رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل الثامن عشر 18 - بقلم الهام عبد الرحمن

  

 رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل الثامن عشر 18 - بقلم الهام عبد الرحمن 

كان الجو هادي في جنينة النادي، صوت الأطفال من بعيد، وضحكة أمنية الناعمة وهي بتتكلم مع تقى كانت بتنغرس جوا قلب أحمد وبيحس إنه أخيرًا بيسترجع لحظات كان فاقدها من زمان.

أحمد كان رايح يجيب عصير، وساب أمنية وتقى قاعدين على الترابيزة اللي تحت الشجرة.

يزن دخل من بوابة النادي، بملابس شيك ونضارة سودا مخبية نص ملامحه، لكن مشاعره كانت باينة في كل حركة من حركاته… ماكانش متوقع أبدًا يشوف أحمد جنب أمنية. قلبه اتخبط في ضلوعه، وعقله وقف عن التفكير.

أمنية رفعت عينيها، واتسمرت في مكانها… اللحظة اللي كان فيها يزن بيقرب منهم، وخطوته التانية كانت هتخليه في مرمى نظر أحمد اللي كان راجع عليهم.

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

أحمد قرب… عينه بدأت ترتفع… قلب أمنية بيخبط، مش عارفة تتكلم… ويزن على بعد لحظة من المواجهة.

وفجأة!

إيد شدّت يزن من دراعه بقوة، بص مصدوم، لقى مريم واقفة قدامه بوش مرتبك وضربات قلب سريعة.

– “إيه يا شريف؟! يعني حتى ماجاش على بالك تعتذرلي؟ ولا كرامتك ناقحة عليك للدرجة دى؟!”

كانت بتتكلم بصوت عالي شوية، بنبرة فيها زعل، لكن توترها كان باين. وشها محمر وعينيها مش قادرة تبصله كتير.

يزن اتجمد مكانه، بص لها مستغرب وقال بنبرة واطية:

– “إنتي بتعملي إيه؟!”

ردت عليه بسرعة وهي بتقرب أكتر وبتبعده عن مجال رؤية أحمد:

– “أنا؟ بأعاتبك على قلّة الذوق بتاعتك! يعني امبارح تحرجنى وتزعقلى وتسمعنى كلام يسم البدن ، وتاني يوم تعمل نفسك مش شايفني؟!”

ضحكة عصبية خرجت منها، لكن عينيها كانت بتلمّح على أحمد اللي لسه بيرجع للترابيزة، من غير ما يحس بحاجة.

أحمد قعد جنب أمنية، وبدأ يحكي معاها بهدوء، ومريم سحبت يزن بعيد، قلبها بيخبط، بس عقلها بيشتغل بسرعة.

تنهدت مريم براحة حينما رات احمد وعلمت انه لم يرى يزن

يزن بتردد: انا بجد اسف على اسلوبى معاكى امبارح بس انتى استفزتينى اوى ازاى تنزلى فى وقت متأخر لا ولابسة بيچاما انتى متخيلة لو كنت انا طلعت او مسمعتس صريخك كان ممكن يحصل فيكى ايه؟

مريم بضحكة متوترة: ماخلاص بقا ياجدع هو انت هتفضل تقطم فيا كدا كتير وبعدين ماهو انت السبب فى نزولى اقولك احنا احسن حاجه نقفل على الموضوع ده لاننا كل لما هنتكلم هنتشاكل مع بعض.

يزن: انا بقول كدا بردو يلا بينا نمشى من هنا.


مريم بخبث: ايه دا مش هنقعد مع امنية النهارده دى حتى موجوده هناك اهى.

يزن بتوتر: لا مش هينفع اصل انا مشغول شوية وبعدين هى تقريبا قاعدة مع جوزها وميصحش نقتحم عليهم خصوصيتهم انا همشى عندى شغل مهم يلا سلام.

ذهب يزن مسرعا من النادى يلعن حظه العاثر وكيف كان سيضيع فى غمضة عين لولا ظهور مريم فجأة وانقاذها له دون ان تعلم.

منذ أن انتقلت مريم للسكن في الشقة المقابلة لشقة يزن”، لم تكن مجرّد جارة فضولية. بل كانت تتابع تصرفاته وتحلل كلماته ونظراته بدقة الطبيب الذي يراقب مريضه في جلسة غير معلنة. كانت تستدرجه للحديث البسيط، تصطنع المزاح أحيانًا، وتفتعل جدالًا بريئًا حينًا آخر، فقط لتفتح بابًا جديدًا داخل عقله.

مرت الايام وكانت مريم تفرض وجودها فى حياة يزن بشكل مستمر فى محاولة منها لعلاجه وجعله يتنحى عن فكرة حبه لامنية…

فقد كانت تعلم أن علاجه الحقيقي لن يكون بالدواء فقط، بل بإعادة برمجة عقله ووجدانه. مريم كانت تبني علاقة ثقة ببطء، لتكون أول من يعترف أمامها بحقيقته، لكن في الوقت المناسب… لا قبله.

وفى احدى الايام خبزت مريم صينية من الكيك واخذت بعضا منها وذهبت اليه لتعطيه اياه وحينما فتح لها الباب ابعدته ودخلت دون استئذان وجلست على الاريكة وهى تقول بابتسامة…

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

مريم: تعالى تعالى يا باشمهندس انا عاملالك كيك انما ايه جنااان قرب دوق دا انا شيف جامدة اوى.

نظر لها يزن بقلة حيلة وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا ويقول فى نفسه…

مفيش فايدة مش هعرف اخلص منها ابدا مش عارف هى حشرية كدا ليه؟

ثم ذهب وجلس بجوارها فمدت يدها بقطعة من الكيك وهى تقول…. الكيك دا عاوز كوبايتين شاى هقوم اعمل واجى اوعى تتحرك من مكانك انا عارفة مكان كل حاجه.

اعدت الشاى وجلست بجواره تتناوله مع الكيك بتلذذ

مريم بابتسامة خفيفة:

– “هو إنت دايمًا كده ساكت ومبتحبش تتكلم؟ ولا بتتكلم بس مع اللى بتحبهم بس؟”

يزن بابتسامة مرتبكة:


– “أنا بس مش بحب أحكي كتير… يمكن علشان محدش بيسمع بجد.”

مريم بتلمّح بإحساس:

– “طب أنا هسمعك… من غير ما أحكم، موافق؟”

يزن: انا معنديش حاجة احكيها مبحبش اتكلم ولا افرض نفسى على حد.

شعرت مريم انه يقصدها بحديثه ذلك ولكنها لم تعيره اهتماما.

– “عارف؟ كان عندى حالة من حوالى سنة لشاب كان بيحر واحدة وبيتهيأله إنها بتحبه لكن الحقيقة انه كان بيتوهم كدا …”

يزن شدّ يده على الكوب، وحاول ان يخفى توتره:

– “آه؟ إيه؟… لا يعني… القصص دي بتتكرر، الناس كلها عندها أوهام في الحب.”

مريم بنبرة محسوبة:

– “بس ساعات الوهم بيتحول لهوس… وبيخلّي الواحد يصدق إن اللي بيحبه شايفه بنفس العين… وده خطر ياترى انت حبيت قبل كدا؟.”

يزن بتردد: الحب دا مجرد وهم حاجه بنضحك بيها على نفسنا عشان نهرب من متاعب الدنيا لكن مفيش ست بتحر راجى كل الستات خاينين.

مع مرور الأيام، بدأ “يزن” يشعر بالراحة في الحديث مع مريم. لم تكن تهاجمه بأسئلة مباشرة، بل كانت تترك له المساحة ليحكي بطريقته، عن “أحلامه”، و”الخذلان”، و”امرأة أحبّها وخذلته”… دون أن يعرف أنها تسجّل داخلها خريطة كاملة لوهمه العاطفي.

يزن بصوت واطي:

– “عمركِ حبيتي حد وبقيتي متأكدة إنه بيحبك… بس فجأة اكتشفتي إنكِ كنتي لوحدك؟”

مريم بهدوء:

– “آه… بس فرق معايا إني صدقت الحقيقة مش الوهم… لأن الوهم بيخلّي القلب يتدمر، و العقل ينهار.”

يزن ساكت شوية:

– “أنا… أنا حبيت بجد، سنين… بس يمكن كنت لوحدي فعلاً معرفش هى حبتنى فعلا ولا كان بيتهيألى .”


مريم بنظرة حنونة، وقلبها بيوجعها عليه:

– “يمكن تكون محتاج تشوف الحب بعين تانية… مش بعين الماضي.”

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

نظر لها يزن والصمت يتملّك ملامحه… كأنه لأول مرة يسمح لنفسه ان يسمع هذا الحديث من شخص آخر غير نفسه، شخص لا يحكم عليه… لكن قلبه كان يشعر بالارتباك.

– “أنا حاولت أنساها… حاولت أصدق إن اللي حصل كان وهم… بس لسه صوتها في دماغي، ضحكتها، كل تفصيلة فيها… كل ده بيرجعلي كل ليلة.”

مريم كانت تستمع بقلبها قبل اذنها… وترى كم عانى وكم يشعر بالارهاق العصبى ، ليس فقط من حب انتهى، لكن من خيبة أمل في نفسه.

– “الحب الحقيقي ما بيكسرش، يا يزن… اللي يوجعك بالشكل ده ماكانش حب… كان تعلق… هوس… احتياج مش أكتر.”

يزن بتنهيدة عميقة وهو ينظر بعيدا: – “بس أنا كنت شايف إنها ليا… كنت متأكد… لدرجة إني…”

سكت فجأة، كأن لسانه اتعقد.

مريم حاولت تخفف الجو، فقامت واحضرت له قطعة كيك اخرى كما تعودت فى الاونة الاخيرة ، ومدتها له بابتسامة خفيفة:

– “كل لما تحس انك موجوع خدلك حتة كيك هيفرق معاك اوى الحلويات بتملا القلب سعادة ”

ضحكة خفيفة خرجت من بين شفايفه لأول مرة بجد… أول مرة ملامحه تفك من الجمود اللي كان فيها.

– “أنا حاسس إنك بتغيريني من غير ما أخد بالي معاكى بحس ان.مش انا ببقى عاوز اضحك واتكلم واحكى .”

مريم نظرت له نظرة فيها دفء، وقالت بهدوء: – “وأنا مش عايزة أغيّرك… أنا بس عايزة ترجع تكون نفسك… من غير خوف، من غير وجع، من غير وهم.”

فى هذا اليوم خلّف أثر داخل يزن… ولأول مرة، بعد شهور من العزلة والضياع، دخل لينعم ببعض الراحة بعد ان غادرت مريم وهو مبتسم قليلا… يمكن فعلا انا حاسس انى بقيت كويس بسبب الكيك… أو يمكن بسبب مريم.

فى شقة مريم كانو تمسك دفترها وتدون….

“بدأ يثق… بدأ يحكي… الطريق طويل، بس أنا معاه، لحد ما يشفى، أو… لحد ما يقع في حبّي بدل وهمه.”


 

 •تابع الفصل التالي "رواية عاشق بدرجة مجنون" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات