رواية حتى اقتل بسمة تمردك (1) الفصل التاسع 9 - بقلم مريم غريب
حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖
في صباح اليوم التالي قامت"ياسمين"بدورة مرور عامة علي المرضي بالمشفي ، حتي وصلت إلي غرفة"عمر" ، كان جالسا علي فراشه الصغير كالعادة و قد علت وجهه علامات الضيق و الضجر ، لكن لدي رؤيته إياها تقف أمامه أشرق وجهه بإبتسامة ناعمة ثم قال:
-اهلا اهلا .. صباح الفل.
زمت شفتيها في برود ثم تقدمت صوبه بخطوات ثابتة و قالت:
-صباح الخير .. هاه .. عامل ايه انهاردة ؟؟
تقلص وجهه في حزن ثم أجابها:
-كويس.
-قول الحمدلله .. و بعدين مالك مهموم كده ليه ؟؟
-زهقت ! زهقت من القاعدة دي انا مش متعود علي كده .. الله يسامحه اخويا بقي .. لأ منه لله هو السبب.
-لكل فعل رد فعل .. اكيد عملت مصيبة او غلطت غلطة خليته يكون السبب في الحالة اللي انت فيها دلوقتي.
نظر إليها بإستكانة و ضعف مصطنع ثم قال:
-انا ! و ربنا ده انا غلبان الناس هي اللي ظلماني.
هزت كتفيها بلا إكتراث قائلة:
-عموما مش موضوعنا.
ثم سألته:
-تحب تمشي تقوم تمشي شوية ؟؟
أومأ رأسه بقوة فإبتسمت بخفة و قالت:
-طيب همشيك في الاوضة شوية و المرة الجاية ان شاء الله هبقي انزلك تتمشي في الجنينة اكون فاضية وقتها.
ثم إقتربت منه و ساعدته علي النهوض من الفراش ، بينما إستند إليها حيث تعكز علي مرفقها الرقيق القوي فخطت به في تمهل بإرجاء الغرفة فيما سألها فجأة:
-الا قوليلي صحيح يا حلوة .. يا تري انتي مصاحبة و لالأ ؟؟
رمقته بإشمئزاز قائلة:
-اولا انا مش حلوة انا دكتورة ياسمين .. ثانيا مابردش علي اسئلة مش مهذبة بالشكل ده.
أطلق"عمر"ضحكة مرحة ثم قال:
-اسف يا دكتورة ياسمين .. و اه ياتري حضرتك عمرك ما ارتبطتي بحد قبل كده ؟؟
حلو الاسلوب ده ؟؟
سألها في تهكم بينما تجاهلت نبرته الساخرة ثم قالت:
-انا ماعنديش وقت للارتباط نهائي يا حضرة .. انا بدرس طب .. عارف يعني طب ؟؟
-اه عارف عارف .. كلية مابيدخلهاش الا الدحيحة المتفوقين اللي هما نفسهم بردو لما بيتخرجوا بيقعدوا علي القهوة او في البيت.
رمقته في إستنكار قائلة:
-ايه ده مش صحيح ابدا مين اللي قال كده ؟؟
-الواقع هو اللي بيقول كده دي مسألة حظوظ يا حبيبتي و مش كل الناس محظوظين عشان كده لازملك حظ كبير لحد ما توصلي للي انتي عايزاه ده لو وصلتي.
إبتسمت في سخرية ثم أجابت بهدوء:
-مش صح يا استاذ عمر .. الانسان اللي عنده اراده لو حب يحقق شيء هيحققه بالقوة .. ده غير ان الطموح مش بينتهي و النجاح كمان مش بينتهي و كله بإيد الانسان لو استمر هيتقدم و لو وقف هيتاخر و علي فكرة مافيش حاجة اسمها حظوظ او نصيب اللي بيحصل في الحياة بايد الانسان انما المقدر و المكتوب بايد ربنا و في فرق كبير بين الاتنين.
حملق فيها لبرهة ولم يجد ما يضيفه فأبتسم قائلا:
-انتي فظيعة.
قهقهت بخفة ثم قالت:
-اتمني بس اكون افادتك و تكون اقتنعت ان الصلاح و الفساد من صنع الانسان مش من صنع ربنا ابدا.
ثم أضافت:
-و انا بقول كفاية مشي كده عشان رجلك ماتتعبكش و عشان انا كمان خلصت شغلي هنا و المفروض اروح بقي.
- ليه بس ؟ ماتخليكي قاعدة معايا شوية بدل الزهق اللي بعيش فيه ده.
أجابته في حزم:
- اولا قلتلك انا واحدة مشغولة باستمرار .. ثانيا انا دكتورة و مش هنا عشان اسليك انا هنا عشان اعالجك و بس .. و يلا لو سمحت ساعدني عشان ارجعك مكانك.
لكنه لم يحرك ساكنا فنظرت إليه مستغربة ثم قالت بلهجة حادة:
-بقولك لو سمحت ساعدني عشان ارجعك مكانك ايه ماسمعتنيش ؟؟
-لأ سمعتك.
أجابها ثم نقل يده التي كانت تستند إلي مرفقها علي خصرها فشهقت في صدمة ثم قالت غاضبة:
-شيل ايدك يا محترم .. احسنلك.
-احسنلك ! ايه احسنلك دي ؟ وراها ايه يعني ؟؟
فقالت تحذره في حده:
شيل ايدك بقولك .. انا لحد دلوقتي مش عايزة آذيك.
-تآذيني !
هتف باسما في سخرية ثم تابع:
-طب مش شايل.
هزت كتفيها بلا إكتراث قائلة:
-اوكي انت حر بس خليك فاكر اني حذرتك.
قالت ذلك بهدوء ثم رفعت يدها إلي صدره و بحركة بسيطة جدا دفعته ، فمال جسده إلي الخلف ليسقط أرضا فإنفجر صوته:
-آااااااه .. آااه يا بنت المؤذية حرام عليكي ليه كده ؟؟
-احترم نفسك يا استاذ و بعدين انا حذرتك بمنتهي الذوق بس انت اللي مش محترم لأ و بتتمادي في قلة الادب اكتر كمان تستاهل.
رمقها في حنق ثم قال:
-طب قوميني.
فقالت بحزم:
-انت تقدر تساعد نفسك حاول تقوم لوحدك.
-مش قادر .. مش قادر اقف.
قال بألم مصطنع ، فلان قلبها و أشفقت عليه ، ثم خطت تجاهه و مدت يدها لتساعده علي النهوض ، و هنا تكمن الخدعة !
إبتسم بخبث و هو يمسك يدها ثم جذبها إليه بقوة حتي سقطت أرضا بجانبه فجثم عليا و كبل حركتها بذراعيه ..
تألمت ، فزعت ، و أدركت خدعته ، فصاحت به:
-يا حيوان .. بتضحك عليا ؟ صدقتك دي غلطتي.
ضحك ملء صوته بشكل هستيري ثم قال بلهجة المنتصر:
-ده رد اعتبار يا حلوة .. و انتي لسا قايلة من شوية لكل فعل رد فعل مش كده ؟؟
رمقته بغضب شديد و صممت علي ايذائه مهما كلف الأمر ، و في اللحظة التي شعرت بيده تتسلل إلي خصرها غرزت أصابعها بالسجادة السميكة و إستعدت للحظة المناسبة في محاولاتها لإبعاده عنها ، و ما أن تحرك قليلا حتي جذبت قدمها و وجهت إليه بركبتها ضربة قوية مؤلمة دونما أي إهتمام أو وخز في الضمير ..
كان صراخه عندها كوحش جريح موسيقي جميلة لأذنيها الغاضبتين فإبتسمت بإنتصار و تشفي ، و حين تراخت قبضته عنها قليلا إنسلت من بين ذراعيه بسرعة البرق و هبت واقفة فيما تأوه بشده قائلا:
-الله يخربيتك .. مش قادر حرام عليكي .. منك لله.
أجابته في جمود:
-اتمني تحترم نفسك بعد كده .. ياريت يعني بجد .. و عموما انا همنع الممرضات انهم يدخلولك من هنا و رايح نظرا لأخلاقك اللي زي الزفت دي و ابقي استمتع بوقتك مع عم راضي التمرجي بقي.
ثم رحلت و تركته فهتف و هو لا يزال علي وضعيته:
-و هتسيبيني كده طيب .. منك لله ... !
دلف إلي منزله في هدوء ، ثم أخذ يبحث عنها بالأرجاء حتي وجدها بحجرة نومه مستلقية في إرهاق مغمضة العينين فإقترب منها قائلا:
-عبير !
إنتفضت منتبهة و نظرت إليه بينما تابع متسائلا و هو يجلس إلي جانبها:
-ايه يا عبير مالك ؟ و ايه الموضوع المهم اوي اللي اصريتي نتقابل بسرعة عشانه ؟؟
تأوهت"عبير"بصوت خافت و هي تنتصب نصف جالسة علي الفراش ، ثم حدقت فيه يعينان ذابلتان و قالت:
-حسام .. انا حامل.
إتسعت حدقتاه و تجهم وجهه في ثانية ثم قال:
-ايه ! قلتي ايه ؟؟
-بقولك .. انا حامل .. حامل يا حسام.
-نعم ! انتي بتهزري ؟ انتي اكيد بتهزري يا عبير صح ؟ قولي انك بتهزري.
قال ذلك في توتر غاضب فيما أجابته مؤكدة:
-لأ يا حسام انا مش بهزر .. انا حامل فعلا .. في الاول كنت شكة لكن انا لسا راجعة من عند الدكتور و هو اكدلي الحمل .. انا حامل في شهرين يا حسام .. و كويس اني اكتشفت المصيبة دي بدري عشان نلحق نتصرف.
لم يحتمل"حسام"سماع المزيد فهب واقفا في غضب ثم قال بإنفعال:
-لالالا مش انا يا عبير .. مش انا اللي تلعبي معاه لعبة رخيصة و قديمة زي دي انسي مش هتورطيني غصب عني.
حملقت فيه بذهول ثم سألته:
-ايه اللي انت بتقوله ده ؟ انا بلعب عليك ؟ لأ و بورطك كمان ! انت ازاي تقولي كده يا حسام ؟؟
-اسمعي يا عبير !
هتف بحدة ثم تابع:
-لو كنتي فاكرة انك ممكن تقدري تضغطي عليا بموضوع الحمل ده عشان اروح اطلب ايدك من اخوكي زي ما كنتي دايما بتزني عليا تبقي غلطانة .. انا محدش يقدر يلوي دراعي .. فاهمة ؟؟
هزت رأسها في ذهول و هي تكاد لا تصدق ما سمعته ثم قالت:
-انت بتقول ايه ؟ بقي انت فاكر اني ممكن افكر بالطريقة دي ؟ متخيل اني ممكن اعرض نفسي لعقبات خطيرة زي دي عشان اضغط عليك و يا صابت يا خابت ! ايه .. هو انت ماتعرفش اخويا ؟ مش عارف هو ممكن يعمل فينا ايه احنا الاتنين لو اكتشف اللي ببنا ؟ ثم انا اتفاجئت بخبر الحمل زبك بالظبط.
فسألها في تهكم:
-لا و الله ! اتفاجئتي ؟ مش علي اساس كنتي بتقوليلي دايما انك بتعملي حسابك عشان مانقعش في الغلطة دي !
أومأت رأسها في توتر ثم قالت نع سقوط الدموع علي خديها:
-ايوه .. ايوه فعلا و الله كنت بعمل حسابي لكن .. لكن ده قدر .. ربنا عايز كده !
-يا حبيبتي انا ماليش في الكلام ده .. اسمعي يا بنت الناس انا لسا شاب في اول عمري ظروفي زي الزفت و لازم اشتغل كويس عشان اقدر اكون نفسي فمش هقدر ابدا اني اتحمل مسؤولية بيت و جواز و اطفال .. بالنسبة لي لسا بدري اوي علي الخطوات دي.
-يا نهار اسود !
هتفت في صدمة ثم سألته:
-يعني انت كنت بتكدب عليا لما كنت بتقولي اننا هنتجوز ؟؟
زفر في ضيق ثم قال:
-انا ماكدبتش عليكي يا عبير .. انا قلتلك اني مش جاهز لجواز دلوقتي خالص و انا فاكر انك وافقتي انا ماغصبتكيش علي اي حاجة بالعكس احنا لو نفتكر هنلاقي انك انتي اللي فضلتي مُصرة علي كده و شجعتيني لحد ما وصلنا للطريق ده .. ياما قلتلك بلاش بس انتي إللـ ...
-بس !
قاطعته بألم ثم تابعت باكية:
-بتلومني انا دلوقتي ؟ بتلومني عشان حبيتك يا حسام ؟ بتلومني عشان أمنتلك و صدقتك ؟ في الاخر انا اللي بقيت غلطانة و انا اللي لازم اتحمل النتايج كلها لوحدي ؟؟
-اه.
هتف بجمود ثم تابع:
-اه انتي اللي لازم تتحملي النتايج كلها لوحدك يا عبير انا ماليش دعوة بالحمل ده و مش هتحمل مسؤولية الطفل اللي في بطنك ده نهائي ببساطة لاني ماتفقتش معاكي علي كده.
شحب لونها فجأة ثم تسارع وجيب قلبها فقالت:
-يعني ايه ؟ هتسيبني ؟ هتتخلي عني يا حسام ؟؟
تنهد بثقل و هو يرمقها في ضيق بينما أخذت تجهش بالبكاء المُر فضم قبضتيه في نفاذ صبر فيما حدثها بلطف مصطنع:
عبير .. اهدي لو سمحتي .. ماتقلقيش انا مش هسيبك و مش هتخلي عنك .. انا هفضل جنبك للأخر.
ثم تابع بلهجة حادة:
-لحد ما نخلص من موضوع الحمل ده.
رفعت رأسها في سرعة و حدقت فيه قائلة:
-نخلص منه ازاي يعني ؟؟
-لازم ينزل طبعا.
-انت بتقول ايه ؟؟
هتفت في فزع بينما سألها متهكما:
-في حل تاني مثلا ؟ للأسف مافيش عشان كده لازم نمشي في الموضوع بسرعة و نلمه ليكبر مننا.
هزت رأسها غير مصدقة ثم رفضت بقوة قائلة:
-لأ لأ .. لأ مستحيل .. انت عايزني انزل البيبي ؟ عايزني انزله فعلا ؟ لأ مش ممكن انا مش هعمل كده ابدا.
نفذ صبره عند ذلك فقبض علي ذراعها بعنف ثم قال بقسوة:
-بقولك ايه .. انتي احسنلك تسمعي الكلام الحل ده في مصلحتك قبل ما يكون في مصلحتي و اظن انتي فاهمة قصدي كويس اوي .. الحمل دن هينزل يعني هينزل سامعة ؟؟
ثم دقعها عنه بحركة مفاجأة ، فسقطت علي الفراش و قد إعتراها ألم شديد بينما حذرها قائلا:
-الاسبوع الجاي في نفس اليوم ده ألاقيكي هنا تكوني نزلتي الحمل ده و خلصتي منه نهائي .. سلام يا بيرو.
ثم ذهب تاركا إياها وحدها الصدمة تستبد بها و الخوف يكتنفها ...
راحت"داليا"تتأمل فستان السهرة الخاص بجدتها و الذي إرتدته خصيصا من أجل حضور عشاء العمل ، لم تكن قد إرتدت في حياتها كلها فستانا فاتنا مثله ، و لذلك شعرت بالإرتباك جراء المظهر الجديد الذي ظهرت فيه ، خاصة عندما وضعت الإكسسوارات الشرقية التي أعارتها إياها شقيقتها"ياسمين"، كما و أنها أيضا سمعت نصائح شقيقتها الخبيرة فراحت تستعمل بعض مساحيق التجميل بأناملها التي تفتقد الخبرة و لكنها دهشت من نفسها في النهاية ، حين تحولت بقدرة قادر إلي إمرأة جميلة و جذابة لم يكن يتوقعها الأخرون أبدا ، فقد تركت الإكسسوارات و مساحيق التجميل و الفستان أثرا واضحا عليها ، و أدركت لأول مرة أن لها جسدا متكاملا فاتنا إذا ما وضعته في الإطار الصحيح ، دائما كن الأخريات يفوقوها جمالا و أناقة ، و لكن ليس هذه الليلة ، فبعد الذي صنعته بنفسها ، لا بمكن لأحد أن يشك في جمالها الأخاذ الدفين ..
كل شيء تغير من حولها ، قوامها الرشيف يشع فتنة و دلال ، شعرها الكستنائي الفوضوي تجمع في خصل حريرية الملمس و المرآة التي تنظر إليها بغرفتها تعكس شكلا لابد و أن يدير رؤوس معظم الرجال لها ..
سمعت"داليا"طرقا علي باب غرفتها فأذنت بالدخول ثم رأته يُفتح فإلتفتت نحو شقيقتها التي دخلت مبتسمة في إندهاش و قالت:
-ايه ده ايه ده ايه ده ! ايه يا دودو الجمال ده كله من اين لكي هذا ؟؟
أجابتها"داليا"في مرح قائلة:
-هذا من فضل ربي !
بينما راحت عينا"ياسمين"تقيسان"داليا"من أسفل إلي أعلي و كأنها تراها للمرة الأولي ، ثم وجدت الكلمات المناسبة فقالت:
-يخربيتك ! ماكنتش اعرف انك حلوة اوي كده .. اول مرة اشوفك بفستان يا دودو بجد جميلة ما شاء الله خايفة احسدك و ربنا.
ضحكت"داليا"بخفة ثم قالت:
-مش للدرجة دي يا ياسمين بس عموما ده مؤشر كويس طالما شكلي عجبك كده يبقي اكيد هيعجبه هو كمان.
-هو مين ده ؟؟
تنهدت"داليا"بعمق ثم أجابت:
-مستر عز الدين .. مستر عز الدين نصار.
أومأت"ياسمين"رأسها في تهكم ثم قالت:
-ممم مستر عز الدين نصار .. يعني انتي بقي رايحة مشوار الشغل ده مع مستر هتلر بتاعك ؟؟
رمقتها"داليا"في حدة قائلة:
-ياسمين !
-خلاص خلاص .. هقفل بؤي و مش هتكلم خالص.
ثم تابعت متسائلة:
-بس انتي هتتأخري يا داليا ؟؟
- مش عارفة يا ياسمين حسب الشغل اول ما نخلص اللي ورانا اكيد هرجع بسرعة ماتقلقيش.
فزمت"ياسمين"شفتيها في حزن مصطنع ثم قالت:
-يعني هتعشي لوحدي الليلة دي ؟؟
أومأت"داليا"رأسها بأسف ثم قالت:
-معلش يا حبيبتي .. ده شيء ضروري متعلق بشغلي .. و بعدين دي اول مرة يعني يا ياسمين و احنا مع بعض دايما.
إبتسمت"ياسمين"ببساطة ثم مدت يدها و ربتت علي كتف شقيقتها قائلة:
-و لا يهمك يا حبيبتي .. المهم شغلك و قبل شغلك راحتك.
ثم تابعت منبهة:
-بس خدي بالك من نفسك ماشي ؟ و اي حد يجي جنبك اسكعيه قلم علطول ماهيمكيش اصلك ماتعرفيش نوعية الناس اللي زي دول فاكرين ان كل حاجة متاحة ليهم.
قهقهت"داليا"بقوة من إسلوب شقيقتها ثم قالت:
-اوعدك يا ياسمين ان مافيش حاجة من دي هتحصل ان شاء الله ماتقلقيش الناس اللي هكون في وسطهم راقيين و عقولهم متزنة.
-متزنة ! ده انتي طيبة خالص يا اختي عموما خدي بالك من نفسك بردو.
ثم تركتها وحدها لتنتهي من إعداد نفسها ، بينما عادت تنظر إلي المرآة مرة أخري ، فخفق قلبها بسرعة جنونية ما أن تخيلت عيني"عز الدين"تحدقان بها ، تري ماذا ستكون ردة فعله لدي رؤيته إياها علي تلك الهيئة الجذابة ؟
من معلوماتها أنه حذر حيال الجميلات و أحيانا ما ينفر منهن رغم إستمتاعه بهن فيبعض الأوقات ، ربما لأن والدته جميلة أصبح يمقت الجميلات إلي جانبها و لا يجد لذته إلا عندما يخضعهن و يشعرهن بالإذلال بين يديه ، أشعرتها هذه الأفكار بالخوف ، فلا شغوريا راحت ترتجف دون إرادة متذكرة هيئته القاسية الرائعة التي تجذب كل أنثي نحوه رغما عنها كما تجذب النار الفراشة ، كانت تعتقد في البداية أن ما تشعر به تجاهه ليس سوي إفتنان و إعجاب بجماله الخارجي ، فهو فعلا رجل جذاب يكفي أن ينظر إليها ليجعل قلبها يخفق بسرعة جنونية ، و دائما كان هناك صوت باطني في داخلها يمهس بأنه الحب ، و لم تستطع"داليا"إسكات هذا الصوت بل رضخت إليه في النهاية ، أجل إنها تحبه ، تعرف ذلك جيدا و لكنها تأبي الإستسلام لهذه الفكرة ، تخشي مغبة الإستمرار في تلك المشاعر كثيرا ..
و فكرت ربما ولد حبها له حين أنقذها يوم وفاة والدتها ، أو عندما رأته لأول مرة حين أجرت معه المقابلة الشخصية ، ربما إنجذبت إليه بطريقة ما أو بأخري ، و لكن مهما كان الأمر فلا أمل لها بالنجاة منه ، فالطرق مقفلة أمام حبها ... !
كان يجلس بالبهو الفسيح علي أحد المقاعد الوثيرة ، عندما وصلت إلي المنزل ، هرع عليها ما أن رآها أمامه ثم أمسك ذراعيها بقوة و قال بقلق:
-انتي كنتي فين كل ده يا عبير ؟ و مابترديش علي موبايلك ليه ؟ قلقتيني عليكي جيت مالاقتكيش و ماحبتش اتصل بـ"عز"و اسأله و في نفس الوقت كنت هتجنن و اعرف انت فين و مابترديش ليه .. اتكلمي يا عبير قوليلي كنتي فين ؟؟
ساد الصمت قليلا فشاهد خلاله سيل دموعها الذي هبط في بطء و هدوء فهتف بعنف قلق:
-مالك ؟ في ايه ؟ .. حصلك حاجة ؟ حد عملك حاجة ؟ اتكلمي يا عبير ؟؟
راقبها جيدا بنظرة ثاقبة حين نظرت إليه و قد أغرورقت عيناها بالدموع بينما كبتت تنهيدة من الألم و الحسرة ثم قالت بصوت مبحوح:
-مافيش .. مافيش حاجة يا خالد.
-انتي بتهزري ؟ فكراني عبيط يا عبير ! عايزاني اصدق ان مافيش حاجة فعلا و انا شايفك قدامي منهارة بالشكل ده ؟؟
ثم تابع في إنفعال:
-لو سمحتي اتكلمي حالا و قوليلي مالك ؟؟ ايه اللي حصل بالظبط خلاكي وصلتي للحالة دي ؟؟
فكرت لثوان قليلة فإختلقت كذبة ثم قالت:
-كنت في النادي.
-و بعدين ؟؟
سألها بإرتقاب فتابعت:
-كنت بتكلم مع واحدة صحبتي في موضوع يخصها كلامي ماكنش عاجبها فشدينا مع بعض و قمت سيبتها.
-يسلام ! هو ده اللي مزعلك اوي كده ؟؟
-لأ.
-طب ايه الحكاية فهميني !!
-اصلها كانت صحبتي اوي و تقريبا قطعت علاقتي بيها.
ثم راحت تجهش بالبكاء فمد أصبعه برشاقة و أزال دموعها عن وجنتيها قائلا:
-يا حبيبتي .. انتي حساسة اوي .. بس معلش ماتزعليش طالما انتوا صحاب اوي زي ما بتقولي اكيد في اول فرصة هتتصالحوا .. المهم اهدي انتي دلوقتي و كفاية عياط .. اهدي بقي عشان خاطري مش عارف اعملك ايه ؟؟
و لكن دون جدوي ظلت تبكي بقوة فتألم من أجلها فتلك هي أول مرة يراها تبكي بهذا الشكل ، فتناولها بسرعةفي أحضانه مطبقا عليها بذراعيه في شدة ثم راح يتمتم بنعومة في أذنها عبارات صافية مهدئة حتي نجح الأمر و سكتت عن البكاء و هدأت تماما إلا من صوت إضطراب أنفاسها و شهاقاتها المتتالية ...
لم تقصد"داليا"مثل هذه المطاعم من قبل أبدا ، فقد أدهشتها أناقة المكان و حسن الذوق و الأثاث ، إنه بلا شك باهظ الثمن ..
و بما أن"عز الدين"كان حريصا كامل الحرص علي الإتيان في الموعد المحدد ، كان هو الحاضر الأول برفقة سكيرتيرته الأنيقة التي جذبت إنتباهه لها الليلة ، نعم ظل يرمقها بين الحين و الأخر بنظرات غامضة و لكن علي الأقل نظراته أسعدتها نوعا ما ، شعرت أن إطلالتها الجديدة راقته من خلال هدوءه و قلة ظهور عبسه و سخريته ..
جلسا إلي جانب بعضهما علي الطاولة التي حجزتها"داليا"بنفسها في زاوية منعزلة بعيدا عن الأنظار تبعا لأوامر"عز الدين" ..
كان الصمت سائدا تحت وطاءة نظرات"عز الدين"الفاحصة حتي قطعته"داليا"قائلة:
-واضح اننا جينا بدري شوية يافندم ؟؟
فأجابها بلطف:
-لا ابدا يا داليا .. ده الميعاد المتفق عليه .. و ماتنسيش اهم حاجة اننا ناس مظبوطين في كل حاجة حتي في مواعيدنا و دي سمعة كويسة لينا مش كده ؟؟
رفعت"داليا"حاجبيها في ذهول قائلة:
-حضرتك بتكلمني بلطف علي غير العادة يافندم !!
فضحك بخفة و أجابها:
-بصراحة فستانك الجميل هو السبب .. هو جميل اه بس لو كان مفتوح حبتين كنت اكيد هسمعك كلام يبسطك اكتر.
إشتعلت وجنتيها بحرارة شديدة و هي تنظر إليه قاطبة حاجبيها في غضب ثم قالت:
-لعلمك يافندم .. انا مش مبسوطة من كلام حضرتك .. و لا هتبسط.
-بجد !
هتف ساخرا ثم تابع:
-لأ انتي كده قلقتيني شكلي بدأت افقد مهارتي في الامور دي رغم ان ليا شهرتي اللي اكيد سمعتي عنها .. عموما مش هخيب ظنك لو جربتيني و يمكن طريقتي تعجبك.
و كأنه يريد إثارة حنقها بأي طريقة ، و لكنها أدركت بالنهاية أن الإعتصام بالصمت هو خير وسيلة تتبعها مع ذاك الرجل المتعجرف !
كم قاس هو .. إهانها مرة أخري عوضا عن أن يمدحها برقي .. علي أي حال هذا هو لن يتغير و هي تعلم ذلك جيدا ، لذا نفضت كل الأفكار الإستفزازية عن ذهنها و راحت عيناها تتفحصانه في هدوء ، تنقل نظرها فوق وجهه البرونزي الفاتن و حاجبيه السوادوين الكثيفين ، و عينيه الذهبيتين الغامضتين ، متذكرة عطاءه الدافق السخي و عناقه الذي لم و لن تنساه أبدا رغم معارضتها ذلك بشدة !
و في تلك اللحظة أدركت"داليا"بفخر و إعتزاز أنها برفقة أوسم و أفضل رجل موجود بقاعة المطعم بل بالعالم كله علي الإطلاق ثم فجأة عادت إلي ذهنها حقيقة شعورها نحوه ، فهي تحبه كما لم تحب أي رجل أخر في حياتها ، فهو أول رجل أيقظ فيها شوقا لأن تكون إمرأة بكل ما في الكلمة من معني ، و ستحبه إلي الأبد حتي لو لم تتزوج منه أبدا ، فذلك لن يقضي علي حبها له ، و لن تستطيع أن تتزوج أبدا من غيره ، مستحيل أن تقبل بمشاركة حياة رجل أخر في حين أنها تحب"عز الدين"و لا ينبض قلبها إلا لأجله ...
ثم فجأة أفاقت من شرودها علي صوت أنثوي يقول:
-.............. !!
- يتبع الفصل التالي اضغط على (حتى اقتل بسمة تمردك) اسم الرواية