رواية عهد مع الشيطان الفصل الثاني 2 - بقلم نسيمة حفصي
"الفصل الثاني"
صدمتها جذبت انتباه وهج و هيثم الذي وقف و اقترب منها بقلق ثم اردف بنبرة متسائلة"نزال انتي كويسة.. في ايه؟!.
نزال و مازالت على نفس صدمتها: "موكلي اتقتل او بالأحرى المجرم اللي انا دافعت عنه و فكراه بريء.
رمقتها وهج بنظرات مطولة و كأنها تأكد لها صحة كلامها السابق.
بينما جذبها هيثم لجلس على اقرب مقعد ثم جثى على ركبتيه امامها و اردف بصوت حنون:" طب انتي زعلانة ليه يعني ربنا مرادش ان واحد مجرم يطلع منها من غير عقاب."
نزال و دمعة حارقة نزلت تعلم مجراها على خدها: "انا المفروض احط المجرمين جوه السجن مش اطلعهم منه.. هو مكنش عليه اي دليل ولا سجله في سوابق"
هيثم بحكمة: "اديكي قلتيها هو مكنش عليه اي ادلة ولا عنده سوابق..، مكنش اي حد هيعرف ان مجرم.. اطلعي ارتاحي و بكرة ابقي شوفي الموضوع ده.
اومأت له بهدوء ثم نظرت لوهج لترمقها بنظرات حانية و ابتسامة هادئة ثم اردفت بهدوء:" تعالي نطلع انا عايزة انام بحضنك بقالي فترة منمتش عندك"
"ابتسامة صغيرة رسمت على شفتي نزال قبل ان تمد لها يدها ثم تصعد بها الى الأعلى حتى تنعم ببعض الراحة لعلها تريح عقلها من تلك الأحداث التي تصادمت عليها في يوم واحد."
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
كان الصباح قد بدأ ينسلّ بهدوء عبر نوافذ الطابق العلوي لشركة "آر آر جي للإستيراد و التصدير". المبنى الزجاجي يعكس أشعة الشمس الأولى كمرآة ضخمة في قلب المدينة، تملأ الحركة الممرات والسلالم بأصوات الخطوات المتعجلة، وأزيز المصاعد، وهمسات الموظفين المتبادلة سريعًا قبل أن يتوزعوا على مكاتبهم.
في الطابق الرابع، كان الهدوء يلفّ أحد المكاتب الواسعة الواقعة في الزاوية. الجدران مغطاة بألواح خشبية داكنة، تمنح المكان فخامة صارمة، وتزينها شهادات تقدير مؤطرة بدقة. نافذة بانورامية ضخمة تطل على ضجيج المدينة، لكنها تعزل ضوضاءها كليًا، تاركة خلف الزجاج مشهدًا صامتًا لعالم يتحرك بلا توقف.
كان يجلس خلف مكتبه.
مكتب ضخم من الخشب المُعتّق، سطحه خالٍ تقريبًا إلا من جهاز لابتوب أنيق، وحامل أقلام فضيّ يضم قلماً واحداً فقط. في الزاوية اليمنى، ساعة صغيرة بعقارب ذهبية، لا تصدر صوتًا، لكنها دائمًا مضبوطة بدقة مريبة. كأنها تعرف أن صاحب المكتب لا يتسامح مع التأخير.
جلس في مقعد جلديّ داكن، ظهره مستقيم، وعيناه مركزتان على الشاشة أمامه. كل شيء حوله يدل على الانضباط… والنظام… وربما شيء من البرود المدروس.
و لكن هيهات كيف لهذا الهدوء ان يدوم فجأة وجد من يقتحم مكتبه بهمجية قائلا بمرح و هو يرفع ملف بين يديه: "جبتلك اللي طلبتو يا رحيم"
نظرة واحدة من هذا الوحش جعلت ذالك الأحمق يعود عدة خطوات للوراء ثم قام بإغلاق الباب و اعد فتحه من جديد بعد ان طرق عليه و تردف بجدية مخادعة: "ممكن ادخل يا رحيم بيه.
رمقه رحيم بسخرية قبل ان يردف:" ما انت دخلت خلاص... اقعد يا ياسين قبل ما اتعصب عليك"
جلس ياسين على المقعد امامه بسرعة بعد ان اغلق الباب و اردف بخوف مصطنع: "لا و على ايه اهو قعدنا و ربعنا كمان.
رحيم بجدية" فين اللي طلبتو منك؟ "
وضع ياسين الملف على المكتب امامه و اردف بنبرة هادئة:"اهو الملف ده فيه كل المعلومات اللي انت طلبتها و زيادة.... بس ممكن سؤال لو مش هيزعج الوحش.. هيا البنت دي مين.
نظر له رحيم نظرة مطولة و على وجهه ابتسامة جعلت الآخر يوقن بأن القادم ما هو الا دمار فتلك الابتسامة لا تظهر سوى عندما يكون هناك دمار قادم.
ياسين بريبة:"ناوي على ايه يا صحبي؟"
حدجه رحيم بنظرة مظلمة قبل ان يردف": انت مش عندك شغل مستنيك قاعد هنا بتعمل ايه يا ياسين".
رمقه ياسين بسخط و قال بيأس من كتلة البرود التي تقبع امامه": هو الواحد مش بيعرف ياخذ منك لا حق ولا باطل.. عن اذنك.
اشار له رحيم بيده على الباب علامة الخروج فتوجه للخارج يتمتم بكلمات غير مفهومة، لتظهر شبح ابتسامة على وجه رحيم..، ثواني و عاد ينهمك في الملف امامه يراجع المعلومات التي يحتويها بإهتمام،، اسودت عيناه و نظر امامه بنظرات قاتمة و همس من بين شفتيه"نزال".
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
خرجت من الحمام تلف منشفة حول جسدها بينما تمسك اخرى بين يديها تجفف بها خصلات شعرها المتدلية على ظهرها بشكل ساحر.
اقتحمت وهج الغرفة و هيا تغني بصوتها النشاذ مما جعل نزال تضع يداها على اذنااها بضيق.
وهج: "و عاملني بطييبة و احسااااس يدلعااني قدااام النااااس بيعرف اني روماانسية..... صباح الخير يا لولو"
نزال و هيا تدفعها عن طريقها بغيظ:" صباح النور يا شيرين زمانك.
وهج بضحك و هيا تجلس على السرير خلفها بأريحية"ايه رأيك نخرج بما ان اليوم اجازتك"
خرجت نزال من غرفة الملابس بعد ان ارتدت فستان من اللون الأسود به نقاط بيضاء يصل الى كاحلها و صندل ذو كعب متوسط الطول فأردفت بجدية: "مش هعرف يا وهج في حاجة لازم اعملها ضروري... لمحت علامات الحزن التي ارتسمت على ملامح شقيقتها فأردفت ببتسامة.." ولا اقولك خلاص تعالي نخرج و لما نرجع هخلص اللي ورايا.
"عادت الإبتسامة تزين ثغرها لتركض بفرحة تلقي بنفسها بين احضان شقيقتها": دقيقتين و هكون جاهزة انا عايزة اروح الملاهي.
اومئت لها نزال بضحك فركضت الى غرفتها غير عابئة بصراخ نزال خلفها و هيا تحثها على الانتباه امامها حتى لا تقع.
" نظرت نزال في اثرها ببتسامة لكن خانتها دمعة نزلت تعرف طريقها على خدها حين تذكرت كيف عانت حتى تصبح ما هيا عليه و كيف اهتمت بشقيقتها، لم تنكر ان هيثم كان لهم السند الوحيد الصامد و لم ينقص عليهم شيء لكن هيا كانت تلعب الدور الأساسي في حياة وهج فقد لعبت دور الأم و الأخت معا حتى تعوضها عن حنان تلك التي من المفترض انها امهم لكنها لم تستحق لقب الأمومة بل انها جريمة شنيعة ان نطلق على تلك الامرأة لقب ام،، من منا لا يعرف معنى كلمة ام.. هيا الحنان هيا الوطن هيا العالم هيا الحياة هيا الطيبة هيا دعوة تتحقق.... عادت بذاكرتها الى 10 سنوات مرت و كأنها ساعات ليست سنوات.
فلاش باك 10 سنوات.
"كانت نِزال واقفة عند باب الشقة، ضهرها مشدود وعضت على شفايفها تحاول ما تبكيش، وهي شايفة أمها بتلم حاجتها في الشنطة بسرعة. كل حاجة كانت بتحصل بسرعة، بس الوقت كان ماشي ببطء قاتل، كأن الدقايق بتمط وتتمزق في قلبها.
وهج، الصغيرة، كانت قاعدة على الأرض جنب باب الشقة، عيونها مليانة دموع، وصوتها بيتكسر وهي بتقول للمرة العاشرة:
"ماما… متسبينيش… بالله عليكي متروحيش…"
بس الست ما ردّتش. ولا حتى بصّت فيها. كأنهم مش بناتها. كأنهم ولا حاجة.
نِزال وقتها كانت في 16 من عمرها، بتحاول تفهم إزاي أم ممكن تختار راجل غني على بناتها. إزاي ممكن تبيعهم كده بسهولة، من غير ما تبص وراها حتى؟
صوت وهج وهي بتعيط لسه بيرن في ودنها بعد كل السنين:
"أنا خايفة يا ماما… عشان خاطري متمشيش و تسبيني مش هعرف اعيش من غيرك كفاية بابا معتش بشوفه… مامااااا!"
ونِزال كانت بتضم أختها بقوة، بتبوس راسها وهي بتهمس لها وهي بتبكي:
"أنا معاكي، أنا مش هسيبك أبداً… حتى لو هي راحت، أنا هنا…"
بس الطفلة كانت بترتعش من الخوف، من الصدمة، ومن الإحساس بالفقد.
الأم نزلت السلالم، والكعب العالي بتاعها كان بيرن في السكون كأنه طعنات في قلب البنتين.
كل صوت خطوة كان بيكسر حتة من قلب وهج، وكل خطوة كانت بتغرز خنجر جديد في روح نِزال.
نِزال شالت أختها بعد ما وقعت على الأرض من كتر العياط، وهي بتقول لها بصوت مبحوح:
"ابكي… ابكي براحتك… بس اوعديني إنك مش هتتكسري هتبقي قوية يا وهج عشان انتي وهج المالكي…"
وهج رفعت عينيها، وقالت بصوت مخنوق:
"هي كانت مش بتحبنا؟"
نِزال دموعها نزلت غصب عنها، وقالت وهي بتنهار:
"مش عارفة يا وهج… مش عارفة…"
بس اللي كانت عارفاه، إنها في اللحظة دي بقت أمها وأبوها وكل العالم ليها. وإن الجرح ده،هيطول عشان يلتئم.
باك.
نزال بعينين تلمع بالقسوة:"انا بكرهك و بكره قلبي اللي لسه بيحنلك بعد السنين دي كلها و بعد اللي عملتيه فينا انا بحياتي مش هسامحك عشان كنتي سبب بعذاب وهج لسنين.
نزاااااااال... كان ذالك الصوت كفيلا بإخراجها من افكارها لتجد وهج تقف امامها بعد ان غيرت ملابسها الى سالوبات جينز من اللون الأزرق و اسفله تيشرت نص كم باللون الأبيض و كوتشي من نفس اللون بينما تضع الهاند فري حول رقبتها مما اعطاها منظر طفولي لطيف.
نزال بمرح:"ايه الحلاوة دي يا خواتي انتي مرتبطة يا قمر.
وهج بخجل مصطنع:"اه لو سمحتي و متكلمنيش عشان ختشيبي بيغير عليا".
نزال بضحك:"يا شيخة اتنيلي بشكلك ده اللي شبه الأطفال.. يلا ننزل.
وهج بمرح و هيا تسبقها خارج الغرفة": طلقني لو مش عاجبك طلقنييي!.
اتبعتها نزال الى الأسفل لتجد هيثم يجلس على طاولة الافطار في انتظارهم فتقدمت منه وهج و قبلت خده قائلة بمرح"صباح الخير يا خالو القمر.
