Ads by Google X

رواية قارب الموت الفصل الخامس 5 - بقلم مريم الجنيدي

الصفحة الرئيسية

  

 رواية قارب الموت الفصل الخامس 5 -  بقلم مريم الجنيدي


«٥-إستعداد للرحيل»
                                    
                                          
الحياة دوامة ندور فى دوائر لا تنتهي حتى يأخذنا الموت 



الضغط يولد إنفجار وهو في الشهرين الماضيين طفح الكيل فى عِند والده 



وقف أمامه يقول بنفاذ صبر و قد تبخرت أخلاقه 



"يعني أخر اللي بتعملة دة إى عايز أفهم" 



رفع عرفات وجهه بهدوء مستفز 
"عايزك تسمع كلامي لأنك بدأت تخرج عن طوعي" 



أبتسم عبد الرحمن بسخرية 
"أخرج عن طوعك؟ أنا معملتش حاجة فى حياتي كلها غير أن كنت بسمع كلامك، عمري م رفضت لك طلب، و دلوقتى جاي تقولي بخرج عن طوعك! أنا معملتش أى حاجة لحياتي معملتش حاجة أنا بحبها، مشتغلتش الشغل اللي بحبه، و دلوقتي بتلغي الفيزات بتوعي، و بتلوي دراعي!! أنت غلطان" 



رد عرفات ببرود وهو بقلب حبات سبحته 
"أنت لو كنت سمعت كلامي من الأول و اتجوزت نسيم مكنش كل دة حصل، دي أمانة فى رقبتي" 



ضحك عبدالرحمن ضحكة فاقدة للمرح 
"رقبتك أنت مش أنا، امانتك أنت أنا مالي لى تدبسني فى دي كمان، بعد ما بوظت كل حياتي بأختياراتك أنت دلوقتي كمان عايز تجوزني على مزاجكك؟؟؟" 



رد عرفات بدون إهتمام 
"خلاص طول ما أنت بتعند كدة أنت حر استحمل"



أبتسم عبد الرحمن ساخراً وهو يومأ بتصميم 
"لا المره دي استحمل أنت بقا اللي هيحصل، و افتكر أن أنت اللي خسرتني" 



تركه و تحرك بخطوات سريعة تضرب الأرض بقسوة وهو يتحرك باتجاه المنزل لكنه توقف وهو يراها تمشي فى أحدي الشوارع الجانبية بخطوات تائهة  



اشتعلت اعينه بالغضب الذي لم يهدأ و تحرك خلفها ليرى أين تذهب 



تنهد بتعب وهو يتحرك خلفها منذ النصف ساعة على اقدامة بعدما ترك السيارة 



وأخيراً توقفت أمام أحد محلات الصاغة الذهبية، عقد حاجبية باستغراب من أين أتت بالمال لتشتري حُلى!!




اقترب من المحل ليستطيع الرؤية و تفاجأ بأنها تقدم للصائغ خاتم، اهي من ستبيع!! شعر بنغصه أن تكون بحاجة للمال لشراء شئ وليس معها ولم تطلب من والده اهى بهذا الخجل مثلاً!! 



انتظر يراقبها حتى انتهيت و أخذت المال و عادت مره أخري للبيت كان هو خلفها فى كل خطوة و اندهش أكثر أنها لم تشتري أى شىء إذا لماذا فعلت كل هذا 



دخل خلفها من باب المنزل ثم استوقفها بسؤاله الحاد 
"أنتِ كنتِ فين!" 
ألتفتت له بتوتر لكن رسمت الثابت على وجهها بحرفية وهى ترد 
"كنت فى مشوار" 



رد هو بتحفز وقد ارتفع إحدى حاجبيه 
"مشوار فين يعني!" 



