رواية مشاعر موقدة الفصل العاشر 10 - بقلم فاطيما يوسف
في منزل والد “نور الهدى” حيث استردت صحتها قليلاً ولكنها ما زالت تتحرك على عصاه نظراً لما حدث لظهرها من أثر لكماته العنـ.ـيفة لتلك الضعيفة جسـ.ـدياً فما فعله بها ليس هيناً ، وكان الجميع متواجدون معهم ” يحيى” و والدته و والده حيث يتناقشون فيما فعله ذاك الأحمق في زوجته و “يحيى” فتحدثت والدتها وهي تنظر إلى شقيقتها وتستسمحها عما حدث لولدها:
ــ معلش يا أختى حقك عليا ، حقك عليا يا أبو يحيى ، لو كنت أعرف إن الحقير ده هيعمل كدة مكنتش أخدت يحيى معايا بس مكانش فيه غيره يوديني وهو اللي بيروح معايا كل مشاويري لما يكون أبو نور مش موجود ،
وأكملت بحيرة وهي تسأل زوجها :
ــ هنعمل ايه يا أبو نور ؟!
أنا بقول نتنازل عن القضية وهو يتنازل وتطلق بدل البهدلة والمرمطة في المحاكم وكمان علشان مستقبل يحيى كدة هيتدمر ولو الكلية عرفت بالخبر بعد المحامي خلاص أكد له إنه هيكسب القضية الجلسة الجاية هياخدو القضية دي ضده ومستقبله هيضيع وتعبه علشان يوصل لحقه في وظيفته هيضيع وهو ملهوش ذنب .
الجميع في حيرة من أمرهم لقد وضعهم ذاك الأرعن الفاقد للذمة والضمير في خانة صعبة لقد طـ.ـعن امرأته في شـ.ـرفها بقلب من حديد دون أن يخشى ،
الجميع ينظرون لبعضهم البعض وأعينهم تتسائل ماذا يفعلون الآن ثم أنقذتهم
“نور الهدى” والدموع تتلألأ في أعينها وهي تبتلع أنفاسها بصعوبة فهي كانت تريد الزج بذاك الأحمق في السجن كي تنـ.ـتقم مما فعله بها ولكن ليت ما يتمناه المرء يدركه وعند الله تجتمع الخصوم:
ــ بعد إذنك يا بابي أنا هتنازل عن حقي في اللي عمله فيا ، وكمان هو هـ.ـرب وساب البلد يعني كدة كدة الحكومة على ما تجيبه والمحامي بتاعه يتلاعب هيكون يحيى ضاع وأنا سمعتي اتشوهت في الأرض ، والست اللي جت لمامي حذرتها جامد من كلام حماتي وأنا لا عايزة أبهدلكم معايا ولا حد يتظلم بسببي.
تعصب والدها بانفعال شديد واحتدم غيظه حتى وصل ذروته و وجهه ازداد احمراراً من شدة احتقانه وهو يسـ.ـب ذاك الــ”نادر” :
ــ ابن الكـــ…. طينها وهرب والله ما هسيبه ولا هنسى له اللي عمله فيكي ، والله وقسم علي لا هخليه يتندم على اللي عمله فيكي وطالما معرفناش ناخد حقنا بالقانون علشان هو انسان سافل ورخيص يبقي ولكم في القصاص حياة وزي ما عمل فيكي هعمل فيه ، وهحسر قلب أبوه زي ما قلبي اتحسر عليكِ ، وهبكي أمه دموع زي ما بكى مامتك دـ.ـم عليكِ ،
ثم ربت على ظهر “يحيى” وهو يعتذر له على تعبه معهم وأنه رُميَ بالإثم ظلماً وهو برئ ولم يرتكب تلك الدنائة :
ــ معلش يا يحيى على اللي جرى لك بسببنا ، احنا خلاص يابني هنتنازل عن القضية وزي ما دخلنا بالمعروف هنخرج واحنا مضــ.ـروبين بالكفوف بس ده علشان خاطرك أنا ميرصنيش مستقبلك يضيع وعلشان خاطر نور اتمرمطت بما فيه الكفاية وملهاش في بهدلة الأقسام والنيابة والبلاوي دي ، ساعات التنازل بيبقي عين الحكمة للأسف.
بكت “نور الهدى” بشدة فهي سُحِلت وأهينت ونالت من العـ.ـذاب الجـ.ـسدي والنفسي ما لا يتحمله بشر والآن ستتنازل ولم تستطيع أخذ حقها وداخلها يغـ.ـلي نيـ.ـراناً مشـ.ـتعلة ،
نظر “يحيى ” إلى بكائها وانفطر قلبه لأجلها فهو الآن يشعر بنـ.ـيران قلبها وأنها انكسرت بشدة ليترجاها بعينيه أن تكف عن البكاء وردد لسانه بمواساة :
ــ متبكيش يا نور الحمدلله انك خلصتي من عشرته وإذا كان على حقك مش هنتنازل عنده وأنا هقوم محامي كبير يتكفل بالقضية بتاعتي ويجيب لي براءة وانتِ تقرير المستشفى وشهادة الطبيب والممرضين يودوه في ستين داهية.
تنفست والدتها بأنفاس عالية وهي تحرك رأسها برفض على كلامه :
ــ الكلام ده يا يحيى لو كنا بنتعامل مع ناس عندها شرف في العداوة وما بتضربش من تحت الحزام اما دول اذا خاصم فجر وكمان الست جارتنا اللي جات لي قالت ان موبايل نور تحت ايديهم وسهل جداً إنهم يعملوا شاتات بتواريخ قديمة ويبعتوها على موبايلها إنها بتكلم شباب وممكن كمان يبعت لهم صور من صورها وهي واخدة حريتها في بيتها علشان يثبت للمحكمه إنها فعلاً خاينة والناس لما بتشوف الحاجات دي بتصدقها وبنتي سمعتها هتسوء في الأرض ،
واسترسلت حديثها بقلب مولـ.ـع:
ــ احنا بقينا في زمن العجايب للأسف المظلوم بقى ظالم والظالم بقى يدب في الأرض وعينه بجحة وقوية ومفكر نفسه إنه على حق ،
و بنتي لها ربنا هينتقم منهم وهحسبن عليهم ليل ونهار هو وأمه وأبوه لأنهم طـ.ـعنوا بنتي في شرفها يعني قذف محصنات ودي عند ربنا كبيرة قوي ،
أما بالنسبة لك يا حبيبي انت ما ينفعش تتنازل عن مستقبلك بالسهولة دي ، انت محتاج شغلك في الجامعة وده حقك بعد تعب سنين مذاكرة ومرمطة وبرده حق بنتي هنعرف نجيبه إزاي والزمن بيدور ومهما قعد في غربته مسيره هيرجع وهيكون الموضوع هدي وهنعرف نجيب حق نور ازاي في الضلام زي ما هو استخدم الضلام برده العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم.
بعدما اتفقوا على التنازل بنفسٍ مغصوبة نزل كلٍ من والد “نور” و والد “يحيى” كي يذهبوا للمحامي ويتفقوا معه على كل شئ وهو الذي سيتولى الأمر معهم في كل الإجراءات ،
أما يحيى كان جالساً بجوار تلك المنطفئة نفسياً وجسدياً بعدما دلفت والدتهم إلى المطبخ لإعداد الطعام لحين مجئ الرجال ،
كان داخله يشعر بالسعادة الغريبة رغم كل ما حدث لصغيرته من آلامٍ ورغم كل ما تجرعته من جروحٍ أثرت في روحها إلا أنه الآن عرف قيمتها ولم يفرط بها أبداً بعد ذاك فقد توجع قلبه لأجلها وتأنَّ كثيراً لوجعها وعلم بأن دقاته القابعة بين أضلعه حينما كانت تثور داخله قبل سنوات حينما كان يغيب عنها في سفرٍ مع أصدقائه وحينما ذهب إلى الجيش ويعود يراها فيشعر بنبضاته حينها تخفق ما كانت إلا نبضات عشقه لها ووحشتها له ، وتيقن الآن أنها عشق الطفولة والشباب فهي مرباة أمام عينيه ، رقيقة كنسمة الهواء ونالت من العـ.ـذاب ما جعلها هشة للغاية ،
كان ينظر إلى ملامحها بتعمق جعلها انتبهت إلى نظراته تلك وداخلها لم يفرق عنه بل ويزيد فهي كانت واضحة من البداية ومشاعرها تجاهه كانت تعلم بها ، مشاعر عاشقة ، متيمة ، بل مغرمة بهواه فلقد ولد القلب على يديه ولكن كان دوماً يؤكد لها أنها شقيقته وليس إلا مما جعلها فقدت الأمل به بعدما عانت سنواتٍ كثيرةٍ في عشقه ولكنها فعلت بحالها فعلة شنعاء حينما استغلت سفره لآداء خدمة الجيش ووافقت على ذلك النادر كي ترغم قلبها على نسيانه ولكن أحمق ذاك التفكير فهو ليس مجرد حبيب يُنسى بآخر هو كان تمني وحلم ولهفة أيام وليالي بل وسنوات عمرها بأكمله ،
أغمضت عينيها حينما استمعت إلى صوته ينادي باسمها وقلبها ما زال يدق بنفس اللهفة عند سماع اسمها من شفتيه ، قلبها الموجوع ما زال يعشقه رغم خذلانه لها وتركها :
ــ نور ، انتِ كويسة ؟!
وأكمل بتساؤل حائر حينما رأى عينيها المغمضتين وتنهمر منهما الدموع الصامتة التي فتـ.ـكت بقلبه الآن ولو كان يجوز لجذبها إلى أحضانه كي ينسيها مرار ما شعرت به ، لكان اقترب منها ومسح دموعها بأصابعه ، ولكن لن يجوز فأكمل بلوعة :
ــ أرجوكِ يا نور متعيطيش مش متحمل أشوفك كدة قلبي بيتقطع عليكِ يا بنت قلبي .
فتحت عينيها المغشية بدموعها المريرة وهي تبتلع غصتها بصعوبة ورددت بخفوت :
ــ أنا كويسة يا يحيى طالما انت هتبقى بخير .
ابتلع ريقه هو الآخر ليقول بتصميم:
ــ لو التنازل ده هيخليكِ تحسي بالتحطيم ده كله وانك اتظلمتي ومعرفتيش تاخدي حقك يبقي بلاش منه وأكلمهم دلوقتي حالاً يرجعوا يا نور ! كل حاجة تهون إلا دمعة قهـ.ـر واحدة تنزل من عيونك يا حبيبتي ؟!
ــ حبيبتك … تلك الكلمة الصامتة التي نطقتها عينيها بوجع ولم يجرؤ لسانها على نطقها ثم أجابته بثقة وهي تثبت له مرارً وتكراراً أنه لن يقهرها غير ضياعه منها :
ــ لااا يا يحيى انت اللي كل حاجة تهون وكل حاجة تتحملها نور ولا انك تتأذي بسببي ، أنا راضية جداً عن قرارنا كلنا وحقي ربنا مش هيسيبه وهيجيبه لي عاجلاً أم آجلاّ بس انت ملكش ذنبي تتأذي بسببي.
تمتم بوجع دون أن يراعي أي حواجز تمنعه عنها :
ــ لا انا أستحق التعب والأذية واني أتوجع زي ما انتِ ما اتوجعتي وتأذيتي ، أنا أستحق إن كل حاجة وحشة تحصل لي علشان اللي جرى لك بسببي يا نوري .
وأكمل بروح منهكة وهو يقترب من جلستها قليلاً ليسألها بما فاجأها :
ــ ليه اتسرعتي وارتبطتي وأنا في الجيش ، ليه مستنتنيش يا نور على ما ألف لفتي وأرجع لك طالب منك القرب والود والحب ؟!
كنت هجي لك نادم ومعتذر بعد ما قلبي نضج وبطل حيرة واختارك متكونيش إلا انتِ حبيبة وشريكة باقي عمري زي ما كنتِ شريكة أيام حياتي اللي فاتت وعيشتها معاكِ يوم بيوم .
رمشت بأهدابها وهي ترفع عينيها التي تتلألأ جواهرها ثم عاتبته بنبرة مملؤة بالحسرة :
ــ ياه يا يحيي ده أنا استنيتك عمري كله ، اتنين وعشرين سنة استنيتك فيهم تقرب مني وتفهم مشاعري اللي اتولدت على ايدك ، اتنين وعشرين سنة عمري كله من يوم ما اتولدت وفتحت عيني على الدنيا ومشفتش إلا أنت ، كنت صديق وأخ وخليل للروح ، في حياتي مصاحبتش حد بنات ولا شفت شاب و عيني لمعت إلا انت، كنت كل حاجة ليا كنت أهم حاجة عندي ، كنت روحي لما كان جوايا روح .
صوت مميت ملأ المكان ونظرات الدهشة حلَّت على ملامحه مستفسراً عما ما ردده فاهها :
ــ كنت يا نور ! أمال أنا بقيت ايه دلوقتي وأنا بأكد لك وأنا بكامل قوايا العقلية وبكل دقة في قلبي انك انتِ روحي اللي عايزة تشدك لحضنها دلوقتي وتطبطب عليكِ يا بنت قلبي ؟
سحبت نفساً عميقاً ثم زفرته على مهل وهي تحاول السيطرة على نيران صدرها المولــ.ــعة من كلماته التي جعلت نبضات ذاك الأحمق داخلها يفضحها أمامه وهو يدق بعـ.ـنف ويكاد يهرب من بين ضلوعها ويسكن بين يديه ولكنها حاولت كتم دقاتها وثوران مشاعرها الموقدة وهي تؤكد له بكذب :
ــ أيوه يا يحيى كنت ، أنا مبقتش أنفع لأي راجل وليك وانت بالذات .
صوت مميت ملأ المكان ونظرات الدهشة حلَّت على ملامحه مستفسراً عما ما ردده فاهها :
ــ نعم ! ليه يا نور تقولي كدة ؟!
مستحيل ده يحصل ومستحيل أفرط فيكي تاني ومستحيل أسيبك تضيعي من بين ايديا علشان حبة سراب هينتهوا جواكي وترجعي بعدها لحضنك الآمن حضن يحيى يا نور .
أنهى كلماته بنطق اسمها بصوته العميق وبنبرة تمتلأ من المشاعر الموقدة ما يجعل نيـ.ـران لوعتها تخفق بجميع حواسها ثم نطقت بتأكيد لرفضه :
ــ كان زمان قبل ما يحصل اللي يحصل ، أما دلوقتي انت متنفعنيش ولا أنفعك ولا هنفع غيرك علشان أنا اتأكدت واتيقنت إني عمري ما هقدر أنساك .
كأنها صفعة لقلبه المسكين الذي هاجت ضرباته بعـ.ـنف داخله ليؤكد لها هو الآخر مراراً وتكراراً :
ــ ليه مينفعش إن شاء الله ! انتِ مش لحد غيري تاني ولا هسيبك لضياع مشاعرك تاني واذا كان قبل كده قلبي كان أحمق مش هتتكرر يا نور ،
ثم أكمل بتساؤل مرير :
ــ وبعدين ايه حكاية انت بالذات دي ! ليه يعني أنا بالذات يانور ؟
ابتسامة مريرة امتزجت بدموعها الغزيرة التي لم تكف علي أن تذرف من عينيها وهي تجيبه بصوت حزينٍ باكي بدموع الفراق المحتوم بينهم :
ــ علشان أنا لو اتجوزتك هثبت لهم اني كنت خاينة واني فعلاً زي ماهما بيقولو كنت على علاقة بيك وان اللي قاله الحقير اللي اسمه جوزي بصحيح وسمعتي البريئة هتتلوث بالفعل والبلد كلها مش هيبقي ليها سيرة غير نور اللي خانت جوزها مع ابن خالتها وتستاهل اللي حصل لها وعلشان كدة بقولك لو جاي في رجوع انساني .
اعتصر قبضة يديه بغضب شديد وهو يصيح بها بعض الشئ :
ــ ما يـولـ.ـعوا ولا يتحـ.ـرقوا بجاز وسخ الناس كلها اللي تفكر بالشكل ده ، احنا متربيين مع بعض قدامهم وطول عمري بمشي معاكِ في الشارع قدامهم وطول عمري كنت سند وأخ ليكي ودرع حامي قدامهم اشمعنا دلوقتي يعني بقيت أنا في نظرهم خاين وانتِ كمان في نظرهم خاينة ؟!
تجمدت مكانها في لحظة صمت بينهم ولكنها أخبرته بصوتها المختنق وبقرارها التي لن تتخلى عنه وهي تحاول القيام من مكانها بصعوبة نظراً لوجع جسـ.ـدها المصاب :
ــ علشان ده قدري ونصيبي منك ومعاك يا يحيى ميتحملش إلا الوجع والفراق المحتوم وكأن النصيب في كل مرة بيأكد لي انك مش ليا واني لازم أعيش محرومة من حبي .
ابتلع غصة آلامه حينما وقع نظره عليها وهي تتحرك بصعوبة من أمامه وكأن أحدهم غرزه بسكين حاد في قلبه ولم يعرف بما يفعل وأثناء تحركها تعثرت في طرف السجادة وكادت أن تقع إلا أنه أسرع إليها وحاول إسنادها من الخلف ممسكاً إياها بحنو وتملك وهو يجعلها تستقيم في لحظة صامتة بينهم هي بين يديه لأول مرة بذاك الإقتراب وبتلك المشاعر الواضحة بينهم ،
كان لا يريد تركها ولا انسحابها من بين يديه ، يود أن يتوقف الزمان والمكان الآن في تلك اللحظة ، حاولت الإفلات من يديه قبل أن تضعف وتدلي بحالها داخل أحضانه وتبكي بين ذراعيه وتخرج ببكائها مرارة صدرها التي تشعر بها الآن ، ليهمس بأذنيها بتأكيد وتملك بأنها له وتخصه ولن يتركها لتفكيرها مهما حدث :
ــ أنا مش هسيبك يا نور ولا هبعد عنك لو انطبقت السما على الأرض .
ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة من اقترابه وهمسه وأغمضت عينيها بوله وهي تحاول كبح جماح مشاعرها الموقدة ثم استجمعت قواها وأنزلت يده من عليها وتركته يقف يشعر بالجنون من رفضها ودلفت بنفس الخطوات البطيئة إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها وهي تضع يدها على وجهها تكتمم شهقاتها كي لا يسمعها في الخارج وداخلها يعتصر بالآلام التي تكفي العالم أجمع .
كل شخص يمر بلحظات فراق، سواء لصديق، حبيب، او شخص عزيز عليه. ومع كل فراق يصاب الشخص بالوجع والألم.
لو فصل الزمان بيننا وأبعدنا عن بعضنا فالذكريات التي كانت بيننا حية لا تموت ،
يا ليت الزمان يعود، واللقاء يبقى للأبد، ولكن مهما مضى من سنين سيبقى الموت هو الأنين، وستبقى الذّكريات قاموسا تتردد عليه لمسات الوداع والفراق، والوداع والموت هما البقاء،
وتحمل كلمات الوداع معها كل مآسي البشر على وجه الأرض، كل آلامهم وآهاتهم وجراحهم، هي أصعب ما يمكن أن يحدث للإنسان ،
سوف لن أراهم مجدداً، أعلم ذلك وهم أيضاً يعلمون، وأعلم أننا سنودع بعضنا البعض.
الأرواح بعيدة المنال يمكن أن تهز روح الأحبة وتشعرهم بالحنين، مهما طالت المسافات.
فالوحدة لا تعني أن تبقى وحيدا، بل تعني أن تودع الأحبة وأنت لا تعلم هل يعودون أم لا.
أحبك أكثر من أي وقت مضى، أحبك بقدر أكبر مما ينبغي، ولكن يجب أن أرحل، أنني أفقد نفسي، انه أمرٌ مؤلم ألاّ أرى نفسي، لا يمكننا البقاء معاً.
#################
كان يتحدث مع احدهم يحاول تعجله لأمره الهام حيث كان يلوم عليه:
ــ بقى من امبارح بالليل وانت مش عارف تجيب لي النتيجة اخص على الصحوبية وعلى الخدمات اللي انا قدمتها لك يا جدع .
كان الآخر يجلس أمام جهاز الحاسوب يبحث عن نتيجة رقم الجلوس الذي اعطاه له “زيد” فهو يعمل بالكنترول المتحكم في نتيجة الثانوية بمركزهم ليعتذر له عن تأخيره :
ــ يا عم زيد اهدى بقى من امبارح وانا بقول لك مش هينفع إلا على بكرة الضهر ده النتيجة مش هتظهر على المواقع إلا على العشا يا عمنا خلاص انا قربت أوصل اهو اديني بس ربع ساعة كل تأخيرة وفيها خيرة .
تأفف “زيد” بضيق لينهره بتعجل :
ــ أقسم بالله يا جدع إما خلصت لا هاجي لك لحد عندك أطبق في زمارة رقبتك دلوقتي ما تنجز ياض زهقتني .
كان الآخر يعمل بأصابع سريعة على الحاسوب حتى وصل أخيراً إلى النتيجة بعد عناء ساعات ليلقي على مسامعه إسمها بتساؤل :
ــ الليلات كتير وأرقام الجلوس ورا بعضها مش مركز قوي هقول لك الاسم وتقول لي صحيح ولا لا ،
اسمها ليلى السيد عبد الله المحمدي ؟
انتفض من نومته ليجيبه سريعاً:
ــ ايوه هو الإسم اتأكد الله يسترك من النتيجة قبل ما أروح أبلغها بيها أو أقول لك صور لي الشاشة وابعت لي سكرين وأنا هتأكد بنفسي .
قام بتصوير الشاشة وأرسل الاسكرين إليه وهو يعلمه بنتيجتها مما جعله كاد أن يطير فرحاً لأجل ليلته :
ــ جايبة 97% وتقريبا كدة طالعة الأولى على المحافظة لأن العلامة اللي جنبها بتشير لكده الحمد لله نتيجتها كويسة جداً بجانب النتايج اللي قابلتني كلها .
على الفور فتح الصورة وعينيه تلمع بسعادة غريبة وكأنها نتيجته هو ليتحقق منها بعيني كالميكروسكوب وحينما تيقن منها ردد لصاحبه قبل أن يغلق الهاتف :
ــ ده انت عايز 100 بوسة عارف لو طلبت اي حاجة بس طبعاً كمان شوية كدة هعمل لك كل اللي انت عايزه ياض ،
عليا النعمة إنت برنس معلش تعبتك معايا من امبارح سلاموز بقى.
وعلى صعيد آخر قامت من على سجادة الصلاة وهي تشعر بالتوتر الشديد فلم يتبقى سوى سويعات قليلة وتظهر نتيجتها التي ستحدد مستقبلها وداخلها ملتاع بشدة والخوف يضـ.ـرب بجسدها بسوطٍ موجع فتلك كانت حالت “ليلى” فهي تخشى بشدة أن لا تحصل على المجموع التي تعبت وسهرت وذاكرت كثيراً كي تصل له ،
دلفت إليها والدتها للمرة التي لا يعرف عددها فوجدتها على نفس حالة التوتر وهي تأخذ الغرفة ذهاباً وإياباً فمطت شفتيها بملل من صغيرتها المتوترة بشدة فهي حاولت تهدئتها بدل المرة عشر لتمسكها من يدها وتُجلِسها على الأريكة الموجودة بالغرفة رغماً عنها لتقول لها باستجواد :
ــ يا بنتي يا حبيبتي انتِ كده متوترة زيادة عن اللزوم ، هتستفادي ايه لما الضغط يجي لك بسبب إنك بتدوسي على أعصابك زيادة عن اللزوم يا ليلى ، أياً كانت النتيجة انتِ تعبتي وسواء جبتِ مجموع يدخلك صيدلة أو أي كلية تانية ده نصيبك من عند ربنا واللي كاتبه مش هيتغير أبداً فنحاول نهدى بقى يا ماما لسه فاضل خمس ساعات على ظهور النتيجة مش كل شوية هدخل اقول لك الكلمتين دول .
ما زالت على توترها ولم تهدا من كلمات والدتها لتنطق بفزع حينما استمعت الى رشدها:
ــ ما تقوليش كده يا ماما ان شاء الله أنا هجيب مجموع يدخلني كلية صيدلة والتوتر ده غصب عني والله عمال أصلي وأدعي ربنا وأردد الأذكار بس الحاجة دي خارجة عن إرادتي .
تنفست بصوتٍ عالٍ وصغيرتها لا تزال مرتعبة فتلك كانت حالتها بالفعل لتقول بنصح :
ــ طب انا هروح أعمل لك كوباية لبن بالشوكولاتة سخن كده علشان يهدي لك أعصابك ويدفيكي في السقعة دي وادخلي اقعدي في البراندة شوية امسكي الموبايل الهي نفسك في أي حاجة علشان لو فضلتِ على الحالة دي انا مش هبقى مستريحة انا عندي جلسة على اللاب توب كمان دقايق عايزة أركز فيها .
استمعت إلى نصائح والدتها ودخلت الى الشرفة كي تجلس في شمسها وتهدي أعصابها الراحة ،
عادت إليها والدتها وهي تناولها مشروب الشوكولا التي تعشقه بشدة ، تناولته منها بابتسامة كي تجعلها تستريح من ناحيتها وتذهب إلى جلستها بنفس مطمئنة ،
كانت تجلس على الأريكة وأشعة الشمس تملأ المكان وهي تمسك بكوب الشوكولا الساخن بكلتا يديها وتنفخ فيه برفق كي يبرد ووجهها يعود لتوتره الشديد ثم استمعت إلى هاتفها يعلن عن وصول مكالمة وجدته رقماً غريباً عنها ولكن فسرت ذلك بأنها إحدى صديقاتها فبالتأكيد متوترات هن الأخريات مثلها لتجيب بتأدب اعتادت عليه عند الرد على الهاتف وخصوصاً على الأرقام الغريبة :
ــ السلام عليكم ورحمة الله ، مين معايا؟
دق قلبه بوتيرة سريعة حينما استمع إلى صوتها الرقيق الذي حُرِمَ منه منذ أن تقابل الأسبوع الماضي وهو يشعر بأنه يريد أن يكون أمامها الآن وهو يبلغها خبر نجاحها بل تفوقها ثم أجابها بصوتٍ ممتلئ بالوحشة لها :
ــ وحشني صوتك قوي فوق ما تتخيلي وحشتيني قوي يا ليلى .
تلك الكلمات التي لم يستطيع تخبئتها داخل صدره لينطقها لسانه تلقائياً فور سماع صوتها لتنظر إلى الهاتف بتعجب ثم أعادته على أذنيها مرة أخرى وهي تهتف بإسمه بذهول :
ــ مستر زيد !
وأكملت بحدة :
ــ لو كنت اعرف ان انت ما كنتش فتحت خالص لو سمحت احترم خصوصيتي وان انا عاملة لك بلوكات من كل مكان وما ترنش عليا تاني.
مسح على خصلات شعره المبعثر على رةسه بإهمال فهو لم يحبذ تصفيفه بعناية ليردد بلوعة اعتاد عليها معها :
ــ يعني عرفتي صوتي على طول اول ما قلت الو !
عموما بلاش طريقتك الجافة دي معايا في الكلام هو انتِ ايه قلبك حجر كفاية بقى يا ليلى كل اما اقول اسيبك شويه تفكري وتهدي علشان أنا واثق ومتأكد ان جواكي إعجاب ليا شفته في عينيكِ وحسيته وسمعته من دقات قلبك ولولا تأكيدي ده انا عمري ما كنت كلمتك أصلاً لأني لو شايف منك نفور وانك مش طايقاني مش هكمل لكن انا شفت عكس كده فما تحاوليش تدفني مشاعرك وإحساسك بيت جواكِ بالعافية علشان القلوب ما بتنجبرش على نسيان العشق يا ليلى .
بللت حلقها الذي جف من كثرة عطشها إلى سماع كلماته المتملكة تلك ولكن تذكرت ذاك المنشور الذي رأته على صفحته من الإيميل الثاني لها وأتى أمامها صدفة لتهتف برفض قاطع :
ــ اظن احنا مش هنقعد نعيد ونزيد في الحوار اللي ما بيخلصش ده يا مستر روح شوف حبايبك الكتير قوي اللي يتمنوا نظرة منك اللي يا عيني عليهم ما بيخلصوش وسهرانين الليل على كلام المستر وشقاوته معاهم ،
وأكملت باندفاع دون تفكير وكانت لا تود ان تعلمه بما رأته عن تلك المنشورات :
ــ لا ومش بس كدة بينزلوا له منشورات ويعملوا له اشارات علشان يبينوا قد ايه ان هو واحشهم وما بقاش يسال فيهم .
تبسم ضاحكاً من قولها فهو تيقن الآن أنها تراقبه رغم حذفها له من جميع مواقع التواصل الإجتماعي إلا أن كلماتها تلك أثبتت له ما يشعر به في أنها تعشقه كمثله لينطق بمكر :
ــ الله ده انتِ متابعة بقى وعاملة نفسك من بنها طب ما تقولي إنك عندك ايميل تاني وعاملة لي متابعة من عليه وانا ما اعرفهوش وشفتي المنشورات اللي بتنزل على صفحتي ومراقبة الإشارات اللي بتجيلي !
طب ممكن أعرف سبب مراقبة البرنسيسة ليلى ليا طالما أنا مش في دماغها وما بتفكرش فيا يا عيني ؟
وضعها ذاك الداهي في خانة اليك فقد خانها لسانها واعترف بأنها رأت إشاراته الموجهة إليه وابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ولم تسعفها الكلمات بالرد عليه بقوة كالمعتاد ولكن استجمعت حيرتها وأجابته بلسان هادئ بأية أسباب حتى لو كانت وهمية من وجهة نظره :
ــ والله مش اللي في دماغك خالص انا ولا براقب حد ولا بتجسس على حد حتى لو من بعيد لبعيد انا عندي فيس لايت عاملاه احتياطي علشان لما يجي لي حظر تعليقات من على الفيس العادي بروح للايميل التاني ومكنتش بلكتك منه لأني مش بفتحه كتير وأول ما فتحته بصيت لقيت الإشارة قدامي لأني بالتأكيد كنت عاملة لك متابعة واسمي طبعا مختلف تماماً عن اسم الايميل التاني مش حوار ان أنا براقبك ولا بدخل مخصوص اشوف بتنزل ايه ولا مين بينزل لك !
الحوار كله صدفة ما تبنيش عليها أوهام في دماغك.
بدا شبح ابتسامة خفيفة على ثغره من مكرها ولكنها سرعان ماختفت في بحر لهفته وهو يبرر لها :
ــ طب عموماً أنا ما ليش ذنب في الإشارة دي واظن لو رحتي فتحتي المنشور تاني هتلاقيني شلته من على صفحتي لأني بعدت عن كل البنات اللي انا كنت اعرفها علشان انا قلبي وعقلي وكل كياني ما بقاش غير ملك واحدة بس “ليلى السيد عبد الله المحمدي ” .
رفعت جفونها ببطء وقلبها يدق بعنـ.ـف داخلها لسماع تملكه لها ونطق اسمها بالكامل مما أدهشها ثم سألته بنبرة هامسة وهي تبتلع ريقها بخجل :
ــ ايه ده هو انت حافظ اسمي كامل انت عرفته منين؟
أجابها بصوت أجش خشن من فرط لهفته عليها:
ــ اللي بيحب حد بيعرف كل تفاصيله وكل حاجة عنه بيحب ايه ، بيكره ايه ، بيحب ينام بدري ، ولا ينام متأخر ، يومه بيبقى ماشي ازاي ؟
وأنا بقى يا لولا علشان قلبي حبك واختارك انتِ فعارف عنك كل حاجة شفتي بقى انتِ ظلماني ازاي وانا بحبك قد ايه .
وجدت أنها لا تستطيع مجابهة ذاك الداهي الماكر الذي يسحبها رويداً رويداً إلى عالمه العاشق لها وصدرها بدأ يعلو ويهبط من فرط تأثرها بكلامه ، ولما لا فهي فتاة في مرحلة المراهقة وما يلقيه على مسامعها يجعلها تتأثر به بشدة وهو رجل متمرس بطريقته المنتقاة في جذب أي أنثى له وجَعْل عاطفتها تنصاع إليه بكل سهولة ، فهتفت بهدوء بعد ان حاولت جاهدة قدر المستطاع لملمة مشاعرها الموقدة داخلها من كلماته :
ــ لو سمحت ما تتكلمش معايا بالطريقة دي مش هسمح لك وما تتصلش علي تاني لأني هعمل لك بلوك مرة تانية ومن الايميل التاني بتاعي هعمل لك برده بلوك من عليه .
نطق سريعاً قبل ان تغلق الهاتف فهو يعلمها جيداً:
ــ بتهربي مني يا ليلى كالمعتاد وخايفة مشاعرك تواجه مشاعري مع إنك أقوى من انك تهربي !
واجهيني ولو مرة واحدة واقفي قصادي وقولي لي بعين قوية وما اكونش لمحت فيهم نظرة احتياج ليا ولكلامي ليكي ولوجودي جنبك ، خليكي شجاعة لأن الهروب من ساحة العشق أكبر دليل على إنك بتعشقيني زي ما انا بعشقك بالظبط .
دب القلق في صدرها مع تنهيدة حارة خرجت من ثغرها وهي تشعر بالانجذاب إلى الحديث معه وسماع محايلته لها فالأنثى تحب شعور أنها دائما مرغوبة مهما كانت قوتها التي تبنيها بصلابة حول مشاعرها كي لا تضعف فتمتمت بتلك الكلمات التي تجعلها تهرب كما يقول :
ــ بعد إذنك بلاش طريقة الكلام دي علشان تأثر عليا أنا دلوقتي في حالة توتر مستنية نتيجتي ومش عارفة أركز في أي كلمة انت بتقولها من الأساس فوفر مجهودك لواحدة تانية غيري ، سلام .
تأفف بامتعاض لحماقتها معه ثم ردد لسانه سريعاً قبل أن تغلق الهاتف :
ــ استني يا ليلى ما تقفليش لو سمحتي انا معايا نتيجتك قدرت احصل عليها من الكنترول ،
ثم أكمل بصوتٍ هائم رغم حزن قلبه لصدها له :
ــ مبروك يا ليلى مبروك النجاح والتفوق يا حبيبي .
انتفضت من مكانها وهي تستمع إلى كلماته وكأنها المنجية من توترها الشديد وهي تسأله بتاكيد وكأنها لم تصدقه لتنطق اسمه من بين شفتيها دون أي ألقاب فهي ليست في وعيها الآن:
ــ بجد يا زيد انت عرفت نتيجتي ؟
أيون أكيد علشان كدة نطقت اسمي بالكامل ؟!
ما ان تفوهت بإسمه دون ألقاب حتى ارتجف ذاك القابع بين أضلعه فالعشق لـ”زيد” مبتغى رغم لوعته إلا أنه شيئا يجعله يشعر بالانتشاء الشديد ليغمض عينيه وهو يستمتع برنين صوتها وهو ينطق اسمه ليؤكد عليها النتيجة :
ــ بجد يا قلب وعمر زيد مبروك عليكِ ال 97% وان شاء الله نتقابل في كلية الصيدلة ومهما تحاولي تفري هتلاقيني قدامك في اي مكان علشان انا قدرك ونصيبك يا ليلى ومش هسيبك يعني مش هسيبك.
كانت تدور حول نفسها في المكان ولم تصدق نسبتها المئوية التي استمعت إليها فبالرغم من صعوبة الامتحانات إلا أنها كانت تتوقع نتيجة أقل من ذلك فسألته بتأكيد مرة ثانية :
ــ بجد دي نتيجتي ؟
اوعى تكون بتتصل بيا علشان تلعب بأعصابي وتقول لي اي كلام علشان تتكلم معايا بجد هزعل منك قوي وعمري ما هسامحك لو طلعت بتلعب بأعصابي وبتقول لي اي نتيجه توقعتها بذكائك اني هحصل عليها ؟
نفخ بضيق من ظنونها السيئة دائماً به:
ــ يا ليلى حرام عليكِ مش دايماً حطاني في وضع الإنسان اللعوب الكذاب انا مش عقلي صغير ولا عيل تافه علشان اتصل عليكِ و أخترع نتيجة من دماغي ،
دي نتيجتك يا بابا والله العظيم انتِ جبتِ 97% ومعايا سكرين بالنتيجة كمان بس ما ينفعش ابعتها لك علشان فيها ضرر كبير على اللي بلغني بيها ،
ثم أكمل برجاء عاشق متيم :
ــ أرجوكي ثقي فيا شوية واديني فرصة في قلبك علشان يوضح لك قد ايه انا بحبك ومحتاجك جنبي ، انتِ بالنسبة لي الملاك اللي غير لي حياتي وانتشلني من وهم كذاب كنت عايش فيه ، انتِ بالنسبة لي أعظم بنت وأجمل صورة قابلتها عيني أرجوكِ يا ليلى انا محتاجك بجد في حياتي .
ارتجف قلبها بعـ.ـنف لرجاؤه لتهمس بإسمه بتساؤل حائر مرة أخرى:
ــ يعني افرح بجد يا زيد واتنطط كمان من الفرحة ؟!
ــ طبعاً افرحي من قلبك واملي الدنيا حواليكِ بهجة ربنا ما بيضيعش أجر اللي تعب سنين لأنك تستاهلي كل الخير اللي في الدنيا يا ليلى يا ريتني كنت جنبك ويا ريتني أكون معاكي دلوقتي عشان أشوف فرحتك واضمك بين ايديا وساعتها هبقى أسعد واحد في الدنيا .
كانت تستمع إلى كلماته بسعادة وعند نطق عبارته الأخيرة حتى نسيت فرحتها بنتيجتها وهدرت به بطريقة تهديد جعلته يضحك بشدة :
ــ اتلم يا زيد في الكلام معايا انا مش بتاعة الحوارات دي انا بنبهك على فكرة لما تيجي تتكلم معايا مش بحب اسمع اضمك ولا احضنك ولا الكلمات المقرفة اللي لسانك متعود عليها دي واذا كان على النتي اللي انت جبتها لي شكرا يا سيدي مع السلامة بقى.
ضحك بشدة على طريقتها المهلكة في الاعتراض لينطق بدعابة :
ــ بقى كده يا ليلى بعد ما سهرت ليلة كاملة جنب الراجل وعذبته معايا علشان أجيب لك النتيجة اللي أكيد من الصبح قاعدة مستنياها ومتوترة وأول ما تعرفيها تسيبيني وتمشي !
يعني كده تاخديني لحم وترميني عضم اخص عليكِ ما كانش العشم يا لولا طلعتي من بتوع مصلحتي ثم مصلحتي.
رغماً عنها ضحكت من طريقته فاستمع إلى ضحكاتها مردداً بمشاغبة أحبها معها :
ــ يا سلام على الضحكة اهي الضحكة أن دي بتفتح سكة وعلى رأي الفنان ضحكت يعني قلبها مال .
ابتسمت من قلبها ثم هدأت من ضحكاتها لتشكره على اهتمامه بنتيجتها :
ــ بشكرك جدا وانك تعبت نفسك علشان تجيب لي النتيجة ،
وأكملت بنفس دعابته :
ــ ربنا يخليك للغلابة يا مستر ، سلام .
أغلقت الهاتف على الفور بعد أن انتهت من دعابتها مما جعله يشعر بالحزن كثيراً فلم تطول مكالمتهم فهو كان يُمنِّي حاله بكثيرٍ من الكلام وأن ينال في قلبها مكاناً بعد أن بشرها بنجاحها وتفوقها وانها وصلت لمرادها ثم قام بالتدليك على صدره وكانه يهدئ قلبه من خفقانه الشديد حين يتحدث معها :
ــ معلش يا قلبي ما انت ياما دوبت قلوب وحيرتهم معاك لازم تدوب وتتحير انت كمان وتدوق من نفس الكاس بس برده مش هيأس يا ليلى ومش هسيبك ومش هتكوني غير ليا مهما مر الوقت ومهما اتوجعت من عنادك وفراقك بس الوجع لو منك انتِ يبقى أهلاً وسهلاً بصدرٍ رحب .
وأجمل ما قيل عن الحب أنه سلطان ولذلك فهو فوق القانون ، فالحب كالحرب من السهل أن تشعلها و من الصعب أن تخمدها،
و هو اللعبة الوحيدة التي يشترك فيها اثنان ويكسبان فيها معاً أو يخسران معاً ، فقد يولد الحب بكلمة ولكنه لا يمكن أبداً أن يموت بكلمة ، ففي الحب خطابات نبعث بها وأخرى نمزقها وأجمل الخطابات هي التي لا نكتبها.
ثم دوَّن تلك الكلمات على صفحته الشخصية وهو يضع قلباً باللون الاحمر وبجانبه حرف “L” وكأنه يتيقن من رؤيتها لكلامه ،
أما هي أخبرت والدتها بنتيجتها وبكل ما حدث بينها وبين “زيد” فتناست والدتها كلماتها عن “زيد” وصارت تهلل وتكبر بسعادة غمرت روحها وملأت المنزل بالزغاريد لنجاح ابنتها بل لتفوقها وهي تؤكد عليها تلك الآية التي كانت دوماً ترددها على مسامعها
“إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ”
###################
أخيراً أتى اليوم المنتظر يوم كتب كتاب “هاشم” و “حنين” والسعاده كانت تزين ملامحهم فقد كانت حنين ترتدي فستانا باللون الابيض ضيق من الخصر ويهبط باتساع وتاركه لشعرها العنان على ظهرها فهي تقف في غرفه كلها اصدقائها الفتيات وكانت جميلة للغايه بمظهرها الرقيق وبعض من لمسات التجميل الرقيقة تهلل فرحاً بين صديقاتها وهي تنتظر هاشمها بشوق للغايه فهو في الأيام الأخيرة كان يهتم بها وكان يحاول بقدر الإمكان أن يتحدث معها ولكن وقت قليل يكاد يطمئن عليها ويعرف بعض الأشياء عن يومها ثم يعود لعمله مرة أخرى ،
كان “زيد” يقف بجواره هو و”يحيى” يتابعون هيئته بعناية وهو يردد برفض:
ــ يا عم زيد إنت ويحيى انا مش عايز البس أبيض يا عم انا عاجبني اللوك الاسود وشايف نفسي فيه أحسن من الابيض ، اللبس ده راحات يا جدعان .
أصر “زيد” على ارتدائه لذاك اللون بالتحديد مشجعاً إياه:
ــ يا غشيم انت في حاجة اسمها الوان لكل مناسبة واحنا الأيام دي الموضة ماشية ان العريس يعمل ماتشينج مع العروسة فهي لابسة أبيض في كتب الكتاب انت كمان تلبس وفي الفرح يا عم ابقى سودها براحتك وعلى كيفك ،
ومش هتلبس غير اللوك الابيض يا هاشم ويلا انجز بقى علشان إحنا متأخرين على العروسة بدل ما تغضب عليك وتديك كارت إنذار من أولها وابوك كمان واقف بينفخ برة .
نفخ بضيق لينطق بزهق :
ــ انا هلبسه وامري الى الله بس اعملوا حسابكم انا مش مستريح في الابيض في ابيض اللي انا لابسه ده .
هتف “يحيى” بلا مبالاة لذو العقل المتحجر :
ــ والله بقى مش شغلتنا تستريح ولا مش هتستريح أهم حاجة ان انت هتروح لعروستك بمظهر يليق بيك وبينا احنا كمان كاصحابك ما تعرناش يالا هيقولوا علينا اصحاب بعيره مش عارفين نلبس العريس .
بدا في ارتداء الملابس وهو يشعر بالاستياء من نفسه ولكن أصدقائه كانوا يقفون على رأسه في كل شيء وبعد أن انتهوا بدأوا بالتحرك إلى منزل العروس ولكن “هاشم” صعد السيارة مع صديقيه وكانوا متحركين بسيارة “زيد” ثم وقف بالسيارة امام محل الورود ليسأله “هاشم” وهو ينظر في ساعته :
ــ وقفت ليه احنا متأخرين وحنين بعتت لي كذا رسالة ؟
أجابه “زيد” وهو يهبط من السيارة بتعجل :
ــ هنجيب بوكيه ورد عشان تقدمه للعروسة وانت داخل عليها ، الشياكة والأناقة والبرستيج بيقول كده طالما انت دماغك في البلالا كدة .
أسرع “زيد” ليستلم بوكيه الورد اما “يحيى” نطق بسخرية لذاك الهاشم :
ــ هو انت ميح قوي كده يا عم هاشم ده انت في الطراوه خالص ولا تفقه اي شيء في امور الجنتله لا مؤاخذه يعني .
برزت عروق “هاشم” بغضب لسخرية ذاك اليحيى :
ــ بلاش انت والنبي يا عم النحنوح اللي تتكلم عن امور الجنتله ده انت البت ضاعت من ايدك وكان هاين عليها تقول لك تعالى اخطبني بقى وانت ما شاء الله عليك في الغشوميه ما عندكش ياما ارحميني واما اتجوزت قعدت تنحنح عليها .
وظل كلاهما يكيَّل للآخر بمشاغبة كعادتهم الى ان عاد زيد وهو يناوله برقية الورود وتحرك بالسيارة ثم سأله باهتمام :
ــ جبت الهدية الدهب اللي انا قلت لك عليها ؟
وجبتها شيك كده حاجة رقيقة ولا عملت نفسك من بنها ونسيت كالمعتاد ؟
و ما بتفتكرش غير في التورت والجاتوهات ؟
أشاح بيده بملل من تحكماتهم ليجيبه وهو يحرك رأسه للأمام :
ــ اه جبتها وانجز بقى عشان انتوا زهقتوني وجبتوا اخري.
ضحكا كليهما على خلقه الضيق وتحركوا سريعاً حتى وصلوا إلى منزل العروس فتمسك به “زيد” قبل ان يدخلوا الى المكان وهو يدلي عليه نصائحه :
ــ بوكيه الورد في ايدك اليمين والهدية في ايدك الشمال وتطلع على السلم وانت فارد ظهرك وأول حاجة تعملها أول ما تدخل على العروسة تناولها بوكيه الورد وتبارك لها وانت بتبوسها من راسها بشياكة وبعدين تطلع الهدية وتفتحها وتقول لها كلمتين حلوين بدل ما انت منشفها عليها انا عارفك .
برقت عينيه بحدة بحماقة ذاك الزيد من وجهة نظره :
ــ جرى ايه منك ليه انت هتعلمني اتعامل مع مراتي ازاي ولا ايه ! ما تنجز يا عمنا .
هتف “يحيي” بانزعاج لذاك المتسرع:
ــ لا مؤاخذة يعني يا هاشم لازم نقول لك الكلام ده علشان احنا عارفين انك قفل مع صنف الحريم شوية واحنا مش عايزين البنت تتنكد يوم كتب كتابها .
كاد أن يقذفهم ببوكيه الورد فاعتذرو له عن طريقتهم الساخره وقاموا باحتضانه قبل ان يدخلوا وهم يباركون له بسعادة حقيقية فهم فرحين بزواجه للغاية ،
كانت الأجواء مفرحة وصوت الأغاني يصدح في المكان وبعد قدومهم وصل المأذون هو الآخر وبداوا بمراسم كتب الكتاب في مشهد يفرح القلوب ويدخل السرور على النفوس فما أجمل أن يلتقي شخصين في حلال الله ،
انتهى المأذون من عقد كتابهم ثم أخذ أخو العروس الدفتر وقام بالذهاب إليها كي تمضي هي الأخرى على عقد زواجها وقد تيقن المأذون من موافقتها،
كانت تمسك القلم وتمضي بيد مرتعشة فتلك اللحظة من أسعد اللحظات لقلب حواء وهي تتويج اسمها على من عشقت فيا لها من فرحة تجبر قلوب بناتنا اجمعين ،
بعد مرور نصف ساعة كان الجميع يلتفون حول العريس يباركون له من أهله وأهلها بسعادة حقيقية وحانت اللحظة الحاسمة لأن يدخل إلى عروسه كي يبارك لها ،
صعد الأدراج فكان الرجال في الطابق الاول من المنزل فهو للاستقبال فقط اما العروس كانت مع صديقاتها في الطابق الثاني،
كان يشعر بلهفة للقائها وهو يصعد الأدراج بطلته البيضاء التي ستخطف قلب حنينه وبيده الورد وهديتها في تلك العبوة الحمراء الملتفة بشريط لامع نفس اللون،
دلف اليهم بخطواته الثابتة المتزنة وهو يرفع قامته بشموخ فارداّ ظهره بوقار لتلتف إليه أعين جميع من بالحفل البسيط من فتيات وسيدات الحي وهم منبهرين بعروس حنين التي رفضت كثيراً وكثيراً لأجل ذاك العريس الوسيم للغاية ثم خطت قدماه إلي عروسه وحينما وقف أمامها انبهر بجمالها الشديد وهي تقف بطلتها المتحرره حيث كان الفستان باكمام شفافه وشعرها ينساب على ظهرها اعطاها مظهرا جميلا للغايه ناولها الورود اولا فاخذتها منه وقلبها يدق بعنف داخلها ثم جذبتهم الى انفها كي تشم رائحتهم الطيبه فكانت باللونين الاحمر والابيض فقط مما نال اعجابها بشده ثم اقترب منها وقبلها من جبينها قبله وقار وهو يبارك لها :
ــ مبروك يا حنيني بقيتي مراتي على سنه الله ورسوله وبقيتي حنين هاشم عبد الرحمن .
ردت مباركته بخجل وهي تشعر ان الجميع عيونهم منصبة عليهم وتومئ برأسها للأسفل :
ــ الله يبارك فيك يا هاشم .
ثم قدم لها هديته امام الجميع فانبهرت بها فكانت عباره عن سلسال من الذهب المرصع بالفصوص البيضاء باسمها فقد اوصى الصائغ ان يصنعها خصيصا لاجلها كانت السيدات تنظر الى هديته باعين متسعه وهم يتهامسون مع بعضهم ما بين حاسد وحاقد وفرح من قلبه ،
ثم بداوا بالراس مع بعضهم برقه تليق بهم حتى انتهت مراسم كتب الكتاب وغادر الجميع وتركوا العريس لعروسه الذي ظل يلقي على مسامعها من كلام الغرام ما جعلها تندهش،
وانتهى اليوم على موعد للزفاف بعد اسبوع من كتب كتابهم،
كانت حنين في ذاك الاسبوع مشغوله للغايه في تجهيز عشها وفستان زفافها ومكان التجميل الذي ستتوج منه عروس حتى اتى يومها وكانت عروسا تشهد له العيون بجمالها الاخاذ للغايه كانت تتراقص مع هاشمها ومع اصدقائها بسعادة بالغة وكان هو الاخر ناسياً حاله معها ويرقص بسعادة حتى انتهت مراسم زفاف حنين وهاشم واستقلوا سيارتهم للذهاب الى شقتهم كي يبداوا حياة الزوجية بعد ان وصلوا وودعها اهلها صعدت الى الاعلى وجدت أم هاشم تقف على باب شقتها وهي تمنعها من الدخول وتليها ابنتيها لتنطق احداهما وهي تأمر حنين :
ــ لازم قبل ما تدخلي تعدي من تحت باط حماتك وتبوسي ايديها وراسها وتتمني محبتها و ودها.
بهتت ملامح حنين للغايه وهي تنظر اليهم بصدمه والى هاشم بذهول لما يطلبونه منها حتى نطقت الاخرى حينما قرات اندهاشها:
ــ بلاش وشك يحمر كده يا حبيبتي كلنا عملنا كده مع حمواتنا ودي عادات وتقاليد عيلتنا وانت لازم تمشي عليها.
الى هنا صمت الكلام على لسانها والصدمه الجمت فمها ولم تعرف بما ستفعل هل ستنصاع لامرهم وتذل من اول يوم لقدومها ذاك المنزل ام ماذا ام هاشم كان ينظر الى الموقف بعيناي متسعة ووالدته ترد لهم النظرات بتحدي واشتعلت الاجواء بشدة ..
يتبع…..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية مشاعر موقدة ) اسم الرواية