امسك هيثم ملابسه بطريقة درامية و اردف: "الحقيني يا نزال البنت بتتحمرش بيا و انا واحد محترم يرضيكي كداا.
نزال في محاولة لكتم ضحكتها:" لا طبعا يا هيثم ما يرضنيش خالص... وهج لازم تتعاقب مينفعش دي بقت خطر على البشرية. "
رمقتهم وهج بغيظ و امسكت قطعة توست تلتهمها بشراهة و كأنها تنتقم منها ثم اردفت": ايه انتو هتحفلو عليا ولا اي الحق عليا بحاول اعاكسك بس انا كذابة اصلا عشان انت واحد خرفان و قرب يجيلك الغضروف"
لم تستطع نزال السيطرة على ضحكتها و هيا ترى ملامح هيثم المصدومة بطريقة مضحكة بينما وهج لم تبالي بهم و اكملت التهام طعامها بنهم شديد.
نزال": خالو احنا هنروح الملاهي تحب تيجي معانا اهو نغير جو.
هيثم": اكيد دي فكرة الهبلة دي عشان مستحيل انتي تقرري من نفسك كدا.
نزال ببسمة": ايوه صح الصح.
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
تجلس بصمت تحت ظل شجرة وارفة، أو لعلها اختارت المقعد الخشبي القريب من ساحة اللعب، لا فرق. المهم أنها كانت هناك، تتأمل الأطفال وهم يركضون ويضحكون، أحدهم يلاحق الآخر بضحكة عالية، وآخرون يتقافزون خلف بالونات تطير فوق رؤوسهم.
أخذت نفسًا عميقًا، وعينيها تراقب ذلك المشهد الذي لا يشبه شيئًا من ذاكرتها.
طفولتهم تشبه الحكايات، أما طفولتها هي، فلم تكن يومًا قصة تُروى، بل صفحة مطوية في كتاب مليء بالسواد.
نظرت إلى فتاة في عمرها تقريبًا، تضحك بصوتٍ عالٍ وسط صديقاتها، أنيقة، مطمئنة، والابتسامة تزين وجهها كأنها خلقت لتضحك فقط.
ابتسمت رحمة بخفة، لا فرحًا، بل كمن يتذكر ما لم يحدث له أبدًا.
يحيط بها أربعة من الحرس الشخصيين، يقفون بهدوء ظاهر ويقظة لا تغيب، بأمر مباشر من أخيها.
كأن الطمأنينة لا تصل إليها إلا من خلف ستار من القلق، وكأن الأمان الذي تعيشه اليوم هو تعويض متأخر عن شيء فُقِدَ في الماضي... وربما لا يُعوّض"
لفت انتباهها هذه المرة فتاة اخرى تركض بسعادة بينما تمسك بيد فتاة اخرى لا تعلم ان كانت اختها او صديقتها بينما يتبعهم شاب وسيم يضحك على مرحهم رأت تلك الابتسامة التي تزين وجوههم... تشعر بالحنين لشيء مجهول ربما حنان عائلي لا تنكر ان رحيم كان لها السند في ظل غياب اهلها لكنها بحاجة الى حضن دافئ تحتمي به تشكو له حزنها دون خوف،، لكن كيف ستشكو و هيا لا تريد ان تخرج صوتها من اعماقها... الا تعلم انه سيأتي من يفهم ندرات عيناها و يشعرها بأن الآلام لا تشكى بالكلام فقط بل نظرات تنقلها مشاعر صادقة نابعة من قلب الى قلب عاشق..
"على الناحية الأخرى كان هيثم يتابع وهج و نزال و مشاجرتهم معا تحت مشاكسة وهج لأختها لكن وقعت عيناه على تلك العصفورة الحزينة التي يبدو و كأن احد قام ببتر جناحيها و ما اثار حيرته تلك الحوائط البشرية التي تحيط بها... مما تبين انها فرد من احد العائلات الكبرى... هو ايضا ذو نفوذ و غناء و لطالما كان يسر على وهج و نزال ان يكون لهم حرس شخصيون لكن نزال كانت ترفض بشدة...لم تأبي نظراتها تركها لمعة الحزن التي تظهر في عيناها تروي قصة الم ربما يصعب شفائها فجأة وجدها توجه نظرها الى نقطة ما و ملامح وجهها تتشنج بشكل ملحوظ...
" كانت تراقب ذالك الرجل الذي يتابعها من بعيد بصمت لكن التفتت فجأة على صوت فرقعة لتجد احد الشباب يمسك علبة من الألعاب النارية و ولاعة يقوم بتشغيلها،، ثبتت نظراتها على تلك الشرارة التي تخرج من الولاعة بملامح متجمدة و قلب تتسارع دقاته.... انتبه لها رئيس الحرس الخاص بها فإقترب منها بقلق قائلا"انسة رحمة انتي كويسة؟ "
لم يئتيه اي رد منها و يبدو ان حالتها بدئت تسوء اكثر فأخرج هاتفه يحادث مديره ليخبره بحالة شقيقته.
"كانت الذكريات تتراكم أمام عيني رحمة كأنها عرض سينمائي لا نهاية له. فجأة، شَعَت شرارة، ثم أخرى، لتشتعل النيران من حولها، تلتهم المكان... تلتهم الوجوه، الأصوات، حتى الهواء.
الدُمية القديمة، التي لطالما ضمّتها وهي نائمة، أصبحت الآن بين يديها، محروقة، مشوهة، ورائحتها المختلطة بالدخان لا تفارق أنفها.
كانت النار تحيط بها كوحشٍ ضارٍ، يصيح ويزأر، فيما جسدها الصغير حينها كان عاجزًا عن الحركة... كان الخوف أثقل من أن يُحمل.
وفجأة، شعرت بشخص امامها.
صوتٌ ما... همساتٌ ناعمة تتسلل إليها، كأن أحدهم يحاول أن ينتشلها من أعماق الذكرى.
فتحت عينيها ببطء، أو هكذا ظنت، فقد كانت جفونها مطبقة بقوة كمن يخاف من أن يرى...
وعندما فتحتها، رأته.
ذلك الشخص الذي رأته قبل قليل شعرت بنظراته تراقبها من بعيد، واقفٌ أمامها الآن.
شفتاه تتحركان، يهمس بشيء، لكنها لا تسمع، عقلها ما زال غارقًا في رماد الماضي، مشدودًا إلى لهيب الذكرى، رافضًا أن يخرج.
هي هنا، في الحاضر، لكن شيئًا منها ما زال هناك... تحت الركام، بين الدخان والدمية المحترقة.
••••
على الجهة الأخرى، كان يجلس خلف مكتبه الفخم، الأوراق مبعثرة أمامه، وشاشة الحاسوب تضيء بتقارير متتالية، لكن تركيزه ثابت، يدير أعماله بدقة لا تعرف التراخي.
رنّ الهاتف فجأة.
نظر إلى الشاشة، فرأى الاسم: منتصر – رئيس الحرس الشخصي لرحمة.
تجهم قليلًا قبل أن يرد.
" نعم يا منتصر؟
جاءه الصوت الآخر مرتبكًا بعض الشيء، لكنه حريص على إبقاء نبرة الاحترام:
سيدي… الهانم الصغيرة، آنسة رحمة… كانت قاعدة في الحديقة، وفجأة لقيناها تعبت، ومش عايزة تكلم حد. حاولنا نطمن عليها، بس هي مش بترد ومش راضية حتى تبص لحد فينا.
صمت على الطرف الآخر لثوانٍ.
جفّت عيناه من رمشٍ واحد.
ثم نهض ببطء، الكرسي يدور خلفه بلا صوت، ونبرة صوته جاءت حادة، واثقة:
"خليكوا معاها..، انا جاي فورا."
أغلق الخط دون أن يضيف كلمة.
مدّ يده بسرعة والتقط جاكيت البدلة المعلّق على طرف الكرسي، ثم اندفع نحو الباب بخطوات متعجلة، لا تحمل شيئًا من هدوئه المعتاد.
