رواية الكتيبة 101 الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم يارا محمود شلبي

     

رواية الكتيبة 101 الفصل الرابع و العشرون 24  -  بقلم يارا محمود شلبي

 الفصل الرابع والعشرون|حب على طبق فسيخ|
                                    
                                          

الفصل سكر بتمنى يعجبكم يا كتاكيت متنسوش الفوت والمتابعة ❤️❤️❤️🌸🌸
وبعد تعب وتفكير  في أسم للفصل قررت انا وبكامل عقلي أكتب الاسم دا 😌🙈



**************************
صلى على الحبيب قلبك يطيب 
*********************
أحببتك مرغما ليس لأنك الأجمل بل لأنك الأعمق فعاشق الجمال في العادة أحمق.



محمود درويش
**************************
قراءة ممتعة.....
***********



الفصل الرابع والعشرون |حب على طبق فسيخ|



بدأ الظلام ينسحب ببطء، لتطلّ خيوط الفجر الأولى، وتتكشّف ستائر يوم عيد الفطر المبارك. صدح صوت تكبيرات العيد في شوارع وبيوت مصر، ناشرًا الفرح والبهجة في الأرجاء.



في فيلا عمر...



طرقت بيلا باب غرفة ابنها، فلم يأتِها رد، فتحت الباب بتردد:
_"ممكن أدخل؟"



ردّ عمار من أمام المرآة وهو يهندم خصلات شعره القصيرة بعناية:
_"اتفضلي يا ماما."



اقتربت منه وهي تراقبه بنظرة أم لا يفوتها شيء:
_"إيه دا؟ انت رايح الشغل النهارده كمان؟"



_"أيوه، رايح."



_"مش هتصلي معانا؟"



_"لأ، هنصلي كلنا في المقر."



سكتت لوهلة ثم قالت بتردد:
_"ربنا معاكم... عمار متزعلش مني ممكن؟"



اقترب منها وجلس إلى جوارها على السرير، ناظرًا إليها بعينين هادئتين ثم أمسك يدها قائلًا بهدوء كما في عينيه:
_"أنا مش زعلان يا ماما إنتي تعملي اللي يريحك،
بس متتغطيش عليا وتحطيني في مكان بيصحّي فيا حاجات أنا مش عايز أفتكرها ولا أعيشها تاني."



تنهدت وهي تنظر للأرض:
_"براحتك يا عمار... بس أنا عايزة أقولك، مينفعش توقف حياتك على واحدة زيها."



ابتسم بتماسك وهو يغمز لها بعينه:
_"متخافيش موقفتش."



رفعت حاجبيها بدهشة:
_"إيه دا؟! في حد؟!"



هزّ رأسه بالإيجاب في صمت.
ضحكت بيلا بحنان:
_"وبتخبي عليا أنا؟ عموماً، ربنا يوفقك معاها... إحنا هنصلي وهنمشي على العزبة، لو حبيت تيجي، وهات صحابك برحتك."



قبّل رأسها بحب:
_"كل سنة وحضرتك طيبة."



_"وأنت طيب يا حبيبي."



_____



غادرت بيلا متجهة إلى غرفة جميلة ، طرقت الباب ثم دخلت وهي تبتسم:
_"صباح الخير يا بنات."



ردّت جميلة وهي ترتب ملابسها :
_"صباح النور يا ماما."



بينما قالت جنّات بلهجتها الساحرة:
_"لك يسعد صباحك."



ضحكت بيلا بانبهار:
_"يانهاري على اللهجة السورية! والله أنا حبيتك."



ضحكت جنّات وهي تلوّح بيدها:
_"تؤبرني... هي العينتين الحلوين."



  
                
أشارت بيلا إلى الباب:
_"سيبك من العيال دي وتعالي العزبة معايا... هما مش هينفعوكي بحاجة."



ابتسمت جميلة وهي تلتفت لجناّت:
_"لأ، جنات هتقعد معايا."



لكن جنّات هزّت رأسها نافية :
_"لأ... أنا بدي روح وياها."



نظرت جميلة لها بسخرية خفيفة:
_"روحي ياختي وياها."



احتضنت بيلا جنّات بقوة وهي تنظر إلى أبنتها قائلة :
_"أحسن خليكي هنا روحي الشغل."



قالت جميلة وهي تبحث في خزانتها:
_"عادي، هاخد العربية وأجيلكم لما أخلص اللي ورايا."



ابتسمت بيلا:
_"تعالي ولو عايزة تجيبي حد من صحابك مفيش مشكلة، علشان خاطري حاولي تقنعي عمار يجي معاكِ ."



تأففت جميلة:
_"تاني يا ماما؟"



ردّت بيلا بحزم ناعم:
_"حاولي."



_"حاضر، يلا خدي جنات بقى وشوفوا هتروحوا العزبة ولا إيه، علشان أغيّر هدومي."



غمزت بيلا لجناّت:
_"تعالي يا بنتي، سيبك منها، دي هَبَلة."



ضحكت جنّات قائلة وهي تسير بجوار بيلا:
_"إنتِ سَكّرة."



ردّت بيلا بمودة:
_"والله إنتِ اللي عسل."



قهقهت جميلة:
_"ده إيه التلزيق اللي على الصبح ده يا ربي."



أغلقت الباب خلفهم ثم نظرت إلى ملابسها الملقاه على الفراش ، فبدلت ثيابها سريعًا ونزلت درجات السلم بخفة
فوجدت أبيها يقف يشق ريقه بثلاث تمارات فقالت بصوتٍ هادئ من خلفه:
_"كل سنة وانت طيب يا بابا."



ردّ عمر بابتسامة:
_"وأنتِ طيبة عارفة إنك عايزة العيدية الدخلة الحنينة دي وراها حاجة تعالي."



تقدّمت منه بضحكة، فأخرج من جيبه حزمة من المال وأعطاها لها:
_"كل سنة وأنت طيبة يا جميلة."



_"وأنت طيب يا بابا."



تقدم عمر ووقف أمام جنّات فقد بدا عليها بعض التوتر، لكنه طمأنها حينما ابتسم لها قائلًا :
_"ودي ليكي، زَيّ ما ادّيت جميلة."



أشاحت جنّات بيدها:
_"لا، شكرًا يا عمي."



اقترب خطوة للأمام وقال بحنان:
_"إنتِ من أول ما دخلتي البيت دا، وإنتِ زَيّ جميلة بالضبط... يعني بنتي. ودي حاجة بسيطة."



قالت جنّات بخجل:
_"والله مو عارفة إيش أقول..."



أشار برأسه:
_"متقوليش حاجة... أنا جميلة حكتلي كل حاجة، وإنتِ دلوقتي زيها... ويلا بقى علشان هنمشي."



_"حاضر."



أخذت منه المال ، فتحرك هو إلى الخارج ،ولحقت به بيلا وجنات ،تحركت سيارة عمر بصحبة بيلا وجنّات في طريقهم إلى العزبة.
أما جميلة فجلست على الأريكة تنظر في ساعتها بتضجر:
_"أنا مش فاهمة بيعمل إيه كل ده... ده لو
هيتجوّز مش هيتأخر كده."




        
          
                
صعدت درجات السلم واتجهت إلى غرفة شقيقها ، طرقت الباب.فجاءها صوته حازمًا:
_"متدخليش."



_"طب ما تنجز يا عمار، هنتأخر."



_"ماشي."



بعد مدّة من الانتظار، كانت جميلة لا تزال واقفة أمام الباب ، فُتح الباب أخيرًا.



جميلة رفعت حاجبها باستغراب وقالت بنبرة تمزج بين الضيق والدعابة:
_"إيه اللى ورا ضهرك دا؟"



عمار تنهد وهو يضحك بخفة، محاولًا إخفاء ما بيده:
_"وأنتِ مالك يا حشّريّة انتِ؟"



شبكت ذراعيها بتحدي ورفعت ذقنها:
_"أنا واقفة هنا بقالى ربع ساعة، وفى الآخر تقولى مالك؟ لا اسكوزمى بقى"



ضحك عمار بصوت عالٍ وهو يقترب منها، ثم قال ممازحًا:
_"اسكوزمك يا ستي... كل سنة وأنتِ طيبة."



مدّ يده من خلف ظهره ببطء وكأنه يقدّم كنز، وناولها علبة كبيرة مغلّفة بورق هدايا فخم، عليه نقشات ذهبية وريبان أحمر لامع.



جميلة شهقت بفرحة:
_"ديه علشاني أنا؟!"



ردّ بابتسامة مليانة حنية:
_"أيوه... علشان أحلى وأصغر أخت ليا."



عيناها لمعت بالفرحة، وسحبت الهدية بحذر كأنها أغلى شيء أمتلكته ،رفعت نظرها لشقيقها وهي تقول بنبرة مفعمة بالامتنان:
_"أنا مش مصدقة... دا أنت عمرك ما عملت كده!"



ردّ وهو يضحك وبيشدها لحضنه:
_"ما هو باين إنك كبرتي بقى... فقلت أفكرك إنك لسه صغيرة في نظري."



ضمته بحبّ أخوي حقيقي، وهمست وهي تضحك:
_"طب هفتحها دلوقتي؟"



رنّ هاتف عمار فجأة، قطع اللحظة، فأخرج الموبايل ونظر للشاشة:
_"ده مراد... طب يلا، شيليها دلوقتي، ولما نرجع افتحيها براحتك."



هزّت رأسها بحماس:
_"ماشي... بس لو طلعت حاجة مش عاجباني، هرجّعها!"



ضحك وهو ينزل على السلالم:
_"رجّعيها بس من غير الفاتورة."



ذهبت جميلة إلى غرفتها بهدوء، تحمل في يدها علبة صغيرة ملفوفة بورق ذهبي لامع. لم تكن مجرد هدية، بل كانت رسالة صامتة عن امتنانها لهذا اليوم.



أما عمار، فقد كان يهبط الدرج بخطوات سريعة، هاتفه في يده يرن باسم مراد.
مراد:
_"إيه يا عم كل ده؟"



جاءه صوت عمار ، ضاحكًا:
_"معلش، كنت بعمل حاجة... إنتوا فين؟"



_"إحنا جهزنا وهنتحرك بالعربية، وإنت؟"



_"وأنا كمان، هتحرك ."



_"خلاص نتقابل هناك بقى."



_"مع السلامة."



ركبت جميلة بجانبه داخل السيارة، وربطت حزام الأمان بينما كانت تنظر من النافذة للحظات بصمت.




        
          
                
ثم استدارت نحوه وسألته:
_"عمار..."



_"ها؟"



_"بتحبها؟"



نظر إليها مستغربًا وهو يُدير المقود:
_"هي مين ديه؟"



ضحكت جميلة بخفة وقالت:
_"يا واد مش عليا أنا! إنت بتحب يارا.
في نظرات كده، واستني ناخد صورة، وضحك مش طبيعي..."



ابتسم عمار ابتسامة باهتة ثم قال وهو يركز في الطريق:
_"لا ده انتي مركزة أوي شكلك مركزة أكتر منها هي شخصيًا ."



_"أوي بصراحة... بجد يا عمار بتحبها؟"



تنهّد وقال بنبرة هادئة:
_"بحبها يا جميلة... أنا حاسس إني تخطيت الحب من بدري. هي حاجة أعمق من كده بكتير."



رفعت حاجبيها بدهشة ثم قالت:
_"أوعدنا يا رب."



نظر إليها بتحذير ساخر وقال:
_"عارفة لو اتكلمتي معاها في حاجة... هقتلك."



توتّرت جميلة وابتلعت ريقها قبل أن ترد:
_"لا متخافش... سرك في بير."



ضحك بخفة وقال:
_"بير إيه؟ والله ما تحصلي قولا حتى."



ضحكت معه ثم قالت بعد لحظة صمت:
_"طب... هتقولها إمتى؟"



_"مش عارف... بس خلاص، قريب أوي."



_"طب أنا عندي اقتراح... لو مش هتزعل أقولك؟"



_"اشجيني."



"تعزمهم ييجوا معانا العزبة... ننبسط شوية."
قالتها مسرعة ونظرت الجهة الأخرى تتفادى رد فعله ولكنه لم يبادي أي رد فعل فقط نظر لها بطرف عينه وقال بابتسامة:



_"أنتِ أمك اللي قايلالك، صح؟"



ضحكت بخفة وقالت:
_"بصراحة... آه."



فكر قليلًا ثم رد:
_"هفكر... وأبقى أشوف."



_"ماشي."



__________



كان مراد يجلس داخل سيارته، ينتظر شقيقتيه، حين لمح سيارة أخرى تدخل من بوابة الفيلا.
حدق فيها لثوانٍ، ثم قال لنفسه:



_"هي دي عربية خالو علي؟ مش معادنا هناك؟!"



نزل يستقبل خاله ، توقفت السيارة ونزل منها 'علي' بخطى غاضبة.
قبل أن ينطق مراد، تلقّى لكمة قوية من علي أطاحته أرضًا.



صرخ مراد وهو يحاول النهوض:



_"إيه يا خالو؟! أنا مش قلتلك تبطّل تشرب لبن؟ كده عضلاتك هتموتني... وبعدين أنا عملت إيه؟!"



حاول علي أن لا يضحك، لكنه فشل وقال:
_"لبن إيه... يا روح أمك؟"



وقف مراد وهو يرتب قميصه، ثم قال:
_"لاحظ بس إن أمي ديه تبقى أختك... وأنا ساكت علشان إنت راجل كبير."



اقترب منه علي وأمسكه من قميصه بعنف:
_"بقى البت تطلع عايشة وموجودة... وأنا آخر من يعلم؟! يا عِرّة إنت؟!"




        
          
                
_"طب أنا ذنبي إيه! أنا..."



قاطعه علي بانفعال:
_"ولا كلمة إخلص... كلّم صحابك
قولهم يجوا هنتكلم هنا."



تنهد مراد وقال:
_"حاضر... بس سيبني طيب."



_"امشي يالا... كتك القرف."



ابتعد مراد عنه قائلًا بابتسامة:
_"شكرًا على كرمشة القميص يا خالو."



كان الهدوء يخيّم على أرجاء الفيلا، وكأنّ المكان يتهيّب ما هو آتٍ. دلف "علي" بخطى متسارعة، يتلفت حوله كمن يبحث عن شيء ضائع، أو كمن يحمل في صدره سرًا يُثقل قلبه. عينيه كانتا تفتّشان في الأرجاء، تُراقبان كل زاوية بصمت مشوب بالتوتر.
_____
أخرج مراد هاتفه من جيبه، وبدون تفكير ضغط على اسم "عمار". رفع الهاتف إلى أذنه بينما استمرّ في السير داخل الحديقة، وخرير المياه الخافت من النافورة الصغيرة 



رنّ الهاتف لمرّتين قبل أن يأتيه صوت عمار، ثابتًا كعادته، ولكن يحمل شيئًا من الحذر:



_"في إيه يا بني؟ وصلت؟"



توقّف مراد عند طرف الممر الحجري، ونظر إلى السماء :
_"لا... لف وتعالى على الفيلا عندي."



_"ليه؟"



ردّ مراد بنبرة متحفظة، وكأنه لا يريد شرح التفاصيل عبر الهاتف:
_"اللواء علي عايزنا هنا."



ساد الصمت لثانية قبل أن يرد عمار:
_"خلاص، تمام... هكلم الباقي."



_"أيوه، يلا سلام."



_"سلام."



أنهى المكالمة، لكنه لم يُنزل الهاتف بعد. كان يشعر بثقل الموقف، ويدرك أنّه بحاجة إلى جمع الجميع بسرعة. ضغط مرة أخرى، وهذه المرة اختار اسم "مصطفى".



رن الهاتف طويلاً، حتى جاءه صوت مصطفى المبحوح من أثر النوم:



_"امممم؟"



تنفّس مراد بضيق، وقال بحدة وهو يسير باتجاه الباب الداخلي:



"هو إيه اللي امممم؟ بكلم بقرة ؟ 
متروحش المقر وتعالى على الفيلا وكمان علشان نصلي العيد سوا ."



رد مصطفى وهو يحاول طرد النوم من رأسه:
_"إيه؟العيد يا نهار أبيض ،طب هنيجي عندك ليه؟"



أجابه مراد بنبرة توحي بالاستعجال دون رغبة في الشرح:
_"معرفش يا عم... اللواء علي عايزنا هنا."



قال بسرعة بعدما بدأ يستوعب:
_"خلاص، مسافة السكة."



أغلق مراد المكالمة، وزفر بضيق وهو ينظر إلى هاتفه:
_"هو أنا هفضل أكلم واحد واحد؟ 
كده كتير عليا."



ضغط على الشاشة، وفتح الجروب الخاص بالفريق على الواتساب، بعد ثوانٍ، بدأ يتحدث بصوت واضح في تسجيل صوتي :



_"بصوا، متروحوش على المقر وتعالوا على عندي... تمام؟"



كتب آدم :
_" هتفطرتي عندكوا؟"




        
          
                
ردّ مراد سريعًا وهو يكتب وكأنه يوبّخه:
_"مش لما أفطر أنا الأول ! أنجز."



كتب باسل بعدها بلحظات:
_"خلاص أنا جاي في السكة."



ثم قاسم أضاف:
_"وأنا."



خالد، كعادته منظم وملتزم:
_"مستني جاسر ورهف."



ختم مراد الحديث:
_"خلاص يلا، سلام."



ثم وضع هاتفه في جيبه ، ووقف في وسط الحديقة كانت عيناه تتنقّلان بين الباب والدرج وكأنّه ينتظر أن يظهر أحدهم فجأة، أو أن يسمع صوتًا يحمل له أجوبة لتساؤلات كثيرة لم يجد لها حلاً.
ودخل الفيلا، بينما كانت أنفاسه لا تزال سريعة قليلاً من توتر اللحظة.



---



في الداخل



في صالون الفيلا الهادئ، كان علي يجلس قبالة سارة، وعيناه تحملان دهشة ممزوجة بعتاب حاد، وكأن قلبه لا يصدّق ما سمع للتو:
_"يعني البت معاكوا من امبارح... وأنا آخر من يعلم يا سارة؟"
قالها علي بنبرة مخنوقة، وكأن الكلمات تختنق في حلقه.



أخفضت سارة عينيها، وكأنها تُحاول تجنّب عتابه:
_"متزعلش نفسك... والله أنا امبارح كنت في حالة صدمة أصلًا، وهما كانوا عايزينها مفاجأة..."



اقترب علي قليلًا، وصوته أكثر جدية:
_"هي فين؟"



أشارت سارة بخفوت:
_"في أوضة يارا."



صعد علي الدرج بخطوات حاسمة. 
لم ينتظر إذنًا، بل دفع باب الغرفة بقوة ودخل دون أن يطرق.



انتفضت يارا من مكانها بصدمة، وقالت سريعًا:
_"خالو! إحنا كنا جايين..."



لكنه قاطعها:
_"هي فين؟"



ترددت للحظة، ثم همست:
_"انت عرفت... اهي جوه في الدريسنج."



وفجأة، خرج صوت جومانا من الداخل، مستفسرًا بقلق:
_"في إيه يا يارا؟ إيه الصوت العالي ده؟"



استدار علي نحوها، وعيناه مغرورقتان:
_"تعالي في حضني."



اقتربت جومانا ببطء، وقالت بارتباك:
_"خالو؟"



_"تعالي يا حبيبة خالو..."
فتح ذراعيه، واحتضنها بحرارة، كما لو كان يحاول أن يُرمم كل سنوات الفقد. ثم مد ذراعه الأخرى وجذب يارا ليضمها معهما، كأنّه يجمع العائلة أخيرًا بعد طول بعثرة.



قال بنبرة دافئة، بينما يربت على ظهرهما:



_"يلا عشان الوحوش... زمنهم جايين."



يارا نظرت له بدهشة:
_"وحوش مين؟ فاضل نص ساعة على صلاة العيد بعدين إحنا مش رايحين المقر."



رد بثقة:
_"لا هنصلي ونتكلم هنا...."



يارا، وقد خطرت لها فكرة:
_"طب كلم سيلين تيجي نخلص شغل ونقعد مع بعض."



_"ماشي... يلا بس."
قالها وهو ينزل من الغرفة.



في الأسفل



جلس علي على الأريكة بجوار صالح وسارة، وبدأ صالح يحكي له كل ما حدث، بدءًا من لقاء جومانا، وحتى قرارهم بإبقائها في السر لحين إشراك الجميع.




        
          
                
---



أما في غرفة يارا



كانت يارا تنظر إلى جومانا بعينين فيهما الكثير من الحنان، وكأنها تشعر أن شقيقتها تحمل حملاً ثقيلًا لا تستطيع البوح به بسهولة:



_"جومانا... امبارح كان في حاجة، وأنا مردتش أتكلم معاكي... مالك بقى؟"



تنهّدت جومانا، ونظرت إلى الأرض كأنها تبحث عن الكلمات:
_"مضايقة أوي يا يارا."



اقتربت يارا منها وجلست بجوارها:
_"ليه بس كده؟"



/"صعبان عليا..."



_"هو مين ده؟"



_"قاسم."



نظرت لها يارا، وسألتها بنعومة:
_"بتحبّيه؟"



أومأت جومانا برأسها، وعيناها تلمعان:
_"نفسي يكون حاسس نفس الإحساس... نفسي يخرج من اللي هو فيه... أنا عارفة إن نِسيانها صعب."



يارا وضعت يدها على يدها:
_"طب لو جه وقالك إنه بيحبك، هتوافقي؟"



ترددت جومانا، ثم قالت:
_"هبقى خايفة برضه..."



يارا ابتسمت، وقالت مطمئنة:
_"متخفيش... وأنا لو قلتلك إني حسّيت من نظراته ليكي بحُب؟ بس هو كمان ممكن يكون خايف يجرب تاني أو يعترف. اعذريه ومتيأسيش."



فاجأتها يارا باحتضانها بحنان.
أجهشت جومانا بالبكاء، ثم همست في أحضانها:



_"متعرفيش أنا كنت محتاجة الحضن ده قد إيه... باسل أكتر حد كان بيحس بيا."



يارا شدت حضنها:
_"أنا جنبك على طول... ومفيش حاجة تقدر تفرقنا تاني."



في تلك اللحظة، دخل مراد، وتجمّد قليلًا حينما رأى جومانا تبكي:



_"في إيه؟ مالك؟"



فزع جسد يارا فنظرت له بتأفف:
_"على فكرة في باب للأوضة، أنا اتخضيت!"



تجاهل مراد تعليقها فاقترب يجلس جوار شقيقته قائلًا بتردد:
_"في إيه يا جومانا؟"



أجابته يارا نيابة عنها:
_"مفيش... خالك طلع اتكلم معاها، وهي قعدت تعيط شوية."



مراد :
_"خلاص... طيب ممكن تهدي؟"



ثم أشار إلى يارا:



_"شايفة الرقة بتاعتها؟ مش أنا اللي كنت عايش مع جعفر."



نظرت له يارا بحدة، وقالت:
_"بقى أنا جعفر؟!"



ابتسم مراد:
_"استني... اهي ضحكت."



يارا بخبث:
_"طب إيه رأيك يا مراد إني صورت خالك وهو بيضربك؟ وهوره للمُزة بتاعتك."



مراد اتسعت عيناه:
_"يارا! امسحي الفيديو!"



جومانا بفضول:
_"هو في مُزة؟"



يارا بضحك:
_"أيوه يا بت طبعًا أنا هقولها أصلًا..."




        
          
                
مراد بجديّة:
_"يارا متتهزريش لما تيجي أوعي تقوليلها حاجة."



صفقت يارا بمرح وهي تضع قدم فوق الأخرى ثم نظرت له بخبث قائلة :
_"غبي يا مراد... أنا لا معايا فيديو ولا أعرف إن في واحدة أصلًا وأنت اللي قولت كده أكيد هي هي."



مراد بانفعال:
_"دا إنتِ هتشوفي مني أيام على ...."



قاطع وصلة سُباب مراد لشقيقته طرقًا على باب الغرفة مما جعلهم يصمتون للحظة فقالت يارا بصوت مرتفع:
_"اتفضل."



فُتح الباب، ودخلت جميلة بابتسامة واسعة:
_"عملالكو حتة مفاجأة!"



نظرتا يارا وجومانا إلى بعضهم ثم إلى مراد ثم انفجرتا بالضحك:
_"هو ده!!"



مراد نظر لشقيقتيه نظرة طويلة، تحمل الكثير من المعاني، ثم نظر إلى جميلة:
_"كل سنة وإنتِ طيبة."



خجلت جميلة قليلًا، وخفضت عينيها:
_"وإنت طيب..."



نظرت يارا إلى جومانا وهمست:
_"إيه ده؟"



جومانا:
_"معرفش."



مراد، وهو يستعد للنزول:
_"أنا نازل... لما الباقي يوصل هبقى أرن عليكم."



ضحكت يارا بشده مما جعل الجميع ينظر لها فهمست لشقيقتها :



" خليه يرن على جميلة ."



جومانا بضحكة خافتة وضعت يدها على فم شقيقتها قائلة وهي تشير بيدها لمن مازال يقف يشاهد ما يحدث بغضب قبل أن يخرج من الغرفة:
_"سيبك منها يا مراد متقلقش كله تحت السيطرة..."



رحل مراد فتناثرت الضحكات كزهور الربيع، كانت يارا تضحك برفقة جومانا مما جعل جميلة تشاركهم الضحك وهي لا تفهم شيء فقالت:
- "هو انتو مالكم؟"



يارا، بضحكة خبيثة:
-" احنا؟ انتِ إللي مالك؟"



جميلة:
-" أنا؟ مفيش."



يارا، وهي تغمز لها بمكر:
- "ولا إحنا."



جميلة:
- "تعرفي يا بت يا يارا؟"



يارا:
-" إيه؟"



جميلة:
- "تعرفي إن جومانا أحسن منك يا جعفر؟"



صفرت جومانا بمرح:
-" لا وبيقولوا نفس الكلام كده علينا كتير."



جميلة:
- "خليكم كده مهو اتلم تنتون على تنتن، بقوا الاتنين انتن من بعض."



قبضت يارا ما بين حاجبيها وهي تقول :
-" لا وبتقولي عليا جعفر؟ وهي اللي قاعدة ترغي بكلام ملوش معنى."



جميلة، بضحك ساخر:
- "أنا نازلة، وكان فيه خبر حلو، بس مش هقولهولكم."



أمسكت يارا بذراعها:
- "طب استني اللبسي إسدال هنصلي كلنا تحت ."



أخذ الثلاث فتيات يرتدين ملابس الصلاة وهم يسمعون 
زقزقة العصافير التي قد سبقت صوت التكبيرات القادمة من المكبرات الخاص بالجوامع من حولهم ، وكأن الدنيا كلها تستعد لبهجة من نوعٍ مختلف.
نزلت الفتيات ليتقابل الجميع في الأسفل .




        
          
                
في ساحة صغيرة داخل البيت خاصة للصلاة ، افترشوا سجادات الصلاة جنبًا إلى جنب. 
الرجال صفّ، والنساء خلفهم، وكلٌّ يحمل في قلبه ما لم ينطقه بعد.



نطق آدم يعدل جلابيته:
_"هو أنا ليه كل عيد لازم أنسى أطوّل الجلابية؟
رجلي طالعة منها نصها!"



افلتت ضحكات من يارا وهي تعدل طَرحتها :
_"تقريبًا دي جلبيتك من ابتدائي ."



نظر صالح عليهم يتأكد من صفّهم، ثم قال بصوت هادئ:
_"استووا...... الله أكبر."



ارتفعت أصواتهم خلف الإمام، تتعالى وتهمس في آنٍ، كأنها دعوة جماعية للسكينة.



______



بعد إنتهاء الصلاة اجتمع الجميع في الحديقة، وكانت أجواء الحديث تشي بأنهم على وشك توديع فصلٍ من حياتهم وبدء فصلٍ جديد



رهف وهى بتبص للسماء:
_"بحب ريحة الصبح في العيد،
بتحسسني إن كل حاجة لسه ممكن تتصلح."



نظر لها باسل بعينيه وهو يبتسم ثم اللتفت للجهة الأخرى يسمع يارا التي شاورت على جاسر:



_"جاسر! متقولش إنك نسيت تجيب الكحك بتاع إمبارح؟"



جاسر بخبث:
_"الكحك؟ دا أنا جايبلكم صندوقين.. من عمايل إيديا أنا وزوجتي المستقبلية ."



ضحكوا جميعًا، يوجد بتلك الضحكات شيء من الأمل... شيء من الطمأنينة قبل أن يبدأ الحديث
حيث قال علي بفرحة :



- "خلاص كده، المهمة خلصت."



يارا:
- "طب والريس والكبير وربيع ورشاد؟"



علي، بنبرة جادة:
-" رشاد اعترف بكل اللي يعرفه عن بقية التنظيم، وتعاونّا مع المخابرات العالمية، وقبضنا عليهم."



عمار، باندهاش:
- "إزاي الكلام ده؟ وليه ما روحناش معاهم؟"



علي، وهو يخفض صوته:
-" صوتك يا عمار. أولًا ما كانش ينفع تروحوا. كان المفروض جاسر بس، بس هما رفضوا أي حد منكم."



باسل:
- "إزاي يرفضوا؟"



قاسم، بهدوء:
- "يا جماعة، اهدوا، دي أوامر، وملناش علاقة بيها."



علي:
- "ياريت تفهموا إن العقل يسبق الدراع، مش العكس."



جميلة:
- "طب والكبير والباقي؟"



علي، بنبرة حاسمة:
- "هيتحدد لهم ميعاد وهيتعرضوا على المفتي علشان يتنفذ فيهم حكم الإعدام."



رهف، وكأنها تفكر في المستقبل:
- "والمهمة الجاية إمتى؟"



علي:
-" لسه بنجمع معلومات. لما نكون جاهزين هبقى أبلغكم."



مراد:
- "ولحد ما نعرف؟"



ارتشف علي من كوب الماء الذي أمامه ثم أكمل حديثه قائلًا:
- "هتتدربوا وهتتعلموا حاجات مهمة، خصوصًا البنات. بس دلوقتي، أنتم في أجازة."




        
          
                
تبادل الحضور نظرات خفيفة بين الترقب والراحة، فيما كانت نسمات الهواء تمر فوق رؤوسهم بهدوء، فيما جعل علي يوجه سؤاله إلى جاسر :



- "ناوي تعمل إيه يا جاسر؟"



تنفس جاسر وهو يرجع جسده للخلف :
- "هرجع بعد أسبوعين.... جتلي إشارة إمبارح."



علي:
- "وكتب الكتاب؟"



جاسر:
- "أجلته للعيد الكبير."



ابتسم له علي بهدوء ثم ربت على كتفه قائلًا:
- "على خير إن شاء الله. أكيد هنشوفك تاني."



بادله جاسر الإبتسامة:
- "أكيد المهمات لسه جاية كتير."



وقف علي ينهي النقاش قائلًا :
- "خلاص، شوفوا هتعملوا إيه في الأجازة. هي طويلة شوية، وعارف إنكم مش بتحبوا الأجازات 
بس لو في حاجة، هكلمكم."



خالد:
-" إحنا جاهزين في أي وقت."



ابتسم له علي بثقة :
- "وأنا واثق."



دلف علي إلى الفيلا، وتركهم في الهواء الطلق، بينما بدأ الحديث يأخذ منحنى أكثر خصوصية.



مراد، وهو يرمق آدم ومصطفى باستغراب:
- "غريبة... آدم ومصطفى ما اتكلمتوش من أول ما قعدنا."



آدم:
- "هنقول إيه يعني؟"



مصطفى:
- "أنا مش عايز آخد أجازة."



عمار:
- "ولا أنا."



قاسم:
- "وأنا كمان متعودتش على القعدة في البيت بصراحة."



مراد:
-" خلاص، نعدي الفترة دي، وبعدين نرجع الإسماعيلية."



أجابهم آدم وهو يعدل من موضع نظارته:
- "حلو ده."



ضحك جاسر وهو يرى تقلب وجه الفتيات فقال :
-" طب مش تاخدوا رأي البنات؟ شكلهم عايزين يكملوا الأجازة"



رهف:
-" أظن إننا عايزين نكمل أجازتنا."



جميلة وجومانا، بصوت واحد:
- "طبعًا."



عمار:
- "وأنتِ يا يارا؟"



أجابته بتردد وهي تفرك يدها فما يقال لا يعلمه أحد من عائلتها ولا أيضًا شقيقها لكنها حسمت أمرها قائلة :
- "أنا... لا، مش عايزة أكملها. وبفكر أطلب نقلي لسيناء نفسي أقعد هناك شوية."



قاطعها مراد،بخوفٍ قد ظهر في عينيه قبل صوته :
- "لأ! مفيش نقل لسيناء."



يارا، بحدة:
_"مراد، بعد إذنك أنا مش باخد رأيك، أنا قررت."



قالتها بصوتٍ عالٍ، حاولت أن تبدو واثقة، لكن رعشة خفيفة في نبرتها فضحت التوتر الذي في داخلها أمام من كان يجلس تهتز قدمه بدون سيطرة منه حتى وضعت جميلة يدها على قدم شقيقها قائلة :
_"أهدى يا عمار."



وقف مراد وتقدم خطوة للأمام، صوته يرتجف بالغضب:
_"ومين اللي هيسمحلك؟ أنا قلت وخلاص."



شدّ قبضتيه بقوة، كأن جسده كله يحاول التحكم في فيض مشاعره الغاضبة والقلقة.




        
          
                
أردفت عليه بهدوء لتخفف من توتره قليلًا:
_"أنا مش صغيرة يا مراد."



قالتها بصوت خافت، لكن بنظرةٍ حادة جعلت الجميع يصمت، وكأنها ترسم خطًا لا يجب تجاوزه.
نظر مراد للجهة الأخرى، يُخفي ارتجاف جفنيه، يحاول أن يكتم الانفعال أمام كل من حوله.



وضع باسل يده على ذراع مراد، بنبرةٍ مرنة:
_"صلوا على النبي مش كده يا جماعة؟"



تنهدت يارا بقوة، وقالت بحسم:
_"عليه أفضل الصلاة والسلام."



جلس مراد مجددًا وهو مازال ينظر لها فقاطع سيل النظارات هذا ، آدم الذي صفق بيده مرة واحدة محاولًا كسر التوتر:
_"طب إيه رأيكم نخرج النهارده؟"



اللتقط جاسر خيط الكلام مسرعًا :
_"أنا موافق."



آدم، بابتسامة مصطنعة:
_"كلكم جايين؟"



نهضت يارا بعزم وقد شعرت أن ذلك المكان أصبح يضيق عليها فقالت بهدوء :
_"عن إذنكم."



سارت بخطواتٍ سريعة، لا تنظر خلفها، تحاول أن تخفي ارتباكها وارتجاف أطرافها، متجهة نحو سيمبا، الكلب الذي لطالما اعتبرته صديقًا لا يخون.



راقبها عمار بعينيه، قلبه يدق بعنف، شيءٌ ما بداخله يخبره أن هذه اللحظة لن تعود إن لم يتكلم.



تمتم مصطفى بخفوت :
_"مكنش ينفع يا مراد."



نظر له مظرة مشتعلة:
_"مكنش ينفع إيه؟ اسيبها تروح هناك يعني؟"



باسل، وهو يرفع كفه لتهدئته:
_"مش كده، بس كنت ممكن تهدي الكلام."



جومانا، بهدوء:
_"خلاص يا مراد، حصل خير."



أردف عمار :
_"طب اسمح لي أتكلم معاها؟"



اماء له مراد برأسه قبل أن يتكلم:
_"روح اتكلم."



____



اقترب عمار منها بخطواتٍ بطيئة. وجدها جالسة على الأرض بجوار سيمبا، كانت تنظر إليه بحنان وعيونها لامعة بالدموع. يدها تتحرك على فروه بهدوء، كأنها تبحث عن سكينة افتقدتها وسط الجدل.



جلس جوارها على الأرض مع حفظ المسافة بينهم :
_"يعني سبتينا وجيتي تقعدي مع... الكلب دا؟"



يارا، بصوت متحشرج :
_"ما تقولش عليه كلب اسمه سيمبا."



ابتسم لها بخفة عمار محاولًا كسر الحزن:
_"جايه تقعدي مع سيمبا، ومعاكي تايجر؟"



ضحكت على كلماته، وضعت يدها على فمها لتكتم ابتسامة خرجت دون استئذان.



راقب هو تعابيرها يتبدل فيها الحزن إلى دفء:



_"أيوه كده، اضحكي. بصي، أنا لو مكان مراد، كنت هعمل زيه وزيادة."



يارا، وهي تحاول الدفاع عن قرارها، عيناها تمتلئان بالأمل والخذلان معًا:
_"بس أنا مش صغيرة علشان يمنعني، أنا كنت ممكن أسافر ومكنش هيعرف."




        
          
                
أجابها بصوتٍ أكثر هدوءًا، يلتقط منها الخيط:
_"طب حطي نفسك مكانه. لو هو اللي هيروح، مش هتخافي عليه؟"



ضعف صوتها وهي تفكر كأنها تعترف لنفسها قبل أن تعترف له:
_"هخاف..."



ساد صمتٌ ثقيل. كان صوت الريح فقط يتسلل من بين الأشجار، وسيمبا يرفع رأسه ينظر لهما، وكأنه يحرس هذا الحوار. فهتف متسائلًا:
_"لو مفهاش تطفل ممكن أعرف ليه حابه تروحي هناك؟"



اللتفت له وصمتت قليلًا قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا لتخرج الكلمات من قلبها مباشرة، تحمل صدقًا نادرًا.
كان صوتها متوتر لكنه ثابت:



_"بص بعينك عليهم كده هتلاقي كل بنت معانا كان نفسها في حاجة وغيرت مسار حلمها علشان حاجة تانية عندك جومانا دخلت المجال دا علشان الحلم إللي كانت بتحلمه أو كانت فاكراه حلم مع إنها أصلًا نفسها تفتح ورشة ليها علاقة بالعربيات ، أما رهف فهي دخلت هنا علشان تحمي أهلها ويكون ليهم بدل الضهر اتنين مع إنها نفسها تكون دكتور أطفال ،وجميلة كانت عايزه تكمل مع باباك في الشركة"



أخذت نفسًا عميقًا وواصلت حديثها:
_"إنما أنا... أنا دخلت المجال ده علشان فعلاً مستعدة أضحي بنفسي علشان البلد دي. نفسي أموت شهيدة يا عمار، وبدعي كتير لربنا يرزقني بيها."



عمار نظر إليها طويلاً. في عينيه وجع، وفي قلبه زلزال. مدّ يده ليمسح دموعها لكنه تراجع عن فعل هذا، ثم رفع كفه كأنه يدعو لها بصمت، دون أن ينبس بكلمة.



عمار، بصوتٍ دافئ، مليء بالشجن:
_"بعد الشر عليكِ... بس هينفع تسيبي قلب اتعلق بيكي؟ مش هاسمحلك."



نظرت إلى يده التي أبتعدت قبل أن تقترب بالمرة فابتسمت ولكن ملأت الدهشة ملامحها وهي تسمع كلماته ، فتسارع نبضها :
_"قصدك إيه؟"



ابتسم بشوقٍ وهو يتحدث فهو لن يستطع الكتمان بعد الآن:



_"قصدي إني بحبك.
بحبك أوي.... مش مستعد إني أخسرك لأي سبب من الأسباب....بحبك بطريقة عمري ما حسيتها قبل كده
لإنك مختلفة ....كنت قافل على قلبي بعد اللي حصل، وإنتي فتحتيه تاني.....بحب صوتك، بحب ضحكتك، بحب عفويتك.....بخاف عليكي، ببقى قلقان لما تطلعي مهمة.....أنا... مبقتش بنام غير لما أشوف صورتك.
أنا... اتعلقت بيكي، وبقيتي جزء مني."



صمتت كانت دموعها تنزل بلا صوت، لكن ابتسامة دامعة ارتسمت على شفتيها. لم يكن هناك حاجة للكلمات، فالقلب تكفل بالباقي.



عمار، وهو ينظر في عينيها بثبات:
_"متخافيش... مش عايزك تقولي حاجة. كفاية إنك جنبي دلوقتي... مستعد دلوقتي حالًا أروح أكلم والدك ."



_"إنتَ أكيد هتكلم بابا لإني مش بحب أعمل أي حاجة في الضلمة. "



استجاب إلى طلبها بهز رأسه قائلًا برجاء:
_"أكيد أنا بس حابب أعرف رأيك عايز أعرف بتبادليني نفس الإحساس؟"




        
          
                
تأملت عينيه الزيتونيتين وقد امتلأت نظرتها بالرجاء.
يارا وهي تشير إلى موضع قلبها:
_"مش هتجرح ده... أنا مش هستحمل وجعه يا عمار."



ابتسم عمار وهو يسمع إجابتها هي لم تقولها صريحة ولكنها قالت ما يبين تبادل مشاعرها ، بدا عليه الصدق الشديد، هز رأسه نفيًا:
_" عمرى ما هعمل حاجه تجرحك."



يارا بصوت خافت يشوبه القلق:
_"مش هتحط نفسك في مقارنة مع شغلي؟ أنا مش هقدر أستغنى عن حاجه منكم."



عمار بابتسامة دافئة:
_"مش هعمل كده بالعكس... هشجعك."



وقبل أن ترد، قطع حديثهما صوت مألوف جاء من خلفهما وما كانت إلا جومانا حمحمت قائلة:
_" يارا... ماما عايزاكي."



يارا وقد ارتبكت قليلاً:
_"حاضر، أنا جاية يا جومانا، استنيني."



رحلت يارا مع شقيقتها، بينما ظل عمار يتابعها بعينيه، كأنما يحاول أن يحفظ ملامحها في ذاكرته وهي تختفي شيئًا فشيئًا عن ناظريه. ابتسم لنفسه، وقد سكنت في قلبه طمأنينة لم يعرفها من قبل.



---



في طريقها إلى الداخل، نظرت جومانا إلى يارا متسائلة:
_"مالك يا يارا؟ لسه زعلانة من مراد؟"



يارا بابتسامة واسعة:
_"لا، ده أنا مبسوطة أوي."



جومانا بفضول:
_"وإيه اللي بسطك كده؟ فرحيني."



_"هحكيلك بالليل ماما عايزة إيه؟"



جومانا وهي تضحك:
_"أمك ماسكة العيال ولا الشيف الشربيني!"



يارا وقد انفجرت ضاحكة:
_"احلفي!"



جومانا:
_"والله يلا بقى قبل ما تعمل فيهم حاجة."



---



في المطبخ... كانت الأجواء مشتعلة بروائح الطعام وأحاديث النساء.
جميلة، وهي تضع مشبكًا على أنفها وتتحدث بطريقة ساخرة:
_"وهو عمي صالح بيستحمل الريحة دي إزاي؟"



سارة ضاحكة:
_"عمك بيحب الأكلة دي أوي، بس مابيحبش ريحتها. عملتهاله مرة أول الجواز، مكانتش عاجباه خالص... ولما داقها حبها أوي."



شعرت جميلة بالغثيان فقالت وهي تمسك معدتها :
_"أنا حاسة إني هرجع."



رهف ضاحكة:
_"سيبيك منها يا طنط... دي عيلة هبلة
ده أنا بعشق الريحة دي."



يارا وهي تدخل المطبخ مبتسمة:
_"الله إيه الروايح الحلوة دي؟"



جومانا وهي تضحك:
_"مش قادرة بصي جميلة عامله إيه في نفسها! 
اتكلمي كده!"



جميلة بعصبية مرحة:
_"بس يا بت إنتِ"



بادلتها يارا الابتسامة وهما يضربان كفهما ببعضهم فقالت مداعبة لصديقتها :
_"طب قولي كده أرنبنا في منور أنور وأرنب أنور في منورنا."




        
          
                
_"اعععع يا باردة..... أنا خارجة بره"



سارة ضاحكة:
_"اطلعي اقعدي في أوضة يارا لو عايزة."



---



خرجت جميلة من المطبخ متجهة إلى غرفة يارا، لكنها توقفت أمام غرفة مفتوحة. استوقفتها الفوضى، ودفعها فضولها للدخول.



وقعت عيناها على صور كثيرة معلقة، أغلبها تجمع مراد بشقيقته يارا، وبعضها له وحده، طفلًا ثم شابًا. وقفت تتأمل صورة له وهو يبتسم، وقد شرد ذهنها في تفاصيل ملامحه.



وفجأة، خرج مراد من الحمّام وهو يمسح شعره بمنشفة، ثم لاحظ وجودها، فتقدم منها بهدوء وهمس قرب أذنها بصوت مرح:



_"شكله حلو، صح؟"



جميلة بتوهان:
_"أوي..."



ضحك مراد بصوت عالٍ وهو يرفع حاجبيه بدهشة:
_"لا، ده إنتي واقعة أوي!"



جميلة وقد استعادت وعيها فجأة:
_"مراد، أنا... أنا آسفة، أنا خارجة."



مراد وهو يضحك بشقاوة:
_"خدي هنا... بس إيه اللي انتي حطاه على منخيرك ده؟"



جميلة وقد نزعت المشبك من أنفها بسرعة:
_"يا نهار أبيض أنا ماشية."



خرجت من غرفته مهرولة نحو غرفة صديقتها، وقد احمرّ وجهها خجلًا.



راقبها بابتسامة ساخرة:
_"هانت... إنتِ اللي دخلتي هنا برجليكي يا جميلتي."



ثم عاد ليبدل ملابسه، ونزل إلى الطابق السفلي حيث الأصدقاء بانتظاره.



---



في الأسفل، بالمطبخ، كانت يارا تمسك بالهاتف وتتكلم:
_"أيوه يعني... إنتِ فين دلوقتي؟"



سيلين من الطرف الآخر:
_"داخلة عليكم... هو بابا عندكم ولا راح لماما؟"



يارا:
_"خالو نايم فوق يا سيلين... ماتتأخريش علشان إحنا جُعنا ومستنيينك."



_"خلاص، أنا جاية أهو... وسلميلي على توأمك."



يارا:
_"ماشي، بس انجزي... وخلي بالك وانتي سايقة، ها"



سيلين:
_"لا ماتخافيش يا بنتي، محدش بيعرف يسوق زيي أصلاً!"



_"إنتِ هتقوليلي؟"



أبتسمت سيلين وهي تنظر إلى وجهها في مرآة السيارة متسائلة بفضول :
_"بقولك... هو الواد المُز موجود؟"



يارا بمزاح:
_"أنهي واحد فيهم؟"



_"سؤال وجيه برضو، كلهم مُزز الصراحة."



_"يا بت، إتلَمي!"



تأففت سيلين وهي تصرخ في هذا الرجل الذي كاد يخبطها أقصد كادت تخبطه فصغطت على المكابح بقوة:
_"ما تسيب الموبايل وإنتَ ماشي إيه العالم دي ياربي !"



أكملت طريقها فصرخت يارا بها :
_"هو برضو إللي يسيب الموبايل ؟! " 



_"بقولك إيه هو إللي مش مركز المهم آدم موجود؟"




        
          
                
يارا ضاحكة:
_"موجود... وهيموت من الجوع، يرضيكي الكراش بتاعك يبقى جعان؟"



_"لا طبعًا أنا جاية بسرعة أهو....يلا سلام."



أغلقت يارا الهاتف وهي تبتسم بسخرية لاحظت جومانا ابتسامة شقيقتها فأقتربت قائلة:
_"كنتي بتكلمي مين؟"



_"سيلين، بستعجلها... أنا جعانة!"



سارة للخادمة:
_"خلي بالك إنتِ من الباقي... يلا يا بنات نطلع بره."



رهف:
_"يلا."



يارا:
_"أنا هرنّ على جميلة تنزل تقعد معانا."



سارة:
_"وأنا هطلع أصحي صالح وعلي."



جومانا:
_"ماشي."



-------------------------------------



في غرفة "صالح"



كانت "سارة" تتلفت في الغرفة الصغيرة، تبحث عن زوجها وهي تقول بصوت مرتفع:
_"صالح، انت في الحمام؟"



جاءها صوته من خلفها، بنبرة مرحة:
_"لا يا ستّي، وراكي."



استدارت بفزع خفيف، ثم وضعت يدها على صدرها وقالت بتنهيدة:
_"يا نهار أبيض، مش هتبطّل الحركات دي بقى؟"



اقترب منها بخفة، وعلى وجهه ابتسامة صافية:
_"تؤ تؤ تؤ... تعالي جايبلك هدية. "



_"هدية إيه؟"



اتجه "صالح" نحو خزانة الملابس، فتحها بهدوء، وأخرج منها علبة قطيفة حمراء، فتحها أمامها ليظهر عقد فضيّ يلمع تحت ضوء المصباح. نظر إليها وابتسامة فخر تملأ وجهه.



صالح: 
_"عجبك؟"



أمسكت "سارة" بالعقد برفق، وتأملته بعينين واسعتين:
_ "ده حلو أوي... ربنا يخليك ليا يا صالح."



صالح :
_"طب يلا ننزل ؟"



_"يلا علشان أنا جعانة."



_________________



في الأسفل



كانت الرائحة الشهية تنتشر في المكان، فيما جلس الجميع في الصالة منتظرين الطعام.



آدم وهو يضع يده على بطنه: 
_"أنا جعان!"



جومانا:
_ "خلاص، هي قربت تيجي."



آدم بفضول: 
_"هي مين دي بقى؟"



سيلين وهي تدخل بابتسامة عريضة: 
_"أنا جيت!"



آدم في نفسه وهو ينظر إليها باستغراب: 
_"بقى مخليني جعان علشان البت دي؟"



سيلين: 
_"وحشتوني والله يا بنات."



رهف: 
_"وإنتِ كمان أوي."



سيلين وهي تحتضن "جومانا": 
_"هتبقي كويسة إن شاء الله، مش زي البت دي اللي قاعدة تعمل فيها ضحية."



يارا وهي ترفع حاجبها:
_ "أنا مش عارفة أنا عملتلكوا إيه بس..."



خرجت سارة من غرفة السفرة قائلة بابتسامة:
_ "يلا يا ولاد، الأكل جهز."




        
          
                
تحركوا جميعًا نحو السفرة.. تفحص آدم الأطباق:
_ "إيه ده؟ رنجة؟!"



ضحك مصطفى بمزاح :
_"وأنا كنت مستغرب ليه طولتوا فوق كده."



أقترب جاسر يشم الطبق بتردد:
_ "هي إيه الرنجة دي؟"



خالد:
_ "لما تدوق هقولك."



قبض جاسر ما بين حاجبيه وهو ينظر له بشكٍ : 
_"هو إيه يا بني سرّ عسكري يعني ما تقول"



مراد: 
_"كل بس الأول وبعدين نتكلم."



أزاح آدم طبق الرنجة من أمام جاسر ووضع أمامه طبق الفسيخ قائلًا : 
_"سيبك من الرنجة، خُد فسيخ."



أرجع جاسر برأسه للخلف : 
_"لا يا عم ريحته عاملة جريمة!"



صالح:
_ "يلا باسم الله."



جومانا وهي تشير إلى طبق أمام "جميلة"
_"جميلة، بصّي، الفسيخ ممكن ميعجبكيش، جربي الرنجة، سمك عادي."



جميلة بتردد: 
_"لا، شكرًا."



رهف بنبرة ساخرة: 
_"شُفتي؟ دي جومانا اللي عايشة في أمريكا بتأكل، وانتي عاملة فيها كأنك من كوكب تاني!"



قاسم: 
_"يلا يا جاسر، كل بقى."



جاسر وهو ينظر للطبق بشك:
_ "لا يا عم، أنا هستناكم الأول، أشوف مين هيروح الطوارئ."



مراد ضاحكًا: 
_"ما تكبّرش الموضوع، إحنا مش هنسَمّك يا ريكاردو."



صالح وهو يهمس لعلي: 
_"فاكر وإحنا صغيرين في البلد كنا بنعمل إيه؟"



علي وهو يضحك:
_ "هي دي حاجة تتنسى؟"



سارة: 
_"جميلة، جربي كده حتة صغيرة."



جميلة بقرف واضح: 
_"حاضر، هحاول."



أمسكت بطرف الرغيف كما لو كانت تمسك شيئًا سامًا، وأخذت قطعة صغيرة جدًا من الرنجة.



يارا وهي تضحك: 
_"ده على أساس إن الرنجة هتعضك يعني؟"



جميلة: 
_"نينينينينينه!"



سيلين وهي تنظر لآدم الذي يأكل بتلذذ:
_ "شوفت؟ والله طعمها حلو أوي... يا ريتني كنت رنجاية عشان أتاكُل!"



نظر لها بدهشة: 
_"يعني إيه؟ عايزة تبقي سمكة؟"



سيلين: 
_"ولا حاجة... كل رنجة بس."



رفع حاجبه لها ثم نظر أمامه ليكمل طعامه :
_ "باكل، كلي إنتِ ومتبصليش كده عشان هشرق."



سيلين بصوت منخفض:
_ "مستفز... بس عسل."



همست لها يارا التي كانت تتابعها بصمت : 
_"خفي على الواد شوية هااا."



سيلين: 
_"هو أنا هبلعه؟!"



لفت انتباه عمار جاسر فضحكت بقوة قائلًا :
_ "يا جاسر هو انت ماسك الفسيخ كده ليه؟ ناقص تضربه بالنار، كُل."




        
          
                
جاسر: 
_"ريحته فظيعة يا جدعان."



باسل وهو يشير لمصطفى وآدم:
_ "بص، بص على الناس الرايقة اللي بتاكل بمزاج!"



آدم:
_ "حبيبي يا باشا."



شردت سيلين قائلة بصوتِ منخفض لكنه وصل له : 
_"وأنا مينفعش؟"



آدم: 
_"مينفعش إيه؟!"



لم تعيره أهتمامًا وأكملت طعامها ،أنتبه الجميع إلى صوت علي الجاد :
_"أنا لو لقيت طبق فاضي، اعتبروا الإجازة ملغية!"



جومانا وهي تضحك:
_ "سمعتي يا جميلة؟"



جميلة: 
_"اسكتي بقى، ناوليني البتاع اللي قدام مراد ده، عايزة أدوقه."



جومانا:
_ "عايزة بطروخ؟"



جميلة بدهشة:
_ "باااايه يا ختي؟!"



يارا وهمسها يصل إلى مراد: 
_"هاتلها البطروخ اللي قدامك."



مراد:
_ "لأ."



يارا:
_ "ده لجميلة."



مراد وهو يضحك:
_ "خدي الطبق كله... تحبي تاخدي بطروخي كمان؟"



يارا بسخرية:
_ "يا حنين! دي الرومانسية بقى؟ يالا..."
ثم أكملت بصوتٍ مرتفع : 
_"خدي يا بنتي بطروخه."



بعد فترة، انتهى الجميع من الطعام، ما عدا "جميلة" و"جاسر" اللذان بقيا يتنازعان على الأطباق.



عمار: 
_"إيه يا جاسر، أجبلك فسيخ تاني؟"



لم ينظر له جاسر فقط أكمل مدغ الطعام الذي في فمه وهو وهو يقول:
_ "ياريت ولو حتة بطروخ من اللي قدام أختك دي أكون شاكر."



مراد:
_ "جميلة، هاتي له حتة بطروخ."



جميلة وهي تضع الطعام في فمها وتتكلم بصعوبة: 
_"لا... البطروخ ده بتاعي."



مراد وهو يضحك: 
_"براحتك، بس خلي بالك لا يسببلك حساسية."



جميلة وهي تنظر له كطفلة: 
_"بس أنا عايزة آكل."



_"خلاص كلي براحتك."



سار خالد بعيدًا عنهم قائلًا :
_ "تعالوا سيبوهم دول شكلهم مطولين."



غادروا الواحد تلو الآخر، وبقيت "جميلة" و"جاسر" وجهاً لوجه، غمز لها جاسر قائلًا 
_"خليكي جدعة وهاتيلي حتة بطروخ."



_"أنا خايفة عليك، هيطلعلك كرش، وسهر
مبتحبش الكرش."



ضحك جاسر لكنه لم يتنازل عن قراره :
_ "طب نتفق... خدي الرنجة دي، وأنا آخد البطروخ."



جميلة وهي تصافحه بخفة: 
_"ديل."



تبادلوا الأطباق كأنها صفقة سياسية خطيرة... وانتهت المهمة بنجاح.



________________



في الخارج، في الحديقة الواسعة التابعة للفيلا، كان الجميع يجلسون متفرقين على الكراسي الخشبية .
ملامح التعب بادية على بعض الوجوه.




        
          
                
قال باسل وهو يتثاءب:
_"الواحد عايز ينام."



ردّت رهف بتنهيدة مرهقة:
_"آه والله."



نظر عمار إليهم بابتسامة مفاجئة وقال:
_"إيه رأيكوا نسافر؟"



التفت آدم نحوه متحمسًا:
_"حلو ده هنسافر فين؟"



أجابه عمار وهو يحك ذقنه بتفكير:
_"بص أنا العيلة الكريمة في العزبة عندنا
عايزين نروح العزبة؟ اشطا ...   عايزين تروحوا حتة تانية؟ اشطا بردو."



قال قاسم بحسم:
_"نروح العزبة."



سأل خالد:
_"وده هيبقى امتى؟ النهاردة ولا بكره؟"



اقترح مصطفى:
_"خلّوها بكره، ونخرج النهاردة إيه رأيكوا؟"



ردّ مراد وهو يهز رأسه موافقًا:
_"تمام."



جاء صوت من خلفهم فجأة، صوت مألوف:
_"تمام على إيه؟"



التفتوا جميعًا في وقت واحد، وإذا بجاسر يقف خلفهم، فعمّ الضحك بينهم.



رفع جاسر حاجبيه باستغراب وقال:
_"بتضحكوا على إيه؟"



قال آدم مازحًا وهو ينظر على بطن جاسر المنتفخة أمامه :
_"وأنت بقى في الشهر الكام؟"



زمّ جاسر شفتيه مهددًا:
_"دا أنا هاجي أرسم على وشك نتيجة لو مالميت نفسك ... بس أنا ساكت علشان في بنات."



ردّت سيلين ضاحكة:
_"لأ خد راحتك ولا كأن في حاجة."



نظر إليها جاسر متعجبًا وسأل:
_"إنتي شايفة كده؟"



ابتسمت سيلين بثقة وقالت:
_"طبعًا."



تدخلت جميلة وهي تمسك طبقًا صغيرًا وتبتسم:
^"مش عارفة أقولكوا إيه... الأكل طعمه حلو أوي."



قالت رهف ساخرة وهي تشير لطريقة جميلة في الأكل:
_"اللي يشوفك وإنتِ ماسكة الأكل بطرف صباعك ميشوفكيش دلوقتي."



ردّت جميلة وهي تضحك:
_"مش قادرة... بطني هتنفجر."



سأل مصطفى وهو ينظر حوله:
_"طب إيه؟ هتخرجوا؟"



قال عمار:
_"آه، هتروحوا فين؟"



اقترح خالد بحماس:
_"تيجوا سينما؟"



هزّ مراد رأسه وقال:
_"لأ يا عم، عايزين نتحرك."



قالت سيلين بحماس طفولي:
_"ملاهي؟"



نظر إليها الشباب جميعًا في نفس اللحظة، فتراجعت قليلًا وقالت بخوف:
_"إنتوا بتبصولي كده ليه؟ أنا هسكت خالص."



ردّ خالد وهو يضحك:
_"حجز كورة."



صرخت رهف:
_"معرفش عنها حاجة غير إنها مدورة اسكت يا خالد "



اقترحت يارا بنبرة هادئة:
_"إيه رأيكوا في قعدة على النيل؟"



ردّ جاسر بإعجاب:
_"رايق."




        
          
                
ابتسمت يارا وقالت:
_"تسلم."



قال باسل وهو ينهض:
_"خلاص يلا هجيب شيري."



أضاف جاسر بحماس:
_"وأنا هجيب سهر."



سأل خالد وهو يوجه كلامه لعمار:
_"عمار، هي جنات في البيت عندكوا؟"



ردّ عمار بثقة:
_"لأ طبعًا، مكنش ينفع تفضل لوحدها 
بابا أصر إنه ياخدها العزبة تتفسّح معاهم، متخافش."



قال خالد بعدما هدأ قلبه :
_"ماشي."



نهض مراد وقال:
_"طب يلا لو هتجيبوا البنات."



قال مصطفى بسرعة:
_"هروح أجبها أنا يا باسل."



غمز له باسل ممازحًا وقال:
_"علشان بس في بينا ظبط وربط روح... بس خلى بالك منها."



اقترب مصطفى منه وقبّله على خده وقال مازحًا:
"ربنا يخليك.. ويجعلك خال كويس لعيالي... ويوقع بنت الحلال في حبك قادر يا كريم."



نظر إليه باسل بصدمة وقال:
_"إنت بتشحت عليّا يالا؟"



ضحك مصطفى وقال:
_"العنوان؟"



أعطاه باسل العنوان، وقال له إنه تحدث مع شقيقته عبر الهاتف للتتجهز وتنتظر قدوم مصطفى لتأتي معهم .
قال جاسر:
_"طب يلا يا مصطفى."



أجاب مصطفى وهو يتوجه إلى السيارة:
_"يلا يا ريكاردو."



_________________



كان قاسم يجلس بعيدًا عن الجميع، يحدّق في الفراغ بشرود، كأن صخب العالم قد تلاشى من حوله، ولم يتبقَّ إلا صوت أفكاره. عيناه زائغتان، وكأنهما تبحثان عن إجابة ضائعة. اقترب منه عمار بهدوء، وجلس إلى جواره، لم يتكلم فورًا، فقط التفت إليه بنظرة مليئة بالفهم والودّ.



قال عمار بعد لحظة صمت:
_"قولها يا قاسم... هي غيرها جومانا ظابط يعني، هتعرف تحمي نفسها... بس أنا واثق فيك،
أنت هتحميها يا قاسم."



صمت حينما وجده لم يتأثر بكلامه لكنه لا يعلم أن قاسم كان ينهار من الداخل أكمل عمار حديثه بجديدة :



_"طب إنت هتبقى مبسوط لو راحت من إيدك؟"



رفع قاسم رأسه فجأة، كأن كلمات عمار اخترقت قلبه، وقال بانفعال مكبوت:
_"على جثتي يحصل تاني."



ابتسم عمار ابتسامة صغيرة، ثم ربت على كتفه وقال:
_"يبقى تقولها."



هزّ قاسم رأسه بحسم:
_"هقولها."



وقف عمار وهو ينظر باتجاه مدخل الحديقة:
_"طب هي جاية... أنا همشي."



ابتعد عمار في صمت، وبقي قاسم مكانه، يتنفس ببطء، كأن كل شيء داخله يشتعل.
تقدّمت جومانا نحوه بخطى هادئة، كانت تحمل كوبًا بيدها، وبملامحها ذلك المزيج العجيب من الصلابة والحنان. وقفت أمامه ومدّت يدها بالكوب:
_"عملتلك حاجة تشربها."



نظر إليها بعينين مثقلتين بالتعب والاشتياق، وتسلّم الكوب:
_"تسلم إيدك."



استدارت لتغادر، لكنه نطق فجأة، بنبرة خرجت من قلبه قبل لسانه:
_"جومانا..."



توقفت، ثم التفتت إليه:
_"نعم؟"



تنهد قليلًا وقال:
_"ممكن تقعدي؟... عايز أتكلم معاكي شوية."



ترددت للحظة، ثم جلست جواره بصمت.
كان الهواء من حولهما ساكنًا، العالم كله ينتظر ما سيُقال.



قال قاسم بصوت خافت وهو ينظر إلى الأرض:
_"كنت عايز أقولك إنّي... إنّي..."



قاطعته جومانا بلطف وهي تبتسم:
_"أنا حاسة بيك، على فكرة... وعارفة إنك مش قادر تقولها."



رفع رأسه فجأة، كانت عيناه تلمعان بندى الحزن
وقال بإصرار:
_"لا... أنا هقولها علشان دي الحقيقة يا جومانا."



نظر في عينيها مباشرة، ثم تابع بصوت متقطّع:
_"أنا بحبك... بجد يمكن ترفضي 
وده حقك بس اللي جوايا مش بإيدي. أنا... أنا بخاف عليكي وإنتِ معايا، بخاف مقدرش أحميكي."



تنهّد وهو يعصر الكلمات من قلبه:
_"أنا حبيتك من أول مرة شفتك فيها في أمريكا... لما شتمتيني، فاكرة؟ ساعتها حسّيت بحاجة غريبة... قلبي اتشدّ ليكي، وكدبت على نفسي وقلت لأ، دي مش مناسبة ليّ، هتظلمها لو دخلت حياتك."



نزلت دمعة من عينه دون أن يشعر، ثم تابع وهو يغالب ألمه:
_"بس لما عيطتي... قلبي كان بيتقطع عليكي. ولما كنتي في المستشفى... أنا مكنتش شايف غيرك، وانتي بتصرخي... كنت عايز آخد وجعك كله، وأحطه في قلبي."



ظلت جومانا تنظر إليه، والدموع تتجمّع في عينيها، ثم همست:
_"وأنا كمان بحبك يا قاسم... وبثق فيك، إنك هتقدر تحميني... ومش هتظلمني ...مش هقولك إنساها لإن دي حاجة عمرها ما هتتنسي بكل ذكرياتها بس هقولك تتعالج من الخوف دا علشان تعرف تكمل حياتك أنا مش هسيبك ولا إنتَ هتسبني صح؟"



ارتجفت يده وترددت كلمة "العلاج" في عقله 
هل معها حق يجب أن يتعالج ؟! هل أُصيب بمرض ابتسمت ابتسامة باهته وقال ومازال عقله لا يستوعب تلك الكلمة :
_"مش هسيبك ."



سادت لحظة صمت، إلا من دقات قلبين التقتا أخيرًا بعد طول انتظار. ولكن كان صمتًا خارجيًا فقط أما داخليًا فكان الأثنين يشعران بالخوف .



_______________
ها هنا، أحبتي، تحطّمت الأقفال المغلقة على القلوب.
فهل ستتحطم أقفالٌ أخرى؟
لنأخذ فقط قسطًا من الراحة من الغموض والأكشن،
ولتبدأ رحلةٌ من الرومانسية والدفء والكوميديا...



صدقني، عزيزي القارئ، الفصول القادمة... مختلفة تمامًا.

 
تعليقات