رواية حتى اقتل بسمة تمردك (1) الفصل الرابع 4 - بقلم مريم غريب
-مين كوكو دي ؟؟
نظر"عمر"إلي أخيه مرتعدا و هو يفكر كيف سيخرج من هذا المأزق الذي وضعته به شقيقته ، بينما أدركت"عبير"حجم الكارثة التي ستحدث نتيجة إنفلات لسانها ..
و في وسط تلك الأجواء المشحونة بالتوتر تصاعد رنين هاتف"عز الدين" .. أخرج هاتفهه من جيب كنزته ليجد المتصل"خالد"فأجاب:
-الو يا خالد !
بينما إستغل"عمر"الفرصة فقال و هو يفر راكضا إلي غرفته:
-طيب انا طالع انام تصبحوا علي خير.
فيما إنسحبت"عبير"خلفه سريعا بينما أكمل"عز الدين"المكالمة:
-في حاجة و لا ايه ؟ .. اومال بتتصل ليه في الوقت ده ؟ .. اه .. اه .. انت قولتلها كده يعني ؟ .. متاكد انها عارفة ؟ .. طيب .. طيب يا خالد خلاص انا هشوف الموضوع ده .. يلا سلام.
أنهي"عز الدين"الإتصال ثم صعد الدرج و توجه إلي حجرة شقيقته ، طرق الباب ثم دلف يعدما أتاه صوتها سامحا له بالدخول:
-انتي مابترديش ليه علي خالد لما بيكلمك ؟؟
قال"عز الدين"ذلك بنبرة حادة موجها حديثه إلي شقيقته التي إنتصبت جالسة علي فراشها بينما أجابت متعلثمة:
-أاا انا انا .. اصلي كنت ككنت عازمة بنات صحابي انهاردة علي الغدا هنا و كنت مشغولة معاهم من الصبح و لسا شايفة الموبايل دلوقتي يا عز.
أومأ رأسه متجهما ثم سألها بجمود:
-طب و بالنسبة لميعادكوا انهاردة اللي علي الاساس متغقين عليه من يومين .. ايه اللي خلاكي تطنشيه بقي ؟ عشان صحابك ! بتفضلي شوية بنات زي دول علي خالد ؟!
إرتبكت فأقسمت كاذبة:
-و الله نسيت خالص نسيت بجد و مع ذلك بردو انا هتصل اعتذرله.
-يبقي احسن بردو.
قال ذلك بقسوة ثم تابع محذرا:
-كلها فترة قصيرة و هتتجوزي خالد .. مش عايز ده يتكرر تاني يا عبير .. مش عايز اسمع شكوة من خالد عنك مرة تانية حتي لو كانت عن شيء تافه مفهوم ؟؟
أومأت رأسها في إرتباك بينما غادر أخيها غرفتها يتبعه ظله الغاضب ، فتنفست الصعداء و هي تسب و تلعن و تحقد علي"خالد" ... !
بعد مرور شهر كامل علي مكوث"داليا"بعملها في شركة الـ"نصار"للنقل البحري ، إعتادت علي أشياء كثيرة منها تقلب مزاج رب عملها القاس المتغطرس ، علي الأقل إستطاعات تحديد صفاته السيئة و الطيبة و عليها وجدت ثمة طرق سلسة للتعامل مع كل صفة و تعلمت أيضا متي تخوض في الحرب معه و متي تنسحب ، فلو بلغت المسألة حد كبريائها أو كرامتها تشد عتادها و تقف بوجهه و لأنه كعادته يهوي فرض سيطرته و لأن الإستسلا بقموسه محال عندما تشعر بالكفاية في أي نزاع بينهما تنسحب سريعا قبل أن يفقد أعصابه و بقايا تعقله مع الإيناث ..
