رواية العسقلة الماكرة الفصل الرابع عشر 14 - بقلم ايمان كمال
الفصل الرابع عشر
واول ما خرج؛ اتنهدت مرزوقة وقالت في نفسها اخيرا، ودخلت لشادية اللي لما شافتها سألتها: معقول مروحتيش؟! انا افتكرت مشيني مع ياسر؟
تعبتي نفسك برضو وهتباتي معايا؟
مرزوقة وهي قاعده مربعه رجليها قدامها قالت بفضولها المميزه بيه: مش هسيبك انسي، انا قاعده هنا على قلبك، لزقة بغره، بس اية كمية الحب اللي هتولع في المستشفى دي، كل ده كنتوا بتعملوا ايه؟ هاه بتعملوا يا اشقية انتوا، قولي قولي انا برضو ستر وغطا عليكي؟!
شادية وهي رافعه حاجبها بتعجب من كمية فضولها اللي كل يوم بيزيد وقالت: يخربيت ام فضولك ياشيخة، انتي مش هتبطلي ابدا الفضول ده؟
مرزوقة بفخر رفعت اعلى كتفها وقالت : مستحيل طبعا، ده جزء مني، يالا بقى احكيلي بحب اسمع حكياتك معاه اوي، بتخليني اعيش حالة الحب اللي عمري ما جربتها غير في روايات الافلام وبس، قولي ياشوشو بقى.
قالت اخر جمله وارتسم على ملامحها الحزن ، معرفتش تداريها ولا تهرب منها، يمكن لانها فعلا مجربتهوش قبل كده؟ وقلبها لحد دلوقتي بكر عمره ما لمس معنى الحب ودقاته وعذاب لياليه.
ضحكت شادية على كلمتها، وحاله الحب اللي عيشاها خلتها تغفل عن ملامح الحزن اللي في صوتها، وترجمتها بس انه فضول قاتل منها، لان محدش مهما يكون قريب منك يشعر ويحس باللي جواك الا اللي عاش الوجع نفسه.
وبدأت تحكي ليها اد اية سليم متمسك بيها وبيحبها، وهيفضل معاها لحد ما ربنا يجمعهم مع بعض.
مرزوقة اتحولت ملامح وشها لغيظ من ياسر وقالت: ربنا يكون في عونه بصراحة، انا اللي يطولني على رقبة ابن اخوكي ده اخنقه بايدي، بس لو تزعلي مني انا لو مكانك اخد قراري واتجوز سليم ويخبط ياسر دماغه في انشف حيطه، هو مش مكفيه كل اللي عملتيه عشانه، حرام يحرمك من السعادة اللي فاتحه اديها ليكوا، بجد حرام عليه.
شادية بتوضيح وبتلتمس له العذر: غصب عنه يا مرزوقة، ياسر اتربى وحيد، ملهوش لا اخ ولا اخت، حتى اصحاب معندوش صديق بجد اللي حواليه اصحاب شغل، بزنس مش اكتر، انا كل محور حياته، صاحبته، امه واخته، وكل حاجة، شغله بعد ما يخلصه لازم اقراه واراجعه معاه تفصيله تفصيله، ونتناقش فيه لحد ما نرضى عن العمل، مكنتش ليه بس الام، كنت وما زالت كل حاجه حتى مديرة اعماله اللي بتدير كل شئونه، صعب جدا يتخلى عن كل ده في يوم وليلة يا مرزوقة، بل مستحيل.
مرزوقة بعدم استيعاب ومش قادره تتخيل ان لسه في حد لحد دلوقتي بيربي بالطريقة دي فقالت بتعجب: مش معقول يا شوشو ربتيه انك تكوني كل ده في حياته، ليه مخلتهوش يستقل بحياته ويخرج من تحت عبايتك ووصايتك؟
شادية بندم وحزن: كنت فاكره اني لما اعمل كده هعوضه عن اخويا ومراته اللي ماتوا واتحرم منهم، كان نفسي اشوفة سعيد مش ناقصة اي حاجة، كنت بعمل كده بكل الحب اللي جوايا، كان هو بيعوضني عن حرماني من سليم ولو شوية، عشت معاه الامومة اللي اتحرمت منها، وبقى هو كل دنيتي زي ما انا كل عالمه.
