رواية ركان الفصل الخامس عشر 15 - بقلم حنين ابراهيم

 رواية ركان الفصل الخامس عشر 15 - بقلم حنين ابراهيم 

ركان15
✍🏻 حنين إبراهيم الخليل

في الوقت الذي كان فيه حمزة يتبع التعليمات التي وصلته ، وقف مع عمر أمام بوابة القصر المنيف  الذي وصله العنوان إليه، يرافقه رجُلان ضخما البنية بدا عليهما أنهما من الحرس الشخصي. خطواته الواثقة لم تكن لتخفي القلق المستتر خلف عينيه، أما عمر، فقد كان يتلفت حوله بإعجاب، يلتهم تفاصيل المكان بنظراته: سلالم ذات أطراف ذهبية، أثاث كلاسيكي فاخر، وتماثيل رخامية تزين جوانب غرفة المعيشة.

جلسا في صمت ثقيل، ينتظران زعيم العصابة، الرجل الذي جرّ عمر إلى دوامة العذاب منذ البداية، لولا أن اختار أن يُخزن بضاعته في قريتهم، مستأجرًا المرأب من والده، لما سقطت الكارثة على رؤوسهم.

وفجأة، ظهر الرجل من أعلى السلم، في أواخر الأربعين، ذو هيبة واضحة. منكبان عريضان، وملامح وجه قاسية، لا تقبل الكثير من التأويل. وقف حمزة بإجلال، بينما بدا على عمر بعض التردد والرهبة.

اقترب الرجل منهما، ومد يده مصافحًا:
– "أهلًا يا حمزة، القصر نوَّر بوجودك."

رد حمزة بابتسامة دبلوماسية:
– "القصر منوَّر بأصحابه، سيد عاصي."

ارتبكت ملامح عاصي حين سمع اسمه، لكن سرعان ما استعاد رباطة جأشه وأدار عينيه نحو عمر.

– "أقدملك عمر، ذراعي اليمين."

رفع عاصي حاجبيه متفاجئًا:
– "في السن ده؟"

ربت حمزة على كتف الفتى قائلاً بفخر:
– "ميغرّكش شكله، ده صغير بس بيحيّر."

جلس عاصي، وبدأ يفك أزرار سترته السوداء ببطء قبل أن يتحدث بنبرة تحمل بعض التردد:
– "أنا طلبت أشوفك النهاردة عشان شغل مختلف، غير اللي كنت بتعمله قبل كده."

أومأ حمزة بثقة:
– "اللي تأمر بيه يا بيه."

لاحظ حمزة تردده في الحديث أمام عمر، فسارع ليطمئنه:
– "تقدر تعتبرني وعمر شخص واحد."

استسلم عاصي للإقناع، وأفضى لهما بتفاصيل المهمة، فقبل حمزة بها دون نقاش.

**

في وقت لاحق، اتجه الاثنان إلى الميتم، فاستغرب عمر مرافقة حمزة له، لكن الأخير اكتفى بابتسامة غامضة وهمس:
– "عندي مفاجأة."

دخل حمزة مكتب مدير الميتم، ضياء، وقدّم له أوراق التبني بعد بعض المعاملات، ثم غادرا معًا، يودعان من تبقى هناك.

واصلت الدهشة مرافقة عمر، وهو يدخل حيًّا جديدًا لا يعرفه، حتى وصلا إلى شقة متواضعة، نظيفة، مرتبة، رغم بساطتها. جلسا، وسأله عمر فجأة:
– "هو حضرتك متجوز؟"
– "تقدر تقول ملقيتش اللي تملي دماغي."

وبينما كان حمزة يضع حقيبة عمر، سُمع صوت باب الغرفة يُفتح فجأة.

وقفت أمامهما فتاة ترتدي عباءة سوداء ضيقة، ألوان زاهية تزين عينيها، وأحمر شفاه فاقع، جعل مظهرها غريبًا، بل نافرًا.

قالت بسوقية:
– "إنت جيت يا ميزو؟"
رد حمزة ببرود:
– "لا، لسه في الطريق."

تقدّمت وجلست واضعة رجلًا على رجل:
– "يوه يا ميزو، قصدي إنك جيت بدري النهاردة. مش عوايدك."

– "ما أجي وقت ما أحب. هو أنا هاخد إذن منك عشان أجي بيتي؟"

كان عمر يراقبهما بدهشة، فلاحظ حمزة نظراته وقال مازحًا:
– "أعرفك... الحتة الشمال."

– "قصدك اللي في القلب وكده؟"
أكمل ضاحكًا:
– "يا وِلد... على العموم، الله يسهل لك."

– "لا قلب إيه؟ أنا بقولك على شغلانتها."

عقد عمر حاجبيه ولم يفهم، بينما نهضت الفتاة من مكانها وقد اشتعل الغضب في عينيها:
– "كده؟ طيب يا حمزة... تشكر."

حملت حقيبتها، وعند الباب رمت بكلماتها الأخيرة:
– "على فكرة... أنا عملتلك طفح في المطبخ... اطفحه بالسم الهاري!"

أغلقت الباب خلفها بعنف، بينما لم يكترث حمزة على الإطلاق. نهض ببرود، توجه إلى المطبخ، وعاد بصينية الطعام ووضعها أمام عمر.

كان وجه عمر محمرًّا من الحرج، حين أدرك طبيعة العلاقة بينهما. أما حمزة فكان يمضغ الطعام بشهية:
– "كل يا عمر، ما تتكسفش. البت دي نفسها حلو في الطبيخ."

مد عمر يده بخجل، وبدأ الأكل:
– "بس مكانش يصح تحرجها كده."

– "متشغلش بالك بيها. هي يومين وهتتراضى."

**

مرّت الأيام، وفتح حمزة ورشته التي يعمل بها كغطاء لعمله الخفي. بدأ عمر يعاونه فيها. وفي أحد الأيام، فوجئا بقدوم فهد.

استقبله عمر بحرارة. وبعد تبادل السلام، قال فهد إنه يبحث عن عمل ومكان يبيت فيه.

– "عندي غرفة في السطح تنفع، وعندي شغل كمان."
لكن فهد رفض:
– "خليني بعيد عن السكة دي... مش ناقص وجع دماغ."

أصر حمزة:
– "طب، أعلّمك شوية صنعة مكانيكا... تمسك الورشة بعد ما نسافر."

فهد، بدهشة:
– "هتاخد عمر معاك؟ هتسافروا فين؟"
– "إيطاليا."

وبعد أشهر، وبين أوراق وواسطات، قُبِلت الفيزا، وسافر الاثنان، كلٌّ يحمل طموحًا في داخله...

حمزة: يسعى لمكانة أعلى وسلطة أوسع.
عمر: لا هدف له سوى أن يعرف مصير أخته... ثم ينتقم.

فهل سيتحقق لأيٍّ منهما ما يطمح إليه؟ وهل ستتقاطع طرقهما أو تتعارض في المستقبل؟
هذا ما ستكشفه الأجزاء القادمة...

 •تابع الفصل التالي "رواية ركان" اضغط على اسم الرواية 

تعليقات