رواية أحفاد المعز كاملة بقلم زينب محروس عبر مدونة دليل الروايات
رواية أحفاد المعز الفصل الاول 1
ى تمام الثانية بعد منتصف الليل، توقفت سيارة مرسيدس سوداء أمام إحدى الملاهى الليلة، ترجل من سيارته بطلته الخاطفة للأنفاس، ظهرت على زاوية فمه بسمة ساخرة و هو يطالع المبنى أمامه، و كان ذلك قبل أن يغلق باب سيارته و يتحرك بخطوات ثابتة تجاه الباب الرئيسى للملهى.
وقف فى مقدمة تلك الصالة شاسعة المساحة، و هو يضع يديه الاثنتين فى جانب بنطاله، فكان يبحث بعينيه عن أحد الأشخاص بين ذلك الكم من الشباب الفاسد الذى يتناول المحرمات و تتمايل أجسادهم على تلك الأغاني الأجنبية بطريقة مثيرة للإشمئزاز، و قبل أن يعثر على مُراده، جاءت إليه فتاة ترتدى فستان لا يكاد يستر شيئًا من جسدها إلا قلة، و كانت تتغنج فى طريقها إليه، وقفت أمامه و هى تتدلل: «باسل» باش مش ناوى تحن؟؟
نظر إليها بتقزز قبل أن يقول بضيق:
– هحن لما ربنا يهديكى يا «ميار»، أندهى ل «حسام» عشان نمشى.
زفرت بغيظ و غابت عن نظره لبضع ثوانى ثم عادت إليه مرة أخرى و معها شاب غير قادر على موازنة وقفته بسب تلك المسكِرات التى تفوح رائحتها الكريهة فى المكان، نظر له «باسل» بعدم رضا ثم أشار ل«ميار»:
– يلا هتروحى معانا.
فى ذلك القصر الفخم ذى الأثاث الراقى، و التابع لعائلة «المُعز» و تحديداً قاعة الجلوس، دفع «باسل» «حسام» على الأريكة بزهق، و أردف بصوته الأجش:
– فوق لنفسك يا حسام، انا مش فاضى كل يوم و التانى أجرى وراك و اجيبك من الأماكن الزفت دى.
حسام بسخرية:
-طب ما تسيبنى يا عم براحتى، أنت مالك؟
زفر باسل بضيق و أكمل بنفس نبرة البرود:
– و الله براحتك، بس أنا بنبهك لإن الميراث هيتوزع بكرة و كل واحد فينا هيرجع لمكانه و حياته، و لو فضلت بإسلوبك ده كل الفلوس اللى انت مستحمل الفترة دى عشانها هتروح منك فى غمضة عين، فبراحتك انا بس خايف عليك.
نظر حسام إلى ميار و قال بسخرية:
– على أساس إنه شايلى فى القلب طيب فخايف عليَّ.
لم تعقب ميار على حديث حسام و إنما وجهت اهتمامها ل«باسل» و قالت:
– أنت هتسافر الكويت تانى؟؟؟ طب و أنا؟ مش هنتجوز؟
لم يجبها باسل و إنما توجه إلى الخارج و هو يقول:
– اهتمى ب«حسام».
اطبق حسام يده على معصم ميار و سحبها إليه و هو يقول:
– ما تسيبك من باسل و ركزى معايا أنا موجود و أنتى عارفة إنى بحبك.
ابتعدت عنه بنفور و هى تقول:
– ريحة الخمرة دى زى الزفت قوم اغسل كدا، و بعدين نشوف الحوار اللى مش بينتهى ده.
*******
فى صباح اليوم التالى.
اجتمع الثلاث أحفاد فى قاعة الجلوس و معهم ميار و محامى العائلة الذى يدعى «رمزى» و هو رجل خمسينى بشعر أبيض و بشرة بدأت تتجعد بعض الشيء، أخرج من حقيبة عمله ظرف واضعاً إياه على المنضدة أمامهم و قال:
– دى وصية جدكم السيد «راشد أحمد المُعز».
كانوا جميعاً منصتين إليه باهتمام و ينظرون إليه فى صمت بانتظار توضيح أكثر، فأكمل هو:
– و الوصية دى بتقول إن كل الأملاك مكتوبة بيع و شراء باسم شخص واحد بس.
نظر الثلاث أحفاد إلى بعضهم البعض باندهاش، فلم يكن هذا ما وعدهم به جدهم، لقد كان الاتفاق أن تتوزع الأملاك على ثلاثتهم بالتساوى، أردف باسل فى هدوء: يعنى ايه الأملاك مكتوبة باسم واحد بس، طب و الاتنين التانيين؟؟
و أضاف حسام:
– مين بقى اللى جدى بيحبه أوى فينا و كتبله كل الأملاك؟؟
نقل رمزى نظره بينهم قبل أن يجيب قائلًا:
– و لا واحد فيكم، هى بنت.
ابتسم حسام و أردف ساخرًا:
– معقول ب اسم ميار!
نظر رمزى إلى ساعته اليدوية و نهض قائلًا:
– زمنها وصلت.
لم يفهموا ماذا يقصد و هو لم يترك مجال لسؤالهم و إنما اختفى عن الأنظار متجهًا إلى الخارج، ثم عاد بعد قليل وحيدًا فسأله فارس الحفيد الثالث و هو يتفقد الحيز خلفه بعينيه:
– هو فى حد المفروض يكون موجود؟؟
أجابه رمزى و هو يتنحى عن موضعه و يشير بيده صوب الباب فى علامة ترحيب:
– طبعًا، مستنى مدام «أروى خالد صفوان».
نظروا جميعًا إلى الباب حيث تدخل أروى و التى هى فتاة عشرينية صاحبة بشرة بيضاء يعكسها فستانها الأسود و خمارها الماليزى باللون السُكرى، رفعت بنيتيها تتفقد الجالسين أمامها و محدقين بها باستغراب، افتر ثغرها عن ابتسامة و قالت: السلام عليكم و رحمة الله.
ردوا عليها السلام باقتضاب، باستثناء فارس الذى أُعجب بهيئتها و بادلها ابتسامة خفيفة.
سأل باسل بضيق:
– تطلع مين أروى دى كمان؟؟
كاد رمزى أن يجيب لكن منعته أروى عندما ابتسمت و أجابت بصوتها الرقيق:
– أنا أروى خالد صفوان، أرملة راشد أحمد المُعز……..جدكم.
فرغ فاه حسام بدهشة فى حين وقف باسل و هو يضع يده فى جيب بنطاله و قال ساخرًا:
– يعنى نقولك يا تيتا و لا يا ستو!
لم تفارق البسمة وجه أروى التى عقدت ذراعيها أمام صدرها و قالت:
– زى ما تحب، أنا بردو فى مكانة ستك.
تحرك باسل من مكانه حتى وصل إليها، و رفع يده مربتًا على رأسها بخفة و هو يقول باستخفاف:
– العبى بعيد يا عسل……مش فاتحينها حضانة.
ابتسم حسام و ميار على ما قاله باسل، فمن يرى أروى بجانبه يعتقد حقاً أنها طفلة فجسدها الصغير لا يقارن بجسده الرياضى مفتول العضلات.
تغاضت أروى عن جملة باسل و تخطه لتجلس بجانب ميار و هى تقول:
– المحامى معاكم و معاه كل الاوراق اللى بتثبت صحة كلامى، و انى فعلاً زوجة جدكم الله يرحمه.
*******
كان باسل فى غرفته يعمل على حاسوبه عندما جاء إليه حسام، الذى وقف ساندًا ظهره على خزانة الملابس و قال:
– هنعمل ايه دلوقت؟؟ هنتنازل عن الأملاك؟
رد عليه باسل دون أن يرفع رأسه عن الحاسوب:
– جاى دلوقت تاخد رأى؟؟؟ مش كنت لسه زعلان امبارح عشان بنصحك؟؟
تنهد حسام و تفوه:
– احنا ايوه صح علاقتنا مش أحسن حاجة، بس المثل بيقول أنا و أخويا على ابن عمى و أنا و ابن عمى ع الغريب، انا ضدك فى مشاكل شخصية، بس حالياً الأمر يتطلب إننا نتحد ضد أروى و بعد ما نرجع حقوقنا اللى هى سرقتها يرجع تانى الحال لحاله و كل واحد يشق طريقه.
توقف باسل عما يفعل و نظر إلى ابن عمه قائلاً:
– منطقى بردو، أنا موافق، هنبقى واحد لحد ما نسترجع اللى هى سرقته مننا.
كان الأحفاد الثلاث ينزلون درجات السلم و هو يتحدثون، وصلوا إلى غرفة الطعام فوجدوا العاملة تمسح المائدة، سألها فارس باستغراب:
– هو فين العشا اللى بقالكم ساعة بتندهوا عشانه؟؟
– خلص.
كان هذا صوت أروى التى جاءت من خلفهم، فقال حسام بتهكم: يعنى ايه خلص؟
تحدثت أروى باستفزاز:
– خلص معناها إن الأكل مبقاش موجود.
حسام بضيق:
– بغض النظر عن أسلوب حضرتك المستفز، ممكن نعرف احنا هنتعشى ايه؟؟؟
حركت أروى كتفيها علامة على عدم المعرفة، و قالت:
– انتوا احرار، أنا بعت مدبرة البيت ليكم اربع مرات و منزلتوش فأنا هستنى لأمتى؟؟ كان لازم اكل عشان الاكل يتهضم قبل ما انام.
ابتسم باسل بسخرية و قال:
– معلش مش فاهم، نومك و هضمك ايه علاقته بأكلنا؟؟
أوضحت أروى ما تقصده قائلة:
– بص يا بيسو.
باسل باستغراب:
– بيسو!!! هو أنا بلعب معاكى؟
ابتسمت أروى قاصدة إثارة حنقه:
– لاء أنا اللى بلعب معاك حفيدى بقى و كدا، اسمع بقى أما أقول…………
لم تكمل حديثها حيث صرخ باسل فى وجهها بغيظ:
– بت انتى احترمى نفسك، أنا مش صغير عشان تكلمينى باستهزاء كدا و لا أنا حفيدك عشان تدلعينى احترمى فرق السن اللى بينا.
فى الحقيقة هناك شىء صغير قد اهتز بداخلها، و لكن يجب عليها أن تظل أمامهم بلثام الشجاعة و القوة، تلاشت البسمة عن شفتيها و اقتربت إليه بخطوات ثابتة و قالت بتحذير:
– أنا بحذرك ترفع صوتك فى وشى مرة تانية، ساعتها مش هيحصل خير متنساش إنك قاعد فى بيتى فلو حابب تفضل هنا لازم تعيش على أسلوبى و بطريقتى و إلا انا مش ماسكة فيك، الباب يفوت جمل اتفضل مش همنعك.
أنهت حوارها و تحركت لترجع إلى غرفتها و لكنها توقفت و التفت مرة أخرى و قالت: الكلام ليكم انتوا كمان مش بيسو بس.
نظر الثلاثة إلى بعضهم البعض فى ذهول من تلك الصغيرة التى ترغب فى فرض سيطرتها عليهم، قطع حسام الصمت قائلًا:
– و بعدين بقى دلوقت هنعمل ايه؟ أنا بطنى بتصوت من قلة الأكل أنا مكلتش حاجة النهاردة خالص، جت سدت نفسنا عن الفطار و الغدا و منعت عننا العشا.
زفر باسل بحنق و هو يتحرك ليتخطاهم:
– غيروا هدومكم هنخرج نتعشى برا الساعة لسه تمانية.
*******
كانت أروى تتحدث فى الهاتف عندما سمعت صوت غاضب يأتى من الدور السفلى للقصر، أنهت المكالمة سريعاً و اتجهت إلى الطابق الأرضي لتجد باسل يوبخ ولاء و يسأل عن السيارات الخاصة به و بأولاد عمه، طلبت أروى من ولاء الإنصراف و وقفت هى أمام باسل بثباتها المزيف و قالت:
– ممكن اعرف يا بيسو عامل ازعاج من الصبح ليه؟؟ فرحان بحنجرتك يعنى و بصوتك الغليظ ده؟؟
اغمض باسل عيونه كمحاولة لتهدئة أعصابه ثم قال بهدوء:
– بكرر تانى أنا لا سنى و لا علاقتى بيكى تسمح لك تدلعينى ب بيسو، تانى حاجة بقى اتقى شرى و قولى روحتى بالعربيات بتاعتنا فين؟؟
أروى باستخفاف:
– بتاعتكم!!!
حسام باندفاع:
– ايوه بتاعتنا أمال بتاعتك؟؟
أروى باستفزاز:
– ايوا بتاعتى طبعًا؛ لأنها بفلوسي اللى ورثتها عن جدكم، تعرف تقولى تبقى عربيتك ازاى و هى مش باسمك و لا حتى بفلوسك!!
فارس اتدخل و قال بجدية:
– بصى يا أستاذة أروى، قولتي إنك كنتى متجوزة جدى فى السر و سكتنا، أخدتي كل الأملاك و متكلمناش، عملتى نظام جديد للبيت و معترضناش لكن تاخدى مننا العربيات اللى بنقضى عليها مصالحنا فدا مش هنسكت عليه كدا بتزوديها.
كانت أروى تعبث بإسوارتها الخرزية و تدعى عدم الإكتراث حينما قالت:
– و الله فى حاجة اسمها مواصلات عامة تقدر تركبها و تتحرك لمصالحك لكن العربيات دى تنسوها لأن التوكيل اللى كان جدكم عامله اتلغى قبل ما يموت.
ضيق باسل عينيه بعدم تصديق و قال:
– أنتى بتهزرى صح؟؟ بتهزرى؟؟
حركت أروى رأسها برفض و قالت:
– أنا مش بهزر كلامى معاكم جد الجد.
لاحت شبح ابتسامة على ثغر باسل و قال بهدوء:
– أنتى واخدة بالك إنك بتستفزى ٣ شباب؟ بالليل القصر دا بيفضى علينا و انتى الرابعة بتاعتنا، انتى مدركة إننا لو عملنا فيكى حاجة محدش هيقدر يحوشك من إيدنا؟
أروى بثبات:
– أولًا كلامك دا مش منطقى ليه بقى؟ لأن فى كاميرات فى القصر باستثناء اوض النوم طبعاً و دى هتثبت إن لو انا اتأذيت بالطريقة اللى تقصدها إن خلال الفترة اللى أنا اتأذيت فيها محدش خرج و لا دخل للقصر، تانى حاجة مفيش غير أنا و انتوا اللى هنا بالليل فلو حصل اى حاجة هتبقوا انتوا اللى فى الصورة.
ثالثاً معتقدش إن واحد زى فارس اللى بيكلمنى و عيونه فى الأرض يعمل حاجة زى كدا و انت كمان متوقعش منك حاجة زى كدا دا أنت رافض تتجوز من ميار بسبب لبسها مع إنك بتحبها يعنى واضح إنك على خلق و عندك مبادئ…….(صمتت لبرهة و هى تتطالع حسام ثم أكملت) دا بقى اللى شكله لعبى شوية بس ميعملهاش….. فبلاش التهديد عشان مش هيجى معايا سكة.
فارس بجدية:
– طب بلاش تهديد و نفهمك بالراحة، دلوقت باسل ده هو المدير التنفيذي لشركات المعز فشكلها وحش أوى لما يكون عنده الأملاك دى كلها و يروح الشركة بتاكس، و حسام ده….. مش عارف شغال ايه بس بيحتاج عربية معاه، أنا شغال على عربيتى و عاملها اوبر عشان اصرف على أمى و اختى.
تنهدت أروى و أردفت رداً على كلام فارس:
– و الله أنا مستعدة ارجع العربيات بس بشرط.
نظروا لها بترقب فأكملت:
– حسام و فارس يجوا يشتغلوا شهر فى الشركة.
حسام باندفاع:
– لاء مش موافق، و خلي العربية ليكى مش عايزها.
أروى بجدية:
– شهر واحد بس و وعد بعدها بطلوا لو حابين و ساعتها هرجعلكم العربيات و هكتبها باسمائكم.
سكت فارس لبرهة يفكر فى عرضها ثم قال:
– أنا موافق.
ابتسمت أروى بانتصار و قالت:
– يبقى اتفقنا……حاول بقى تقنع حسام.
اتجهت أروى إلى صالة الطعام تحت أنظار باسل الذى راودته بعض الشكوك بخصوص تواجدها معهم.
******
توقفت سيارة مرسيدس سوداء أمام مقر شركة المعز، ترجل الشباب الثلاث من السيارة و هم يرتدون الزى الرسمى للعمل، فكانوا حقاً بكامل أناقتهم، دلفوا سويًا إلى الشركة فلفت هذا أنظار الموظفين إليهم، كانت خطواتهم ثابتة يسيرون بثقة و تفاخر بأنفسهم، رائحة عطورهم المخطلطة تتسلل إلى أنف الفتايات لتنبههم إلى هؤلاء الوسماء المارين بجانبهم.
دخل الثلاثة إلى مكتب باسل الذى ابتسم و قال مشاكسًا:
– طبعاً يا حسام بعد النهاردة مش هتقطع رجلك من الشركة.
ضحك حسام عندما فهم ما يرمى إليه و أجاب:
– مش أوى يعنى، مش موجودة هنا اللى تخلينى اتمسك بالمكان.
تدخل فارس فى الحوار قائلاً بجدية:
– لازم تغض بصرك يا حسام و تبطل تبص ع البنات، كدا غلط و حرام الموضوع مش هين على فكرة.
تكلم حسام بتكشيرة:
– هو أنا عملت حاجة؟ و بعدين ما هما اللى لبسهم مش مظبوط و هما اللى عايزين كدا.
فارس بجدال:
– بس دا مش مبرر للى أنت بتعمله و لا حتى سبب يبعد عنك الذنوب.
حسام بضيق:
– فارس و حياة ابوك انا مش ناقصك بلاش تكلمنى بمبدأ قال الله و قال الرسول……خلاص يا عم دا أنت شيخ أوى.
نطق حسام جملته الأخيرة بسخرية، فكاد فارس أن يجيبه و لكن منعه باسل قائلا:
– امال يكلمك بمبدأ مين يا حسام، احنا المفروض نتبع ما أمر به الله و الرسول، امال هو هينصحك على أى أساس!
قبل أن يرد حسام مرة آخرى جاءت إليهم أروى ترتدى جيب بيضاء بها بعض الخطوط السوداء و فوقها بلوزة سوداء و خمار ماليزى باللون الأبيض، كانت تحمل معها بعض الملفات، ابتسمت برقة عندم وجدت أن مخططها يجنى ثماره، رحبت بهم فى الشركة و أعطت الملفات إلى باسل قائلة بجدية: دى ملفات بالمشروعات الجديدة أنت الرئيس التنفيذى زى ما أنت منصبك مش هيتغير و شوف تخصص حسام و فارس و عين كل واحد فى المكان المناسب، انا جددت التوكيل ليك عشان تمضى على الأوراق الضرورية لو أنا مش موجودة.
سألها حسام بترقب:
– و أنتى بقى منصبك ايه؟؟
أروى بتلقائية:
– هشتغل بدوام جزئى لحد ما أخلص دراسة، هكون فى الفترة دى مساعدة للمصممة الرئيسية فى الشركة.
فارس بعدم تصديق: انتى بتهزرى؟؟ يعنى تبقى الشركة بإسمك و تشتغلى فيها مساعدة؟!!
أروى بتوضيح: الشركة اه باسمى بس مينفعش اشتغل فى منصب كبير زيكم و أنا مش فاهمة حاجة، لازم اطلع السلم من أوله فعشان كدا هكون مساعدة لفترة و دا أصلًا هيفيدنى كتير لأن تصميم الأزياء دا تخصصى الدراسى…….. يلا هستأذن بقى عشان عندى محاضرة كمان نص ساعة.
خطت أروى خطوتين ثم رجعت إليهم ثانية و قالت برجاء:
أتمنى متعرفوش حد إن الشركة بتاعتى و لا انى كنت متزوجة من جدكم، يا ريت الموضوع يفضل بينا.
******
فى تمام الرابعة عصرًا، انتهت أروى من صلاتها و جلست موضعها على سجادة الصلاة تفكر فيما ستفعله فى الأيام المقبلة، قطع وصلة تفكيرها صوت صادر من احتكاك اطارات سيارة مع الأرض، نهضت سريعًا آخذة سجادتها لتطويها و هى تتجه إلى النافذة، تفاجئت عندما وجدت الشباب يترجلون من السيارة المرسيدس، سألت نفسها بحيرة:
– هم جابوا العربية دى منين؟؟ انا قولت هرجعها بعد شهر و كمان دى مكنتش ضمن التلاتة إللى أنا محتفظة بيهم!!
تحركت فى عجلة إلى الطابق الأرضي لتعرف إجابة سؤالها، عندما وصلت إلى نهاية السلم وجدت باسل يدخل من الباب و هو يفك رابطة عنقه بملل، أمسكت إسدالها بيدها كى لا تتعركل و قصدت موضع باسل، وقفت أمامه بجسدها الضئيل مع احتفاظها بمسافة بينهما، رفعت نظرها إليه و هى تسأله:
– فين ولاد عمك؟
باسل بتكشيرة:
– فى جيبى.
ابتسمت أروى و قالت بمشاكسة:
طب ما تخرجهم احسن يتخنقوا جوا، واضح إن خلقك ضيق….قصدى جيبك ضيق.
باسل بسخط:
– أفندم!!!
أروى باستفزاز:
– مالك بس يا بيسو؟؟ أنا بس بهزر معاك.
نظر لها باسل بطرف عينه و لم يتحدث و إنما تحرك من أمامها و لكنها منعته قبل أن يتخطاها عندما أمسكت بيده ، نظر لها بضيق قائلًا:
– حسام و فارس واقفين برا مع عم محمد الجناينى.
افلتت يده، و عقدت ذراعيها أمام صدرها و هى تقف أمامه قائلة:
– ممكن أعرف أنت بتكلمنى بجفاء كدا ليه؟؟
رفع باسل حاجبه بسخرية و أجابها:
– و هو المفروض اعامل جدتى العشرينية ازاى؟ أنتى نفسك متقبلة الوضع اللى أنتى فيه؟؟ المفروض اتكلم ازاى مع واحدة متجوزة واحد أكبر منها بخمسين سنة عشان الفلوس؟؟
أروى بتبرير:
– أنت مش فاهم حاجة.
باسل بجدية:
– و مش عايز افهم أصلًا عشان انتى متخصنيش.
أنهى جملته و تركها و اتجه إلى غرفته، فرت دمعة من عين أروى و لكنها مسحتها سريعًا عندما وجدت يد تربت على كتفها، التفتت أروى لتجد ولاء التى بادرت بالحديث قائلة:
– على فكرة باسل بيه لو عرف الحقيقة هيساعدك، و اللى حصل فى الماضى هيخليهم كلهم يحبوكى، أنا من رأي تقولى الحقيقة.
أروى ابتسمت بحزن:
– مقدرش أقول حاجة دلوقت فى خطوة ضرورية لازم أتأكد منها قبل ما أتكلم مع باسل.
ولاء بقلة حيلة:
– اللى يريحك يا حبيبتى انتى أدرى، بس مش عايزاكى تزعلى لما تلاقى معاملة جافة منهم لأن دا طبيعى.
أروى اتنهدت بحزن و قالت:
– الموضوع طلع أصعب مما تخيلت بس أنا مجبورة أكمل للآخر……المهم دلوقت قوليلى هما جابوا العربية دى منين؟؟
– العربية دى بتاع باسل بيه كان هو اللى اشتراها أول ما نزل من الكويت.
– اشتراها منين؟؟ جاب تمنها منين دى باين عليها غالية أوى؟
قبل أن تجيب ولاء جاءهم صوت حسام قائلاً:
– شكلك مش مُلمة بالأملاك يا آنسة أروى، هو جدى مكتبش شركة الإستيراد و التصدير باسمك هى كمان.
ضيقت أروى عينيها و سألته:
– ايه علاقة الشركة دى بالعربية بتاع باسل؟
ضحك حسام ساخرًا:
– لاء ملهوش حق جدى بصراحة.
أروى بضيق:
– يا ريت يا حسام تبطل أسلوب السخرية دى و تتكلم جد شوية.
رفع حسام كتفيه بعدم اهتمام و قال هو يتحرك:
– مش متكلم خالص، دورى بنفسك.
نظرت أروى إلى فارس لتسأله لكنه لم يعطها الفرصة عندما تحرك نحو الدرج برفقة حسام، نظرت أروى إلى ولاء بحزن من معاملتهم لتربت الآخرى على كتفها كمواساة.
*****
بعد ساعة كان الجميع على مائدة الطعام يتناولون الغداء فى صمت قطعته ميار بمجيئها، ألقت التحية عليهم و هى تجلس بجانب باسل بعدما قبلته من وجنته، ألقت أروى ملعقتها و نظرت إلى ميار بضيق:
– ممكن أعرف الأخت هنا ليه؟؟
ابتسمت ميار بعته و أجابت:
– جيت أشوف ابن عمتى.
نطقت ميار جملتها و هى تحتضن ذراع باسل الذى سينفجر من الغضب، فقالت أروى و هى تنظر ليدها المتعلقة بباسل:
– هى الآنسة حولا و لا ايه؟ مبتشوفيش؟؟ اللى أنتى هاين عليكى تقطعى دراعه بين إيدك ده باسل مش حسام، حسام ابن عمتك هنا اهو على إيدى اليمين.
ابتسم كلًا من حسام و فارس على ما قالته أروى فى حين نهض باسل و هو يظهر قناع الجمود قائلًا:
– أنا الحمدلله شبعت، طالع أوضتى.
أنهى جملته و أزاح ذراع ميار عنه بضيق، و عندما حاولت أن تصعد معه منعها بحجة أنه سيخلد للنوم ليرتاح قليلًا، شعرت أروى بالسعادة عندما منعها باسل فهمست بصوت سمعه الجميع:
– واحدة لازقة، متعرفش طريق للكرامة.
فى المساء، أعدت أروى بعض اطباق الطعام و اتجهت بهم إلى غرفة باسل الذى سمح بالدخول دون أن يعرف من الطارق، وضعت أروى الطعام على خزانة الأدراج الملحقة بالسرير و قالت:
– أنا جبتلك الأكل.
رفع باسل نظره عن الأوراق المبعثرة أمامه على السرير عندما سمع صوتها، تفاجأ بوجودها فسألها بإستغراب:
– بتعملى ايه هنا؟
أجابت أروى مبتسمة:
– جيت أجيبلك الأكل لأنك مأكلتش ع الغدا بسبب ميار.
باسل بتهكم:
– و الله!! مش على أساس فى نظام و إللى مش هياكل فى المعاد اللى حضرتك حطاه ملهوش أكل تانى!!
توترت أروى و ندمت على فعلتها، فلم تجد إجابة مقنعة، لذا لم تجبه و تركت الغرفة و عادت إلى غرفتها و هى توبخ نفسها على ما فعلت.
بعد خروجها لملم باسل الأوراق واضعًا إياهم جانبًا و نهض ليتناول الطعام فهو كان جائعًا و يفكر فى طلب الطعام الجاهز، أنهى وجبته و أخذ الأطباق ليرجعها إلى المطبخ و يعد لنفسه كوبًا من القهوة، فى هذا الوقت كانت الساعة الحادية عشر و الجميع قد خلدوا إلى النوم.
عندما كان باسل على وشك الإنتهاء من إعداد القهوة سمع صوت صرير الباب و كأن أحد يفتحه ببطء و يخشى أن يمسك به أحد، تحرك باسل بهدوء ليرى أروى هى من تفتح الباب و تتلفت حولها لتتأكد أنه لا أحد يراها، انتظر باسل حتى خرجت و صعد هو سريعًا إلى غرفته و أخذ مفتاح سيارته و أسرع ليلحق بها.
توقف باسل بسيارته بالقرب من إحدى العقارات الراقية التى تقف أمامها أروى و هى تنظر إلى ساعتها بين الحين و الآخر و كأنها تنتظر وصول أحد، و بالفعل بعد عدة دقائق جاءت سيارة بيضاء و توقفت أمام مدخل العقار و ترجل من السيارة رمزى محامى عائلة المُعز و الذى عندما رأته أروى احتضنته بشدة ثم تحركا سويًا إلى داخل العقار و رمزى يحتضن كتفها بذراعه، و كل هذا يحدث تحت أنظار باسل الذى يستشيط غضبًا…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية