رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل السابع عشر 17 - بقلم الهام عبد الرحمن

  

 رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل السابع عشر 17 - بقلم الهام عبد الرحمن 

لم يكن الليل هادئًا كعادته، بل كان يخفي في طياته ما هو أعمق من السكون… شيئًا أشبه بالاختناق.

في تلك الساعة المتأخرة، حيث خلا الشارع إلا من أعمدة النور التي تسلط ضوءًا باهتًا على الأرصفة، توقفت سيارة سوداء بمحاذاة الرصيف، بداخلها شاب يتكئ برأسه على المقود كأنما يحمل فوق عاتقه ما يفوق قدرته.

كان “يزن” غارقًا في صمته، وجهه شاحب، عيناه مطفأتان، وصدره يصعد ويهبط في تنهيدات حارة أثقلها الوجع والغضب المكبوت.

من نافذة منزلها، أبصرت “مريم” السيارة المتوقفة، فتجمدت لحظة قبل أن تهمس بقلق:

مريم لنفسها:

“يزن؟! كان فين فى الوقت المتأخر دا ؟! ده شكله تعبان…”

لم تتردد. ارتدت سريعًا حذائها ولم تكلف نفسها عناء ارتداء ملابس اخرى فنزلت بالمنامة البيتية وركضت نحو الشارع، قلبها يسبق خطواتها، لا تدري إن كان خوفًا عليه أم فضول طبيبة تريد دراسة حالة مريضها.

اقتربت من السيارة بحذر، ثم طرقت على الزجاج بلطف، لم يتحرك. حاولت فتح الباب، فوجدته غير مغلق بإحكام، ففتحته بهدوء.

مريم بصوت حنين:

“شريف؟ مالك؟ إنت كويس؟”

رفع رأسه ببطء، نظرة مثقلة بالخذلان وجهها إليها، شفتاه متصلبتان عن الكلام، قبل أن يفتح الباب ويترجل بصمت، دون أن ينبس بكلمة، متوجهًا نحو مدخل العمارة.

مريم بصدمة:

“إيه ده… ده مشي وسابني؟! ما ردش عليا حتى؟!”

همّت باللحاق به، غير أن خطواتها توقفت فجأة على وقع أصوات بعض الشباب تقترب منها…

شاب بصوت مستفز:

“إيه القمر ده؟ شايف ياض الحتة الجامدة دى ؟!”

الشخص الآخر:

“طب ما تيجي تقعدي معانا بدل ما انتى واقفة لوحدك كدا باجميل دا احنا حتى هنبسطك اوى …”

حاولت الابتعاد بخطوات واثقة، ممثلة القوة، لكن ضحكاتهم الوقحة كانت كالسكاكين.

مريم بتوتر خفي:

“ابعدوا عني… إنتو متخلفين؟!”

لكنهم حاصروها بالكلمات والضحك، فانكمش قلبها، وشعرت بالخوف ينهشها رغم تصنعها.


مريم بصوت مرتجف:

“شريف! شريف!”

لم يُجبها، فصاحت أعلى، بصوت امتزج بالبكاء والرجاء:

“شريف!!”

هنا التفت يزن فجأة، وعيناه اتسعتا برعب حين رآها محاصرة من قبل هؤلاء، هرول نحوهم كالبرق، قبض على يدها وسحبها خلفه، لكن أحدهم اعترض طريقه وحاول جذبها من ذراعها.

أبعدها يزن مسرعا خلفه كدرع منيع، ثم نظر إلى الشاب بغضب ناري:

يزن بصوت مخنوق بالغضب:

“المسها تاني وهخلي أهلك ميعرفوش حتى بتعرفوا على جتتك..”

اقترب الشاب منه متعجرفًا، لكن قبضته كانت أسرع من تفكيره… لكمة صاعقة أطاحت به أرضًا، فتبعها بضربات متلاحقة، قبل أن ينقض على البقية الذين التفوا حوله.

لم تمضِ دقائق حتى كانوا جميعًا مطروحين أرضًا، يتأوهون من الألم، كأن زلزالًا مرّ بهم.

استدار يزن إليها بغضب عارم، قبض على يدها مجددًا، وسحبها بعنف إلى مدخل العمارة، ثم ضغط زر المصعد ودخلا معًا.

مريم متألمة وهي تمسك ذراعها:

“في إيه؟ إنت متعصب عليا ليه كده؟ اوعى كدا هتكسر إيدي يا جدع!”

يزن ينفجر غضبًا:

“إنتي مجنونة؟ إزاي تنزلي الشارع في وقت زي ده؟ لا وكمان بالمنظر ده؟!”

مريم بعناد ممزوج بالدموع:

“يعني الحق عليا إني قلقت عليك لما لاقيتك قاعد جوه العربية وشكك مش طبيعي؟! وراجع متأخر كده؟!”

يزن بحنق:


“وإنتي مالك؟ شاغلة دماغك بيا ليه؟! هو أنا من بقية أهلك؟!”

تسكت مريم للحظة، ونظرتها تتبدل… فيها وجع، وشيء ما يشبه الاعتراف… لكنها تغض البصر، وتكتفي بالسكوت.

خرج يزن من المصعد بخطوات سريعة، وهي تلحق به، تسحَب ذراعها من قبضته بقوة.

مريم بعصبية:

“سيب إيدي! انت فاكر نفسك مين؟! كل ده عشان قلتلك مالك؟! انا اصلا غلطانة انى عبرتك وخوفت عليك ”

وقف فجأة، والتفت لها، وعيناه لا تزال تغليان بالغضب.

يزن بحنق:

“أنتي اللي فاكرة نفسك مين؟! نازلة بالشكل ده ومش فارق معاك الناس ممكن تقول عليكى إيه؟!”

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى محمد

مريم ترفع حاجبها:

“ناس ايه؟! أنا كنت نازلة أطمن عليك! شوفتك في العربية وشكك مش طبيعي!”

يزن بسخريه:

“ماشي… شكرًا على الاطمئنان، روحي بقى ادخلى شقتك وسيبينى فى حالى انا اصلا فيا اللى مكفينى ومش فاضى لشغل الدكاترة بتاعك دا كفاية عليكى المجانين بتوعك !”

مريم تهتف:

“إنت فعلاً قليل ذوق…!”

يزن ببرود قاتل:

“وأنتي انسانة متطفلة… محدش طلب منك تنزلي ولا حد طلب منك تتدخلى فى حياة غيرك!”

لحظة صمت قاتلة بينهم، فيها عيونهم بتقول كلام كتير، هو شايفها تجاوزت، وهي شايفاه مكسور وبيتهرب.


ثم فجأة، يستدير نحو شقته ويفتح الباب بعصبية.

يزن بصوت غليظ:

“متقربيش مني تاني… أنا مبحبش حد يتدخل فى حياتى ، ومش محتاج حد يبقى واصى عليا ابعدى عنى احسنلك!”

ويغلق الباب بقوة خلفه.

تظل مريم واقفة أمام شقتها، تنظر للباب المغلق، تنفخ في ضيق، ثم تخرج المفاتيح وتفتح هي الأخرى باب شقتها، ولكن قبل أن تدخل، تتمتم لنفسها بسخرية حزينة:

مريم بهمس:

“أيوه يا يزن… واضح إن الجلسات مش هتبقى سهلة معاك…”

تدخل شقتها وتغلق الباب بهدوء.

تسند ظهرها عليه، تتنهد تنهيدة طويلة، كأنها بدأت تدرك أنها لن تعالج رجلًا عاديًا… بل قلبًا مُدمى عانى صراعا حطمه من الداخل فاصبح هشاً يخاف الاقتراب من اى شخص.

دلف يزن إلى الشقة وصفق الباب خلفه بعنف، كأنّه يحاول ان يغلق خلفه العالم كله، لا فقط تلك الفتاة التي لحقت به.

ألقى مفاتيحه على الطاولة الصغيرة قرب الباب، ثم خلع الجاكيت، وألقاه فوق الكرسي بعشوائية.

تقدم خطوات بطيئة نحو الصالة، جلس على الأريكة، وأسند رأسه للخلف، وأغمض عينيه…

يزن فى نفسه:

هي دلوقتي نايمة جنبه… بتضحك معاه… يمكن حتى بتقوله انها بتحبه بيلمسها بيشوف جسمها …

قبض على قبضة يده بقوة حتى ابيضت مفاصله، وفتح عينيه فجأة، يتنفس بسرعة، كأن الهواء ثقيل ولا يكفيه.

يزن بصوت مخنوق:

“أحمد… خدت مني كل حاجة… خدتها وقتلت حبى دمرتنى !”

وقف فجأة، وبدأ يمشي في الغرفة جيئة وذهابًا، وكأن الأرض ليست ثابتة اسفله.


بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

يزن بصوت أعلى:

“أنا اللي المفروض ابقى معاها انا اللى لازم اكون بين احضانها انا اللى بس ليا الحق اتمتع بحبها وضحكها انا اللى المفروض اشوف دلعها وكسوفها !”

توجه ناحية مكتبه، فتح الدرج، وأخرج صورة صغيرة قديمة لأمنية، تجلس فى حديقة منزله القديم.

حدّق فيها طويلًا، ثم مرر أصابعه على ملامحها برفق، وعيناه تلمعان بمرارة.

يزن بهمس مشوّه:

“كنتي بين ايديا وهو جه واخدك منى حرمنى منك سرق حياتى وهنايا وانتى اللى ساعدتيه على كدا اختارتيه وسيبتينى اختارتى اللى اهملك دلوقتى لكن انا كنت ناسى حياتى عشانك …”

ثم فجأة، في لحظة غضب، مزّق الصورة نصفين، وألقاها على الأرض.

اتجه ناحية الشباك، وفتحه ليضربه هواء الليل البارد،

أسند جبينه على الزجاج، وعيناه تترقرقان بدموع خفية.

يزن بصوت مخنوق:

“أنا مش قادر أنساكي… ولا قادر أوصل لقلبك تاني…

بس أقسم بالله مش هسيبك ليه… مش هتتهنّى بيها يا أحمد، طول ما أنا عايش…”

فى صباح اليوم التالى تململت امنية على الفراش وفتحت عيناها ببطء فوجدت احمد ينظر لها بابتسامة خلابة وهو يضمها الى صدره بحنان…

أحمد: صباح الورد والياسمين على اجمل وارق امنية فى الدنيا كلها.

امنية بخجل: صباح النور ياحبيبى ايه اللى مصحيك بدرى كدا؟!

نظر لها احمد بخبث ثم غمز بعينه: صاحى عشان عاوز املى عينى من القمر اللى بين ايديا واللى متعنى بسقاوته امبارح واللى مخلينى اخدت اجازة مخصوص النهاردة عشان اقضى معاه اليوم كله.


امنية بفرحة عارمة: انت بتتكلم بجد يا احمد يعنى انت النهاردة مش هتروح الشغل وهتقعد معايا انا مش مصدقة نفسى اخيرا انت بقالك كتير اوى مقعدتش معايا ولا خرجنا سوا.

ثم هبت واقفة وذهبت باتجاه الدولاب واخذت تخرج منه العديد من الملابس وهى تقول بسعادة وحماس…

ايه رايك البس دا ولا دا ولا دا هيكون احسن اقولك احنا نعمل ماتشنج مع بعض وتقى كمان ونخرج دلوقتي نقضى اليوم كله فى النادى ونتغدى برا ونروح السينما ونركب كمان مركب فى النيل ونروح حديقة الحيوانات…

قاطعها احمد بابتسامة… ايه حيلك حيلك ايه كل دا؟! كل دا هنعمله فى يوم واحد؟

امنية: ماهو انا مش ضامنة تعرف تاخد اجازة تانى وعاوزة استغل الفرصة ياحبيبى.

احمد وهو يقترب منها ويحتضن خصرها بين يديه ويقول بهمس ونبرة ذات مغزى… ما انا كمان عاوز استغل الفرصة وافضل معاكى ونقضى وقت لطيف اصل بصراحه انتى وحشانى موووت ونفسى آكل كل حتة فيكى.

امنية بخجل: احمد عيب بقا كدا متكسفنيش.

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

احمد بضحك: اااه منك انتى يامدوبانى ومدوبة قلبى بدلعك وكسوفك دا.

على الجانب الآخر خرج يزن من شقته وتوجه الى شقة مريم ووقف امامها مترددا يريد ان يطرق باباها ولكن شيئا ما يمنعه لا يعلم اهو الخجل مما فعله معها امس ام خوفه من الاقتراب منها ولكن خوفه انتصر وقرر الذهاب.

اما بداخل الشقة فكانت مريم تجرى حديثا هاما على الهاتف…

مريم: انت عارف كويس انى الوحيدة اللى هقدر اعالجه وانا اصلا مش هتخلى عنه انا مصدقت ياكنان انى هبقى جزء من حياته تانى.

كنان: انا خايف عليكي يامريم تعلقى نفسك بالوهم تانى يزن مش قادر ينسى امنية ولا قادر يبعد عنها كفاية انه خاطر بحياته بس عشان يبقى جنبها.

مريم: اطمن ياكنان مريم بتاعت دلوقتي غير مريم بتاعت زمان، زمان انا كنت لسة طالبة صغيرة بتسيب محاضراتها وتروح كلية الشاب اللى بتحبه بس عشان تشوفه وقتها مكانش عندى الجرأة اكلمه واعترفله بحبى او حتى اخليه يحبنى وبسبب جبنى خليته ضاع من ايدى لكن دلوقتي انا هعرف ازاى اخليه يحبنى وميشوفش حد غيرى وكفاية انك جنبى وهتساعدنى.


فى نفس الموعد اليومى ذهبت امنية بابنتها تقى الى النادى ولكن اليوم كان بصحبتهما زوجها احمد فجلسوا على احدى الطاولات وكانت تشعر بالتوتر لانها تعلم ان شريف سوف ياتى فى اى لحظة فقد كانت ترتعب من مجرد التفكير بهذا اللقاء بينه وبين زوجها ولكنها ارادته بشدة حتى تثبت لزوجها انها مازالت بعقلها ولم تجن.

بعد قليل حضر يزن وراى امنية وابنتها تقى تجلسان على الطاولة فسار فى اتجاههما والابتسامة تعلو ثغره وحينما اقترب ظهر احمد فى ذلك الوقت والذى كان يحضر لهما بعض المثلجات فوقف يزن متسمرا وعيناه جاحظتان بشدة.



 

 •تابع الفصل التالي "رواية عاشق بدرجة مجنون" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات