على المفقود، ولم يكن أي مفقود، بل كانت الأم. 



وبينما يجلسون معًا في نادي، كانت آية تجلس جوار أخيها تضحك على مشاغبات كيان مع بيجاد وتتفاجأ أحيانًا من مزاحه الثقيل معها وهو يجذبها بقوة أسفل ذراعه، ثم تعود للضحك ما إن يعنفه هشام وريان بحدة يذكروه أنها ليست أحد أصدقائه في الجيش. 



وقفت تستأذن فور أن رن هاتفها برقم صديقة لم تتواصل معها منذ فترة، تحدثت معها أسفل نظرات إياد الحامية من مكانه، في ذلك الوقت كان هشام نهض يحضر بعض المشروبات لهم، ليتوقف وهو يستمع لبعض الشباب المراهقين يتغزلون بها دون دراية منها، بدت هيأتهم أنهم ما زالوا يدرسون ورُبما في الكلية ويحملون من الطيش ما يحمله أي فتى مراهق يجرب نزعته وفطرة انجذابه للجنس الآخر لأول مرة وبشكل قوي. 



وها هو يحدث حيث تحرك أحدهم ناحيتها يستأذنها في الحديث وهي التي توترت في البداية ما إن سمعت صوت رجل غريب من خلفها، ابتسمت ببشاطة وهي تراه مجرد فتى، آذنها بقوله ‌: 



_ آسف على الإزعاج بس أنا حبيت أقولك حاجة لو تسمحيلي



_ اتفضل



أكمل يتملقها في الحديث وهو يخرج شيئًا من جيب بنطاله : 



_ صادفتها النهاردة في محل وشدتني من جمالها، رغم إن مليش صديقة أهديها ليها بس اشتريتها، ودلوقتي عرفت إن النصيب كان هيجمعني باللي أجمل منها علشان كدا جهزني للقياكِ، لو ممكن تقبليها مني 



نظرت إلى ما في يده لتجدها سوار لامع جميل الشكل وبراق، نظرت إلى الفتى متحدثة ببسمة صغيرة وقد أخجلها بتملقه ‌: 



_ شكرًا لك ولكن... 



وقبل أن تكمل حديثها تحدث الفتى مُصرًا على أخذ هديته، وعلى مقربة منها يقف هشام عاقدًا ذراعيه أمام صدره يطالع الأمر مستنكرًا، تلك الفتاة لا تجب الرجال البالغين فقط! 



رفع حاجبه وهو يراها تأخذها منه بوجنتين متوردة تزامنًا مع وقوف إياد جوارها يطالع الفتى بنظرات متفحصة، حسنًا ويبدو أن الفتى ارك توضيح الأمر إلى آية بعد أن تركها هاربًا وكأنه حبيبًا تم امساكه متلبسًا وهو يتغزل بمحبوبته من قبل والدها. 




        
          
                
ضحكت آية وأظهرت السوار إلى إياد تخبره بالأمر ليقلب إياد عينيه وأخذها عائدًا إلى الطاولة مرددًا بحنق ‌: 



_ أبعد نظري عنك دقيقة ألاقي واحد بيحاول يطبقك، إيه الغلب اللي أنا فيه دا 



ضحكت مجددًا برقة تحت نظرات هشام الذي حرك بصره على وجهها ثم إلى ذلك الفتى الذي يراقبها عن بعد وكأنه حقًا أعجب بها! 



مرّ اليوم على أكمل وجه، مبهجًا وسغيدًا ويحمل ذكريات دافئة، وفي اليوم التالي بعد انتصاف الشمس للسماء، تسير بعد انتهاء دوامها إلى الخارج لتتنهد ما إن أحاط بها رجال الحرس يرافقونها حتى السيارة، تأففت بضيق وما كادت تتحدث حتى توقفت على صوت يصيبها بالازعاج ‌: 



_ إيه الصدف البشعة دي؟ 



التفتت له وأفسح لها رجال الحرس مسافة للرؤية، وضعت بسنة باردة على شفتيها تجيبه بنبرة أشد برودة ‌! 



_ مش أشبع من طلّتك والله



خلع نظارته لتظهر زيتونتيه التي تواجه عيناها البُنية في نظرات حادة، يقول ساخرًا وهو يشير إلى نفسه بغرور ‌: 



_ طلّتي! وهو في أبهى من طلّتي يا قصيرة أنتِ؟ 



أماءت له قائلة بسخرية ‌: 



_ آه، حلاوة خطوتك وأنت بتبعد عني، يلا يا سكر مش فضيالك



_ مش عيب يا قصيرة تتكلمي مع من يكبرك عمرًا وطولًا بالشكل دا! 



_ عيب لما تكون أمي، غير كدا هقولك كلمة تزعلك والله



تحركت ناحية السيارة وهي تستمع إلة حديثه الذي قررت تجاهله، بالأساس تشعر بصداع في الرأس وليست في مزاج له حقًا، لا الآن ولا لاحقًا ‌: 



_ وماله يا بنت عبد القادر، لولا أخوكِ وأن بقى في شيء يربطك بصاحبي ريان كنت علمتك ازاي تتكلمي معايا



وتلك الكلمات المستفزة جعلتها تنظر له من نافذة السيارة مرددة بتهكم ‌: 



_ تعلمني أتكلم معاك بتاع إيه؟ أنت مين أصلًا علشان اتكلم معاك، يلا يا أستاذ عدنان خلينا نمشي بلا قرف



راقب رحيل السيارة وهو يردد باستنكار مغتاظًا منها ‌: 



_ قرف!! وماله، ماشي. 



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 



كانت قد استأذنت أخاها الذي في عمله أنها ستسير قليلًا دون أن تبتعد عن محيط المنزل



وبصعوبة وافق بعد أن أخبرته أن رجل من رجال الحرس سيكون على بعد منها لحمايتها، رغم أنها لا تعلم مماذا تحديدًا! 



لم يحب يومًا فكرة الحرس ورجال غرباء يحاوطون شقيقتيه بزعم الحراسة، هو حارسهم وحاميهم منذ البداية ولكن تلك الأمور التي قصّها عليه ريان وبعض المخاطر التي تعرضت لها شقيقته أثناء عمله أو ابتعاده عنها أجبرته على الموافقة قلقًا عليهما خاصتًا أنه أضحى ينشغل لوقت أكثر في العمل



وبينما تسير آية على جانب الطريق تستمع بمداعبة النسيم لوجهها، فزعت فجأة على أثر قطة قفزت أمامها فجأة جعلت صرخة خفيفة تخرج منها وهي تبتعد عن جانب الطريق 



ضحكت على ما أصابها من رعب وهي تنظر إلى القطة وقررت أن تعود إلى جانب الطريق حتى تتجنب أمورًا أسوأ، ولكن يبدو أن ذلك الأمر الأسوأ قد حدث بالفعل، حيث اقتربت منها سيارة بسرعة كبيرة يبدو أن سائقها فقط تحكمه بها. 



اتسعت عينيها بذعر تلبس جسدها حتى ثبتت قدميها بمكانها، أغمضت عينيها برعب مع شعورها بألم مروّع ينتشر بجسدها الذي تلقى اصطدام السيارة أولًا ثم الأرض التي استقرت عليها فاقدة وعيها!. 



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



مرحبًا بِكُم داخل المغامرة من جديد، هل لا زلت علة استعدادك؟. 



يُستحسن أن يكون كذلك؛ لأنها رحلة طويلــة.






والسَّلام. 
مِـنَّــــة جِبريـل.  




        



google-playkhamsatmostaqltradent