Ads by Google X

رواية حتى اقتل بسمة تمردك (1) الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم مريم غريب

الصفحة الرئيسية

    

 رواية حتى اقتل بسمة تمردك (1) الفصل الرابع و العشرون 24 - بقلم مريم غريب

  
                          
الحلقة (24 و الأخيرة):
 
                          
إتسعت عينيه في صدمة بالغة ، فراح يعبث بالهاتف في عصبية ، ليري مزيدا من صور جمعت"حسام"بـ"عبير"في شتي الأوضاع الغرامية الرومانسية ..
إنتبهت"عبير"إليه ، فقطبت حاجبيها مستغربة ، ثم مدت يدها و لكزته علي معصمه قائلة:
-خالد ! مالك ؟؟
رفع عينيه عن الهاتف و نظر إليها في حدة بالغة ، فإزدادت حيرتها و دهشتها ، ثم عادت تسأله:
-ايه يا خالد ! مالك ؟؟
نهض من موضعه فجأة ، فإنتفضت علي أثر عصبيته المفاجأة ، بينما توجه نحوها مسرعا ، ثم رفع الهاتف إلي مستوي نظرها كي تتمعن صورتها المخزية ، تسمرت عينيها علي شاشة الهاتف ، فتسارع وجيب قلبها ، و راحت تلهث في وجل ، عقلها توقف عن التفكير ، لم تسطع تدارك الأمر ، فيما أفاقت من نوبة صدمتها علي صوته المتهدج إنفعالا:
-هو ده ؟؟
إرتجف قلبها حين حولت نظرها إليه ، شاهدت مزيج هائل من الغضب و العذاب بعينيه ، فترقرقت الدموع بعينيها ، بينما عاد يسألها مزمجرا:
-هو ده يا عبير ؟ هو ده اللي سلمتيله نفسك ؟ هو ده حبيبك ؟؟
-كان.
هتفت صارخة و دموعها تنساب بغزارة دفعة واحدة علي وجنتيها ، ثم تابعت بصوت ضعيف مرتجف:
-كان يا خالد .. البني ادم ده دمرني و انا بكرهه .. كان اكبر غلطة في حياتي .. اد ايه بتمني الزمن يرجع بيا شوية و انا عمري ما كنت هعمل اي حاجة غلط من اللي عملتها.
إنتحبت بمرارة ، ثم رفعت يدها و كفكفت دموعها ، ثم عادت تنظر إليه في سرعة متسائلة و الدموع تبرق بعينيها الحمرواتين:
-بس انت جيبت الصور دي منين ؟؟
لم يجيبها ، بل تركها مندفعا صوب باب المنزل ، فهرعت خلفه صائحة:
-خالد .. خالد رايح فين ؟ اقف كلمني لو سمحت هتروح فين ؟؟
جذبته من ردائه الذي كاد أن يتمزق لشراستها و هي تصرخ به أن يعود ، بكت علها تلين قلبه بدموعها ، لكنه دفعها عنه بصرامة ، ثم خرج من البيت ، متوجها نحو سيارته .. أمسك بالهاتف و هو يحاول بجهد أن يتذكر رقم أحد الأفراد المهمين بالشركة ، ضرب الأرقام متمهلا ، ثم ضغط زر الإتصال .. إنتظر لثوان بدت دهرا ، حتي أجاب الطرف الأخر:
-الو !
-مراد .. انا خالد .. خالد نصار.
-اهلا اهلا يا خالد بيه .. و الله ما مصدق نفسي مبسوط بمكالمتك اوي .. خير يا باشا في حاجة ؟؟
باغته"خالد"بجدية بالغة:
-عايز عنوان حسام ثابت يا مراد.
-قصدك حسام شريف ثابت بتاعنا ؟؟
-ايوه هو.
إتسم صوت"مراد"بجدية مماثلة و هو يسأل بقلق:
-خير يا خالد بيه ؟ انت عايزه في حاجة مهمة للدرجة دي ؟!
بصوت متهدج إنفعالا أجابه:
-عايزه في حاجة مهمة اوي.







                          
كانت ممدة علي الفراش في هدوء ، بينما تركها وحيدة للتو متوجها نحو الحمام ، شدت الغطاء الأبيض علي جسدها جيدا ، فيما لاحت إبتسامة خفيفة علي شفتيها و هي تتذكر تفاصيل اللحظات الفائتة ، كان رقيقا علي غير العادة ، و كانت طيعة ، تتبع خطواته الخبيرة ، كانت تتجاوب مع خلجاته بشغف ، غمرها شعور هائل بالعطاء دون تردد ، و في ذروة مشاعرهما ، وجدت"داليا"نقطة ضعفه ، لقد تأكدت بما لا يقبل الشك ، أنه إنسان دافئ ، يتفاعل مع عواطفه و أحاسيسه كأي رجل عادي ، و ما تصرفاته القاسية و بروده و عدم إكتراثه سوي أقنعة يختفي خلفها الرجل الحقيقي بداخله ، فيما لو حاولت تحدي رغباته و إراداته ..
أحست من طريقته تلك المرة ، إنها ليست مداعبات رجل يتمتع بوقته لفترة قصيرة فقط ، بل هو أصر علي منحها كنوز الظلام و ثروات الليل الدفينة ، لأول مرة شعرت بإنه يحبها و يريدها ، لم ينقصه سوي الإعتراف ، كانت لتري كل شيء كاملا لولا أنه لا يزال متمسكا بتمرده الذي منعه عن سكب كلمات الحب بأذنيها ، و لكن لا بأس ، فقد أبدي تحولا رائعا حين بدأ يترجم أحاسيسه لأفعال لا يعرف كيف يشكلها بلسانه إلي كلمات ، أو لا يريد بمعني أوضح ..
أفاقت من غيبوبتها الحالمة عندما خرج من الحمام مبتل الخطي ، لاففا حول خصره منشفة و ممسكا بأخري في يده يجفف بها شعره ، وجهت نظرها إليه في صمت ، بينما تعالي فجأة صوت رنين هاتفهه ، فإتجه نحو الطاولة قرب الفراش و إلتقط الهاتف ، ليجد الرقم مجهول ، قطب جاجبيه مستغربا لكنه أجاب بالنهاية:
-الو !
ليصل إلي سمعه صوت يبكي صارخا:
-الحق خالد يا عز.
تعرف فورا علي صوت محدثه ، إلا أنه تجاهل كل شيء مهتما بأمر"خالد"فسأل بقلق حاد:
-ماله خالد ؟؟
قصت عليه"عبير"كل ما حدث ، فلم ينتظر أكثر و أغلق الخط معها ، إستخدم نفس طريقة"خالد"و أجري الإتصال بموظفه"مراد"و طلب منه عنوان"حسام" ، فأجاب"مراد"بإستغراب بالغ:
-هو ايه الحكاية انهاردة ؟ مالكوا بـ حسام ثابت بس ؟؟
و لكنه رضخ بالنهاية إلي طلب رب عمله ، بينما سارع"عز الدين"إلي الخزانة بعد أن أغلق الخط معه .. إرتدي ملابسه علي عجل ، فيما إنتصبت"داليا"نصف جالسة علي الفراش و سألته:
-ايه في ايه ؟ في حاجة حصلت ؟؟
لم يجيبها ، بل غادر الغرفة ثم القصر بأكمله مسرعا ، متجها إلي المكان حيث أرشده"مراد"و حيث يوجد"خالد"الأن .. كان يقود سيارته بسرعة رهيبة ، و كاد يصطدم بأكثر من سيارة بطريقه ، حتي وصل أخيرا أمام البناية الحديثة ، رأي من خلال زجاج سيارته ، إلي جانب الطريق سيارة"خالد"مصفوفة بإهمال ، فترجل من سيارته مسرعا ، ثم إندفع راكضا نحو المنزل .. صعد درجات السلم قفزا حتي وصل إلي الطابق السادس ، حيث ترامي إلي سمعه صوت نزاع حاد ، إتجه نحو شقة"حسام"لاهثا ، ليري"خالد"و"حسام"كل منهما راح يلطم الأخر و يضربه بكل ما أوتي من قوة ..
لم يفطن أحدا منهما إلي إقتراب الرجل الثالث الذي عمد بقوته إلي الفصل بينهما ، نظر إليه"خالد"بإستغراب بالغ و هو يلهث إعياءً ثم صاح منفعلا:
-انت ايه اللي جابك يا عز الدين ؟ امشي.
قبض"عز الدين"علي ذراعه بقوة مكبلا حركته ، بينما إنسل"حسام"من العراك الحاد مسرعا ، ثم توجه إلي غرفته ليحضر سلاحه ، و ما لبثا أن يلحقا به حتي عاد و هو يشير لهما بالسلاح مهددا ، واقفا يتراقبان حركاته بحذر ، إلي أن إستدار ببطء حولهما و غادر بيته راكضا ، فركضا خلفه حتي وصلا إلي الأسفل ... و من دون سابق إنذار إلتفت"حسام"إليهم ، ثم صوب السلاح بعشوائية نحوهم و أطلق إحدي الرصاصات مسرعا ..
تجمد"عز الدين"بأرضه ، كما تسمر"خالد"بمكانه عند صوت إطلاق النار ، خر"عز الدين"صريعا و سرعان ما خضبت الدماء قميصه الأبيض ، فأسرع"خالد"إليه ، بينما فر"حسام"راكضا و هو لا يري أمامه من فرط التوتر الذي عصف بكيانه ، ليلقي حتفه حين صدمته بعنف تلك السيارة علي الطريق السريع ، فسقط أرضا ، لتتلاشي أنفاسه ، و لتفارقه روحه فورا ، ، لقد نال جزاءه ، لقد نال ما يستحقه ..
فيما ركع"خالد"أرضا إلي جانب"عز الدين"الذي غاب عن وعيه بصورة سريعة ، بينما إتسعت عينا"خالد"في ذعر عندما شاهد الدماء تتدفق بغزارة من الجرح العميق بصدره ... هتف بخفوت ذاهلا:
-عز الدين !!


   
                
كان جالسا نصف غافي بإسترخاء علي فراشه ، عندما دفعت باب حجرته و دلفت من دون إستئذان صائحة:
-عمر !!
إنتفض"عمر"بقوة علي أثر دخولها المفاجئ ، فإنتصب واقفا و سألها بقلق:
-ايه يا داليا في حاجة ؟؟
إقتربت منه"داليا"ببطء ، ثم أخذت تسرد عليه ما حدث بصوت مرتجف شوبه القلق ، و ما أن إنتهت حتي تفاجأ كليهما بوصول"عبير"التي دلفت إليهم في حالة يرثي لها ، و قد غطت الدموع وجهها ، أشاح"عمر"بوجهه عنها ثم حدق أمامه في اللاشيء عابسا ، بينما أمسكت"عبير"بذراع"داليا"ثم صاحت باكية:
-عز .. عز الدين و خالد عنده يا داليا .. راحوله.
هزت"داليا"رأسها متسائلة:
-راحوا عند مين يا عبير ؟ اتكلمي ؟؟
قصت عليها"عبير"كل ما حدث بإعصاب منهارة ، فلم يحتمل"عمر"أكثر ، و أخرج هاتفهه ، ثم أجري الإتصال بشقيقه ، و لكن دون جدوي ، لم يكن هناك ردا ، فإنتقل إلي"خالد" ، إنتظر للحظات ، حتي أجابه بلهجة متهدجة:
-ايوه يا عمر.
-خالد .. خالد عز الدين معاك ؟ انتوا فين ؟؟
سأله"عمر"متوجسا ، فأجابه"خالد"في هدوء مرتبك:
-انا مع عز الدين في المستشفي يا عمر.
-مستشفي ! ليه يا خالد ؟ ماله عز الدين ؟؟
هتف"عمر"مذعورا ، فأطلقت"عبير"صرخة مبحوحة ، بينما إتسعت عينا"داليا"في وجل ، و راح قلبها ينبض بعنف ، و سرعان ما تجمعت الدموع بعينيها لتهبط في ثوان غزيرة ...
خلال دقائق ، كانت متوجهة إلي المشفي برفقة"عبير"و"عمر"الذي طمئنها أن زوجها لم يكن في حالة خطيرة كما أكد له"خالد" ، إلا أنها راحت تنتحب بصمت ، في حين أن الأفكار السيئة ظلت تراودها و ترعبها ، من غير المعقول أن يخطف الموت"عز الدين"منها و هي في بداية السعادة .. بل و هي تحمل طفله الذي لم يشهد الحياة بعد !
كان السير كثيفا طيلة الطريق ، و أكثر من مرة شعرت"داليا"برغبة عارمة لإطلاق صوتها بالصراخ ضد كل السائقين و رجال المرور لكنها لم تفعل ، فقط ظلت صامته ، حتي و صلوا أخيرا إلي المشفي ، و حالما توقف"عمر"بالسيارة حتي إندفعت"داليا"إلي الداخل ، أسرعت إلي مكتب الإستعلامات للإستفسار عن مكان وجود زوجها ، لكنها لمحت"خالد"يقف بنصف الممر الطويل أمامها ، فهرعت نحوه و هي ترتجف ذعرا ، ثم سألته:
-عز .. عز الدين .. فين عز الدين ؟؟
هدئها"خالد"قائلا:
-اهدي يا داليا .. جت سليمة و هو بخير الحمدلله.
هزت"داليا"رأسها بمرارة باكية و هي تنظر إليه غير مصدقة ، فعاد يؤكد لها صحة كلامه:
-و الله هو بقي كويس الدكتور طمني ماتقلقيش.
عند ذلك ، وصلت"عبير"يتبعها"عمر" فتساءلت في شتات مضطربة:
-اخويا .. اخويا فين ؟ حصله حاجة ؟؟
ثم إنفجرت باكية ، فأجابها"خالد"في هدوء:
-عز الدين كويس يا عبير .. ماتقلقيش.
-انا السبب .. لو جراله حاجة مش هسامح نفسي ابدا.
قالت ثم أخذت تجهش ببكاء مرير ، بينما تساءل"عمر"بدوره:
-ايه اللي حصل يا خالد ؟ مين اللي عمل فيه كده.
أجابه"خالد"بصرامة:
-اللي عمل كده خد جزاءه خلاص يا عمر.
مضت عدة دقائق ، قبل أن يطل عليهم رجل في أواسط العمر ، فهرع"خالد"عليه متسائلا:
-ها يا دكتور .. عز الدين عامل ايه دلوقتي ؟؟
تنهد الطبيب و هو يرفع النظارات عينيه قائلا:
-اعتقد انكوا لازم تشكروا ربنا سبحانه و تعالي انه انقذه .. الرصاصة كانت بعيدة عن قلبه بسنتيمترات قليلة جدا .. هو كويس دلوقتي الحمدلله لكن انا عايزه يقعد معانا هنا تحت الملاحظة يومين تلاتة بالكتير.
إندفعت"داليا"متسائلة بلهفة:
-ينفع ادخل اشوفه يا دكتور ؟؟
أومأ الطبيب رأسه تأدبا ، ثم قال:
-دقيقة واحدة مش اكتر و بعدين هننقله لغرفة خاصة.
خفق قلب"داليا"بشدة عندما شاهدت"عز الدين"مطروحا علي طاولة الجراحة ، و صدره محاطا بالضمادات الطبية ، لم تستطع أن تحبس شهقة آلم و هي تشاهد زوجها القوي الصلب ، الذي صمد أمام الحياة طيلة حياته ، الأن ضعيف بهذا الشكل ، لم تكن تتصور أن"عز الدين"الشامخ الممشوق القوام ، طريح الفراش و جريحا ...
مدت يدها ، و تلمست وجهه هامسة:
-عز الدين !!







        
          
                
عاد"عمر"برفقة"خالد"و"عبير"إلي القصر ، بعد أن تركوا"داليا"بالمشفي بعد أن فشلت كل محاولاتهم في إقناعها بالعودة إلي البيت ، لكنها أصرت بقوة أن تبقي إلي جوار زوجها ..
حالما إطمئن"خالد"علي سلامة"عبير"مع شقيقها ، تركها معه و ذهب إلي قسم الشرطة كي يدلي بأقواله كما طُلب منه عندما وصل بـ"عز الدين"إلي المشفي .. ترك"عمر شقيقته و جال بإرجاء المنزل باحثا عن أثر"ياسمين"حتي وجدها تقف بمنتصف الحديقة إلي جانب أحواض الزهور ، علي الطرف الأخر ..
كانت"ياسمين"تقف بالمكان حيث كان نسيم الليل عابقا برائحة زهر الليمون ، و الورود الجميلة علي أنواعها ، تأملت السماء الصافية و آلاف النجوم التي تسطع فيها ، ثم فجأة وصلت إلي أنفها رائحة تبغ محترق قبل وصوله هو إليها ، إستدارت مسرعة ثم سألته:
-عمر ! انت كنت فين ؟ كلكوا كنتوا فين ؟ انا رجعت مالاقتش و لا واحد في البيت ! كنتوا فين ؟ و فين داليا ؟؟
تنهد"عمر"بثقل ، و قد بدا عليه الأرهاق ، لكنه قص عليها كل ما حدث بالنهاية ... :
-يا خبر !!
هتفت"ياسمين"بإنفعال صادق ، ثم عادت تسأله:
-طب هو كويس دلوقتي يا عمر ؟؟
أجابها بإبتسامة خفيفة لم تصل إلي عينيه:
-الحمدلله بقي كويس.
-الحمدلله .. طيب انا هروح اكلم داليا اطمن عليها.
و كادت تخطو بعيدا عنها ، لكنه قبض علي رسغها و أعادها لتقف في مواجهته مجددا ، فتملصت من قبضته بعصبية ، ثم سألته عابسة:
-في ايه يا عمر ؟ قلتلك هروح اكلم داليا .. سيبني.
-لأ.
هتف بصرامة ، فرمقته بدهشة بالغة ، فتابع بجمود :
-مش قبل ما نخلص كلامنا يا ياسمين.
تأففت بضيق قائلة:
-كلام ايه بس مش وقته.
-لأ ده وقته .. انتي بتتهربي مني و مش مريحاني.
-طيب انت عايز ايه دلوقتي ؟؟
-عايزك يا ياسمين .. عايز اتجوزك .. عايز اكمل باقي عمري معاكي .. عايزك تحبيني أد ما بحبك.
قال ذلك بحنان ، و قد إقترب منها أكثر ، فشاهدت بريق عينيه كالصاروخ ، ثم قالت مرتبكة:
-يا عمر العلاقات مش لعبة .. و انا مش هقدر ارتبط بيك لمجرد احساسك انك بتحبني .. في حاجات تانية اهم لازم تتوجد عشان العلاقة تدوم و تنجح.
قبض علي كتفيها بقوة ، ثم بدأ يحدثها بلهجة حنونة بثت الخيال بنفسها:
-مش هاسيبك .. مش هتوهي مني ابدا حتي لو اضطريت اني احبسك هنا في القصر.
صمتت قليلا ، ثم إبتسمت قائلة:
-عمر .. انت مشاعرك فعلا بقت رقيقة مؤخرا .. و مانكرش اني بدأت اتشدلك لكن ده مش كفاية .. و انا اصلا مش هقدر اكمل حياتي هنا في القصر .. انا ليا خطط مختلفة لمستقبلي.
-قلتلك اني مش ممكن اسيبك يا ياسمين .. مش ممكن .. و بعدين اي خطة كنتي رسماها لمستقبلك تقدري تحققيها و احنا مع بعض.
نظرت إليه و هي لا تكاد تصدق ما تسمعه ، فتابع:
-اتجوزيني بس .. انا عارف اني كنت انسان مستهتر و مش مسؤول بس زي ما قلتلك انتي غيرتيني .. و مش لازم تسيبيني بعد ما وصلت للنتيجة دي بسببك .. لو وافقتي علي جوازنا اوعدك اني هبذل كل جهدي عشان مادكيش فرصة واحدة للندم علي قرارك.
كلامه ألجم لسانها ، و إنفعلت مشاعرها بحيث أنها جعلت إستعمال عقلها أمرا مستحيلا ، فسألته:
-لازم اخد قراري دلوقتي ؟؟
-ايوه و حالا.
قالها بجدية ، و بدون أن يضحك أو حتي يبتسم ، لكنها صمتت أمام ضغوط مشاعرها ، فهز رأسه عابسا ثم قال:
-ياسمين انتي لازم تتجوزيني .. لازم تتجوزيني قبل ما تقضي علي حياتي.
رفعت حاجبيها ذاهلة لإتهامه ، فأومأ رأسه قائلا:
-اول مرة اتقابلنا حصلت بينا خناقة نتيجتها اني اتفصلت من الكلية و قعدت اتعالج فترة في البيت .. ده غير اللي حصلي علي ايد اخويا و اللي حصلي من كام يوم لما جريت وراكي في نص الليل و انقذتك من اللي كنتي فيه .. ببساطة يا ياسمين انا عندي اقتناع تام ان كل مشاكلي هتتحل بمجرد ما اتجوزك .. ها بقي قولتي ايه ؟ انتي لسا مش مصدقة اني بحبك بجد ؟ فاكراني بخدعك ؟؟
هزت رأسها قائلة:
-مصدقاك يا عمر .. لكن مش مصدقة الوضع اللي انا فيه .. ليه انا بالذات ؟؟
تنهد بعمق ، ثم أجابها:
-لانك اول واحدة حطتيني في مواجهة مع نفسي كذا مرة لحد ما نجحتي انك تغيريني .. و لانك مختلفة جدا عن غيرك .. مش بتهتمي بالألقاب و لا بالمراكز و لا بالفلوس .. و لانك محتاجة دايما لحد ينقذك .. و لو ركزتي مش هتلاقي انسب مني للمهمات اللي زي دي.
قهقهت بخفة من جملته الأخيرة ، فإبتسم بدوره ، ثم سألها بنبرة معذبة:
-ايه قرارك بقي ؟؟
توردت وجنتاها بشدة ، ثم أجفلت خجلة ، لكنها عادت تنظر إليه قائلة:
-هديك فرصة تقنعني يا عمر.
إنفرجت أساريره بإبتسامة واسعة ، فغمز بعينه مرحا و قال:
-ماتقلقيش يا سو .. هتقتنعي بسرعة يا حبيبتي.
لكزته علي كتفه بخفة معاتبة ، فيما رفع يدها إلي شفتيه ، و طبع عليها قبلتين ، ثم نظر إلي عينيها قائلا:
-بحبك.









        
          
                
بعد مرور عدة أيام ، عاد"عز الدين"إلي منزله بعد أن تعافي تماما إلا فقط من جرح صدره الذي يتطلب عناية بالغة .. لم يحاول صد"عبير"عنه حين إرتمت بأحضانه باكية فور عودته ، و لكنه أيضا لم يحاول أن يبادلها شعورها علي الأقل الأن ...
تناول الجميع العشاء تلك الليلة وسط أجواء من الفرحة الغامرة لعودة سيد المنزل سالما ، فقد سمح"عز الدين"لجميع الخدم بالقصر ان يتناولوا طعام العشاء معه و أسرته علي مائدة طعام واحدة ، لقد كان السرور يملأ الأجواء بشدة ، فـ"عمر"لم يتوقف طوال السهرة عن الكلام المرح و إطلاق النكات و كأنه يحاول التعويض عن اليومين الماضيين ، في هذه الأثناء ، كانت"داليا"تتأمل الجميع بهدوء و كأن التعب و القلق إستهلكا كل قوتها ..
لا شيء يهم الأن طالما عاد"عز الدين"إلي منزله سالما ، و ها هو علي رأس الطاولة يوزع إبتساماته في كل إتجاه .. فتساءلت في نغسها .. تراه يعلم كم كانت قلقة عليه ؟؟ ..
عندما إنسحبا أخيرا إلي غرفتهما ، ساعدت"داليا"زوجها في تبديل ملابسه ، ثم قادته إلي الفراش و مددته في هدوء ، جلست إلي جواره متسائلة:
-مش عايز مني اي حاجة تانية ؟؟
منحها إبتسامة خفيفة ، ثم أجابها بلهجة هادئة صادقة:
-عايزك ترتاحي .. انتي تعبتي معايا اوي اليومين دول.
دمعت عينيها رغما عنها ، فقالت:
-ماتقولش كده .. الحمدلله انك رجعت البيت .
-بتحبيني يا داليا ؟؟
تفاجأت بسؤاله ، لكنها أومأت رأسها و أجابته:
-اه .. بحبك .. بحبك اوي.
ثم رفعت يدها و مررتها علي وجهه ، و كانت أحاسيسها العميقة تنعكس في عينيها المشعتين ، فإنزلقت دمعة حارة من عينها ، ثم قالت بعد جهد:
-الحياة مستحيلة منغيرك .. سواء كنت قاسي و عنيف او لأ.
-و مش محتملة معايا بردو .. انا كده يا داليا.
-انا عارفة .. بس بحبك .. اعمل ايه !!
أحاط وجهها بيديه ، ثم قال:
-تعالي في حضني.
قالت بحذر مرتبكة:
-ممكن تتألم لسا جرحك ماخفش.
قال و هو يضمها إلي صدره بحنان و رفق:
-تعالي هنا.
ثم همس بأذنها:
-انا كمان بحبك يا داليا.
إتسعت عينيها ذهولا ، فسألته و هي لا تزال بأحضانه:
-بجد بتحبني ؟؟
-جدا .. من يوم ما وقعت عيني عليكي .. ماكنتش قادر اصدق اني حبيتك .. حاولت اتخلص من الفكرة دي بطرق كتير لكن كنت بفشل لحد ما قررت اعرض عليكي الجواز العرفي .. قلت بكده ممكن الامور تبقي اسهل عليا من ناحية هتكوني ليا زي ما كنت عايز و من الناحية التانية هبطل احبك .. بس إتفاجئت برفضك .. ساعتها ماكنتش عارف اعمل ايه .. فضلت افكر كتير لحد ما وصلت لقرار اني هدور وراكي و اعرف كل حاجة عنك عشان اجبرك تنفذي كل اللي انا عايزه .. اشتريت بيتك و استغليت انك استقلتي من الشركة .. كلفت واحد من الرجالة اللي شاغلين عندي بمراقبتك .. كان في نيتي اني اعرض عليكي الجواز العرفي تاني و كنت واثق انك مش هتقدري ترفضي المرة دي .. لكن لما وصلني خبر ان المكان اللي كنتي قاعدة فيه انتي و اختك مشبوه جريت عليكي بسرعة و انا مش فاهم ايه سبب لهفتي .. فسرتها باني مش عايز حد غيري يقربلك لحد ما وصلت و شفت صاحب المكان بيحاول يعتدي عليكي .. وقتها اتأكدت اني بحبك فعلا الشعور اللي حسيت بيه لغي تفكيري فلاقيت نفسي بعدها بعرض عليكي الجواز الرسمي .. لحد ما حاولتي تهربي مني كنت متخيل اني هقدر استغني عنك في اي وقت بس كنت غلطان .. اتعلقت بيكي اكتر و حبيتك اكتر و خصوصا لما سمعت بخبر الحمل .. فرحت جدا و عاهدت نفسي من يومها اني عمري ما هفرط فيكي ابدا .. هخليكي تحت عنيا علطول و مش هكرر اللي حصل زمان مع ابويا .. هكون اناني في حبك بحيث انك ممكن تتخنقي في وقت من حبي ليكي و غيرتي عليكي .. انا عايزك تسامحيني يا داليا .. و عايزك تتأكدي اني بحبك اكتر بكتير من حبك ليا.
إنتظرت لثوان قبل أن ترفع رأسها و تنظر بعمق في عينيه ، ثم سألته بخفوت:
-طيب و جومانة ؟؟
-جومانة ! جومانة ايه دي اللي بتسأليني عنها ؟ دي مجرد واحدة زي اي واحدة عرفتها قبل كده .. كان في بينا علاقة بس انتهت و من قبل ما اتجوزك كمان.
علقت ببطء:
-بس الخاتم اللي جت ترجعه و الصورة إللـ ...
فقاطعها مسرعا:
-الصورة دي قديمة يا داليا .. و الخاتم كان هدية منها ليا .. قبلته بس رجعتوهلها تاني بعد ما اتجوزتك .. انا عارف انك اتضايقتي لكن كان عندي امل انك ممكن ماتصدقيش او تكدبيها.
أغرورقت عينيها بالدموع ، و قالت:
-ساعتها ماكنتش قادرة افكر خالص .. دايما كانت نظرتي ليك انك راجل مغامر مابتحبش الستات لكن بتحب تقضي معظم وقتك معاهم .. بس انا كنت عايزاك ليا لوحدي .. خصوصا بعد جوازنا .. ستات كتير اتلموا حواليك و منهم جومانة كنت بموت و انا بتخيلك مع كل واحدة شوية .. في نفس الوقت ماكنتش بتحمل معاملتك المهينة ليا.
ضمها بحنان إلي صدره و هو يقول:
-انا اسف .. بس صدقيني بعد جوازنا كنت بحاول علي ما اقدر اني اخد بالي من تصرفاتي معاكي .. بس انتي كنتي بتستفزيني ساعات و انا من النوع اللي مابيقدرش يسيطر علي اعصابه كتير.
منحته إبتسامة دافئة ، ثم همست:
-بحبك.
إبتسم بدوره قائلا:
-قربي مني اكتر و قوليها تاني .. ماسمعتش كويس.
إلتقت عيناه الذهبيتان بعينيها الخضراوين في عناق حار يحمل في طياته كل معاني الحب و الأمل و المستقبل ، فعادت تهمس قرب أذنه بصوتها الدافئ:
-بحبك .. بحبك يا عز ...

 

تمت
 

google-playkhamsatmostaqltradent