كان ظهرا باردا من أيام ديسمبر حيث آشعة الشمس الخفيفة المنبثقة من نوافذ شركة الـ"نصار"تتراقص في أرجاء غرفة الإجتماعات التي وضعت بها طاولة طويلة إلتف حولها عملاء و موظفون يترأسهم"عز الدين"الذي أصرف"داليا"إلي مكتبها لعدم حاجتة لها بقية الإجتماع ..
إجتازت"داليا"الردهة المؤدية إلي مكتبها ثم إلتقت بزميلها"عماد"فتوقفت قليلا و إبتسمت له تحييه ، رد لها التحية قائلا:
-اهلا يا داليا .. ايه الاجتماع خلص و لا ايه ؟؟
-لا يا سيدي لسا ما خلصش انا اللي دوري خلص لحد كده.
أجابته"داليا"ثم تابعت سيرها إلي مكتبها فلحق بها قائلا:
-شكل الباشا بتاعنا مزاجه زفت انهاردة.
جلست"داليا"خلف مكتبها ثم قالت موافقة:
-اه عندك حق مزاجه زفت اوي .. لاحظت كده اوي بالذات لما شاف الانسة اللي اسمهااا اه جومانة خطاب.
قال"عماد"علي الفور:
-اهي انسة جومانة خطاب دي اكتر ست بيحترمها مستر عز الدين شوية.
-طب ايه اللي حصل يعني ؟ مش طايقها دلوقتي كده ليه ؟ دي المفروض اهم عميلة في الشركة.
-اصلها كانت عايزة تدبسه في جواز بعلاقة يعني و كده.
تضرجت وجنتا"داليا"بحمرة الخجل و لكنها تابعت سؤالها:
-طب و انت عرفت الحكاية دي ازاي ؟؟
أجابها بصوت خفيض:
-رانيا عزيز دي أكبر رغاية في الدنيا كلها تبقي عميلة بردو عندنا في الشركة ده غير انها انتيمت جومانة كمان عايز اقولك ان الخبر مابيبتش في بؤها يوم عشان كده جومانة استغلتها و حكتلها التفاصيل بهدف ان الاخبار تنتشر عنها هي و عز الدين بعد ما قطع علاقته الودية بيها نهائي لما اكتشف لعبتها اللي كانت عايزة و توقعه بيها في شبكة الجواز مسكينة هي اساسا كانت فاكرة انها تقدر تعمل اللي ماقدرتش و لا واحدة قبلها تعمله.
-جايز سلوكها ماكنش عاجبه يا عماد و بعدين هو اكيد مش هايعيش باقي عمره راهب لازم هيتجوز لو ماكنتش هي هتبقي غيرها.
هز"عماد"رأسه بقوة مؤكدا:
-لالالالا مستحيل .. عز الدين نصار ! .. مش ممكن.
سألته"داليا"مستغربة:
-هو ايه ده اللي مستحيل و مش ممكن ؟؟
-مستحيل عز الدين نصار هيتجوز دي حاجة اكيد مستحيل تحصل.
قال ذلك ثم سألها:
-عمرك شفتي حد نط من الدور الـ 50 و نزل سليم ؟؟
فأجابت:
-لأ !
-عمرك شفتي انسان ماشي علي وش المايه مثلا ؟؟
-لأ !
-اهو فكرة ان عز الدين نصار ممكن يتجوز دي زيها زي الافكار المستحيلة دي.
-يسلام ! و ليه ده كله يعني ؟؟
تنهد"عماد"قائلا:
-ياااه .. دي حكاية طويلة اوي و تقريبا كل الناس عرفاها.
-شوقتني حكاية ايه دي ؟؟
صمت"عماد"لبرهة و كأنه يفكر ثم قال:
-هحكيلك .. بس اوعي تتكلمي مع حد خالص في الموضوع ده .. تسمعي مني و بعدها كانك ماسمعتيش اي حاجة ماشي ؟؟
-ليه كل ده بس ! هو انت هتقولي سر الخريطة ؟!
-الموضوع ده حساس جدا بالنسبة لـ عز الدين .. الكل عارف اه بس محدش بجرؤ يتكلم و يحكي في اللي فات تاني و بالذات هنا.
أومأت"داليا"رأسها تحثه علي الحديث قائلة:
-ماشي يا سيدي احكي بقي و انا مش هتكلم.
بينما سألها:
-تسمعي عن كاميليا فهمي ؟؟
رددت"داليا"الأسم في شرود:
-كاميليا فهمي !
ثم هبت قائلة:
-اه عارفاها .. الممثلة.
-اهي دي بقي يا ستي تبقي والدة عز الدين نصار.
إتسعت عيناها بذهول قائلة:
-ايه ده بجد ؟؟
أومأ رأسه مؤكدا كلامه فيما كان ينظر إليها قائلا بجدية بالغة:
-ايوه بجد .. بس الحقيقة انه مش بيعتبرها امه بالعكس ده بيكرهها جدا من صغره تقريبا متبري منها حتي اسمها مش بيطيق يسمعه.
-يا خبر ! ليه ؟ ليه كل ده ؟؟
ثم نظرت إليه بعينين حزينتين مذهولتين و كأنها تستجديه أن ينفي ذلك و لكنه أكد بقوله:
-كل اللي قلتهولك ده حصل فعلا .. الحكاية بدأت من زمان من يجي 16 سنة كده ايام ما كان لسا عايش فريد بيه والد عز الدين .. ساعتها مدام كاميليا كانت صغيرة اوي و حلوة اوي كانت بردو مهووسة بالتمثيل و بتحلم بالشهرة مشيت بقي في الموضوع ده من ورا جوزها لحد ما اتعرفت علي منتج كبير تقريبا .. اتضطرت وقتها انها تتنازل عن حاجات كتير اوي عشان تحقق الشهرة اللي كانت بتحلم بيها و فجأة في يوم كانت سايبة البيت و راحت عشان تعيش معاه .. فريد بيه كان عاقل ساعتها لو كان اتهور كانوا ولاده الـ 3 هيضيعوا من بعده خصوصا انهم كانوا صغيرين و مالهمش حد اكبرهم عز الدين وقتها كان عمره 17 سنة تقريبا و طبعا شهد علي كل اللي حصل ده و من ساعتها و هو بيكرهها تقدري تقولي عقدته في الصنف كله مابقاش عنده ثقه في اي ست عمره ما حب اطلاقا لكن حياته ماكنتش نضيفة يعني طول السنين من مميزاته انه محبوب اوي خصوصا من الستات فلما كانت بتجيله الفرص ماكنش بيضيع وقت كان بيستمتع بوقته يعني .. و بس يا ستي هي دي كل الحكاية.
توقف"عماد"لحظة طويلة ثم نظر إلي وجهها ليري تأثير كلماته عليها ، بدت هادئة مندهشة جدا ثم قالت بعد صمت طويل:
-مصدومة .. بجد مش عارفة اقول ايه ! .. بس علي الاقل بعد الكلام ده قدرت افهمه شوية.
هزت رأسها ثم تابعت:
-شكله معقد فعلا !
إنهمكت"داليا"في عملها خلال الأيام التالية مستخدمة أجمل مكتب شاهدته في حياتها و لكنها فكرت .. أن جمال المكتب لا يضاهي أبدا جمال من منحها إياه ، كانت دائمة التفكير فيه ، لم يفارق ذهنها أبدا ، أخذت تتساءل في نفسها .. هل يعيش هذه الحياة منذ فترة طويلة حقا ؟ أحقا لم يذق طعم الحب في صباه أو شبابه ؟ كيف إستطاع أن يحصن نفسه ضد النساء بل ضد الوقوع في الحب طيلة هذه السنوات ؟ كيف و هو المحبوب الذي تلتف حوله جميع الجميلات ؟ و كيف هو قادر علي التصرف بإنسانية و حرارة عاديتين ؟ ..
-انا بقالي مدة بصراحة و انا هموت و اتعرف عليكي يا انسة داليا و اخيرا جت الفرصة.
كان هذا صوت"عمر"الذي إقتحم مكتب"داليا"فجأة ثم إنحني أمامها قليلا و هي تجلس وراء مكتبها تعمل بجد و نشاط
أخذ ينظر إلي أوراقها بسرعة ثم حول نظراته إلي عنقها الجميل و تمتم قائلا:
-مكتبك جميل اوي .. زيك.
حبست"داليا"أنفاسها بقوة ثم قالت في ثبات جامد:
- علي ذوقك يا استاذ عمر و الحقيقة اني اتشرفت بمعرفة حضرتك كتير بس انا حاليا مشغولة اوي زي ما انت شايف و محتاجة اخلص شغلي بسرعة.
إبتسم بخفة قائلا:
-عايزة تقوليلي امشي يعني ؟؟
ثم هز كتفيه ضاحكا و جلس قبالتها في مقعد مريح قرب المكتب و بدت علي وجهه فورا ملامح المشاغبة و الدلال ثم تمتم قائلا:
-احلي حاجة عملهالي اخويا هنا انه مش بيديني شغل معقد فبالتالي بخلص بسرعة كل اللي ورايا و انا دلوقتي فاضي و زي ما قلتلك كان نفسي اتعرف عليكي من مدة.
تجهم وجه"داليا"حيث قالت بنبرة حادة:
-ارجوك لو سمحت .. انا مش فاضية للكلام ده و مش بحب اتعرف علي حد و لا اطور علاقات هنا خارج حدود العمل و بالنسبة لي حضرتك واحد من اصحاب الشركة ليك عندي كل الاحترام و التقدير و بس.
-يااه .. انتي قاسية اوي يا انسة داليا .. كنت فاكر ان قلبك رقيق زي بشرتك الحلوة دي.
-أرجوك كفاية !
خاطبته"داليا"بحدة ظاهرة و توتر واضح ثم تابعت:
-حضرتك حاسس بالملل و مش لاقي حاجة تعملها احسن من انك تيجي هنا و تقولي كلام مايصحش ابدا يتقال.
ثم نظرت بصدمة إلي تلك الأوراق التي أمامها قائلة:
-شفت دلوقتي خلتني اعمل ايه ؟؟
إرتكبت عدة أخطاء في الكتابة لا يمكن تصحيحها بدون تشويه الورقة بكاملها ، نظرت إليه غاضبة و قالت:
-امشي .. لو سمحت !
-ماكنتش اعرف اني ممل اوي كده بس اعمل ايه طيب لو انا شايفك بنت حلوة و لطيفة و مش قادر اقوم و اسيبك انتي تجنني بصراحة.
ثم حدق بوجهها باسما و قال:
-واو يا انسة .. بقالي كتير ماشفتش بنت خدودها بتحمر زيك كده بيتهيئلي لو جبت عود كبريت و حطيته علي خدك هيولع !
صرت علي أسنانها قائلة:
-انا اللي هولع فعلا يا استاذ لو مامشتش حضرتك دلوقتي حالا .. ارجوك روح اتسلي في مكان تاني انا عندي شغل للزم يخلص في وقت محدد مستر عز الدين طالب الشغل ده بنفسه.
هب"عمر"واقفا ثم قال:
-لاااا خلاص خلاص حقك عليا يا ستي طالما الشغل ضروري و لـ عز كمان انا همشي حاضر و مش هزعجك .. بس هشوفك تاني.
ثم إبتسم بخفة و غادر المكتب علي الفور بينما تأففت"داليا"بضيق و غضب ثم عادت إلي عملها ... !
كان"خالد"قد أشتري سوارا ذهبيا لـ"عبير"بمناسبة عيد مولدها ثم قدمه إليها بحب حبن كانا يجلسان قبالة بعضهما بحديقة القصر تحت سماء الليل المرصعة بالنجوم التي تلألأت علي مدي أبعاد متفرقة ..