سكتت لحظات تاخد نفسها وكملت بوجع لذكريات اليمه عاشتها: تعرفي انا برغم صغر سني وقت الحادثة بس بفضل ربنا عرفت اكون أم ليه، وتعلقه بيا من هو صغير ومساعدتي لمرات اخويا رحمه الله عليهم، خلاه قريب مني اوي وتقبل وجودي في حياته والقدر جمعنا ببعض، بعد ما اهل امه مرضيش حد ياخده ويتحمل مسئوليته وقاله وقتها انتي عمته واولى بيه، وانا فرحت بهديه ربنا ليا، ومن اللحظة دي كل واحد فينا معتبر التاني هو دنيته اللي بتكمل بوجود التاني معاه، فهمتي بقى هو صعبان عليا ليه؟ اوعي تفتكري اوعي اناني؛ لأ خالص هو محب بدرجة جنون، وانا عارفة ده لانه نفس شعوري، وطول عمري خايفة يجي اليوم اللي يبعدني عنه ويتعذب، وياما حاولت اخليه يحب ويتجوز بس عمره ما وافقني، ولا قلبه دق لأي بنت.
مرزوقة بحزن: والله انتوا حكايتكوا غريبه ومحدش يصدقها، ربنا يهديك يا ياسر يابن يسري ويفك عقدتك يارب، بس غريبه ازاي اهل امه محدش طالب ياخده وهما اولى بيه؟
بسؤالها ده فتحت سيرة الموضوع ده قلب على شادية مواجع وخلاها تنبش في قلبها وتشيل تراب الذكريات اللي ياما حاولت تنساه وتداري على ياسر وتخبي عليه اي حاجة، بلعت ريقها وبصت لعيونها لبعيد بتحاول تسترجع اول خيوط من ذاكرتها لحظة ما اهل مرات اخوها ما كان شرطهم الوحيد انهم ياخدوا ياسر انها تتنازل عن ورثه ويكونوا هما اللي ليهم الحق في الوصايا عليه، والكلام ده كان كلام اخوها بعد ابوها وامها ما ماتوا ورا بعض حزن على بنتهم، ولان ياسر كان عايش معايا انا طول الوقت فكان مش بيرضى يروح عن جده، حسيت وقتها يا مرزوقة ان الفكره كلها طمع في ورث ياسر، هنا وقفت بكل قوتي ومعرفش ازاي القوة دي ربنا حطها جوايا ورفضت بشده اني اتنازل عنه، وقولتله انا اللي هربيه وملكش دعوة بيه وهحافظ على ماله وهطلعه راجل وهسلمه فلوس ابوه وهو له مطلق الحريه فيهم، رد عليا بستهزاء وبص اني لسه صغيرة في السن واني مش هعرف اربيه وقالي "لما نشوف هتعرفي ازاي تتحملي مسئوليته لوحدك، وبكره تيجي تبوسي ايدي عشان اخده اربيه، ووقتها هرفض."
شادية كانت شايفة ملامح الذهول على وش مرزوقة، فهزت راسها تأكد كل حرف قالته، وبعدها طبطبت على اديها وقالت بترجي: اوعي يا مرزوقة الكلام ده ياسر يعرفه، انا معرفش ازاي قولتلك عليه، طول عمره كان مدفون في قلبي ومخبيه عليه عشان مصدمهوش في خاله، وكنت بحمد ربنا انهم نسيوه اصلا والحياة اخدتهم
بعيد عننا، وهو كمان نسيهم.
مرزوقة بصتلها نظرة شفقه على كل اللي عاشته ومدى تضحيتها لياسر، دعت من قلبها ان ربنا يهديه ويحنن قلبه لانها تستحق تعوض كل اللي عاشته، حبت تغير الموضوع بعد ما اكدت ليها ان كلامها عمر ما حد هيعرف بيه، وقالت وهي عينيها على شنطة: اه على فكره انا جهزت شنطة صغيرة فيها هدوم ليكي، من غير ما يعرف قولت لو حصل وبيتي تلاقي معاكي هدوم، وجبتلك كمان علاجك منستهوش، تعالي اغيرلك عشان ترتاحي وتنامي شوية.
شادية بامتنان قالت: متشكرة اوي يامرزوقة، انا مش عارفة اشكرك ازاي، والله وجودك معايا فرق كتير اوي، وجميلك فوق راسي.
مرزوقة قطعت كلامها وقالت: متقوليش كده تاني، ومتشكرنيش عشان اللي محتاج شكر هو انتي، وانا اللي مديونه ليكي، ولا نسيتي، يالا بقى بلاش دلع ياحبيبتي اغيرلك.
شادية ابتدت تغير هدومها وتشوف جابتلها اية معاها في الشنطة، وتفتح عينيها ومصدقتش نفسها لما شافت جابت معاها اغلى حاجة لقلبها، جوابات وذكريات سليم ليها، ضمتهم بحب ولمعه في عينيها وقالت: انتي بجد مش ممكن، دي احلى حاجة جبتيها يامرزوقة، شكرا جدا حببتي.
مرزوقة بابتسامة قالت: مفيش شكر بينا ياشوشو، انا قولت ان دول هيبقوا افضل مسكن ليكي، هسيبك تقراي شوية، ولو احتجتي حاجة نادي عليا.
ابتسمت بحنان وهزت راسها بموافقه، وفتحت اول جواب وعاشت مع حروفة وغاصت بكل مشاعرها متناسية كل اللي هي فيه من قهره ووجع...
حببتي الوحيدة التي سكنت وجداني شادية...
اشتقت اليگِ بشدة، فقد فاق اشتياقي كل الحدود، وتعب القلب من طول البعاد والانتظار...
فهل مازلتِ تتذكريني حبيبتي؟
أم نسيتِ العشق الذي كانت عيناگِ تبوح به قبل شفتاگِ؟
هل تناسيتِ حروف الحب التي سردت في عتمه ظلام ليلگ الكالح؟
أنا هنا ما زالت عند باب الحب واقفًا، اشكي حزني لنجوم الليل التي شاهدت بكائي في صمت ليلي الحزين، اناجي صورتگ، لتظهر من جديد، تجاوب على حيرتي وتقوي ضعفي وهشاشتي، حيث اشعر بأني في بعادگ حبيبتي؛ مثل الريشة تعلو وتطير بفعل الرياح في كل مكان دون توقف، لا تعلم بأي ارض ستهبط وترسى على مرفأ تجدگ منتظرًا عليه.. !!
فـ هل انتهت قصتي معگِ ؟!
ام مازال لها بقيه سـ تسردها أيامنا؟!
فتحت جواب تاني وكان اشد واقوى من اللي قبله...
الوجع والفراق اصبح عنوان قصتنا..
والدموع تذرف انهار تروي ظمأ حرماننا...
لماذا تعاندنا اقدرانا... ؟!
الم يحن لحظة اللقاء ليتروي الفؤاد من شهدنا... ؟!
ام سيظل يصرخ، منتظر التحرر من قيوده؛ ليعلن عن عشقه امام كل الوجود... ؟!
امام سحر عنياكِ اقف مقيد اليدين، فلا ترمقيني يا فاتني هكذا، فـ القلب ذاب وانصهر... !!
الا ترين اهتزاز الجبل من تحت قدماي ؟!
لا تحزني يا جمرة الوتين، لقد حسمت أقدارنا وقدر لنا بالرحيل... !!
مسحت عيونها وحاولت تتماسك، ولسه هتشيل الجوابات، قلبها مطوعهاش فتحت تاني واستمرت في القراية...
يا حب ينبض بداخل شريان فؤادي، تجري وتسير كـ شلالات متدافقه دون توقف.
ياحب لم ولن يموت عبر كل الازمان، فحبي لگِ نبع من الصفا والحنان، وشغفي لگِ يفوق كل العشاق.
انتظرگ بالساعات والأيام، متلهف للحظة اللقاء، ستظل داخل وجداني حتى يقف القلب عن نبضاته، معلنا وقوفه عن نبضات حبگ بداخله.
سؤلت ذات ليلة هل احببتها؟
جاوبت نعم أحببتها.. !!
نعم عشقتها.... !!
بكل نبضة قلب هويتها... !!
بكل ذرة بوجداني عشقتها... !!
بكل همسه في شفتاي تصرخ مناديه عليها تريدها... !!
بكل قطرة دم تسري بداخلي تصيح بحروف اسمها.... !!
احببتها نعم ولا اريد سواها، فقد اكتفيت بها من دون نساء الكون، فهي نسائي الاربع، ولا أريـــد إلا إياها... !!
استمرت شادية في تجرع المسكن اللي بينسيها كل اوجاعها والامها ومحستش انها قرأت الكتير من الجوابات، ونامت من غير ما تشعر، كأن حروفه وكلماته كانت بمثابة البنج والمنوم وغاصت تحلم بيه زي كل يوم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
وصلت شيراز شروق لبيتها وبعدين روحت، واول ما فتحت شروق باب شقتها امها قالت بغضب شديد: ينفع كل ده تأخير ياشروق لحد دلوقتي؟
قربت شروق منها وقبلت راسها وقالت باعتذار: لا طبعا مينفعش يا ست الكل، وآسفه جدا اني اتأخرت، بس والله الحفلة كانت حلوة ومشينا ولسه شغلاله لحد دلوقتي، وشيراز مرضتش السواق يوصلني واصرت انها هي اللي تروحني، معلش سماح المره دي، واوعدك مش هتتكرر تاني.
سعاد وهي بتتنهد قالت: ياحبيبتي انا بس بخاف عليكي مش اكتر، ولولا اني عارفه اد اية بتحبي شيراز كان مستحيل اوافق، على العموم ادخلي غيري هدومك عشان عايزة اكلم معاكي شوية.
شروق بتفهم قصدها قالت: لو عايزة تعرفي مالي، صديقني ياماما مش قادرة اتكلم اعذريني.
سعاد بخوف: يابنتي انتي ليكي مين غيري تحكيله بس وتفضفضي معاه؟!
شروق بألم: اوقات ياماما السكوت بيكون ابلغ من اي كلام، وراحه لان اي كلام هنقوله هيتعب مش هيريح.
سعاد بترجي: طب ريحي قلبي وقوليلي فيكي اية بابنت بطني؟
شروق وهي بتتحرك لاوضتها، وبتطلع هدوم تلبسها قالت ليها خبر موجز: انا نهيت كل اللي بيني وبين عماد.
سعاد بصدمه كبيرة، ضرب باديها على صدرها بخضة وسألت: ياخبر ازاي ؟!
وليه كده... ؟! واية اللي وصل الأمور بينكوا للنهاية دي؟!
شروق قعدت على السرير والدموع لمعت من تاني في عينيها قالت: حاجات كتير حصلت وانا كنت بعديها عشان بحبه، بس المشكلة الأخيرة جبت اخري منه، وقولت خلاص مش هقدر اكمل على الوضع ده....
وبدات تحكي ليها كل حاجة حصلت واد اية هي كانت دايما بتعدي وبتيجي على نفسها عشانه، ولما لاقت انه بيزيد وبيلغي كيانها مقدرتش تتحمل اكتر من كده، فضلت تسمعها ولما خلصت قالت كلمتين متوقعتش ابدا شروق تسمعهم منها: انتي صح يابنتي، ربنا بعد عنك حاجة عايزاها؛ عشان يعوضك باللي احسن منها، اوعى تزعلي ابدا، وقدر الله ما شاء الله فعل، وربنا شايلك نصيبك، ومتندميش على قرار اخدتيه، وهتتوجعي شوية دلوقتي وهو بعيد عنك؛ افضل الف مره من انك تتوجعي وهو معاكي العمر كله وتندمي انك مبعدتيش.
شروق بذهول قالت: يعني مش زعلانه مني عشان فشكلت معاه؟
سعاد بحزن فشلت انها تداريه قالت: منكرش اني حزينة، خصوصا انتي عارفة انا بحب عماد اد ايه وبتمنى من كل قلبي انه يكون من نصيبك، بس ده ميجيش ابدا على سعادتك، انتي عندي اهم من اي حاجة، وسعادتك تهمني سواء مع عماد او غيره.
شروق رمت نفسها في حضن امها وهمست ليها وقالت: ربنا يخليكي ليا يارب ومتحرمش منك ومن وقوفك جنبي ياماما.
سعاد طبطبت على ظهرها وامنت دعاءها وتمنت ربنا يرزقها باللي يسعدها ويعوضها.
وسابتها تغير هدومها وخرجت تحاول تنام، لكن النوم جفاها بعد كل اللي سمعته من بنتها ومتخيلتش ابدا ان ابن اختها اللي ربته على اديها يكون بالطباع دي، وفي الاخر حمدت ربها على كل حاجة، وصلت ركعتين قيام ليل ودعت لبنتها بالخير.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ومع ظهور اول خيوط اشعة الشمس الذهبية، وتسللها على عيون ياسر المستغرق في نومه بهدومه من ليلة امبارح، فتحها وردد اسم امه، وقام مفزوع وبص حواليه واكتشف انه نام في اوضتها، خرج وراح اوضته ودخل ياخد حمام، وغير هدومه بسرعة ونزل عشان يشوفها ويطمن عليها، واول ما نزل قابلته هنيه وسألته: تحب احضرلك الفطور يا سيدي؟
ياسر وهو بيتحرك ناحية الباب رد: لا شكرا يا هنية، افطري انتي، انا هروح لماما وافطر معاها.
هنية: طب تحب احضر اية على الغداء ياسيدي؟
ياسر بستعجال: اي حاجة يا هنية، اللي بتحبه ماما اعمليه، سلام.
ركب عربيته وساق انتبه لرنين تليفونه، فتح الاسبيكر رد: ايوة مين معايا؟
مجدي بزعل: ايوة يا قليل الاصل نسيت صوتي؟
ياسر: مجدي ازيك ياواطي؟
مجدي: احسن منك، مردتش عليا من ساعتها ولا قولت قرارك، فقولت خلينى احسن واتصل انا.
ياسر بنبره حزينة قال: والله يا مجدي انت ما تعرف حصل اية من وقتها؟
وبدا يحكيله اللي حصل لشادية، وزعل جدا مجدي وعرف العنوان وقفل معاه وبلغه انه هيروح يزورها على طول ويتقابلوا هناك قفل معاه وكان على وشك يوصل، لمح مطعم شهير نزل اشترى منه فطار سندوتشات بتحبها شادية، وبعدين وصل للمستشفى، خبط على باب اوضتها وفتحت مرزوقة واول ما شافته واقف قدمها صبحت عليه. هو دخل وقعد كانت شادية لسه نايمه عشان سهرت اوي امبارح، فتكلم بصوت واطي وقال: ازيها؟
مرزوقة بهمس: الحمدلله كويسه، بس نامت متأخر، عشان كده لسه مصحيتش، تحب اصحيها؟
ياسر برفض: لا خالص سبيها تصحى براحتها، انا كنت عايزك في حاجتين.
مرزوقة بتعجب: خير.... ؟!
ياسر وهو بيقعدها جنبه: اولا عايز اشكرك على وقفتك جنب ماما، ثانيا مجدي عرف باللي حصل وهيجي دلوقتي يطمن عليها، فياريت تكون لطيفة معاه وتعدي الموقف اللي حصل، لان بدون تحيز لمجدي، مش هتلاقي مخرج يعرف يخرج كل اللي جواكي زيه يا مرزوقة.
مرزوقة بستفهام؟ اولا مفيش شكر ابدا استحقه، حضرتك متعرفش مدام شادية اية بالنسبة ليا، ثانيا بالنسبه لاستاذ مجدي يعني عايزني اعمله ايه يا استاذ ياسر؟ اعتذرله؟
ياسر بهدوء: لا بس تكون هادية، ورقيقة مش اكتر.
مرزوقة بغيظ قالت من تحت ضرسها: حاضر عشان خاطرك انت، بس وديني وما اعبد لو كررها تاني ولمسني مش هيلاقي غير فردة جزمتي هتنزل على راسه تفتحها من غير اي كلام.
ياسر بتكشيره قال: ياستر ربنا يحفظنا منك، اية بنتي الشر ده؟
مرزوقة بحدة: مش شر، بس ده حفاظ على النفس، الشرف والعفة مفيهاش هزار يا يا استاذ ياسر، وعشانها تطير فيها رقاب.
ياسر بينه وبين نفسه منكرش اعجابه بيها وبتمسكها بمعتقداتها ودينها، ولسه هيرد اخد باله ان شادية فتحت عينيها، قام وقف وقبل جبنها وقال: صباح الخير حبيبتي، البيت وحش اوي من غيرك ياماما.
شادية بابتسامه: يسعد صباحك ياحبيبي، فطرت ولا نزلت من غير اكل؟
ياسر بيجيب شنطة الأكل وشاور عليها: وانا من امتى بفطر من غيرك ياماما، مرضتش اكل وجبتلك معايا الفول والطعميه السخنه اللي بتحبيها، وكمان بطاطس وبتنجان.
خطفت مرزوقة الشنطة بسرعة، زي ما تكون حداية وخطفت كتاكيت وطارت بيهم، تحت انظارهم وقالت وهي بتفتحها، وبتاخد سندوتش وبتكله: ياااه الله جيت في وقتك، دي عصافير بطني كانت بتنتحر، متعشتش امبارح وهموت من الجوع.
بصوا ليها ومره واحده فطسوا من الضحك عليها، لانها بتتحول لغول مفجوع لما بتجوع، قامت شادية بمساعدة ياسر، وقعدت نص قعده، ولما خلصت مرزوقة السندونش، جابت كرسي عشان ياسر يقعدها ودخلتها الحمام عشان تغسل وشها، وتغير هدوم البيت وتلبس ملابس خروج، وبعدين خرجت وياسر شالها وحطها على السرير، وابتدوا يفطروا كلهم في جو مرح لا يخلو من مناغشات مرزوقة، وفجأة دخل عليهم دكتور سليم ببتسامته المعهوده وعينه موجهها لشادية، لكن اول ما لمح وجود ياسر اتطفى قنديلها وتبدل لظلام، وقرب من شادية بعمليه وسألها عن صحتها، وهي ردت وقالت بحب: الحمدلله يادكتور زي ما انا مفيش جديد، هي الاشعة طلعت؟
سليم : انا لسه جاي من مركز الأشعه وبلغني ان النتيجة هتطلع كام ساعة، اول ما تظهر هبلغك، الممرضه جابتلك الفطور؟
شادية وهي بتشاور على الأكل: لا ياسر جابلي الفطار عشان مش بحب اكل المستشفيات، انت أكلت؟
سليم بنفي: لا.
شادية بتاخد سندوتش طعميه وتمد ايديها وبتقوله: طب جابر الزاد وخد كل معايا.
سليم بتردد خصوصا لما شاف نظرات الشرار في عين ياسر، في لحظة قرر انه يتخطاه بكل افعاله وتصرفاته، وانه يعيش حياته مع حببته مهما يتصرف، واخد منها السندوتش تحت نظراته الحارقة، حبت مرزوقة تلطف الجو المحترق ده، فقالت لياسر: ما تيجي معايا يا استاذ ياسر توريني الكافتيريا فين عشان نطلب القهوة لمدام شادية ولحضرتك.
ياسر وهو بينفخ بضيق قال: روحي انتي يا مرزوقة.
مرزوقة بتصميم ردت: اخاف اتوه، تعالى معايا، وادينا نحرك اللقمه عشان نهضمها.
ياسر تحت ضغطها راح معاها عشان يهرب من نظرات السمج سليم، لانه لو دقيقة كمان كان هيمسك في خناقة، وبينه وبين نفسه كان بيشكر مرزوقة.
سليم وهو بياكل حس اد اية بشادية بتحاول تشاركة في الأكل، وتسعده، كان بياكل بسعاده مش عشان بقاله سنين مأكلش الطعميه والفطار الشعبي ده؛ لا عشان بياكل مع حببته اللي ياما حلم ان اول ما يصحى من نومه تشاركه كل لحظات حياته، كان بياكلها في بقها وهي كمان، بيسرقوا من العمر دقايق عشان تبقى ذكرى حلوه يعيشوا عليها سنين قدام، مكنش محتاج للغة الكلام يتكلم بيها مع شادية، كان السكوت في حالتهم افضل الف مرة من الرغي والكلام، لان اللي بينهم لغة ميعرفهاش غير العاشقين وبس، لغة بتفهمها العيون وبتتقن ترجمتها، مرزوقة ادتهم وقت يشاركوا بعد ويعيشوا الحب، لكن مهما طال الوقت لازم يتقطع، واللي قطعه دخول المخرج مجدي اللي حط جنب شادية بوكيه الورد وقال: الف سلامة عليكي يامدام شادية.
شادية نظرتها اتحولت لزعل حاولت تداريه ردت عليه: الله يسلمك يا مجدي، اتفضل اقعد.
سليم وهو بيص لشادية قال: استأذن انا دلوقتي ولما النتيجة تطلع هبلغك.
خرج سليم واول ما اختفى قالت شادية لمجدي بعتاب: انا مش بعرف اخبي اللي جوايا يا مجدي، وبجد انا زعلانه اوي من اللي عملته مع مرزوقة، وكنت هتصل بيك مخصوص اعاتبك والومك بس اللي حصلي اتلاهيت فيه، واحب اقولك ان مرزوقة تهمني واللي يزعلها كأنه زعلني شخصيا.
مجدي باحراج قال: هي اللي فهمت غلط واتطاولت عليا ومدت اديها.
شادية بحده: حقها يامجدي، ولولا اللي عملته مكنتش عملت كده، مرزوقة مش من صنف البنات اللي تعرفهم، فلو سمحت خلي بالك ومش عايزه اللي حصل ده يتكرر البنت موهوبه متكرهاش في الوسط من قبل حتى ما تبتدي فيه، اقف معاها وكمل المشوار يامجدي، وبلاش تحط ياسر في موقف اختيار بينك وبينها.
مجدي اتنحنح وقال: عشان خاطر حضرتك يا مدام شادية هوافق ادربها تاني، واوعدك مش هيحصل حاجة تزعلك مني، انتي غالية عندنا كلنا ومنقدرش على زعلك ابدا.
شادية برتياح قالت: ربنا يسعدك ويوفقك يارب، والفيلم ينجح النجاح المتوقع.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
حالة عماد من بعد اخر مكالمه بينه وبين شروق، وهو على جمره نار قايدة مش بتطفي ابدا، بركان حمم لا بتهدأ ولا بتبرد، مش طايق اي حد من زمايله في الشغل، الكل متجنبه، بينجز المطلوب منه بالعافيه، بيحاول طول النهار يلهي نفسه في العمل عشان يروح هلكان ينام على طول، لكن للاسف الفكر بيفضل يلاعبه وتأنيب قلبه بيفضل يعذبه طول الليل، جواه حرب مش عارف مين هينتصر فيها؟ قلبه وحبه الكبير ليها؟ ولا عقله وفكره المسيطر عليه انه لازم يكون الحاكم الامر في بيته، وهي ملهاش اي صفة غير تكون زوجته وونيسته وام عياله، تسمع كلامه دون مناقشه؟ هل هو صح؟ ولا تفكيره غلط وكان سبب في ضياعها منه للأبد؟
فاق على صوت زميلة خيري بيقول: ايه يا زمل لسه حزنان وقالبها مناحه عشان السنيوره باعتك؟ اللي يبعيك بيعه بطول دراعك ياعمده، ولا يستاهل تزعل عليه لحظة، مشيت مَره تيجي عشرة بعدها، الستات على افى من يشيل، دول يتمنوا واحد زيك، انت بس اللي مش عارف قيمة نفسك يازميلي.
عماد رفع عيونه الدبلانه من الحزن وقال: مهما تيجي ستات عمري ما هلاقي زي شروق ابدا... دي حب عمري ياجدع، ده احنا كنا خلاص على وشك الشقة تخلص ونتجوز على طول، حلمت معاها بكل تفصيلة ورتبت شقتنا على مزاجها وذوقها، مش عارف اية اللي حصل وغير كل حاجة واتقلبت في غمضة عين بالشكل ده؟ ولا عارف مين السبب فينا انا ولا هي؟ انا تايه اوي ياخيري؟
عمري ماحسيت اني ضعيف اوي كده زي اللحظة دي؟!
خيري وهو يطبطب على كتفه، رد بانفعال ملحوظ وقال: في اية ياعماد ما تجمد ياجدع كده، واحده ست تعمل فيك كل ده؟ هي لو كانت بتحبك زي ما بتحبها؛ كانت رضخت وسمعت كلامك وتبقى تحت طوعك، يعني انت بتطلب منها ايه عشان تعمل كل ده؟ ماجرمتش انك بتقولها تكون تحت طوعك وتسمع كلامك وان الكلمه والاخيرة في البيت ليك انت، هي اللي خسرتك مش انت، والف من تتمنى راجل حمش زيك، ولا تشيل هم باذن الله ربنا شايلك بنت حلال طيبة ومطيعة، وياسيدي ياما في ناس بتبقى خلاص هيتجوزوا بعد يوم وميحصلش نصيب، احمد ربنا على كل حال.
عماد بحزن: حمده وشاكره ياخيري، بس صعبان عليا حب سنين راح في ثانية.
خيري وهو ييشرب من فنجان قهوته اللي قدامه قال: كلهم صنف نمرود، اول ماحست انك بتحبها اتفرعنت، عشان كده لازم تخلي بالك المره الجاية، ومتبينش ابدا لايتها ست انك دايب في هواها عشان مدلدلش رجليها وتفرد وتتمطع عليك.
كان بيقول كلامه وعينة على التليفون اللي شاشته كل شوية تنور وهو بيكنسل، خلص كلامه قام عشان يتصل بالرقم اللي بيرن عليه، واول ما رن ردت عليه وبصوت عالي بحده قالت: انت مش بترد عليا ليه لما بكلمك؟
خيري بتوتر رد: والله ياحبببتي الفون كان صامت، وكنت في اجتماع واول ما خرجت اتصلت على طول.
خيرية مراته بحده: اجتماع مجتمعش مليش فيه، انا اول ما اتصل ترد، فاهمني؟
خيري بيبلع ريقه وتلجلج قال : حاضر يا حبيبتي بس هدي نفسك، اعصابك مش كده، المهم كنتي بتتصلي ليه؟
خيرية بتفكير: اه بفكرك تعدي على ماما قبل ما تروح تجيب الولد من عندها.
خيري وهو بيجز على سنانه: حاضر.
خيرية بعنجهيه قالت: انت خلصت الاكل ولا هيبقي مفيش اكل زي إمبارح؟
خيري باندفاع قال: لا يا خوختي كله جاهز، مش ناقص بس غير تسوية الرز اول ما اجي هسوية عشان يبقى سخن، ولو يعني انتي وصلي قبل مني سوية عقبال ما اجي، ده لو امكن يعني.
خيرية بدلع: ماشي يا خيري لو جيت قبل منك هسوية وعد الجمايل، مع ان الاسبوع ده بتاعك انت، بس مش مشكله، متتأخرش انت ومتنساش تجيب الفاكهه وانت جاي.
خيري براحه انها وافقت ومسمعتهوش موشحها المعتاد رد: عيوني حاضر هجيب الفاكهه، والبامبز بتاع آسر معايا، شوفتي انا فاكر ومنستش ازاي.
خيرية برضا: شاطر يا حبيبي، يالا سلام دلوقتي.
قفل معاها وغمض عيونه بغلب من سيطرة مراته عليه، وضعفه قدمها وعدم قدرته انه يقف ويعترض على اي حاجة تقولها، وازاي هيقدر يعترض ولا حتى ياخد قرار بالبعد عنها وهو مربوط من رقبته بسلسلة خنقاه، ومؤخر صداق وشيك على بياض يوديه ورا الشمس، عشان كده مقدموش غير انه ينصاع لسطوها واوامرها الغير منتهيه.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
ماشي ياسر ومرزوقة في الطرقة واول ما لمح دكتور المخ والأعصاب جري ناحيتة وسأله: نتيجة الاشعات اية يادكتور طمني على والدتي؟
دكتور رد وقال: انا اطلعت عليهم، وللأسف....
وإلى هنا تنتهي احداثها عند هذا الحد لنتعرف بكره اية حالة شادية؟ وهل هتفضل كده كتير؟
وهل قصة عماد خلاص كده انتهت؟ وليه خيري بيعمل كده معاه؟
كل الاجابات دي هنعرفها لما تابعوني في روايتي الجديدة المتواضعة
العسقلة_الماكرة
بقلمـ إيمان كمال ✍️
إيمووو
•تابع الفصل التالي "رواية العسقلة الماكرة" اضغط على اسم الرواية