رواية أحفاد المعز الفصل الثاني عشر 12 - بقلم زينب محروس
الفصل الثاني عشر
- أنتي و باسل ازاي متجوزين؟ و ازاي هو معرفكيش لما أنتي مراته؟
شردت في هذه الأثناء، بينما كانوا ثلاثتهم يحدقون بها بانتظار الجواب ليصدح الهاتف باتصالًا من رمزي، فأجابت سريعًا ليأتيها الرد:
- باسل مسافر الكويت يا أروى، لازم نمنعه.......
هبت واقفة كمن لدغتها حية، لتقول بتخبط:
- يعني ايه مسافر! ايه اللي حصل؟
رمزي بجدية:
- و أنا هعرف منين ايه السبب! لازم نوقفه بس الأول...
أغلقت الهاتف لتوافيهم بالأخبار قائلة:
- باسل مسافر.
لم يستغربوا ما قالته فكان هذا متوقع منه، فمنذ أن جاء إليهم و هم على دراية بأنه سيغادر في لحظة دون سابق إنذار، و لكن هذا لم يكن حال وفاء التى صرخت فيهم قائلة:
- لازم تمنعوه، قوموا اتحركوا....
قال حسام بتهكم:
- و نمنعه ليه يا مرات عمي؟ هو مش حابب يقعد معانا يبقى براحته، دي حاجة متخصناش.
اعترضت وفاء قائلة:
- لاء طبعًا، دا أخوكم.
قال حسام باستنكار:
- بس احنا بالنسبة له مش كدا، بالنسبة له ولاد أعمامه اللي اتسببوا في طلاق أمه.
تدخلت أروى قائلة:
- يا جماعة و الله باسل بيحبكم و الله، هو بس مضغوط شوية من ناحية أمه.
أضاف فارس:
- و هو عمره ما يسيب أمه عشان يفضل معانا، دا هو عايز الأملاك مخصوص بسببها، و بصراحة و لا هي بتحبنا و لا إحنا بنحبها...... أنتي متعرفيش حاجة يا أروى عن البلاوي اللي هي عملتها.
- لاء عارفة.
كان هذا رد أروى التى نظرت إلى وفاء نظرة ذات مغزى، لتكمل هي بدلًا عنها:
- جدكم قال لأروى على كل حاجة، بس دا مش مهم دلوقت قد ما هو مهم أنكم تمنعوه يسافر.
كما هما موضعهما، لتقول أروى بحزن:
- يعني أنتم حابين تتفرقوا؟ لسه عند موقفكم و كل واحد عايز نصيبه و مش فارق معاكم تفضلوا مع بعض.
اعترض حسام سريعًا:
- مقولناش كدا يا أروى! بس باسل صدقوني مش هيوافق.
تشدق فارس مردفًا:
- باسل هيرجع لوحده يا أروى، سبيه مامته مش هتوافق على قراره ده صدقيني، هيرجع تاني.
صمتت لوهلة تفكر في حديثهم، ثم تنهدت و اعتلت مقعدها مرة أخرى، ف نظرت إليها وفاء بصدمة و عتاب و قالت:
- ايه يا أروى هتسمعي كلامهم!!
ردت أروى بجدية:
- منطقي.....كلامهم منطقي، و المرة الجاية لما هتجبره يرجع هيكون دا في صالحنا يا طنط، محدش فينا هيمنعه، العقربة هترجعه لوحدها.
تلوت شفتي حسام ببسمة خفيفة ليقول بترقب:
- دا شكل العقربة لسعتك!
سخرية واضحة قد زينت ابتسامتها الحزينة لتقول:
- اتلسعت منها فعلاً، و أنت مصمم تعرف كل حاجة و أنا هحكي لكم بس خلي الموضوع دا لقدام شوية.....ممكن؟!!
بمرور ثانية واحدة انقلبت حالته رأسًا على عقب، ف لم يتمكن من الرد عليها، فقد أحس بوهن شديد قد غزا جسده مجددًا و كُسيت عينيه بحمرة شديدة، و ها هو مجددًا تندفع الدماء من فمه إجباري عنه.
فزعوا جميعًا لرؤيته بتلك الحالة مجددًا، مما جعل أروى تردد بنبرة خائفة:
- بسرعة يا فارس لازم يروح المستشفي، بسرعة، بسرعة.
على صعيدٍ آخر.
كعادتها تجلس في غرفتها و هي تتفقد البعض من دروسها، لتتفاجأ دينا بدخول والدتها المفاجئ حاملة لبعض الأكياس و كأنها قد خرجت لتوها من احدي مراكز التسوق.
وضعت ما بيدها على الفراش و هي تقول بحماس:
- تعالي يا دينا شوفي جبتلك ايه.
نظرت إليها دينا بانتباه، لتقوم الأخرى بإخراج بعد الملابس الجديدة التى جعلت حدقتي دينا تتسع صدمة، فهل هذه حقًا أميرة التى منعت عنها المال منذ يومين! أهي الآن تقف أمامها و قد أحضرت لها الملابس التي قد سبق و أن عنفتها عليها!!!!
نهضت دينا لتتفقد باقي الاكياس و هي تهمس بدهشة:
- دول ايه يا ماما! ليا؟؟؟
قالت أميرة بتأكيد:
- ايوه يا حبيبتي، كلهم عشانك، البسي اللي تحبيه، أنا خلاص قررت مش هعترض على لبسك الحجاب..... أهم حاجة كدا تشدي حيلك و تجيبي ابن المُعز عشان يشرب الشاي معانا.
سعادة غامرة كادت أن تدخل على قلبها الذي حطمته أميرة بجملتها الأخيرة، الشعور بأنها احدي الاستثمارات ل والدتها يجعلها تكره و تنفر الحياة بما فيها.
ألقت ما تحمله من الملابس أرضًا و هي تصرخ:
- قولتلك دا المستر بتاعي مش اكتر، و مش ممكن أبدًا يكون في بينا حاجة! أنا مش سلعة عايزة تبعيها عشان تقبضي تمنها و لا أنا مشروع ينفع تستثمري فيه عشان تاخدي أرباح كبيرة...... أنا و مستر فارس مستحيل!!
لم يكن من والدتها سوى ردها البارد عندما ربتت على ذراعها:
- إهدي بس دلوقت و نتكلم بعدين، هخرج و اسيبك تفكري كويس مع نفسك.
ضربت بكفيها الاثنين على بعضهما البعض قائلة بقلة حيلة:
- مفيش فايدة! مفيش فايدة!
*******
تنتظر أروى قدوم ميار إليها بعدما استعانت بهاتف حسام لتطلب رؤيتها فورًا، توقفت سيارة أجرة على مسافة ليست ببعيدة من باب المستشفى، حيثما كانت أروى لتترجل ميار من السيارة و تخطو صوبها سريعًا و هي تقول بشجاعة مصطنعة:
- ايه اللي انتي عايزاني فيه؟؟
حدقت بها أروي و سألتها بترقب:
- مش غريبة لما يبقى ابن عمتك تعبان و متجيش تشوفيه!
بعض من التوتر قد كسا قسمات وجهها لتقول بأعين تخشى النظر لمن أمامها:
- عادي....يعني مش فاضية.
زفرت أروى بضيقٍ و قالت:
- طيب بصي بقى من غير لف و لا دوران انا عارفة إنك كنتي عايزة تعملي عمل ل باسل، بس طلع من نصيب حسام، و أنا مش هعمل مشاكل و لا انتي هتتعرضي ل مشاكل، بس أنتي لازم تعرفيني كل حاجة.
ابتلعت ريقها بصعوبة و تشدقت بتلعثم:
- معملتش....معملتش حاجة.
قالت أروى بصدق:
- و الله يا ميار مش هقول لحد، بس ارجوكي لازم اعرف، حياة حسام في خطر، هو حالياً جوا متركب له محاليل بعد ما رجع تاني يستفرغ دم بدون مبرر.
- أنا.... أنا معرفش حاجة.
صاحت أروى في وجهها بغضب وقالت:
- انتي مفيش عندك دم! بقولك حسام تعبان و ممكن يروح فيها لو الموضوع زاد عن كدا، و بصي من الآخر أنا سمعتك المرة اللي فاتت و انتي بتتكلمي مع صاحبتك في الفون، و متكلمتش و لا جيت سيرة عشان فكرت الدكتور خلاص عالج الموضوع، لكن دلوقت مينفعش اسكت..... ف لو سمحتي قوليلي عنوان الدجال ده او أي حاجة عنه خليني اتصرف لو نقدر نحل حاجة.
لم تجد ميار مفرًا سوى الإعتراف لتقسم قائلة:
- و الله العظيم مكنتش اعرف إن الموضوع دا ممكن يضر حد، أنا بس كنت عايزة اخلي باسل يحبني مش اكتر....بس خلاص هقولك كل حاجة عن الدجال و لو تحبي نروح و تقابليه.
صعدت أروى بعقلٍ شارد إلى سيارة الأجرة بعدما انتهت لتوها من لقاء ذلك الدجال، لتجاور ميار التى سألتها باهتمام:
- قالك ايه؟؟.
انتبهت لها أروى ثم أجابت:
- بيقول إنه دافن العمل في مقبرة، و لازم حد فينا يروح يروح يوم ١٤ في الشهر يطلع العمل..........و قال طريقة تانية كدا عشان نتخلص منه بس انا مش مقتنعة بيها ف إن شاء الله انا هعطي الورقة اللي فيها العمل دي ل شيخ و هو هيتصرف.......و على فكرة يوم ١٤ دا اللي هو بكرا و قال لازم نروح بالليل على الساعة واحدة كدا.
قالت ميار باندفاع:
- بس أنا مش هروح، مليش دعوة.
أشاحت أروى بوجهها تجاه النافذة و هي تقول:
- أنا هتصرف.
أعلن الصباح بدايته بتلك الطيور التي تصدر صوتًا ك لحنٍ شجي، السماء يخالط صفوها قلة من السحب المتفرقة التي تجعلها لوحة تجذب الأنظار إليها، و الشمس قد أرسلت أشعتها الحانية ك يدٍ تمتد بدفء و محبة لتزيل القسوة بعيدًا عن قلوب البعض و تمحو الحزن عن البعض الآخر.
استقرت سيارة فارس أمام مركز الدروس الخصوصية، استوي على قدميه خارجًا من السيارة، و بينما كان في طريقه إلى الداخل انتبه إلى دينا التي يبدو و كأنها تتنازع مع إحدى الفتيات التي يألف وجهها و لكنه لا يعرف من تكون.
صاحت دينا في وجهها:
- قولتلك أنا و انتي مستحيل نكون صحاب تاني.
سألتها خلود بحزن طاغ:
- ليه يا دينا؟؟
قالت دينا بتهكم:
- بجد بتسألي ليه! مش عارفة انتي عملتي ايه! انتي دمرتيني، قتلتي ثقتي في الناس كلها بعد ما اتكلمتي عليَّ ب السوء، دا انتي حتى قولتي على أمي كلام مش كويس، أنا و انتي مستحيل نبقى صحاب تاني، ف ابعدي عني عشان المرة الجاية بجد هجيبك من شعرك و هطلع عليكي كل الوجع اللي خلتيني أحس بيه.
التفتت لتغادر فوجدت فارس يسير إليها، فتغاضت عن وجوده و دلفت سريعًا إلى مركز الدروس، مما جعله يستغرب فعلتها تلك، ف لماذا تجاهلته عمدًا !!!
اختتم فارس حصته بسؤال طلابه أن كان لديهم رغبة في الاستفسار عن جزئية ما قبل خروجهم، و لكنهم أجمعوا على فهمهم للأمور بشكل واضح، ثم انصرفوا طالبًا تلو الآخر، و عندما كان الدور ل دينا في الخروج أعاق فارس ذهابها هاتفًا باسمها، ف التفتت إليه و هي تسأله بجدية:
- حضرتك محتاج حاجة؟؟؟
سألها بقلق:
- أنتي كويسة؟
منحته حركة من رأسها ك إشارة تأكيد و قالت:
- لو مفيش حاجة ضروري أنا لازم أمشي.
أدرك من ردها عدم رغبتها في الحديث إليه، ف لم يُرد الإطالة، مما جعله يقول:
- خلاص براحتك أمشي.
تقدمت للخروج فسمعته يقول:
- لو في حاجة عايزة تتكلمي فيها أنا موجود، و لو في مشكلة ممكن اساعدك تحليها.
لم تستدر إليه مجددًا و أكملت في طريقها و هي تشد على يديها بقوة لتمنع عينهيا من إظهار مكنونهما، فهي على وشك الإنهيار، فقد نفد ما لديها من وقود للتحمل، منذ ذلك اليوم الذي مات فيه والدها قد فقدت معه والدتها التى أغدت تعاملهم و كأنها خزنة مالهم الخاصة، ف هي تغدق عليهن ب المال إغداقًا، ف تتيح لهن كل سبل الرفاهية، و بجانب ذلك حرمتهن حنانها و سلبتهن الحق في احتوائهن، فجعلت من دينا باحثة عما تفتقده في أشخاص آخرين،ولحظها العثر لم تجد أمامها سوى خلود التى حطمتها نفسيًا و ضعضعت ثقتها في الجميع.
يسيران جنبًا إلى جنب في بهو القصر مبتعدين عن غرفة فداء، بعدما قد رآها رمزي و اطمئن عليها، غضّن رمزي جبينه و قال بتوتر و خوف:
- أنا مش مرتاح يا أروى بسبب المناقصة دي.
اقترحت عليه قائلة:
- طيب ما نلغيها.
زفر رمزي قائلًا بعجز:
- مينفعش، للأسف باسل مضي معاهم و الشرط الجزائي ممكن يضيع نص فلوس المُعز.
أروى باهتمام:
- طيب يا خالي هما الناس دول بيهددوك بإيه؟؟
أطال النظر إليها بعقلٍ شارد، قبل أن يقول بتذكر:
- ايوه صح الدم اللي اتوفر ل فداء في المستشفى دا مكنش تبعي، الراجل كلمني و قال إنه حصل معاه مشاكل مقدرش يوصل.
عقدت ما بين حاجبيها و قالت بحيرة:
- مين جابهم! دول حتى كانوا كيسين مش بس واحد....و كمان الدكتور كان مأكد إنه مش متوفر عندهم.......
اتسعت حدقتيها و قالت:
- يبقى حسام، ايوه هو.
غضن رمزي جبينه و قال:
- ازاي؟ هما نفس الفصيلة؟؟
هزت رأسها في حركات متتالية و قالت ببسمة خفيفة تزامنت مع لمعة عينيها:
- إحنا بدأنا ننجح يا خالي، بدأنا ننجح، الحمدلله الحمدلله دا كل حاجة جت من عند ربنا مستحيل الكره يدخل بين حسام و فارس تاني، كدا مش فاضل غير باسل....دي فداء ساعدتنا كتير.... أنا كنت خايفة يتخانقوا بعد الهدوء اللي حصل ده، بس بعد كلامك ده يبقى كدا بدأنا ننجح.
بعدما غَضِف الليل، تأهبت أروى للخروج، لم تكن لديها الشجاعة الكافية لتذهب للمدافن في هذا الوقت المتأخر من الليل، و لكنها كانت مُجبرة فقد ألزمها جدهم بالاعتناء بهم قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، و من ناحية أخرى كانت قد وعدت ميار بأنها لن تخبر أحد بفعلتها تلك، و الآن لا ترى أمامها مفرًا إلا أن تذهب و تمتثل لقول الدجال المشعوذ بذاتها.
يغطون جميعًا في نومٍ عميق، بينما هي تسللت لتخرج من القصر دون أن تلتفت حولها، و بالتالي لم تنتبه لذلك الذي قد عاد لتوه من السفر، واقفًا يرمقها بنظرات كالصقر.
ترجلت أمام إحدى المدافن التي استدلت عليها مسبقًا، لتجد أن بوابتها قد فتحت على مصرعيها، ف كانت الإضاءة كافية لتري ذلك الرجل يغرس بعضًا من الشتلات في فناء غرفة المدفن.
شرع إليها برأسه ليسألها بصوت رصين:
- مين حضرتك يا آنسة؟
توترت قليلًا لكن سرعان ما استجمعت شجاعتها و قالت:
- محتاجة ادور على حاجة هنا.
جالت بحدقتيها قليلًا بين المدافن الخمس التابعة لتلك الغرفة الشاملة، ثم أشارت على إحداهن و قالت:
- محتاجة أدور شوية في الرمل بتاع التربة دي.
قال الرجل سريعًا:
- مستحيل طبعًا، اولًا المدافن دي مش ملكك، ثانيًا في جثمان هيدفن دلوقت، ف لازم تمشي من هنا حالا.
قالت بامتعاض:
- جثمان ايه ده، الساعة داخلة على اتنين مين هيدفن دلوقت.
قال الرجل بتهكم:
- هو أنا يعني هكذب عليكي ليه، أنا مش مضطر اولًا، ثانيًا ايوه عادي دي كانت حادثة و على ما الإجراءات خلصت و كدا ف هيندفن دلوقت، و أصلا الجثمان جاي من محافظة تانية و مش هينفع يتساب للصبح.
قالت أروى بترجي:
- معلش حاول تساعدني، لازم اخد من هنا حاجة ضروري و مش هينفع غير النهاردة، و بعدين لو التربة دي اتقفلت مش هنعرف نفتحها تاني.
- معلش يا آنسة مش هينفع.
- أرجوك تساعدني، دا في حد حياته في خطر.
- يا ستي الله يكرمك أمشي من هنا مش ناقصين مشاكل.
خطت أروى اقترابًا من المقبرة و قبل أن تمد يدها، دفعها الرجل للوراء قائلًا:
- يا ست امشي من هنا مش عايز اغلط فيكي، هتخسريني شغلي.
اختل توازنها إثر دفعته و كادت أن تسقط و لكن يد فولاذية كانت هي الأقرب ليدها، تنسمت برئتيها تلك الرائحة التى سادت مؤخرًا في حركة تكرارية، فكانت تتأكد من تلك الرائحة التى تعرفها جيدًا و تحفظها عن ظهر قلب، استطاعت أن تحزر بشكل صائب، فلم تكن تلك اليد لإحد غيره.
أجل إنه باسل المُعز، الذي يرمقها بنظرات لا تفهمها، و قسمات وجهٍ لم تكن مُفسرة بالنسبة لها، أما هو ف ساعدها لتعتدل في وقفتها قبل أن ينقل نظره إلى حارس المدافن، و تتأجج عينيه بنيران الغضب، ليقول بصوت جهوري:
- تعرف إنك دلوقت مديت إيدك على مراتي؟؟
بدأت الكلمات تتخشب على شفتي الحارس، و لما لا و العروق البارزة في جبهة باسل و رقبته تنم عن وضعٍ أقل ما سيقال عنه أنه جريمة قتل.
و بالفعل قبل أن ينطق الحارس بحرف واحد، أراد باسل أن يسدد له لكمة قوية، و لكن أروى قد حالت بينه و بين الرجل و هي تمسك بقبضة يده لتبعدها، قائلة:
- لاء يا باسل، الراجل بيشوف شغله و اللى عمله دا طلع منه تلقائي....و اعتقد هو محتاج يقدم اعتذار مش اكتر.
صوب باسل حدقتيه للحارس بنظرة حازمة و قال بنبرة صارمة:
- اعتذر منها.
اوقفته أروى سريعًا و قالت:
- لا لاء مش عايزة اعتذار، بلاش تعتذر.
رفع باسل حاجبيه في حيرة يقول:
- نعم!..... أمال يعمل ايه؟
أجابت بتحفز:
- يخليني أعمل اللي أنا هنا عشانه.
طالعت الحارس بترقب و هي تنطق بجملتها، و خوفًا من باسل ف لم يكن حل أمامه سوى تركها تفعل ما جاءت لأجله.
شرعت سريعًا تبحث عن ذلك الكيس الأسود الصغير الذي أخبرها عنه ذلك المُشعوذ الكاذب، و كان حقًا أن حصلت عليه و أتمت ما جاءت لأجله قبل حضور المالكين لغرفة المدافن.
شهقت بفزع عندما تخطت بوابة المدافن، لتقول باستغراب:
- عمي صالح شكله مشي و سابني.
أردف باسل بهدوء:
- أنا طلبت منه يرجع البيت.
سألته بنبرة استغراب يشوبها الحيرة:
- ايه ده أنت عرفت ازاي اني هنا؟ و لا رجعت من الكويت امتى أصلا؟!....هو أنت أصلا لحقت تسافر!
قال و هو يحثها على السير:
- نرجع البيت الأول يا أروى و بعدين نتكلم براحتنا.
ركبت معه السيارة بعدما أخبرته برغبتها في الذهاب إلى أحد الشيوخ قبل أن يعودا إلى المنزل، و لم يكن منه سوى الاستجابة لطلبها.
تهادت السيارة أمام الباب الكبير للقصر، ف أزاحت أروى عنها حزام الأمان، و تبِعها باسل و هو يقول بجدية:
- مين اللي عمل العمل ده؟ و لمين؟؟
غضنت أروى جبهتها و سألته:
- أنت عرفت منين؟
أجابها باسل:
- يعني معروفة، نزلتي المقابر في وقت زي ده و جبتي من هناك ورقة و روحتي بعديها ل شيخ..... فطبيعي حاجة تخص أعمال.
سألته أروى مجددًا:
- عرفت ازاي صحيح إني في المقابر؟
- أنا يا دوب وصلت و لاقيتك بتخرجي ف خرجت وراكي......قوليلي بقى اي الحوار.
حاولت التهرب منه فقالت:
- خلينا نتكلم بكرا، أصلا أنا عايزة أنام.
- لاء عايز اعرف دلوقت، و كل حاجة بالتفصيل.
- توعدني إنك مش هتقول لحد؟
- سرك في بير.
بدأت أروى تخبره بما فعلته «ميار» من أجل الحصول عليه، و كيف انتهى الأمر بإلحاق الضرر ب حسام.
باسل باندهاش:
- ميار عملت دا كله؟!
اماءت أروي برأسها و قالت:
- مع الأسف.....بس الحمدلله اهو لحقنا الموضوع بفضلك.
- بالعكس أنا معملتش حاجة، دا أنا المفروض أشكرك عشان بتساعدي عائلتي.
تلفظت أروى و هي تضغط على مخارج الأحرف:
- عائلتنا..... أنا كمان من العيلة و لا مش واخد بالك.
تاه عقله عنها لثوان قبل أن يتبسم قائلًا:
- لاء مش ناسي.
هتفت أروى ذعرًا، ثم أشهرت إصبعها صوب النافذة المجاورة ل باسل لتقول:
- خلي بالك.
التفت باسل سريعًا قبل أن يسألها باستغراب:
- في ايه يا أروى مفيش حد.
أصفر وجهها خوفًا و قالت:
- أنا متأكدة إني شوفت حد وراك لابس اسود و معاه سكينة.
ترجل باسل من سيارته، و جال بنظره في الأرجاء ف لم يجد أحد، فتحرك ليفتح لها الباب و هو يقول مطمئنًا:
- متخافيش يا أروى مفيش حد، و أصلا الحرس كتير و مفيش نملة تدخل من غير علمهم.
في صباح اليوم التالي، أعرب الجميع عن سعادتهم بعودة باسل، و بعد ذهاب الأحفاد إلى العمل، جلست أروى برفقة وفاء يحتسيان القهوة في غرفة فداء التى بدأت تستعيد عافيتها.
غيرت أروى مجرى الحديث قائلة:
- على فكرة يا فداء، حسام هو اللي اتبرعلك بالدم.
وفاء باستغراب:
- الله مش خالك اللي جابه؟
اخبرتهما أروى بما قاله رمزى، لتقول وفاء بامتنان:
- أنا كنت عارفة إن حسام طيب زي والدته، بس هو اللي عِيندي شوية، ربنا يصلح حاله.
أقترحت أروى قائلة:
- ايه رأيك لو والدته طنط داليا تيجي تقعد معانا هنا؟
وفاء بحزن:
- أنا أتمنى و الله، نفسي العيلة ترجع و يتلم شملها زي الأول، بس داليا مش ممكن توافق.
أروى ب حمية:
- سيبي الموضوع دا عليّ، بس أنا عايزة مساعدتكم في حاجة تانية.
تدخلت فداء قائلة:
- عايزة تعملي ايه؟
تبادلوا جميعًا النظرات في صمت قطعته أروى:
- سميرة والدة باسل كانت بتروح لدجال يا طنط؟؟
أجابتها وفاء بقسمات وجه نافرة:
- اعوذ بالله، ربنا يكفينا شرها، سميرة عملت كل الحاجات السيئة عشان تفرق العيلة لدرجة إنها فعلاً مشيت في فترة مع دجالين.
أروى بغموض:
- أنا بقى عرفت واحد منهم، و هو دا هيكون طرف الخيط اللي هيشد باسل عشان يكشف حقيقة أمه.
نطقت الأم و ابنتها في الوقت ذاته:
- و دي هتعمليها ازاي؟؟
تلوى ثغرها ببسمة خبيثة و قالت:
- هحكيلكم كل حاجة، المهم تساعدوني.
على الجهة الأخرى، ترجلت دينا من سيارة الأجرة أمام ذاك الصرح الشامخ، و الذي يعبر عن كينونة مالكيها، ألا و هم أحفاد المُعز، فكانت تجر قدمًا و تأخر الآخر في تردد للدخول.
زفرت بقوة و قالت:
- طالما جيت بقى يبقى لازم ادخل.
استدلت من إحدي الموظفات عن المكتب الخاص ب فارس، طرقت على الباب بتمهل، و ما إن سمعته يأذن لها بالدخول حتي أدارت المقبض، ثم دلفت إليه.
تفاجأ بتواجدها، و لكنه رحب بها ببشاشة و قال:
- تعالي يا دينا اتفضلي اقعدي.
اعتلت الكرسي المجاور للمكتب و تعتعت في الحديث قائلة:
- أنا آسفة....جيت من غير معاد.
رد عليها بنبرة هادئة:
- عادي و لا يهمك، أهم حاجة أنتي كويسة؟؟
أماءت برأسها في تتابع بطيء، ثم اندفعت قائلة:
- لو وجودي هنا مضايقك أنا ممكن أمشي.
- معتقدش إنك جيتي عشان تمشي، و عمومًا وجودك مش مضايقني خالص.
فركت يديها بتوتر بادٍ على وجهها، ثم قالت:
- مش أنت قولتلي ممكن اتكلم معاك لو أنا في مشكلة؟
انتبه لها فارس قائلًا بتأكيد:
- ايوه قولت، و أنا اكيد هسمعك و هساعدك لو عندك مكشلة.
سكتت لترتب كلماتها، ثم نطقت بترقب:
- هو أنت ممكن تتجوزني!.......
يتبع..........
بقلم زينب محروس
أحفاد المُعز
- يتبع الفصل التالي اضغط على (أحفاد المعز) اسم الرواية