ردت بنفاذ صبر وهى تتنهد
"مشوار بشتري حاجة عايز أى يعني"


 
                
رد باستنكار ساخر وهو يستند على سور السلم 
"آه و فين الحاجة اللى أشتراتيها دي بقا مش شايفك شايلة حاجة"  



رمشت بأعينها وهى تنظر له بعدم استيعاب لتدخله السافر، و دون تفكير مراتين ردت بفظاظة 
"وأنت مالك أنت، أنت فاتح معايا تحقيق لي يخصك في أى أصلا" 



 أتسعت أعينه ليشير لها بحده لاذعه 
"أنتِ مفكراها وكاله منغير بواب، ولا زريبة منغير صاحب هتدخلي و تخرجي على مزاجك والله أعلم بتروحي فين و تعملي أى!!" 



ضحكت بذهول غير مصدقة 
"لما تبقي أنت صاحب الزريية ولا بواب الوكالة ابقي تعالى أتكلم معايا و حاسبني، أنت شايف نفسك على أى" 



تركته بصدمته و صعدت الدرجات بخطوات سريعة لكنه لم يترك لها الفرصة لتهرب وهو يصعد خلفها ثم قال بصوت عالي 



"كمان مش عاجبك النعمة اللي ربنا عطهالك و بتبجحي في الناس اللي معيشينك في بيتهم" 



نظرت له قبل أن تغلق الباب ثم قالت بصوت حاد 
"بكرا اسبهالك و اغور عشان تبطل ذل فى حاجة مش بتاعتك اصلاً" 



لم تعطيه فرصة للإجابة و أغلقت الباب بوجهه وقف أمام الباب وهو يجز على أسنانه هذه البلاء هي سبب المشاكل التي تحدث له منذ مجيئها المشؤوم و المشاكل لا تفارقه 



نزل مره آخرى يعود لسيارته ثم تصفح هاتفة بفتور يحاول إشغال تفكيره في شئ بعيد عن النار المشتعلة بينه و بين والده 



لكن لفت نظره تلك الصفحة التي بها عدد مشاركين بالالف و قد ظهر منشور أمامه عن وصول عدد كبير من المهاجرين هجرة غير شرعية لأراضي أحد الدول الأوروبية الشهيرة تملكة الفضول وهو يدخل على هذه الصفحة و يغوص بمنشوراتها التي تتحدث جميعها عن الهجرة الغير شرعية و مدى سهولتها و الأعداد المهولة التي خاضت التجربة، و بساطة الطريقة و نجاحها 
و بدأ الشيطان يلعب لعبته بالعبث فى رأسه....



=====================



الصمت على الفساد هو أول الطريق لتدمير الذات



 لا يعلم كيف تحمل هذا الضغط في عمله، الحقيقة أن من بعد آخر واقعة وهو تحدث مع أخوه فى الخارج ليجهز ورقه حتى يسافر له، فالعمل هنا أصبح مستحيل، ولكن مع ولاده زوجته انشغل عن تحضير باقي الأوراق 



لكن الآن يتمنى أن تنتهي بأسرع ما يمكن حتى يتخلص من هذا الكابوس المسمى رأفت بلاءة الأسود 



وعد نفسه أن يمرر الأيام بدون مشاكل حتى يستطيع إنجاز  العمل بأسرع وقت 
لكن هذا اليوم لم يلتزم بوعده و انفجر كل شئ 



وقف يباشر عمله بهدوء لكن حركات يده السريعة المتقنه تدل على مهاراته العالية فى هذا المجال، و اكتساب خبرات عالية فى سن صغير من الصعب حدوثة لكنه تحدى كل الصعاب ليصبح ما هو عليه، لكنه مع ذلك يستحق الأفضل والذى سعى جاهداً الوصول إليه، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه 




        
          
                
أقترب رأفت منه وهو يردف بنبرة متعالية 
"اللي بتعملة دة غلط مش بتعمل كدا" 



أردف باهي ببساطة و كلمات مختصرة 
"روح شوف شغلك ملكش دعوة أنا بعمل إى" 



أبتسم رأفت بسخرية وهو يعقد ذراعية أمامه
"أنت المساعد بتاعي و لازم تسمع اللي بقولك عليه" 



انتفض باهي ينظر له بصدمة وهو يردف بذهول 
"إى أنت بتقول إى!! مساعد أى إن شاء الله" 



