رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل التاسع عشر 19 - بقلم الهام عبد الرحمن

  

 رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل التاسع عشر 19 - بقلم الهام عبد الرحمن 

صلوا على الحبيب المصطفى 🌺

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹

كان يجلس إلى جوارها في إحدى الزوايا الهادئة بالنادي، يحتسي قهوته بصمت، بينما كانت هي تتحدث… تتحدث كثيرًا، وبكثيرٍ من الحنين.

كل جملة تخرج من شفتيها كانت بمثابة طعنة مغلفة بابتسامة.

لم تكن تدري أن كل كلمة عنه… كانت تقتله.

– أمنية وهي تضحك بخفة:

“عارف يا باشمهندس… أحمد نسي عيد جوازنا السنة اللي فاتت، بس أنا مقدرتش أزعله. كان راجع من مأمورية ووشه عليه آثار إرهاق شهور!”

ضحكت مرة أخرى، قبل أن تكمل بنبرة عفوية:

– “هو مش بيتكلم كتير،ولا بيقولى كلام حى طوى الوقت بس أنا عارفة إنه بيحبني وبيبقى عاوز يراضينى وعارفة ان مفيش فى قلبه غيرى … وكمان بيحب تقى بجنون. دي حياته حرفيًا، مش بينام إلا لما يشوف ضحكتها !”

“يزن” كان يهز رأسه بين الحين والآخر، محاولًا إخفاء ما يشعر به خلف ملامح مهذبة باردة.

لم تكن تعلم أن نظراته لم تكن بريئة.

هو لم يأتِ ليكون صديقًا، ولا ليعجب بحكاياتها عن زوجها وعشقها له…هو جاء لينتزعها لتكون ملكا له ليحتل قلبها لتعشقه هو وليس زوجها.

– يزن بصوت منخفض:

“بس أوقات الشغل مش دايمًا عذر يعني… في ناس بتشتغل ليل ونهار وبرضو بيخلوا وقت للي بيحبوهم.”

– أمنية بابتسامة ناعمة:

“آه بس أحمد ظابط، يعني ساعات بيغيب بالأيام، … هو دايما بيقول ان دا واجبه، وأنا بصراحه بفتخر بيه والله وبحس ان ليا قيمة وكيان لمجرد انى مراته مرات بطى من ابطال مصر اللى بيحموها ويدافعوا عنها.”

أشاح “يزن” بوجهه لحظة، يخفي شرارة انطفأت داخله.

لم يكن يكره “أحمد” كشخص… بل يكرهه لأنه موجود بقلب محبوبته بالقلب الذى حٕرم ان يكون هو بداخله.

كان يلعن هذا الاسم في سره، في كل مرة يُذكر فيه، ومع كل ابتسامة تُرسم على شفتيها بسببه.

كان يحاول بثّ شك صغير في قلبها…

أن ترى أن “أحمد” لا يراها كما يجب…

أن تُفتن به، هو “الباشمهندس شريف”، قبل أن يصارحها بالحقيقة التي تحرقه كل ليلة.


ولكنها كانت كمن تعيش في فقاعة، تراه ولا تراه. تسمعه ولا تسمعه.

وعيناها… لم تتوقف يومًا عن اللمعة التى تظهر كبريق فى عينيها لمجرد ذكر اسمه. كان يشعر انه فى حرب خاسرة كلما حاول جعلها تشك فى حب احمد لها تزداد ثقة وكلما حاول الاقتراب منها والفوز بقلبها كلما تشبثت هى بحبها لزوجها، اصابه اليأس وشعر انه لايوجد امل فى الفوز بقلبها ذلك القلب الذى لم يكن له منذ البداية.

فى ذلك الوقت بدأ يقضي وقتًا أطول مع “مريم”، دون أن يشعر كيف تسللت إلى يومه، ثم إلى قلبه بهدوء. كانت مختلفة… تُجيد الإصغاء، وتعرف كيف تختار كلماتها، فتجعل من أبسط الأحاديث شيئًا مريحًا، يشبه الخلاص.

صار يفتقدها إن غابت، ويبحث عنها إن تأخرت. وكلما ضحكت، شعر بشيء ما داخله يُشفى.

كان على وشك أن يفعلها… أن يحكي.