كانت تود لو تلقي السوار بوجهه لولا أنها تذكرت غضب أخيها الجامح الذي يحرق بحممه الأخضر و اليابس إذا أثاره أحدهم ، فأبعدت عن رأسها هذه الأفكار و قبلت هدية"خالد"علي مضض ثم نهضت وشكرته بحرارة زائفة حيث وضعت ذراعيها حول عنقه و قبلته علي وجنته سريعا ثم عادت تجلس بمكانها ..
سعادته في تلك اللحظة جراء ما فعلته دفعته إلي القول:
-بيرو .. ايه رايك يا حبيبتي لو نتجوز اول الشهر الجاي ؟ انا مش شايف ان في اي سبب للتأجيل اكتر من كده بقي كل حاجة جاهزة الببت و كل حاجة مش ناقص غيرك انتي يا روحي.
إرتعشت في إرتباك ثم قالت متعلثمة:
-أ أ ايه يا خالد .. انت مستعجل كده ليه ؟ و بعدين احنا محددين الميعاد بعد سنة لما اخلص كليتي لسا بدري.
-يا حبيبتي ما انتي ممكن تكملي دراسة و احنا متجوزين بردو مافيش مشكلة.
زادتها كلماته إرتباك فقالت منفعلة:
-و بعدين بقي يا خالد من فضلك اقفل علي الموضوع ده دلوقتي خالص و ماتفتحوش قدام عز الدين اوعي احسن ده ما هيصدق و ممكن يسمع كلامك.
-طب و ماله يا حبيبتي .. ده انا بحلم باليوم ده يا بيرو .. انا استنيتك كتير بقالي 10 سنين متخيلة ؟ بعد الايام يا عمري و نفسي تفوت بسرعة بقي.
تجهمت"عبير"ثم قالت محاولة إخفاء سخريتها:
-يسلام بتحبني اوي ؟ عايز تفهمني ان عمرك ما عرفت غيري مثلا ! حتي لو قلت لأ انا مش هصدق طبعا.
-عبير !
هتف بدهشة بينما سألته بتهكم:
-ايه قلت حاجة غلط ؟ يعني انت عمرك ما انجذبت لأي واحدة حلوة مثلا .. جاوب بصراحة عادي انا مش هزعل منك خالص صدقني.
زادت دهشته ثم قال:
-انا عمري ما فكرت في واحدة غيرك يا عبير .. بس بجد ادهشتيني ! انتي شايفة اني لو خنتك او لو حبيت واحدة تانية غيرك دي عادي ؟ ممكن تقبلي بكده ؟؟
-اه عادي .. ايه المشكلة الحاجات دي مش بالإرادة ممكن في لحظة تجذبك واحدة و تلاقي نفسك معاها و بتحبها.
-يسلام ! طب و يا تري الكلام ده ساري علي الراجل بس ؟؟
-لأ عادي و علي الست كمان.
-بجد ! يعني انتي مثلا من الممكن او من السهل ان راجل غيري يجذبك ؟؟
أوقعها بمأزق فأجابته بسرعة في إرتباك:
-انت بتاخد الامور كلها بجد ! احنا بنتناقش.
أومأ رأسه موافقا:
-صح بنتناقش .. بس مستغرب لتكون دي في الحقيقة وجهة نظرك يا عبير !
تجاهلت الموضوع برمته قائلة:
-بقولك ايه .. كفاية مناقشة بقي لحد كده.
ثم قالت لتجذب إنتباهه:
-احلي حاجة انك اول واحد افتكر عيد ميلادي لأ و جبتلي هدية حلوة كمان.
نجحت محاولتها في التمويه عن النقاش حين برقت عيناه بإبتسامة عشق ثم مد يده و أمسك يدها الملقاة علي الطاولة الصغيرة التي كانت تفصل بينهما ثم طبع عليها قبلتين
-طيب .. انا لازم امشي دلوقتي بقي عشان الوقت اتأخر .. بس عايز اقولك اني برتب ليوم اجازة كده هاخدك فيه و اخرجك في اي حتة بمناسبة عيد ميلادك.
قال"خالد"ذلك ثم وقف إستعدادا للرحيل بينما وقفت"عبير"في مواجهته و إصطنعت إبتسامة فيما إقترب منها و قبلها علي وجنتها بحرارة ، تمالكت نفسها حتي لا تبتعد عنه ثم تنفست الصعداء ما أن غادر و تركها ... !
يا داليا احنا كده هنروح في داهية .. لو الورق ده ما اتمضاش في اسرع وقت كلنا هنروح فيها ده ريسك كبير اوي علي الشركة.
قال ذلك أحد الموظفين الذين إجتمعوا دفعة واحدة داخل مكتب"داليا"بينما تساءلت:
-طيب يا جماعة محدش معاه رقم مستر عز الدين ؟؟
أجابها موظف كان يقف علي مقربة منها:
-محدش هنا في الشركة معاه رقمه خالص.
-طيب فين الاستاذ خالد ابن عمه و اخوه الاستاذ عمر فين ؟؟
فأجابها"عماد":
-خالد بيه واخد اجازة انهاردة اما الاستاذ عمر ده بقي ماشي بهواه يجي وقت ما يحب و يمشي وقت ما يحب.
ثم تابع بحنق:
-الحكاية دي اول مرة تحصل في الشركة اول مرة يسيبوها كلهم سايبة كده انا مش فاهم ايه الي حصل !!
تابعت"داليا"سؤالها قائلة:
-يعني ايه ؟ محدش معاه رقم اي حد منهم ! مش ممكن !
ثم فجأة هب"عماد"قائلا:
-أيوه ايوه .. انا معايا .. معايا رقم خالد بيه.
فسارعت"داليا"قائلة:
-طب هاته هاته بسرعة.
ثم دونته علي هاتفهها و أجرت الإتصال به ، ليأتي صوت"خالد"بعد لحظات:
-الو !
-ايوه مستر خالد ؟؟
-ايوه انا مين معايا ؟؟
-انا داليا .. داليا عبد المجيد حضرتك السكيرتيرة العام للشركة.
-اه اه اه .. اهلا يا داليا ايه خير في حاجة ؟؟
-في حاجات حضرتك.
-ايه يا داليا في ايه اتكلمي ؟؟
-ورق الـ 3 شحنات اللي واقفين في المينا لسا ماتضماش حضرتك و مستر عز الدين مش موجود و الورق ده مهم جدا و لازم يتمضي فورا لو ماتبعتش منه نسخة للفرع اللي في باريس مش هيبعتوا البضاعة و الجمارك هتحجز عليها و الفلوس كمان هضيع علينا احنا مابقاش معانا وقت كده خطر يافندم.
بدا القلق علي صوت"خالد"حين قال:
-ايوه يا داليا ايوه .. بس للأسف انا مكاني بعيد عن الشركة دلوقتي ده غير ان عز الدين تعبان بقاله كام يوم و مستريح في البيت مابيخرجش فمعلش يا داليا لو سمحتي لازم تروحي تمضيه علي الورق ده بسرعة و ترجعي تبعتي منه نسخة علطول لفرع الشركة.
-انا ! انا اروح امضيه ؟ قصد حضرتك في البيت يعني ؟!
سألت"داليا"بدهشة فأجابها:
-اه يا داليا معلش ارجوكي بقولك هو تعبان اوي والله و مش هيقدر يروح في اي حتة و بعدين الموضوع مش هياخد اكتر من نص ساعة.
أجابته متعلثمة في تردد:
-أاا ايوه حضرتك فاهمة .. بس .. بس انا ماعرفش السكة.
فقال علي الفور:
-هاتي ورقة و قلم و اكتبي العنوان.
دونت"داليا"العنوان بورقة صغيرة ثم أسرعت و غادرت الشركة إستوقفت سيارة أجرة و أخبرت السائق بالعنوان ، إستغرقت دقائق حتي أدي بالسيارة طريق جانبي يكسوه الغبار إلي بوابتي حديد كبيرتين ، ترجلت"داليا"من السيارة و طلبت من السائق أن ينتظرها ثم إتجهت نحو بوابة ذلك القصر الفاخر الذي قرأت علي لافتته"قصر فريد نصار" .. إعترضها حارس البوابة قائلا:
-نعم حضرتك ! عايزة مين ؟؟
إبتلعت ريقها بصعوبة و هي تلمح بعيني الحارس تعبير الفضول و التساؤل ثم قالت:
-انا جاية اقابل الاستاذ عز الدين نصار.
-لو كان عندك ميعاد مع عز الدين بيه كان بلغنا قبل وصولك .. انا اسف بس ماقدرش ادخلك.
صمتت لثوان ثم قالت تستجديه:
- من فضلك .. انا لازم اقابله حالا انا بشتغل عنده في الشركة و جايبة معايا ورق مهم لازم يمضيه بسرعة و الا هتحصل كارثة كبيرة في الشغل.
هز رأسه بإصرار صارم قائلا:
-اسف يا انسة هي مش وكالة منغير بواب انا شغلتي هنا حراسة البوابة دي ماخليش حد يدخل او يخرج بدون اوامر عز الدين بيه.
فقالت تترجاه:
-لو سمحت .. طيب ادخل قوله اني هنا .. قوله بس داليا عبد المجيد السكيرتيرة.
هز رأسه بعند و أصرار فتأففت"داليا"بضيق ثم فجأة قفزت برأسها فكرة ، أخرجت هاتفهها و أجرت الإتصال بـ"خالد"فأجاب بعد لحظات:
-ايوه يا داليا عملتي ايه ؟؟
-يا خالد بيه انا وصلت قدام القصر اهو حضرتك بس الحارس مش راضي يدخلني.
-طب هاتيه هاتيه.
ناولت"داليا"الهاتف للحارس الذي نظر لها بضيق حانق قائلة:
-اتفضل معاك الاستاذ خالد نصار.
أخذ الحارس الهاتف من يدها ثم أجاب علي المنتظر:
-الو ! .. ايوه يا خالد بيه .. بس عز الدين بيه مادنيش خبر ان في حد جاي يزوره .. ادخلها يعني ؟ .. مافيش مشكلة حضرتك متاكد ؟ .. حاضر .. حاضر يا خالد بيه تحت امرك.
ثم أعاد الهاتف إلي"داليا"و وفتح لها البوابتين ، فمرت عبرهما فيما أوصدهما الحارس بعد دخولها .. وقفت قليلا قبل أن تتابع طريقها و شعرت بيديها ترتجفات فكان هذا المكان بمثابة عالم أخر بالنسبة لها ، تقدمت إلي الأمام و أكملت سيرها في هذا الممر الحجري الطويل حيث آشعة الشمس تداعب بشرتها و تلك الأشجار الكثية أيضا المنتشرة هنا و هناك و التي رأت من خلالها علي بعد خطوات طويلة منها المنزل الرئيسي بهندسته الهولاندية الجميلة و بنائه الضخم ، مما أثار دهشتها لم تكن تتوقع أن يكون منزل رب عملها صاحب الوجه الصارم و الغضب الجامح بهذا الجمال الفائق تصورت أن يكون منزله يتمتع بحمال وحشي و لكن هذا الجمال .. رقيق !
تابعت"داليا"طريقها في الرواق المؤدي للمنزل حتي وصلت أمام الباب أخيرا ، ضغطت زر الجرس عدة مرات لتفتح لها إحدي الخادمات ، إبتسمت لها"داليا"في توتر قائلة:
-أا اهلا .. ممكن اقابل استاذ عز الدين من فضلك ؟؟
-مين حضرتك ؟؟
سألتها الخادمة مستفسرة فصمتت"داليا"لثوان و قررت إعادة الإتصال بـ"خالد"مرة أخري عوضا عن التوضيح و الشد و الجذب:
-ايه يا داليا في ايه ناني ؟؟
أجابها"خالد"بضيق فقالت:
-معلش حضرتك بس انا واقفة دلوقتي قدام باب البيت مع واحدة تقريبا بتشتغل هنا و هي بتسألني انا مين .. ممكن حضرتك تقولها انا مين.
قالت أخر كلماتها بإرهاق ضجر فسمعت موجات ضحك"خالد"الذي ضحك من قلبه قائلا:
-ههههه طيب يا داليا هاتيها.
أنهت الخادمة الإتصال مع"خالد"الذي شرح لها الأمر ، ثم رافقت"داليا"إلي الطابق العلوي من القصر حيث توجد الغرف و قالت:
-أوضة البيه إللي في الوش دي أخر الطرقة .. و عن أذنك بقي عشان ورايا شغل.
إنسحبت الخادمة في هدوء بينما وجدت"داليا"نفسها تقف وحيدة وسط ذلك الهدوء العظيم ، نظرت حولها لتجد أن كل شبر بهذا المكان رائع حقا .. كان الطابق العلوي عبارة عن بهو طويل و صالون بنفس الوقت ، جدرانه مزينة باللوحات الخشبية المرسومة و جميعها تمثل مشاهد للطبيعة ، غير أن البلاط الرخامي من تحتها مغلف بالسجاد العجمي الفاخر ذا الألوان القاتمة و التي تنسجم ألوانه مع ألوان الجدران .. أفاقت من تآملاتها سريعا متذكرة سبب مجيئها فإجتازت ذلك البهو بخطوات سريعة مضطربة متوترة ، إستطاعت"داليا"أن تبلغ الغرفة بسهولة تبعا لإرشادات الخادمة ، طرقت الباب مرة إثنان و ثلاث و لكن ليس هناك من مستجيب ، فأدارت المقبض و هي تشعر بالخوف و القلق و كم أنبت نفسها لمجيئها هنا و تمنت لو كانت رفضت .. خطت"داليا"داخل الغرفة بتمهل و نظرها مثبت أرضا ، تركت الباب مفتوحا ثم رفعت وجهها ببطء ، كان أثاث الغرفة من الخشب القاتم و الألوان القاتمة كما توقعت غرفته من الجمال الوحشي كشخصيته ، فيما أدفأ جهاز التكييف الغرفة بالقدر المناسب ، تقدمت"داليا"ببطء من ذاك الرجل الذي يرقد بذلك الفراش الضخم و الذي بلغ طوله سبعة أقدام .. وصلت إليه حيث و قفت إلي جانبه غير أنه تحرك قليلا بقلق ، أحست نحوه بالعطف حينما وجدته نائما في إستسلام تام و قد تغطي جزئيا فقط بملاءة حريرية و لحافين و قد تصبب العرق من جبينه و صدره الصلب العاري
كانت الإضاءة خافتة قليلا و لم تعرف"داليا"كيف تتصرف فتوجهت نحو النوافذ و أزاحت الستائر جانبا ثم تطلعت إليه في فراشه فوجدته بالنور الذي غمره أكثر وسامة و جاذبية ، و خفق قلبها حتي كاد يقفز من بين ضلوعها ، فكان من المستحيل أن تصدق أن هذا الطفل المسالم و المستسلم للنوم و المرض بفراشه هو نفسه ذلك المتعجرف المتغطرس و القاس !
بينما أزعجه الضؤ الخافت الذي سرت آشعته إلي الغرفة ، فتأوه فجأة ثم تململ بفراشه في ضيق قبل أن يفتح عيناه ، و عندما رأها أمامه حملق فيها غير مصدق ثم ... !!
- يتبع الفصل التالي اضغط على (حتى اقتل بسمة تمردك) اسم الرواية