رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2 الفصل الحادي عشر 11 - بقلم قوت القلوب
الفصل الحادي عشر « حيرة قلب ..!! »
إشتقت لقلبي القديم ، قلب لا يشغله حيرة الحاضر ، إشتقت لكوني شخص مسالم لا أبغض ولا أكره وأيضًا لا أحب ، لم أكن مدركًا أن للحب ضعف وإستكانة حتى وإن كنت صامتًا ، فبداخلي صراع للبوح والثرثرة والصمت بآن واحد ، حيرة مشاعر وحيرة قلوب لكن للصمت حديث أبلغ من الكلام ومهما حاولت إخفاء ما يصرخ به قلبي إلا أنه يسلك طريقه للظهور مجبرًا وليس مخيرًا ...
❈-❈-❈ــ
مقر غرفة العمليات ...
حادث "عمر" بالفعل كان صدمة فارقة بنفوس هؤلاء الأقوياء ، لكن ذلك لن يمنع من إكمال واجبهم عن عملهم ، فتفانيهم به هو ما يمنع تكرار مثل تلك الحوادث ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
ثورة دماء هذا الجَسور على ما أصاب زميله زاده من الشعور بالتحدي بداخله ، فليس "معتصم دويدار" من تُلوى ذِراعه ، ولن يتنازل أو يتهاون عن إثبات تورط هذا المدعو "أحمد علام" أحد رموز الدولة السياسية بهذا التشكيل الإرهابي الذى يعمل على إغتيال قادة لهم وزنهم وقوتهم بالدولة ، فيبدو أن هذا مخطط حقير لزعزعة الأمن والإنتقام من الشرفاء اللذين يمنعون أى تجاوزات فوق القانون ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
لكن برغم ذلك الإنفعال الذي يشعر به إلا أن "معتصم" كان ثابتًا غير عابئ بشكل كبير ، كيف إستطاع التعامل مع الأمر بهذا الثبات الإنفعالي البالغ ، حتى حزنه لم يُظهره بالمرة ، بل إنصب تركيزه على العمل وبدقة متناهية ...
بتركيز تام أخذ أفراد المجموعة يعملون بصمت وهدوء فهناك من يعمل على تحليل الأصوات وآخرون يسجلون محادثات بين بعض أفراد التشكيل ، بينما كانت "عهد" تخترق حساباتهم وهواتفهم بدقة ومهارة ، أخذت تُراقب أحد أخطر أعضاء هذا التشكيل وتتابع تحركاته وإتصالاته أولًا بأول ...
أخذت "عائشة" تتابع بغير مهنية كل تحركات "معتصم" إلى أن فاهت به حتى ظهر على ثغرها المنفلت وعيناها الهائمتان ، فقد تناست تمامًا وجودها وعملها بحضور هذا القسورة أمامها ...
رفعت "عهد" جذعها بإجهاد لتقع عيناها على تلك الحالمة بهيام بـ"معتصم" الذى خلع سترته ليقف منصتًا لأحد التسجيلات الصوتية واضعًا سماعة الأذن الكبيرة فوق أذنيه ...
مالت "عهد" بوجهها بتهكم وقد عقدت أنفها بقوة ناظرة نحو "عائشة" بنظرات تكاد تخترقها وتهتف بها بداخلها ...
- ( بتبصي على إيه جَاك عَمىَ في عينك ) ..
لكنها تماسكت لوهلة وهي تخصها بالحديث اللاذع رغم إبتسامتها المزيفة حتى لا تلفت النظر لهم ...
- بصي في ورقتك يا شاطرة ، أحسن ما يسقطوكِ ولا تطلعي بملحق ..
رمقتها "عائشة" بنظرة مستنكرة ..
- عايزة إيه !!!
رفعت "عهد" حاجبها بتهديد لتردف بنبرة خافتة ...
- عينك لا أخزقهالك وساعتها شوفي مين حيبصلك وإنتِ عورة بعين واحدة ، لو خايفة على عنيكِ الحلوين دول ، نزليهم في حضنك ومشوفش وشك مرفوع لفوق ، أحسن شكلك بتبصي لفوق أوي ...
أنهت عبارتها بحزم أخاف "عائشة" لكنها مازالت تدافع عن نفسها وتحاول إقتناص فرصتها لتردف بذات النبرة المنخفضة ..
- وإنتِ مالك ؟؟! كان يخصك ؟؟!!!!!
ربما سؤالها الإستنكاري كانت بوقت آخر ستتهرب من إجابته أو تنفي ذلك ، حتى بداخل نفسها ترفض التصريح بذلك ، لكنها رغم ذلك لن تتركه لها الآن ، حتى برغم أن مسألة "معتصم" تلك تسبب لها حيرة تامة ...
مدت كفها بخشونة تسحب مقدمة كنزة "عائشة" بين قبضتها لتتسع مقلتيها العسليتان بصورة أثارت الفزع بنفس "عائشة" لتهمس من بين أسنانها ...
- يخصني ، ومالكيش فيه ، لو خايفة على نفسك مشوفش وشك إترفع فوق ، فاهمة ...
أومأت "عائشة" عدة مرات بتخوف لتنكس رأسها تجاه الحاسوب أمامها دون أن ترفع بصرها مرة أخرى تجاه "معتصم" ، بينما تمتمت "عهد" بتذمر ...
-( مش فاهمة أنا بيتلزقوا فيه كدة ليه ، الصفراء مرة والباردة دي مرة والله أعلم مين تاني )
رفعت عيناها تجاه هذا الوسيم الذى أطاح بكل ثوابت حياتها بلحظة رؤياه فقط لتكمل في نفسها إعجابًا به ..
-( ما هم عندهم حق برضه ) ...
نهرت نفسها بصمت في ذات اللحظة لتعود لجهازها تتبع مصدر معلوماتها دون أن تدع وجوده يؤثر على عملها ، لتزداد إنتباهًا بوجود محادثة جديدة لتبدأ تدقيقها وتجسسها عليها لمعرفة فحواها ...
