Ads by Google X

رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل الثالث عشر 13 - بقلم الهام عبد الرحمن

الصفحة الرئيسية
الحجم

 

 رواية عاشق بدرجة مجنون الفصل الثالث عشر 13 - بقلم الهام عبد الرحمن 

كانت السماء صافية على غير عادتها، والشمس تبعث بأشعتها الذهبية دون رحمة، كأنها تُصرّ على فضح الحزن المتوارث في زوايا البيت. في ركن الصالة، جلست أمنية بصمت، تحتضن فنجان القهوة البارد، تحدّق في اللاشيء. وجهها الشاحب وعيونها المرهقة كانا كفيلين بأن يفضحا ما تُخفيه من وجع دفين.

اندفعت الصغيرة “تقى”، ذات الأربعة أعوام، تقفز بجوارها بحيوية طفلة لم تفسدها هموم الكبار بعد.

تقى:

“ماماااا… ماما يلا نخرج بقى، زهقت! البيت وحش ومفيش حد بيلعب معايا… وانتي مبقتيش تلعبي معايا زي زماااان!”

رفعت أمنية عينيها ببطء نحو الصغيرة، ابتسمت ابتسامة باهتة لا تصل للعينين، ثم أعادت نظرها للفنجان.

أمنية بنبرة منهكة:

“مش وقته يا تقى… ماما تعبانة شوية.”

لكن الطفلة لم تيأس، اقتربت منها أكثر، شدّت على طرف قميصها برقة:

تقى:

“بس يا ماما أنا متضايقة وزهقانة عشان… أنا لوحدي، وانتي دايمًا زعلانة…”

دخل أحمد، زوج أمنية، في تلك اللحظة، مرتديًا بدلته الرسمية، يحمل ملفات تحت ذراعه. لمح المشهد، فتنهد واقترب وهو يربّت على كتف زوجته.

أحمد:

“خُديها وخرّجيها يا أمنية… يمكن تغيير الجو يفيدك شوية… وتقى كمان تستاهل تفرح مينفعش تفضلى فى الحالة دى كدا كتير البنت هتتأثر بحالتك وانتى كمان محتاجة الخروجة دى اكتر من بنتك .”

نظرت له بامتنان، ثم قالت:

أمنية:

“طب تعالى معانا لنت كمان بقى… من زمان ما خرجناش سوا وانا عارفة ان الفترة اللى فاتت كانت صعبة علينا احنا الاتنين.”

أشاح بوجهه سريعًا، وانشغل بتقليب الأوراق.

أحمد:

“مش هينفع والله ياحبيبتي… عندي قضية كبيرة شغال فيها… والدنيا مقلوبة عندنا في القسم روحوا انتم واتبسطوا.”

شعرت بخيبة أمل تسري في أوصالها، لكنها لم تُبدِ اعتراضًا. فقط أومأت برأسها. وما إن دخل أحمد غرفة المكتب حتى التقطت هاتفها واتصلت بحياة، صديقتها المقربة.

أمنية:

” ازيك يا حياة، هو انتى ممكن تيجي معايا النادي؟ تقى زهقانة، وأنا كمان محتاجة أخرج شوية .”


حياة من الطرف الآخر، بنبرة مُعتذرة:

“والله يا حبيبتي نفسي، بس الأولاد عندهم واجبات وانشطة كتير ومشغولة معاهم، ومينفعش أسيبهم لوحدهم واخرج مش هيخلصوا حاجه.”

أغلقت أمنية الهاتف، وشعرت بمرارة الوحدة تغزوها مرة أخرى. ارتدت ملابسها وابنتها، وذهبت مضطرة إلى النادي بمفردها.



جلست أمنية على أحد المقاعد في منطقة الألعاب، وعيناها لا تفارقان تقى وهي تلعب بمرح، تتقافز من لعبة إلى أخرى، بينما قلب أمها معلق بها، خشية أن تقع أو تتأذى.

وفجأة، ظهر أمامها رجل طويل، أنيق، يحمل ملامح مألوفة .

الرجل وهو يبتسم ابتسامة خفيفة:

“إزيك يا مدام أمنية؟ عاملة إيه دلوقتي؟”

تجمدت ملامحها، تسارعت أنفاسها، واتسعت عيناها في ذهول.

أمنية بصوت خافت مرتجف:

“يزن؟!”

هزّ الرجل رأسه يمينًا ويسارًا، وابتسم ابتسامة باردة.

شريف:

“ليه كل مرة تقوليلي يزن؟ حضرتك، أنا اسمي شريف عبدالسلام، مهندس… ودي بطاقتي لو حابة تتأكدي.”

أخرج بطاقته ومدها نحوها، لكنها لم تلمسها. فقط نظرت إليها في ذهول، ثم قامت فجأة، وتقدمت نحو تقى بخطى مرتبكة.

شريف بهدوء:

“ممكن أقعد شوية؟ بس أكلمك دقايق.”

أمنية بنبرة مذعورة:

“لا، معلش… أنا لازم أمشي.”


احتضنت ابنتها وسحبتها بسرعة، وخرجت من المكان كأن الأرض تشتعل تحت قدميها. لم تجرؤ أن تخبر أحمد، كانت واثقة أنه سيُكذّبها، بل ربما يظنها تهذي.

في تلك اللحظة كان شريف مازال واقفا ينظر فى اثرها باستغراب، حتى علت صرخة طفولية ، فاستدار ليرى فتاة صغيرة سقطت من على الأرجوحة. أمها اندفعت نحوها بجنون، تنادي باسمها.

الأم:

“شهد! يا ربِّي! حد يساعدني!”

ركض “شريف” سريعًا نحو البنت، تبعه بعض الموجودين، ثم حمل الطفلة بين ذراعيه بخفة، والتفت نحو الأم.

الأم بانفعال:

“ممكن تودينا المستشفى؟ عربيتي مش موجودة معايا دلوقتي!”

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

شريف دون تردد:

“يلا بينا، بسرعة!”

واندفع يركض بالطفلة والأم خارجيًا، بينما أمنية وهى جالسة فى التاكسى كانت تتنفس بصعوبة، وعقلها يدور بعشرات الأسئلة… هل هو فعلًا شريف؟ أم أن الماضي قد عاد في صورة رجلٍ جديد؟

كانت أمنية لثوانٍ، تتشبث بكف ابنتها الصغيرة بقوة وكأنها تخشى أن تُنتزع منها كما انتُزعت طمأنينتها في لحظة. ظلت تنظر امامها بشرود تتذكر شريف، أو “يزن” كما كانت تعرفه في حياةٍ مضت… حياة دفنتها بيديها منذ سنوات، أو هكذا ظنّت.

تقى بنبرة بريئة وهي تمسك بلعبة صغيرة:

“ماما، هو الراجل دا يعرفك؟”

ابتلعت أمنية ريقها، وابتسمت بصعوبة:

أمنية:


“كان… صاحب باباكي من زمان.”

لم تكن تعرف لماذا كذبت، لكنها لم ترد أن تنطق بالحقيقة، لا أمام ابنتها، ولا أمام نفسها.

نزلت من سيارة الاجرة وهي تنظر خلفها من حين لآخر، خوفًا من أن يتبعها. وعند باب العمارة التى تسكن بها، تأكدت أن كل شيء هادئ، لكن قلبها ظل في حالة استنفار، وكأن أحدهم زرع فيه قنبلة زمنية لا تعرف متى ستنفجر.



ركبت المصعد، شاردة الذهن، بينما تقى تغني بصوت منخفض بجوارها، غير مدركة أن والدتها تغلي بداخلها من الرعب.

وصلت أخيرًا إلى البيت. وضعت المفتاح في الباب وهي ترتجف، وكأنها تعود إلى سجن لا أمان فيه.

دخلت الشقة، وخلعت حذاءها ببطء، ثم جلست على الأريكة، ووضعت وجهها بين يديها. لم تبكِ. فقط جلست هناك، في صمتٍ يشبه الموت.

رنّ هاتفها. نظرت إلى الشاشة فوجدت رقم أحمد.

أمنية بصوت متماسك:

“أيوه يا أحمد؟”

أحمد:

“طمنيني، خرجتوا واتفسحتوا؟ تقى مبسوطة؟”

نظرت إلى ابنتها التي كانت تجلس على الأرض تلعب، وابتسمت رغمًا عنها.

أمنية:

“آه… خرجنا شوية… وهي مبسوطة الحمد لله.”

أحمد:

“طب حلو، أنا احتمال أبات في القسم النهاردة، عندنا تطورات في القضية. خلي بالك من نفسك ومن تقى.”

أمنية:

“ماشي، ربنا يرجعك بالسلامة.”


أغلقت الخط، ثم نهضت بهدوء واتجهت إلى غرفة النوم. أغلقت الباب على نفسها، ووقفت أمام المرآة.

همست لنفسها:

“لا يمكن… هو مات… أنا شفته بعيني… يبقى إزاي؟”

وضعت يدها على صدرها، حيث ينبض قلبها بجنون، وتذكرت وجهه، نبرته، تلك الابتسامة التي كانت تعرفها جيدًا.

لكن الأشد رعبًا من ظهوره… هو إنكاره.

لم ينكر فقط أنه “يزن”، بل بدا وكأنه لا يعرفها أصلًا… وكأنها لم تكن ذات يوم شيئًا يخصّه كما كان يعتقد.

في صباح اليوم التالي، استيقظت أمنية على صوت طرقات خفيفة على الباب. ظنت أنها تتخيل، لكنها قامت، وفتحت.

كان البواب.

البواب وهو يمد لها ظرفًا صغيرًا:

“في راجل محترم سابه وقال لحضرتك تسلّمي عليه.”

أخذت الظرف، وأغلقت الباب، ثم فتحته بيد مرتعشة. بداخله ورقة صغيرة، كُتب فيها بخط مألوف:

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

“أوقات بيبقى الماضي محتاج فرصة تانية….”

سقطت الورقة من يدها، ووقفت للحظة مذهولة… هل ما عاد حقًا هو الماضي؟ أم أن الماضي قد قرر الانتقام؟

ظلت أمنية تحدّق في الورقة وكأنها تقرأ ما وراء الكلمات…

“أوقات بيبقى الماضي محتاج فرصة تانية…”

لكن الماضي معها لم يطلب فرصة، بل سلب كل الفرص.

رفعت الورقة ببطء، مزّقتها إلى قطع صغيرة كأنها تمزق ذكرياتها، ألقتها في سلة المهملات، ثم التقطت أنفاسها بصعوبة واتجهت إلى المطبخ لتحضير الإفطار، محاولة إقناع نفسها أن الأمر مجرد مصادفة… مجرد تشابه فقط… لكنه كان هو. حدسها لا يخيب.


مرّ اليوم ببطء، ثقيل كأن كل لحظة فيه تُسحب من عمرها.



وفي المساء، بعد أن نامت تقى بصعوبة، جلست أمنية على الكنبة، تلفّ نفسها بشالٍ خفيف، وكأنها تبحث عن دفء فقدته. فتحت هاتفها على غير عادتها، وراحت تتصفح فيسبوك، حتى توقفت فجأة…

صورة منشورة على إحدى الصفحات العامة… صورة من كاميرا النادي. مجموعة أشخاص يحيطون بطفلة صغيرة سقطت من فوق الأرجوحة… وكان هو واقفًا في المنتصف يحملها، وجهه واضح، وابتسامته خافتة.

وشخصٌ ما في التعليقات كتب:

“الباشمهندس شريف عبدالسلام، راجل محترم وابن ناس… بجد تصرفه كان راقي أوي.”

ارتجف قلبها. لم تكن تتخيل أن الموقف قد صُوّر.

رفعت الشاشة لتعيد النظر… وابتلعت ريقها.

تحت الصورة مباشرة، حساب باسم “شريف عبدالسلام” علّق قائلاً:

“الحمد لله إن البنت بخير… وشكرًا لكل الناس اللي ساعدت.”

فتحت الحساب. مئات الصور والمنشورات… كلها باسم شريف. كل شيء يبدو طبيعيًا… مهندس مدني… صور في مواقع مشاريع… لا شيء يوحي بأي ماضٍ مظلم.

لكنها لم تكن مخدوعة… كانت تعرف أن من يستطيع أن يُتقن دور الضحية، قادر أن يرتدي ألف قناع.

استعاذت بالله، وأغلقت الهاتف، ثم قامت بسرعة لتتوضأ وتصلي، فربما تجد في السجود طمأنينة لم تجدها منذ أن رأته.

بعد منتصف الليل بقليل، رنّ هاتفها. رقم مجهول. ترددت، ثم أجابت بخوف.

أمنية:

“ألو؟”

صوت رجولي هادئ:

شكلك زى ماانتى حلوة وجميلة ياريت يبقالنا فرصة مع بعض.


فزعت امنية من تلك المحادثة ونظرت للهاتف تتتاكد من الارقام الظاهرة بالشاشة ثم وضعت الهاتف على اذنها مرة اخرى وهى تتحدث بترقب….

امنية: انت مين وعاوز ايه منى؟!

الرحل: انا واحد معحب بيكى من زمان وانتى ولا حاسة بيه واحد بيتعذب فى هواكى واحد نفسه يعوضك اهمال جوزك ليكى.

لكن امنية لم تتركه يكمل حديثه فهى كأى زوجة مصرية اصيلة تعتبر مجرد استماعها لكلمات مثل هذه خيانة ولذلك اغلقت الخط مباشرة وحظرت رقم هذا الشخص حتى لايتصل بها مرة اخرى ثم تنهدت بارهاق وتمنت ان ينتهى هذا الكابوس الذى دمر حياتها.


بعد عدة ايام كانت أمنية تتجول بين أرفف أحد المتاجر الكبرى في المول، تقلب في علب البسكويت بتركيز مصطنع. كانت تحتاج للهروب من صخب عقلها… من التفكير… من صورته التي لم تفارق مخيلتها منذ يوم النادي.

في عربة التسوق، جلست “تُقى” الصغيرة تمضغ قطعة شوكولاتة، تراقب والدتها بعينين واسعتين.

اقتربت أمنية من الكاشير، وقفت تنتظر دورها في الصف، دفعت العربة أمامها، تتنفس ببطء وهي تراقب الأرقام تُحسب على الشاشة. خلفها مباشرة، اقترب رجل يحمل سلة بها بضع حاجيات بسيطة. ولمّا التفتت قليلاً لترى من يقف، اصطدمت عيناها بعينيه… فارتجف جسدها كله.

هو.

بنفس الابتسامة الهادئة… بنفس الثقة المربكة… وكأن الزمان دار بها دورة كاملة لتعود إلى نقطة البداية.

شريف – وهو ينظر نحوها بابتسامة خفيفة:

“يبدو إن القدر مُصرّ يجمعنا تاني…”

ابتسمت أمنية ابتسامة متوترة، تُخفي خلفها مزيجًا من القلق والحيرة.

بقلمى الهام عبدالرحمن صلوا على الحبيب المصطفى

أمنية – بصوت خافت:

“واضح…”

انتهى الحساب، وحين بدأت تجهز النقود، سمعته يسألها بهدوء:


شريف:

“ممكن نتكلم شوية؟ مش هنا طبعًا… حتى لو عشر دقايق، بس ضروري.”

التفتت له سريعًا، ترددت، لكن عينيه لم تكن فيها ملامح تهديد، بل شيء يشبه الفضول… وربما الحزن.

أمنية – بارتباك:

“أنا مش فاهمة… إنت… إنت شريف عبدالسلام، صح؟”

أومأ برأسه دون أن يبتسم هذه المرة.

شريف:

“أيوه، شريف… مش يزن، ولا عمرّي كنت غير كدا.”

سحبت تُقى يد والدتها فجأة، وأشارت إلى كيس البسكويت تطلب فتحه. جلست أمنية على مقعد الانتظار المجاور للمدخل، أعطتها قطعة، ثم التفتت نحوه.

أمنية – بارتباك ممزوج بالحذر:

“أنت بتقول إنك مش هو، بس نظراتك… صوتك… حتى طريقتك في الكلام… كلها شبهه.”

جلس على بعد خطوات، وراح يتحدث بنبرة صادقة:

شريف:

“أنا قابلتك قبل كدا؟ يعني قبل النادي؟”

أمنية – بسرعة:

“كان في حد… من سنين… شبهك قوي… نفس الشكل نفس الابتسامة نفس النظرة… مستحيل اقدر افرقكم عن بعض.”

شريف – وهو يضع كيس المشتريات إلى جانبه:

“واضح إن في قصة كبيرة ورا الشكل ده… بس أنا مليش علاقة بيه.

بس بجد… عندي فضول أعرف… ومن حقى كمان افهم إنتي ليه بتندهيني باسم يزن؟ وليه خايفة مني كده؟


هو عمل فيكى إيه؟”

نظرت إليه طويلاً، وكأنها تقيس صدقه، تقرأ ملامحه حرفًا حرفًا.

أمنية – بنبرة مجروحة:

“هو ساب جرح… لسه بيتفتح كل مرة بشوفك فيها.”

ساد الصمت. حتى تُقى توقفت عن الكلام وأخذت تحدّق في الرجل الذي يجلس قُبالة أمها.

نهض شريف فجأة، وكأن كلمتها أثّرت فيه أكثر مما توقع.

شريف – وهو يقف:

“أنا آسف لو وجودي بيؤلمك… بس أنا مش هو، حتى لو شبهه.

ولو يوم حبيتي تحكيلي، حتى كإنسانة قابلت حد شبه ماضيها… أنا موجود.”

ثم ابتسم ابتسامة قصيرة، وتركها ورحل.

ظلت أمنية تراقب ظهره وهو يبتعد. لا تدري إن كانت تتنفس أم تختنق.

لكنها كانت متأكدة من شيء واحد…

القدر لم ينتهِ من لعبته بعد.



 

 •تابع الفصل التالي "رواية عاشق بدرجة مجنون" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent