رواية ظننتك قلبي الفصل السابع والعشرون والاخير27 - بقلم قوت القلوب
((الخاتمة « هُدنة ....؟؟!»))
ليس كل ما علينا تصديقه أن يكون له دليل واضح ، فبعض الأحيان علينا تصديق إحساسنا ، فالقلب دليله نافذ وإن عُمىَ البصر ...
أنا لست أحمق أنا أستسلم لنداء القلب ، فللقلب طريق وحديث يمكنه إختراق الحواجز دون الحاجة لسلاح ...
بوجه شاحب تمامًا هربت منه الدماء وقفت "وعد" مرتعدة الأوصال تناظر وجودها وحدها بالشقة تدور برأسها العديد والعديد من الأسئلة أهمهم كيف وصل هذا الخاتم هنا ؟؟!
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
قفزت بإنتفاضة فزع حين سمعت صوت باب الشقة يُغلَق من خلفها لتلتفت بأعين تختلط بياضها باللون الأحمر المحتقن وحدقتان يصرخان فزعًا رغم صمتها ...
وجه مرتعب جعل "محب" يسرع بخطواته تجاهها وهو يتجهم بأنفاس متهدجة ..
- "وعد" ، إنتِ كويسة ؟؟ مالك واقفة متخشبة كدة ليه ؟!
تسارَعت أنفاسها وتلجَم لسانها لتتحشرج الكلمات بحلقها وتكتفي بالإشارة بعينيها نحو كف يدها ...
زاغت عينا "محب" بين ملامحها الباهتة وكفها الذي يقبض بين طياته على شئ ما ليمسك بكفها يفتحه ببطء يناظر ما تتمسك به بهذه القوة ...
فتح كفها ليجد خاتم أخيه ، إنه هو بالتأكيد فهو يدرك ذلك جيدًا ، قبض حاجباه قليلًا متسائلًا بعدم فهم ...
- مش ده خاتم "عاطف" ؟؟؟؟ مالك ماسكاه في إيدك كدة ليه ؟!!
تيبس جسدها تمامًا لتناظر "محب" بثبات لفترة طويلة كمن خلت الحياة من عيونها مرة أخرى ، بالكاد أخرجت بضع كلمات من فمها الهامس ...
- لقيته على حوض الحمام ...
أخذ "محب" الخاتم من يدها ليسند كفه فوق كتفها بحنو محاولًا إمتصاص تلك الصدمة التى تحتل عيناها قائلًا ...
- وفيها إيه يا حبيبي ، عادي ، ليه خايفه أوي كدة ؟!
إبتلعت ريقها الجاف موضحة بروح مسلوبة ...
- الخاتم ده كان ضايع ، قلبت البيت كله عليه ملقتهوش ، جه منين ؟!! مين إللي حطه في الحمام ؟!!
فهم "محب" سبب شحوبها وتخوفها ليضمها إليه بحنو شعرت بالراحة تنساب تدريجيًا لعروقها المتجمدة ليردف بنبرته الهادئة الحنونة ...
- متحطيش الموضوع ده في بالك ، ممكن أى حاجة ، ممكن "زين" مثلًا لقاه وحطه هنا ، أمال حيكون منين يعني ، أكيد هو "زين" لقاه وقعد يلعب بيه وإنتِ مش واخده بالك ، المهم أنا عايزك تطمني ، أنا معاكِ وبس ، متخافيش ، نقفل صفحة "عاطف" دي كلها بحلوها و مُرها ، ممكن كفاية بقى ومتفكريش في الحاجات دي تاني ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بإستكانة شديدة حاولت التغاضي عن أمر الخاتم فربما هو كذلك ، ربما وجده هذا الصغير دون أن يخبرها ووضعه هناك ، يكفيها شعورها بتلك المحبة فلا داعي للذعر من أمر مستحيل ، فـ"عاطف" قد مات ولن يعود ولا داعي لتخيل أمر لن يحدث مطلقًا ...
إستكمل "محب" حديثه وهو يضم زوجته إليه بقوة أكبر يشعرها بالأمان إلى جواره ...
- بلاش تخلي دماغك توديكِ لحاجات مستحيل تحصل ، بلاش ندفن سعادتنا بإيدينا ، خلينا نبدأ مع بعض حياة جديدة بعيد عن كل الوجع ده ...
حركت رأسها برفق داخل أحضانه مجيبة بوداعة ..
- حاضر ، أنا بس خوفت أوي ، مش عارفه ليه حسيت إن "عاطف" رجع تاني ...
ضحكة تعالت من هذا المحب ليعقب بتهكم ...
- بلاش شغل أفلام ديزني ده ، "عاطف" خلاص لا يمكن يرجع ، بلاش الوساوس دي ...
ثم غمز بشقاوة لاقت على ملامحه الوسيمة قائلًا ...
- بصى بقى يا تلبسوا دلوقتِ أو أنا مش مسؤول عن إللي حيحصل وإنتِ قدامي بالمنظر ده ، أنا لحم ودم يا ناس ...
توهجت وجنتيها بحمرة خجل وهي تناظر نفسها بمأزر الحمام لتركض مسرعة نحو غرفة النوم تستكمل إرتداء ملابسها بينما صدح صوت "محب" أثناء هروبها ...
- ما هو الكسوف ده أنا مش حقدر أستحمله كتير ، أصل أنا مشوفتش جمال كدة قبل كدة ...
أغلقت "وعد" باب الغرفة بإبتسامة سعيدة من تغزله بها متناسية تمامًا أمر الخاتم لتستمع لصوت "محب" هاتفًا من خلف الباب فيبدو أنه لحقها ...
- قدامك خمس دقايق يا تطلعي ، يا أدخلك أنا ، وأنا بقول يا ريت تتأخري ...
على عجالة إرتدت "وعد" ملابسها البسيطة التى تليق بملامحها الرقيقة وهي تفتح باب الغرفة لتجده مازال واقفًا ينتظرها ...
نظراته المحبة التى أغرقتها بولهه العاشق فاضت من عيناه بشوق معاتبًا ...
- كدة برضه خلصتي بسرعة !!!
بسمة خجلة تجلت بملامحها وهي تردف بنعومة ...
- وبعدين معاك يا "محب" ...!!!!
نظر تجاه ما تحمله بين يديها متسائلًا ...
- إيه ده ؟؟؟
أجابته وهي تتخطاه نحو الخارج ..
- دي هدوم "زين" حغير له ونبقى جاهزين ...
حملت "وعد" الصغير لتبدل له ملابسه وهي تغدقه بقبلاتها السعيدة تحت أنظار "محب" حتى إنتهت من تجهيزه قائله لولدها ...
- يلا بينا نخرج ...
أجابها الصغير بكلماته البسيطة ...
- يلا .. بينا ..
إقترب "محب" من "زين" ليحمله فوق ذراعه الأيسر ليثني مرفقه الأيمن ليدعو "وعد" بمرافقته للخارج ...
- يلا حبيبي ...
وضعت "وعد" كفها تتخلل مرفقه لتتشبث به بإحساس مبهج للغاية ، شعرت بأنها محبوبة مرغوب برفقتها لتسير إلى جوار "محب" بزهو وسعادة ملأت هذا النابض بين ضلوعها ...
- يلا يا "محب" ...
خرجا من البيت ليستمتعا بتناول وجبة الغذاء بأحد المطاعم التى سيختارها "محب" ...
❈-❈-❈
القلوب السيئة تمامًا كالمسمار الأعوج مهما طرقت عليه لن يستقيم أبدًا ، سنوات وسنوات تعلقت سعادة "فريد" بوجود "حنين" ، كانت من تملك كل مفاتيحه والآن ضاع أقفالها ...
تربص بأعينه الضيقة خارج البيت في إنتظار مراقبة "حنين" ، لا يشعر بالثقة كما هي لا تشعر بالتقبل ، وجهان لحياة متصدعة كنفوسهم تمامًا ...
خرجت "حنين" تلتف بعبائتها بخطوات مسرعة تنظر في كلا الإتجاهين قبل تحركها لكنها مع ذلك لم تلاحظ "فريد" المختبئ عن أعينها ينتظر خروجها ...
إتجهت نحو الصيدلية تبحث عن علاج لتلك التقرحات قبل أن يدرك أحد من أبنائها خروجها ...
وقفت تنتظر خلو الصيدلية من سواها ممن يطلبون الأدوية حتى سألها الصيدلي بلياقة ...
- إتفضلي ..
إضطرت "حنين" للكشف عن تلك التقرحات الظاهرة بذراعها متسائلة بتوجس ...
- الحبوب دي طالعة لي من إمبارح ، ومش عارفه إيه دي ؟؟؟
بنظرة ممتعضة ألقاها الصيدلي عليها ثم أجابها ...
- ده شكله فطر جلدي ، أحسن تروحي تكشفي عند دكتور الأول ...
زمت شفتيها بإستهزاء ..
- إسم الله ، أمال إنت إيه ؟!! أنا مش رايحه عند حد ، هات لي أى علاج وخلاص ...
تنهد الصيدلي بضيق من إسلوبها المنفر قائلًا ...
- ما هو لازم تعرفي السبب والدكتور يكتب لك علاج لأن الأمراض الجلدية ساعات كتير بتبقى معدية ...
بتأفف واضح عقبت بسخط ...
- ما تجيب مرهم ولا كريم وخلاص ، إنت لازم تتنطط علينا ...
زفر الصيدلي بضيق ليسحب أحد العبوات قائلًا بتملل ...
- إتفضلي ..
دفعت "حنين" ثمن المرهم الذى أحضره لها ظنًا منها أنه علاج مناسب لحالتها ولا تدري أنه لم يعطها سوى ملطف فقط ليريح نفسه من تهكمها وطريقتها المستفزة ...
خرجت من الصيدلية تحت أنظار "فريد" مرة أخرى لتعود للبيت ، ليحدِّث نفسه يلومها على سوء ظنه ...
- ما أهي راجعه البيت من غير ما تروح في أى حته ، شكلي ظلمتها ولا إيه ...
نفض عن رأسه وساوس الشيطان ليعود أدراجه للبيت فلا داعى لهذا الشك وتلك الظنون فهي بالنهاية زوجته الحبيبة التى تخشى مصلحته وتهتم به دون الجميع ...
❈-❈-❈
الإسكندرية ...
مشتتة أنا مقسمة لأجزاء ، فجزء متخوف وجزء يقاوم وجزء ينهار وكلهم أنا ، مشاعر متضاربة تحل بي بلحظة واحدة لا أدري ماذا أطلق له العنان والحرية بالظهور وأي منهم أخفيه بداخلي ، لم أعد قادرة على المقاومة ، لم أعد قادرة على التماسك ، إنني أحب ...
تلاشي كل تماسكها وتظاهرها بالقوة بلحظة رأت بها خسارتها له وهو ملقى بلا حراك مستسلم تمامًا ...
شعرت "عهد" بكلمات تتخبط بداخلها ، تصرخ خوفًا وجزعًا داخل قلبها يتردد صداها بعقلها فأخيرًا وبعد صراع إتحدا ، زاغت عيناها بقوة وتهدجت أنفاسها لتتسارع دقات قلبها تتمنى أن ما تراه لا يتعدى كونه حلمًا ، ليتها تحلم ...
صرخات بإسمه تنطق بداخلها لا يطاوعها بها لسانها العاجز عن النطق ، مدت كفيها تهزه بقوة تريد فقط أن يفتح عيناه ليطمئن قلبها ، لحظات هلعة دون إستجابة ، صرخة داخل قلبها شعرت بها تتحرك بداخلها ببطء شديد حتى وصلت لشفاهها لتسمح لها بالخروج معبرة عن إحساس يجتاحها صارخة بتخوف وقلق محب ..
- بالله عليك فتح عنيك يا "معتصم" ، بلاش تعمل فيا كدة ...
نطقتها أخيرًا بدون إدراك ، فقط تركت العنان لنفسها دون تفكير ، أكملت بنبرة مرتجفة لا تناسب قوتها وشراستها الظاهرة بشخصيتها على الدوام ...
- ما هو أنا مقدرش أخسرك دلوقتِ ، ليه تقولي بحبك وتسيبني كدة ، ليه تعلق قلبي بيك وتبعد عني ، إفتح عينك وقولي أنا كويس ، أنا قلبي ميستحملش أشوفك كدة قدامي ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ترقرقت دموع محاربة بعيونها الناعسة لتسقط إحداهما رغمًا عنها تلتها أخرى هاربة من محبسها تتحرر لخارج عينيها ، إرتجف صوتها الناعم الذى تحاول إكسابة خشونة وقوة كلما تحدثت لتتحدث بطبيعتها الأنثوية المختنقة ...
- "معتصم" ، قوم يا "معتصم" ، إنت هربت وإتخليت عني ، يعني إيه تتصاب وتموت ، يعني إيه تسيبني دلوقتِ ، كان نفسي أقولها لك وإنت قدامي ، كان نفسي أقولك بحبك ...
نكست عيناها التعيستان بأسى لتتفاجئ بحركة غريبة من جسده الساكن ليجلس أمامها متعمقًا بسوادوتيه بوجهها الحزين ، كم كانت جميلة رائعة الحُسن ، لها من الرقة والعذوبة ما لم يكن يتخيله ، لكن إعترافها بحبها له جعل قلبه ينتفض بشراسة لم تجتاحه من قبل ، ببسمة سعادة حلت فوق ثغرة الممتلئ قائلًا بعشق تجلى بنظرته الهائمة بها ...
- أخيرًا قولتيها يا "عهد" ...
رفعت عينيها بنظرات صدمة قوية وقد إتسعتا عن آخرهما من هول مفاجئتها بأنه بخير وواعي تمامًا لما تفوهت به ، فغرت فاها للحظات قائله بصدمة ...
- إنت حي !!!! إزاى ... إنت ااا ...
لم تجد كلمات مناسبة لتعبر عن صدمتها بسماعه لما تفوهت به ليحاصرها "معتصم" بذكائه ..
- أنا حي ، ممتش ، وسمعت كل كلمة قولتيها ، إيه حتنكري ..؟!!
لملمت شفتيها بنفس مجروحة تحاول الإستعلاء والتهرب ...
- أنا مقولتش حاجة ، ده بس إنت كنت صعبان عليا !!!
ضحك "معتصم" بجاذبية أطاحت بثباتها تلك المرة فأصبحت هشة للغاية كمن كشف عنها ستارها الواقي ...
- خلاص يا "عهد" ملهوش لزوم تتهربي ، إنتِ إعترفتي باللي جواكِ ، قوليها بقى في وشي وخليكِ قوية ، قوليلي بحبك زي ما أنا بحبك ...
زاغت عيناها تناظر عيناه المسلطة عليها تخبر نفسها بأنها أقوى من ذلك ، لكن قلبها أطاح بثباتها ليبقى تخوفها ورهبتها ، هزت رأسها نفيًا قائله بكلمات متحشرجة لا يمكنها الخروج بتلقائية ..
- مينفعش ، مينفعش خالص ..
إعتدل "معتصم" بجلسته بمقابلها وقد إمتعض وجهه قليلًا لتألمه لتلك الجروح التى خلفتها الرصاصات فقد سببت له جروح سطحية دون إختراق لجسده ...
- هو إيه إللي مينفعش ؟؟! "عهد" بلاش كِبر إنتِ قولتيها خلاص ، ليه تعذبي نفسك وتعذبيني معاكِ ، ليه الرفض إللي ملوش سبب ده !!!
كيف يستطيع أن يفعل ذلك بها ، كيف يستطيع زلزلة كيانها وإخراج مكنونات قلبها بهذه السهولة ، كما لو أنه هو من يتحكم بها وبقلبها ، أليس هذا قلبها هي وتتحكم به ، لم يتمرد عليها ويسير وفق طوع "معتصم" ...
وجدت نفسها تنهار تلقائيًا تتخلى عن جسور دفاعاتها مردفة بتخوف ...
- أنا منفعش أكون ضعيفة ، مينفعش أحب أو أتحب ، أنا حياتي مش سهلة مقدرش أعيش قصة حب بالسهولة دي ، أنا مش محتاجة لحد ولا عايزة أعتمد على حد ، أنا مُره محدش يتقبلني بسهولة ، ولا أنا عايزة حد في حياتي يهد كل إللي بنيته ...
بنظرة الواثق بنفسه ، معتد بقدرته على تغييرها وإخراج مكنوناتها أجابها "معتصم" ...
- لو إنتِ مُره فأنا بعشق القهوة ، والقهوة حلاوتها في مرارتها ، عيشي إللي قلبك بيقولك عليه ، حتخسري إيه ، أنا نفسي مش مصدق إني قاعد بكلم واحدة وأقول لها كدة ، أنا مش عارف إزاى حبيتك في الوقت ده وبالسرعة دي ، لكن أول ما حسيت الإحساس ده مقدرتش أتنازل عنه ، إللي جوايا ناحيتك إحساس صعب يتكرر تاني ...
بالفعل ما يقوله هو ما تشعر به ، إن تلك المشاعر لم تمر على قلبها من قبل ولن تمر ، وقعت "عهد" بحيرة بين أمرين كلاهما مُر ، فكيف ستتقبل الخضوع لفكرة الحب وتنساق خلف قلبها لتضعف كنساء عائلتها ، وبين أنها ترفض هذا الشعور الذى لم ولن يتكرر مرة أخرى ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
أفكار تخبطت برأسها فهمها "معتصم" بذكاء ليجيبها دون سؤال ...
- سيبي نفسك ومشاعرك ولو حصل أى حاجة تخوفك إرجعي زي ما كنتِ ، مش يمكن تلاقي الحب معايا ...
ترددت بالقبول فكم لها من سنوات تخشى أن تكون بهذا الضعف ، فكيف تقبله الآن ، وكيف ترى به الأمان وهو يناظرها بتعالى كما لو أنه يمن عليها بهذه المشاعر ، إنه يشعرها بأن أقصى أمانيها هو الشعور بالحب وأن يرغب أحدهم بها ، لكنها تتمنى أن تشعر بالأمان والسند ، وليس بالضعف أو التصدق عليها ببعض المشاعر ، تريد من يتحملها دون أن يطالبها بالتغيير ، أن يتقبلها كما هي بمُرها قبل حلاوتها ، أن تشعر بأنها بحاجة إليه لكنها الآن مستقلة ليست بحاجة لأحد ، ولا طاقة لها بالخضوع والضعف مهما حدث حتى لو كان المقابل قلبها ...
نظرت له نظرة جانبية منحية مشاعرها التى تملكتها جانبًا لتسأله تستكشف ما بداخله كما يفعل معها ...
- إنت عاوز مني إيه ؟!!
لم يفطن لسبب سؤالها بعد ليجيبها بغموض ...
- حكون عاوز إيه يعني ؟!! واحد بيقول لواحدة بحبك ، حيكون عاوز إيه ؟!!
مالت برأسها تتفحص ردود أفعاله الثابتة المحيرة للغاية متسائلة ..
- وبعد الحب ده !!! المفروض أعمل إيه ؟!!
بإمتعاض لحظي منه أجابها بعدم فهم ...
- إنتِ عاوزة إيه يا "عهد" ، ليه مش بتستجيبي لمشاعرك وخلاص ، ليه دايمًا تعارضي وترفضي وبس ، الحب مفيهوش وبعدين ، لو كان قصدك على إرتباط رسمي فأنا طبعًا .....
قاطعته "عهد" بشراستها المعتادة قائله ...
- لحظة بس ، إستنى إستنى ، إوعى تكون فاكر إن أنا برفض عشان مستنيه جواز والقصة الحمضانة دي ، أنا عمري ما حييجي في بالي إني لما أحب حد حيكون بشكل تاني غير كدة ، أنا قصدي إنت ليه محسسني إن من حسن حظي إنك حبتني ، ليه محسسني إن طالما قولت لي بحبك يبقى لازم أجري عليك وأقبل وجودك في حياتي ...
رفعت رأسها بتشدق تعيد قوتها وثقتها بنفسها قبل أن تستكمل ...
- حتى لو كان جوايا مشاعر ناحيتك فـ فيه حاجات أهم من الحب بالنسبة لي ..
ضيق "معتصم" جبهته بإمتعاض ليتسائل بإقتضاب ...
- حاجات إيه إللي أهم من الحب ؟!!
عقدت ذراعيها أمام صدرها لتتجهم ملامحها بجدية قائله ..
- الأمان ، السند ، الإحتياج ، الدعم كل دي حاجات أنا محتاجاها قبل الحب ، إنت حتديني منهم إيه ؟؟؟! أنا قادرة أحس لوحدي بكل ده ، مشفتش راجل في حياة أى واحدة كان لها كل ده ، يا دوب أول ما يحس بأنها خلاص بتحبه يبدأ يتحكم ويطلع عقدة كلها عليها ، والمفروض إنها ست وتتحمل عشان متخربش حياتها وبيتها ، أنا مش زي كل دول ، أنا غيرهم ، أنا برفض الوضع إللي يقل مني ، عايزة حياة ألاقى معايا حد مشاركني مش بيصعبها عليا ، عايزة أحس بالأمان والقوة إللي أتحامى فيهم ، الحكاية عمرها ما كانت شوية مشاعر وخلاص ...
أدرك "معتصم" بتلك اللحظة أن "عهد" لم تشعر بحياتها سوى بشعور واحد فقط (الخزلان) ، لم تشعر قط بالترابط والحنان ، تبحث عن قوة وسند وأمان لم تشعر بهم من قبل ، إنها بالفعل تحبه لكنها لن ترضخ لمشاعرها إلا إذا شعرت بأنه يمثل ذلك لها أولًا ...
نحى غروره وثقته جانبًا بتلك اللحظة فهذا ليس وقتًا للندية مطلقًا بل إنها لحظة لإحتواء مشاعرها المتناقضة وإحساسها بالخوف وعدم الثقة ، ببسمة هادئة عقب ...
- أنا مش حطلب منك حاجة ، و يكفيني لحد دلوقتِ إنك عارفه إني بحبك ، وأنا متأكد إنك بتحبيني ، أنا بس عاوز منك هُدنة يمكن وقتها تلاقى فيا صورة الشريك إللي إنتِ بتتمنيه ، ووقتها بس حكون أسعد راجل في الدنيا إن واحدة زيك يا "عهد" قبلت تكون شريكة حياتي ...
هدف آخر كسبه هذا المعتصم لتكتفي "عهد" من شراستها وهجومها ، فبعد تقبله لمتطلباتها بهذه الطريقة الهادئة لم تجد ما يستدعي للهجوم والشراسة لتبقى تلك المشاعر المتوحشة بداخلها وتتقبل الأمر بهدوء ...
زفر "معتصم" ببطء ليكمل بمزاح ...
- طيب حفضل قاعد سايح في دمي كدة ولا إنتِ فاكرة إن أنا مش متألم من الجروح دي كلها ...
إنتبهت "عهد" لتباطؤها لإسعاف جروح "معتصم" مدركة بفطنتها أنه يخبرها أنها كما تتوقع المساندة منه هو أيضًا ينتظر ذلك منها فالأمر مبادلة وليس طرف وحيد يستحوذ على كل شئ ، فالحياة المشاركة تنقسم بين أخذ وعطاء ومحبة ..
هتفت به "عهد" بعجالة ...
- يلا بينا على الإسعاف ، زمانهم واقفين على الطريق ...
تسند "معتصم" للنهوض من جلسته بينما أثنت "عهد" على فكره المتقد ...
- كان عندك حق إننا كان لازم نلبس واقي الرصاص ...
نظر "معتصم" لسترته مؤكدًا ذلك فآثار حريق طلقات الرصاص بالسترة واضحًا للغاية ..
- ده لولا الواقي ده كان زماني ميت ...
تمتمت "عهد" بصوت هامس لم يصل لمسامع "معتصم" ..
- بعد الشر ...
إتجها نحو الطريق ليتقدم المسعفين على الفور تجاه "معتصم" لتضميد تلك الجروح أثناء تجوله بنظراته المتفحصة للمكان فقد إنتشرت قوات الأمن وسياراتها وتم نقل اللاجئ لمنزل آمن تمامًا بمعرفة قوات الشرطة لتنتهى بذلك جزء من مهمته ، لكن عليهم العودة لإستكمالها بعد الإطمئنان على "معتصم" أولًا ...
عادت نظرات "معتصم" تراقب "عهد" التى عادت لشخصيتها المحترفة فكم يعشق تلك الشرسة المتمردة وبالتأكيد سيربح معها الجولة المقبلة أيضًا لكن يكفيه الآن إعترافها بحبها له بعد أن أوقعها بشراكة مرة أخرى وها هي أعلنت الهدنة لبداية منعطف آخر بين قلوبهم ...
❈-❈-❈
بيت المستشار خالد دويدار ...
حتى وإن كانت الوحدة تكسو القلوب لكن الشمس مازالت تشرق وحدها ، تخبط بداخل مشاعره لا يدري هل هو مخطئ بها أم مصيب ...
هكذا جلس "رؤوف" لبعض الوقت يعيد ترتيب أفكاره ، إنها مجرد ساعات علم بها بأن "مودة" تكن له بعض المشاعر لكن ما ذنب "نيره" بالأمر ، لقد وثقت به وحلمت بحياة تجمعهما سويًا ، حتى بمشاكلها و أخطائها لم تتعدى كونها تحبه وتغار عليه ، نعم متسلطة قليلًا تود فرض تحكمها لكن هذا ليس سببًا بكسر قلبها وتحطيم فرحتها ...
تنهد "رؤوف" بضيق لكن عليه الإختيار ، عليه الإلتزام بوعده لها وإن كان ذلك لم يعد يسعد قلبه ، لكن عليه تقبل تلك الهدنة وإنهاء ما كان يجب عليه فعله ، عليه إتمام هذا الزواج ...
رفع هاتفه نحو أذنه يتمنى لو أن تلك المكالمة تنتهي قبل أن تبدأ ، لكن صوت "نيره" الحاد إخترق أذنه بعتاب وملامة ...
- لسه فاكر تكلمني ..!!!
أجابها بإختناق كما لو أنه مجبر على ذلك ..
- مساء الخير الأول ..
زمت شفتيها بإستياء لتتأخر بالرد قليلًا قائله ...
- طيب ، خير يا "رؤوف" ، إيه إللي فكرك بيا ؟!!
ضحكة ساخرة خرجت مكتومة بين شفتيه معقبًا ...
- لا والله يعني مش عارفه ، مش إشتكيتي لماما كأني طفل صغير ...
شعرت بالإرتباك فقد أخطأت بحقه مرة أخرى لتتهرب مبررة ذلك ...
- ما إنت إللي مش بيهمك زعلي و لا كإني موجودة ، فقلت مفيش غير ااا ...
قاطعها "رؤوف" فهو يدرك جيدًا طريقتها التى لن تنتهي بأن تصل لمبرر لخطئها وأنها دومًا على صواب والخطأ لابد وأن يكون هو سببه ..
- خلاص يا "نيره" ، مفيش داعي لكل ده ، بلغي باباكِ ومامتك إن كتب الكتاب الجمعة الجاية ، مش ده إللي كنتِ عاوزاه ...!!!
تشدقت بسعادة وزادت إبتسامتها برغم عدم رؤيته لها مرددة ببهجة ...
- والله بجد ، خلاص يعني ...
تنهد بتحسر قاصدًا شعوره الوليد تجاه "مودة" ...
- خلاص يا "نيره" ...
- تمام أوي ، حبلغ بابا وماما ، سلام بقى عشان ألحق أرتب كل حاجة ، إنت فاجئتني أوي يا "رؤوف" ...
أغمض "رؤوف" عيناه محاولًا تقبل أن لكل شئ نهاية وأن تلك هي النهاية المقبولة لخطبته من "نيره" ، فحتى وإن لم يتقبل ذلك عليه إعلان الهدنة وإنهاء حرب مشاعره المضطربة ، تلك المشاعر التى ربما كان سيؤذي بها كلا من "نيره" و "مودة" نفسها ...
❈-❈-❈
سعادة حلقت كطائر مغرد فوق غصون أشجار البندق شعرت بها "نيره" بعد مكالمة "رؤوف" ، إنها أخيرًا ستصبح عروس وترتدي فستان زفافها ، ستتمتع بالحرية التى تحلم بها وسيؤسس لها بيت ملك لها هي صاحبته وملكته ...
أسرعت بمهاتفة "إسراء" تزف إليها خبر تحديد موعد عقد قرانها فلهفتها لن تنتظر للغد حينما تراها ...
- "سوسو" ، مش حتصدقي ...
أنصتت "إسراء" بإهتمام شديد متسائلة بفضول ...
- فيه إيه يا "نيرو" ، شكلك مبسوطة أوي ؟!!
بحماس شديد أجابتها حتى كادت تقفز بموضعها من فرطها ...
- مكالمة طنط "منار" عملت عمايلها ، "رؤوف" إتصل بيا وقالي إننا حنكتب الكتاب يوم الجمعة الجاي ، أنا فرحانة أوي ومش مصدقة نفسي ...
تهدلت ملامح "إسراء" لتجحظ عيناها السوداوتين بضيق لم تشعر به "نيره" من خلف هاتفها لتردف بنبرة مغايرة لإحساسها ...
- حبيبة قلبي ، ألف مبروك يا عمري ...
دارت "نيره" حول نفسها بسعادة غامرة ...
- مش عارفة من غيرك كنت عملت إيه ، أنا بحبك أوي يا "سوسو" ...
زاغت عينا "إسراء" تسيطر على إحساسها البالغ بالضيق والتحسر لتنهي تلك المكالمة المزعجة على الفور ...
- حبيبتي يا "نيرو" ، معلش حبيبتي أصل ماما بتناديني ، حكلمك تاني ، ولا أقولك ، حشوفك بكره في الإستور ، سلام يا قلبي ...
لم تبالي "نيره" بإنهاء "إسراء" للمكالمة لتسرع لوالديها تخبرهم بما حدث وتحديد "رؤوف" لموعد عقد القرآن المتعجل ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
تسقط الأشجار الأوراق في خريفها ، لكن الجذور تبقى راسخة ثابتة لا تتعثر ولا تتساقط ، حتى تلك الفروع تبقى شامخة حتى مع ذبولها وجفافها ...
جلس "عيسى" يتابع ينبوع حياته وترياقها وهي تضحك وتتمايل كعادتها ، ربما دارت برأسه العديد والعديد من الأفكار والظنون ...
حتى أنه تسائل في نفسه ...
-( "غدير" تلقائية جدًا ، شكلها كأن مفيش أي تغيير عليها ، إسلوبها وكلامها ، ضحكها وعفويتها ، حتى إهتمامها بيا وحبها الظاهر عليها ، لا لأ أكيد أنا فاهم غلط ، مينفعش أسمح للشيطان يدخل قلبي ، "غدير" غير أي حد ، لا يمكن أشك فيها ) ...
هكذا قالها لنفسه منحيًا ظنونه وشكوكه ليستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فبالتأكيد هو من يبثه تلك الشكوك والظنون ...
لتقفز فكرة أخرى تجول برأسه ..
- ( لو في حاجة أكيد حيظهر عليها وأنا واثق فيها ، مفيش داعي أهدم حياتنا عشان شوية ظنون ، وأكيد حعرف مين ده وكانت بتقوله إيه ، ولحد ما ييجي وقتها لا يمكن أسمح بالشك والظنون تتحكم فينا) ...
نظرت إليه "غدير" لتصطنع الضيق وهي تمط شفتيها بلطافة لشرود "عيسى" المتواصل ...
- إيه يا "إيسووو" ، مش حتقعد تتكلم معايا وحتقضيها بحلقه وبس ...
ضحك "عيسى" بصفاء ليدنو من محبوبته قائلًا ...
- هو أنا أطول أفضل مبحلق لجمالك ده ..
رمشت بعينيها الواسعتان للعديد من المرات لتسبل بلطافة ببنيتيه قائله ..
- أموت أنا في الرومانسية ، اه يا "إيسوو" يا مدوخني ...
أزاح خصلة مموجة متمردة خلف أذنها قائلًا بعشق منهك القوى ...
- بقولك إيه ، أنا تعبت من الشغل وعايز أفصل ، تعالي نسافر الغردقة كام يوم أنا وإنتِ وبس ونرجع على كتب كتاب "رؤوف" ، إيه رأيك ...؟!!
نهضت "غدير" على عجالة مسرعة نحو الداخل لتخرج بعد قليل تحمل إحدى العوامات الخاصة بالسباحة قائله بمزاح ...
- أنا جاهزة ، يلا بينا قبل ما ترجع في كلامك ...
تعالت ضحكاته المقهقة فقد أعادت السعادة لقلبه بلحظة معقبًا بإندهاش ...
- إنتِ جبتي العوامة دي منين ؟!
أمالت رأسها جانبيًا مصطنعة الجدية ...
- مش قلت لك أنا محضرة العوامة البطة وعايزة أروح البحر ، يلا يا "إيسوووو" قوم أوام ، يلا بينا ...
إستقام ليسحبها تجاهه يسكنها بين ذراعيه ليريح قلبه المتعب منذ ليلة الأمس فقد كاد الشيطان يغلبه لكنه اليوم سينتصر عليه ليهمس بهيام ..
- بحبك يا شعنونة ...
❈-❈-❈
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
ألم يخلف ألم وخزلان يكسر النفوس ، هكذا كان بقية يوم "صباح" وإبنتها بعد ترك "فخري" لهم ، حتى لو توعدت بإنتقام يشفي صدرها إلا أن تحسرها اليوم لا يقارن بما تفكر به ...
جلست محطمة الفؤاد تعيسة القلب تندب حظها العسر وما حل بها بدلًا من "زكيه" لتنظر نحو "راويه" بروح مهشمة ..
- تفتكري أبوكِ حيرجع تاني ، ولا خلاص كدة ؟!!
لم تبوح "روايه" بما تشعر به فتلك أول مرة ترى والدتها القوية صاحبة السطوة والمال محبطة يائسة مجروحة بهذا الشكل لتردف بتلطيف وطأة الأمر على والدتها رغم عدم يقينها بذلك ..
- أمال حيروح فين يعني ، حتلاقيه شوية وراجع ، هو أبويا ليه غيرنا ، إهدي بس وحتلاقيه يرجع تاني ...
وضعت يديها الغليظتان فوق رأسها المتألم تتأوه بقوة ...
- اااه يا دماغي ، الصداع حيموتني ، أنا ضغطي عالي ...
رغم رفض "راويه" للكثير من حديث والدتها الجاف معها إلا أنها تظل والدتها لتنهض ببطء قبل أن تجلس إلى جوارها تساندها ألمها وتحسر قلبها ...
❈-❈-❈
المطعم ...
لم يكن الأمر صدفة حين إصطحب "محب" لـ "وعد" لمطعم راقي لتناول الطعام ولم يكن صدفة إختياره لتناول السمك ، تلك الوجبة المفضلة لـ"وعد" ، تفضيل تناول السمك لهو أمر نادر بين الناس وبالأغلب حينما تتم دعوتك لتناول الطعام سوف تتوقع أى شئ إلا السمك ...
تفاجئت "وعد" بوجودها بهذا المطعم لتناظر "محب" بإندهاش ...
- سمك !!!!!
نظر نحوها كمن يحفر تفاصيل ملامحها بدقة داخل عيناه قبل أن يردف بحالمية ...
- عارف إن ده أكتر أكل بتحبيه ، عشان كدة قلت لازم أجيبك هنا ، ومن النهاردة كل إللي بتحبيه وبتتمنيه حتلاقيه قدامك ...
أليس كل ذلك شئ يدعو للسعادة ، أن تترك كل الظنون جانبًا وتنتهز من الحياة لحظاتها السعيدة ، ألم يحين وقت الهدنة وإنهاء هذا الصراع ...
لم تجد سوى كلمة هامسة تخرج من بين شفتيها تقابل بها حفظه بدقة لتفاصيلها الصغيرة وإدراكه لما تحب ...
- إنت بجد ؟!!
سحب "محب" المقعد لتجلس أولًا وهو يميل إلى جانب أذنها أثناء جلوسها ...
- إنتِ إللي بجد ؟! أنا لحد اللحظة دي مش مصدق نفسي ...
تعالت ضربات قلبها بقوة لتتورد وجنتيها خجلًا قائله ..
- إنت حتخليني أحبك ولا إيه ؟!!
تنهد "محب" بقوة مردفًا بتمني ...
- يااااه ، ده أنا كدة أبقى وصلت للسحاب ، تبقى أحلامي كلها إتحققت ، ده كل أملي إني بس أكون جنبك ، تخيلي بقى لو كمان تحبيني ...
جلس "محب" إلي المقعد المجاور لها ليرفع "زين" فوق ساقيه قائلًا ..
- من النهاردة أنا وإنتِ و "زين" حاجة واحدة ، لا يمكن نفترق أبدًا ، أنا نفسي أقولك كل إللي جوايا بس كل كلام الدنيا حاسس إنه ميقدرش يوصف قد إيه بحبك ، لكن لو كانت الكلمة دي تقول إللي جوايا ، فأنا حقولهالك دايمًا ، أنا بحبك بحبك بحبك ...
لف الصغير ذراعه خلف رقبة "محب" مرددًا بإبتسامته العذبة وكلماته المتقطعة ..
- أنا حِبك عمو ، أنا حِبك ...
هالة أحاطت تلك الأسرة الجديدة بروح من السعادة كقمر يسطع بسماء سوداء حالكة لينير طريقهم الجديد ...
❈-❈-❈
هويت من قمة جبل وتلاشت أمانىّ التى كنت آملها ، هل أعلن فشلي أم أن علىّ الإنتظار ولتكن مساحة هُدنة لترتيب أوراقي المبعثرة ...
وقفت "عتاب" تتطلع نحو الطريق بعيون حاقدة وهي تحدث نفسها المشحونة ...
- بقى كدة يا "محب" ، هو ده إللي إتقفنا عليه ، أه قلت له يوقعها فيه وفي غرامه بس مش لدرجة ياخدها يغديها بره ، يا ترى في دماغك إيه ...؟!!!
قضبت حاجبيها بتفكير متمعن قائله ..
- ولا يكون ده قصده فعلًا ، إنه بالصورة دي يكسب قلبها ويخليها تطمن له ، ده لو كدة يبقى جدع بصحيح ، أيوة ، هو ضروري كدة ده أخويا وأنا عارفاه ولا بيهمه حد غير مصلحته ، ومصلحته ترجع الفلوس لينا ، يبقى لازم أستنى وما أتسرعش ، "محب" أكيد أكيد في دماغه حاجة ...
مالت بفمها بزهو فما دبرته أوشك على التحقق ما عليها سوى الصبر والإنتظار ...
❈-❈-❈
بين كل كلمة وأخرى العديد من المسافات لكن هناك وقت لا يسعنا وضع الفواصل بينها بل يتوجب علينا إيقافها بنقطة تنهى سبيل الكلمات ...
هكذا ظن "بحر" أن لكل شئ نهاية وعليه وضعها بيديه ، فلن ينتظر أن تضيع "نغم" من بين يديه ولن يطيق ذلك ...
سيمفونية تغريد الطيور حلقت بإبداع تتراقص لها إبتسامة تلك المتشوقة بالشرفة فقد لاح طيف الحبيب ...
وقفت "نغم" تنتظر مرور "مأمون" لتسقى قلبها المتعطش لرؤياه فكم غاب بسفرته الأخيرة وإشتاقت له ...
مر "مأمون" يسير بخطواته الواثقة دون حياد يدرك تمامًا أنه قوى قادر على تغيير واقعه للأجمل ...
دون أن يرفع بصره تجاه بيت النجار كان متيقنًا من أن "نغم" تنتظر مروره ، إنه ليس بساذج ولم يدري عن عشقها له فهو يعرف ذلك جيدًا والأمر لم يكن وليد اللحظة وإنقاذ لموقف بمحض الصدفة ، لقد طلب زواجها وهو يعرف حقيقة مشاعرها تجاهه فهي واضحة لكل العيون إلا عيونها فقط من ظنت أنها تخفي ذلك عن بقية البشر ...
تلقائية سطحية عاشقة تميل لكونها طفلة ذات مشاعر فياضة لكنها نقية ، لم تتوقع سوى كلمة عابرة أو إسلوب حسن ، لم تكن تتخيل أن لعشقها مردود سيتحقق واقعًا ...
قبل أن يرفع "مأمون" عيناه البنيتان تجاه "نغم" إقتحم "بحر" طريقه بأعين تضج شراسة وغضب ليهتف بـ"مأمون" ...
- بقولك إيه ، أنا جاي لك بالطيب أحسن وبقولك إبعد عن "نغم" ...
رفع "مأمون" رأسه بغرور محقرًا من "بحر" ودس أنفه فيما لا يعنيه ليحدثه بإستهزاء ...
- وإنت مالك ، بت عمي وأنا أولى بيها ...
إتسعت عينا "بحر" بغضب فلن يتركها له ولن يسمح له بأن يهنأ بها ...
- إوعى تكون فاكرني ظريف و لطيف ومش حقدر أقف لك ، أنا بكلمك بالهداوة أحسن ما تندم ، أنا مش حسيبهالك ...
تطلع به "مأمون" بإشمئزاز يرمقه من أعلى رأسه لأصمخ قدميه ليردف بهدوء دون أن يؤثر به تهديد "بحر" مطلقًا ...
- إللي تقدر عليه يا شاطر ، إعمله ...
غرس "بحر" أصابعه بساعد "مأمون" تحفزًا لضربه فهو يستحق ذلك وعليه الإبتعاد عن "نغم" ولو كان بالإجبار ...
- يبقى إنت إللي جبته لنفسك بقى ...
وقبل أن ينهال "بحر" على "مأمون" بالضرب توقف لسماعه نداء "نغم" بتلهف فقد أسرعت نحوهم لتنهى هذا الشجار الذى لابد وأنها السبب به ..
- "بحر" ، بس كفاية ...
إلتفت كلاهما نحوها وهي تقف ناهجة الصدر إثر ركضها لدرجات السلم للحول بينهم ، حين إستطردت بوجه مقتضب تنهر "بحر" عن تدخله لهذا الحد ...
- فيه إيه ، ما تفهم بقى ، أنا مش عاوزاااك ، أنا عاوزة "مأمون" وبس ...
مال "مأمون" بفمه ساخرًا من "بحر" ليعقب بإستهزاء ..
- أهي صاحبة الشأن قالت لك بنفسها ، يا ريت تبطل برود وتورينا عرض أكتافك الحلوين دول ، بدل ما تتأذى يا شاطر ...
أشار "بحر" نحو "نغم" بينما وجه حديثه لـ"مأمون" ..
- دي طيبة وعلى نياتها ، متعرفش إنت إيه ، سيبها في حالها أحسن لك ..
ترك "مأمون" الرد لـ"نغم" حين أشار نحوها بكفيه يخبره بأنها هي من تختار ، توقع لم يخطئ به حين نهرته "نغم" بحده ...
- أنا مش صغيرة ومش محتاجة حد يقول أنا عايزة إيه ومش عايزة إيه ، ويا ريت متدخلش بينا تاني ، لأن وجودك أصلًا مرفوض ، الظاهر إني حكمت عليك غلط وإفتكرتك إنسان محترم ، لكن الظاهر إني كنت غلطانه ، إمشي من هنا ويا ريت منشوفش وشك تاني ...
أراد "بحر" لو يصرخ بها ليفيقها من تلك الغفلة ، لكنه إكتفى بترديد إسمها فقط ...
- "نغم" ...!!!
زجره "مأمون" يدفعه بقوة لينحيه عن طريقهم كما لو يطرده من أمامه ...
- ما كفاية بقى ، يلا إتكل على الله ، بني آدم سمج ...
تهدج صدر "بحر" بقوة فلم يكن هذا ما يسعى إليه ، لكن "مأمون" لن يحظى بـ"نغم" مهما كلفه الأمر سواء بطريق مشروع أو غير مشروع لكن عليه الآن أن يأخذ هُدنه لإيجاد مخرج لإيقاف تلك الزيجة بأى شكل كان ...
تركهم "بحر" مرغمًا لكن عازم على العودة ، بينما لاقت "نغم" نظرة خيلاء من "مأمون" سقطت ببحور عسلها لتهيم بهذا الرجل الذى كان دومًا قمة أحلامها ليردف بصوت رخيم ...
- بلاش تقفي في الشارع كدة ، إطلعي البيت فوق ، بغير عليكِ ...
تراقص قلبها بسعادة فهو يخشى عليها من عيون الناس ، إنه يحبها ويغير عليها ، إنها لن تجد بطلًا لقلبها مثل هذا المأمون الذى يستحق حبها وقلبها عن جدارة ، إنه من تستطيع أن تضحي له بحياتها وقلبها فدائه وهي راضية وسعيدة تمامًا ...
أومأت بخفة وقد إحتلت بسمة بلهاء فوق شفتيها الصغيرتين لتعود لبيتهم راكضة لا تشعر بملمس الأرض أسفل قدميها فيبدو أنها من السعادة تطير ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
حل المساء وأخذت السماء تطل بظلامها المعهود ليبث بعض التوجس بقلب تلك المسافرة من طريق لطريق ومن حافلة لأخرى ، توقفت الحافلة الأخيرة بقارعة الطريق ليلتف السائق نحو الخلف قائلًا ...
- هو ده طريق المدخل يا أبله ، إدخلي شمال كدة حتلاقي الموقف ، إسالي هناك ألف مين يدلك ...
أومأت "شجن" بخفه تفهمًا لتترجل من تلك الحافلة باحثة عن آخر وسيلة نقل لإيصالها لبيت العم "أيوب" فيبدو أن بيته بعيد للغاية ، لم تكن تظن ذلك بالمرة ...
تحركت بدون وجهة تبحث عن تلك السيارات التى أخبرها بها هذا السائق لتجد سيارات بالفعل بالجانب الأيمن لتستفسر أولًا قبل أن تستقل إحداهم رغم تخوفها من المجهول القادم ...
- لو سمحت ، العربيات دي رايحه فين ؟؟!
تطلع نحوها أحد السائقين مستغربًا من هيئتها المدنية للغاية بهذه المنطقة الريفية ليجيبها بتساؤل آخر ...
- إنتِ رايحة فين يا أبله ...؟؟
لم لا يجيبها أحد بدون فضول لمعرفة من أين أتت وأين ستذهب ، ألا يكفيها شعورها بالتخوف ورغبتها بالعودة ، ذلك الشعور الذى أخذ يلح عليها منذ قليل بأنها أخطأت لترك بيتهم ، هل كانت أمها محقة ؟؟! هل بيتهم القبيح وساكنيه قساة القلوب أرحم من غربتها وتشتتها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
مطت شفتيها بإمتعاض لتجيبه بضجر ...
- أنا عايزة العربية اللي بتحمل طريق النوبارية ...
أشار لها السائق على الفور تجاه إحدى الحافلات الصغيرة قائلًا ...
- إركبي العربية دي ( ثم أعلى صوته مناديًا أحدهم) ، يا "جمعة" ، ركب الأبله معاك ...
إتجهت "شجن" نحو هذا المدعو "جمعة" لتصعد لتلك الحافلة تستقر بأحد مقاعدها بهدوء ...
بعد إنتظار القليل من الوقت بدأت الحافلة بالتحرك لتسأل "شجن" تلك المرأة الريفية إلي جوارها بنبرة منخفضة ...
- لو سمحتي عايزة أروح مزرعة إسمها الأيوبي تعرفيها ؟؟!
بإيمائة قوية وصوت رنان أجابتها تلك السيدة بتلقائية ...
- إلا عارفاهي ( عارفاها) ، هو فيه حد في الناحية كُلِهي (كلها) ميعرفش المزرعة ، لما تيچي مجربة (مقربة) حجولك (حقولك) ...
إنتظرت "شجن" إعتمادًا على تلك السيدة بينما إمتعضت ملامحها قليلًا فيبدو أن العم "أيوب" رجل ريفي بحال بسيط وستثقل عليه ببقائها ، ليتها لم تأتي وتحاملت على نفسها وتقبلت أمر زواج "نغم" وأعلنت الهُدنة مع "صباح" و أبناء عمها ...
على الرغم من أن الحافلة إتخذت هذا الطريق الفرعي إلا أنها وجدته أكثر إتساعًا وترتيبًا عن الطريق الذى كان ببداية تحركهم ..
إنها مزرعة كبيرة بالفعل لم تنتظر حتى أن تخبرها السيدة أن تلك هي المزرعة فقد لاحظتها جيدًا ، مزرعة كبيرة للغاية تحمل العديد والعديد من الأشجار المثمرة والنخيل ، مشهد مبدع مريح للعين والنفس رغم أن الليل قد حل إلا أن الأضواء الكاشفة المحيطة بالمزرعة كانت مبهرة للغاية ...
شردت بخيالها تناظر هذا السحر الطبيعي حين تعالى صوت السيدة الجالسة إلى جوارها ...
- على چنب يا أسطي ( ثم إلتفت نحو "شجن" قائلة) ، المزرعة أهي ، إنزلي بجى (بقى) ..
إنتبهت "شجن" إلى أنها وصلت لغايتها وإنتهى طريق سفرها الطويل ...
ترجلت من الحافلة تحمل حقيبتها فوق كتفها لتتسع عيناها إندهاشًا فقد أخبرها العم "أيوب" أنه يقطن ببيته بتلك المزرعة بمنطقة تسمى (النوبارية) لكن ما تراه أمامها لا يقال عنه أقل من فيلا أو بيت ضخم للغاية لتتسائل بتعجب ..
- هو ده بيت عم "أيوب" ؟؟؟ ولا يكون بيشتغل هنا !!!
تقدمت تسحب شهيقًا طويلًا بهذا الهواء المنعش تملئ به رئتيها لتسأل عن "أيوب" أولًا حتى لا تشعر بالحرج إن كان هنا مجرد عامل فقط ..
تقدمت بممر بين مدخل منمق بأشجار زينة قصيرة وأنوار تضئ محيط البيت بأكمله لتتجه نحو باب البيت تدقه بترقب ...
فتحت سيدة ريفية بأواخر عقدها السادس لتهتف بإبتسامة مرحبة بحفاوة ...
- إنتِ ست "شچن" الدكتورة صح ؟؟
وفرت عليها مشقة التعريف عن نفسها لكنها مجرد ممرضة بسيطة وليست طبيبة لتبتسم محاولة تصحيح الأمر ..
- أيوة أنا "شجن" ، بس أنا مش دكتورة ، أنا ااا ...
قاطعتها السيدة بتعجل ...
- المهم إن إنتِ وصلتي بالسلامِه ، الحاچ "أيوب" مستنظرك (منتظرك) فوج (فوق) ، يا ألف بركة ، ما مية خطوة عزيزِه ...
دلفت "شجن" تتطلع نحو أركان البيت الكبير المؤثث برقي وهدوء ، يوحي بالثراء رغم ذوقه الهادئ ...
صعدت الدرج من خلف السيدة لتجد ممر طويل على الجانبين ممتلئ بأبواب الغرف لكنها أكملت تتبعها لتلك السيدة لمقابلة "أيوب" ...
بغرفة كبيرة تحتوى جميع وسائل الراحة لهذا الرجل المقعد وجدت "أيوب" ينتظرها جالسًا بأحد المقاعد المتحركة يشرق وجهه بسعادة لقدومها ...
- بنتي "شجن" ، حمد الله على السلامة ...
زال تخوفها ورهبتها على الفور فما شعرت به بالمستشفى شعرت به الآن تجاه هذا الرجل الذى يشبه والدها رحمة الله عليه ، تقدمت بإبتسامتها العريضة مردفة ...
- إزيك يا عم "أيوب" ، صحتك عاملة إيه دلوقتِ ؟؟؟؟
- دلوقتِ أنا بقيت كويس أوى أوى أوى ، معلش يا بنتي لولا إن أنا معنديش سواق كنت بعتلك العربية لحد عندك جابتك لحد هنا ، بس أعمل إيه ، السواق إللي كان عندي راح يشتغل في شركة ما أهو أنا مبقتش أروح وآجي كتير زي الأول ...
مفاجئتها بأنه من أصحاب الثروات أثار بداخلها العديد من الأسئلة لتردف بشقاوة ...
- ده أنا عندي أسئلة كتير أوي مش بس عن العربية والسواق ، إنت ضحكت عليا كنت فاكراك راجل على قد حالك زينا ، طلعت من البشوات والبهوات ..
ضحك "أيوب" من قلبه فقد تناسي الضحك منذ سنوات طويلة ليردف بقلب نقي ...
- مش جيتي بالسلامة ، حقعد أحكي لك كل حاجة عني وعن حياتي والدنيا كلها ، المهم دلوقتِ ترتاحي بعد السفر الطويل ده والأيام جايه تحكي لي وأحكي لك ...
كان محقًا بالفعل فقد كانت منهكة تمامًا لتومئ بالإيجاب ليشير "أيوب" تجاه السيدة قائلًا ...
- "أم محمد" بتيجي كل يوم الصبح تنظف البيت وتعمل الأكل أنا خليتها تستنى النهاردة عشان تستقبلك ، ( ثم وجه حديثه للسيدة ) ، وصليها بقى لأوضتها وإتكلي إنتِ على الله ...
- حاضر يا حاچ ...
قالتها "أم محمد" لتدعو "شجن" لغرفتها ...
- تعالي يا ست "شچن" ...
رافقتها "أم محمد" لغرفة جانبية رائعة مؤثثة بشكل زاهي مريح للنفس ، غرفة لم تكن تحلم هي و أمها وأختها بالعيش بها ، لقد أصبحت لها غرفة جميلة مستقلة لم تحظي بها مطلقًا من قبل ...
بتلك اللحظة شعرت بحُسن إختيارها وأنها بالتأكيد ستسعد هنا وأنها قد وفقت بتفكيرها فقد حان الوقت لحياة رغدة هادئة بعيدة عن بيت النجار ....
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
مبني المخابرات العامة (الجهاز) ...
توقفت السيارة أمام مبني الجهاز لينظر أحد الضباط من النافذة نحو داخل السيارة قائلًا ...
- حمد الله على سلامتكم ، "نظمي" بيه نازل لكم على طول ...
أعاد "معتصم" رأسه للخلف يسندها لمؤخرة للمقعد بإنهاك ليغمض عيناه للحظات حين إستمع لصوت "نظمي" يخترق السكون من حولهم ، فيما كانت "عهد" تطالعه بصمت وربما بإشفاق على كل تلك الجروح التي سببتها الرصاصات صباح اليوم ...
تحدث "نظمي" بصوت جهور خشن جعل "معتصم" يرفع رأسه بتشدق ..
- حمد الله على السلامه يا وحش ..
رغم تألمه الشديد بأماكن متفرقة بذراعيه وساقه لكنها كانت جروح سطحية فمن حُسن حظه أن الرصاص لم يخترق جسده ، أجابه بصمود كما لو أنه لا يشعر بأي ألم ...
- الله يسلمك يا "نظمي" بيه ..
أومأ "نظمي" رأسه يجوب بعينيه بين تلك الضمادات المتفرقة وذراعه المعلق برقبته ...
- الموضوع ده مش حيعدي بالساهل ، بس إعتبر نفسك في أجازة إسبوع تشد فيه حيلك كدة ولما ترجع أكيد التحقيق إللي فتحناه حيكون وصل لنتيجة ...
لم يعترض "معتصم" على تلك الراحة الإجبارية فهو يحتاجها بالفعل ، بينما أكمل "نظمي" حديثه لـ"عهد" الصامتة بشكل لم يعتاده منها ...
- وإنتِ يا "عهد" ، رغم إن فيه شوية تحفظات على مواجهتك للإشتباكات النهاردة ، إلا إن رجوع "معتصم" و "حليم" بالسلامة حيخليني أتغاضي عنها ، وإعتبري نفسك إنتِ كمان أجازة في الأسبوع ده ، ولما ترجعوا تكملوا شغل مع الفريق ..
تمالكت نفسها بقوة حتى لا تنفعل على هذا الرجل الذى لم يقدر أبدًا مخاطرتها بحياتها لأجل عملها لكنها عاهدت نفسها ألا تتحدث اليوم بعد حديثها مع "معتصم" فبداخلها إحساس غريب بأن الجميع يدرك الأمر وأن مشاعرها باتت مكشوفة كمن أزيل عنها حجابها المخفي لهشاشتها ...
بنظرة جانبية تعجب "معتصم" لعدم هجومها المعتاد ليدرك بأن بمتوحشته شئ ما إختلف عما كانت عليه ...
إبتلعت أمر قيامها بعطلة على مضض لتستغلها كهُدنة تستعيد بها قوتها مرة أخرى لكنها إلتزمت بالصمت ...
أشار "نظمي" تجاه أحدهم آمرًا إياه ...
- وصل الباشا لبيته ، ووصل حضرة الضابط "عهد" برضه وتيجي تسلم العربية في الجراچ ...
بطاعة مفروضة عليه جلس السائق خلف عجلة القيادة دون نقاش ليقوم بإيصال "عهد" أولًا لبيتها ثم يمر ببيت عائلة دويدار لإيصال "معتصم" ...
توقفت السيارة أمام بيت "عهد" لتترجل على الفور وتخطو بجديتها عدة خطوات قبل أن تجد ما يدفعها لأن تستدير نحو الخلف ناظرة نحو السيارة التى مازالت متوقفة ، نظرة تحمل خوف وتوجس ووداع وأيضًا لمحة محبة ، وجود السائق منع "معتصم" من التحدث إليها طيلة الطريق وحتى وصولها لبيتها ، لكن توقفها وإستدارتها نحوه جعلته يتشدق بنشوة لتكسو عيناه نظرات تبادلها معها بلحظة تمني ألا تنتهي يودعها بها متمنيًا لقاء آخر يجمعه بها ...
إلتفت مسرعة لتصعد لشقتها قبل أن يخونها قلبها وتستسلم لهذا الغامض الذى زلزل كيانها وأرهب قلبها ...
بدأت السيارة بالتحرك لأيصال "معتصم" ليبتسم بدهاء فلقد أدرك أين تقطن فربما يحتاج العنوان فيما بعد ...
❈-❈-❈
حياتنا فصول تتقلب بين أوجهها الأربعة ، تموج أيامنا ما بين ربيعها وخريفها ، زهور تتفتح وأوراق تتساقط ، لكنها تمر بكل تفاصيلها الحلوة والمُرة ، تعاقبت الأيام لنصل لنهاية هذا الأسبوع ، إنه ليوم مترقب من الجميع ، فبعض الأحلام لا تتحقق بالخيال فقط بل هناك من يسعى دؤوبًا لتحقيقها ...
(يوم الجمعة) يوم تتجمع به قلوب مُحبة لطالما إنتظرت هذا اليوم ...
بفستان بسيط للغاية ربما لا يتناسب بحجم تلك المناسبة وأهميتها بحياتها ، جلست "نغم" ترتدي فستان من طبقات الشيفون الأبيض تتطاير فوقه بعض الورود البيضاء الصغيرة لتظهر بطلة ساحرة نقية للغاية لاقت بها بشكل كبير ...
رفعت "نغم" عيناها تجاه هذا الوسيم الذي جلس بكامل أناقته مرتديًا حُلة سوداء وربطة عنق باللون الأحمر ، صفف "مأمون" شعره الأسود بعناية ليظهر متوهجًا خاطفًا لقلبها الصغير ..
دارت بعينيها السوداوتين بالحضور وقد إمتزجت مشاعرها بمزيد من الفرحة و الإنكسار معًا فقد تمنت أن يشاركها كل أحبائها هذا اليوم ..
تنفست بعمق رغم نظراتها الحزينة تنتظر أن تغلب عليها فرحتها بعقد قرآنها اليوم على "مأمون" الذي ظنت أن بدايةً من اليوم قد خُلقت السعادة لها ...
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
بآيات قرآنية ترهف القلوب بدأ الشيخ حديثه ليبدأ عقد قرآن "مأمون" و"نغم" ، كان عمها "فخري" هو وكيلها الذي وضع يده بيد إبنه ليتوج صبرها الطويل بإعلانهما زوج وزوجة أخيرًا ...
ربما أسعدتها رؤية "مأمون" يبتسم لها بهدوء ليزيح هذا الثقل عن قلبها ، لجملة وحيدة تخرج من بين شفتيه لها مفعول ساحر كترياق يشفي علتها وحالمية تنسيها كل ما مرت به ، حتى وحدتها بهذا اليوم ...
همس "مأمون" بإبتسامة بعد عقد القرآن يخص تلك المتيمة بحديثه الهادئ قائلًا ...
- مبروك يا قمر إنتِ ...
إنتفض قلبها بسعادة فهو حُلمها الذى تحقق ، وهو السعادة التي أخيرًا ستطرق بابها ...
لم يكن هذا عقد القرآن الوحيد فهناك عقد آخر بأحاسيس أخرى تموج بين قلوب كل الحاضرين ...
بإحدى القاعات الصغيرة المخصصة للإحتفالات وقف "رؤوف" مرتديًا حلته السوداء وربطة عنقة الصغيرة بذات اللون ليظهر بشكل لطيف للغاية ...
لكنه على غير العادة كان هادئًا رزينًا ، ربما هذا هو المظهر الذي كان يود أبيه أن يظهر به الوقار والرزانة ، أليست تلك كانت إحدى أمنياته له ...
مع دقات بعض أنغام الموسيقى دلفت "نيره" ترتدي فستانًا بلون الفستق تلملم شعرها البني من إحدى جانبيه لتُسدله من الجانب الآخر ترفعه بطوق من الكريستالات الفستقية أيضًا ، إتساع إبتسامتها العريضة تنبع من فرحتها الغامرة فهي عروس اليوم ...
رؤية "رؤوف" لتلك الإبتسامة أكدت له بأنه على الطريق الصحيح ، فـ بالرغم من المساوئ التي تتحلى بها إلا أن رفضه للزواج منها لم يكن سيمر علي قلبها بسهولة ، بل كان سيحطمها بالفعل ..
فـ هي لا تستحق الخذلان ، حتى و إن كانت نبتت بقلبه بعض المشاعر تجاه أخرى ...
جلست "نيره" إلى جوار والدها بينما توسط الشيخ جلسته بينهم وبين "رؤوف" ووالده (خالد دويدار) ....
ناظرتهم تلك العيون السعيدة بفرحة لتجمُع هذان الحبيبان بجو عائلي بسيط حضرت به عائله كل منهما فقط ...
وصل "عيسى" و"غدير" صباح اليوم بعد سفرهم للغردقة لحضور عقد قرآن "رؤوف" و "نيره" ...
إستقرت الأمور بينهما وحلت الثقة بديلًا للظنون كان كعصفورين مغردين يتوالفا بتفاهم و إنسجام حتى كادا يسرقان الأضواء من العروسين ...
مجنون بك و أتخلى عن عقلي حين يهل طيفك عليه ، هكذا كان "معتصم" الذي تماثل للشفاء بشكل ملحوظ بعد مرور هذا الأسبوع بأكمله ...
وقف يميل فمه بإبتسامة ضعيفة حين طغى خيال متوحشته بفكره ، فقد تخيل وقوف "عهد" بديلة لـ"نيره" ، فهي بالتأكيد لن تكون أبدًا بتلك الوداعة ، فبالتأكيد سيكون رد فعلها شرسًا للغاية حتى ولو بيوم مميز كهذا ...
رفع هاتفه ينظر إلى شاشته ليتراجع بعض الخطوات إلى الخلف لينسل من بين الحضور دون أن ينتبه إليه أحد متجهًا لبيت تلك المتوحشة لينهي على ما بداخله من ظنون ويقطع الشك باليقين فاليوم ستنتهي تلك الهُدنة و عليه إعلان الحرب ...
ومازالت للأحداث بقية بالجزء الثاني من رواية #ظننتك_قلبي
#قوت_القلوب
#الجزء_الأول
#الخاتمة
(وإلى أن نلتقي بالجزء الثاني أتمنى لكم قراءة ممتعة ، أسعدني وجودكم فقد زدتم كلماتي رونق بحضوركم دمتم دائمًا بود ،،،
إلى اللقاء و الجزء الثاني من رواية (ظننتك قلبي .. لكن بعد الظن إثم) في القريب بإذن الله ...)
رشا روميه ... (قوت القلوب)
يتبع الفصل كاملا اضغط هنا ملحوظه اكتب في جوجل "رواية ظننتك قلبي دليل الروايات" لكي تظهر لك كاملة
•تابع الفصل التالي "رواية ظننتك قلبي" اضغط على اسم الرواية