رواية ركان الفصل الرابع عشر 14 - بقلم حنين ابراهيم
14ركان
✍🏻 حنين إبراهيم الخليل
جلس فهد يحتسي قهوته ببطء، ونظراته تائهة في الأفق، ثم قال بصوت هادئ:
– "هيحصل إيه دلوقتي؟"
رد عمر بلا مبالاة مفتعلة، وكأنه يهرب من التفكير:
– "الصراحة معرفش... منهم للقانون بقى."
سأله فهد باهتمام، محاولًا استيعاب الصورة كاملة:
– "وضياء؟"
أجابه عمر وهو يحاول تذكر ما قاله حمزة:
– "حسب ما قال حمزة، فهو هيطلع منها... لأنه ملوش علاقة مباشرة، بس مع التحقيق ممكن نخلي شؤون مختصة تشوف وضع الميتم، ويطردوه منه، ويعينوا ناس جديدة... أنضف."
ابتسم فهد بخفة وهو يهمس:
– "ياريت... عشان أعرف أسيب الميتم وأنا مطمن."
رد عليه عمر وقد ارتسمت على وجهه لمحة حزن:
– "يعني إنت هتسيبه على طول؟ مش هتزورنا؟"
– "لا طبعًا، هزوركم كل يوم، بس... أبقى مطمن عليكم في غيابي. يا عم كلها سنتين تلاتة، هنقضيهم بالطول ولا بالعرض، لحد ما نطلع منه... زيك."
ابتسم فهد، لكن ابتسامته هذه المرة كانت باهتة، ثقيلة، محمّلة بمرارة:
– "بس الميتم مش هيقفل لما نطلع... كل يوم هييجي طفل جديد، أهله ماتوا، أو محدش عايز يشيل مسؤوليتهم... واللي الناس لاقيينهم على باب جامع... أو الأسوأ، وسط زبا..."
توقف قليلًا وكأن الكلمات علقت في حلقه، ثم تابع:
– "مش عارف ليه عملوا معاه كده... كأنه هو اللي فرض عليهم ييجي للدنيا، فبيعاقبوه، وكأن قسوة أهلهم ما كفتهمش... ييجوا يلاقوا حتى المكان اللي متخصص يأويهم... جحيم تاني... واللي، واللي..."
ربت عمر على كتفه بحنان أخوي حقيقي، وهو يقول:
– "متشيلش هم، يا خويا، طول ما إحنا موجودين، إحنا اللي هنكون أهلهم، مش هنسمح لحد يأذيهم."
أومأ فهد، مؤكّدًا كلامه، وعاد الاثنان إلى الميتم.
كان ضياء في مكتبه، يتصبّب توترًا، وهو يرتب عدة أوراق من الأرشيف، معظمها مغطى بالغبار.
لم يسأله أي منهما شيئًا، فقد اتفقا دون كلام على أن لا يثيرا الشكوك.
في جهة أخرى، كان داغر قد اقتيد إلى مكتب اللواء، لا يعلم السبب ولا التوقيت، فقط جلس ينتظر كمن ينتظر حكمًا مؤبدًا.
دقائق تمرّ كالسكاكين، حتى دخل رائد مع اللواء أنس، الذي بادره بنبرة رسمية باردة:
– "حضرتك متهم باستغلال منصبك، والتستر على مجرم، وأخذ رشوة. حضرتك متحول للتحقيق."
حاول داغر أن يخفي توتره خلف قناع من الغضب:
– "إيه الكلام الفارغ ده؟"
أخرجه رائد من وهم السيطرة وهو يضع صورة أمامه:
– "طبعًا عارف اللي معاك في الصورة دي... بعد القبض عليه ومواجهته بالأدلة، اعترف عليك. وإنتوا الاتنين هتتقدموا للمحاكمة."
نظر داغر إلى الصورة، كانت صورته مع ضرغام...
الذهول جمد ملامحه، وأجبره على الجلوس على أقرب كرسي، منهارًا دون أن يدري.
في الوقت ذاته، حُكم على فوزي بالسجن بتهمة الاتجار بالممنوعات.
خلال التحقيق، نفى أن يكون ضياء هو من أعطاه الحقيبة، ولم يذكر عمر حتى لا يتورط اسم الميتم ويكشف عملهم ، و لأنه لا يعلم اسم الذي يعمل عمر معه ...
لأن عمر أخبره أنه سيعرفه عليه بعد "العملية" ، فاضطر لاستخدام اسم ضرغام، فكان نصيبه الحكم بالمؤبد.
بعد أيام، تحوّل الميتم إلى ورشة كبيرة.
نشاطات غير معتادة، رجال يأتون بدهانات وأوراق حائط، يغيرون ملامح المكان...
الحافلة التي كانت تأتي لاصطحاب الأطفال إلى العمل، جاءت محمّلة بالألعاب والملابس.
أمر ضياء الأطفال بعدم الخروج من الميتم.
فرح الصغار، ارتدوا الملابس الجديدة، وملأوا المكان ضحكًا وحياة.
جاءت لجنة تفتيش لتقييم الوضع، ضياء كان واقفًا بينهم، متوترًا رغم نظافة المكان.
لكن اللجنة لم يعجبها شيء:
الأطفال لا يحسنون القراءة ولا الكتابة.
صدر القرار:
إرسال الأطفال الصغار إلى المدارس، ومن هم على وشك الخروج من الميتم يُرسلوا إلى معاهد تكوين لتعلُّم الحرف اليدوية.
كان فهد أسعدهم، على الأقل الدولة بدأت تأخذ دور الأيتام بجدية.
أما ضياء، فاكتفوا معه بنبرة تحذيرية شديدة:
– "أي تهاون مجددًا... لن يُغتفر."
شعر ضياء بأنه يفقد السيطرة، لكنه مجبر على تنفيذ الأوامر.
في الجانب الآخر من المشهد، كان حمزة يحتفل على طريقته...
نفث دخان سيجارته، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة مكر، وهو ينظر لعمر قائلاً:
– "وبكده... بقى دورنا. يلعب معانا الزهر، وتجري الفلوس في إيدينا."
سأله عمر بترقب:
– "هو كلمك؟"
– "ورايحلُه دلوقتي."
– "ممكن أروح معاك؟" قالها عمر بتوتر، يخشى الرفض.
نظر إليه حمزة، ووضع يده على كتفه، ناظرًا له بحنان أخوي نادر:
– "إنت مبقتش ذراعي اليمين يا عمر... إنت أخويا. وأي خطوة هعملها، هتكون معايا فيها."
ابتسم عمر، كان يصعب عليه أن يصدق أنه في تلك الفترة اصبح رجلاً كحمزة أقرب الناس إليه...
وربما، كان لا يصدق أكثر أنه الآن جزء من عصابة
يتبع...
✍🏻 حنين إبراهيم الخليل
•تابع الفصل التالي "رواية ركان" اضغط على اسم الرواية