رواية في ظلال الحب المفقود الفصل السابع 7 - بقلم مهجة
"لحظات الوداع، و وعود اللقاء"
لمحها أدهم من بعيد، فتقدّم نحوها. حين رآها تبتسم للزهور، قال بهدوء:
"ستشتاق لكِ حتى الورود، سُكرة."
نظرت إليه، وقد فاجأها صوته، ثم قالت بخفوت:
"وأنا سأشتاق... لكل شيء."
تقدّم خطوة أخرى، وسأل:
"حقًا سترحلين؟"
أومأت برأسها، وقالت:
"لم يبقَ سوى يوم."
صمتا قليلًا، ثم قال أدهم:
"هل تظنين أنني تغيّرت؟"
نظرت إليه بدهشة، ثم قالت:
"أبدًا... أنت كما أنت، فقط... أصبحتُ أراك بشكل أوضح."
ابتسم ابتسامة صغيرة، ثم قال:
"هل لي بطلب أخير؟"
هزّت رأسها بخفة، فأخرج من جيبه ورقة مطويّة، وناولها إياها.
"لا تقرئيها الآن. افتحيها عندما تصيرين في الطريق، أو... عندما تشتاقين."
أخذتها منه ببطء، وهمست:
"شكرًا، يا أدهم."
___
في الليلة الأخيرة قبل الرحيل، اجتمعت الفتيات في الغرفة الكبيرة، حيث تناثرت الوسائد على الأرض، وتوزّعت البطانيات حولهن. كانت الأجواء هادئة، يلفّها ضوءٌ خافت من الأباجورة في الزاوية، وتعلوها همسات حزينة تخنقها الضحكات أحيانًا.
تمدّدت ليان على بطنها، تداعب طرف غطاءها، ثم تمتمت:
"لا أصدّق أنكم سترحلون غدًا... أريد أن أستيقظ وأجد هذا الخبر مجرد كابوس."
أروى قالت بتنهيدة وهي تحتضن الوسادة:
"البيت سيكون فارغًا بدونكم... حتى صوت سُكرة في الصباح سأشتاق إليه."
ابتسمت ملاذ بلطف، وقالت:
"سنشتاق لكم أكثر، لكن الدراسة ستبدأ ولا مهرب."
أسيل تمسّكت بيد ملاك، وهمست:
"أتمنّى أن نطيل السهر الليلة... لا أريد أن أنام، كأن النوم يعني أن الغد أقرب."
قالت رهف بحزن وهي تضع خدّها على ركبتها:
"لن أجد من يشاركني التسريحات المجنونة، ولا من يضحك على قصصي الغبية."
ضحكت سُكرة بخفة، رغم الحزن في عينيها، وقالت:
"أنتم عائلتنا الثانية... وإن افترقنا قليلًا، فقلوبنا باقية معكم."
اقتربت ليان منها، ومدّت يدها نحوها قائلة:
"إذن، فلنعاهد بعضنا الليلة... أن لا تمر عطلة إلا ونحن معًا."
وضعت سُكرة يدها فوق يد ليان، ثم تبعتها ملاذ، وأسيل، وملاك، وأروى، ورهف.
قالت أسيل بابتسامة مرتجفة:
"عهد قلب."
قالت ملاك:
"عهد حب."
أروى همست:
"عهد لا ينكسر."
وقالت رهف:
"عهد طفولة لا تنتهي."
قالت ليان أخيرًا:
"وعهد أخوّة، لا يفرّقها بعد، ولا ينقصها غياب."
ساد الصمت لوهلة، ثم انفجروا في ضحكة خفيفة، وكأنهم يهربون من ثقل الوداع. وبعد دقائق، خفتت الأصوات، وغلبهم النعاس، فناموا متقاربين، كتفًا على كتف، وقلبًا على قلب، تاركين الليل يلفّهم بعطر الذكرى ودفء الحب
حلّ الصباح بهدوء مختلف، وكأن الشمس أشرقت على استحياء، تخشى أن توقظ اللحظة التي لا يرغب أحد في مواجهتها.
في الممر، سُمعت أصوات خطواتٍ متثاقلة، وحقائب تُجرّ على الأرض، وكأنها تئنّ مع أصحابها.
كانت سُكرة تقف أمام المرآة، ترتّب خصلات شعرها بينما تحاول أن تخفي ارتجاف يديها. دخلت ملاذ بصمت، واقتربت منها، ثم وضعت رأسها على كتفها دون أن تنطق.
قالت سُكرة بهمس:
"حسّيت إن يومين بس مرّوا، مو كم أسبوع ..."
أجابت ملاذ وهي تضمّها:
"بس كانوا أجمل يومين في عمرنا."
وفي الغرفة المجاورة، كانت ليان تمشي بخطى سريعة، تبحث عن شيءٍ لا تعرفه. أروى كانت تراقبها بصمت، أما رهف فجلست على السرير تضم وسادة ملاذ، تتنفس فيها رائحتها.
دخلت ملاك ومعها أسيل، وقالت ملاك:
"السيارة جاهزة... أمي تنتظرنا."
سقط الصمت بينهم فجأة، وكأن تلك الجملة كانت الصفعة التي أيقظت الجميع من حلمٍ جميل.
نزلوا إلى الحوش الكبير، حيث كانت الأمهات تتبادلن العناق والوصايا، والآباء يحمّلون الحقائب بصمت رجولي حزين.
اقتربت ليان من سُكرة، عانقتها بقوة وهمست:
"لا تنسيني..."
ردّت سُكرة والدمع يلمع في عينيها:
"ما في شي ينسيني إياك."
عانقت رهف ملاذ وهي تقول:
"اكتبي لي كل التفاصيل في دفترك، حتى لو عن الفطور."
ضحكت ملاذ بخفة وهي تمسح دمعتها:
"وإذا نسيت، ذكّريني برسالة صوتية كل صباح."
ملاك همست لأروى:
"أنا ما أحب الدموع... بس قلبي اليوم ثقيل."
ردّت أروى وهي تشدّ على يدها:
"القلوب اللي تحب، تتعب في الوداع... بس ترجع تفرح في اللقاء."
أسيل و هي فاتحه ذراعيه : عناق جماعي اخير؟
ليركضن الفتيات نحوها و تهرب الدموع من أعين الجميع
ركبت سُكرة وأخواتها السيارة، والعيون تتلاحق، تودّع، وتلوّح، وتُخزّن الوجوه في الذاكرة.
وقبل أن تتحرك السيارة، لمحَت سُكرة أدهم يقف بعيدًا، بجانب شجرة الحديقة. كان يراقب بصمت، لا يلوّح، لا يقترب، فقط عيناه تسرحان في ملامحها الأخيرة.
رفعت يدها من خلف النافذة، لوّحت له بابتسامة صغيرة، فأومأ برأسه، كأن كل ما يريد قوله اختصره في تلك الإيماءة.
ثم تحركت السيارة، وبدأت المسافة تتّسع... بين الوداع واللقاء القادم
في المقعد الخلفي للسيارة، كانت سُكرة تجلس بصمت، والهدوء يعم الأجواء بعد انقضاء ساعات الرحيل.
أختها ملاذ كانت نائمة بجانبها، كذلك ملاك، أما أسيل فكانت تغط في نوم عميق في المقعد الأمامي. عيون سُكرة كانت شاردة، لكنها لم تستطع أن ترفع يديها عن الرسالة الورقية التي كانت قد أخذتها من أدهم في تلك اللحظة الأخيرة.
تمسكت بالرسالة التي كانت مكوّمة بين يديها، بحذر كما لو كانت تحمل شيئًا ثمينًا، وفتحَتها بخفة، لتبدأ بقراءة كلمات أدهم التي كتبت بخط يده، كلمات كانت تدور حول قلبها مثل دوامة غير مرئية.
"سُكرة...
لم أكن أعرف أن الكلمات ستصعب على لساني بهذا الشكل، لكن حين قابلتكِ، عرفت أنني لا أستطيع أن أترككِ تغادرين بسهولة. رغم أنني لم أكن مستعدًا لهذا، إلا أنني شعرت أن قلبي يتكلم معكِ منذ اللحظة الأولى.
أريدكِ أن تعلمي شيئًا واحدًا، مهما كان ما سيحدث بيننا في المستقبل، فأنتِ جزء مني، ولا يمكنني أن أتصور حياتي من دونكِ.
كنتِ دائمًا هناك من أجلنا، من أجلنا جميعًا. ابتسامتكِ، طيبتكِ، ووجودكِ كانت تمنحني قوة ما كنت أظن أنني بحاجة إليها. وأعدكِ بشيء: إذا كانت الأيام ستجمعنا مرة أخرى، سأكون أول من يأتي ليقول لكِ كم اشتقت إليكِ.
إلى أن يأتي ذلك اليوم، أرجو أن تظلّي بخير، وأن لا تنسي أن هناك من يحبكِ هنا، يراقبكِ في صمت." ليختمها بقلب مكتوب بداخله كلمة " أحبك "على يمينه كتب اسمه أدهم و على يساره كتب سُكرة
قرأت سُكرة الكلمات مرة أخرى، وأخذت نفسًا عميقًا. لم تستطع منع نفسها من أن يهرب دمعٌ واحد، انسلّ خجلاً من عينيها، بينما كانت تحدّق في الكلمات المكتوبة على الورقة.
أغلقت الرسالة ببطء، وضغطت عليها بين يديها، لتشعر بحرارة كلمات أدهم تتغلغل في قلبها. تركت رأسها تستند على الزجاج ببطء، واغرورقت عيناها مرة أخرى. لم تستطع أن تنكر أنها اشتاقت له، رغم كل شيء.
كانت السيارة تسير في الطريق الطويل، لكن قلبها كان في مكان آخر.
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية في ظلال الحب المفقود) اسم الرواية