خرج من المكتب، وعيناه تتجهان نحو السيارة التي كانت بانتظاره.
فتح الباب الخلفي بنفسه، دون أن ينتظر أحدًا، وجلس.
في لحظة، لحق به حرسه الشخصيون، بعضهم صعد معه، والآخرون سبقوه بسياراتهم.
الأوامر لم تُنطق، لكنها مفهومة"هذا شعار من يعمل تحت قبضة الوحش".مشهد جميل وفيه توتر خفيف ولمسة إنسانية! خليني أساعدك نصيغه بشكل سردي جذاب:
---
اقترب الحرس بخطى سريعة من الرجل هيثم الذي كان يهمس بكلمات مهدئة على مسامع رحمة، نيةُ التدخل بادية على وجوههم. لكنها لم تتحرك، وكأنها مأخوذة بكلماته.
رفع هيثم يده بخفة، بعينين تملؤهما الرجاء:
"استنّوا… بس لحظة."
تبادل الحرس نظراتٍ حائرة، وكأنهم يبحثون عن أمر واضح وراء رجاءه.
أشار لهم رئيس الحرس بإيماءة خفيفة بالتراجع، بعدما وقعت عيناه على ملامح رحمة…
كانت تتغير ببطء، تعود لطبيعتها شيئاً فشيئاً. عيناها التي كانت زائغتين بدأت تركز، وجهها المتوتر هدأ قليلاً، ونفسها صار أكثر انتظاماً.
وقف الجميع في صمت، يراقبون تأثير تلك الكلمات التي كان يلقيها ذالك الرجل على مسامع رحمة.
توقفت السيارة أمام الحديقة بإصدار صوت احتكاك حاد، نتيجة السرعة والالتفاف المفاجئ. ما إن هدأ صوت العجلات، حتى انفتح الباب بقوة، ونزل رحيم بخطوات سريعة ووجهه مشدود، كمن يحمل همًّا لا ينتظر التأجيل.
اندفع نحو الداخل، عيناه تبحثان بشراسة، لم يكن يرى ما حوله بوضوح… لم يكن يتوقعها.
من الجهة الأخرى، كانت تركض ضاحكة، تحاول الاختباء من أحدهم، ربما لعبة، ربما لحظة سعادة نادرة، لم تكن ترى أمامها هي الأخرى… حتى اصطدمت به.
كان الاصطدام عنيفًا بما يكفي لأن تفقد توازنها، لولا يداه، تلك التي امتدت تلقائيًا، أمسكتها قبل أن تهوي.
تجمد الزمن.
لم يعد هناك صوت...
ولا حركة...
سوى نظراتٍ التقت، فارتبك الحاضر، وصمتت الأرض.
عيناها… فيهما بريق حياة، طفولة لم تُخدش بعد.
وعيناه… كأنها تحمل خريفًا عميقًا، صمتًا ثقيلًا.
لم يتكلما، ولم يحتج أحدهما للكلام.
فكأن كل ما كان، اختُصر في تلك اللحظة.
"بقلمي'نسيمة'"
لم أكن أعلم أن العيون
قد تملك زمام الوقت،
حتى اصطدمتُ بصدفةٍ
كادت تُسقطك... وتسقطني معها.
لم أكن أبحث،
لكنّكِ كنتِ هناك،
بين هرولةِ الحياة،
وحافةِ السقوط.
عيناكِ...
مرآتان من صمتٍ مدهش،
كأنهما نسيتا العالم،
واكتفيتا بي،
واكتفيتُ بهما.
نسيتُ لماذا أتيت،
وإلى أين كنتُ أمضي،
فكل الطرق اختزلت
فيكِ.
"لقاء كتبه القدر بواقع خاص بهم..
" نزال على وشك مواجهة شيء يقلب حياتها
"رحمة ربما باب جديد سيفتح ليغير معاناتها او ربما يزيدها.
"رحيم يخطط لشيء مجهول لا احد يعلم ماذا يخفي الوحش.
«دمتم سالمين... يرعاكم الله»
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية عهد مع الشيطان) اسم الرواية