أن يُخرج السر الذي ظل حبيس قلبه لسنوات، أن يعترف لها أن “أمنية” لم تكن سوى جرح قديم، وأنه معها فقط بدأ يُشفى وانه يريد بالفعل ان يشفى من هذا الحب الذى انهك قلبه وروحه.

لكنه لم يعرف أن تلك الليلة ستكون مختلفة…

بينما كان يتحرك في غرفته، توقف أمام الباب المؤدي إلى الشرفة، وكانت شرفة حجرتها مجاورة لشرفته يدفعه شعور خفي إلى الخروج.

فتح الباب بهدوء، وقبل أن يخطو إلى الخارج، سمع صوتها.

كانت على الهاتف…

لكنها لم تكن وحدها.

فتح باب البلكونة بهدوء، يستنشق بعض الهواء، فإذا بصوتها يصل إليه من الشرفة المقابلة:

– مريم بهمس في التليفون:

“كنان… يزن بدأ يهدى، وبقى يتكلم معايا براحته بقا واثق فيا وشوية شوية هيحكى ويتكلم انا متأكدة انه خلاص بدأ يرفض حبها بس هو لسة بيقاوح جواه صراع كبير وهو بس اللى هيقدر يتغلب على نفسه.”

سكتت لحظة، كأنها بتفكر، ثم قالت:


– ” انت عارف ان أنا مش بعمل كده كطبيبة بس، إنت عارف من أيام الجامعة… أنا كنت بحبه. ودي يمكن كانت فرصتي الوحيدة إني أقرب، وأساعده من غير ما يحس.”

– كنان من الطرف التاني:

“ما هو لو عرف إنك كنتي داخلة حياته كطبيبة عشان تعالجه مش هيسامحك…”

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

– مريم بصوت ندمان:

“بس أنا ماكدبتش عليه. هو بس مش عارف إن انا وانت متفقين… ومش عارف إن كل اللي عملته علشانه كان من قلبي.”

“يزن” اتجمد مكانه.

الكلمات كانت خناجر، حتى لو كانت نابعة من نية طيبة.

مقابلتهم مكانتش صدفة كل شئ كان مدبر .

وهو… هو كان مجرد حالة بالنسبالها .

اتسعت عينا “يزن”، وتجمد في مكانه، كأن الهواء انقطع.

لم يُكمل الاستماع، لم يحتمل.

عاد إلى الداخل بخطوات بطيئة، كأنه بحمل الدنيا كلها فوق عاتقه

كل شيء داخله كان ينهار…

لم يكن اللقاء صدفة.

ولا هي كما ظن.

بعد يومان فى أحد الكافيهات التى كان يقابل بها مربم باستمرار…..

جلس يزن على طرف الطاولة في صمت، شارد الذهن، يُقلّب في كوب عصيره الذي فقد برودته منذ زمن. أمامه كانت مريم تتحدث عن العمل، صوتها ينساب برفق، بينما عقله كان لا يزال عالقًا في تلك الليلة… الليلة التي سمع فيها كل شيء. حديثها مع كِنان، واعترافها بأنها كانت تقترب منه بخطة، لا صدفة.


كان يزن يراقبها الآن بنفس النظرة الهادئة المعتادة، نظرة تحمل ثقة زائفة، لكنها كانت هذه المرة أشبه بقناع يخفي غليانًا داخليًا.

– مريم وهى تحاول اشراكه فى عملها كنوع من العلاج: “أنا كنت بفكر نبدأ بالحالات اللي عندها أعراض اكتئاب بعد الصدمة، ونقسمهم حسب نوع الحدث اللي مرّوا بيه… إنت شايف إيه؟”

لم يرفع رأسه نحوها، واكتفى بصوت هادئٍ لا يخلو من البرود:

– يزن: “شايف إنك شاطرة… وبتعرفي تلعبي على كل الحبال وكمان بتعرفي تكسبى ثقة المرضى بتوعك كويس .”

تجمدت الكلمات على شفتيها، وحدقت فيه للحظات غير مصدقة ما سمعت. هناك شيء في نبرة صوته جعل قلبها ينقبض، كأن رياحًا باردة ضربتها من حيث لا تدري.

– مريم: “يعني إيه؟ تقصد إيه بكلامك ده؟”

أجابها دون أن ينظر لها، بينما كانت عيناه تائهتين في نقطة لا تراها هي:

– يزن: “ولا حاجة… بس ساعات بحس إن في ناس بيحبوا الدور اللي بيلعبوه أكتر من الحقيقة نفسها… يعني مثلًا حد يكون بيمثل عشان يكسب ثقة اللى قدامه … بس ينسى إن ممكن الشخص التانى كاشفه وسايبه يقتنع باللى هو عاوزه .”

ارتبكت. قلبها خفق بقوة، وعقلها بدأ يحاول تفسير ما وراء كلماته. هل كان يقصدها؟ هل علم شيئًا؟

– مريم: “يزن، في حاجة؟ انت زعلان مني؟ شكلك مش طبيعى النهارده ”

رفع رأسه أخيرًا، ابتسم ابتسامة هادئة أقرب للجفاء، وقال بنبرة باردة:

– يزن: “بالعكس… أنا بدأت أفهمك أكتر، وده بيخليني أقدّرك أكتر… بس بطريقتي.”

تناول كوبه، ونهض بهدوء دون أن يمنحها نظرة أخرى، صوته يأتي من خلفه وهو يسير مبتعدًا:

– يزن: “لو حبيتي تلعبي لعبة العقل… لازم تكوني مستعدة تخسري القلب.”

غادر المكان، تاركًا مريم واقفة مكانها، تتابع خطواته بعينين دامعتين وقلب يشتعل بالقلق.

هل اكتشف الحقيقة؟ وإن كان قد اكتشفها… فماذا ينوي أن يفعل؟

ظلّت مريم واقفة مكانها، وعيناها معلّقتان بالباب الذي غادر منه. لم تكن تلك الكلمات العابرة مجرد جملة غامضة أخرى من يزن، بل كانت طعنة مُغلّفة بالهدوء. قلبها كان يعرف… يعرف أنه سمع شيئًا، ربما كل شيء.


جلست على الكرسي ببطء، وضعت يدها على صدرها كأنها تحاول تهدئة خفقاته، لكن الخوف تمدد داخلها كالنار.

– مريم تهمس لنفسها: “هو يقصدني… أكيد سمع اللي حصل… يا رب يكون لأ… يا رب!”

تذكّرت تلك الليلة، حين كانت في البلكونة، تتحدث مع كِنان بصوت ظنّت أنه منخفض كفاية. كانت تظن أن لا أحد يسمع، كانت تظن أن يزن غارق في وحدته أو نائم… اولم يعد من الاساس لم تكترث حينما وجدت باب شرفته مفتوحا وظنت انه نسى اغلاقه قبل خروجه، لم تكن تعرف أنه كان أقرب مما تخيلت.

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

نهضت فجأة، تناولت هاتفها، واتصلت بكِنان.

– مريم بصوت متوتر: “كنان! حصل حاجة غريبة اوى … يزن كان غريب اوي النهاردة، قال كلام خلاني أحس إنه زى ما يكون عرف !”

– كنان قلق: “طب اهدي بس… هو قالك إيه بالظبط؟”

– مريم: “قاللي إن في ناس بتحب الدور أكتر من الحقيقة، وإن لو حبيت ألعب لعبة العقل لازم أكون مستعدة أخسر القلب! هو كده يقصدني، مش كده؟”

– كنان: “أنا معرفش… بس لو فعلاً سمع، يبقى لازم نتصرف بسرعة. مريم، لو الموضوع اتكشف كده هيبقى صعب نصلح اى حاجة صعب نعالج يزن وممكن نخسره للابد.”

– مريم (بهمس): “أنا مكنتش بلعب بيه، يا كنان… أنا كنت بحاول أساعده، وبجد كنت عاوزاه يعرف إن أمنية مش ليه… بس هو عمره ما هيصدق إن دي نيتي دلوقتي!”

أنهت المكالمة وهي ترتجف. كل خطوة كانت تخطوها نحوه لم تكن بريئة فقط، بل كانت محمّلة بحُب دفين لم تجرؤ على الاعتراف به. لكنها لم تتخيل أن تنقلب الموازين هكذا… أن يرى يزن ما لم تكن تريد أن يظهر.

وقفت وشردت للحظة وتحدثت فى نفسها وتساءلت بصوت بالكاد تسمعه:

– مريم: “لو سابني… أنا هقدر أكمّل من غيره؟”

لم تكن تعرف الجواب.

لكنها عرفت شيئًا واحدًا: يزن تغيّر… وما هو قادم لن يكون سهلًا.



 

 •تابع الفصل التالي "رواية عاشق بدرجة مجنون" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات