Ads by Google X

رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الثامن 8 - بقلم مهجة

الصفحة الرئيسية

  

 رواية في ظلال الحب المفقود الفصل الثامن 8 - بقلم مهجة

 "بين الزوايا والذكريات"
                                    
                                          

عادت سُكرة إلى غرفتها في المدينة، حيث كل شيء يبدو في مكانه، لكن لا شيء يبدو كما كان.
أخذت نفسًا عميقًا وهي تمرر يدها فوق مكتبها، وكأنها تحاول أن تسترجع الألفة مع هذه الزوايا التي هجرتها لأشهر. في الزاوية، ما زالت دميتها الصغيرة واقفة، وعيناها تحملان نفس النظرة، لكن قلب سُكرة تغيّر.



في اليوم التالي، عادت إلى المدرسة. ارتدت زيّها، صفّفت شعرها، وعلّقت حقيبتها على ظهرها، لكن خطواتها نحو البوابة كانت مترددة، وكأنها لا تعرف إن كانت تعود فعلًا، أو تبدأ شيئًا جديدًا تمامًا.
استقبلتها زميلاتها بالأسئلة والضحكات، لكنها كانت تبتسم فقط، وتجيب باقتضاب. كانت تفكّر... في الأرجوحة، في ضوء الأباجورة، في صوت ليان وهي تقول: "عهد أخوة."
وفي الحصة الأولى، حين فتحت دفترها لتدوين الملاحظات، سقطت من بين الصفحات وردة صغيرة، مجففة، كانت قد وضعتها في جيبها ذات صباح وهي تتمشى مع أدهم في الحديقة. نظرت إليها، وابتسمت بخفة. دون أن تشعر، مرّت يدها إلى الجيب الآخر... حيث ما زالت الورقة التي كتبها أدهم محفوظة.
في كل زاوية من يومها، كانت هناك "تفصيلة" صغيرة تذكّرها. في رائحة الساندويتش، في ضحكة عابرة، في شكل الغيم من شباك الصف... كل شيء يهمس باسم "أدهم" بصوت لا يسمعه سواها.
وفي الليل، بعد أن عاد المنزل للصمت، جلست سُكرة على سريرها، وبدأت تكتب في دفترها:
"اليوم الأول... شعرت أنني أعيش في عالمين. جسدي هنا، وقلبي هناك. لا أعلم كم من الوقت سأحتاج لأتأقلم، لكنني أعلم أن شيئًا في داخلي تغيّر إلى الأبد."



ثم عادت سُكرة إلى سريرها، حملت دفترها من جديد، وقلبت صفحاته حتى وصلت للورقة التي رسمت فيها الشجرة الكبيرة، نفس الشجرة التي كانوا يجلسون تحتها آخر يوم.
بخط صغير أسفل الرسم، كتبت:
"لو كنتِ شجرة، كنت ظلّك، ولو كنتُ طير، كنت عشيش في غصنك."
ثم ضحكت بخفة، تذكرت لما أدهم قال نفس الكلام وهو يناظر ظلّ الشجرة يمتد على العشب.
أغمضت عينيها، وتخيلت المشهد كأنّه أمامها، تخيّلت صوت أدهم وهو يقول:
"تذكرينا إذا مرّيتِ على الشجرة..."
ومع كل نفسٍ تأخذه، كانت تعود لتلك اللحظة... لا على شكل تسجيل، بل كأنها محفوظة في قلبها، تنبض كلما أغلقت عينيها.



في اليوم التالي، ارتدت سُكرة زيّ المدرسة، وصفّفت شعرها بعناية كما اعتادت، ثم علّقت حقيبتها على ظهرها، ووقفت تنتظر عند الباب. بعد لحظات، لحقت بها ملاك وملاذ، تتبادلان الأحاديث بصوتٍ خافت، يختلط فيه النعاس بالضحك الطفولي.
خرج الثلاثي إلى الطريق المعتاد، حيث الأرصفة الرطبة من ندى الصباح، وصوت العصافير يملأ الهواء بنغمةٍ مألوفة. كانت خطوات سُكرة مترددة في البداية، لكنها ما لبثت أن انسجمت مع خطوات أختيها، حتى غدت خطواتهن الثلاث كأنها لحنٌ يعرف الطريق جيدًا.
وقفت عند بوابة المدرسة، نظرت إلى جدرانها، إلى الوجوه العابرة، إلى صوت الجرس... وفجأة، كأن كل ما عاشته في الأسابيع الماضية انزوى في زاوية من قلبها، يلوّح لها من بعيد، دون أن يُلحّ على الحضور.
دخلت المدرسة، وتسلّلت إلى صفّها كعادتها، جلست في مقعدها المعتاد، وفتحت دفترها كما لو أنّ الأيام لم تنقطع أبدًا. بدأت المعلّمة بشرح الدرس، وانشغلت سُكرة بتدوين الملاحظات، ترسم خطوطًا مستقيمة على هوامش الصفحة، وتفتح حقيبتها لتُخرج كتابًا، وتغلقه لتسأل عن الواجب القادم.
ومع مرور الأيام، عادت لتفاصيل الحياة الصغيرة: تنظيم الجدول، مراجعة الدروس، إعداد الحقيبة لليوم التالي. شيئًا فشيئًا، بدأ قلبها يستقرّ، لا نسيانًا لما مضى، بل تصالحًا معه.
كانت تنسى، دون أن تقصد. تنسى الأرجوحة، صوت أدهم، ظلّ الشجرة، حتى الوردة المجففة نسيتها بين صفحات دفترٍ قديم.
الحياة عادت إلى إيقاعها المعتاد، كأن قلب سُكرة تعلّم كيف يخبئ الحنين بهدوء، دون أن يُرهق الروح.




                                  


google-playkhamsatmostaqltradent