رواية حتى اقتل بسمة تمردك (2) الفصل التاسع عشر 19 - بقلم مريم غريب
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
******************************
عندما عاد"عز الدين"إلي المنزل بساعة متأخرة من الليل كما إعتاد أن يفعل مؤخرا ، إصطنعت"داليا"النوم و أرادت أن تهرب من مواجهته هذه المرة ، فيما أيقنت أن النوم سيجافيها خلال تلك الساعات الطويلة التعسة ، رغم أن إرهاقا مميتا بدأ يزحف علي جسدها ، تاركا ذهنها و عواطفها فقط مستيقظة يلهبها الآلم بسياطه ، و خلال صراعها هذا سمعت"عز الدين"يتحرك بالفراش ، فحبست أنفاسها متسائلة ، هل ما زال مستيقظا ؟
و تمتت من كل قلبها أن يتمتم أو يتكلم عبر الظلام فتستمد من ذلك راحة ، لكنه لم يفعل ، و عبست ثانية ..
من المؤكد أن تلك أقسي أنواع الوحدة ، فهي وحيدة منذ مدة طويلة .. و أخيرا هدها التعب فغطت في نوم عميق حتي إستيقظت فجأة من كابوس مزعج بعد عدة ساعات و هي تشعر بإنها لم تنم سوي لدقائق ، فإنتصبت نصف جالسة علي الفراش ، و رأت الستائر لا تزال مسدلة رغم أن ثمة أصوات آتية من الخارج مما يوحي ببدء نهار جديد ..
ثم أخيرا أدركت أنها وحدها ، فنظرت إلي ساعة التنبيه التي وضعت فوق طاولة صغيرة قرب الفراش ، فوجدت أنها الرابعة ، فظنت أنها متوقفة و وضعتها علي أذنها ، فوجدتها منتظمة لم تتوقف ، فنهضت من فراشها و ألقت نظرة علي فراش طفلها ، لتجده خاليا ، و أدركت مرة أخري أن خلو الغرفة لم يكن وليد خيالها ، فإرتعدت قلقة علي إبنها و تساءلت .. أين هو ؟؟
و لم تمر ثانية أخري و دلفت شقيقتها إلي الغرفة صائحة:
-ايه يا داليا هتفضلي نايمة كده لحد امتي ؟؟
تجاهلت"داليا"سؤال شقيقتها ، و عوضا عليه سألتها هالعة:
-هو عدنان فين ؟؟
فأجابتها"ياسمين"في هدوء:
-تحت مع باباه.
أراحتها تلك الإجابة كثيرا ، فتنفست الصعداء ، ثم عادت تسألها ذاهلة:
-معقول ! عدنان مع عز الدين !!
قهقهت"ياسمين"بخفة قائلة:
-اه لو تشوفيهم مع بعض تحت ، عز الدين بتاعك ده قاعد بقلاطة كالعادة بيشرب الشاي و بيقرا الجرايد ، و عدنان قاعد قصاده سااااكت لا صوت و لا حركة ، مش بيتشاقي ، مش بيعيط ، مش زهقان قاعد في منتهي الهدوء ، انا حقيقي استغربت.
ثم أضافت باسمة:
-شكله بيحب ابوه اوي.
إبتسمت"داليا"مؤيده شقيقتها ، ثم قالت:
-كتير بحس انهم شبه بعض اوي شكلا و موضوعا .. و اد ايه انا مبسوطة بكده.
-طيب يا ستي ممكن بقي تفوقيلي شوية ؟ المفروض انهاردة خطوبتي يعني و انتي اختي المفروض بردو تبقي جنبي.
ضحكت"داليا"عاليا ، ثم قالت في لطف:
-ماشي يا حبيبتي ، روحي علي اوضتك و استنيني دقايق و هكون قدامك.
***************************
علي الطرف الأخر ..
عندما إستعادت"عبير"وعيها ، كانت مستلقية بحرية فوق فراش"خالد"الوثير الذي باتت تشاركه إياه منذ عدة أسابيع ..
تذكرت أخر أحداث اليوم الماضي ، ثم تحركت قليلا فلاحظت أن آلامها خفت إلي حدا ما ، و أن جسدها شبه العاري مرتاح بعض الشيء ، فرفعت نفسها قليلا لتنظر بإرجاء الغرفة ، فدهشت حين رأت الشمس بدأت تغيب ، بينما دلف"خالد"إلي الغرفة في تلك اللحظة دون سابق إنذار !
فرفعت الغطاء القطني بسرعة فوق صدرها ، و أحمر وجهها خجلا عندما تبادر إلي ذهنها فورا أنه هو الذي خلع عنها ثيابها ، فيما وقف قربها و سألها بإهتمام:
-عاملة ايه ؟ حاسة بتحسن ؟؟
أومأت"عبير"رأسها قائلة بعد أن أشاحت بوجهها عنه في حياء:
-اه .. حاسة بتحسن كبير .. شكرا ، بس هو ايه اللي حصل بالظبط ؟؟
تنحنح"خالد"ثم جلس إلي جانبها علي حافة الفراش ، و أجابها و هو ينظر بعمق إلي عينيها:
-انتي اغم عليكي .. فجبتلك الدكتور و كشف عليكي و ..
-و ايه !!
سألته مترقبة ، فصمت لثوان ، و أجابها بشجاعة:
-انتي حامل يا عبير.
نظرت إليه"عبير"و هي لا تصدق أذنيها ، بينما رمش مضطربا ، ثم أضاف:
-الدكتور بيقول انك مش لازم تتحركي من السرير خالص ، لازمك راحة تامة.
أشاحت"عبير"بوجهها عنه ، ثم قالت في وجوم:
-طب و خطوبة عمر ! مش هاروح يعني ؟؟
لم يرفع نظره عنها ، بل قال بنبرة جادة لا تقبل النقاش:
-مش هاتروحي لأي مكان ، انا هاروح اعمل الواجب و هارجع بسرعة مش هتأخر.
ضغطت"عبير"علي شفتيها ، ثم قالت:
-طيب لو سمحت ابقي خد آية معاك عشان تساعد الناس اللي هناك.
-و مين ياخد باله منك !!
ردد مستنكرا ، فأجابت متأففة:
-انا مش بحتاج حاجات كتير و انا قاعدة لوحدي ، هي ممكن تغديني و خلاص ، بس لازم تاخدها معاك.
بدت مصره علي رأيها ، فعبس قائلا:
-طيب .. بس تاخدي بالك من نفسك و ماتقوميش من السرير خالص ، و لو عوزتي اي حاجة اتصلي بيا و انا هاجيلك فورا.
رمقته"عبير"في تشكك قائلة:
-ماشي !!
****************************
في المساء ..
بعد أن إنتهت"داليا"من نفسها و من شقيقتها ، أخذتها إلي الأسفل ، إلي حيث كان البقية ينتظرون بقاعة المنزل المترف ..
كان"عز الدين"بحلته السوداء رائعا كالعادة ، بدا رزينا و متحفظا كعادته أيضا ، كما بدا"عمر"أكثر نضجا و متصابيا قليلا في ردائه المؤلف من سروال أسود ، و قميص أبيض تحكمه من الأعلي ربطة عنق سوداء أخذت كناية عن لون الفستان الذي إرتدته"ياسمين" ...
توجه الجميع إلي قاعة الطعام و أخذوا أماكنهم ، بينما راحت"داليا"تتآمل جمال القاعة التي زينت بذوق رفيع ، و خاصة تلك السجادة التارتان الكبيرة ، و فروع الإضاءة الكثيرة ..
كانت تجلس بين"عز الدين"و شقيقتها ، و طوال فترة الطعام كانت تحس وجوده بكل جزء من كيانها ، و مرارا إنجذبت عيناها إلي محياه الوسيم و إستقرتا عليه لا إراديا ، كانت ترتدي الأسود أيضا مع وشاح من الحرير الأحمر يظهر عنقها البض و كتفيها ، أما شعرها الكثيف ، فقد سرحته بحيث بدا كغيمة كستنائية تموج حول وجهها و كتفيها و تنسكب خصلات منه علي وجنتيها ..
جاذبيتها تلك الليلة لم تغب عن"عز الدين"و إنعكس إعجابه بها في آلق عينيه حين إستقرتا علي قوامها الأهيف ، إنما لم يعبر عنه بأي كلام ، بينما تمنت في حرقة لو يفعل !
