رواية العسقلة الماكرة الفصل الثاني عشر 12 - بقلم ايمان كمال
الفصل الثاني عشر
المخرج اصدر تعليماته للممثلين وظبط وقوفهم، وقال كلمته الشهيرة: أكشن.
انطفئت الاضواء، والسكون عم الاستديو، وتوجهت الكاميرات على شيراز والبطل اللي واقف قدامها، وادت المشهد بقلب بيرجف من الخوف، بصوت مهزوز، اداء غير متوقع، خبط المنتج سامي ايده على رجله بآسف، والكل وقف لما المخرج زعق بكل صوته وقال: استوووووب، اية القرف ده، زفت يا آنسه.. !
بصت شيراز بدموع عينيها اللي نزلت شلالات مش بتقف، واتحرجت جدا ومقدرتش تنطق من كسفتها قدام الكل، جريت بسرعه لغرفتها وجواها كسرة اول مره تحس بيها، فضلت تبكي لوحدها.
اخيرا وصلت شروق واول ما وصلت سمعت اللي حصل، وراحت بسرعة على المخرج زياد الزناتي، وقالتلة: مساء يا استاذ زياد.
زياد بضيق رد السلام، حست بضيقه فردت: انا سمعت اللي حصل، معلش ممكن بس حضرتك تديني ربع ساعه اراجع مع شيراز تاني المشهد ونبدأ؟ واوعدك انك هتتفاجأ وهتكون مبسوط من اداءها.
زياد وهو بينفخ سجارتة بضيق: تمام يا شروق، ربع ساعة وهنبدأ.
شكرته بشده وراحت جري عليها، دخلت لاقتها مفطومه من العياط، اخدتها في حضنها كأنها امها مش صاحبتها، وبعدين خرجتها من حضنها وقالت: بس كفاية دموع، العيون الحلوة دي اتخلقت عشان تتزوق مش للبكا، يالا امسحي عيونك وظبطي مكياجك بسرعة، وتعالي نراجع.
سكتت وقالت بتحدي: انا عايزة اشوف ابداع شيراز وهي بتمثل، مش هتنازل عن ده، انتي ادها، ومتقليش من ثقتك بنفسك، عايزة البلاتوه كله ايديهم توجعهم من كتر ما بيصقفوا ليكي.
شيراز وهي بتمسح دموعها، وظبطت شكلها، وشربت شوية مية، مسكت تاني السيناريو وراجعته مع شروق اللي قامت بدور البطل، واقتنعت باداءها وبعدين ادتها دفعه قوية وخرجوا عشان يأدوا المشهد، وقفت قدام الكاميرا تاني لكن بشكل وثقة مختلفه عن اللي فاتت، هي كانت محتاجة لدعم واحساس بأعز صديقة ليها، واتحولت لما شعرت بوجودها، بدأ زياد تصوير، والجميع مركزين، ادته شيراز بإبداع، ولما انتهى مع صياح المخرج باستووب، اضاءت الانوار وصفق ليها جدا، تهلل وشها بالفرح والسعادة، وجريت عليها شروق بكل حب تهنيها على تمثلها، واتقدمت من زياد اللي قالها: ايوة كده هو ده التمثيل اللي كنت عايزة ومتوقعه منك ياشيراز.
ابتسمت برقة وقالت: ميرسي يا استاذ زياد، ويارب اكون عند حسن ظنك دايما.
سامي المنتج قرب منها ومدح في اداءها وقبل الأيادي، وعزم الفريق كله على حفلة عشاء في فيلته بمناسبة بدأ تصوير.
وبعد كل التهاني، كملوا تصوير باقى المشاهد المتفق عليها.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
بعد ما انتهوا من الفطار، قامت شادية عشان تاخد قهوتها تشربها في اوضتها، كانت لاخر لحظة بتهرب من مقابلة ياسر اللي شكله كان غني عن أي كلام، اللي يشوفة يقسم انه زي الطير المدبوح وبيفرفر وبيتمنى الموت ومش طايله، لكن مع كل آسف محدش حاسس باللي جواه، وممكن الكل يقول انه مبالغ في شعوره، بس في الحقيقة هي دي شخصيته وتركبته؛ لما بيحب حد بيكون ليه بكل كيانه، وعيونه مش بتشوف حد غيره، وبيكتفي بيه عن العالم كله، وده اللي معذبه لانه مش عايز امه تفارقة ولا حد يشاركه في قلبها، كتم اللي جواه ودخل مكتبه وقال لمرزوقة تسبقه بالقهوة هناك، دخل ومسك روايته، وحاول يدخل في احداثها ويفصل عن كل حاجة ويركز في شغله، وابتدى يتكلم مع مرزوقة، ويعلمها ازاي الشخصية هتتطور من كونها فلاحة بسيطة لسيدة مجتمع وصاحبة شريكات ليها اسمها، كانت بتسمعه بتَمعن وتركيز شديد، باصه لعيونه العميقه الحزينة، قلبها حس بيه وبوجعه، لكنها مقدرتش تعمل حاجة تخفف عنه حزنه، فقررت تركز عشان متغلطش والحكاية مش ناقصة.
خلص حكاية البطلة كلها، واتناقشت معاه في كل تفصيلة، خلته مستغرب جدا من تفكيرها، وازاي واحده زيها هتفكر وتتكلم كده؟ مهما كانت التدريبات اللي بتاخدها، ومجهود امه معاها؟ لكنه مفكرش كتير وجاوبها على كل اسئلتها، وبعدين قال: كده يامرزوقة انا شرحتلك كل حاجة، دلوقتي هتقراي المشهد ده، وانا هرد عليكي كأني البطل قدامك، ومتنسيش لازم ردك يكون قوي، وبحده متنسيش ابدا ان الراجل ده اتخلى عنك زمان، وسخر من مشاعرك، ودلوقتي لما بقيتي غنية رجع يقدم فروض الولاء، فهماني؟
مرزوقة بثقة: فهماك جدا يا استاذ ياسر، يالا نبدأ وربنا يستر.
اخدت مرزوقة نفس عميق وخرجته بكل هدوء، وسمت الله ومسكت السيناريو وغمضت عيونها عشان تركز، وبدأت تقرأه بكل تركيز، وياسر يرد عليها، وهي ترد وهكذا... حتى انتهى المشهد اللي اتفوقت على نفسها، وخلت ياسر الابتسامه منوره وشة ومسكها من كتفها وقال: مدهشة يامرزوقة، برافو عليكي، انتي ممتازة، فوقتي كل توقعي بصراحة.
مرزوقة وعيونها بتلمع من السعادة لرأيه قالت بفرحة: البركة فيك أنت.
ياسر بتأكيد: لا البركه في موهبتك الفطرية، وانا مهما اشتغل وانتي مش موهوبة عمر ما هيجيب نتيجة ابدا، دلوقتي مطلوب منك هنعيده بس بعد ما تحفظيه مستعده يابطله؟
مرزوقة وهي بتعدل في ياقة الشيميز اللي لابسه بكل فخر وردت: جاهزة يا استاذ، اديني بس هبابه احفظه.
غمض ياسر عيونه وكشر، وادعى العياط وقال: هبابه يامرزوقة، انتي كل ما بتحسيسني انك بتتقدمي، ترجعيني تاني الف خطوة، ارحمي امي التعبانة يامرزوقة والنبي.
مرزوقة بتهز في راسها بفخر قالت: دي جزء من شخصيتي يا استاذ ياسر، وبتفرض نفسها عليا، بس لا تقلق انا هبهرك بفضل الله.
قالت اخر كلامها وهي مضيقة في عيونها، واديها بطبطب على كتفه بتأكيد، خلته ابتسم على شكلها ولسه هيرد، لمح دخول شادية وهي لابسه ومستعده عشان تخرج وقالت: ياسر انا رايحة المستشفى اخد الحقنة.
ياسر بانتباه قال بحده واعتراض: لا مش هتروحي لوحدك المره دي، انا هوصلك.
شادية في محاولة للهروب: خليك مش هتاخر وانت كمل شغلك مع مرزوقة.
ياسر باعتراض: تستنى الدنيا مطارتش، ثواني هطلع اغير هدومي وانزل على طول.
سابها وطلع من غير ما يستنى ردها، واول ما اختفى قعدت على الكرسي بغيظ وفضلت تنفخ، قربت منها مرزوقة وقالتلها: معلش غيران عليكي، الحقي اتصلي بيه وبلغية انه هيجي معاكي بسرعه قبل ما ينزل.
شادية مسكت فونها ورنت عليه بسرعة، رد من اول رنه وقال: روح قلبي وحشتيني اوي، اتاخرتي عليا ليه؟
شادية وعنيها بتبص على السلم لحسن ينزل: معلش ياسليم كنت جاية بس ياسر صمم يوصلني، قولت اقولك عشان متتفاجئش، مش هقدر نقعد مع بعض، تتعوض مره تانية.
سليم وهو بينفخ: اوف يعني معرفتيش تهربي منه خالص؟
شادية بضيق: خالص، ده انا لسه لحد دلوقتي لسه محكتش معاه ولا صارحته.
سليم بوجع: ولحد امتى يا شادية؟
شادية لسه هترد لمحت نزول ياسر، فعتذرت له وقفلت بسرعة.
نزل ياسر واخدها وراح للمستشفى، وطول الطريق ساكتين كل اللي بينهم نظرات واسئلة ملهاش اي ردود، وصلت ودخلت فورا بعد الحاله اللي خرجت، وهو دخل معاها، وكانت عينه زي المكرسكوب اللي مركز في كل نظرة وحركة بينهم، شاور سليم ليهم يقعدوا، جاهد نفسه انه يهرب من عيونها اللي بتقدم له الف اعتذار، امر المساعده تجهز الحقنه واخدها ورا الكنافان يدهلها، همست له قالت بحب: سامحني غصب عني والله.
رفع عيونه بألم ورد: خلاص ياشادية مفيش داعي للاعتذار، انا اتعودت منك اني دايما اكون رقم اتنين في حياتك.
خلص كلامه وخرج سابها موجوعة بينه وبين ابنها، كل واحد بيشد فيها من ناحية ومحدش حاسس بيها، قامت وقفت وخرجت بعد ما شكرته، وياسر مسكها وضمها من كتفها بتملك، كأنه بيعت له رساله مع نظرة تحدي قوية بتقوله انها ملكي انا ومش مسمحلك ابدا تقرب من ممتلكاتي، وخرج ركب العربية، وسألها: الحقن دي مريحاكي يا ماما، ولا نشوف دكتور غيره، او نسافر حتى بره مصر لو لزم الامر؟!
شادية بنظرة رضا قالت: لا يا حبيبي مش مستهله الحمدلله حاسة بتحسن كتير، وكمان ماشية على العلاج وان شاء الله يجيب نتيجة حلوة.
ياسر بحب: يارب.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
خلصت شيراز كل تصوير مشاهدها النهارده، وغيرت هدومها واخدت شروق روحوا بيتها عشان تستعد لحفلة العشاء، رفضت شروق انها تروح معاها لكن تحت ضغط منها وافقت واتصلت على والدتها وبلغتها، واختارت شيراز لبس مناسب تحضر بيه، ولاحظت برغم انها ادتها دفعه وثقة لكن وشها مطفي وحزين، مسكتها وقعدتها قدامها وضغطت عليها وصممت انها تتكلم وتحكي ومتخبيش عنها حاجة، حست شروق انها اخدت كارت مرور عشان تعدي منه كل اوجاعها وتخرجه من صدرها اللي كاتم على روحها، كانت مضغوطة اوي، مش قادرة تتحمل خذلانها من حبيب قلبها، وانه هان عليها بالشكل ده، فضلت تحكي وصوت شهقاتها بيعلى لدرجة خلت شيراز تشاركها آهاته، بعد ماخلصت ضمتها في حضنها وطبطبت عليها وقالت بحزن: والله العظيم ما يستاهل دمعه واحده من عيونك، احمدي ربنا انه ظهرت طباعة قبل ما تتجوزي وتعيشي معاه في عذاب، وتتحولي مع الوقت بلا شخصية ولا كيان، عشان خاطري انا وحياتي عندك ما تبكي، مقدرش اشوفك كده ابدا، شروق انتي متعرفيش انتي بالنسالي اية؟
وربنا انا واثقه انه شيلك نصيبك اللي هيعوضك بيه وهيديكي الأحسن، وبكره تقولي شيري قالت، ابتسمي بقى شكلك وحش وانتي عيوطة كده.
ابتسمت شروق وقالت بوجع: انتي معاكي حق في كل كلمة، بس اللي وجعني بجد انه حتى مفكرش يصلح اللي قاله، كأنه ماصدق ان اللي بينا ينتهي بسرعة كده، ولا حتى يوصل لنقطة تلاقي بينا تشبث برأيه وانانيته واخدته عنجهيته، مش قادرة اصدق ياشيراز ان ده عماد اللي فضلت احبه سنين، ازاي اتغير واتشقلب حاله بالشكل ده، واتحول كده؟
شيراز بهدوء وهي ماسكه منديل وبتسمح ليها دموعها: للأسف انتي بس اللي شايفاه اتغير واتحول، لكن في الحقيقة هو كان كده طول عمره، وياما قولتلك هو بيحب يسيطر عليكي بشكل كبير، وبيحب كلمته هي اللي تمشي، وكل ما تتحركي في حته لازم تاخدي اذنه وتعرفيه، وليلتك تبقى سودا لو عرف انك خرجتي من غير ما يعرف !!
فاكره دايما ردك كنتي بتقولي اية؟
وفيها اية لما اسمع كلامه واستأذنه، هو بيخاف عليا وبيغير، وده من كتر حبه فيا، فاكره ولا نسيتي؟
شروق منزله عيونها في الارض بخجل من تفكيرها زمان، هزت راسها وقالت: فاكره، كنت صغيرة وهبله وبصدق اي كلمه يقولها، وتأثيره عليا كان سهل، ومكنتش بحب ازعله مني، واتجنب اي مشكلة تحصل، لكن دلوقتي خلاص تعبت من تدخله في كل كبيره وصغيره، واني اطيعه طاعة عمياء من غير ما اعترض ولا ابدي اي رأي ياخده، مقدرتش اتحمل فكره انه يلغي وجودي، خوفت لو اتجوزنا وخلفنا افقد السيطرة على ولادي، ولما يشوفوا تعامله معايا يبقى مليش كلمه عليهم، واحترامهم يقل مع الوقت ليا، واتحول في بيتي لمجرد شغالة بلقمتها الصبح، وزوجة لحضرته بليل، الفكرة في حد ذاتها كانت بتقتلني؛ عشان كده اخدت اصعب قرار في حياتي معاه، وهو اني احترم نفسي وكياني.
شيراز كانت بسمعها برغم وجعها عليها؛ إلا انها كانت فخورة بصديقتها انها قوية وشجاعة وقدرت تبص للموضوع من منظور تاني خالص، وتشوف مستقبلها معاه شكلة هيتحول ازاي مع الوقت، عشان كده هي اخدت القرار السليم، وقفت ومسكتها من ايديها وقالت: انتي صح ياشروق، هتتوجعي دلوقتي شوية وتخفي، افضل الف مرة من انك تتوجعي ويستمر الوجع سنين قدام، الحب وحده مش كفاية انه يسعدك، في حاجات كتير اوي لازم تتوافر معاه، اهمها الاحترام والتقدير بينكوا، وانتي بس اللي كنتي بتقدري وتحترمي، اعتبريها صفحة من حياتك وقطعتيها، وارميها ومتفكريش فيها تاني، وبإذن الله ربنا هيبعتلك اللي يستاهلك ويستاهل قلبك الطيب، وممكن بقى متكلمش في الموضوع ده تاني، وتيجي معايا عشان اظبطلك وشك اللي بهدلتيه بعياطك ده، عايزين نلبس ونجهز.
حضنوا بعض بحب، فكل واحده كانت نعم السند والعون للتانية، علاقتهم كانت جميلة برغم الفارق المادي بينهم، لكن حبهم لبعض عمره ما كان عائق ابدا في علاقتهم اللي استمرت سنين دراسة وكمان بعدها، مر الوقت وجهزوا وراحوا الحفله اللي كانت مليانه مشاهير كتير من كل الوسط الفني، بالإضافة للصحفيين اللي كتبوا عن الحفلة ودعاية للفيلم، شاركت شروق صديقتها في كل الصور، متشبثة باديها عشان متفارقهاش، لانها عارفة انها مش بتحب الجو ده، لكنها حبت تخرجها من اللي هي فيه وتخليها تغير جو، كانت شيراز زي النجمه بتضوي في كل مكان تروحه وتخطف الانظار من جمالها، وسحر رونقها ولباقتها، فكانت محط كل انظار الجميع، وهي بتوزع ابتسامتها عليهم.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
مر ساعات كتير من ساعة ما رجع ياسر الفيلا وهو شغال مع مرزوقة بيحفظها الدور وبيمثل معاها، لدرجة انها في كل مره بيزداد اعجابه بيها اوي، شادية كانت في اوقات كتير قاعده معاهم بتتفرج على اداءها وبتشجعها، لحد ما مرة واحده مرزوقة وقفت وحست انها هنجت وقالت بصوتها العالي اللي اتحولت فيه: خلاص بكفاية كده مش قادرة، عصافير بطني وجعتني من كتر ما بتصرخ ياعالم، هموووت من الجوع ياكفره ارحموني هبطت.
قامت شادية وقربت منها وحطت ايديها علي بقها وقالت: اسكتي فضحتينا الله يخرب مطنك، اتسدي هنأكلك يا مفجوعة.
ياسر وهو بيضرب كف على كف قال: سيبك منها ياماما، هي كده يعني مش عارفاها بتتحول اول ما الكلاب المسعوره ما بتهوو في بطنها، اطلبي من هنية الأكل بعد اذنك، وانتي ياست المفجوعة راجعي المشهد ده واحفظية عقبال ما الأكل يجهز.
مرزوقة حطت الرواية على المكتب بعنف، وبصتله وقالت بصوت عالي متقمصة شخصية مرزوقة وقالت: لع مش بعرف اركز ولا احفظ حاجة واني عوجانه، بفقد كل حواسي واني جعانه، وانتوا عارفين اكده، اكلوني واملى التانج بتاعي وبعدين نتكلم، غير كده معرفش.
ياسر بتنهيده: انتي مفيش فايدة فيكي، قومي ادخلي المطبخ يا فضحانا اتسلي بأي لقمه لحد ما تغرف هنية الأكل.
مرزوقة بفرحه طفلة جريت وقالت: ايوة هو ده الكلام، مش تقولي احفظي على معده فاضية، طب تيجي ازاي دي يا هندسة.
قالت كلامها وضحكت ضحكتها الهبله واختفت عن عيونه، وفضل مبتسم عليها، واستغرب ان في انسانه قدرت بكل بساطتتها تخطف منه ابتسامه، وتنسيه همومه في وجودها، اتعجب من تفكيره بالشكل ده !! هو من امتى ممكن يتأثر بحد خصوصا من جنس بنات حواء؟ لا مستحيل هو بس معجب باللعبه اللي بيشكلها ويلونها زي ماهو عايز مش اكتر، اه هو كده بالظبط ومفيش حاجة اكتر من كده،
ده اللي اتوصل اليه ياسر بعد صراع مع عقله وقلبه، ان مرزوقة بالنسباله حاله او لعبه، وتحدي ولازم ينجح فيه مش اكتر، فاق على صوتها بتناديه وهي قاعده على تربيزة السفرة وبتقول: يا استاذ ياسر تعالى ياتلحق الاكل يامش هتلحق، انا مش مسئولة انا بقولك اهو.
سمع صوتها العالي راح لعندها وبحده قال: مليون مره قولتلك مش بحب الصوت العالي، لازم تتعودي تتكلمي برقة وصوت واطي، هفضل اقول كده لحد امتى بس؟ مش معقول يامرزوقة اعملي كنترول على صوتك شوية.
مرزرقة سابت ورك الفرخة اللي بتاكله وحطته قدامها وقالت: الحق عليا عايزاك تيجي تاكل، هتفضل تزعق كده ولا هتقعد تاكل؟ ولا عايز تسد نفسي واقوم من على الترابيزة واسيب الفرخة الحلوه دي، لا معلش انت لو عملت اية انا قتيلة الفراخ المشوية دي، فياريت توفر الكلام وتسبني افصصها بلذاذه، والنهارده بحق التعب اللي شوفته طول النهار، سبوني اكل براحتي من غير ما حد يقولي اتيكيت ولا كتاكيت.
شادية مقدرتش تمسك نفسها من اول حوارها وفسطت على روحها من الضحك، وده خلى ياسر يضحك معاها برغم اللي شايفه منها وهي بتلتهم الفرخه بوحشية كأن بينهم طار بايت، وقال في نفسه فعلا الجوع كافر، وقعد وبدأ ياكل معاهم وعينه كل شوية تحفر ذكرى حلوه مع مرزوقة في ذاكرته، وفضلت تاكل من غير ما تتكلم لانها فعلا كانت جعانه اوي، ومره واحده زورت واللقمه وقفت في زورها بسبب عضمه من الفراخ، ناولتها شادية بسرعة كوباية مية تشرب، لكن معملتش حاجة ومش قادره تاخد نفسها، وشها ابيض، وفضلت تشاور ليهم بأنها مش قادرة تاخد نفسها، قام ياسر مخضوض عليها وقلبه ارتجف خوف وفضل يضرب على ظهرها مره ورا مره عشان تعرف تتتفس ونزلت العضمه الصغيره اللي كانت واقفه، وفين بعد كام محاوله عرفت وقالت: يانهاري كنت هموت فطيس، اكيد الفرخة دي حد داعي عليها انها تقع تحت أيدي.
ياسر بعد ما خد نفس قال: لا وانتي الصادقة ده من طفاستك كنتي هتروحي في توكل، في حد ياكل بالسرعة دي، وميمضغش الأكل كويس، انتي يابنتي بتظلطيه من غير مضغ ومش عايزة تزوري.
مرزوقة ضيقت عينيها وقالت: انا عرفت دلوقتي مين اللي مركز معايا وباصصلي في اللقمه، سديت نفسي، اديني قايمه.
ياسر بيضحك: لا والله تعالي كوليني يامرزوقة، ده انتي خلصتي الأطباق ومسحتيهم.
شادية باعتراض ولوم قالتله: بالف هنا ياياسر في اية، البنت جعانة واكلت.
مرزوقة بحب: تسلميلي حبيبتي، قوليله والنبي لحسن هيعد عليا الاكل، هروح بقى ادور على حاجة حلوة في المطبخ، لحسن حاسة اني هفتانه ونفسي في حاجة مسكره، انتوا عندكوا حاجة مسكرة ولا اطلب ديلفيري؟
ياسر بص لشادية بذهول وقال: يخربيت سنينك هو لسه عندك مكان لحاجة مسكره، ارحمني يارب.
مرزوقة وهي حاطة اديها على بطنها وبتخبط عليها قالت : لا تقلق البير غويط وعامله حسابي للحلو وللمشروبات، كمل اكلك عقبال ما اروح أحلي انا.
بص ياسر للاطباق اللي اتمسحت وقال بهمس: هو انتي سبتلنا حاجة ناكلها يا بنت المفجوعة، وكمان دخلتي تخلصي على الحلو، والمصيبة مش باين عليها كل اللي بتاكله ده.
شادية: وده احسن حاجة فيها، بتاكل ومش بيبان عليها، هقوم اجبلك اكل من جوه عشان تكمل.
ياسر بيقعدها عشان متقومش: لا خليكي انا اصلا شبعت بس حبيت انكشها.
سكت عشان يجمع كلامه وبعدين قال: مش هتحكيلي مخبية عني اية، وكنتي فين لما غيبتي؟
شادية بتبلع ريقها وقالت: هحكيلك خلاص مفيش داعي للهروب اكتر من كده، لانك مسيرك هتعرف، تعالى ندخل جوة عقبال هنية ما تجيب القهوة، وتلم السفرة.
نادت على هنية، وشالت السفره وراحت تحضر القهوة، وجبتها بعد ما خلصتها في المكتب، كانوا قاعدين، ومسكت فنجانها وابتدت تشرب منه، وبعدين قالتلة: ياريت يا ياسر مهما تسمع اللي هقوله متزعلش ولا تتأثر، وحاول تفهم وتستوعب، ان مهما يحصل مستحيل حاجة ممكن تأثر على علاقتنا ببعض ابدا، انت هتفضل طول عمرك ابني البكري اللي مشلتهوش بطني.
ياسر ضم بين حاجبه مستغرب مقدمتها للكلام، فسألها: وضحي كلامك ياماما، مستحيل حاجة تأثر علينا، انا مليش في الدنيا دي كلها غيرك انتي، ارجوكي اتكلمي من غير مقدمات.
شادية رفعت كوباية مية تشربها، تبلل بها شفتها وحلقها اللي نشف، وابتدت تحكي قصتها مع سليم من أيام كانت لسه بنت صغيرة بضفاير على ظهرها ومتعرفش حاجة في الدنيا غير حب سليم، وعشانه كانت ممكن تبيع كل العالم وتختاره عشان تعيش معاه، وازاي القدر لعب لعبته وخلاها تضحي عشان يعيش سعيد، والصدفه اللي جمعتهم ببعض، وكل الحقايق اللي انكشفت والمؤامرة اللي حصلت، كانت بتتكلم والوجع واضح في نبرة صوتها، وعيونها اللي مسكاهم بالعافيه عشان مينزلوش وتضعف قدامه، بس كان باين ليه كمية الحب اللي حسه منها، والألم اللي شايفه وسامعه في كلامها، صعبت عليه منكرش، لكن نفسه صعبت عليه اكتر... حس مره واحده ان المكان فضي من حواليه وهو واقف وحيد، بردان، اتعرى مرة واحدة من بعد ما كان دايما دفيان بحبها، فجأه بقى خالي وفارغ من غيرها، مصدر امانه اختفى.. او عايز يبعد ويمشي، بصلها بقهر ودموع بتلمع واقفه على باب جفونه وبتهدده انها هتنزل مهما يحاول يسجها داخل محرابه، مهتمش بكل اللي حاكته، غير بس انها عايزة تعيش حياتها بعيد عنه، وان في راجل استوطن قلبها واعلنتها صريحة قدامه، يمكن زمان كان حب خفي ميعرفش بيه ولا حس بوجوده، لكن دلوقتي بقى حقيقة واضحه وظاهرة وضوح الشمس، قرب منها واتقابلت عيونهم في مواجهه صعبه عمرها ما اتخيلت في يوم تقف في الموقف ده، وقالها بكل القهره اللي جواه....
وإلى هنا توقف القلم عن سرد باقي الحكاية وهنعرف بكره اية اللي هيقوله ورد فعله هيكون اية؟ توقعاتكوا لرده ايه؟ هل هيوافق ويديها حق العيش الباقي من عمرها مع سليم؟ ولا هيحرمها من الحق ده؟
وشروق هل قرارها صح؟ ولا هتندم عليه؟
وياترى رد فعل سليم هيكون اية، هيتمسك بحبه ولا هييأس ويبعد عنها؟
كل ده واكثر هنعرفه من خلال متابعتكوا لروايتي الجديدة المتواضعة..
العسقلة_الماكرة
بقلمـ إيمان كمال ✍️
إيمووو
•تابع الفصل التالي "رواية العسقلة الماكرة" اضغط على اسم الرواية