هز رأفت كتفه ببساطة 
"والله دة اللى حصل، أنا أخت الترقية و أنت بقيت المساعد بتاعي، معلش بقا، المرة الجاية تعوضها، أنت عارف طبعاً لكل مجتهد نصيب" 



ألقى باهي الملعقة من يده وهو يردف بعصبية 
"الكلام دة لا يمكن يحصل، هي سايبة، الكوسة مش للدرجة دى، أنت معملتش طبقين على بعض من ساعة ما جيت" 



رد الآخر بعدم إكتراث أستفزه أكثر 
"حظوظ"
  
أومأ له باهي ثم تقدم منه و بحركة غاضبه خلع المريول و ألقاه بوجهه وهو يهسهس 
"مبروك عليك" 



ثم ضرب الصحن الذى يعمل على إنهائه ليسقط متهشماً وسط نظرات الصدمة من كل زملائه ليقول له باهي 



"بس أنا عمري مهكون جزء من المهزلة دى" 



تركة و تحرك للخارج ليقابل مديرة وهو يدخل المطبخ بملامح متهجمة ليقف مقابل باهي و قد ظهر التوتر على وجهه 
"باهي، أنت رايح فين" 



نظر له باهي بشموخ وهو يردف بإصرار 
"أنا معاك هنا بقالي تلت سنين، شوفت ازاى تطورت و كنت باخد خطوة خطوة، لحد ما وصلت للى أنا فيه بسرعة مفيش شيف قدر يعملها، بس يوم ما يجي حد ياخد مكاني و هو لا يفقه شئ يبقي معلش أنا مش هبقي هنا مش هسامح أبداً، اعتبرني مستقيل، لحد هنا و كفاية و مبروك عليكم الشيف الجديد"



تحرك بخطوات واثقة لا تظهر بها الضعف ولا الهواد حاول مديرة المباشر التحدث معه و إقناعه على العدول برأيه لكنه لم يترك له الفرصة و تحرك للخارج بسرعة 
وهو يفكر بضرورة تسريع إجراءات السفر، لن يظل بهذا البلد الظالم أهلها 
================



يمشي بخطوات متخاذلة بطيئة بفكر فى حل لما حدث، العالم أغلق اعينه بوجهه، كيف سيعول أسرته بعدما ترك العمل حتى يحين موعد السفر!! 



"إى يا معلم ماشي كدا و عامل نفسك مش شايفنا" 
انتبه باهي من شرودة على هذا الصوت ليلتفتت بتشتت وجد أصدقائه يجلسون على المقهى و كان هذا صوت جمال الساخر
أقترب منهم يلقي السلام ثم سحب كرسي ليجلس تعجب في بادئ الأمر من وجود عمار معهم لكنه لم يعلق 



تحدث جمال مرة آخرى 
"مالك يا عم متكبر علينا لي" 



نظر له باهي بابتسامة ساخرة 
"و هتكبر عليكم لي!" 




        
          
                
نظر أصدقائه لهم ليقول أحدهم 
"جمال بيهزر معاك يا باهي بس هزارة تقيل" 



رد جمال بسخرية عبثية 
"يا عم سيبة هو حد قده دلوقتي دة بقا أبو مجدي و شيف كبير" 



استند باهي على يده وهو يرد بجمود 
"لا بقيت أبو مجدي و عاطل أنا سبت الشغل" 



أتسعت أعينهم بصدمة ليساله أحد أصدقائه بقلق 
"لي بس كدة، سبته لي و هتعمل أى!" 



بينما أردف جمال بحسرة 
"حد يسيب شغلانة زى دي يا جماعة" 



رد باهي بحنق
"مشاكل حصلت و كان لازم اسيب الشغل يا جمال نصيب" 



 أبتسم بسخرية أومأ له ثم سأله باستفسار 
"و هتعمل أى دلوقتي متنساش انك مسؤول عن عيلة و عندك طفل محتاج مصاريف يعني كان المفروض تستحمل" 



أرجع شعرة للخلف بتشنج ثم أردف باختصار
"أنا بجهز الورق عشان أسافر لاخويا، بس لسه مش عارف هعمل أى فى الوقت دة لحد ما الاوراق تطلع" 



لمعت أعين جمال وهو يردف بصوت منخفض 
"و أنت لسه هتستني الورق لما يطلع!" 



أردف باهي بعصبية 
"أعمل أى مش قدامي حل غير كدا" 



نظر جمال لعمار بخبث ثم أردف 
"طب و اللي يجبلك الحل!" 



أبتسم عمار متذكراً حديث جمال عندما قابله على المقهى 



(قبل شهرين)



"حلك عندي يا باشا" 



عقد عمار حاجبيه بدهشة
"حل!! حل أى!" 



أقترب منه جمال يردف بخفوت 



"نسافر على مركب، كام ساعة بس و تبقى برا البلد كلها، تعيش عيشة نضيفة في بلاد الحرية، تعمل اللي نفسك فيه، ولا حد يقولك بتعمل أى ولا مبتعملش أى"



بهت وجه عمار و أردف بخوف 
"بس الموضوع دة صعب، و فى خطر كبير" 



"ولا خطر ولا حاجة يا عم، مش هيبقى أسواء من عيشتك هنا، و بعدين ما نص شباب البلد سافروا كدة، و بقا معاهم فلوس قد كدا، و عايشين عيشة نضيفة، في بلد بتحترم الإنسان، و تتجوزلك واحده خوجاية تاخد الجنسية، و تعيش ملك يا معلم، و بعدين بقا منغير ورق و صداع، و روح و هات، دة هتدفع مبلغ بسيط، هوب على المركب، ساعتين و تبقى حر، شوفت أسهل من كدا!؟" 



نكس عمار وجهه بتفكير ثم رفع وجهه وهو يومأ و قد رسم له الشيطان حياة من جاه و سلطان و مال 
"طب هعمل الموضوع دة ازاى" 



"سيبها عليا، بس الموضوع مفهوش راجعة، يعني متجيش ساعتها و تقول لا مش رايح، لازم تكون قد كلمتك امين!!" 
أومأ عمار وهو يردف بارتباك 
"سيبني أفكر"




        
          
                
عودة للوقت الحاضر 



أردف جمال بعدما عرض الفكرة على باهي و ترقب عمار الرد بتلهف، ليصدمة باهي 
"و لي ارمي نفسي الرامية دي، ما أنا كدا كدا بجهز الورق قانوني، بدل البهدلة و المرمطة" 



أردف أحد أصدقائه المستمعين 
"باهي عنده حق يا جمال، ما كدا كدا هو بيعمل الورق قانوني" 



سخر جمال وهو ينفث دخان الأرجيلة 
"و عقبال ما الورق يخلص بقا هيصرف منين، ولا هيشحت يعني دة عنده مسؤولية و بيت، و الله أعلم الورق هيخلص أمتي! هيقعد كل دة ازاى، دة ممكن يسافر يبني نفسه، و يكون الورق لسه مطلعش، دى طريقة مضمونة و أنا و عمار فكرنا فيها و هنروح، يعني مش هتبقى لواحدك" 



تنهد باهي بارهاق ثم نفى بإصرار
"لا يا عم و بعدين أنت عايز تروح لي يا عمار ابوك موافق على حاجة زي دي!" 



احتل الجمود ملامح عمار وهو يردف بعدم إهتمام يشوبه الغل 
"أبويا مين، أبويا طردني من البيت بقالة شهرين و مش راضي يرجعني دة لما بيشوفني بيلف وشه الناحية التانية، أنا معتش عندي حاجة هنا أنا عايز أسافر أشوف حياتي هناك، فلوس و حريم و دلع يا عم، هقعد هنا لي، عشان أشقى ليل نهار على شوية ملاليم، ولا أتعب عشان حد يجي أبوه جايبلة واسطة ياخد حلمي، ولا افضل، و ياريتنا بنتعامل عدل، دة كرامتنا ممسوحة، أنت مش شايف اللي سافروا بقوا أى و أهلهم عاملين ازاى!! لى بقا أقعد فى القرف اللي هنا دة؟!" 



كان الكلام بلعب على وتر حساس بداخل باهي فهو ذلك الشخص الذى نحت فى الصخر و بالنهاية انسحبت احلامه بطرفة عين، كزهرة شقت طريقها بين الصخور لتتفتح برونقها الجذاب لكن فجاءة انسحقت تحت أقدام شخص مستهتر لا يراها، لم يتمسك به أحد رغم مجهوده الذى يضرب به المثل فى المهارة و الإلتزام، لكن عليك دائماً تذكر أنك قطعة شطرنج يحركوها كما يريدوا و من الممكن الإطاحة بك فى اى وقت.



عقله مشتت كخيوط متتاخلة، بها الكثير من التشابك



أراد جمال الضرب على الحديد وهو ساخن ليشجعة أكثر على الأقدام للهجرة ليردف بخبث
"و بعدين اى اللي خلاك تسيب الشغل اللي شقيت فيه فجأة كدة أكيد فى حاجة جامدة حصلت"



نكس باهي وجهه و قد هاج داخله بمرارة كالعلقم تذكرة بحقيقة تخليهم عنه و خذلانهم له، فلم يتصل به أحد ليحثه على العودة



"مشاكل فى الشغل كبيرة قولتلك" 



تحدث عمار بارتباك 
"طب ما تيجي معانا و نسافر مع بعض، و بعدين سهل أنك تعمل ورقك قانوني هناك، دة كمان اخوك هناك يعني الأمور هتكون تمام، إنما لو استنيت الورق بتاعك يخلص هنا مش هنخلص" 



مسح باهي على وجهه وهو يقلب الأمر برأسه يحسب مدى الخسائر و الفوائد، الغضب و الضيق يملئان صدرة يدفعه دفعاً لخوض التجربة و الهروب من كل الألم الذى يحيط به و يذكره بالخيبات




        
          
                
"بس الحاج اكيد هيرفض مستحيل يوافق على حاجة زى دي، الموضوع فى خطورة جامدة اوى" 



رد جمال ببديهيه
"و أنت لازم تقوله يعني! إحنا هنمشي منغير ما حد يعرف، واحد هياخدنا و أهلنا و محدش هيعرف غير لما نوصل ليبيا، قبل ما نطلع المركب" 



هز أحد أصدقائه رأسه 
"أنت متأكد يا جمال أن الموضوع أمان!" 



"يا عم أمان يا عم هو إحنا أول ناس هتروح، دول عاملين صفح مخصصه للهجرة، و شوفت ملايين سافروا عادي خالص، و كل الناس بتقول وصلوا بأمان و عادي خالص، هو أنا يعني هموت نفسي!!" 



رد عمار بتحفز 
"و بعدين يا عم لو هنتعب شوية فى الطريق أى يعني، مش أحسن ما نفضل نتعب هنا طول عمرنا بدون مقابل" 



نغز ١جمال باهي بذراعه 
"و هتأمن مستقبل إبنك، و هتعيشه عيشة تمام، و هتوصل أسرع، أنت خايف من أى أصلا، دي كل الحكاية يوم بليله و إحنا التلاته هنبقي مع بعض" 



رد عمار محاولاً اقناعة بعدما سيطرت عليه شهوة المال و الحريات "و الموضوع مش مكلف يعني، دة مايجيش حق تمن تذكرة طيران" 



رد باهي بعدما دخل إليه الشيطان من ثغراته عابثاً بنقاط ضعفه، متقصد الضغط علي غضبه و نقمته على كل ما حدث، يلعب بخبث ساحباً إياه لطريق لا يعرف نهايته. 



"هتسافروا امتى!" 



أبتسم جمال بخبث بعدما نال مراده، و زاد الاتفاق شخص سيعود بالنفع عليه



"هو دة الكلام، أسمع بقا يا معلم، جهز نفسك بكرا الفجر" 



========================



"للأسف مش هينفع تكمل شغل طلاما الإقامة انتهت، كان لازم تجددها، سلم حاجتك يا عبيدة، و اتشرفنا بمعرفتك" 
 
الجملة كانت تردد صداها بقلبه مهشمه إياه مر الشهرين و لم يستطيع تجديد إقامته فى مصر لا هو ولا شقيقته
لكنه حاول بكل الطرق و فشل، و الآن تم الاستغناء عنه من عمله،حتى محل الملابس الذى كان يقف به مع الرجل العجوز استولى عليه اولاده، لم يعد له مكان، طردة وطنه و الآن يطرده البلد الذى احتضنه، ماذا يفعل، من سيقبل أن يعمل عنده بدون أقامه قانونية، الأمر أشبه بأنك مطرود من كل البلدان، ولا تجد من يفتح لك ذراعيه، شريد و مشتت، وعلى اكتافة مسؤوليه شقيقته، هي الأخرى تم الاستغناء عنها من عملها



تنهد وهو يدخل البيت ليجد شقيقته تقفز أمامه
"عبيدة عملت أى؟؟"



هز رأسه بيأس وهو يلقى بجسده المنهك على الاريكة، لا حل



كان أمامه فرصة الزواج بفتاة مصرية، لكنه لا يستطيع حمل مسؤولية شخص إضافي براتب يكفيهم بالكاد، و من أين يأتي بمصاريف الزواج من الأساس، و هو يعلم حرمانية الزواج المشروط، أى لا يستطيع الزواج بفتاة لفترة حتى يأخد الجنسية 




        
          
                
"هنعمل أى!!" 



هز رأسه بيأس وقد ضاقت به الدنيا 
"ما بعرف  يا سيلا اتركيني أفكر" 



أومأت له و الدموع تملاء أعينها سألته بصوت متحشرج 
"اعملك حاجة تاكلها!" 



هز رأسه بالنفي "بدي أكون لواحدي بعد اذنك"



أومأت له وهى تراقبه بحزن ثم تحركت لغرفتها تبكي بصمت على عجز بطلها الوحيد و حاميها، تشعر بالعالم ينهار من مجرد رؤيه الحزن بأعينه، تقتل بنظرة العجز و التشتت التى تراها على وجهه فى الأزمات، فهو ظهرها الصلب، و بيتها الذى لا يميل.



تصفح عبيدة هاتفية بتشتت لكن بعد ثلاثة ساعات من البحث و التصفح  قفز وهو يصرخ بشقيقته 
"سيلا" 



خرجت تركض بلهفة 
"فى أى يا عبيدة!" 



أشار لها بالجلوس بجانبها بارتباك لتتقدم بقدم مرتعشة 
"فى أى يا عبيدة لقيت حل!"



أومأ لها ثم أقترب يمسك كفيها يحتويهم بحنان 
"أنتِ عارفة أنك حته مني و ما بقدر أبعد عنك لحظة صح" 



أومأت له بأعين دامعة و قلب خافق، ليكمل هو
"أنا عارف أن يالي هقوله صعب، بس إحنا مع بعض فى الحلوة و المره عدينا شي حجات كتير سوا، و هتعدي لسه باقي الأزمات سوا، أنا هفضل جنبك ما بدياكي تقلقي أو تشيلي هم" 



قاطعته بخوف و قد انسحب الدم من عروقها 
"في أى يا عبيدة خوفتني!"



تنهد يحاول تهدئه ضربات قلبه المذعورة و رسم القوة حتى يعطيها لها 
"إحنا راح نسافر  سيلا" 



عقدت حاجبيها باستفهام وهى تقول بصوت متقطع مشتت 
"ازاى و الفلوس و ....هنروح فين اصلاً و.." 



قاطعها وهو يشدد علي يدها بقوة 
"راح نسافر على مركب يا سيلا"




أتسعت أعينها برعب وهى تهز رأسها بنفي مذعور و قد شحب وجهها تماماً
"أى!! ازاى قصدك هجرة غير شرعية! بس... أنا مش فاهمة، دي خطر و.." 



أردف بهدوء و ثقة أستطاع رسمها حتى يبث بها الامان



"أهدي سيلا، خلينا نعرف نفكر سوا، خدي نفس كبير، أى هيك منيح، اسمعيني، فى ملايين الناس بتسافر كل يوم على الدول الأوروبية، إحنا ليش جينا لهون، لأن ما كان في فرصة تانية، إحنا جينا لبلد قريبة و قولنا إخوانا وهما كانوا ناس كتير طيبين معانا، حاولنا نستقر، بس ما ظبط، وقتنا خلص هون سيلا، لازم نشوف حالنا بمكان تاني، و ما في طريقة غير السفرة هيك، أنا عارف أن الموضوع صعب، بس أنا بشوف حاجة أمان" 




بكت بخوف وهي تتشبث به 
"لكن أنا خايفة يا عبيدة، لي كل ما نقول خلاص هنستقر تيجى حاجة تهدم بيتنا و تفرقنا بعد ما نكون اتعودنا"




        
          
                
مسح على رأسها بحنان و رقة 
"قدرنا هيك سيلا الحمد لله على كل حال، المهم إننا سوا، المهم إنك معي، بإذن الله كل شي هيكون منيح، أنا واثق أن ربنا هيكرمنا" 



أومأت وهى تتشبث باحضانه تبحث عن الأمان بين أحضان وطنها الحقيقي، فأن لم يكن لها بيت و وطن، سيكون ذراعى شقيقها بيتها و أمانها و أرضها الصلبة الوتد الذى تستند عليه دون خوف 



"أنا معاك بأى حاجة هتعملها يا عبيدة، هنكمل المشوار سوا، هنعمل أى دلوقتي، و هعمل أى فى الكلية هسحب ورقي!!"  



فرت دمعة من أعينه وهو يقول
"ما راح تكملي الدراسه هون سيلا، بوعدك أول ما نستقر هناك هتكملي دراسة" 



أومأت له وهي تبكي على حلم بات فتات و أيام لن يبقى منها سوا ذكريات 



أردف بتحشرج وهو يضمها 
"سيلا بكرا بتودعي صحابك، بس اوعي تقولي أى حاجة لحد" 



أومأت له دون أن تجد القدر على الرد فالحزن ضرب بحتجرتها و اغلقها فلم تعد للكلمات فائدة أمام الحزن الظاهر، بعد فترة استطاعت أن تهمس 
"هنسافر امتى!" 



قبل رأسها وهو ينظر لارجاء المنزل الصغير الذى احتواهم طوال مده إقامتهم، و الذى أصبح جزء من روحه
"بكرا باليل" 



انتفضت بفزع وهي تسأل



"أى بكرا باليل؟!" 



أومأ لها و الحزن يأكله 



لتقول بشرود وهي تتأمل ما حولها 
"يعني خلاص راح نترك كل حاجة هنا و بنمشي، معدناش هنرجع هنا تاني!!" 



أردف بصوت عميق وهو ينظر لاعينها بتأثر 



"إحنا تركنا وطنا يا سيلا من فتره طويلة، تركنا ديارنا، تركنا أهلنا تحت التراب، تركنا كل شي ورانا لحتى ننجوا من دمار الحرب، چينا لهون وأحنا ما بنعرف هل دي المحطة الأخيرة ولا فترة إستراحة، بعرف أنك سويتي ذكريات و رفقات، و حياة هنا، بس هون ما آخر محطة، و ما بنعرف هناك آخر محطة ولا لأ، إحنا بنبحث عن شقفة أرض تضمنا، بس ما بظن أن بعد وطنا نلاقي وطن، راح تكون كلها محطات مؤقته، حتي نعود لديارنا فى يوم من الأيام" 



بكت بقوة و غير تصديق ليضمها بين ذراعيه وهو يعتذر بكلمات هامسة عن قساوة العالم و وحشيته، عن تشتت صغيرته، عن قلبها المنكسر، الحياة التى تذيقهم المُر مراراً و تكراراً 



====================



دخل بخطوات يجر بها جبال من الخيبات ثم وقف أمامه يتأمل تجاعيد و جهه الذى حفرها الزمن، يتأمل كل تفصيلة
وجهه عبائته الثميته يدة الممسكة بالسبحة، المكتب الفخم، كل شئ 



رفع والده الحاج عرفات و جهه يتطلع به بملامح مقتضبه "خير عايز أى، عقلك رجع لراسك ولا لسه" 



رد عيد الرحمن بجمود 
"أنا من الصبح وأنا بفكر، بشوف أنا قدمتلك أى وأنت قدمتلي أى" 



سخر والده وهو يضع قدم فوق الأخرى و يعود بظهره للخلف بفخامة 
"قدمتلك أى!! أنا اللي خليتك راجل مالو هدومك، خليت الناس تحترمك، خليتك راجل شايل مسؤوليه، علمتك كل حاجة، بدل ما تكون عيل طرى أبوه معاه فلوس، خليتك تتعلم الشغل و الصانعة و تتمرمط عشان تعرف قيمة القرش، عليتك و خليت ليك قيمة و شأن، و راجل بجد، أنت بقا عطتني أى يا عبد الرحمن" 



ضحك عبدالرحمن بعدم تصديق 
"عطيتك أى!! أنت أخت عمرى، و صحتي، و كل حاجة بحبها، أنت مخلتنيش أختار أى حاجة أنا عايزها، أنت مخلتنيش أدرس الحاجة اللى عايزها، و دخلتني فى شغلك أنت مرمطنتي، شغلتني كل حاجة صبي و سواق و تباع ميكانيكي كل حاجة أنت مكنتش بتخليني انام عاملتني أسواء من أسواء حد شغال عندك، كنت ضاغط عليا و على اعصابي، محيت احلامي و شخصيتي، محيت عمري، أنا مقدمتش حاجة معينه، أنت أخت مني كل حاجة، أنت فعلاً عملتني، عملتني شخص أنا مش عارفه و مش عايزه، و في الأخير عايز تغصبني اتجوز بنت مراتك كمان" 




ضرب عرفات على المكتب وهو يقول بصرامة 
"آه أنت جاي تعمل فيها الضحية صح! أسمع كلامك دة وفروا لنفسك، أنا عملت اللي اتربيت عليه، مش مهم بقا احلامك و الكلام الفاضي دة، المهم أن طلعتك راجل" 



صرخ عبد الرحمن بغضب ممزق 
"راجل مش عارف نفسه" 



رد عرفات بغير إهتمام
"الكلام بتاع الأفلام و المسلسلات دة ميخشش عليا، أنت مقدرتش تقعد منغير الفيزا بتاعتك عشان كدا جاي تقول الكلمتين دول" 



هز عبد الرحمن رأسه بيأس و قد فقد الأمل من والده و عزم على تنفيذ ما فكر به
"لا أنا كنت جاي أتأكد من حاجة، و اتأكت منها خلاص، و أعرف أن أنت السبب في اللي هعملة، أنا قادر اعيش منغير الفيزا اللى بتذلني بيها اللي اصلاً أنا الي جايب كل قرش فيها من عرق جبيني و شقيان فيهم، و ضيعت عمري معاك و في الآخر بتسحب مني الفلوس وأنا فى العمر دة عشان تلوي دراعي، الطفل اللي كنت بتعاقبه كدا كبر و قادر بتخلى عن أى حاجة، تغور الفلوس دى لو هى اللى هتعيشني مذلول و مضغوط و بيتلوي دراعي بيها، مع السلامة يا حاج عرفات، مع السلامة يا بابا" 



صرخ عرفات بصوت عالي غاضب 
"هترجع تاني يا عبد الرحمن أنت ملكش مكان غير هنا، مفكر أن مش هعرف اشغل المصلحة منغيرك، بس افتكر أنك هترجع هنا تاني زي الكلب، بس هترجع على شروطي أنا" 



تحرك عبد الرحمن بخطوات واسعة وهو يهز رأسه بتصميم و يشد على فكة هسهس بفحيح
"هنشوف" 



أخرج الرقم و أتصل به ليقول بتصميم و نبرة قاطعة 
"أنا جاهز بكرا باليل قابلني" 
=================



إلي اللقاء في الحلقة القادمة




        


google-playkhamsatmostaqltradent