دقائق قليلة حتى إنتهت تلك المحادثة وإستطاعت "عهد" للوصول لمبتغاها ، جهزت معلوماتها وأغلقت حاسوبها بقفل رقمها السري فهي غير معتادة على أن تعطي الأمان لسواها حتى لو كانوا زملائها بنفس العمل ...
تقدمت نحو "معتصم" المنشغل بالإستماع لتقف على مقربة منه ، لاحظ "معتصم" وجودها ليلتفت نحو تلك التي شتتت إنتباهه بحضورها ، فحتى صمتها حديث ، إستقام بوقفته وهو يزيح السماعات عن أذنيه منتبهًا لها ...
- أيوه يا "عهد" ...
تلبية ندائها الذي لم تتفوه به كان أكثر من مُرضي لنفسها ، أرادت لو أن تلتفت نحو "عائشة" تكيدها بأنها هي فقط من تستحوذ على إنتباهه ، لكنها جنبت كل تلك المشاعر الهرمونية المتضاربة ، فقد أصبحت شخصية مضطربة للغاية بحضوره ...
سحبت شهيقًا طويلًا ثم أردفت بصوت خفيض ...
- فيه جديد ...
إنتبه "معتصم" بذكاء ليمد يده تجاهها فلا داعي للحديث الذي ربما سيجذب الإنتباه ، وكسيمفونية عزف مشترك فهمته "عهد" على الفور لتمد يدها بأحد الأوراق دون حديث ، تطلع "معتصم" بإقتضاب تجاه المحادثة المطبوعة وتحديد "عهد" لعناصرها الهامة بها لينظر نحوها بحديث عيونهم الصامت ...
-( لا داعي لإخبار أحد بالأمر في الوقت الحالي)
بإيمائة كادت تكون غير ملاحظة من الأساس تجاوبت معه "عهد" ...
-( بالطبع ، لا تقلق ) ..
مزق "معتصم" الأوراق حتى لا يستطيع سواهما بالحصول على تلك المعلومات حفاظًا على السرية في الوقت الحالي ، إستدارت "عهد" لتعود لمقعدها حين لاحظت عبث "عائشة" بحاسوبها لتبتسم بتهكم على تلك محدودة التفكير فهي لا تدرك عمن تتعامل ، فهي "عهد مسعود" التى لم تأمن لأحدهم قط ، فكيف تسقط بخطأ كهذا وتترك حاسوبها لكل من سولت له نفسه على التطفل ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
جلست "عهد" ولم تنحي عيناها عن تلك المخادعة فهي لا تثق بها بالمرة ، ولن تنخدع بنعومتها ولطافتها كالبقية ..
أنصت الجميع لـ"معتصم" الذى أعطاهم أوامر مبهمة فقط للإستعداد ...
- عندنا مداهمة قريب ، الكل لازم يستعد في أي لحظة ، بدون تحديد زمان ومكان ...
- معاك يا قائد ...
هنا فقط لم تكن معلومات المداهمة حاضرة سوى له ولها فقط ، كقوقعة أغلقت أصدافها على لؤلؤتهم الغالية لا يدرك سواهما مكنوناتها ...
كلاهما يدرك أن وقت المداهمة هو يوم الجمعة المقبل لإنقاذ حياة وزير الطاقة من براثن هؤلاء المجرمين والقبض عليهم ، فبعد تلك الرسائل الموجهة والتى فكت "عهد" شفرتها أصبحت المعلومات واضحة ويسيرة بين أيديهم ، لكن الآن السرية مطلوبة حتى لا تفشل المهم ويخسران حياة هذا الرجل ...
بدأ "معتصم" إتخاذ بعض التدابير الأمنية الإحترازية تحسبًا لأى خلل قبل موعد المداهمة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت محفوظ الأسمر ...
لكل شخص خطيئة ، حتى الأنقياء خطيئتهم هي ظنهم بأن الجميع مثلهم ، هذا النقاء الذى يهلكهم ويزيد من أذيتهم وهم يظنون أنهم لن يلاقوا الأذى فهم أصحاب القلوب الصافية ...
فزعها من أن يكون "عاطف" مازال يحوم حولها ، يدنو منها ويبتعد ، يرسل لها رسائل تحذيرية تخشاها ، جعلها ترتعد خوفًا ، لكن ترى هل كل ما تشعر به الآن سببه هذا الفزع لنفسها الهشة ...
جلست "وعد" برفق على أحد المقاعد بغرفة "محب" بشقة والديه ، تلك الغرفة التى كانت تمر بها لمجرد لحظات من قبل ، ها هي ستصبح غرفتها الجديدة بعد أن قرر "محب" بقائها هنا بعد ما أصابها ...
بعيون فارغة تمامًا تطلعت "وعد" نحو الأمام لتزيد من ألم "محب" الذى جلس إلى جوارها يتحدث دون رد منها ، فصدمتها لم تفقدها بصرها فقط ، بل وسمعها أيضًا ، فمنذ هذه اللحظة هي بعالم آخر لن تشعر ولن تسمع ما يحدث حولها ، لقد إنسلت من عالمهم البغيض لتبقى بعالم نقي كانت تحلم به ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
تلمس "محب" كفها بحنو ليدنيه نحو شفتيه يقبله بندم وتألم لما وصلت إليه ...
- حقك عليا ، لو أعرف بس طريقة ترجعي بيها زي الأول ، أنا عارف إن الموضوع صعب ، لكن أكيد مش مستحيل ، عارف إنك مش سمعاني ، بس أنا جنبك لحد ما الدكتورة النفسية بتاعة ماما تلاقي طريقة تعالجك بيها ، مش حسيبك أبدًا يا "وعد" ...
تحسست "وعد" بكفها الآخر حتى وصلت لوجه "محب" قائله بإدراك ...
- "محب" ، هو إيه إللي حصل ليا ؟؟! أنا ليه مش شايفاك ؟؟!! إنت ليه ساكت أوي كدة ؟!!
كلماتها كانت كالخناجر تغرس بقلبه لتُعقد ملامحه بتأثر منكسًا رأسه بتحسر ...
- مش قادر أستحمل أشوفك كدة ، والله ما قادر ...
أنصتت "وعد" للحظات لتعيد تساؤلها المؤلم لنفسه ...
- "محب" ، ما تتكلم ، ساكت ليه ؟!!
لم يقدر "محب" على التحمل ليسرع تاركًا إياها بالغرفة بمفردها ليخرج منها بقلب متألم ، خرج نحو الصالة الخارجية بخطوات متعجلة ومازال ملامح التأثر تغلبه لكن سرعان ما تبدل رد فعله لآخر جامد للغاية دون ذرة تأثر واحدة قائلًا ...
- دخلتي "زين" مع البنات ...؟!!
أومأت "عتاب" بخفة ...
- أه ، بس بقولك إيه ، بكرة تجيب لهم خدامة تخدمهم ، أنا مش ناقصة ...
بتملل من فرض سيطرتها طوال الوقت ...
- طيب يا "عتاب" ، ما خلصناها الحكاية دي ، مش كل شوية تقولي ...
نظرت "عتاب" نحوه بشك ...
- "محب" !!! إوعي تكون صعبت عليك !!!!! إحنا لازم نكمل ، تعب أبونا كله معاها ...
بإستهزاء تام من طريقتها الماكرة ...
- طب وحتعملي إيه يا أختي بعد ما بقت لا بتسمع ولا بتشوف .. !!!
رفعت "عتاب" حاجبها بلا مبالاة ...
- وحتى لو ماتت ، أنا لازم أوصل ، وإنت لازم تساعدني ، دي فلوسي ، حلالي اللي أخدته على الجاهز ...
أوضح لها "محب" بنبرة محذرة من غدرها ...
- فلوسنـــــــــا ، فاهمة فلوسنــــــــــا ...
لوت "عتاب" فمها بإستياء من تدقيق "محب" معها كلمة بكلمة ..
- أه طبعًا أومال إيه ، ما أنا أقصد فلوسنا أكيد ...
ربت ساخرًا فوق كتفها بنوع من التحذير ...
- كويس إنك واخده بالك ، انا نازل المعرض ورايا شغل ، عينك على "وعد" و "زين" عقبال ما أرجع ...
تمتمت بتذمر ...
- حيجرى لهم إيه ، ما هم متلقحين جوه ...
إكتفى "محب" بحديثه معها لهذا الحد ليغادر البيت متجهًا للمعرض مبتعدًا عن كل تلك الأجواء المشحونة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
فيلا الأيوبي ...
توارت "شجن" عن الأعين لتخفي الملف الذي أعطاه لها "أيوب" بغرفتها ، أخذت تبحث عن موضع آمن له لكنها خشيت أن يدلف أحد غرفتها أثناء عدم تواجدها به ويجده لهذا تفدق إلي ذهنها فكرة جيدة ، بحثت بداخل خزانة ملابسها عن تلك الحقيبة المصنوعة من القماش ، وضعت بها الأوراق بالفعل ومعها هاتفها المغلق وهويتها ونقودها أيضًا لتشعر بالإطمئنان لوجودهم معها ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أخذت تتسلل دون أن ينتبه لها أحد لتخرج من الفيلا متجهة نحو مرآب السيارة بالخارج وبعد أن إطمئنت أن لا أحد لاحظ وجودها أخفت الحقيبة القماشية أسفل المقعد الأمامي للسيارة فهذا المكان لا يمكن يظن أحدهم أنها قد خبأتها به ، خرجت مرة أخرى نحو الحديقة لتقابل "رحيم" و"أم محمد" وولدها كعادتهم اليومية ...
شعرت بالسكينة حين لم تجد أيًا منهم قد ظهر بعد ثم توالى قدومهم لتبدأ جلستهم بإحتساء الشاي قبل بدأ أعمالهم بداخل البيت وخارجه ...
لم يكن "رحيم" مبتسمًا مبتهجًا كعادته بل كان متوجم يطالع "شجن" بأعين متشككة فتصرفاتها غاية في الغرابة ، كيف لفتاة جميلة مثلها أن تترك أهلها بتلك السهولة لتعيش بمنزل رجل غريب ، كيف يسمحون لها بذلك ؟! ، والأغرب والذي يثير ريبته هو ماذا تدبر في الخفاء لهذا الرجل الوحيد الثري ، لابد وأنها تستغل ذلك لمصلحتها بالتأكيد خاصة عندما رآها اليوم تخرج بملف غريب وإتجهت متسللة نحو غرفتها ....
رغم تأنقها بشكل ملفت للنظر لإثارة إعجاب هذا الصامت كمحاولة منها لتخرجه عن خجله المتكرر إلا أن ظنها بأن وجوده للعمل هنا ليس بمحض الصدفة ، بل إنه ربما يكون الجاسوس لأقارب "أيوب" ...
كلاهما يعبث بهما الظنون ، لكن ما ظهر من أفعالهم تظهر غير ذلك ، فقد إقتربت "شجن" قائله بشقاوة ...
- شكلكوا شربتوا الشاي من غيري ، صح ؟؟ أنا مش مسامحة على فكرة ...
دعتها "أم محمد" بكرمها الريفي الزائد ...
- والله ما يحصل ، مستنيينك بأحلى كوباية شاي يا ست "شچن" ...
جلست "شجن" تسترق النظر بخفة نحو هذا الصامت لتستفزه بالحديث ...
- بس شكل الأستاذ "رحيم" مش عاوز يشرب الشاي معايا ...؟!!
إضطرب "رحيم" وهو يجيبها بصدق يدفع عن نفسه هذا الإتهام ...
- لا والله ، ليه يعني !!!
ضحكت "شجن" لبساطته وتلقائيته رغم شكها به ...
- خلاص يا "رحيم" بهزر معاك ...
ضحكتها الساحرة جعلته يفيه بها وبحسنها المتألق ، فكم كانت اليوم مميزة ذات طلة ساحرة ، ليحدث نفسه بتحسر ...
-( لو بس مكنتيش طماعة وفيكِ حاجة غريبة مع الراجل الراقد وهو مش حاسس ، قلبي بيقولي وراكِ مصيبة ، كان زمان كل حاجة متغيره ) ...
نهض "محمد" قائلًا بإنشغال ...
- حقوم أني أخلص تنظيف چوه عقبال ما تخلصوا الشاي ...
إستندت "أم محمد" أيضًا لتنهض لاحقة بإبنها ...
- إستنى يا "محمد" أمال ، خدني معاك ، يوه ، عايزة أنظف للطير ...
ها هي جائت فرصتها الجريئة لتبث بعضًا من روحها لتدفع هذا الخجول بالتحرك وإظهار إعجابه بها ، لكنها تود الإطمئنان له أولًا ...
- إلا قولي يا "رحيم" ، إنت مقولتليش إنت منين بالضبط ، يعني مش بتتكلم عن نفسك كتير !!
أراد لو كان هو من سبقها بهذا السؤال فهي سريعة البديهة تسبقه دومًا بخطوة ...
- قلت لك على فكرة ، أنا أصلي سافرت كتير ورجعت تاني يعني ، أكل العيش بقى ، قوليلي إنتِ ، إزاي جيتي هنا وأنا عرفت إنك من القاهرة ، مش غريبة شوية ؟!!
شعرت بأنه لا يتجاذب معها أطراف الحديث بل أشبه بإستجواب وتدقيق فهي من الذكاء لتدرك الفارق بينهما ، دب الشك بقلبها فهل يمكن أن يكون يسألها ليخبر أهل "أيوب" عنها ، دارت بمقلتيها بمكر مردفة بإجابة مبهمة ...
- أكل العيش برضه ، زي ما حكم عليك ، حكم عليا (نظرت نحو كوب الشاي لتتهرب من إستجوابه الذي لا داعي له ) ، إشرب ، إشرب الشاي أحسن يبرد ...
تدخل صوت ثالث بينهم ليجذب إنتباههم نحوه ...
- طب ما تدوني كوبايه ينوبكم فيا ثواب ...
تطلع "رحيم" و "شجن" بهذا الرجل الثلاثيني ذو الوجه المستدير وبشرة بيضاء باهتة ، يرتدي نظارة طبية وملابس عملية لكنها منمقة للغاية ...
نهض "رحيم" كرجل مسؤول من الموجودين بهذا البيت ...
- مين حضرتك ؟!!
تطلع الرجل بـ"رحيم" بإبتسامة مصطنعة ثم دار بعينيه الوقحتين تجاه تلك الحسناء "شجن" لتثبت عيناه تجاهها معرفًا بنفسه ...
- أنا المهندس "عادل عوض" المهندس الزراعي إللي الحاج "أيوب" مسلمني المزرعة بتاعته أباشرها له ، مين حضرتِك أنا أول مرة أشوفك هنا ؟! إنتِ بنت الحاج "أيوب" ؟!!
قبل أن توضح "شجن" من هي وما علاقتها بـ"أيوب" ثار بداخل "رحيم" إحساس غريب لتطاول هذا الوقح وتخطيه للتحدث معها ، فحتى لو كان شخصًا هادئًا مسالمًا إلا أنه يدرك نظرات الرجال الوقحة و أغراضها الدنيئة ...
شعور بالغيرة عليها تملكة كما لو كانت تخصه ولا يمكن لرجل غريب مطالعتها بهذا الشكل المنفر إطلاقًا ، مد "رحيم" كفه ليدفع بوجه "عادل" تجاهه مُبعدًا إياه عن التطلع بـ"شجن" ...
- خليك معايا هنا ، كلامك معايا أنا ، ملكش دعوة بيها ...
إحساسها بغيرته أسعدتها للغاية وجعلتها تشعر بوجودها وبأهميتها عنده ، نشوة غريبة إجتاحتها لتستمع بصمت لحديثه مع "عادل" ...
- فيه حاجة يا باشمهندس ؟!
نظر "عادل" تجاه "رحيم" بإشمئزاز ليردف بعدم تقبل ..
- كنت جاي للحاج ، عايزين فلوس للكيماوي بتاع البستان ...
أومأ له "رحيم" بوجه مقتضب ...
- حاضر ، حنبلغه ، إتفضل إنت وإبقى تعالى وقت تاني ...
عاد "عادل" بوجهه تجاه "شجن" بسماجة ...
- أيوه برضه متعرفناش ؟!!
ثار "رحيم" بهذا اللزج ليدفعه بقوة نحو مدخل الحديقة ...
- لأ ده إنت بارد بقى ، إتكل على الله من هنا ، ده إيه البرود ده يا أخي ...
ثم إستدار نحو "شحن" يهتف بها بضيق ...
- إدخلي إنتِ كمان جوه ، الله ...
لم يكن مجرد شخص لطيف حنون ، بل رجل غيور يخشى العيون المتطفلة بأهل بيته ، كم تعشق تلك الشخصية المزدوجة الشرسة التى تحمى أحبائها و تتلطف بهم بذات الوقت ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أسرعت تلبي طلبه بالدخول للفيلا بينما تركته ليطرد هذا المهندس ذو الأعين الوقحة ...
لحظات فارقة بين أن دلفت "شجن" للداخل وبين "رحيم" الذى تخلص من هذا السمج وعاد مسرعًا تجاه الفيلا ليلحق بـ "شجن" ...
- "شجن" ، إستنى عايزك ...
توقفت "شجن" بإنتظاره وهي تشعر بالحماس والغبطة لحميته وخوفه عليها ...
- نعم ..
إقترب نحوها ومازال وجهه يشع بحمرة الإنفعال ليردف بحدة لكنه كان مسيطرًا على إنفعاله بشكل واضح ...
- لو سمحتي بلاش تلبسي لبس ملفت زي ده هنا تاني ، إحنا في منطقة أرياف ومينفعش كل من هب ودب يبص لك كدة ، ولا أقولك ، ملتبسيش حاجات زي كدة أصلًا لو فيه حد غريب عنك ، بلاش تعرضي نفسك لنوعية الـ**** ده ، أنا عارف ماليش إني أطلب منك كدة ، بس ده خوف عليكِ مش أكتر ...
لم تمهله وقت طويل يبرر سبب طلبه ، لكنها شعرت بخوفه عليها بصدق حقيقي لتهتف بإنصياع دون مناقشة ...
- حاضر ، آخر مرة والله ...
مجرد سماعه للكلمة بأذنيه شعر ببرودة وإستكانة إحتلت قلبه لتنفرج بسمته المعتادة تلتها بسمتها العريضة فيبدو أن هناك ما يحطم الظنون ويقبع بالقلوب دون منازع ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
مكتبة بحر ...
هل عاد لحياته الرتيبة وروتين يومه الكئيب مرة أخرى ، غياب "نغم" بالفعل لشيء مؤثر مؤلم للغاية لم يكن يظن أن بهذه الفترة القصيرة إستطاعت قلب موازيين حياته وقلبه معًا ...
حاول شغل يومه بالترتيب لبعض الأرفف المرتبة بالأساس لكنه يشغل نفسه حتى لا يترك طيف لؤلؤته بالمرور بعقله فيكفيها ساكنة بقلبه المختنق ...
إلتفت نحو مدخل المكتبة ناظرًا نحو المتحدث إليه ...
- بتعمل إيه بس يا أستاذنا ..؟!!
ترك "بحر" الكتاب من يده متجهًا لمصافحة "شوقي" ...
- إزيك يا "شوقي" ...
- أنا كويس يا أستاذنا إنت أخبارك إيه ؟!!
بإيمائة خفيفة أجابه "بحر" ...
- ماشي الحال ، ها فيه جديد ؟!!
سؤال متلهف وإجابة غير كافية ...
- والله بدور ، الراجل إللي إسمه "مأمون" ده بحوره غريقة أوي ، بس حجيب لك قراره وحشيله من طريقك متقلقش ، بس الحكاية عايزة شوية مصاريف ...
تفهم الآن "بحر" سبب زيارة شوقي ، رغم عدم ثقته بأنه سيوصله لشيء إلا أنها محاولة لن يتنازل عنها في سبيل وجوده مع "نغم" ...
أخرج له بعض الأوراق المالية قائلًا بتحذير ...
- يا ريت المرة دي نوصل لحاجة عشان أنا جبت أخري ...
- أكيد يا أستاذنا ، متقلقش ، أتكل أنا على الله ، كمان شكل الحاجة جاية علينا ...
خرج "شوقي" بعجالة لتقابله والدة "بحر" أثناء مرورها به لتدلف بفم ملتوي ونظرات الإستياء تعلو عيناها ...
- الراجل ده بيعمل إيه تاني هنا يا "بحر" ، إنت لسه متعلق بالبنت دي ؟!!!!!!
سيحارب لأجلها حتى لو حارب نفسه بذاتها ...
- إفهميني يا ماما ، أنا مقدرش أبعد عنها ، "نغم" الوحيدة إللي قلبي حبها ، وهي على نياتها ومش فاهمة حاجة ، مقدرش أسيبها تورط نفسها مع إللي إسمه "مأمون" ده ، أنا متأكد إنه مش سالك ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
عقدت والدة "بحر" ذراعيها بقوة أمام صدرها لتتحدث بغضب وضيق متحلي بمرارة وألم ...
- لو كنا عايزين نقرب من الناس دي كنا قربنا من زمان ، لكن مفيش وراهم إلا الشر ، يغور الخير إللي من ناحية الناس دي ، يا إبني إبعد عنهم ، دي ناس مؤذية وهي أكيد زيهم ...
حاول "بحر" بترجي أن تتفهم والدته أن "نغم" وأختها وأمها لمختلفات تمامًا عن بقية العائلة ...
- بالله عليكِ إفهميني يا ماما ، هم حاجة تانية ، أنا عرفتهم وقربت منهم ، أنا عارف كويس إنك مش بتطيقي عيلة النجار ، بس دول بجد حاجة تانية صدقيني ..
بقلب مرهف متخوف من غدر تلك العائلة التى لا يُأمن أي فرد بها مطلقًا ...
- لو كانوا ناس يعرفوا ربنا كان زمان حاجات كتير أوي إتغيرت ، أنا خايفة عليك منهم يا "بحر" ....
زاغت عيناه بيأس شديد ...
- يا ريت بس أعرف أقرب لها ، ووقتها بس متخافيش على إبنك ، أنا أقدر أحمي نفسي وأحمي "نغم" من الكل ، بس للأسف الغشاوة مغمية عنيها ، مش شايفة "مأمون" على حقيقته ، ومش حتصدقتي ، وأنا بحبها ، بحبها أوي يا ماما ...
تنهدت والدته رفقًا به لتردف رغم كرهها للأمر ...
- لو فيها خير ربنا يجمعك بيها يا إبني ، وتشوف قد إيه إنت بتحبها وحتخاف عليها ...
بتمني شديد عقب "بحر" ...
- يا رب يا ماما ، يا رب ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
قسم الشرطة ...
ها قد حل المساء ومازالت "زكيه" بنفس حالها راضخة مستسلمة لمصيرها ، فحتى لو حاولت إنقاذ نفسها فكيف ستثبت أنها بريئة من تهمة قتل "خيرية" وسرقة مالها ...
أيام طويلة وليالي مظلمة قضتها في هذا المحبس الإحتياطي تنتظر كل يوم وآخر تحقيق يلي تحقيق وإنتظار قاسي ...
ربما أكثر ما يؤلمها هو بقاء "نغم" بمفردها ، فحتى عقد قرانها لم تحضره ، لا تقلق على "شجن" كما تقلق على "نغم" ، فهي فتاة سطحية تحكم على الأمور من قشورها دون فهم وتعمق كأختها ...
غمغمت بضيق نفس ...
-( باقي يومين على يوم الجمعة ، أهو على الأقل أطمن إنها مع "مأمون" وفيه حد واخد باله منها ، يمكن ساعتها قلبي يرتاح ، يا رب عدي اليومين دول على خير ) ...
نادى الشرطي يطلبها بصوته الخشن ...
- تعالي يا "زكيه" ، المحامي بتاعك طالب زيارة ...
إنتفضت من جلستها الغير مريحة لترافق الشرطي لمكتب معاون الشرطة بقلب مضطرب ، فمن هذا المحامي الذي يريد مقابلتها فقد قابلت المحامي الذي جلبه لها "فخري" صباح اليوم ...
دلفت لداخل المكتب تلتمس بعض الراحة بهذا المكان بخلاف غرفة الإحتجاز ، لكن وإن إرتاح جسدها فنفسها الضعيفة لا تشعر بالراحة ولا الأمان ...
قابلها رجل خمسيني أنيق ممتلئ الجسم ببعض الترحيب ...
- أهلًا يا ست "زكيه" ، أنا "محروس" المحامي ، جاي لك عن طريق بنت أختك "عهد" ، كانت كلمتني عن المشكلة إللي إتورطتي بيها وكنت عايز أسألك شوية أسئلة عشان لما أقابل بكرة وكيل النيابة أحاول أطلعك بكفالة ...
بريق أمل لاح بنفسها لتردف بحماس الغريق الذي تمسك بقشة بعد أن تخبط بالأمواج وفقد الأمل للنجاة ...
- والله بجد ، يعني فيه أمل أرجع بيتنا ...؟!!
- بإذن الله بس واحدة واحدة كدة إحكي لي إللي حصل بالتفصيل ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
قضى المحامي بعض الوقت برفقة "زكيه" ليتفهم منها الموقف ويطمئنها ببريق أمل لخروجها من هذا المكان المقيت ...
إصطحب الشرطي "زكيه" ليعيدها مرة أخرى لغرفة الإحتجاز لتصادف صدفة غريبة للغاية حين قابلها "فريد" قد دلف للتو يبحث في الأرجاء بأعين مشتتة ...
إندهش "فريد" لرؤية زوجة عمه بقسم الشرطة فأنانيته السابقة جعلته لا يدري عن أي من أفراد عائلته ولم يهتم سوى بنفسه و"حنين" فقط ...
تسائل بغرابة لوجودها بمثل هذا المكان ...
- بتعملي إيه هنا يا مرات عمي ؟!!!
أجابته بضيق من حالها ...
- زور والله زور ، أنا مقتلتش "خيرية" ، أنا بريئة والله ...
حرك "فريد" رأسه يستجمع الأمور فقد علم بمقتل "خيرية" لكنه لم يعلم بأنه قد تم إتهام "زكيه" بالأمر ، شعر لأول مرة بقلة حيلة تلك السيدة وجبروتهم أمامها ، أردف ببطء كإستيعابه تمامًا ...
- ربنا يخفف عنك يا مرات عمي ، لو عوزتي حاجة قولي متتكسفيش ...
تعجبت "زكيه" من هذا التغيير المفاجئ الذي طرأ به وبـ"فخري" أيضًا لتجيبه في عجالة قبل ذهابها لمحبسها ...
- تسلم يا "فريد" ، الحاج "فخري" عامل الواجب وزيادة ...
إبتعدت "زكيه" عن ناظريه ليسأله الشرطي بخشونة ...
- خير يا حضرة ...
- أنا جاي أقدم بلاغ ضروري عن واحد مهرب ...
أشار الشرطي نحو أحد الشرطيين الجالسين حول مكتب بآخر الرواق ...
- روح للصول "زينهم" يعمل لك محضر ...
إتجه "فريد" ليقوم بالإبلاغ عن "حامد" ومحاولته لتهريب مواد ممنوعة عن طريق العطارة التي سيتم إستيرادها من الخارج كما أفهمه والده تمامًا ليأمن مكر "حامد" ويخلي مسؤوليته عن الأمر ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
من لا تؤدبه الكلمات تؤدبه الدنيا حين تدور ، وعلمنا أن الطيبون تجمعهم نواياهم ، كذلك الخبيثون تجمعهم سواد قلوبهم ...
فور تيقن "حنين" من أن مرضها الذي زادها قبحًا مُعدي عقدت العزم على الإنتقام من "محمود" الذي تخلي عنها ونفر منها فلن تتركه اليوم إلا وهو مصاب مثلها تمامًا ...
أسرعت نحو شقته لمقابلته وهي تحمل إسوارها الذهبي ، تمامًا كطعم ستليقيه إليه ليقع بشركها الذي تحيكه له ...
طرقت الباب عدة مرات ليفتح "محمود" الباب وهو يقابلها بوجهه الخشن يمنعها من الدخول ...
- جايه تاني ليه ؟؟! عايزة إيه ، مش طردتك من هنا !!!!
رققت "حنين" من صوتها بدلال مصطنع ...
- وحشتني يا "حودة" ، وبعدين ده أنا جايبة لك حتة إسورة دهب إنما إيه تقيلة وتوزن قد كدة ، قلت مش خسارة فيك تفك بيها زنقتك ...
ومضت عيناه ببريق طامع ليسمح لها بالدخول بعدما إرتسمت إبتسامة مزيفة ...
- طب إدخلي ....
دلفت وهي تتوعد له من داخلها بأن تصيبه بنفس المرض ليذوق من نفس الكأس الذي تجرعته وهي تراه ينفر منها بإشمئزاز ، كما سيفعل معه الجميع بعد ذلك ...
جلست برفق وهي تطالبه بضيافته لها ...
- ما تعملنا حاجة سخنة كدة نشربها ...
إنصاع لها "محمود" فلا شيء يضاهي إسورة باهظة الثمن سيحصل عليها بعد قليل ، بتلك الأثناء أخذت "حنين" تفرك كل ما تراه حولها بتقرحاتها حتى تصيبه العدوى ، حتى فراشه وملابسه المعلقة وأدواته المتناثرة هنا وهناك ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
سرعان ما عادت لموضعها حينما سمعت صوت خطواته تقترب منها كما لو أنها لم تفعل شيئًا ، وبمكر الثعابين أخذت تتعامل معه برقة حتى أعطته الأسورة لكنه فور حصوله عليها طلب منها المغادرة لأنه سيذهب لقضاء حاجة ما ، لم تنتظر لوقت كثير فقد أتمت ما جائت لأجله حتى لو كان الثمن إسورة من الذهب ....
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
حل المساء وسكنت الأجواء بهذه الليلة الهادئة ذات النسمات الباردة ، فمع حلول ليل شتوي آخر إلتزم به الجميع بيوتهم الدافئة وقل المارة بالطرقات ، حان آخيرًا موعد تقسيم المجموعة لمناوبات العمل ...
بأمر مباشر وقف "معتصم" يفكر كرجل شرقي لن يترك ساكنة قلبه تقضي ليلتها بين رجال غرباء ، الأمر كان يحكمه الغيرة بالمقام الأول وليس مهنية العمل ...
- الوقت إتأخر ، "عهد" و "عائشة" أظن دلوقتِ وقت مناسب تروحوا بيوتكم وتيجوا المقر بكرة والبقية حيتوزعوا هنا معايا ، إتفضلوا مع السلامة ..
تناست "عائشة" تهديد "عهد" لها بالصباح لتقفز إلى جوار "معتصم" قائله بصوت حنون مثير ...
- لأ يا قائد ، أنا معاك هنا ، لا يمكن أروح ...
لم تجد "عهد" بُد من إستخدام القوة فيبدو أن الحديث لم يعد يجدي نفعًا ، سحبتها من الخلف تجاهها وقد عقدت أنفها بإشمئزاز مرة أخرى لتردف بخشونة ...
- القائد قالك روحي ، يلا يا روح ماما بلاش لكاعة ..
قبضت بكفها على مرفق "عائشة" تكاد تعتصره بين أصابعها لتخفي "عائشة" تأوهها وشعورها بالألم كما لو أنها لم تتأثر بقوة "عهد" المفرطة وتشعر "معتصم" بأن "عهد" أقوى منها ...
لكن حركة وجهها المتألمة و رد فعل "عهد" العنيف معها قد أسعد "معتصم" لعودة شرسته إليه ، كم يعشق تلك المتوحشة الفريدة من نوعها ، لا تقارن ولا تبدل بغيرها مطلقًا ...
- اووه ، طيب ، طيب يا ستار ..
إضطرت "عائشة" للإنصياع لـ"عهد" لتلوح لهم بخفة مودعة إياهم ...
- سلام أنا ماشيه ..
أجابها الجميع سوى "معتصم" الذى ترقب وداع "عهد" فقط ، شعرت "عهد" بذلك لتردف بهدوء خاطف لتتيقن من أنه ينتظر وداعها بالفعل ...
- سلام ...
هنا فقط أجاب "معتصم" على أنثاه الوحيدة التى يراها ...
- مع السلامة ...
أرخت مقلتيها بزهو من أنه خصها وحدها بتحيته لتستعيد جمودها مرة أخرى قبل مغادرتها المقر برفقة "عائشة" دون أن تغيب تحيته لها خاصة حتى عادت للمنزل لتنتهي أحداث يوم عمل مجهد ، بينما لاحقها بسوداوتيه العشقتان يناظر مغادرتها بقلب مفعم منفعل ، فإلى متى ستظل بعيدة المنال تحير قلبه الوله ..
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
مكتب عيسى للمحاماة ....
للرحيل قسوة لكن أقسى أنواعه من لم يرحل مني ، توطنت القلب وسكنت الروح فكيف أخرجك منهما ، إنها لمفارقة بائسة أن أقنع نفسي بإنتهائك من داخلي ولم أفكر بسواك ولو لوهلة ...
كما لو كانت الأوراق خاوية لم يدون بها كلمات ، أخذ "عيسى" يطالعهم بفراغ ، لكن بذهنه بقى شيء واحد فقط (غدير) ، رغم ما تؤكدة عيناه إلا أن قلبه مازال لا يصدق ، لم أنتِ خائنة يا مهجة القلب والروح ؟! كيف أقنع نفسي بأنكِ مثل الجميع وقد كنتِ قنديل بعتمة ظلام نفسي ...
تأخر الوقت و"عيسى" مازال هائمًا ببحور أفكاره وظنونه ، فحتى وإن قبل وجود "غدير" بحياته بعد تيقنه من خيانتها إلا أن ذلك فقط لحملها لإبنه بأحشائها ، نعم إن الأمر لا يتعدى ذلك ، هكذا أوهم "عيسى" نفسه بأن لا يربطهما الآن سوى طفلهما وهي لم تعد لها بقلبه سكن ...
طرقت "سندس" باب غرفة المكتب الخاص بـ "عيسى" تطالع بأعينها القلقة تعاسته التى توطنت ملامحه منذ مجيئه بالصباح ، حزنه أحزنها بل حطم قلبها رغم عدم إدراكها لسبب حزنه العميق ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
وقفت بباب الغرفة تطرقه للمرة الثانية دون أن ينتبه لها "عيسى" مطلقًا ، لكنه في النهاية أفاق من شروده ناظرًا نحوها بأعين فارغة ...
- خير يا أستاذة "سندس" ، عاوزة حاجة ؟!!
سحبت شفتيها بإستياء لتردف بإشفاق على حاله الغريب اليوم ..
- مالك إنت يا أستاذ "عيسى" ، إنت مش طبيعي أبدًا النهاردة !!!
تنهد "عيسى" بإختناق مردفًا بإحباط ...
- وهو إيه الطبيعي ، خلاص ، معدش فيه أي حاجة طبيعية ، كله كذب ...
تقدمت نحو الداخل تحاول فهم مقصده ...
- كذب !!! هو إيه إللي كذب ، قصدك إيه ؟!!
حتى وإن شعر بالتهاوي وتأكدت ظنونه بخيانة "غدير" فلن يسمح لنفسه بالوقوع بشرك "سندس" وينجح مساعيها بالتودد إليه ، وبالطبع لن يتحدث عن زوجته أمام الغرباء فيوم ما كانت تجمعهم أوتار المحبة فلن يعيبها حين تنقطع ...
أشار بعدم إكتراث ...
- لا ولا حاجة ، شوفي شغلك بس ...
أشارت "سندس" بتهكم نحو خارج المكتب ...
- شغل إيه ، ده مفيش بني آدم هنا ، إنت مش واخد بالك الساعة كام ؟!!
رفع "عيسى" ذراعه ناظرًا نحو ساعة معصمه ليتفاجئ بها إقتربت من الثانية عشر ليهتف متفاجئًا ...
- ياااه ، أنا ما أخدتش بالي خالص ، طب إنتِ قاعدة ليه لغاية دلوقتِ ، روحي إنتِ الوقت إتأخر ...
هامت بمحبته التى لم تعد تتحمل إخفائها ...
- مقدرتش أروح وأنا شايفاك مخنوق ومتضايق كدة ...
تصدي "عيسى" لقربها الذى يدرك بالفعل خطوتها التالية به ...
- لا إتفضلي روحي ، وبعد كدة متتأخريش تاني بعد الساعة عشرة ، أنا ما ركزتش في الوقت بس ، مع السلامة ...
بإصرار لبقائها معه حتى تطمئن عليه ...
- خليني معاك ونروح سوا ...
رمقها "عيسى" بحدة ليصمتها تمامًا ...
- قلت لك روحي يا أستاذة ، أنا لسه سهران شوية ...
زفرت "سندس" بضيق لتضطر للمغادرة تلبية لرغبته ، بينما بقى "عيسى" بالمكتب متهربًا من لقاء محتوم بينه وبين "غدير" إن كانت عادت الليلة لشقتهم ، فهو إن سيطر عقله على تصرفاته فلا يمكنه السيطرة على قلبه الذى تملكه تلك الخائنة ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
❈-❈-❈ـ
بيت المستشار خالد دويدار (شقة عيسى) ...
لا سبيل للتخلي وإن لزم الأمر سأحتلك أولًا ثم نتفاوض ، هكذا كان رد فعل "غدير" لظن "عيسى" بها ، فكذبها ما كان إلا لإختلاق فرصة للعودة ومحاولة إصلاح ما أفسدته الظنون ...
بعد مرور يوم آخر مؤلم للغاية لقلبها وجسدها ومرورها بتلك الأزمة التنفسية مرة أخرى بقيت بإنتظار عودة "عيسى" الذى تأخر كثيرًا عن موعده لكنها ستظل بإنتظاره ، عليها إصلاح للأمر مهما تطلب من جهد ، فلا حياة بغير "عيسى" ...
مع مرور الساعات إشتدت البرودة لكنها مازالت بإنتظار مجيئه ، جلست بالمقعد المقابل لباب الشقة لتنتبه له حينما يدلف منه لكنها تقوقعت على نفسها تلتمس بعض الدفء تجاهد سيطرة النوم الذى أخذ يداعب جفنيها بقوة فلن تستسلم للنوم وهي بإنتظار "عيسى" ...
بعد وقت طويل ظن بها هذا المتهرب أن الجميع قد خلد للنوم ، عاد "عيسى" للبيت بوقت متأخر للغاية ، صعد نحو شقته مباشرة وهو يحفز نفسه بكذب [ مروري بالشقة لمجرد التأكد بأنها عادت ليس إلا ] ، لكنه لم يدري أن ما يدفعه لذلك هو إشياقه لها ، فتح باب الشقة بهدوء لتتيبس خطواته حين وقعت عيناه على ساحرته الخائنة ، لكن يبدو أن الخائن الآن هو قلبه المنتفض الذي يعلن شوقه ولوعته لها ...
أغلق الباب بهدوء شديد حتى لا يوقظ تلك النائمة ليدنو منها ومازالت عيناه المشتاقة تملأ برؤياها...
تشتت عيناه بتفاصيلها الفوضوية التى يعشقها ، شعرها الثائر ووجنتها الوردية وملائكيتها النائمة ، جثي فوق ركبته أمامها يتأمل ملامحها الساكنة المتقوقعة على نفسها لشعورها بالبرد ، أراد لو يضمها لصدره يخفيها عن العالم ويدفء فؤاده بجسدها البارد ويحيطها بحنانه ليدفئها قليلًا ...
[ آه لو تعلم مشقة قلبه ببعده عنها ] ، حتى هو القوى لا يتحمل ذلك ...
بقلم رشا روميه قوت القلوب
أخذ يستشق عبيرها برائحة ( اللافندر ) المميزة ، الآن فقط يمكنه النوم لوجودها إلى قربه ...
تطلع نحوها بمزيج من الغضب والعشق والعتاب واللوم والمحبة ، لقد كاد يجن من كثرة الأحاسيس المتضاربة ، فحتى عشقه مهلك له ، ليته لم يعشقها لهذا الحد ، يا ليت قلبه ظل له وحده ، لكنها ملكته وتربعت بعرشه ، لقد ظن أنه قلبه لكن بعض الظن إثم ...
كاد ينسى كل شيء ويدنو منها يحملها بين ذراعيه لكنه تراجع ووقف متجهمًا ينهر نفسه عن التخاذل والخنوع ليذكر نفسه إنها كاذبة خائنة ، ليندفع بغضب مغادرًا الشقة مبتعدًا عنها ، فلن يستطع البقاء هنا فكرامته لا تسمح له بالتغاضي ليقضي الليلة أيضًا بغرفته بشقة والديه كما كان بالأمس تمامًا ...
ويبقى للأحداث بقية ،،،
🖇️رجاء متابعة الأكونت الإحتياطي لأن هناك من يحاول إختراق صفحتي ، عشان لو الصفحة دي إتقفلت نقدر ننزل على الصفحة الجديدة من هنا ⬇️ ⬇️
( ـ Rasha Romia )
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي الجزء الثاني 2" اضغط على اسم الرواية