"خالد"من جهته أطري جاذبيتها علنا ، لكن كلماته لم تبلسم قلبها المجروح ، فهي لم تكن تريد إطراءً إلا من زوجها .. :
-فين عبير يا خالد ؟ ما جاتش معاك ليه ؟؟
قال"عز الدين"تلك الجملة متسائلا ، فصمت"خالد"للحظات ثم أجابه:
-اصلها تعبانة شوية .. انا حتي مش هطول في القاعدة معاكوا للاسف عشان متأخرش عليها.
-تعبانة ازاي يعني ؟ مالها يا خالد ؟؟
سأله"عز الدين"عابسا ، فهدئه"خالد"قائلا:
-هي كويسة خالص ، بس .. هي حامل.
ساد صمت مطبق علي الجميع للحظات ، فقطعته"داليا"مهنئة لتتوالي التهنئات تباعا من جميع أفراد الأسرة الصغيرة ، فشكرهم"خالد"بإبتسامة ودودة ، ثم توجهوا جميعا بعد العشاء إلي قاعة الجلوس مجددا و تناولوا القهوة إلي أحد الطاولات المتوسطة ، بينما نهض"عمر"متجها إلي الستريو و أدار بعض الموسيقي الخافتة و الحالمة ، ثم عاد ليقف أمام"ياسمين"ثم مد يده لها ، فمنحته إبتسامة رقيقة ، و أعطته يدها ، فجذبها إليه حتي وقفت في مواجته مباشرة ، ثم أخرج من جيبه تلك العلبة السوداء المخملية و فتحها ، ثم راح يضع قطعتي الذهب بأصابع"ياسمين"التي وضعت بإصبعه خاتمه الفضي بدورها ..
فتعالي صوت التصفيق من حولهما وسط هتافات التهنئة الحارة ، بينما طبع"عمر"قبلتين علي أيدي"ياسمين"ثم وضع يد حول خصرها و آمسك يدها بالأخري و طلب منها مراقصته ..
و رغم جهل"ياسمين بالرقص ، قبلت طلبه ، فوجدت نفسها تدور راقصة بين ذراعي"عمر"فراحت تتبع خطواته الخبيرة و هي تقهقه فرحة ، فيما شدد"عمر"قبضته علي خصرها و هو يطوحها معه أمام جمهور المشاهدين حولهما ..
ثم فجأة ، و من دون سابق إنذار ، سقطت"ياسمين"مغشيا عليها ..
****************************
علي الطرف الأخر ..
تسللت"آية"بخطي خفيفة إلي الطابق العلوي ، ثم إلي غرفة"داليا"و هي تتلفت حولها يمنة و يسرة ..
دلفت إلي الغرفة مسرعة ، ثم إتجهت نحو فراش الصبي النائم في هدوء ، و بخفة يد ، أخذته من مهده بين ذراعيها فتثاءب الصغير بأحضانها ، و سكن مرة أخري ، فإندفعت تعدو به إلي الخارج في إحتراس ، ثم هبطت الدرج بخطوات هادئة ، و لحسن حظها كان هناك ضجيج بقاعة الجلوس ، مما جعلها تأخذ طريقها دون خوف إلي خارج المنزل ثم إلي خارج القصر بأكمله و هي مطمئنة إلي أن طاقم الحرس كله متواجد بقاعة المطبخ الأن لتناول العشاء المفتخر الذي أقامه سيد القصر الليلة علي شرف شقيقه الصغير ..
إنتبهت"آية"إلي بوق تلك السيارة التي وقفت علي بعد أربعة أمتار منها ، فأسرعت إليها و أسلمت الطفل إلي إمرأة جلست بالمقعد الخلفي قائلة:
-اول ما توصلي هناك هتلاقيها نايمة تحت تأثير المخدر اللي حطيتهولها في الاكل .. انتي عارفة هتفوقيها ازاي ، و عارفة كمان هتعملي ايه بعد كده ، خدي المفتاح اهو.
ثم أعطتها نسخة عن مفتاح خاص بها ، و تركتها مهرولة في إتجاه القصر مجددا ... !!!!
يتبع ...
- يتبع الفصل التالي اضغط على (حتى اقتل بسمة تمردك) اسم الرواية